الدعاء

اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الاثنين، 29 أغسطس 2022

ج9.وج10.الاستذكار أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

 

9. الاستذكار
المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

واما الشهادة على الولادة وعلى عيوب النساء فلا تجوز عندهم بالقول من اربعة نسوة وتجوز عند مالك شهادة امراتين في ذلك واما الكوفيون فلا يلحق عندهم ولد الامة الا بدعوى السيد له وسواء اقر بوطئها او لم تقر متى نفاه لم يلحق به عندهم كانت ممن يخرج ويتصرف او لم تكن وسلف الكوفيين في هذه المسالة بن عباس وزيد بن ثابت كما ان سلف اهل الحجاز عمر بن الخطاب روى شعبة عن عمارة بن ابي حفصة عن عكرمة عن بن عباس انه كان ياتي جارية له فحملت فقال ليس مني اني اتيتها اتيانا لا اريد به الولد قال ابو عمر يعني العزل وروى سفيان بن عيينة عن ابي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت ان اباه كان يعزل عن جارية فارسية فجاءت بحمل فانكره وقال اني لم اكن اريد ولدك وروى شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال ولدت جارية لزيد بن ثابت فقال انه ليس مني واني كنت اعزل عنها قال ابو عمر احتج الطحاوي للكوفيين من جهة النظر بما قد نقضه الشافعيون فلم ار لذكره وجها ويجوز عند الكوفيين في الولادة وفي عيوب النساء التي لا يطلع عليها الرجال امراة واحدة ولكل واحد من هؤلاء الفقهاء الثلاثة سلف قالوا بقولهم وعدد الشهود في الشهادات اصول في انفسها لا مدخل للنظر والقياس فيها قال مالك الامر عندنا في ام الولد اذا جنت جناية ضمن سيدها ما بينها وبين قيمتها وليس له ان يسلمها وليس عليه ان يحمل من جنايتها اكثر من قيمتها قال ابو عمر اختلف الفقهاء في جناية ام الولد فمذهب مالك واصحابه ما ذكره في الموطأ قالوا لا سبيل إلى إسلام ام الولد بجنايتها وعلى السيد الاقل من ارش الجناية او قيمة رقبتها ان جنت بعد ذلك كان عليه اخراج قيمتها مرة ثانية وكذلك ثالثة ورابعة واكثر وهو قول زفر وقول الشافعي المشهور في ام الولد انها لا تسلم بجنايتها وعلى سيدها ان

يفديها بالاقل من قيمتها او ارش الجناية فان عادت فجنت فله فيها قولان احدهما كقول مالك والاخر ان يكون المجني عليه شريكا للاول فيما اخذ من قيمتها اذا كان الاول قد استوفى قيمتها كلها وان لم يكن استوفاها غرم السيد بقيمة قيمتها ورجع المجني عليه الثاني على الاول فشاركه بباقي ارش جنايته وكذلك كل ما جنت ايضا وقول ابي حنيفة في ام الولد انه لا يسلمها سيدها ابدا لجنايتها وعليه ان يفتديها بالاقل من ارش الجناية او قيمة رقبتها فان جنت بعد ذلك فالمجني عليه شريك الاول وقال الليث بن سعد في جناية ام الولد يخير مولاها بين ان يؤدي عنها جنايتها وبين رقبتها فان شاء ان يخليها سعى في قيمتها ليس على المولى وروى بشر بن الوليد عن ابي يوسف قال سالت ربيعة بن ابي عبد الرحمن عن ام ولد قتلت رجلا فقال لمولاه اد دية قتيلها فان فعل ذلك والا اعتقها عليه وجعل دية قتيلها على عاقلتها قال ابو عمر وهذا كله على قول من لا يرى بيع امهات الاولاد ولا يقول بعتقهن باب القضاء في عمارة الموات مالك عن هشام بن عروة عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من احيا ارضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق قال مالك والعرق الظالم كل ما احتفر او اخذ او غرس بغير حق مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن ابيه ان عمر بن الخطاب قال من احيا ارضا ميتة فهي له قال مالك وعلى ذلك الامر عندنا

قال ابو عمر لم يختلف على مالك في ارسال هذا الحديث عن هشام عن ابيه وقد اختلف فيه على هشام فروته طائفة كما رواه مالك مرسلا وهو اصح ما فيه ان شاء الله عز وجل وروته طائفة عن هشام عن وهب بن كيسان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه اخرون عن هشام عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع عن جابر ومنهم من يقول فيه عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع اضطربوا فيه على هشام كثيرا وقد ذكرنا الاسانيد بذلك في التمهيد واتينا باختلاف الفاظ الناقلين له ذلك والحمد لله كثيرا وذكر عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة قال خاصم رجل إلى عمر بن عبد العزيز في ارض حازها فقال عمر من احيا من ميت الارض شيئا فهو له فقال له عروة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احيا شيئا من ميت الارض فهو له وليس لعرق ظالم حق قال عروة والعرق الظالم ان ينطلق الرجل إلى ارض غيره فيغرسها اخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني هناد بن السري قال حدثني عبده عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من احيا ارضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق قال عروة ولقد حدثني الذي حدثني هذا الحديث ان رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس احدهما نخلا في ارض الاخر فقضى لصاحب الارض بأرضه وامر صاحب النخل ان يخرج نخلة منها قال فلقد رايتها وانها لتضرب اصولها بالفؤوس وانها لنخل عم حتى اخرجت منها وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني احمد بن عبدة الاملي قال حدثني عبد الله بن عثمان قال حدثني بن المبارك اخبرنا نافع بن عمر الجمحي عن بن ابي مليكة عن عروة قال اشهد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ان الارض ارض الله والعباد عباد الله ومن احيا مواتا فهو احق به جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين جاؤوا بالصلوات عنه قال ابو عمر رواية يحيى بن عروة عن عروة ورواية بن ابي مليكة عن

عروة يقضيان على ان من روى هذا الحديث مرسلا كما رواه مالك اصح من رواية من اسنده والله اعلم ويشهد ذلك اختلاف الذين اسندوه في اسناده وقد رواه عمرو بن عوف المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم الا من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن ابيه عن جده وكثير متروك الحديث والحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تلقاه العلماء بالقبول ولم يختلفوا ان معنى قوله صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق انه الغرس في ارض غيرك على هذا خرج اللفظ المقصود به إلى هذا المعنى وكل ما كان مثله فله حكمه وكذلك فسره عروة وهشام ومالك وقال بن وهب اخبرني مالك قال هشام العرق الظالم ان يغرس الرجل في ارض غيره ليستحقها بذلك قال مالك والعرق الظالم كل ما اخذ واحتكر واغترس في غير حق واما قوله من احيا ارضا ميتة فالميتة البور الشامخ من الشعواء وما كان مثلها واحياؤها ان يعمل حتى تعود ارضا بيضاء تصلح ان تكون مزروعة بعد حالها الاول فان غرسها بعد ذلك او زرعها فهو ابلغ في احيائها وهو ما لا خلاف فيه فاختلف في التحجير عليها بالحيطان هل يكون ذلك احياء لها ام لا قال بن القاسم لا يعرف مالك التحجير احياء ولا ما روي من حجر ارضا وتركها ثلاث سنين فان احياها والا فهي لمن احياها لا يعرف مالك ذلك وانما الاحياء عنده في ميت الارض شق الانهار وحفر الابار والعيون وغرس الشجر والحرث وقال اشهب لو نزل قوم من ارض البرية فجعلوا ويزرعون ما حولها فذلك احياء لها وهم احق بها من غيرهم ما اقاموا عليها قال ابو عمر هذا كله انما هو في الموات الذي لا يعرف له مالك باكتساب او ميراث واما ما عرف له مالك باكتساب او ميراث فليس من الموات الذي يعرف يكون لمن احياه وقد قال من احيا ارضا ثم تركها حتى دثرت وطال زمانها وهلكت

الاشجار وتهدمت الابار وعادت كاول مرة ثم احياها غيره فهي لمحييها الثاني بخلاف ما يملكه بخطه او شراء وقال الشافعي بلاد المسلمين شيئان عامر وموات فالعامر لاهله وكذلك كل ما يصلح به العامر من قناء وطريق وسبل ماء وغيره فهو كالعامر في ان لا يملك على اهله الا باذنهم قال والموات شيئان موات قد كان عامرا لاهله معروفا في الاسلام ثم ذهبت عنه عمارته فصار مواتا فذلك كالعامر هو لاهله ابدا لا يملك عليهم الا باذنهم والموات الثاني ما لم يملكه احد في الاسلام ولا عمر في الجاهلية عمارة ورثته في الاسلام فذلك الموات الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من احيا ارضا ميتة فهي له ومن احيا مواتا فهو له قال الشافعي والاحياء ما عرفه الناس احياء لمثل المحيا ان كان مسكنا فانه يبني بناء مثله او ما يقرب منه قال واقل عمارة الارض الزرع فيها وحفر البئر ونحو ذلك قال ومن اقتطع ارضا وجحدها ولم يعمرها رايت للسلطان ان يقول له ان أحييتها والا خلينا بينها وبين من يحييها فان تاجله رايت ان يفعل قال فاذا احيا الارض بما تحيى به ملكها ملكا صحيحا لم تخرج عنه ابدا ولا عن ورثته بعده الا بما تخرج به الاملاك عن اربابها واما ابو حنيفة فمذهبه ان كل الارض يملكها مسلم او ذمي لا يزول ملكها عنها بخرابها وكل ما قرب من العمران فليس بموات وما بعد منه فلم يملك قبل ذلك فهو موات وهذا كله قول ابي حنيفة وابي يوسف ومحمد وذكر اصحاب الاملاء عن ابي يوسف ان الموات هو الذي اذا وقف رجل على ادناه من العامر فنادى باعلى صوته لم يسمعه من في اقرب العامر إليه واختلفوا هل يحتاج في احياء الموات إلى اذن الامام ام لا يصح الاحياء للموات الا باقطاع من الامام فقال مالك اما ما كان قريبا من العمران فلا يحاز ولا يعمر الا باذن الامام واما ما كان في الارض فلك ان تحييه بغير اذن الامام

وقال ابو حنيفة ليس لاحد ان يحيي مواتا من الارض الا باذن الامام ولا يملك منه شيئا الا بتمليك الامام له اياه قال ابو عمر التمليك من الامام هو اقطاعه لمن اقطعه اياه وقال ابو يوسف ومحمد والشافعي من احيا مواتا من الارض فقد ملكه اذن الامام في ذلك ام لم ياذن قال الشافعي وعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة لكل من احيا مواتا اثبت من عطية من بعده من سلطان او غيره وهو قول احمد واسحاق وابي ثور وداود وقولهم في هذا الباب كله نحو قول الشافعي وقال ابو حنيفة واصحابه من ملكه الامام مواتا فاحياه واخرجه من الموات إلى العمران فيما بينه وبين ثلاث سنين ثم ملكه فيه وان تركه ولم يعمره حتى مضت ثلاث سنين بطل اقطاع الامام اياه ذلك وعاد إلى ما كان عليه قبل اقطاع الامام ذلك قال ابو عمر ليس عند مالك والشافعي واصحابهما ومن ذكرنا معهما في ذلك حد وانما هو اجتهاد الامام يؤجله على حسب ما يراه فان عمره والا يقطعه غيره ممن يعمره قال ابو عمر ذهبت طائفة من التابعين ومن بعدهم إلى ان من حجر على موات فقد ملكه واحتجوا بما رواه شعبة وغيره عن قتادة عن الحسن عن سمرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من احاط حائطا على ارض فهو له وروى عبد الرزاق عن معمر عن بن عيينة عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر قال كان الناس يتحجرون على عهد عمر في الارض التي ليست لاحد فقال عمر من احيا ارضا فهي له وهذا والله اعلم على ان التحجير غير الاحياء على ما قاله اكثر العلماء وروى بن عيينة عن بن ابي نجيح عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم اقطع ناسا من جهينة او مزينة ارضا فعطلوها فجاء قوم فعمروها

فخاصمهم اصحاب الارض إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال عمر لو كانت قطيعة من ابي بكر او مني لم اردها اليكم ولكنها قطيعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نستطيع الا ان اردها فردها اليهم ثم قال عمر من اقطع ارضا فعطلها صاحبها ثلاث سنين ثم احياها غيره فهو احق بها باب القضاء في المياه مالك عن عبد الله بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم انه بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سيل مهزور ومذينب يمسك حتى الكعبين ثم يرسل الاعلى على الاسفل لم يختلف في ارسال هذا الحديث في الموطا وقد روي مسندا من رواية اهل المدينة اخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني محمد بن العلاء قال حدثني ابو اسامة عن الوليد بن كثير عن ابي مالك بن ثعلبة عن ابيه ثعلبة بن ابي مالك انه سمع كبراءهم يذكرون ان رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مهزور يعني السيل الذي يقتسمون ماءه فقضى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الماء إلى الكعبين لا يحبس الاعلى عن الاسفل وحدثني خلف بن القاسم قال حدثني بكر بن عبد الرحمن العطار بمصر قال حدثني احمد بن سليمان بن صالح بن صفوان قال حدثني ابو صالح الحراني عبد الغفار بن داود قال حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن ابي مالك بن ثعلبة عن ابيه ان النبي صلى الله عليه وسلم اتاه اهل مهزور فقضى ان الماء اذا بلغ الكعبين لم يحبس الاعلى واخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني احمد بن عبدة قال حدثني المغيرة بن عبد الرحمن قال

اخبرني ابي عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور ان يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الاعلى على الاسفل قال ابو عمر ليس في شيء من هذه الاحاديث المسندة ذكر مذينب ومهزور واديان بالمدينة معروفان يستويان يسيلان بالمطر ويتنافس اهل المدينة في سيلهما فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيلهما انه للاعلى فاعلى والاقرب إلى السيل فالاقرب يمسك الاعلى جميع الماء حتى يبلغ الكعبين ثم يرسله إلى من تحته ممن يليه وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال نظرنا في قول النبي صلى الله عليه وسلم احبس الماء حتى يبلغ الجدر فكان إلى الكعبين قال ابو عمر قوله حتى يبلغ الجدر كلام ورد في حديث الزهري عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن الزبير في خصومة مع الانصار في شراج الحرة وقد ذكرناه باسناده في التمهيد من رواية بن وهب عن الليث ويونس عن بن شهاب الزهري واختلف اصحاب مالك فيما يرسل الاعلى من الماء على الاسفل بعد بلوغ الماء إلى الكعبين فذكر بن حبيب عن مطرف وبن الماجشون انه يصرف الاعلى من الماء ما زاد على مقدار الكعبين إلى من يليه والذي يليه كذلك ايضا هكذا ابدا ما بقي شيء من الماء قال وقاله بن وهب قال وقال بن القاسم بل يرسل الماء كله اذا بلغ الكعبين إلى جاره الذي تحته ولا يحبس منه شيئا وكذلك يصنع الذي تحته بالذي يليه ايضا اذا بلغ الماء في ارضه إلى الكعبين ارسل الماء كله إلى من تحته

وروى زياد عن مالك قال تفسير ذلك ان يجد في الأول الذي حائطه اقرب إلى الماء يجري الماء في ساقيته إلى حائطه بقدر ما يكون الماء في الساقية إلى حد كعبيه فيجزئه كذلك في حائطه حتى يرويه ثم يفعل الذي يليه كذلك ثم الذي يليه كذلك ما بقي من الماء شيء قال وهذه السنة فيهما وفيما يشبههما مما ليس لأحد فيها حق معين الأول احق بالتبدئة ثم الذي يليه إلى اخرهم رجلا باب القضاء في المرفق مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ضرر ولا ضرار هكذا هذا الحديث في الموطا عند جميع الرواة مرسلا وقد رواه الدراوردي عن عمرو بن يحيى عن ابيه عن ابي سعيد الخدري مسندا حدثني عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثني احمد بن محمد بن إسماعيل بن الفرج قال حدثني ابو علي الحسن بن سليمان قبيطة قال حدثني عبد الملك بن معاذ النصيبي قال حدثني عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن ابيه عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار من اضر أضر الله به ومن شاق شاق الله عليه

قال ابو عمر قوله لا ضرر ولا ضرار قيل فيه اقوال احدها انهما لفظتان بمعنى واحد فتكلم بهما جميعا على معنى التاكيد وقيل بل هما بمعنى القتل والقتال كانه قال لا يضر احد احدا ابتداء ولا يضره ان ضره وليصبر وهي مفاعلة وان انتصر فلا يعتدي ونحو هذا كما قال ولا تخن من خانك يريد باكثر من انتصارك منه بالسوار او لمن صبر وغفر ان ذلك لمن عزم الامور وقال بن حبيب الضرر عند اهل العربية الاسم والضرار الفعل قال والمعنى لا يدخل على احد ضررا لم يدخله على نفسه ومعنى لا ضرار لا يضار احد باحد هذا ما حكى بن حبيب وقال الخشني الضرر الذي لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة والضرار ما ليس لك فيه منفعة وعلى جارك فيه مضرة وهذا وجه حسن في الحديث والله اعلم وهو لفظ عام متصرف في اكثر امور الدنيا ولا يكاد ان يحاط بوصفه الا ان الفقهاء ينزعون به في اشياء مختلفة ياتي ذكرها في ابوابها ان شاء الله عز وجل وقد ذكرنا منها طرفا دالا على ما سواه في التمهيد حدثني خلف بن قاسم قال حدثني احمد بن صالح المقرئ وحدثني احمد بن فتح قال حدثني عبد الله بن احمد بن حامد بن ثرثال قالا حدثنا ابو علي الحسن بن الطيب الكوفي وقال احمد بن فتح الشجاعي البلخي قال حدثني سعيد بن ابي الربيع السمان قال حدثني عنبسة بن سعيد قال حدثني فرقد السبخي عن مرة الطيب عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من ضار اخاه المسلم او ما كره اخبرنا خلف بن سعيد قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني احمد بن خالد قال حدثني إسحاق بن ابراهيم قال حدثني عبد الرزاق عن معمر عن جابر الجعفي عن عكرمة عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار وللرجل ان يغرز خشبة في حائط جاره

مالك عن بن شهاب عن الاعرج عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمنع احدكم جاره خشبة يغرزها في جداره ثم يقول ابو هريرة مالي اراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم يحيى هكذا هذا الحديث بهذا الاسناد في الموطا وقد روي فيه عن مالك اسناد اخر عن ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم والاسناد الاول هو المحفوظ على انه قد اختلف فيه عن بن شهاب وقد ذكرنا ذلك في التمهيد وقال جماعة من اصحاب بن شهاب فيه اذا استاذن احدكم جاره ان يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه وبعضهم يقول فيه من ساله جاره واذا سال احدكم جاره والمعنى كله سواء قال يونس بن عبد الاعلى سالت بن وهب عن خشبة او خشبة فقال سمعته من جماعة خشبة يعني على لفظ الواحد واختلف الفقهاء في معنى هذا الحديث فقال منهم قائلون معناه الندب إلى بر الجار والتجاوز له والاحسان إليه وليس ذلك على الوجوب وممن قال ذلك مالك وابو حنيفة واصحابهما ومن حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه وذكر بن عبد الحكم عن مالك قال ليس يقضى على رجل ان يغرز خشبة في جداره لجاره وانما نرى ان ذلك كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوصاية بالجار قال ومن اعار صاحبه خشبة يغرزها في جداره ثم اغضبه فاراد ان ينزعها فليس له ذلك واما ان احتاج إلى ذلك بامر نزل به فذلك له قال وان اراد ان يبيع داره فقال انزع خشبك فليس ذلك له قال ابو حنيفة واصحابه معنى الحديث المذكور الاختيار والندب في اسعاف

الجار وبره اذا ساله ذلك وهو مثل معنى قوله صلى الله عليه وسلم اذا استاذنت احدكم امراته إلى المسجد فلا يمنعها وهذا معناه عند الجميع الندب على حسب ما يراه الزوج من الصلاح والخير في ذلك وقال بن القاسم سئل مالك عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنعن احدكم جاره ان يغرز خشبة في جداره قال مالك ما ارى ان يقضي به وما اراه الا من وجه المعروف من النبي صلى الله عليه وسلم قال بن القاسم وسئل مالك عن رجل كان له حائط فاراد جاره ان يبني عليه سترة يستتر بها منه قال لا ارى ذلك له إلا بإذن صاحبه وقال اخرون ذلك على الوجوب اذا لم تكن في ذلك مضرة بينة على صاحب الجدار وممن قال بهذا الشافعي واصحابه واحمد وإسحاق وابو ثور وداود بن علي وجماعة اهل الحديث لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يمنع الجار جاره من ذلك الا ترى ان هريرة راى الحجة فيما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ارى من ذلك وقال والله لارمين بها بين اكتافكم وهذا بين في حمله ذلك على الوجوب عليهم ولو كرهوا ولولا انه فهم فيما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم معنى الوجوب ما كان ليوجب عليهم غير واجب وهو مذهب عمر بن الخطاب قضى به على محمد بن مسلمة للضحاك بن خليفة وقضى بمثل ذلك لعبد الرحمن بن عوف على جد يحيى بن عمارة الأنصاري والقضاء بالمرفق خارج بالسنة عن معنى قوله لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه لان هذا معناه التمليك والاستهلاك وليس المرفق من ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم قد فرق في الحكم بينهما فغير واجب ان يجمع ما فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكى مالك انه كان بالمدينة قاض يقضي به يسمى المطلب وروى بن نافع انه سئل عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع احدكم جاره

ان يغرز خشبة في جداره هل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الوصاية بالجار ام يقضي به القضاة فقال ارى ذلك امرا دل الناس عليه وامروا به في حق الجار قيل افترى ان يقضي به القضاة قال قد كان المطلب يقضي به عندنا وما اراه الا دليلا على المعروف واني منه لفي شك حدثني عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثنا بن ابي عمر قال حدثنا سفيان بن عيينة قال سمعت الزهري يقول اخبرنا عبد الرحمن بن هرمز الاعرج عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استأذن احدكم جاره ان يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه فلما حدثهم ابو هريرة نكسوا رؤوسهم وطأطأوها فقال مالي اراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين اكتافكم وقال الربيع في البويطي عن الشافعي ليس للجار ان يمنع جاره ان يغرز خشبة في جداره لحديث ابي هريرة في ذلك وروى الشافعي وغيره عن بن عيينة عن عمرو بن دينار قال كنت بالمدينة فأراد رجل ان يغرز خشبة في جدار جاره فمنعه فخاصمه وجاء بالبينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى له عليه مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن ابيه ان الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض فاراد ان يمر به في ارض محمد بن مسلمة فابى محمد فقال له الضحاك لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به اولا واخرا ولا يضرك فابى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة فامره ان يخلي سبيله فقال محمد لا فقال عمر لم تمنع اخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به اولا واخرا وهو لا يضرك فقال محمد لا والله فقال عمر والله ليمرن به ولو على بطنك فامره عمر ان يمر به ففعل الضحاك وروى بن عيينة هذا الخبر عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان ان رجلا اراد ان يجري ماء إلى حائطه على حائط محمد بن مسلمة فابى محمد بن مسلمة فكلم الرجل عمر بن الخطاب فقال عمر لمحمد بن مسلمة لم تنعه

اعليك فيه ضرر قال لا ولا اريد ان يجريه في حائطي قال اليس لك فيه منفعة او لم يكن الا على بطنك لاجراه مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن ابيه انه قال كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن بن عوف فاراد عبد الرحمن بن عوف ان يحوله إلى ناحية من الحائط هي اقرب إلى ارضه فمنعه صاحب الحائط فكلم عبد الرحمن بن عوف عمر بن الخطاب في ذلك فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله قال ابو عمر اكثر اهل الاثر يقولون في هذا بما روي عن عمر رضي الله عنه ويقولون ليس للجار ان يمنع جاره مما لا يضره وزعم الشافعي في كتاب الرد ان مالكا لم يرو عن احد من الصحابة خلاف عمر في هذا الباب وانكر على مالك انه رواه وادخله في كتابه ولم ياخذ به ولا بشيء مما في هذا الباب باب القضاء في المرفق في الموطا بل رد ذلك كله برايه قال ابو عمر ليس كما زعم الشافعي لان محمد بن مسلمة رد ذلك كله برايه في ذلك خلاف راي عمر وراي الانصاري ايضا كان خلافا لراي عمر وكذا عبد الرحمن بن عوف في قصة الربيع وتحويل الربيع الساقية واذا اختلف الصحابة وجب الرجوع إلى النظر والنظر يدل على ان دماء المسلمين واموالهم واعراضهم من بعضهم على بعض حرام الا ما تطيب به النفس من المال خاصة فهذا هو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ويدل على الخلاف ايضا في ذلك قول ابي هريرة مالي اراكم عنها معرضين والله لارمين بها ونحو هذا وروى اسد بن موسى قال حدثني قيس بن الربيع عن منصور بن دينار عن ابي عكرمة المخزومي عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرى ء مسلم ان يمنع جاره خشبات يضعها على جداره ثم يقول ابو هريرة والله لاضربن بها بين اعينكم وان كرهتم وبهذا الحديث وما كان مثله احتج من راى القضاء بالمرفق وان لا يمنع الجار جاره وضع خشب في جداره ولا كل شيء يضره

وقد ذكرنا في التمهيد في ذلك اثارا مسندة وذكرنا حديث الاعمش عن انس قال استشهد منا غلام يوم احد فجعلت امه تمسح التراب عن وجهه وتقول ابشر هنيئا لك الجنة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره والاعمش لا يصح له سماع من انس والله اعلم ولم يختلفوا في انه لا يحتج من حديثه بما لم يذكره عن الثقات وبسنده لان كان يدلس عن الضعفاء واما ابو حنيفة واصحابه فلا يرون ان يقضى بشيء مما ذكرنا في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم في نهي الجار ان يمنع جاره من غرز الخشبة في جداره وعن عمر في قصة الخليج في ارض محمد بن مسلمة ولا ما كان مثل ذلك كله بقوله صلى الله عليه وسلم ان دماءكم واموالكم عليكم حرام أي من بعضكم على بعض لقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه وهذا هو المشهور من مذهب مالك المعمول به فروى اصبغ عن بن القاسم قال لا يؤخذ بما قضى به عمر بن الخطاب على محمد بن مسلمة في الخليج ولا ينبغي ان يكون احق بمال اخيه منه الا برضاه قال واما ما حكم به لعبد الرحمن بن عوف من تحويل الربيع من موضعه إلى ناحية اخرى من الحائط فانه يؤخذ به ويعمل بمثله لان مجرى ذلك الربيع كان لعبد الرحمن ثابتا في الحائط وانما اراد تحويله إلى ناحية اخرى من الحائط وانما هي اقرب عليه وانفع وارفق لصاحب الحائط وكذلك حكم عليه عمر بتحويله واما عبد الملك بن حبيب فانه اضطرب في هذا الباب ولم يثبت فيه على مذهب مالك ولا مذهب العراقيين ولا مذهب الشافعي وتناقض في ذلك فقال

في قوله صلى الله عليه وسلم لا يمنعن احدكم جاره ان يضع خشبة في جداره ارى انه لازم للحاكم ان يحكم به على من اباه وان يجبره عليه بالقضاء لانه حق قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولانه من الضرر ان يدفع جاره ان يغرز خشبة على جداره فيمنعه بذلك المنفعة وصاحب الجدار لا ضرر عليه فيه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار وقال عمر لم تمنع اخاك ما لا يضرك وقد قال مالك للجار اذا تهورت بئره ان يسقي نخيله وزرعه من بئره وهذا ابعد من غرز الخشبة في جدار الجار اذا لم يكن يضر بالجدار فان خيف عليه ان يوهن الجدار ويضر به لم يجبر صاحب الجدار على ذلك وقيل لصاحب الخشب احتل لخشبك قال ومثله حديث ربيع عبد الرحمن بن عوف في حائط المازني قال فهذا ايضا يجبر عليه بالقضاء من اجل ان مجرى ذلك الربيع كان ثابتا في الحائط لعبد الرحمن قد استحقه فاراد تحويله إلى ناحية اخرى هي اقرب عليه وارفق لصاحب الحائط قال واما الحديث الثالث في قصة الضحاك بن خليفة مع محمد بن مسلمة فلم اجد احدا من اصحاب مالك وغيره يرى ان يكون ذلك لازما في الحكم لاحد على احد وانما كان ذلك تشديدا على محمد بن مسلمة ولا ينبغي لاحد ان يكون غيره احق بماله منه الا برضاه قال ابو عمر مثل هذا يلزم في قصة ربيع عبد الرحمن بن عوف في حائط الانصاري المازني لان الذي استحق منه مجرى ربيع في ذلك الموضع بعينه وما عدا ذلك الموضع فملك الانصاري لا يحل الا عن طيب نفس منه كما لو اكترى رجل من رجل دارا او حانوتا بعينه ثم اراد ان ينقله عنه إلى غيره لم يجز له عندهم ذلك الا برضا المكتري ولا يجوز الا ان يكون الباب في ذلك بابا واحدا ويكون القضاء بالمرفق خارجا عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه بدليل حديث ابي هريرة في غرز الخشب على الجدار وقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بانه لا يجوز للجار ان يمنع جاره ما لا يضره فيكون حينئذ معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه خرج على الاعيان والرقاب واستهلاكها اذا اخذت بغير اذن صاحبها لا على المرافق والاثار التي لا تستحق بها رقبة ولا عين شيء وانما تستحق بها منفعة وبالله التوفيق

باب القضاء في قسم الاموال مالك عن ثور بن زيد الديلي انه قال بلغني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ايما دار او ارض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وايما دار او ارض ادركها الاسلام ولم تقسم فهي على قسم الاسلام قال ابو عمر هكذا هذا الحديث في الموطا عند جميع الرواة لم يختلفوا في انه بلاغ عن ثور بن زيد ورواه ابراهيم بن طهمان عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن بن عباس وابراهيم بن طهمان ثقة والحديث معروف لابن عباس قد ذكرناه من طرق في التمهيد منها ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني ابراهيم بن عبد الرحيم قال حدثني موسى بن داود قال حدثني محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن ابي الشعثاء عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم ادركه الاسلام ولم يقسم فهو على قسمة الاسلام واختلفت الرواية عن مالك من معنى هذا الحديث في الفرق بين من لا كتاب له من الكفار وبين اهل الكتاب فروى سحنون وابو ثابت عن بن القاسم قال سالت مالكا عن الحديث الذي جاء ايما دار قسمت في الجاهلية فهي على قسمة الجاهلية وايما دار ادركها الاسلام ولم تقسم فهي على قسم الاسلام فقال مالك الحديث لغير اهل الكتاب فاما اليهود والنصارى فهم على مواريثهم لا ينقل الاسلام مواريثهم التي كانوا عليها قال إسماعيل بن إسحاق قول مالك هذا على ان النصارى واليهود لهم مواريث قد تراضوا عليها وان كانت ظلما فاذا اسلموا على ميراث قد مضى فهم كما لو اصطلحوا عليه ثم يكون ما يحدث من مواريثهم بعد الاسلام

قال ابو عمر روى بن نافع واشهب وعبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون ومطرف عن مالك ان ذلك في الكفر كلهم المجوس ومشركي العرب واهل الكتاب وجميع اهل الملل ذكره بن حبيب عنهم وكذلك روى اصبغ عن بن القاسم انه اجابه في معنى هذا الحديث بذلك على ما ذكرناه عنه في التمهيد وهذا اولى لما فيه من استعمال الحديث على عمومه وظاهره ولان الكفر لا تفترق احكامه فيمن اسلم منهم انه يقر على نكاحه ويلحقه ولده وعند مالك واصحابه ان اهل الكفر كلهم في الجزية سواء كما هم عند الجميع في مقاتلتهم وسبي ذراريهم في الدنيا وفي الخلود في النار فلا وجه لفرق بين شيء من احكامهم الا ما خصته السنة فيسلم لها كما خصت الكتابيين في اكل ذبائحهم ونكاح نسائهم ومحال ان يكون جماعة مؤمنون يقتسمون ميراثهم على شريعة الكفر وهو قول بن شهاب و جمهور اهل العلم بالحجاز والعراق وهو قول الليث والشافعي والاوزاعي والثوري وابي حنيفة واصحابه فان اسلم بعض ورثة الميت بعد موته وبعد قسم الميراث او اعتق فلا شيء له من الميراث لانه وجب يوم مات الموروث هذا قول جماعة فقهاء الامصار وجمهور التابعين الا قوما من اهل البصرة ورواية جاءت عن عمر وعثمان من روايتهم اسنادها ليس بالقائم رواها حماد بن زيد عن ايوب عن ابي قلابة عن حسان بن بلال المزني عن يزيد بن قتادة ان انسانا من اهله مات وهو على غير دين الاسلام قال فورثته ابنته دوني وكانت على دينه ثم ان جدي اسلم وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فتوفي وترك نخلا فاسلمت وخاصمتني في الميراث إلى عثمان بن عفان فحدث عبد الله بن الارقم أن عمر قضى انه من اسلم على ميراث قبل ان يقسم فانه نصيبه فقضى له عثمان فذهبت بالاولى وشاركتني في الاخرة وروى سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن حسان بن بلال عن يزيد بن قتادة العنزي عن عبد الله بن الارقم كاتب عمر ان عمر بن الخطاب قال من اسلم على ميراث قبل ان يقسم صار الميراث له باسلامه واجبا وروى يزيد بن زريع عن خالد الحذاء عن ابي قلابة عن يزيد بن قتادة

قال توفيت أمنا مسلمة ولي أخوة نصارى فأسلموا قبل ان يقسم الميراث فدخلوا على عثمان فسأل كيف قضى في ذلك عمر فأخبرفأشرك بيننا وبهذا قال الحسن البصري وابو الشعثاء جابر بن زيد وقتادة وحميد الطويل واياس بن معاوية وروى وهيب عن يونس عن الحسن قال من أسلم على ميراث قبل ان يقسم فهو أحق به وقال الحسن فان قسم بعض الميراث ثم أسلم ورث ما لم يقسم ولم يرث بما قسم وحجة من قال بهذا أو ذهب إليه حديث هذا الباب المسند والمرسل على ما ذكرناه في أوله وقد روى عبد الوارث عن كثير بن شنظير عن عطاء ان رجلا اسلم على ميراث على عهد رسول الله قبل ان يقسم فأعطاه رسول الله نصيبه منه قال ابو عمر حكم من اعتق قبل القسم عند هؤلاء كحكم من اسلم الا انه اختلف فيه عن الحسن فمرة هو قال بمنزلة من اسلم ومرة قال من اسلم ورث ومن اعتق لم يرث لان الحديث انما جاء ممن ادرك الاسلام وبه قال اياس بن معاوية وروى حماد بن سلمة عن حميد قال كان اياس بن معاوية يقول اما النصراني يسلم فنعم واما العبد يعتق فلا وبه قال حميد وروى أبو زرعة الرازي قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثني حماد عن حميد عن الحسن قال العبد اذا اعتق على ميراث قبل ان يقسم فهو احق به وهو قول مكحول وبه قال ابو زرعة فيمن اسلم على ميراث قبل ان يقسم انه له وخالفه ابو حاتم الرازي فقال ليس له من الميراث شيء قال ابو عمر قد ذكرنا ان جمهور العلماء على ان الوارث لا يستحق الميراث الا في حين موت المورث وانه حينئذ يجب لمن اوجبه الله تعالى بالدين والنسب والحرية والحياة وان كان حملا في البطن

وهو قول جماعة فقهاء الانصار روى يزيد بن زريع عن داود بن ابي هند عن سعيد بن المسيب قال اذا مات الميت يرد الميراث لاهله ويزيد بن زريع عن سعيد عن ابي معشر عن ابراهيم قال من اسلم على ميراث قبل ان يقسم او اعتق على مراث قبل ان يقسم فليس لواحد منهما شيء وجبت الحقوق لاهلها حيث مات وقال شعبة سألت الحكم وحمادا عن رجل اسلم على ميراث فقالا ليس له شيء وذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج عن عطاء وبن أبي ليلى ان مات مسلم وله ولد نصارى ثم اسلموا ولم يقسم ميراثه حتى اسلموا فلا حق لهم وقعت المواريث قبل ان يسلموا قال واخبرنا معمر عن الزهري سمعة يقول اذا وقعت المواريث فمن اسلم على ميراث نفذ فلا شيء له وبه قال مالك والشافعي وابو حنيفة واصحابهم والليث والاوزاعي والثوري وعليه العمل وبالله التوفيق قال مالك فيمن هلك وترك اموالا بالعالية والسافلة ان البعل لا يقسم مع النضح الا ان يرضى اهله بذلك وان البعل يقسم مع العين اذا كان يشبهها وان الاموال اذا كانت بأرض واحدة الذي بينهما متقارب انه يقام كل مال منها ثم يقسم بينهم والمساكن والدور بهذه المنزلة قال ابو عمر اختلف فقهاء الامصار في قسمة الارضين والدور على ما اصف لك فمذهب مالك ما ذكره بن القاسم وغيره عنه انه قال اذا كانت الدور متقاربة والغرض فيها متقاربا قسمت قسما واحدا وان افترقت البقاع واختلفت الاغراض قسمت كل دار على حدة وكذلك الارضون والقرى

وقال الشافعي وابو حنيفة واصحابهما تقسم كل دار وكل ضيعة على حدة ولا يقسم بعضها على بعض وحجتهم ان كل بقعة ودار تعتبر بها على نفسها لا تتعلق الشفعة دون غيرها واختلفوا فيما لا ينقسم من الدور الا على ضرر باحد الشريكين او بهما معا فقال مالك ما لا ينتفع بما يقسم منه اجبرا جميعا على البيع اذا احبا القسمة واقتسما الثمن وكذلك الثياب والحيوان وقال ابو حنيفة والشافعي ان اتفقا على قسمة ما لا ينتفعان به من كل شيء يملكانه قسم بينهما فان ابيا من قسمة ما فيه عليهما جميعا ضرر في القسمة لم يجبر على البيع ولا على القسمة ان شاء حبسا وان شاءا باعا وان شاءا قسما ولا يجبران على البيع ولا القسمة ولا في الحيوان ولا في الثياب ولا في شيء لان الله عز وجل يقول الا ان تكون تجارة عن تراض منكم النساء واختلفوا ان انتفع احد منهم بنصيبه من الدار والحانوت وسائر العقار ولم ينتفع الاخر وطلبوا جميعا القسمة فاتفق مالك وابو حنيفة والشافعي انه يقسم بينهم وقال بن القاسم لا يقسم حتى يكون لكل واحد منهما ما ينتفع به وقال مالك و ابو حنيفة اذا طلب من ينتفع بنصيبه القسمة قسم وان لم ينتفع الاخر وتقسم العرصة عند مالك وان لم ينتفع بنصيبه واحد منهما اذا طلب واحد منهما القسمة خلاف المنزل قال ولا يقسم الطريق بالاجماع من الشركاء على ذلك وقال مالك في الحمام بين الشركاء انه يقسم قال بن القاسم وارى الحائط يقسم قال وقال مالك لا يقسم الحائط والطريق الا ان يتراضى الورثة على قسمته اما الحمام فهو عرصة كالبيت الصغير وقال الليث ما كان ينقسم فانه يقسم ولا يباع وما كان من دار لا تنقسم والحمام والحانوت فانه يباع ويقسم الثمن الا ان يشتريه بعض الشركاء باغلى ما يوجد من الثمن فيكون اولى قال ابو عمر روى بن الماجشون عن مالك ان الحمام لا يقسم لانه يصير غير حمام

وروى بن القاسم واشهب عنه انه يقسم وهو قول اشهب وقال بن القاسم لا يقسم وقال الشافعي اذا كان واحد منهم ينتفع بنصيبه قسمته وان لم ينتفع الباقون بما يصير اليهم يعني اذا تراضوا على ذلك فاذا لم يتراضوا بالقسمة لما عليهم فيها من الضرر وطلبها احدهم ممن له في القسمة نفع بنصيبه او لا نفع له لم يجبروا الا ان يكونوا اذا اجتمع الذين لا يريدون القسمة فينتفعوا بنصيبهم فيجمعهم فيبرز للطالب نصيبه قال ابو عمر احتج من راى قسمة العقار كله وان غيرته القسمة عن اسمه وحاله اذا دعا احد الشركاء إلى ذلك بظاهر قول الله عز وجل مما قل منه او كثر نصيبا مفروضا النساء واحتج من خالفه في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار في الاسلام وهو لفظ محتمل للتاويل لا حجة فيه واحسن منه واوضح ما رواه بن جريج عن صديق بن موسى بن عبد الله بن الزبير عن محمد بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعضيه على اهل المواريث الا ما حمل القسم والتعضية التفرقة في اللغة يقول لا قسمة بينهم الا فيما احتمل القسم والله اعلم واما اختلاف اصحاب مالك في قسمة الارض البعل منها والسقي فذكر بن عبدوس عن سحنون في قول مالك في موطئه لا يقسم النضح مع البعل الا ان يرضى أهله بذلك قال سحنون فحمل هذه اللفظة على ان الشركاء تراضوا بذلك واما بالسهم فلا ينبغي قال بن عبدوس واصحاب مالك على ذلك الا اشهب فانه يقول يجمع لمن اراد الجمع ويفرق لمن اراد التفرقة وهو خلاف لقول مالك حيث يقول لا يجمع بين رجلين في القسم قال بن عبدوس ومعنى قول اشهب انه يجعل سهم الذين ارادوا الجمع بينهما واحدا وسهم الذين ارادوا التفرقة بينهما خلاف وهو خلاف جميع اصحاب مالك

وذكر سحنون عن بن القاسم قال اذا كانت المواضع مختلفة وكانت قريبة قسمت كل ارض على حدتها وان كانت المواضع قريبا بعضها من بعض وكانت في الكرم سواء جمع في القسم قال سحنون لا نعرف هذا والذي نعرفه من قول مالك ان الارض اذا تقاربت مواضعها وكانت في نمط واحد قسمت قسما واحدا وان اختلفت في القيمة وقال اشهب اذا تقاربت المواضع قسمت قسما واحدا وان اختلفت في الكرم قال ابو عمر اختلافهم في قسمة الاموال على اختلاف اصنافها كثير جدا وقد ذكرنا ذلك في كتاب القسمة من ديوان اختلافهم والحمد لله كثيرا باب القضاء في الضواري والحريسة قال ابو عمر الضواري ما ضر في الاذى والحريسة المحروسة من المواشي في المرعى مالك عن بن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة ان ناقة البراء بن عازب دخلت حائط رجل فافسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان على اهل الحوائط حفظها بالنهار وان ما افسدت المواشي بالليل ضامن على اهلها قال ابو عمر ضامن هنا بمعنى مضمون هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطا فيما رووا مرسلا واختلف اصحاب بن شهاب عن بن شهاب فيه فرواه الاوزاعي وصالح بن كيسان ومحمد بن إسحاق كما رواه مالك وكذلك رواه بن عيينة الا انه جعل مع حرام بن سعد بن محيصة سعيد بن المسيب جميعا في هذا الحديث ورواه معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن ابيه ولم يقل فيه عن ابيه غير معمر قال محمد بن يحيى لم يتابع عليه معمر

وقال ابو داود لم يتابع عليه عبد الرزاق عن معمر قال ابو عمر وقال فيه بن أبي ذئب عن بن شهاب انه بلغه ان ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فافسدت فيه وذكر مثل حديث مالك سواء الا انه لم يذكر حرام بن سعد بن محيصة ولا غيره ورواه بن جريج عن بن شهاب قال حدثني ابو امامة بن سهل بن حنيف ان ناقة دخلت في حائط قوم فافسدت فيه فذهب اهل الحائط إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم على اهل الاموال حفظ اموالهم نهارا فجعل الحديث لابن شهاب عن ابي امامة بن سهل ولم يذكر ان الناقة كانت للبراء وجائز ان يكون الحديث عند بن شهاب عن بن محيصة وعن سعيد بن المسيب وعن ابي امامة والله اعلم فحدث به من شاء منهم على ما حضره وكلهم ثقات اثبات وعلى أي حال كان فالحديث من مراسيل الثقات لان جميعهم ثقة وهو حديث تلقاه اهل الحجاز وطائفة من اهل العراق بالقبول والعمل وهو موافق لما نصه الله عز وجل في كتابه عن داود وسليمان اذ يحكمان في الحرث الانبياء وامر نبيه صلى الله عليه وسلم ان يقتدي بهما فيمن امره بالاقتداء بهم من انبيائه بقوله تبارك اسمه اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتدة الانعام وقال تبارك وتعالى ودود وسليمان اذ يحكمان في الحرث اذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما الانبياء ولا خلاف بين اهل العلم بتاويل القران ولغة اهل العرب ان النفش لا يكون الا بالليل وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال النفش بالليل والهمل بالنهار قال واخبرنا معمر عن قتادة عن الشعبي ان شاة وقعت في غزل حائك واختصموا إلى شريح فقال الشعبي انظروا فانه سيسالهم اليلا وقعت فيه ام نهارا ففعل ثم قال ان كان بالليل ضمن وان كان بالنهار لم يضمن ثم قرا شريح اذ نفشت فيه غنم القوم الانبياء وقال النفش بالليل والهمل بالنهار قال وقال معمر وبن جريج بلغنا ان حرثهم كان عنبا

واختلف الفقهاء في هذا المعنى على اربعة اقوال احدها كل دابة مرسلة فصاحبها ضامن والثاني لا ضمان فيما اصاب المنفلتة من الدواب والمواشي والثالث ما اصابت بالليل فهو مضمون وما اصابت بالنهار فغير مضمون والرابع الفرق بين الاموال والدماء فاما اقوال الفقهاء في هذا الباب فذكر بن عبد الحكم قال قال مالك ما افسدت المواشي والدواب من الزرع والحوائط بالليل فضمان ذلك على اهلها وما كان بالنهار فلا شيء على اصحاب الدواب ويقوم الزرع على الذي افسدت بالليل على الرجاء والخوف قال والحوائط التي تحرث والتي لا تحرث سواء والمخطر عليه وغير المخطر سواء يغرم اهلها ما اصابت بالليل بالغا ما بلغت وان كان اكثر من قيمتها قال مالك واذا انفلتت دابة بالليل فوطئت على رجل قائم لم يغرم صاحبها شيئا وانما هذا في الحوائط والزرع والحرث قال مالك واذا تقدم إلى صاحب الكلب الضاري او البعير او الدابة بما افسدت ليلا او نهارا فعليهم غرمه قال ابو عمر لا خلاف عن مالك واصحابه في ذلك على ما ذكره بن عبد الحكم في كتابه وهو قول الشافعي واصحابه الا فيما ذكر من التقدم إلى صاحب الدابة الضارية او الكلب الضاري والبعير الصؤول فإن التقدم في ذلك سواء عنده وانما يضمن عندهم في الدواب والمواشي ما افسدت في الحائط والزرع والاعتاب والثمار بالليل دون النهار وستأتي مسألة الجمل الصؤول والكلب العقور في موضعها ان شاء الله عز وجل وانما وجب والله اعلم الضمان على ارباب المواشي فيما افسدت من الزرع وشبهه بالليل دون النهار لان الليل وقت رجوع الماشية إلى مواضع مبيتها من دور اصحابها ورحالهم ليحفظوها ويمسكوها عن الخروج إلى حرث الناس وحوائطهم لانها لا يمكن اربابها حفظها بالليل لانه وقت سكون وراحة لهم مع علمهم ان المواشي قد اواها اربابها إلى اماكن قرارها ومبيتها واما النهار فيمكن فيه حفظ الحوائط وحرزها وتعاهدها ودفع المواشي عنها

ولا غنى لاصحاب المواشي عن مشيها لترعى فهو عيشها فألزم أهل الحوائط حفظها نهارا لذلك والله أعلم وألزم أرباب الماشية ضمان ما أفسدت ليلا لتفريطهم في ضبطها وحبسها عن الانتشار بالليل ولما كان على أرباب الحوائط حفظ حوائطهم في النار فلم يفعلوا كانت المصيبة منهم لتفريطهم أيضا وتضييعهم ما كان يلزمهم من حراسة أموالهم وهذا عندي والله أعلم اذا أطلقت الدواب والمواشي دون راع يرعاها وأما اذا كانت ترعى ومعها صاحبها فلم يمنعها من زرع غيره وهو قادر على منعها فهو المسلط لها وهو حينئذ كالسائق والراكب والقائد وسيأتي ذكر اختلاف الناس في ذلك عند قوله صلى الله عليه وسلم العجماء جرحها جبار ان شاء الله عز وجل وقال الليث بن سعد يضمن رب الماشية ما افسدت بالليل والنهار ولا يضمن اكثر من قيمة الماشية قال ابو عمر لم يفرق الليث بين الليل والنهار في هذا المعنى ولم يتجاوز بالضمان قيمة الماشية واظنه قاسة على العبد الجاني الا يفتكه سيده بأكثر من قيمته وان جنايته في الليل والنهار سواء فخالف الحديث في العجماء جرحها جبار وخالف حديث ناقة البراء وقد تقدمه إلى ذلك طائفة من العلماء منهم عطاء قال بن جريج قلت لعطاء الحرث تصيبه الماشية ليلا او نهارا قال يضمن صاحبها ويغرم قلت كان عليه حظر او لم يكن قال نعم قلت ما يغرم قال يغرم قيمة ما اكل حماره ودابته وماشيته وقال معمر عن بن شبرمة يقوم الزرع على حاله التي اصيب عليها دراهم وذكر ابو بكر قال حدثني حفص عن حجاج عن القاسم بن نافع قال قال عمر ما اصاب المنفلت فلا ضمان على صاحبه ومن اصاب المنفلت ضمن

وقال حدثني عبد السلام عن عمرو بن الحسن عن بن سيرين في الدابة المرسلة تصيب مالا ليس عليه ضمان قال وحدثني ابو خالد عن أشعث عن الشعبي قال كل مرسلة فصاحبها ضامن وروي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز تضمين رب الماشية ليلا ونهارا من طرق لا تصح وروي عنهما في البعير الضاري الجمل والحمار والبقرة الضاريه انه يعهد إلى ربها ثلاثا ثم يعقرن وكانا يأمران كل من له حائط ان يحظره حظارا من النصارى يكون إلى نحر البعير فان تسور رد إلى اهله ثلاث مرات ثم عقر قال ابو عمر الصواب في هذا الباب والله اعلم ان يضمن رب الماشية ما افسدت ليلا بالغا ما بلغت الجناية لان الظاهر من حديث ناقة البراء الضمان مطلقا غير مقيد بقيمة الناقة وغيرها وان حكم الليل في ذلك بخلاف حكم النهار وكان يحيى بن يحيى يفتي بقول الليث في ذلك يحمل الناس عليه وقضى به اكثر القضاة عندنا بعده واعتل عندهم بأن مالكا يذهب إلى ذلك في الدابة الضارية المعتادة الانطلاق عى زرع الناس واختلف قول الثوري في هذه المسألة فروى بن المبارك عنه انه لا ضمان على اصحاب الماشية بالليل ولا بالنهار وهو قول ابي حنيفة واصحابه قالوا لا ضمان على ارباب البهائم فيما تفسده او تجني عليه لا في الليل ولا في النهار الا ان يكون راكبا او سائقا او قائدا وحجتهم في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم العجماء جرحها جبار وقالوا هذا حكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما شرع لداود وسليمان قال الله عز وجل لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا المائدة وروى الواقدي عن الثوري في شاة وقعت في غزل حائك بالنهار انه يضمن فقال الطحاوي تصحيح الروايتين عنه انه اذا ارسلها محفوظة لم يضمن بالليل ولا بالنهار واذا ارسلها سائبة ضمن قال ابو عمر اذا كان على اهل الحوائط حفظها بالنهار فقد فعل ارباب المواشي

اذا سيبوها ما ابيح لهم فلا ضمان عليهم على ظاهر حديث ناقة البراء والله اعلم مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ان رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر عمر كثير بن الصلت ان يقطع ايديهم ثم قال عمر أراك تجيعهم ثم قال عمر والله لاغرمنك غرما يشق عليك ثم قال للمزني كم ثمن ناقتك فقال المزني قد كنت والله امنعها من اربعمائة درهم فقال عمر اعطه ثمانمائة درهم قال يحيى سمعت مالكا يقول وليس على هذا العمل عندنا في تضعيف القيمة ولكن مضى امر الناس عندنا على انه انما يغرم الرجل قيمة البعير او الدابة يوم يأخذها قال ابو عمر ادخل مالك هذا الحديث في كتابه الموطأ وهو حديث لم يتوطأ عليه ولا قال به احد من الفقهاء ولا ارى والعمل به انما تركوه والله اعلم لظاهر القران والسنة المجتمع عليها فأما القران فقول الله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم البقرة ولم يقل بمثلي ما اعتدى عليكم وكذلك قوله تعالى وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به النحل واما السنة فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على الذي اعتق شقصا له في عبد بقيمة حصة شريكه بالعدل لما ادخل عليه من النقص وضمن الصحفة التي كسرها بعض اهله بصحفة مثلها وقال صحفة مثل صحفة واجمع العلماء على انه لا يغرم من استهلك شيئا الا مثله او قيمته واجمعوا انه لا يعطى احد بدعواه وان البينة عليه فيما يدعيه اذا لم يقر له به المدعي عليه وقال صلى الله عليه وسلم لو اعطي قوم بدعواهم لادعى قوم دماء قوم واموالهم ولكن البينة على المدعي

وفي هذا الحديث تصديق المزني فيما ذكره من ثمن ناقته وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لو صح كان اصلا لفظ عمر في تضعيف القيمة في ناقة المزني وهو حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حريسة الجبل غرامة مثليها وجلدات نكال ولا قطع وهذا عند العلماء الذين يصححون هذا الحديث منسوخ بما يتلون من كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتمع عليها وقد كان عثمان يزيد في الشهر الحرام ثلث الجناية في المال وتابعة بن شهاب وغيره ذكره عبد الرزاق عن معمر وبن جريج عن الزهري عن ابان بن عثمان ان عثمان اغرم في ناقة محر م اهلكها رجل فأغرمه الثلث زيادة على ثمنها قال واخبرنا معمر عن الزهري قال ما اصيبت من مواشي الناس واموالهم في الشهر الحرام فانه يزاد فيه الثلث وروى بن وهب هذا الحديث عن ابي الزناد عن ابيه عن عروة بن الزبير عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابيه وساقة بنحو سياقة مالك في معنى الغرم وتصديق المزني في ثمن ناقته وتضعيف القيمة له وقد جوده من قال فيه عن ابيه فان يحيى بن عبد الرحمن لم يلق عمر ولا سمع منه وابوه عبد الرحمن سمع من عمر وروى عنه الا انه قال فيه ان هذه القصة كانت بعد موت حاطب وهذا غلط عند اهل السير لان حاطبا مات في سنة ثلاثين في خلافة عثمان والحديث ذكره بن وهب في موطئه قال واخبرني عبد الرحمن بن ابي الزناد عن ابيه عن عروة بن الزبير عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابيه قال توفي حاطب وترك عبيدا يعملون في ماله فأرسل عمر إليه ذات يوم ظهرا وهم عنده فقال هؤلاء اعبدك سرقوا ووجب عليهم ما وجب على السارق انتحروا ناقة لرجل من مزينة واعترفوا بها ومعهم المزني فأمر كثير بن الصلت ان يقطع ايديهم ثم ارسل وراى ما يأتي به بعد ما ذهب به كثير بن الصلت فجاء بهم فقال لعبد الرحمن بن حاطب اما والله لولا اظن انكم تستعملونهم وتبيعونهم حتى

لو ان احدكم وجد ما حرم الله عليه فأكله حل له لقطعت ايديهم ولكن والله اذ تركتهم لاغرمنك غرما يوجعك كم ثمنها للمزني قال المزني كنت والله امنعها من أربع مئة درهم قال فأعطه ثماني مائة درهم قال بن وهب قال مالك ليس الامر عندنا على هذا ولكن له قيمتها قال بن وهب وحدثني مالك بن انس والليث بن سعد وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن هشام بن عروة عن ابيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابيه مثله بمعناه قال ابو عمر هكذا قال بن وهب في هذا الحديث ايضا عن مالك ومن ذكر معه عن هشام بن عروة عن ابيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن ابيه وليس في الموطأ عن ابيه عند جمهور الرواة له عن مالك واظن بن وهب وهم فيه عن مالك لرواية الليث وغيره له كذلك اذ جمعهم في حديث واحد وكان عنده ايضا فيه عن بن ابي الزناد باسناده كذلك عن ابيه فأجرى مالكا مجراهم في ذلك فوهم والله اعلم ولعله ان يكون مالكا ذاكرا بما رواه غيره فمال إلى ذكره لانه كذلك رواه عنه في موطئه دون سائر الرواة قال ابو عمر اجمع العلماء على ان اقرار العبد على سيده في ماله لا يلزمه وفي هذا الحديث ان عمر اغرم عبد الرحمن بن حاطب ما اعترف به عبيده وهذا خبر تدفعه الاصول من كل وجه وبالله التوفيق باب القضاء فيمن اصاب شيئا من البهائم قال مالك الامر عندنا فيمن اصاب شيئا من البهائم ان على الذي اصابها قدر ما نقص من ثمنها قال ابو عمر اختلف العلماء في حكم ما يصاب من البهائم وروي عن عمر بن الخطاب انه قضى في عين الدابة بربع ثمنها وانه كتب إلى شريح يأمره ان يقضي بذلك وهو قول شريح والشعبي وبه قال الحسن بن حي والكوفيون وقضى به عمر بن عبد العزيز وروى الحسن بن زياد عن زفر ان في جميع ذلك ما نقص من البهيمة

وهو قول مالك والليث والشافعي الا ان الليث قد روي عنه ان الدابة ان فقئت عينها او كسرت رجلها او قطع ذنبها فعلى فاعل ذلك ضمان الدابة حتى يؤدي ثمنها او شراؤها وقال الطحاوي القياس عند اصحابنا ايجاب النقصان الا من تركوا القياس بما روي عن عمر بن الخطاب انه قضى في عين الدابة بربع قيمتها بمحضر من الصحابة من غير خلاف منهم ولان غيره لا يكون رايا وانما هو توقيف قال مالك في الجمل يصول على الرجل فيخافه على نفسه فيقتله او يعقره فانه ان كانت له بينة على انه اراده وصال عليه فلا غرم عليه وان لم تقم له بينة الا مقالته فهو ضامن للجمل قال ابو عمر قول الشافعي في هذا كقول مالك قال الشافعي اذا صال الجمل عليه واراده فلا ضمان عليه كما لو قصده رجل ليقتله فدفعه عن نفسه ولم يقدر على دفعه الا بضربه فضربه فقتله كان هدرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل دون ماله او دون نفسه فهو شهيد واذا سقط عنه الاكثر كان الاقل اسقط وقال ابو حنيفة واصحابه في بعير صال على رجل فقتله فهو ضامن وهو قول عطاء وروى علي بن معبد عن ابي يوسف انه قال استقبح ان اضمنه وقال الثوري يضمن قال ابو عمر روى وكيع عن الثوري عن مغيره عن ابراهيم ان بعيرا افترس

رجلا فقتله فجاء رجل فقتل البعير فأبطل شريح دية الرجل وضمن الرجل دية البعير وروى معمر عن الزهري قال يغرم قاتل البهيمة ولا يغرم اهلها ما قتلت روى بن مهدي عن زمعة بن صالح عن بن طاوس عن ابيه قال اقتلو الفحل اذا عدا عليكم ولا غرم عليكم وبن عيينة عن الاسود بن قيس ان غلاما من قومه ادخل بختيه لزيد بن صوحان في داره فتخبطته فقتلته فجاء ابوه بالسيف فعقرها فرفع ذلك إلى عمر فأهدر دم الغلام وضمن اباه ثمن البختية قال ابو بكر وحدثني معاذ بن معاذ عن اشعث عن الحسن في الرجل يلقى البهيمة فيخافها عن نفسه قال يقتلها وثمنها عليه واحتج الطحاوي للضمان بأن قال الضرورة إلى مال الغير لا تسقط الضمان قال والفرق بين الرجل والجمل ان القاتل يستحق القتل لقتله ولو قتل الجمل الرجل كان هدرا بحرمته بعد قتله كهي قبله باب القضاء فيما يعطى العمال قال مالك فيمن دفع إلى الغسال ثوبا يصبغه فصبغه فقال صاحب الثوب لم امرك بهذا الصبغ وقال الغسال بل انت امرتني بذلك فان الغسال مصدق في ذلك والخياط مثل ذلك والصائغ مثل ذلك ويحلفون على ذلك الا ان يأتوا بأمر لا يستعملون في مثله فلا يجوز قولهم في ذلك وليحلف صاحب الثوب فان ردها وابى ان يحلف حلف الصباغ قال ابو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة ومثلها فمنهم من قال كقول مالك القول قول العمال ومنهم من قال قول رب الثوب والاصل في هذا معرفة المدعي على المدعى عليه والقول ابدا عند جميعهم قول المدعى عليه ان لم تكن للمدعي بينة فمن جعل رب الثوب مدعيا فلانه قد اقر انه اذن للصباغ في صبغ الثوب ثم

ادعى أنه لم يعمل له ما أمره به وكذلك الخياط قد اقر له رب الثوب انه اذن له في قطعه ثم ادعى بعد انه لم يقطعه القطع الذي امره به ليمضي عمله باطلا ومن جعل القول قول رب الثوب فحجته ان الصباغ احدث في ثوب غيره ما لم يوافقه عليه ربه ولا بينة له وصار مدعيا ورب الثوب منكر لدعواه انه اذن له في ذلك العمل فالقول قوله لاجماعهم انهما لو اتفقا على انه استاجره على عمل ثم ادعى انه عمله فقال رب المال لم يعلمه فالقول قول رب العمل وقال الشافعي في كتاب اختلاف بن ابي ليلى وابي حنيفة لو اختلفا في ثوب فقال له ربه امرتك ان تقطعه قميصا وقال الاخر بل قباء قال بن ابي ليلى القول قول الخياط لاجتماعهما على القطع وقال ابو حنيفة القول قول رب الثوب قال لانهما قد اجتمعا لانه قد امره بالقطع فلم يعمل له عمله كما لو استاجره على حمل شيء باجارة فقال لقد حملته لم يكن ذلك الا باقرار صاحبه قال الشافعي وهذا اشبه القولين وكلاهما مدخول قال المزني هو كما قال الشافعي لانه لا خلاف اعلمه بينهم انه من احدث حدثا فيما لا يملك فانه ماخوذ بحدثه وان الدعوى لا تنفعه والخياط مقر بان الثوب لربه وانه احدث حدثا وادعى واجازته عليه فان اقام بينة على دعواه والا حلف صاحبه وضمن ما احدثه في ثوبه قال ابو عمر المدعي متى اشكل امره من المدعى عليه فواجب الاعتبار فيه هل هو اخذ او دافع وهل يطلب استحقاق شيء على غيره او ينفيه فالطالب ابدا مدع والدافع المنكر مدعى عليه فقف على هذا الاصل تصب ان شاء الله وقد اختلف اصحاب مالك اذا قال رب الثوب للصانع اودعتك الثوب وقال الصانع بل اعطيتنيه للعمل فالقول قول الصانع مع يمينه عند بن القاسم قال سحنون وقال غيره الصانع مدع والقول قول رب الثوب كما لو قال لم ادفعه اليك ولكن سرق مني كان القول قوله قال ابو عمر الامر في هذا واضح بان القول قول رب الثوب في اجماعهم على انه لو قال رهنتني ثوبك هذا وقال ربه بل اودعتكه ان القول قول رب الثوب

قال مالك في الصباغ يدفع إليه الثوب فيخطئ به فيدفعه إلى رجل اخر حتى يلبسه الذي اعطاه اياه انه لا غرم على الذي لبسه ويغرم الغسال لصاحب الثوب وذلك اذا لبس الثوب الذي دفع إليه على غير معرفة بانه ليس له فان لبسه وهو يعرف انه ليس ثوبه فهو ضامن له قال ابو عمر خالفه اكثر الفقهاء في هذا منهم الشافعي والكوفي وقالوا رب الثوب مخير ان شاء ضمن لابسه قيمة ما لبسه الا ان يكون اخلفه جدا فيضمن وان شاء ذلك للغسال الذي اخطا بالثوب فدفعه إلى غير صاحبه فان غرم الغسال رجع على لابس الثوب بقيمة ما نقصه اللباس او بقيمته ان اخلقه وان غرم اللابس لم يرجع بشيء على احد لانه انما اغرم قيمة ما استهلك كما لو اخذ خبزا او شيئا من الماكول لغيره فاعطاه لمن اكله ان صاحبه مخير ان شاء ضمن الاكل وان شاء ضمن الذي اخذ خبزه الا انهم اختلفوا ها هنا فقال بعضهم ان ضمن الاكل ورجع على المعطي لانه غره وكانه تطوع له بما اعطاه هذا اذا لم يعلم الاكل انه مال غيره فان علم ضمن ولم يرجع على احد ومنهم من قال يغرمه الذي اكله على كل حال لان الاموال تضمن بالخطا كما تضمن بالعمد وبالله التوفيق باب القضاء في الحمالة والحول قال مالك الامر عندنا في الرجل يحيل الرجل على الرجل بدين له عليه انه ان افلس الذي احيل عليه او مات فلم يدع وفاء فليس للمحتال على الذي احاله شيء وانه لا يرجع على صاحبه الاول

قال مالك وهذا الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا قال مالك فاما الرجل يتحمل له الرجل بدين له على رجل اخر ثم يهلك المتحمل او يفلس فان الذي تحمل له يرجع على غريمه الاول قال ابو عمر عند مالك في باب الحوالة حديث مسند رواه عن ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطل الغني ظلم واذا اتبع احدكم على مليء فليتبع وهذا الحديث في رواية يحيى عن مالك في الموطا في باب جامع الدين والحول من كتاب البيوع وهو عند جماعة من رواة الموطا ها هنا والحوالة عند مالك واكثر العلماء خلاف الحمالة والذي عليه مالك واصحابه في الحوالة ما ذكره في الموطا الا انه لم يذكر اذا غره من فلس علمه فانه يرجع عليه كالحمالة وكذلك لو احاله على من لا دين له عليه فهي حمالة يرجع بها ان لحقه توا وقد ذكر هذا من الوجهين بن القاسم وغيره عن مالك قالوا عن مالك اذا حال غريمه عن غريم له فقد بريء المحيل ولا يرجع عليه المحال بافلاس ولا موت الا ان يغره من فلس علمه من غريمه الذي احال عليه فان كان ذلك رجع عليه وان لم يغره من فلس علمه اذا كان له دين وان غره او لم يكن عليه شيء فانه يرجع عليه اذا احاله قال وهذه حمالة وقال الشافعي يرجع المحيل بالحوالة ولا يرجع عليه بموت ولا افلاس وهو قول احمد وابي عبيد وابي ثور انه لا يرجع على المحيل بموت ولا افلاس وسواء غره او لم يغره من فلس عند الشافعي وغيره وقال ابو حنيفة واصحابه يبدا المحيل بالحوالة ولا يرجع عليه الا بعد التوي والتوي عند ابي حنيفة ان يموت المحال عليه مفلسا او يحلف ماله شيء ولم تكن للمحيل بينة

وقال ابو يوسف ومحمد هذا توي وافلاس المحال عليه توي ايضا وقال شريح والشعبي والنخعي اذا افلس او مات رجع على المحيل وقال عثمان البتي الحوالة لا تبرئ المحيل الا ان يشترط براءته فان شرط البراءة بيد المحيل اذا احاله على مليء وان احاله على مفلس ولم يقل انه مفلس فانه يرجع عليه وان ابراه وان اعلمه انه مفلس وابراه لم يرجع على المحيل وروى بن المبارك عن الثوري اذا احاله على رجل فافلس فليس له ان يرجع على الاخر الا بمحضرهما وان مات وله ورثة ولم يترك شيئا رجع حضروا او لم يحضروا وروى المعافى عن الثوري اذا كفل لمدين رجل بمال وابراه بريء ولا يرجع الا ان يفلس الكبير او يموت فيرجع على صاحبه حينئذ وقال الليث في الحوالة لا يرجع اذا افلس المحال عليه وقال زفر والقاسم بن معن في الحوالة له ان ياخذ كل واحد منهما بمنزلة الكفالة وقال بن ابي ليلى يبرا صاحب الاصل بالحوالة قال ابو عمر هذا اختلافهم في الحوالة واما الكفالة والحمالة وهما لفظتان معناهما الضمان فاختلاف العلماء في الضمان على ما اورده بحول الله لا شريك له قال مالك واذا كان المطلوب مليا بالحق لم ياخذ الكفيل الذي كفل به عنه ولكنه ياخذ حقه من المطلوب فان نقص شيء من حقه اخذه من مال الحميل الا ان يكون الذي عليه الحق عليه ديون لغيره فيخاف صاحب الحق ان يخاصمه الغرماء او كان غائبا فله ان ياخذ الحميل ويدعه قال بن القاسم لقد كان يقول له ان ياخذ ايهما شاء ثم رجع إلى هذا القول وقال الليث اذا كفل المال وعرف مبلغه جاز عليه واخذ به وقال ان كفلت لك بحقك ولم اعرف الحق لم يجبر لانه مجهول وقال الشافعي وابو حنيفة واصحابهما والثوري والاوزاعي واحمد واسحاق اذا كفل عن رجل بمال فللطالب ان ياخذ من ايهما شاء من المطلوب ومن الكفيل وقال ابو ثور الكفالة والحوالة سواء ومن ضمن عن رجل مالا لزمه وبرئ المضمون عنه قال ولا يجوز ان يكون مالا واحدا عن اثنين وهو قول بن ابي ليلى قال ابو يوسف قال بن ابي ليلى ليس له ان ياخذ الذي عليه الاصل قال وان كان رجلان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه كان له ان ياخذ ايهما شاء قال ابو يوسف وقال بن شبرمة في الكفالة ان اشترط ان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فايهما اختار اخذه وبرئ الاخر الا ان يشترط اخذها ان شاء جميعا وروى شعيب بن صفوان عن بن شبرمة فيمن ضمن عن رجل مالا انه يبرأ المضمون عنه والمال على الكفيل وقال في رجلين اقرضا رجلا الف درهم على ان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فليس له ان ياخذ احدهما باصل المال وانما له ان ياخذ بما كفل له عن صاحبه وهذه خلاف رواية ابي يوسف قال ابو عمر هذه اقوالهم ومذاهبهم في الكفالة بالمال واما الكفالة بالنفس فهي جائزة عند مالك واصحابه الا في القصاص والحدود وهو قول الاوزاعي والليث وابي حنيفة واصحابه واما الشافعي فمرة ضعف الكفالة بالنفس على كل حال ومرة اجازها على المال وقال مالك اذا كفل بنفسه إلى اجل وعليه مال غرم المال ان لم يات به عند الاجل ويرجع به على المطلوب فان اشترط الضامن بالنفس انه لا يضمن المال كان ذلك له ولم يلزمه شيء من المال وقال ابو حنيفة واصحابه اذا كفل بالنفس ومات المطلوب بريء الكفيل ولم يلزمه شيء وقال عثمان البتي اذا كفل بنفس في قصاص او جراح فانه ان لم يجئ به لزمته الدية او ارش الجناية وهي له في مال الجاني ولا قصاص علمت على الكفيل قال ابو عمر اما الحوالة فالاصل فيها قوله صلى الله عليه وسلم اذا اتبع احدكم على مليء فليتبع

وهذا هو الحالة بعينها بدليل رواية يونس بن عبيد عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم واذا احلت على مليء فاتبعه وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا احلت على مليء فاتبعه وقوله اذا اتبع احدكم على مليء فليتبع دليل على انه اذا احيل على غير مليء لم تصح الاحالة وفي ذلك ما يوضح لك ما ذهب إليه مالك رحمه الله ان المحيل اذا غر المحال من فلس المحال عليه فانه لا تلزمه الحوالة وله رجوعه بماله على المحال لانه لما شرط المليء في الحوالة دل ذلك على ان عدم ذلك يوجب غرم المال ولا حجة عندي للكوفيين فيما نزعوا به من هذا الحديث انه اذا افلس المحال عليه او مات كان له الرجوع لان زوال الملك يوجب الرجوع على المحال ولهم في ذلك حجج من جهة المقايسات لم ار لذكرها وجها وكذلك قالوا ان ظاهر الحديث يوجب جواز الحوالة على من لا دين عليه للمحيل لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين من عليه دين للمحيل وبين من لا دين عليه وهذا عندي ليس كما قالوا لان الحوالة معناها ابتياع ذمة بذمة ومن لا دين عليه ليس للمحيل عليه شيء الا انهم جعلوا التطوع بما في الذمة كالذمة التي تكون عن بدل والكلام في هذا تشغيب وفيه تعسف وشغب وبالله التوفيق وقال اهل الظاهر الحوالة على المليء لازمة رضي بها او لم يرض وليس بشيء لان ابتياع الذمم كابتياع الاعيان في سائر التجارات والتجارة لا تكون الا عن تراض واما الاصل في الضمان فقول الله عز وجل وانا به زعيم يوسف أي كفيل وحميل وضامن ومن السنة حديث قبيصة بن المخارق قال تحملت حمالة فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسالته عنها فقال نخرجها عنك من ابل الصدقة يا قبيصة ان المسالة لا تحل الا في ثلاث رجل تحمل حمالة فحلت له المسالة حتى يردها ثم يمسك وذكر تمام الحديث

وفي احلاله المسالة لمن تحمل حمالة عن قوم دليل على لزوم الحمالة للمتحمل ووجوبها عليه وقد استدل بهذا الحديث من قال ان المكفول له تجوز له مطالبة الكفيل كان المكفول عليه مليئا او معدما وزعم ان ذلك قول من قال ان المكفول ليس له مطالبة الكفيل اذا قدر على مطالبة المكفول عنه لان النبي صلى الله عليه وسلم اباح المسالة المحرمة بنفس الكفالة ولم يعتبر حال المحتمل عنه وفي هذا الحديث ايضا دليل على جواز الحمالة بالمال المجهول لان فيه تحملت حمالة ولم يذكر لها قدرا ولا مبلغا وممن اجاز الكفالة بالمجهول من المال مالك وابو حنيفة واصحابهما وقال بن ابي ليلى والشافعي لا تصح الكفالة بالمجهول لانها مخاطرة وفي هذا الباب ايضا حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر ان رجلا مات وعليه دين فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال ابو اليسر هو علي فصلى عليه النبي عليه السلام فجاءه من الغد يتقاضاه فقال انما كان ذلك امس ثم اتاه من بعد الغد فاعطاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم الان بردت عليه جلدته هكذا رواه شريك عن بن عقيل عن جابر وقد قال رواه زائدة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر فقال فيه وقال ابو قتادة دينه علي يا رسول الله وجعل مكان ابي اليسر ابا قتادة وهذا الحديث يدل على ان المطلوب لا يبرا بكفالة الكفيل حتى يقع الاداء ويدل على ان للطالب ان ياخذ بماله ايهما شاء ويدل على ان من كفل عن انسان بغير امره لم يكن له ان يرجع عليه لانه لو كان له الرجوع لقام فيه مقام الطالب صاحب اصل الدين ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه ولا كانت جلدته لتبرد والله اعلم واما حديث عبد الله بن ابي قتادة عن ابيه ان رجلا توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك عليه دينارين وأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يصلي عليه حتى يؤدى عنه فتحمل بها ابو قتادة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي في حديث عبد الله بن ابي قتادة عن ابيه انه قال اتصلي عليه يا رسول الله ان قضيت عنه قال نعم فقضى عنه وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقد رواه بكير بن عبد الله بن الاشج عن ابي قتادة قال سمعت من اهلي من لا اتهم ان رجلا توفي فذكر الحديث واحاديث هذا الباب معلومة عند اهل العلم بالنقل كلها للاختلاف في اسانيدها والفاظها وتضعيفهم لبعض ناقليها واحسنها حديث الزهري وقد اختلف عليه فيه ايضا فرواه معمر عن الزهري عن ابي سلمة عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين فاتي بميت فقال اعليه دين قالوا نعم ديناران فقال صلوا على صاحبكم قال ابو قتادة الانصاري هما علي يا رسول الله فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قال انا اولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته هكذا رواه عبد الرزاق عن معمر ورواه غيره عن الزهري عن ابي سلمة عن ابي هريرة بمثله عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه ضمان ابي قتادة وذكر سائر الحديث ورواه عقيل عن الزهري عن ابي سلمة عن ابي هريرة ايضا عن النبي صلى الله عليه وسلم مختصرا لم يذكر فيه الا انا اولى بالمسلمين من انفسهم إلى اخره لا غير باب القضاء فيمن ابتاع ثوبا وبه عيب قال مالك اذا ابتاع الرجل ثوبا وبه عيب من خرق او غيره قد علمه البائع فشهد عليه بذلك او اقر به فاحدث فيه الذي ابتاعه حدثا من تقطيع ينقص ثمن الثوب ثم علم المبتاع بالعيب فهو رد على البائع وليس على الذي ابتاعه غرم في تقطيعه اياه قال وان ابتاع رجل ثوبا وبه عيب من حرق او عوار فزعم الذي باعه انه لم يعلم بذلك وقد قطع الثوب الذي ابتاعه او صبغه فالمبتاع بالخيار ان شاء ان يوضع عنه قدر ما نقص الحرق او العوار من ثمن الثوب ويمسك الثوب فعل وان

شاء ان يغرم ما نقص التقطيع او الصبغ من ثمن الثوب ويرده فعل وهو في ذلك بالخيار فان كان المبتاع قد صبغ الثوب صبغا يزيد فيه ثمنه فالمبتاع بالخيار ان شاء ان يوضع عنه قدر ما نقص العيب من الثوب وان شاء ان يكون شريكا للذي باعه الثوب فعل وينظر كم ثمن الثوب وفيه الحرق او العوار فان كان ثمنه عشرة دراهم وثمن ما زاد فيه الصبغ خمسة دراهم كانا شريكين في الثوب لكل واحد منهما بقدر حصته فعلى حساب هذا يكون ما زاد الصبغ في ثمن الثوب هكذا هو في الموطا عند جميعهم وقوله قد علمه البائع هو الذي ذكره بن القاسم عنه اذا دلس البائع بالعيب قال بن القاسم عن مالك اذا دلس بالعيب وهو يعلم ثم احدث المشتري في الثوب صبغا ينقص الثوب او قطعه قميصا او ما اشبهه فان المشتري بالخيار ان شاء حبس الثوب ورجع على البائع بما بين الصحة والداء وان شاء رده ولا شيء عليه وان كان الصباغ يزيد فيه فذكر ما في الموطا على حسب ما اوردناه وقول احمد في ذلك كقول مالك وقال بن القاسم قال مالك ولو لبسه المشتري فانقصه لبسه فعليه ما نقصه لبسه ان اراد رده قال مالك والتدليس بالحيوان وغير التدليس سواء لان الحيوان لم يبعه اياه على ان يقطعه والثياب اشتراها لتقطع واذا اشترى حيوانا فاعور عنده ثم اطلع على عيب لم يكن له ان يرده الا ان يرد معه ما نقص اذا كان عورا او غيره من عيب مفسد دلس او لم يدلس وما كان من عيب ليس بمفسد فله ان يرده ولا يرد معه ما نقصه في الحيوان كله وقال الليث في الرجل يبتاع الثوب فيقطعه ثم يجد فيه العيب فان كان مثل الخرق والرفو حلف البائع بالله ما علم ذلك فيه واما ما كان من السقط فانه ان علم ان كان عند البائع فهو رد عليه ويغرم له البائع اجر الخياطة وقال الثوري اذا حدث به عيب عند المشتري واطلع على عيب لم يرده ورجع بقيمة العيب ليس له غير ذلك ورجع على البائع بفضل ما بين الصحة والداء وقول الشافعي في ذلك كقول الثوري

قال الشافعي اذا حدث به عيب عند المشتري ثم اطلع على عيب رجع بقيمة العيب ليس له غير ذلك الا ان يشاء البائع ان يقبله ولا ياخذ شيئا وقال ابو حنيفة واصحابه اذا خاط الثوب قميصا او صبغه ثم اطلع على عيب رجع بقيمة العيب وليس للبائع ان يقبله وان قطعه قميصا ولم يخطه ثم اطلع على عيب رجع بالعيب الا ان يشاء البائع ان يقبله ويرد عليه ثمنه وكذلك اذا حدث به عيب عند المشتري وقال الحكم بن عتيبة يرده في حدوث العيب ويرد ما نقص العيب الحادث عنده وقال عثمان البتي في الثوب والخشب اذا قطعهما ثم وجد عيبا ردهما مقطوعين ولا شيء عليه في القطع قال ابو عمر القطع من المشتري في الثوب والصبغ الذي ينقصه بمنزلة العيب الحادث به ولا ينبغي له ان يرده وياخذ ثمنه الذي اعطاه فيه الا ان يكون الثوب بحاله كما اخذه واما اذا زاد الصبغ في الثوب فهو عين ما للمشتري ولذلك كان الجواب فيه كما قال مالك ومن اتبعه في ذلك واما من لم ير للمشتري اذا حدث عنده عيب ثم اطلع على عيب كان للبائع ان يرد ما وجد به العيب ولانه شيء الا ان يرجع بقيمة الذي كان عند البائع فلما وصفنا لان الثوب قد دخله ما غيره عن حاله التي باعها عليه البائع فليس للمشتري الا الرجوع بما دلس له به البائع وسواء علم او لم يعلم عندهم لان الخطا في ذهاب الاموال كالعمد وقول من قال يرد المبيع بالعيب فيرد معه قيمة ما حدث عنده من العيب فهو اعتبار ذلك المعنى لانه اذا رد قيمة ما حدث عنده من العيب فكانه رده بحاله لانه قد اخذ النقصان بالعيب الحادث عند المشتري حقه واما قول عثمان البتي فقول ضعيف وكانه لما قال لم يبن له العيب فقد سلطه على القطع فلا شيء له فيه وقد بين مالك الفرق عنده بين الثياب والحيوان فيما حكاه بن القاسم عنه والمخالف له يقول لا فرق بين الحيوان والثياب لان البائع كما اذن له في القطع واللبس كذلك اذن له في الوطء والتاديب وقد اجمع القائلون برد الثوب الموجود فيه العيب انه اذا لبسه لبسا يبليه به انه لا

يرده الا ويرد معه ما نقصه اللبس والاكثر يقولون انه لا يرده وان له قيمة العيب باب ما لا يجوز من النحل مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف وعن محمد بن النعمان بن بشير انهما حدثاه عن النعمان بن بشير انه قال ان اباه بشيرا اتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتجعه قال ابو عمر قال صاحب كتاب العين النحل والنحلة العطايا بلا استعاضة وقيل في قوله عز وجل واتوا النساء صدقاتهن نحلة النساء أي هبة من مال اله تعالى لمن وفريضة عليكم وبهذا المعنى روى جماعة اصحاب بن شهاب هذا الحديث الا ان بعضهما قال فيه فارتجعه وبعضهم قال فاردده والمعنى عندهم فيه واحد وقد تابعه على هذا المعنى هشام بن عروة عن ابيه عن النعمان بن بشير على اختلاف في ذلك وقد روى هذا الحديث عن النعمان بن بشير جماعة منهم الشعبي بالفاظ مختلفة قد ذكرتها في التمهيد واثبتها هناك بالاسانيد قرات على عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني ابو قلابة قال حدثني عبد الصمد قال حدثني شعبة عن سعد بن ابراهيم عن عروة بن الزبير عن النعمان بن بشير ان اباه نحله نحلا فاتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده

فقال اكل بنيك اعطيت مثل هذا قال لا فابى ان يشهد وكذلك رواه ابو معاوية عن هشام بن عروة عن النعمان ورواه جرير عن هشام عن ابيه عن النعمان وقال فيه فاردده وقال فيه حصين عن الشعبي سمعت النعمان بن بشير على المنبر يقول اعطاني ابي عطية فقالت عمرة بنت رواحة لا ارضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت اني اعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فامرتني ان اشهدك يا رسول الله فقال اعطيت اولادك مثل سائر ولدك مثل هذا قال لا فقال فاتقوا الله واعدلوا بين اولادكم قال فرجع فرد عطيته فلم يذكر في هذا الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امره برد العطية وانما فيه انه رجع فرد العطية اذ امره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعدل بين اولاده ورواه هشيم قال اخبرنا سيار ومغيرة وداود بن ابي هند ومجالد واسماعيل بن سالم عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال انحلني ابي نحلا قال إسماعيل بن سالم من بين القوم نحله غلاما له وذكر الحديث نحو رواية حصين عن الشعبي وفيه قال له الك ولد سواه قال قلت نعم قال اكلهم اعطيتهم مثل ما اعطيت النعمان قلت لا قال هشيم فقال بعض هؤلاء المحدثين هذا جور وقال بعضهم هذه تلحية فاشهد على هذا غيري وقال مغيرة في حديثه اليس يسرك ان يكونوا في البر واللطف سواء قال نعم قال فاشهد على هذا غيري وذكر مجالد في حديثه ان لهم عليك من الحق ان تعدل بينهم كما ان لك من الحق ان يبروك

فهذه الالفاظ كلها تدل على جواز العطية على كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها من اجل ما خاف عليه من دخول العقوق عليه من بنيه وليس في هذه الالفاظ انه امره برد العطية واختلف اهل العلم في الرجل يعطي بعض ولده دون بعض فقال طاوس لا يجوز لاحد ان يفضل بعضه على بعض فان فعل لم ينفذ وفسخ وبه قال اهل الظاهر وروي مثله عن احمد وحجتهم في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتجعه وقوله فاردده من حديث مالك وغيره وقال مالك والليث والثوري والشافعي وابو حنيفة واصحابهم لا باس ان يفضل بعض ولده بالنحلة دون بعض ويؤثره بالعطية دون سائر ولده وهم مع ذلك يكرهون ذلك على ما نذكره ان شاء الله عنهم والتسوية في العطايا إلى البنين احب إلى جميعهم وكان مالك رحمه الله يقول انما معنى هذا الحديث الذي جاء فيه فيمن نحل بعض ولده ماله كله قال وقد نحل ابو بكر عائشة دون ولده قال ابو عمر ذكره في الموطا عن هشام عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة انها قالت ان ابا بكر الصديق نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما حضرته الوفاة قال والله يا ابنتي ما من الناس احد احب الي غنى بعدي منك ولا اعز علي فقرا بعدي منك واني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك وانما هو اليوم مال وارث وانما هما اخواك واختاك فاقتسموه على كتاب الله عز وجل

قالت عائشة فقلت يا ابت والله لو كان كذا وكذا لتركته انما هي اسماء فمن الاخرى قال ابو بكر ذو بطن بنت خارجة اراها جارية قال ابو عمر في حديث عائشة هذا ان من شرط صحة الهبة قبض الموهوب لها قبل موت الواهب قبل المرض الذي يكون منه موته وسنذكر ما للفقهاء في معنى قبض الهبة وحيازتها بعد في هذا الباب عند قول عمر ما بال رجال ينحلون ابناءهم نحلا ثم يمسكونها الحديث وفي هذا حديث عائشة هذا جواز الهبة المجهول عينها اذا علم مبلغها وجواز هبة المشاع ايضا وفيه ان الغنى احب إلى الفضلاء من الفقر واما اعطاء الرجل بعض ولده دون بعض وتفضيل بعضهم على بعض فقد ذكرنا ذلك قال الشافعي ترك التفضيل في عطية الابناء فيه حسن الادب ويجوز له ذلك في الحكم قال وله ان يرجع فيما وهب لابنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم فارجعه قال ابو عمر روي عن جابر بن زيد ابي الشعثاء انه كان يقول في التفضيل بين الابناء في النحل يجوزه في الحكم ويقضي به وقال طاوس لا يجوز وان كان رغيفا محترقا وبه قال بعض اهل الظاهر واستدل الشافعي بان هذا الحديث على الندب بنحو ما ستدل به مالك من عطية ابي بكر عائشة دون سائر ولده وبما ذكرناه من رواية داود وغيره عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم ايسرك ان يكونوا لك في البر كلهم سواء قال نعم قال فاشهد على هذا غيري قال وهذا يدل على صحة الهبة لانه لم يامره بردها وامره بتاكيدها باشهاد غيره عليها ولم يشهد هو عليها لتقصيره عن اولى الاشياء به وترك الافضل له وقال الثوري لا باس ان يخص الرجل بعض ولده بما شاء وقد روي عن الثوري انه كره ان القضاء ان يفضل الرجل بعض ولده على بعض في العطية

وقال ابو حنيفة واصحابه من اعطى بعض ولده دون بعض كرهنا ذلك له وامضيناه عليه وقد كره عبد الله بن المبارك واحمد بن حنبل ان يفضل بعض ولده على بعض وكان إسحاق يقول مثل هذا ثم رجع إلى قول الشافعي وكل هؤلاء يقولون ان فعل هذا احد نفذ ولم يرد ولم يختلف في ذلك عن احمد واصح شيء عنه في ذلك ما ذكره الخرقي في مختصره عنه قال فاذا فاضل بين ولده في العطية امر برده كما امر النبي صلى الله عليه وسلم فان مات ولم يردده فقد ثبت لمن وهب له اذا كان ذلك في صحته واما قوله في حديث مالك أكل ولدك نحلته مثل ذلك فان العلماء مجمعون على استحباب التسوية في العطية بين الابناء الا ما ذكرنا عن اهل الظاهر من ايجاب ذلك الا ان الفقهاء في استحبابهم للتسوية بين الابناء في العطية اختلفوا في كيفية التسوية بينهم في العطية فقال منهم قائلون التسوية بينهم ان يعطي الذكر مثل ما يعطي الانثى وممن قال ذلك سفيان الثوري وبن المبارك قال بن المبارك الا ترى ان الحديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سووا بين اولادكم فلو كنت مؤثرا احدا اثرت النساء على الرجال وبه قال داود واهل الظاهر وقال اخرون التسوية ان يعطى الرجل مثل حظ الانثيين قياسا على قسم الله تعالى الميراث بينهم وممن قال ذلك عطاء بن ابي رباح وهو قول محمد بن الحسن واليه ذهب احمد واسحاق ولا احفظ لمالك في هذه المسالة قولا واما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مالك في هذا الباب فارجعه ففيه دليل على ان للاب ان يرجع فيما وهب لابنه فقد اختلف العلماء ايضا في هذا المعنى فذهب مالك واكثر اهل المدينة إلى ان للاب ان يعتصر ما وهب لابنه ومعنى الاعتصار عندهم الرجوع في الهبة

وليس ذلك عندهم لغير الاب الا ان الام عندهم اذا وهبت لابنها شيئا وهم ايتام لم ترجع في هبتها لانها في معنى الصدقة حينئذ وان لم يكونوا ايتاما وكان ابوهم حيا كان لها ان ترجع فيما وهبته لولدها هذا هو الاشهر عن مالك وقد روي عنه انها لا ترجع اصلا ولم يختلف عن مالك ان الجد لا يرجع فيما وهب لابن ابنه وكذلك لم يختلف قول مالك واصحابه ان الولد اذا وهب له ابوه هبة ثم استحدث الولد دينا داينه الناس عليه من اجل الهبة او نكح لم يكن للاب حينئذ الرجوع في شيء من هبته لولده وهذا كله في الهبة فاما الصدقة فانه لا رجوع فيها للاب ولا لغير اب بحال من الاحوال لان الصدقة انما يراد بها وجه الله تعالى وما اريد به وجه الله لم يجز الاعتصار والرجوع فيه وسنذكر ما لسائر العلماء من المذاهب في الرجوع في الهبة في باب الاعتصار في الهبة ان شاء الله تعالى اولى المواضع بذلك وانما ذكرنا هنا قول مالك لما ارتبط به من معنى الحديث المسند واما قول ابي بكر في حديث عائشة هذا انما هما اخواك واختاك فقالت له عائشة انما هي اسماء فمن الاخرى فاجابها ابو بكر وقال ان ذا بطن بنت خارجة اراها جارية فهذا منه رضي الله عنه ظن لم نخطئه فكانت ذو بطن بنت خارجة جارية اتت بعده فسميت ام كلثوم واما بنت خارجة فهي زوجته واسمها حبيبة بنت خارجة بن زيد بن ابي زهير الذي اخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين ابي بكر اذ قدم المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم واخى بين المهاجرين والانصار وكان قول ابي بكر ظنا كاليقين والعرب تقول ظن الحليم مهابة وتقول ايضا من لم ينتفع بظنه لم ينتفع بيقينه وتقول ايضا الظن مفتاح اليقين وقال اوس بن حجر الالمعي الذي يظن لك الظنن كان قد راى وقد سمعا

وروي ذلك عن عثمان وعلي رضي الله عنهما ومما يمدح به الظن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموتن احدكم الا وهو حسن الظن بالله عز وجل وقال صلى الله عليه وسلم حاكيا عن الله تعالى انا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء وقال الحسن البصري في ان المؤمن احسن الظن فاحسن العمل قال ابو عمر واما ظن الفاسق والكافر والمنافق فمذموم غير ممدوح قال الله تعالى فيهم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا الفتح وقال النبي صلى الله عليه وسلم اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا قال الله تبارك وتعالى وان الظن لا يغنى من الحق شيئا النجم فقد ذكرنا في كتاب النساء من كتاب الصحابة بنت خارجة المذكورة وابنتها بما يجب من ذكرهما هناك والحمد لله كثيرا مالك عن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارئ ان عمر بن الخطاب قال ما بال رجال ينحلون ابناءهم نحلا ثم يمسكونها فان مات بن احدهم قال مالي بيدي لم اعطه احدا وان مات هو

قال هو لابني قد كنت اعطيته اياه من نحل نحلة فلم يجزها الذي نحلها حتى يكون ان مات لورثته فهي باطل قال ابو عمر صح القضاء من الخليفتين ابي بكر وعمر وروي ذلك عن عثمان وعلي ان الهبة لا تصح الا بان يحوزها الموهوب له في حياة الواهب وينفرد بها دونه وقد تقدمت رواية مالك عن ابي بكر في ذلك ورواه بن عيينة قال حدثنا الزهري عن عروة عن عائشة ان اباها نحلها جادا عشرين وسقا من ماله فلما حضرته الوفاة جلس فتشهد وحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد يا بنية فاني والله ان احب الناس الي غنى بعدي لانت وان اعز الناس علي فقرا بعدي لانت واني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا من مالي وددت انك حزتيه وحددتيه وانما هو اليوم من مال الوارث وانما هما اخواك واختاك قالت هذا اخواي فمن اختاي قال ذو بطن بنت خارجة فاني اظنها جارية قالت لو كان ما بين كذا وكذا لرددته قال ابو عمر اتفق مالك والثوري وابو حنيفة والشافعي واصحابهم ان الهبة لا تصح الا بالحيازة لها ومعنى الحيازة القبض بما يقبض به مثل تلك الهبة الا انهم اختلفوا في هبة المشاع وسنذكر ذلك بعد ان شاء الله تعالى والهبة عند مالك على ما اصفه لك تصح بالقول من الواهب والقبول من الموهوب له تتم بالقبض والحيازة وما دام الواهب حيا فللموهوب له المطالبة بها الواهب حتى يقبضها فان قبضها تمت له وصارت ملكا من ملكه وان لم يقبضها حتى يموت الواهب بطلت الهبة عنده لانهم انزلوها حين وهبها ولم يسلمها إلى ان مات منزلة من اراد اخراج تلك العطية بعد موته من راس ماله لوارث او غير وارث وكانت في يده طول حياته فلم يرض بها بعد مماته فلم يجز له شيء من ذلك هذا حكمه عند مالك واصحابه اذا مات الواهب فان مات الموهوب له قبله كان لورثته عنده ان يقوموا مقامه بالمطالبة لها حتى يسلم اليهم الواهب وقال الشافعي وابو حنيفة واصحابهم الهبة لا تصح الا بالقبض من الموهوب له وتسليم من الواهب فان لم يكن ذلك فهي باطل وليس الموهوب به ان يطالب الواهب بتسليمها لانها ما لم تقبض عده وعده بها فان وفي حمد وان لم يوف بما وعد ولم يوهب بما سلم لم يقض عليه بشيء

وقال ابو ثور واحمد بن حنبل تصح الهبة والصدقة غير مقبوضة ورووا ذلك عن علي رضي الله عنه من وجه لا يحتج به قال ابو عبد الله المروزي رحمه الله اتفق ابو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ان الهبة لا تصح الا مقبوضة وقد روي عن احمد وهو الصحيح عنه ان الهبة اذا كانت مما يؤكل او يوزن لم يصح شيء منها الا بالقبض وما عدا المكيل والموزون فالهبة صحيحة جائزة بالقول وان لم تقبض وذلك كله اذا قبضها الموهوب له واختلفوا في هبة المشاع وكيف القبض فيها فقال مالك هبة المشاع جائزة ولا تصح الا بقبض الجميع وتصح للشريك في المشاع اذا تخل الواهب عنها واخذها من يده وانفرد الشريك الموهوب له بها وقال الشافعي وابو ثور واحمد واسحاق تصح الهبة في المشاع والقبض فيها كالقبض في البيع سواء وقال ابو حنيفة واصحابه الهبة للمشاع باطل ولا تصح الا مقبوضة معلومة مفردة كما يصح الرهن عندهم فيفرد المرتهن وكذلك الموهوب له ويقبضه ولا شركة فيه لغيره وقد بينا ذلك في كتاب الرهن باب ما يجوز من العطية قال ابو عمر في هذا الباب عند جمهور رواة الموطا حديث مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عثمان في نحلة الرجل ابنه الصغير وهبته له وحيازته وهو عند يحيى في باب مفرد في اخر الاقضية وهناك نذكره كما رواه يحيى ان شاء الله تعالى قال مالك الامر عندنا فيمن اعطى احدا عطية لا يريد ثوابها فاشهد عليها فانها ثابتة للذي اعطيها الا ان يموت المعطي قبل ان يقبضها الذي اعطيها قال وان اراد المعطي امساكها بعد ان اشهد عليها فليس ذلك له وإذا قام عليه بها صاحبها اخذها

قال مالك ومن اعطى عطية ثم نكل الذي اعطاها فجاء الذي اعطيها بشاهد يشهد له انه اعطاه ذلك عرضا كان او ذهبا او ورقا او حيوانا احلف الذي اعطى مع شهادة شاهده فان ابى الذي اعطي ان يحلف حلف المعطي وان ابى ان يحلف ايضا ادى إلى المعطى ما ادعى عليه اذ كان شاهد واحد فان لم يكن له شاهد فلا شيء له قال مالك ومن اعطى عطية لا يريد ثوابها ثم مات المعطى فورثته بمنزلته وان مات المعطي قبل ان يقبض المعطى عطيته فلا شيء له وذلك انه اعطي عطاء لم يقبضه فان اراد المعطي ان يمسكها وقد اشهد عليها حين اعطاها فليس ذلك له اذا قام صاحبها اخذها قال ابو عمر قد تقدم القول في هذا كله واوضحنا فيه مذهب مالك ومذهب غيره من الفقهاء في الباب قبل هذا والذي دعانا إلى ما ذكره هناك قول ابي بكر الصديق لعائشة فيه لو كنت حزتيه وجددتيه لكان لك وانما هو اليوم مال الوارث وقول عمر فيه ايضا ما بال رجال ينحلون ابناءهم نحلا ثم يمسكونها فان مات بن احدهم قال مالي بيدي الحديث وهذان الحديثان أصل حيازة الهبة في الموطأ وكذلك ذكرنا اختلاف العلماء في قبض الهبة وحيازتها في الباب قبل هذا وذكرنا عن الشافعي والكوفيين ان الهبة اذا لم يقبضها الموهوب له فليس له مطالبة الواهب بها ان منعه اياها وذكرنا ان اكثر العلماء على ذلك وبالله توفيقنا باب القضاء في الهبة مالك عن داود بن الحصين عن ابي غطفان بن طريف المري ان عمر بن الخطاب قال من وهب هبة لصلة رحم او على وجه صدقة فانه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى انه انما اراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها اذا لم يرض منها

قال ابو عمر روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابيه ان عمر بن الخطاب قال من وهب هبة فلم يثب منها فهو احق بها وعن الاعمش عن ابراهيم ان عمر بن الخطاب قال من وهب هبة لم يثب منها فهو احق بها الا لذي رحم وعن ايوب عن بن سيرين عن شريح قال من اعطى في صلة رحم او قرابة او حق او معروف فعطيته جائزة والطالب المستعزز يثاب من هبته او ترد إليه قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا ان الهبة اذا تغيرت عند الموهوب له للثواب بزيادة او نقصان فان على الموهوب له ان يعطي صاحبها قيمتها يوم قبضها قال ابو عمر نذكر في هذا الباب اقاويل الفقهاء في الهبة للثواب وقد ارجات القول في الرجوع في الهبة لذي رحم وغيره إلى باب الاعتصار في الصدقة ان شاء الله تعالى قال ابو عمر مذهب مالك في الهبة للثواب انها جائزة غير مردودة اذا قبضها الموهوب له كان للموهوب مطالبته بالثواب منها ذا رحم منه كان او غير رحم الا ان يكون فقيرا يرى انه اراد بها الصدقة عليه فلا ثواب عليه حينئذ والموهوب له مخير في ردها او اعطاء العوض منها هذا ما لم تتغير عنده بزيادة او نقصان فان تغيرت عنده بزيادة او نقصان كان للواهب قيمتها يوم قبضها الموهوب له وكان إسحاق بن راهويه يذهب في ذلك إلى قول مالك وروي عن عمر وعلي وفضالة بن عبيد جواز الهبة للثواب واما الشافعي فالهبة للثواب عنده باطل مردودة ليست بشيء وهو قول ابي ثور وداود لانها معاوضة على مجهول غير مذكور وذلك بيع لا يجوز واما ابو حنيفة واصحابه فالهبة للثواب عندهم جائزة على نحو ما ذهب إليه مالك في ذلك وان زادت عند الموهوب له او نقصت او هلكت لم يكن

للواهب فيها رجوع ان كانت لذي رحم لانه حينئذ صلة خالصة له وهو قول الثوري وجملة قول الكوفيين في الهبة للثواب ان كل هبة وقعت على شرط عوض فهي والعوض منها على حكم الهبة لا تصح ما لم تقبض ويمنع كل واحد منها صاحبه ان شاء فان مضت وقبض العوض منها فهي كالبيع ويرد كل واحد منهما ما وجد فيه العيب من ذلك ان شاء وقال احمد بن حنبل ليس لاحد رجوع ولا ثواب في هبة ولا هدية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه وهو قول داود واهل الظاهر حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن عمر قال حدثني سفيان عن ايوب عن عكرمة عن بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس منا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه باب الاعتصار في الصدقة قال مالك الامر عندنا الذي لا اختلاف فيه ان كل من تصدق على ابنه بصدقة قبضها الابن او كان في حجر ابيه فاشهد له على صدقته فليس له ان يعتصر شيئا من ذلك لانه لا يرجع في شيء من الصدقة قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا فيمن نحل ولده نحلا او اعطاه عطاء ليس بصدقة ان له ان يعتصر ذلك ما لم يستحدث الولد دينا يداينه الناس به ويامنونه عليه من اجل ذلك العطاء الذي اعطاه ابوه فليس لابيه ان يعتصر من ذلك شيئا بعد ان تكون عليه الديون او يعطي الرجل ابنه او ابنته فتنكح المراة الرجل

وانما تنكحه لغناه وللمال الذي اعطاه ابوه فيريد ان يعتصر ذلك الاب او يتزوج الرجل المراة قد نحلها ابوها النحل انما يتزوجها ويرفع في صداقها لغناها ومالها وما اعطاها ابوها ثم يقول الاب انا اعتصر ذلك فليس له ان يعتصر من ابنه ولا من ابنته شيئا من ذلك اذا كان على ما وصفت لك قال ابو عمر قد قلنا ان الاعتصار عند اهل المدينة هو الرجوع في الهبة والعطية ولا اعلم خلافا بين العلماء ان الصدقة لا رجوع فيها للمتصدق بها وكل ما اريد به من الهبات وجه الله تعالى بانها تجري مجرى الصدقة في تحريم الرجوع فيها واما الهبات اذا لم يقل الواهب فيها لله ولا اراد بهبته الصدقة المخرجة لله عز وجل فان العلماء اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا فمذهب مالك فيما ذكره في كتابه الموطا على ما اوردناه من تخصيص ترك رجوع الاب في هبته لولده اذا نكحت الابنة او استدان الابن ونحو ذلك على ما تقدم وصفه واما الشافعي فليس لاحد عنده ان يرجع في هبته الا الوالد ثم وقف عن ذلك فقال لو اتصل حديث طاوس لا يحل لواهب ان يرجع في هبته الا الوالد لقلت به ولم ازد واهبا غيره وهب لمن يستثيب منه او لمن لا يستثيب منه قال ابو عمر قد وصل حديث طاوس حسين المعلم وهو ثقة ليس به باس اخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني مسدد قال حدثني يزيد بن زريع قال حدثني حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن بن عمر وبن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لاحد ان يعطي عطية او يهب هبة ثم يرجع فيها الا الوالد فيما يعطي ولده ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب ياكل فاذا شبع قاءه ثم عاد في قيئه قال ابو عمر اما قوله صلى الله عليه وسلم العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ولا خلاف بين اهل العلم في صحة اسناده ومن احسن اسانيده حديث شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن بن عباس

واما قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لواهب ان يرجع في هبته الا الوالد فليس يتصل اسناده الا من حديث حسين المعلم كما وصفت لك وبه قال ابو ثور وقال ابو حنيفة واصحابه كل من وهب هبة لذي رحم محرمة كالاخ والاخت وبن الاخوة والاخوات وكذلك الاعمام والعمات والأخوال والخالات والاباء وان علوا والبنين وان سفلوا وكل من لا يحل له نكاحها او كانت امراة من جهة النسب والصهر وكذلك الزوجان ان وهب احدهما لصاحبه لم يكن للواهب منهم ان يرجع في هبته كما ليس للمتصدق ان يرجع في شيء من صدقته فان وهب لغير هؤلاء فله الرجوع في هبته ما لم تزد في بدنها او يزيد فيها الموهوب له وما لم يمت واحد منهما وما لم تخرج الهبة من ملك الموهوب له إلى ملك غيره وما لم يعوض الموهوب له الواهب عوضا يقبله ويقبض منه فاي هذه الاشياء كانت فلا رجوع في الهبة معه كما لا يرجع في الصدقة ولا فيما وهب لذي رحم محرمة منه ولا فيما وهب احد الزوجين لصاحبه واذا لم تكن هذه الاشياء والشروط التي ذكرنا والاوصاف التي وصفنا كان للواهب الرجوع في الهبة ولا يرجع عليه الا بحكم الحاكم له فيها او بتسليم من الموهوب له هذا كله قول ابي حنيفة واصحابه فيما ذكر الطحاوي عنهم في مختصره وحجتهم في ذلك الحديث عن عمر رضي الله عنه من رواية مالك وغيره عن داود بن الحصين عن ابي غطفان عن مروان عن عمر انه قال من وهب هبة لصلة رحم او على وجه الصدقة فسوى بين الهبة لذي الرحم وبين الصدقة وروى الاسود عن عمر مثله فيمن وهب لصلة رحم او قرابة وليس في حديث عمر ذكر الزوجين ولا فرق بين الرحم المحرمة ولا غير المحرمة كما فعل الكوفيون والاصل عندي الذي تلزم الحجة به انه لا يجوز لاحد الرجعة فيه لقوله صلى الله عليه وسلم العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه الا ان تثبت سنة تخص هذه الجملة او يتفق على معنى من ذلك علماء الامة وبالله التوفيق

باب القضاء في العمرى مالك عن بن شهاب عن ابي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله الانصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ايما رجل اعمر عمرى له ولعقبه فانها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي اعطاها ابدا لانه اعطى عطاء وقعت فيه المواريث مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم انه سمع مكحولا الدمشقي يسال القاسم بن محمد عن العمري ما يقول الناس فيها فقال القاسم بن محمد ما ادركت الناس الا وهم على شروطهم في اموالهم وفيما اعطوا قال مالك وعلى ذلك الامر عندنا ان العمرى ترجع إلى الذي اعمرها اذا لم يقل هي لك ولعقبك قال ابو عمر هذه اللفظة لم يروها عن مالك احد في الموطا قوله ان العمرى ترجع إلى الذي اعمرها اذا لم يقل لك ولعقبك غير يحيى بن يحيى في الموطا وقد رمى بها بن وضاح من كتابه والمعروف عن مالك واصحابه في العمرى انها ترجع إلى المعطي اذا مات المعطى وكذلك اذا قال المعطي للمعطى هي لك ولعقبك ترجع ايضا إلى المعطي عند انقراض عقب المعطى اذا كان المعطي حيا والا قال من كان حيا من ورثته واولى الناس بميراثه ولا يملك المعمر بلفظ العمرى عند مالك واصحابه رقبة شيء من الاشياء وانما يملك بلفظ العمرى والسكنى والاعتمار والاعلال

والاعمار عندهم والاسكان سواء لا يملك بذلك رقبة شيء من الاشياء وكذلك الافقار والاخبال والاطراق وما كان مثل ذلك من الفاظ العطايا لا يملك بشيء من ذلك كله رقبة الشيء المعطى وانما تملك به منفعته على حسب حاله هذا كله قول مالك واصحابه وهو تحصيل مذهبه وكذلك ذكر في الموطا باثر الحديث المذكور في اول الباب عن نافع ان عبد الله بن عمر ورث من حفصة بنت عمر دارها قال وكانت حفصة قد اسكنت بنت زيد بن الخطاب ما عاشت فلما توفيت بنت زيد قبض عبد الله بن عمر المسكن وراى انه له قال ابو عمر لانه كان شقيق حفصة والمنفرد بميراثها فرجعت إليه الدار بعد موتها لان الاسكان لا يملك به الا المنفعة دون الرقبة وكذلك الاعمار عند مالك وحجته في ذلك قول القاسم بن محمد ما ادركت الناس الا على شروطهم في اموالهم وفيما اعطوا يريد ان لفظ العمرى ينفي ان يكون للمعمر من الشيء الذي اعمر الا منفعته وعمره لا غير ولم ياخذ مالك بحديثه المسند في هذا الباب عن بن شهاب عن ابي سلمة عن جابر وقال ليس عليه العمل الا ما ذكره عنه يحيى بن يحيى في الموطا وكان من اخر من روى عنه الموطا وروى عنه بعض اصحابه انه قال رايت محمدا وعبد الله ابني ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وسمعت عبد الله يعاتب محمدا ومحمد يومئذ قاض يقول له ما لك لا تقضي بالحديث الذي جاء عن رسول صلى الله عليه وسلم في العمرى يعني حديث بن شهاب عن ابي سلمة عن جابر فيقول له محمد يا اخي لم اجد الناس على هذا فجعل عبد الله يكلمه ومحمد ياباه قال ابو عمر لم ياخذ مالك بحديث العمرى ورده بالعمل عنده وقد اخذ به بن شهاب وغيره وروى معمر عن بن شهاب عن الزهري عن ابي سلمة عن جابر قال انما العمرى التي اجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم انما ان يقول هي لك ولعقبك فاما اذا قال هي لك ما عشت فانها ترجع إلى صاحبها

قال معمر وكان الزهري يفتي بذلك قال ابو عمر هذا قول ابي سلمة بن عبد الرحمن ويزيد بن قسيط وبه قال بن ابي ذئب والاوزاعي واليه ذهب ابو ثور وداود بن علي وقال الاوزاعي قلت للزهري الرجل يقول للرجل جاريتي هذه لك حياتك ايحل له ان يطاها قال لا قلت فقال هي لك عمري او عمرك فيحل له فرجها قال لا حتى يبينها له انما العمرى التي لا يكون فيها للمعمر شيء ان يقول هي لك ولعقبك يعطيها له ولعقبه لا يكون للمعطي فيها مثوبة وقال محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري حديث معمر هذا انما منتهاه إلى قوله هي لك ولعقبك وما بعده عندنا من كلام الزهري قال وما رواه ابو الزبير عن جابر يرد حديث معمر هذا قال ابو عمر حديث ابي الزبير رواه بن جريج والحجاج بن ابي عثمان وحماد بن سلمة وابراهيم بن طهمان عن ابي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الانصار امسكوا عليكم اموالكم ولا تعمروها فمن اعمر شيئا حياته فهو له حياته وموته وقد رواه بن جريج ايضا عن عطاء عن جابر اخبرنا ابو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن عثمان بن ثابت ابو بكر الصيدلاني ببغداد قال حدثني إسماعيل القاضي قال حدثني علي بن المديني قال حدثني سفيان قال حدثني بن جريج انه سمع عطاء يقول سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعمروا ولا ترقبوا فمن اعمر شيئا او ارقبه فهو لورثته قال سفيان واخبرنا عمرو بن دينار عن سليمان بن يسار قال قضى طارق بالمدينة بالعمرى للوارث عن قول جابر بن عبد الله ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها وقد ذكرنا الاثار بهذا المعنى في التمهيد

قال ابو عمر من قال في العمرى بحديث ابي الزبير عن جابر وما كان مثله في العمرى جعل العمرى هبة مبتولة ملكا للذي اعمرها وابطل شرط ذكر العمر فيها وبهذا قال الشافعي وابو حنيفة واصحابهما وهو قول عبد الله بن شبرمة وسفيان الثوري والحسن بن صالح وبن عيينة واحمد بن حنبل وابي عبيد كل هؤلاء يقولون بالعمري هبة مبتولة يملك المعمر رقبتها ومنافعها واشترطوا فيها القبض كسائر الهبات فاذا قبضها المعمر ورثها عنه ورثته بعده كسائر ماله لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ابطل شرط المعمر فيها وجعلها ملكا للمعمر موروثا عنه قالوا وسواء ذكر العقب في ذلك والسكوت عنه لانه لو اعمرها من اعقبها او من لا يكون له عقب كالمجبوب والعقيم فقال لك ولعقبك او قال ذلك لمن له عقب فماتوا قبله لم يكن لذكر العقب معنى يصح الا انها حينئذ تورث عندهم عنه وقد يرثه غير عقبه قالوا فذكر العقب لا معنى له في ذلك وانما المعنى الصحيح ما جاء به الاثر واضحا ان العمرى تورث عن المعطي لملكه لها بما جعلها رسول الله من ذلك له حياته وموته وهو قول جابر بن عبد الله وبن عمر وبن عباس ذكر معمر عن ايوب عن حبيبه بن ابي ثابت قال سمعت بن عمر وساله اعرابي اعطى ابنه ناقة له حياته فانتجت ابلا فقال بن عمر هي له حياته وموته قال افرايت ان تصدق بها عليه قال فذلك ابعد له قال ابو عمر هذا الحديث عن بن عمر يدل على ان مذهبه في العمرى بخلاف مذهبه في الاسكان والسكنى بدليل انه ورث من حفصة اخته دارا كانت اسكنتها بنت زيد بن الخطاب ما عاشت فلما ماتت بنت زيد بن الخطاب بعد موت حفصة ورث بن عمر الدار عن اخته حفصة لانها كانت على ملكها وكان عبد الله بن عمر وارثها لانه كان شقيقها وعلى هذا اكثر اهل العلم في الاعمار والعمرى اذا ذلك مخالف للاسكان والسكنى وقد كان الحسن وعطاء وقتادة يسوون بين العمرى والسكنى وقالوا من اسكن احدا داره لم ينصرف إليه ابدا

وكان الشعبي يقول اذا قال هي لك سكنى حتى تموت فهي له حياته وموته واذا قال داري هذه اسكنها حتى تموت فانها ترجع إلى صاحبها قال ابو عمر جعل هؤلاء السكنى كالعمرى هبة تملك بها الرقبة وجعل ملك العمرى كالسكنى لا تملك بها الا المنفعة دون الرقبة وذلك الذي عليه جمهور اهل العلم في السكنى والاسكان انه لا تملك به رقبة الشيء والخبر عن بن عباس في العمرى رواه الثوري وغيره عن ابي الزبير عن طاوس عن بن عباس قال لا تحل العمرى ولا الرقبى فمن اعمر شيئا فهو له ومن ارقب شيئا فهو له والخبر عن جابر رواه بن جريج عن ابي الزبير عن جابر وقد ذكرناه في التمهيد وهو قول طاوس ومجاهد وسليمان بن يسار وبه كان يقضي شريح وقد ذكرنا اخبار هذا الباب وطرقها والفاظها واختلافها في التمهيد والحمد لله كثيرا وروى بن عيينة عن ايوب السختياني عن بن سيرين قال خاصم رجل إلى شريح في العمرى فقضى له وقال لست انا قضيت لك ولكن محمدا قضى بذلك منذ اربعين سنة العمرى ميراث عن اهلها من ملك شيئا حياته فهو لورثته اذا مات فاما حديث بن شهاب في صدر هذا الباب فقد اوردنا فيه رواية مالك له بالفاظه ثم رواية معمر له بالفاظه ورواه بن ابي ذئب والاوزاعي ومحمد بن اخي الزهري والليث بن سعد على خلاف ذلك فاما رواية بن ابي ذئب فذكرها في موطئه عن بن شهاب عن ابي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى فيمن اعمر عمرى له ولعقبه فهي له قبله لا يجوز للمعطي فيها شرط ولا مثوبة قال ابو سلمة لانه اعطى عطاء وقعت به المواريث فقطعت المواريث شرطه قال ابو عمر بين بن ابي ذئب موضع المسند المرفوع من هذا الحديث فجعل سائره من قول ابي سلمة فجوده

وذلك بخلاف ما قال محمد بن يحيى اذ جعله من قول الزهري ورواه الليث عن بن شهاب باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن اعمرها ولعقبه ورواه الاوزاعي قال حدثني الزهري قالا حدثني ابو سلمة قال حدثني جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرى لمن اعمرها هي له ولعقبه ورواية بن اخي الزهري نحو ذلك ومعاني رواة بن شهاب كلها متقاربة واما قوله في حديث مالك عن نافع عن بن عمر انه ورث حفصة بنت عمر دارها فاسقط حرف الجر وهي لغة للعرب قال ابو الحجناء اضحت جياد بن قعقاع مقسمة في الاقربين بلا من ولا ثمن ورثتيهم فتسلوا عنك اذ ورثوا وما ورثتك غير الهم والحزن اراد وما ورثت منك غير الهم والحزن وقالت زينب الطثرية مضى وورثناه دريس مفاضة وابيض هنديا طويلا حمائله باب القضاء في اللقطة مالك عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني انه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساله عن اللقطة فقال اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فان جاء صاحبها والا

فشانك بها قال فضالة الغنم يا رسول الله قال هي لك او لاخيك او للذئب قال فضالة الابل قال ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتاكل الشجر حتى يلقاها ربها مالك عن ايوب بن موسى عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني ان اباه اخبره انه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا فذكرها لعمر بن الخطاب فقال له عمر عرفها على ابواب المساجد واذكرها لكل من ياتي من الشام سنة فاذا مضت السنة فشانك بها قال ابو عمر روى هذا الحديث المسند في هذا الباب جماعة عن ربيعة كما رواه مالك ورواه يحيى بن سعيد الانصاري عن يزيد مولى المنبعث كما رواه ربيعة بمعنى واحد الا في شيء نذكره بعد ان شاء الله تعالى وهو حديث مسند صحيح فيه معان اجمع الفقهاء على القول بها ومعان اختلفوا فيها فما أجمعوا عليه ان عفاص اللقطة وهي الخرقة المربوط فيها الشيء الملتقط واصل العفاص في اللغة ما سد به فم القارورة وكل ما سد به فم اناء فهو عفاص الوكاء هو الخيط التي تربط به وهما جميعا من علامات اللقطة اذا جاء بوصفها صاحبها كان له عند اكثر اهل العلم بذلك اخذها وجاز للملتقط لها دفعها إليه واجمعوا ان اللقطة ما لم تكن تافها يسيرا او شيئا لا بقاء له فانها تعرف حولا كاملاف واجمعوا ان صاحبها ان جاء وثبت انه صاحبها انه احق بها من ملتقطها وانه يضمن الملتقط قيمتها ان كان اكلها او استهلكها قبل الحول او بعده فان كان استهلاك الملتقط لها بعد الحول كان صاحبها مخيرا بين ان يضمن الملتقط قيمتها وبين ان يسلم له فعله فينزل على اجرها

هذا كله لا خلاف بين اهل العلم فيه واجمعوا ان يد الملتقط لها لا تنطلق على التصرف فيها بوجه من الوجوه قبل الحول ان كانت مما يبقى مثلها حولا دون فساد يدخلها واجمعوا ان لاخذ ضاله الغنم في الموضع المخوف عليها اكلها واختلفوا في سائر ذلك على ما نذكره ان شاء الله تعالى فمنها اختلافهم في الافضل من اخذ اللقطة او تركها فروى بن وهب عن مالك انه سئل عن اللقطة يجدها الرجل اياخذها فقال اما الشيء الذي له بال فاني ارى ذلك قال وان كان لا يقوى على تعريفه فانه يجد من هو اقوى على ذلك منه ممن يثق به يعطيه فيعرفه فان كان شيء له بال فارى ان ياخذه وروى يحيى بن يحيى عن بن القاسم عن مالك انه كره اخذ اللقطة والابق جميعا قال فان اخذ احد شيئا من ذلك فابق او ضاعت اللقطة من غير فعله ولم يضيع لم يضمن وقول الليث في ذلك كله نحو قول مالك قال بن وهب سمعت مالكا والليث يقولان في ضالة الابل من وجدها في القرى اخذها وعرفها ومن وجدها في الصحاري فلا يقربها قال وقال الليث ولا احب لضالة الغنم ان يقربها احد الا ان يجوزها لصاحبها قال ابو عمر ليست اللقطة كالابق ولا كالضالة لان اللقطة لا مؤنة فيها وفي حفظها على صاحبها اجر لا مؤنة فيه ولا مؤذية وليست ضوال الحيوان كذلك لما فيه من المؤنة ولم يكلف الله عباده ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم واختلف بن القاسم واشهب في الذي ياخذ الضالة ثم يبدو له فيردها إلى مكانها فقال بن القاسم ان تباعد ثم ردها ضمن وقال اشهب لا يضمن وان تباعد وقال الشافعي يضمن على كل حال اذا ردها بعد اخذه لها وهو قول طاوس

قال ابو عمر قد كره قوم اخذ اللقطة وراوا تركها في موضعها روي ذلك عن بن عمر وبن عباس وبه قال جابر بن زيد وعطاء واليه ذهب احمد بن حنبل فاما حديث بن عمر ففي هذا الباب في الموطا رواه مالك عن نافع ان رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر فقال له اني وجدت لقطة فماذا ترى فيها فقال له عبد الله بن عمر عرفها قال قد فعلت قال زد قال قد فعلت فقال عبد الله لا امرك ان تاكلها ولو شئت لم تاخذها وقد روي عن بن عمر انه كره اخذها وراى اخرون اخذها وتعريفها وكرهوا تركها منهم سعيد بن المسيب وبه قال الحسن بن حي والشافعي فقال لا احب لاحد ترك لقطة وجدها اذا كان امينا عليها قال وسواء قليل اللقطة وكثيرها وقال ابو حنيفة واصحابه من وجد لقطة او ضالة كان الافضل له اخذها وتعريفها والا يكون ذلك سببا لضياعها قال ابو عمر قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الغنم فقال هي لك او لاخيك او للذئب فرد على اخيك ضالته وقد روى سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وربيعة عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال وساله عن الشاة فقال خذها انما هي لك او لاخيك او للذئب وقد ذكرنا الاسناد بهذين الحديثين في التمهيد واذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يامر باخذ الشاة ويقول خذها ورد على اخيك ضالته ومعلوم ان اللقطة مثلها لان الشان فيهما انه لا يمتنع شيء منهما على من اراده بهلاك او فساد

وفي امر النبي صلى الله عليه وسلم بتعريف الضالة الذي ساله عنها ولم يقل له لم اخذتها وامره ايضا صلى الله عليه وسلم باخذ الشاة ولم يقل في شيء من ذلك كما قال في الابل دعها حتى ياتي بها دليل على ان الافضل اخذها وتعريفها لان تركها عون على ضياعها ومن الحق ان يحفظ المسلم على المسلم ماله ويحوطه بما امكنه ومن قاس اللقطة على الابل فقال لا تؤخذ لم يصب القياس وقد اختلف العلماء في اللقطة والضالة فكان ابو عبيد القاسم بن سلام يفرق بين اللقطة والضالة وقال الضالة لا تكون الا في الحيوان واللقطة في غير الحيوان قال ابو عبيد انما الضوال ما ضل بنفسه وكان يقول لا ينبغي لاحد ان يدع اللقطة ولا يجوز له اخذ الضالة ويحتج بحديث الجارود عن النبي صلى الله عليه وسلم ضالة المؤمن حرق النار وبحديث جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا ياوي الضالة الا ضال وقال غيره من اهل العلم اللقطة والضالة سواء في المعنى والحكم فيهما سواء وممن ذهب إلى هذا ابو جعفر الحطاوي وانكر قول ابي عبيد الضالة ما ضل بنفسه وقال هذا غلط لانه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الافك قوله للمسلمين ان امكم ضلت قلادتها فاطلق ذلك على القلادة وقال في قوله صلى الله عليه وسلم ضالة المؤمن حرق النار انما قال ذلك لانهم ارادوها للركوب والانتفاع لا للحفظ على صاحبها وذلك بين في رواية مطرف بن الشخير عن ابيه فذكره وذكر حديث زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها وقد ذكرنا اسناد كل حديث منها في التمهيد قال ابو عمر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضالة الغنم هي لك او لاخيك او للذئب وفي ضالة الابل مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها

الحديث دليل واضح على ان العلة في ذلك خوف التلف والذهاب لا جنس الواهب فلا فرق بين ما ضل بنفسه وما لم يضل بنفسه ولا بين الحيوان وغيره لان المراد من ذلك كله حفظه على صاحبه وخوف ذهابه عنه وانما خص الابل لانها اذا تركها واحدها ولم يعرض لها وجدها صاحبها سالمة عند طلبه لها وبحثه عنها لان الذئب لا يخاف عليها في الاغلب من امرها وصبرها عن الماء فوق صبر غيرها من الحيوان والله اعلم بما اراد صلى الله عليه وسلم واختلف الفقهاء في التافه اليسير الملتقط هل يعرف حولا كاملا ام لا فقال مالك ان كان تافها يسيرا تصدق به قبل الحول وقال في مثل المخلاة والحبل والدلو واشباه ذلك ان كان في طريق وضعه في اقرب الاماكن إليه ليعرف وان كان في مدينة انتفع به وعرفه ولو تصدق به كان احب الي فان جاء صاحبه كان علي حقه وقد روى مالك وبن القاسم ان اللقطة تعرف سنة ولم يفرق بين قليلها وكثيرها وروى عيسى عن بن وهب انه قال ما قل عن ذلك عرفه اياما فان لم يجد صاحبه تصدق به وان كان غنيا وان كان محتاجا اكله وقال الشافعي يعرف القليل والكثير من ماله بقاء حولا كاملا ولا تنطلق يده على شيء منه قبل الحول بصدقة ولا غيرها فاذا عرفها حولا اكله او تصدق به فاذا جاءه صاحبه كان غريما في الموت والحياة قال وان كان طعاما لا يبقى فله ان يأكله ويغرمه لربه وقال المزني ومما وجد بخطه احب الي ان يبعه ويقيم على تعريفه حولا ثم ياكله قال المزني هذا اولى به لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للملتقط فشانك بها الا بعد السنة ولم يفرق بين القليل والكثير وقال ابو حنيفة واصحابه ما كان عشرة دراهم فصاعدا عرفه حولا كاملا وما كان دون ذلك عرفه على قدر ما يرى وقال الحسن بن حي كقولهم سواء الا انه قال ما كان دون عشرة دراهم عرفة ثلاثة ايام

وقال الثوري في الذي يجد الدرهم يعرفه اربعة ايام رواه عنه ابو نعيم واتفق الفقهاء في الامصار مالك والثوري والاوزاعي وابو حنيفة والليث والشافعي واحمد واسحاق وابو عبيد وابو ثور وداود ان يعرف اللقطة سنة كاملة له بعد تمام السنة ان ياكلها ان كان فقيرا او يتصدق بها فان جاء صاحبها وشاء ان يضمنه كان ذلك له وروي ذلك عن جماعة من السلف منهم عمر وبن عمر وبن عباس رضي الله عنهم كلهم قال ان تصدق بها وجاء صاحبها كان مخيرا بين الاجر ينزل عليهم او الضمان يضمن المتصدق بها ان شاء واختلفوا هل للغني ان ياكلها ويستنفقها بعد الحول ام لا فاستحب مالك للغني ان يتصدق بها او يحبسها وان اكلها ثم جاء صاحبها ضمنها قال بن وهب قلت لمالك ما قول عمر فان جاء صاحبها والا فشانك بها قال شانه يصنع بها ما شاء ان شاء امسكها وان شاء تصدق بها وان شاء استنفقها قال فان جاء صاحبها اداها إليه وقال ابو حنيفة لا ياكلها الغني البتة بعد الحول ويتصدق بها على كل حال الا ان يكون ذا حاجة اليها وانما ياكلها الفقير فان جاء صاحبها كان مخيرا على الفقير الاكل وعلى الغني التصدق وممن روي عنه ان الملتقط يتصدق بها ولا ياكلها علي وبن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن المسيب والحسن والشعبي وعكرمة وطاوس والثوري والحسن بن حي وقال الاوزاعي ان كان مالا كثيرا جعلها في بيت المال وقال الشافعي ياكل اللقطة الغني والفقير بعد الحول وهو تحصيل مذهب مالك واصحابه وعليه يناط اصحابه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لواجدها شانك بها بعد السنة ولم يفرق بين الغني والفقير ولا ساله اغني انت ام فقير

وفي حديث عياض بن حمار فإن جاء صاحبها فهو احق بها والا فهو مال الله يؤتيه من يشاء وهذا معناه عند الجميع انطلاق يد الملتقط عليها بعد الحول بما شاء من الاكل لها واستنفاقها او الصدقة بها ولكنه يضمنها ان جاء صاحبها باجماع المسلمين وممن روي عنه مثل قول مالك والشافعي ان الملتقط مخير بعد الحول في اكلها او الصدقة بها عمر وبن عمر وبن مسعود وعائشة رضي الله عنهم وهو قول عطاء واحمد واسحاق ولم يفرقوا بين غني وفقير واختلفوا في دفع اللقطة إلى من جاء بالعلامة دون بينة فقال مالك يستحق بالعلامة قال بن القاسم ويجبر على دفعها إليه فان جاء مستحق فاستحقها ببينة لم يضمن الملتقط شيئا من ذلك قال مالك وكذلك اللصوص اذا وجد معهم امتعة فجاء قوم فادعوها وليست لهم بينة ان السلطان يتلوم لهم في ذلك فان لم يات غيرهم دفعها اليهم وكذلك الآبق وهو قول الليث بن سعد والحسن بن حي في اللقطة انها تدفع لمن جاء بالعلامة وحجة من قال قوله صلى الله عليه وسلم وعرف عفاصها ووكاءها وعدتها فان جاء صاحبها يعرفها فادفعها إليه وهذا نص في موضع الخلاف يوجب طرح ما خالفه وبه قال احمد بن حنبل ابو عبيد وقال ابو حنيفة والشافعي واصحابهما لا يستحق الا ببينة ولا يجبر الملتقط لها ان يدفعها إلى من جاء بالعلامة ويسعه ان يدفعها إليه فيما بينه وبينه دون قضاء وذكر المزني عن الشافعي قال فاذا عرف صاحب اللقطة العفاص والوكاء والعدة والوزن وحلاها بحليتها ووقع في نفس الملتقط انه صادق كان له ان يعطيه اياها ولا اجبره لانه قد يصيب الصفة بان يسمع الملتقط يصفها

قال ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم اعرف عفاصها ووكاءها معها والله اعلم لان يؤدي عفاصها ووكاءها معها وليعلم اذا وضعها في ماله انها لقطة وقد يكون استدل بذلك على صدق المعرف ارايت لو وصفها عشرة ايعطونها كلهم ونحن نعلم ان كلهم كاذب الا واحد بغير عينه يمكن ان يكون صادقا وقد قال ابو حنيفة ان كانت اللقطة دنانير او دراهم فسمى طالبها وزنها وعددها وعفاصها ووكاءها دفعها إليه ان شاء واخذه بها كفيلا قال ابو عمر ظاهر الحديث اولى مما قال هؤلاء لان النبي صلى الله عليه وسلم قال للملتقط اعرف عفاصها ووكاءها فان عرفها صاحبها فادفعها إليه هكذا قال حماد بن سلمة وغيره في الحديث وقد ذكرناه في التمهيد واختلفوا فيمن اخذ لقطة ولم يشهد على نفسه انه التقطها وانها عنده ليعرفها ثم هلكت عنده وهو لم يشهد فقال مالك والشافعي وابو يوسف ومحمد لا ضمان عليه اذا هلكت من غير تضييع منه وان كان لم يشهد وهو قول عبد الله بن شبرمة وقال ابو حنيفة وزفر ان اشهد حين اخذها انه ياخذها ليعرفها لم يضمنها ان هلكت وان لم يشهد ضمنها وحجتهما حديث مطرف بن الشخير عن عياض بن حمار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من التقط لقطة فليشهد ذا عدل او ذوي عدل وليعرف ولا يكتم ولا يغيب فان جاء صاحبها فهو احق بها والا فهو مال الله يؤتيه من يشاء رواه شعبة عن خالد الحذاء قال سمعت يزيد بن عبد الله بن الشخير يحدث عن اخيه مطرف عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابو عمر من حجة مالك والشافعي وابي يوسف ومحمد اجماع العلماء بان المغصوبات لو اشهد الغاصب على نفسه انه غصبها لم يدخلها اشهاده ذلك في حكم الامانات فكذلك ترك الاشهاد على الامانات لا يدخلها في حكم المضمونات وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللقطة ان جاء صاحبها والا فلتكن وديعة عندك في حديث سليمان بن بلال وغيره على ما ذكرناه في التمهيد ولا خلاف ان الملتقط امين لا ضمان عليه الا بما تضمن به الامانات من التعدي والتضييع والاستهلاك

ومعنى حديث عياض بن حمار عندي والله اعلم ان ملتقط اللقطة اذا لم يعرفها ولم يسلك بها سنتها من الاشادة والاعلان بها وغيب وكتم ثم قامت عليه البينة انه وجد لقطة وانه اخذها وضمها إلى بينه ثم ادعى تلفها فانه لا يصدق ويضمن لانه بفعله ذلك فيها خارج عن الامانة فيضمن الا ان يقيم البينة بتلفها واما اذا عرفها واعلن امرها وسلك فيها سنتها من الاشادة في الاسواق وابواب الجوامع وشبهها وان لم يشهد فلا ضمان عليه وبالله التوفيق فهذا ما في معنى الحديث في اللقطة واما حكم الضوال من الحيوان فان الفقهاء اختلفوا في ذلك من وجوه فقال مالك في ضالة الغنم ما قرب من القرى فلا ياكلها وضمنها إلى اقرب القرى لتعرف فيها قال ولا ياكلها واجدها ولا من تركت عنده حتى تمر بها سنة كاملة او اكثر كذا قال بن وهب عنه قال وان كان للشاة صوف او لبن ووجد من يشتري ذلك منه باعه ودفع ثمنه لصاحب الشاة ان جاء قال مالك ولا ارى باسا ان يصيب من نسلها ولبنها بنحو قيامه عليها قال وان كان تيسا فلا باس ان يتركه ينزو على غنمه ما لم يفسده ذلك هذا كله اذا وجد بقرب القرى من الغنم واما ما كان منها في الفلوات والمهامة فانه ياخذها وياكلها ولا يعرفها فان جاء صاحبها فليس له شيء لان النبي صلى الله عليه وسلم قال هي لك او لاخيك او للذئب قال والبقر بمنزلة الغنم اذا خيف عليها فان لم يخف عليها السباع فهي بمنزلة الابل وقال الاوزاعي في الشاة ان اكلها واجدها ضمنها لصاحبها وقال الشافعي ياخذ الشاة بالفلاة ويعرفها فان لم يجئ صاحبها اكلها ثم ضمنها ان جاء وهو قول ابي حنيفة واصحابه وسائر العلماء قال ابو عمر اتفق ابو حنيفة والشافعي واصحابهما وابو ثور واحمد واسحاق على ان الملتقط للشاة عليه ضمان ما اكل من لبنها وثمن صوفها وقيمة نزواته على ضانه لانه متطوع بقيامه عليها لا يستحق عليه شيء

وقال الكوفيون الا ان يرفعها إلى السلطان فيعرض ذلك له وقال ابو جعفر الطحاوي لم يوافق مالك احدا من العلماء على قوله في الشاة ان اكلها واجدها لم يضمنها واجدها في الموضع المخوف واحتجاجه بقوله صلى الله عليه وسلم هي لك او لاخيك او للذئب لا معنى له لان قوله فهي لك ليس على معنى التمليك كما انه اذا قال او للذئب لم يرد به التمليك لان الذئب لا يملك وانما ياكلها على ملك صاحبها فينزل على اجر مصيبتها فكذلك الواجد ان اكلها على ملك صاحبها فان جاء ضمنها له قال ابو عمر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في الشاة هي لك او لاخيك او للذئب فرد على اخيك ضالته دليل على ان الشاة على ملك صاحبها فان اكلها احد ضمنها وقد قال مالك من اضطر إلى طعام غيره فاكله فانه يضمنه والشاة الملتقطة اولى بذلك وقد اجمع العلماء ان صاحبها ان جاء قبل ان ياكلها الواجد لها اخذها منه وكذلك لو ذبحها اخذها منه مذبوحة وكذلك لو اكل بعضها اخذ ما وجد منها وفي اجماعهم على هذا اوضح الدلائل على ملك صاحبها لها بالفلوات وغيرها ولا فرق بين قوله صلى الله عليه وسلم في الشاة هي لك او لاخيك او للذئب وبين قوله في اللقطة لواجدها اذا عرفتها سنة ولم يات صاحبها فشانك بها بل هذا اشبه بالتمليك لانه لم يذكر معه في لفظ التمليك دينا ولا غيره وقد اجمع علماء المسلمين في اللقطة ان واجدها يغرمها اذا استهلكها بعد الحول ان جاء صاحبها طالبا لها فالشاة اولى بذلك قياسا ونظرا وقد شبه بعض المتاخرين من اصحابنا الشاة الموجودة بالفلاة بالركاز وهذه غفلة شديدة لان الركاز لم يصح عليه ملك لاحد قبل واجده والشاة ملك ربها لها صحيح مجتمع عليه فلا يزول ملكه عنها الا باجماع مثله او سنة لا اشكال فيها وهذا معدوم في هذه المسالة فوجب الضمان فيها وقد قال سحنون في المستخرجة ان اكل الشاة واجدها بالفلاة او تصدق بها ثم جاء صاحبها ضمنها له وهذا هو الصحيح وبالله التوفيق

باب القضاء في استهلاك العبد اللقطة هذا الباب اغنى الترجمة ليس عند احد في الموطا فيما علمت عن يحيى بن يحيى واما الخبر فيه فهو في اخر باب القضاء في اللقطة لا في باب مفرد وكان صوابه ان يكون لو كان باب القضاء في استهلاك العبد اللقطة قال مالك الامر عندنا في العبد يجد اللقطة فيستهلكها قبل ان تبلغ الاجل الذي اجل في اللقطة وذلك سنة انها في رقبته اما ان يعطي سيده ثمن ما استهلك غلامه واما ان يسلم اليهم غلامه وان امسكها حتى ياتي الاجل الذي اجل في اللقطة ثم استهلكها كانت دينا عليه يتبع به ولم تكن في رقبته ولم يكن على سيده فيها شيء قال ابو عمر كان الشافعي وغيره يخالف قال الشافعي في كتاب اللقطة واذا التقط العبد اللقطة فعلم السيد بها فاقرها في يده فالسيد ضامن لها في ماله من رقبته وغيرها ان استهلك العبد قال المزني ومما وجد بخطه لا اعلمه سمع منه لا يكون على العبد غرم حتى يعتق من قبل ان له اخذها قال المزني الاول اقيس اذا كانت في الذمة والعبد عندي ليس له ذمة قال الشافعي فان لم يعلم بها السيد فهي في رقبته ان استهلكها قبل السنة وبعدها دون مال السيد لان اخذه اللقطة عدوان انما ياخذ اللقطة من له ذمة قال المزني هذا اشبه قال ولا يخلو السيد اذا علم بها واقرها في يده ان يكون ذلك تعديا فكيف لا يضمن ما يتعدى فيه في جميع ماله او لا يكون تعديا فلا يعدو رقبة عبده واما ابو حنيفة واصحابه فمذهبهم ان كل مال استهلكه العبد بيع فيه الا ان يفديه مولاه باب القضاء في الضوال مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار ان ثابت بن

الضحاك الانصاري اخبره انه وجد بعيرا بالحرة فعقله ثم ذكره لعمر بن الخطاب فامره عمر ان يعرفه ثلاث مرات فقال له ثابت انه قد شغلني عن ضيعتي فقال له عمر ارسله حيث وجدته مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ان عمر بن الخطاب قال وهو مسند ظهره إلى الكعبة من اخذ ضالة فهو ضال مالك انه سمع بن شهاب يقول كانت ضوال الابل في زمان عمر بن الخطاب ابلا مؤبلة تناتج لا يمسها احد حتى اذا كان زمان عثمان بن عفان امر بتعريفها ثم تباع فاذا جاء صاحبها اعطي ثمنها قال ابو عمر روى هذا الخبر سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال كانت ضوال الابل في زمن عمر بن الخطاب تناتج هملا لا يعرف لها احد فلما كان عثمان وضع عليها ميسم الصدقة وهو في الموطا لمالك عن بن شهاب لم يتجاوز به بن شهاب ولم يذكر سعيد بن المسيب وسياقة مالك له عن بن شهاب اتم معنى واحسن لفظا قال ابو عمر في المدونة عن مالك وبن القاسم واشهب اذا كان الامام عدلا اخذت الابل ودفعت إليه ليعرفها فان جاء صاحبها والا ردها إلى المكان الذي وجدها فيه قال بن القاسم هذا راي على ما روي عن عمر في ذلك وقال اشهب ان لم يات ربها باعها وامسك ثمنها على ما جاء عن عثمان قالوا وان كان الامام غير عدل لم تؤخذ ضالة الابل وتركت في مكانها واما ضالة البقر فقال بن القاسم ان كانت بموضع يخاف عليها فهي بمنزلة الشاة وان كان لا يخاف عليها فهي بمنزلة البعير

وروى بن وهب عن مالك مثل ذلك وقال اشهب ان كان لها من انفسها منعة في المرعى كالابل فهي كالابل وان لم تكن فهي كالغنم وقال الشافعي ليس البقر والابل كالغنم لان الغنم لا تدفع عن نفسها والابل والبقر تدفع عن انفسها وتردان المياه وان تباعدت وتعيشان في المرعى والمشرب بلا راع فليس لاحد ان يعرض لواحدة منها قال والخيل والبغال والحمير كالبعير لان كلها قوي ممتنع من صغار السباع بعيد الاثر في الارض كالظبي والارنب والطير المنعتة بالاحتيال والسرعة وقال في موضع اخر جاء النص في الابل والبقر قياسا عليها قال ابو عمر ذهب مالك والشافعي في ضوال الابل إلى قول عمر بن الخطاب ان البعير لا يؤخذ ويترك حيث وجد وبه قال الاوزاعي والليث بن سعد واما الكوفيون فلم يقولوا بما روي عن عمر في الضوال وقال ابو حنيفة واصحابه سواء كانت اللقطة بعيرا او شاة او بقرة او حمارا او بغلا او فرسا ياخذ ذلك الواجد له ويعرفه وينفق عليه فان جاء صاحبه فاستحقه كان متبرعا بما انفق الا ان يكون انفق بامر القاضي فيكون ما انفق على الضالة دينا في رقبتها فان جاء صاحبها دفع ذلك إليه والا بيعت له واخذ نفقته من ثمنها فان راى القاضي قبل مجيء صاحبها الامر ببيعها لما راه في ذلك من الصلاح لصاحبها امر ببيعها ويحفظ ثمنها على صاحبها وان كان غلاما اجره القاضي وانفق عليه من اجرته وان ذلك في الدابة ايضا فعله قالوا ومن وجد بعيرا ضالا فالافضل له اخذه وتعريفه والا يتركه فيكون سببا لضياعه وقد ذكرنا حجتهم في ذلك فيما تقدم والحمد لله كثيرا باب صدقة الحي عن الميت مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن ابيه عن جده انه قال خرج سعد بن عبادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض

مغازيه فحضرت امه الوفاة بالمدينة فقيل لها اوصي فقالت فيم اوصي انما المال مال سعد فتوفيت قبل ان يقدم سعد فلما قدم سعد بن عبادة ذكر ذلك له فقال سعد يا رسول الله هل ينفعها ان اتصدق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال سعد حائط كذا وكذا صدقة عنها لحائط سماه هكذا قال يحيى عن مالك عن سعيد بن عمرو وتابعه اكثر الرواة منهم بن القاسم وبن وهب وبن بكير وابو المصعب وقال فيه القعنبي سعد بن عمرو وكذلك قال بن البرقي سعد بن عمرو بن شرحبيل كما قال القعنبي لان سعيد بن سعد بن عبادة له صحبة قد روى عنه ابو امامة بن سهل بن حنيف وغيره مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان امي افتلتت نفسها واراها لو تكلمت تصدقت افاتصدق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال ابو عمر اظن هذا الرجل سعد بن عبادة وروى بن عيينة عن عمرو عن عكرمة ان سعد بن عبادة اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان امي ماتت ولم توص افاتصدق عنها قال نعم قال سفيان قال عمرو واخبرني بن المنكدر ان سعد بن عبادة قال يا رسول الله ان ام سعد ماتت ولم توص افينفعها ان اتصدق عنها قال نعم قال فانها تركت مخرفا اشهدك اني قد تصدقت به عنها قال سفيان ثم اتيت بن المنكدر فحدثني به والاحاديث في قصة ام سعد بن عبادة هذه متواترة مسندة ومرسلة وقد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد والعلماء كلهم مجمعون على ان صدقة الحي عن الميت جائزة مستحبة وهذا الحديث وما كان مثله متلقى عندهم بالقبول والعمل

واما حديث هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة فمسند صحيح معمول به وهو في معنى الحديث الاول وذلك كله يدلك على ان الصدقة على الموتى بالمال خلاف اعمال الابدان عندهم لانهم لا يجوز ان تقضى صلاة عن احد عند الجميع وكذلك الصيام عند الجمهور والاكثر واما قوله في حديث هشام افتلتت نفسها فمعناه اختلست منها نفسها وماتت فجاة قال الشاعر من يامن الايام بعد صبيرة القرشي ماتا سبقت منيته المشيب وكانت منيته افتلاتا قال ابو بكر بن شاذان سألت ابا زيد النحوي عن قول عمر كانت بيعة ابي بكر فلتة وقى الله شرها فقال اراد كانت فجاة وانشد قول الشاعر وكانت ميتته افتلاتا قال وتقول العرب اذا رات الهلال بغير قصد إلى ذلك رايت الهلال فلته قال خالد بن يزيد ابو مصعب فان تفتلتها فالخلافة تنفلت باكرم علقي منبر وسرير مالك انه بلغه ان رجلا من الانصار من بني الحارث بن الخزرج تصدق على ابويه بصدفة فهلكا فورث ابنهما المال وهو نخل فسال عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد اجرت في صدقتك وخذها بميراثك قال ابو عمر روي هذا الحديث من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى واحد احسنها حديث بريدة الاسلمي اخبرنا عبد الله بن محمد اخبرنا محمد بن بكر حدثني ابو داود قال حدثني احمد بن عبد الله بن يونس قال حدثني زهير قال حدثني عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن ابيه ان امراة اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كنت تصدقت على امي بوليدة وانها ماتت وتركت تلك الوليدة قال وجب اجرك ورجعت اليك بالميراث

وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الانصاري الحارثي الخزرجي وهو الذي اري الاذان في المنام عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه فيه لين ولكنه يحتمل وجمهور العلماء على القول بهذا الحديث ولم يختلف ائمة الفتوى بالحجاز والعراق منهم مالك والشافعي وابو حنيفة واصحابهم في العمل به وكان الحسن بن حي يستحب لمن تصدق بصدقة ثم رجعت إليه بالميراث ان يتصدق بها وشذت فرقة من اهل الظاهر لم تعرف الحديث فكرهت له اخذها بالميراث وراته من باب الرجوع في الصدقة وقد مضى قولنا في الرجوع في الصدقة في مواضع من هذا الكتاب منها حديث عمر في الفرس ومنها حديث عائشة في قصة لحم بريرة فاغنى ذلك عن اعادته هنا وروينا عن مسروق انه سئل عن الرجل يتصدق بالصدقة ثم يردها إليه الميراث فقال ما رد عليك القران فكل قال ابو عمر لا معنى لقول من كره رجوع الصدقة إلى المتصدق بها بالميراث لانه مخالف لظاهر القران في عموم ايات المواريث ومخالف الاثر وجمهور العلماء وبالله التوفيق

كتاب الوصية باب الامر بالوصية مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين الا ووصيته عنده مكتوبة قال ابو عمر هكذا قال مالك في هذا الحديث له شيء يوصى فيه وقال بعضهم فيه عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لاحد عنده مال يوصى فيه تاتي عليه ليلتان الا ووصيته عنده وقال فيه الزهري عن سالم عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لاحد يبيت ثلاثا الا ووصيته مكتوبة عنده وقد ذكرنا اختلاف الفاظ الناقلين لهذا الحديث في التمهيد وفي هذا الحديث الحض على الوصية والتاكيد في ذلك واجمع الجمهور على ان الوصية غير واجبة على احد الا ان يكون عليه دين او يكون عنده وديعة او امانة فيوصي بذلك وشذ اهل الظاهر فاوجبوا الوصية فرضا اذا ترك الرجل مالا كثيرا ولم يوقتوا في وجوبها شيئا والفرائض لا تكون الا مؤقتة معلومة والله اعلم وقد استدل بعض العلماء على ان الوصية غير واجبة بقوله عز وجل في اية

الوصية بالمعروف حقا على المتقين البقرة والمعروف التطوع بالاحسان قالوا والواجب يستوي فيه المتقون وغيرهم من اهل الدين واستدل غيره بان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص وهذا لا يحتج له لان ما تخلفه صلى الله عليه وسلم من شيء تصدق به ولم يترك شيئا قالت عائشة رضي الله عنها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا اوصى بشيء وقال صلى الله عليه وسلم انا لا نورث ما تركنا فهو صدقة فأي وصية اعظم من هذه ان تكون تركته كلها صدقة لا ميراث فيها وانما ندب إلى الوصية من امته من ترك مالا يورث عنه قال الله عز وجل كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية البقرة واجمعوا ان الخير المال في قوله عز وجل في اية الوصية ان ترك خيرا وكذلك قوله في الانسان وانه لحب الخير لشديد العاديات الخير عندهم هنا المال كذلك قوله عز وجل حاكيا عن سليمان عليه السلام اني احببت حب الخير ص وكذلك قوله حاكيا عن شعيب عليه السلام اني اراكم بخير هود قالوا الغنى وقد جاء في مواضع من القران ذكر الخير بمعنى المال والغنى ومن لم يترك دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا فلم يترك خيرا ولا مالا يوصى فيه

حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني ابو معاوية قال حدثني الاعمش عن شقيق ابي وائل عن مسروق عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا اوصى بشيء وقال بن المبارك عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال قلت لابن ابى اوفى اوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء قال لا قال قلت فكيف امر الناس بالوصية قال اوصي بكتاب الله عز وجل وقد ذكرنا في التمهيد واختلف السلف في مقدار المال الذي تستحب فيه الوصية او تجب عند من اوجبها فروي عن علي رضي الله عنه انه قال ستمائة درهم او سبعمائة درهم ليست بمال فيه وصية وروي عنه انه قال الف درهم مال فيه وصية وهذا يحتمل لمن شاء وقد روي عن علي رضي الله عنه انه قال من ترك مالا يسيرا فليدعه لورثته فهو افضل وهذا والله اعلم اخذه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لان تدع ورثتك اغنياء خير من ان تدعهم عالة يتكففون الناس وقال بن عباس لا وصية في ثمانمائة درهم

وقالت عائشة في امراة لها اربع من الولد ولها ثلاثة الاف درهم لا وصية في مالها وقال ابراهيم النخعي الخير يعني في اية الوصية الف درهم إلى خمسمائة وعن عائشة انها قالت من ترك ثمانمائة درهم لم يترك خيرا فلا يوص وقال قتادة في قوله عز وجل ان ترك خيرا الوصية البقرة وقال الخير الف فما فوقها واتفق فقهاء الأمصار على ان الوصية مندوب اليها مرغوب فيها وانها جائزة لمن اوصى في كل مال قل او كثر ما لم يتجاوز الثلث وممن قال بهذا مالك والثوري وابو حنيفة والاوزاعي والحسن بن حي والشافعي واحمد واسحاق وروي ذلك عن جماعة من السلف وقد قيل ان اية الوصية نسختها اية المواريث قال ذلك مالك وجماعة من العلماء قبله وبعده حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني احمد بن محمد المروزي قال حدثني علي بن حسين بن واقد عن ابيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين كانت الوصية كذلك حتى نسختها اية المواريث وقد بين ذلك علي بن ابي طلحة في روايته عن بن عباس وان كانت مرسلة فمعناها صحيح في البيان لا اختلاف فيه اذ كان لا يرث مع الوالدين غيرهم الا وصية ان كان للاقربين ثم انزل الله عز وجل ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد فان لم يكن له ولد ورثه ابواه فلامه الثلث النساء قال فبين الله عز وجل ميراث الابوين وامر بوصية الاقربين في ثلث مال الميت قال ابو عمر هكذا قال والاقربون الذين تجوز لهم الوصية ليسوا بوارثين وهذا اجماع من علماء المسلمين انه لا وصية لوارث وان المنسوخ من اية الوصية الوالدان على كل حال اذا كانا على دين ولدهما لانهما حينئذ وارثان لا يحجبان

وكذلك كل وارث من الاقربين لقوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث ولو كان الوارث تجب له الوصية لانتقضت قسمة الله لهم فيما ورثهم وصار لهم اكثر مما اعطاهم فمن هنا قال العلماء ان اية المواريث نسخت الوصية للوالدين والاقربين الوارثين ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا قول كل من لا يجيز نسخ القران بالسنة وقد قال لا ينسخ القران الا بالقران وهو قول الشافعي واصحابه واكثر المالكيين وداود وسموا السنة بيانا لا نسخا واما الكوفيون الذين يجيزون نسخ القران بالسنة وقالوا كل من عند الله فانهم قالوا نسخ الوالدين والاقربين الوارثين من الوصية قوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا اخبرنا قاسم بن اصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم سمعه يقول سمعت ابا امامة الباهلي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته ان الله قد اعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث وقد ذكرنا الحديث من طرق عن إسماعيل بن عياش في التمهيد وحدثني محمد بن عبد الملك قال حدثني بن الاعرابي قال حدثني الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال حدثني يزيد بن هارون قال اخبرنا سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن عمرو بن خارجة ان النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم وهو على راحلته فقال ان الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث فلا تجوز وصية لوارث

قال ابو عمر اجمع العلماء على القول بان لا وصية لوارث وعلى العمل بذلك قطعا منهم على صحة هذا الحديث وتلقيا منهم له بالقبول فسقط الكلام في اسناده واختلفوا في الوصية للاقربين غير الوارثين هل هي واجبة لهم ام لا فقال الاكثر من العلماء ليست بواجبة لهم لان اصلها الندب كما وصفنا وقالوا الوصية للاقربين اذا كانوا محتاجين افضل وقال داود واهل الظاهر الوصية للاقربين غير الوارثين واجبة لانها لم تنسخ وانما انتسخ الوارثون والاية عندهم على الايجاب كما قدمنا عنهم واختلفوا فيمن اوصى لغير قرابته وترك قرابته الذين لا يرثون فقال طاوس ترد وصيته على قرابته وروي عن الحسن مثله وقال الضحاك من اوصى لغير قرابته فقد ختم عمله بمعصية وقال سعيد بن المسيب وجابر بن زيد ابو الشعثاء من اوصى لغير قرابته بثلثه رد إلى قرابته من ذلك ثلثا الثلث ويمضي لمن اوصى له ثلث الثلث وروي مثل هذا عن الحسن ايضا وقد ذكرنا الاسانيد عنهم في التمهيد وبه قال إسحاق بن راهويه وقال مالك والشافعي وابو حنيفة واصحابهم والثوري والاوزاعي واحمد بن حنبل من اوصى لغير قرابته وترك قرابته محتاجين فبئس ما صنع وفعله مع ذلك ماض جائز لكل من اوصى له من غني وفقير قريب وبعيد مسلم وكافر وهو معنى ما روي عن عمر وعائشة وهو قول بن عمر وبن عباس وهو قول عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وروي عن عمر بن الخطاب انه اوصى لأمهات اولاده وعن عائشة انها اوصت لمولاتها وقد روي عن جابر بن زيد انه سئل عمن اوصى لغير قرابته بثلثه فقال يمضي ولو اوصى ان يلقي ثلثه في البحر قال بن سيرين اما في البحر فلا ولكن يمضي كما قال وقد روي عن الشعبي انه قال للرجل ثلثه يطرحه في البحر ان شاء

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله تصدق عليكم بثلث اموالكم عند وفاتكم زيادة في اعمالكم وقد ذكرنا الاسناد في هذا وعن كل من ذكرنا في التمهيد واحتج الشافعي رحمه الله على من لم يجز الوصية لغير القرابة بحديث عمران بن حصين في الذي اعتق ستة اعبد له في مرضه عند موته لا مال له غيرهم فاقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فاعتق اثنين وارق اربعة فهذه وصية لهم في ثلثه لان افعال المريض كلها وصية في ثلثه فقد اجاز لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الوصية بعتقهم وهم لا محالة من غير قرابته قال ابو عمر هذا كله فيمن اوصى لغير وارث واما من اوصى لوارث فلا تجوز وصيته باجماع وان اوصى لغير وارث وهو يريد به الوارث فقد حاف وجار واتى الجنف والجنف في اللغة الميل وهو في الشريعة الاثم والميل عن الحق روى الثوري ومعمر عن بن طاوس عن ابيه قال الجنف ان يوصي لابن ابنته وهو يريد ابنته حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني عبدة بن عبد الله قال حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثني نصر بن علي الحداني قال حدثني الاشعث بن جابر الحداني قال حدثني شهر بن حوشب ان ابا هريرة حدثه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الرجل ليعمل والمراة بطاعة الله ستين او سبعين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار وقرا ابو هريرة من بعد وصية يوصى بها او دين غير مضار النساء واخبرنا محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني ابراهيم بن موسى قال حدثني يوسف بن موسى قال حدثني ابو معاوية عن داود بن ابي هند عن عكرمة عن بن عباس قال الاضرار في الوصية من الكبائر

ثم قرا غير مضار النساء إلى قوله تلك حدود الله النساء وإلى قوله ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده النساء واتفق الجمهور من فقهاء الامصار على ان الوصية للوارث موقوفة على اجازة الورثة فان اجازها الورثة بعد الموت جازت وان ردوها فهي مردودة ولهم في اجازتها اذا اجازها الورثة قولان احدهما ان اجازتهم لها تنفيذ منهم لما اوصى به الميت وحكمها حكم وصية الميت والاخرى انها لا تكون وصية ابدا وانما هي من قبل الورثة عطية وهبة للموصى له على حكم العطايا والهبات عندهم وقد اختلف اصحاب مالك على هذين القولين ايضا وحجة من قال الوصية للوارث جائزة اذا اجازها الورثة ما حدثنا محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسن قال حدثني ابراهيم بن الهيثم الناقد قال حدثني ابو معمر القطيعي قال حدثني حجاج عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث الا ان يجيزها الورثة وهذا الحديث لا يصح عندهم مسندا وانما هو من قول بن عباس كذلك رواية الثقات له عن بن جريج وانما رفعه ابو معمر القطيعي ولا يصح رفعه وقال المزني وداود بن علي وجماعة اهل الظاهر لا تجوز الوصية للوارث اجازها الورثة او لا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا وصية لوارث ولم يقل الا ان يجيزها الورثة وحسبهم ان يعطوه من اموالهم ما شاؤوا وقال المزني انما منع الوارث من الوصية لئلا ياخذ مال الميت من وجهين مختلفين قال ابو عمر من حجة من اجاز تجويز الورثة الوصية للوارث اتفاقهم على انه ان اوصى باكثر من الثلث واجازه الورثة جاز فالوصية للوارث مثل ذلك والله اعلم قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا ان الموصي اذا اوصى في صحته او مرضه بوصية فيها عتاقة رقيق من رقيقه او غير ذلك فانه يغير من ذلك ما بدا له

ويصنع من ذلك ما شاء حتى يموت وان احب ان يطرح تلك الوصية ويبدلها فعل الا ان يدبر مملوكا فان دبر فلا سبيل إلى تغيير ما دبر وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين الا ووصيته عنده مكتوبة قال مالك فلو كان الموصي لا يقدر على تغيير وصيته ولا ما ذكر فيها من العتاقة كان كل موص قد حبس ماله الذي اوصى فيه من العتاقة وغيرها وقد يوصي الرجل في صحته وعند سفره قال مالك فالامر عندنا الذي لا اختلاف فيه انه يغير من ذلك ما شاء غير التدبير قال ابو عمر ما ذكره مالك في ان للموصي ان يتصرف فيما اوصى به غير التدبير هو امر مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه الا التدبير فانهم اختلفوا في الرجوع في المدبر وفي بيعه فكل من راى بيعه راى الرجوع فيه لمن شاء وممن راى ذلك مجاهد وعطاء وطاوس وبه قال الشافعي واحمد واسحاق ولا يجوز بيع المدبر ولا الرجوع فيه عند مالك وابي حنيفة واصحابهما والثوري والاوزاعي والحسن بن صالح بن حي وقد اجاز الليث بيعه للعتق من نفسه ومن غيره وقال بن سيرين لا يباع الا من نفسه وهو قول مالك وكره بيع المدبر بن عمر وبن المسيب والشعبي والنخعي والزهري وقد تقدم القول في ذلك في كتاب المدبر والحمد لله باب جواز وصية الصغير والضعيف والمصاب والسفيه مالك عن عبد الله بن ابي بكر بن حزم عن ابيه ان عمرو بن سليم الزرقي اخبره انه قيل لعمر بن الخطاب ان ها هنا غلاما يفاعا لم

يحتلم عن غسان ووارثه بالشام وهو ذو مال وليس له ها هنا الا ابنة عم له قال عمر بن الخطاب فليوص لها قال فاوصى لها بمال يقال له بئر جشم قال عمرو بن سليم فبيع ذلك المال بثلاثين الف درهم وابنه عمه التي اوصى لها هي ام عمرو بن سليم الزرقي مالك عن يحيى بن سعيد عن ابي بكر بن حزم ان غلاما من غسان حضرته الوفاة بالمدينة ووارثه بالشام فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقيل له ان فلانا يموت افيوصي قال فليوص قال يحيى بن سعيد قال ابو بكر وكان الغلام بن عشر سنين او اثنتي عشرة سنة قال فاوصى ببئر جشم فباعها اهلها بثلاثين الف درهم قال ابو عمر روى بن عيينة هذين الحديثين الاول عن عبد الله بن ابي بكر عن ابيه عن عمرو بن سليم الزرقي ان غلاما من غسان حضرته الوفاة بالمدينة فقيل لعمر بن الخطاب ان فلانا يموت قال مروه فليوص فاوصى ببئر جشم قال فبيعت بثلاثين الفا قال وكان الغلام بن عشر سنين او اثنتي عشرة سنة هكذا قال بن عيينة في حديثه عن عبد الله بن ابي بكر ورواه عن يحيى بن سعيد عن ابي بكر بن محمد عن عمرو بن سليم عن عمر بن الخطاب مثله وسفيان عن ايوب عن محمد عن شريح قال من اوصى من صغير او كبير فاصاب الحق فالله قضاه على لسانه ليس للحق مدفع قال بن سيرين وقاله عبد الله بن عتبة قال سفيان وقال بن شبرمة وبن ابي ليلى لا تجوز وصية من لم يبلغ قال وقال بن شبرمة انا لا اجيز صدقته فكيف اجيز وصيته قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا ان الضعيف في عقله والسفيه والمصاب الذي يفيق احيانا تجوز وصاياهم اذا كان معهم من عقولهم ما يعرفون

ما يوصون به فاما من ليس معه من عقله ما يعرف بذلك ما يوصي به وكان مغلوبا على عقله فلا وصية له قال ابو عمر اما وصية الصغير اذا كان يعقل ما اوصى به ولم يات بمنكر من القول والفعل فوصيته جائزة ماضية عند مالك والليث واصحابهما ولا حد عندهم في صغره عشر سنين ولا غيرها اذا كان ممن يفهم ما ياتي به في ذلك واصاب وجه الوصية وقال عبيد الله بن الحسن اذا اوصى في وسط ما يحتلم له الغلمان جازت وصيته وقال ابو حنيفة واصحابه لا تجوز وصية الصبي وقال المزني هو قياس قول الشافعي ولم اجد للشافعي في ذلك شيئا ذكره ونص عليه واختلف اصحابه على قولين احدهما كقول مالك والثاني كقول ابي حنيفة وحجتهم انه لا يجوز طلاقه ولا عتقه ولا يقبض منه في جناية ولا يحد به في قذف فليس كالبالغ المحجور عليه فكذلك وصيته قال ابو عمر قد اجمع هؤلاء على ان وصية البالغ المحجور عليه جائزة ومعلوم ان من يعقل من الصبيان ما يوصي به فحاله حال المحجور عليه في ماله وعلة الحجر تبديد المال وتلافه وتلك علة مرتفعة عنه بالموت وهو بالمحجور عليه في ماله اشبه منه بالمجنون الذي لا يعقل فوجب ان تكون وصيته مع الاثر الذي جاء فيه عن عمر رضي الله عنه وقال مالك انه الامر المجتمع عليه عندهم بالمدينة وبالله التوفيق واما قوله في البالغ المحجور عليه فقد مضى قول مالك في هذا الباب في موطئه وقال بن القاسم عن مالك ان حضرته الوفاة فاوصى بوصايا فذلك جائز وقال محمد بن الحسن في كتاب الحجر ولم يحك خلافا عن احد من اصحابه والقياس في وصايا الغلام الذي قد بلغ وهو مفسد غير مصلح انها باطل ولكنا نستحسن في وصاياه اذا وافق الحق فيها ولم يات سرفا انها تجوز من ثلثه كما تجوز من ثلث غيره

وقال الربيع عن الشافعي تجوز وصية كل من عقل الوصية من بالغ محجور عليه وغير محجور قال ابو عمر انما منع المحجور عليه لما يخاف من افساد ماله احتياطا عليه فاذا صار في حال الموت استغنى عن ذلك فكان بمنزلة من ليس بمحجور عليه وبالله التوفيق باب الوصية في الثلث لا تتعدى مالك عن بن شهاب عن عامر بن سعد بن ابي وقاص عن ابيه انه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وانا ذو مال ولا يرثني الا ابنة لي افاتصدق بثلثي مالي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فقلت فالشطر قال لا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلث والثلث كثير انك ان تذر ورثتك اغنياء خير من ان تذرهم عالة يتكففون الناس وانك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت حتى ما تجعل في في امرأتك قال فقلت يا رسول الله ااخلف بعد اصحابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انك لن تخلف فتعمل عملا صالحا الا ازددت به درجة ورفعة ولعلك ان تخلف حتى ينتفع بك اقوام ويضر بك اخرون اللهم امض لاصحابي هجرتهم ولا تردهم على اعقابهم لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مات بمكة قال ابو عمر هكذا قال جماعة اصحاب بن شهاب في هذا الحديث جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع كما قال مالك الا بن عيينة فانه قال فيه عام الفتح فاخطا في ذلك وهذا حديث لا يختلف في صحة اسناده

واتفق اهل العلم على القول به في انه لا يجوز لاحد ان يوصي باكثر من ثلثه وانما اختلفوا فيما للمريض ان يفعله في ماله من العطايا المقبلة غير الوصية فقال الجمهور ان افعال المريض فيما يتصدق به ويعتق ويهب في مرضه الذي يموت منه كلها في ثلثه كالوصايا وحجتهم ان هذا الحديث مع صحته لم يقل فيه بن شهاب عن عامر بن سعد افاوصي وانما قال افاتصدق ولم يجز له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقة الا الثلث كالوصية المجتمع عليها وبن شهاب حافظ غير مدافع في حفظه وقد ذكرنا الاسانيد عنهم بذلك في التمهيد وقد قال فيه سعد بن ابراهيم عن عامر بن سعد افاوصي وكذلك قال مصعب بن سعد عن ابيه افاوصي وساقوا الحديث بمعنى حديث بن شهاب سواء ولم يختلف في ذلك عن مصعب بن سعد وقد قال بان هبة المريض اذا قبضت من راس ماله ان مات من مرضه طائفة من السلف واليه ذهب اهل الظاهر وداود واما جمهور العلماء وجماعة ائمة الفتوى بالامصار فقالوا هبة المريض قبضت او لم تقبض اذا مات من مرضه لا تكون الا في الثلث كالوصايا وممن قال بذلك مالك والليث والاوزاعي والثوري وابو حنيفة والشافعي واصحابهما وحجتهم حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي اعتق ستة اعبد له عند موته لا مال له غيرهم فاقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فاعتق اثنين وارق اربعة فامضى له من ماله ثلثه ورد سائر ماله ميراثا وهذا حكم الوصية عند الجميع واجمع علماء المسلمين ان الميت اذا مات عن بنين او عن كلالة ترثه انه لا يجوز له ان يوصي في ماله باكثر من ثلثه واختلفوا اذا لم يترك بنين ولا عصبة

فقال بن مسعود اذا كان كذلك جاز له ان يوصي بماله كله وعن ابي موسى الاشعري مثله وهو قول عبيدة ومسروق وبه قال ابو حنيفة واصحابه واليه ذهب إسحاق بن راهويه وقد ذكرنا الاثار عن بن مسعود وابي موسى وعبيدة ومسروق في التمهيد وذكر الطحاوي قال ابو حنيفة واصحابه وشريك القاضي اذا لم يكن له وارث اوصى بجميع ماله ومن حجتهم ان الاقتصار عن الثلث في الوصية انما كان من اجل ان يدع ورثته اغنياء ومن كان ممن لا وارث له فليس ممن عني بالحديث وجائز له ان يوصي بماله كله وقال زيد بن ثابت لا يجوز لاحد ان يوصي بماله كله كان له بنون او ورث كلالة او ورثه جماعة المسلمين وبهذا القول قال مالك والاوزاعي والحسن بن حي واختلف فيه قول احمد بن حنبل قال ابو عمر ما يصرف إلى بيت مال المسلمين فليس على سبيل الميراث ولو كان كذلك ما استحقه الرجل وابنه ولا من يحجب مع من يحجبه وانما هو من مال لا مالك له مصروف إلى نظر السلطان يصرفه حيث يراه من المسلمين في مصالحهم واجمع جمهور اهل العلم ان الوصية لا تجوز باكثر من الثلث الا ان يجيزها الورثة وعلى هذا جماعة جمهور الفقهاء بالعراق والحجاز والمغرب والشام وشذت طائفة منهم عبد الرحمن بن كيسان فلم يجيزوا الوصية باكثر من الثلث وان اجازها الورثة وقالوا ليس لهم ان يجيزوا للموصي ذلك ولهم ان يعطوا الموصى له من فرائضهم وسائر اموالهم ما شاؤوا وكره الجماعة من اهل العلم الوصية في الثلث لمن يرثه ذريته واستحبت منهم جماعة الوصية بالخمس

وروي عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه انه قال رضيت في وصيتي بما رضى الله به لنفسه يعني من الغنيمة وذكر عبد الرزاق قال اخبرني من سمع الحسن وابا قلابة يقولان اوصى ابو بكر بالخمس واستحبت طائفة الوصية بالربع روي ذلك عن بن عباس وقال إسحاق بن راهويه السنة في الوصية الربع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلث كثير الا ان يكون رجل يعرف في ماله شبهات فيجوز له ان يوصي بثلثه لا يتجاوزه واستحبت طائفة الوصية بالثلث لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ان الله تعالى جعل لكم في الوصية ثلث اموالكم زيادة في اعمالكم روي من وجوه فيها لين قد ذكرناها في التمهيد منها ما رواه وكيع وبن وهب عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث لم يروه عن عطاء غير طلحة بن عمرو هذا وهو ضعيف مجتمع على ضعفه والصحيح عن بن عباس ما رواه سفيان بن عيينة وغيره عن هشام بن عروة عن ابيه قال قال بن عباس لو غض الناس من الثلث إلى الربع في الوصية لكان احب الي لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الثلث والثلث كثير قال سفيان وحدثنا جعفر بن برقان ان ابا بكر الصديق قال ارضى في وصيتي بما رضي الله عز وجل بالخمس قال سفيان يعني خمس الفيء لقوله فان لله خمسه الاية الانفال وقال قتادة الثلث كثير والقضاة يجيزونه والربع قصد واوصى ابو بكر بالخمس وقال بن سيرين الثلث جهد وهو جائز وقال قتادة اوصى عمر بالربع واوصى ابو بكر بالخمس وهو احب الي

وقال ابراهيم كان الخمس احب اليهم من الربع والربع احب اليهم من الثلث وقد ذكرنا الاسانيد عن هؤلاء كلهم في التمهيد وفي هذا الحديث ايضا عيادة العالم والخليفة وسائر الجلة للمريض وفيه دليل على ان الاعمال لا يزكو منها الا ما اريد به وجه الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم انك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله الا اجرت بها وفيه ان النفقة على البنين والزوجات من الاعمال الزاكيات الصالحات وان ترك المال للورثة اذا كان فضلا افضل من الصدقة به لقوله صلى الله عليه وسلم ان تدع ورثتك اغنياء خير من ان تدعهم عالة يتكففون الناس واما قول سعد أأخلف بعد اصحابي فمعناه عندي والله اعلم ااخلف بمكة بعد اصحابي المهاجرين المتصدقين معك إلى المدينة دار الهجرة قال ذلك تحزنا واشفاقا من بقائه في موضع قد هجره لله ولرسوله واما جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم له بقوله انك لن تخلف فتعمل عملا صالحا الا ازددت به درجة ورفعة فلم يخرج على كلامه وانما خرج مخرج الاقرار لان الغيب لا علم له به ولكن من خلف وعمل صالحا وقعت به درجته واما قوله ولعلك ان تخلف حتى ينتفع بك اقوام ويضر بك اخرون فهذا من ظنونه الصادقة التي كان كثيرا منها يقينا فقد خلف سعد رضي الله عنه حتى انتفع به اقوام وهلك به اخرون روى بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الاشج قال سالت عامر بن سعد بن ابي وقاص عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لسعد ولعلك ان تخلف حتى ينتفع بك اقوام ويضر بك اخرون فقال امر سعد على العراق فقتل قوما على ردة فاضر بهم واستتاب قوما سجعوا سجع مسيلمة فتابوا فانتفعوا قال ابو عمر امره عمر رحمه الله على الكوفة على حرب القادسية وعمر سعد بعد حجة الوداع خمس واربعون سنة وتوفي سنة خمس وخمسين واما قوله صلى الله عليه وسلم اللهم امض لاصحابي هجرتهم ولا تردهم على اعقابهم فمعناه الدعاء لهم في ان يتم لهم هجرتهم سالمة من افات الرجوع إلى الوطن المتقرب بهجرته إلى الله عز وجل وان يثبتهم على هجرتهم تلك وكانوا يستعيذون بالله تعالى ان يعودوا كالاعراب بعد هجرتهم لان الاعراب لم يتعبدوا بالهجرة التي كان يحرم بها على المهاجر الرجوع إلى وطنه

ولم تكن الهجرة مقتصرة في ترك الوطن وتحريم الرجوع إليه على الابد الا على اهل مكة خاصة الذين امنوا به من اهلها واتبعوه ليتم لهم بالهجرة الغاية من الفضل الذي سبق لهم فعليهم خاصة افترضت الهجرة المفترض فيها البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث استقر والتحول معه حيث تحول لنصرته ومؤازرته وصحبته والحفظ لما يشرعه والتبليغ عنه ولم يرخص لواحد منهم في الرجوع إلى الوطن وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عندهم كذلك لان هجرة دار الكفر حيث كانت وان كانت واجبة على كل من امن ان يهجر دار الكفر لئلا تجري عليه فيها احكام الشيطان وحرم عليه المقام حيث لا يجري عليه حكم الاسلام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم انا بريء من كل مسلم مقيم مع المشركين فلم يحرم في هجرته هذه حالة الرجوع إلى الوطن الذي خرج منه اذا عادت تلك الدار دار ايمان واسلام وليس اهل مكة كذلك لان الهجرة كانت عليهم باقية إلى الممات وهم الذين اطلق عليهم المهاجرون ومدحوا بذلك دون غيرهم الا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما ارخص للمهاجر ان يقيم بمكة ثلاثة ايام بعد تمام نسكه وحجه رواه العلاء بن الحضرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا هذا الحديث باسناده في كتاب الصلاة وحدثنا محمد بن ابراهيم اخبرنا احمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان الاعناقي قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الايلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن ابي وقاص عن عبد الرحمن الاعرج قال خلف النبي صلى الله عليه وسلم على سعد رجلا وقال له ان مات بمكة فلا تدفنه بها قال سفيان لانه كان مهاجرا وعن بن عيينة عن محمد بن قيس عن ابي بردة عن سعد بن ابي وقاص قال سالت النبي صلى الله عليه وسلم اتكره للرجل ان يموت في الارض التي هاجر منها قال نعم

وروى عبد الله بن سعيد بن ابي هند عن ابيه عن بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا قدم مكة قال اللهم لا تجعل منايانا بها لانه كان مهاجرا وقال فضيل بن مرزوق سالت ابراهيم النخعي عن المقام والجوار بمكة فقال اما المهاجر فلا يقيم بها واما غيره فانما كره له المقام بمكة خشية ان يكثر الناس بها فتغلوا اسعار اهلها وفي رواية سفيان بن حسين عن الزهري عن عامر بن سعد عن ابيه في الحديث المذكور في اول هذا الباب انه قال يا رسول الله اني اخاف او قال اني ارهب ان اموت في الارض التي هاجرت منها فادع الله لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اشف سعدا اللهم اشف سعدا وذكر الحديث وهذا كله يدل على ان قوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح ان معناه لا هجرة تبتدا بعد الفتح مفترضة لا على اهل مكة ولا على غيرهم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا هجرة بعد الفتح من وجوه كثيرة صحاح كلها وفي بعضها لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا ثم قال لهم المهاجر من هجر ما حرم الله عليه وقال لبعضهم اذ ساله عن الهجرة اقم الصلاة وات الزكاة وما افترض الله عليك واجتنب ما نهاك عنه واسكن من ارض قومك حيث شئت قال ابو عمر فهذه الهجرة المفترضة الباقية إلى يوم القيامة الا ان المهاجرين الاولين الذين مدحهم الله بهجرتهم حرام عليهم ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمدينة والرجوع إلى مكة ابدا

الا ترى ان عثمان وغيره كانوا اذا حجوا لا يطوفون طواف الوداع الا ورواحلهم قد رحلت وهذا انما كان عليهم ما كان صلى الله عليه وسلم حيا بين اظهرهم فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتفع ذلك عنهم بموته فافترقوا في البلدان رضي الله عنهم وروى جرير بن حازم قال حدثني عمي جرير بن يزيد عن عامر بن سعد عن ابيه فذكر معنى حديث بن شهاب وفيه لكن سعد بن خولة البائس قد مات في الارض التي قد هاجر منها قال ابو عمر ما قاله شيوخنا في حديث بن شهاب يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مات بمكة من كلام بن شهاب صحيح ومعلوم بما ذكرنا من الاثار ان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة البائس انما كان رثى بذلك لموته بمكة وقد يمكن ان يكون احب واختار التودد بها حتى ادركته فيها منيته والله اعلم وكان موته بمكة في حجة الوداع حدثني خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثني الحسن بن غليب واسحاق بن ابراهيم بن جابر قالا حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا الليث عن يزيد بن ابي حبيب قال توفي سعد بن خولة في حجة الوداع قال ابو عمر سعد بن خولة بدري وقد ذكرناه بما ينبغي من ذكره في كتاب الصحابة والحمد لله قال مالك في الرجل يوصي بثلث ماله لرجل ويقول غلامي يخدم فلانا ما عاش ثم هو حر فينظر في ذلك فيوجد العبد ثلث مال الميت قال فان خدمة العبد تقوم ثم يتحاصان يحاص الذي اوصي له بالثلث بثلثه ويحاص الذي اوصي له بخدمة العبد بما قوم له من خدمة العبد فياخذ كل واحد منهما من خدمة العبد او من اجارته ان كانت له اجارة بقدر حصته فاذا مات الذي جعلت له خدمة العبد ما عاش عتق العبد قال ابو عمر قد تقدم القول فيما زاد من الوصايا على الثلث ان ذلك موقوف

عند جمهور العلماء على اجازة الورثة وقد ذكرنا الخلاف في ذلك واما الوصية بخدمة العبد وغلة البساتين وسكنى المساكين فقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال مالك والثوري والليث وعثمان البتي وابو حنيفة والشافعي وسوار وعبد الله وعبيد الله ابنا الحسن قاضيا البصرة الوصية بسكنى الدار وغلة البساتين فيما يستاذن وخدمة العبد جائزة اذا كانت الثلث او اقل وكذلك ما زاد على الثلث من ذلك اذا اجازه الورثة وقال بن ابي ليلى وبن شبرمة الوصية بكل ذلك باطل غير جائزة وبه قال داود واهل الظاهر لان ذلك منافع طارئة على ملك الوارث لم يملكها الميت قبل موته وقد اجمعوا انه لو اوصى بشيء ومات وهو في غير ملكه ان الوصية باطل والوصية بالمنافع كذلك لانه قد مات وهي في غير ملكه فان شبه على احد ان الاجارة يملك المؤاجر بها البدل من منافعها وان لم تكن في ملكه فليس كذلك لان المؤاجر على ملكه كل ما يطرا من المنافع ما دام الاصل في ملكه وكان حيا وليس الميت بمالك لشيء من ذلك لان المنافع طارئة على ملك الورثة واما الاوقاف فان السنة اجازتها بخروج ملك اصلها عن الموقف إلى الله عز وجل ليتحرى عليها فيما يقرب منه وليست المنافع فيها طارئة على ملك الموقف لانه مستحيل ان يملك الميت شيئا وقد قال بعضهم ان اصول الاوقاف على ملك الموقف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقطع عمل المرء بعده الا من ثلاث فذكر منها صدقة يجري عليه نفعها وهذا ليس بشيء لان الثواب والاجر الذي يناله الميت فيما يوقفه من اصول ماله انما كان لان اصله خرج عن ملكه إلى الله تعالى فبذلك استحق الاجر كمن سن سنة حسنة فعمل بها غيره اخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن ابي عمرو قال حدثنا سفيان بن عيينة قال قال بن شبرمة وبن ابي ليلى من اوصى بفرع شيء ولم يوص باصله فليس بشيء قال ابو عمر قول بن ابي ليلى وبن شبرمة ومن تابعهما قول صحيح في النظر والقياس وان كان على خلافه اكثر الناس

قال مالك في الذي يوصي في ثلثه فيقول لفلان كذا وكذا ولفلان كذا وكذا يسمي مالا من ماله فيقول ورثته قد زاد على ثلثه فان الورثة يخيرون بين ان يعطوا اهل الوصايا وصاياهم وياخذوا جميع مال الميت وبين ان يقسموا لاهل الوصايا ثلث مال الميت فيسلموا اليهم ثلثه فتكون حقوقهم فيه ان ارادوا بالغا ما بلغ قال ابو عمر هذه مسألة معروفة لمالك واصحابها يدعونها مسألة خلع الثلث وخالفهم فيها ابو حنيفة والشافعي وابو ثور وأحمد وداود واصحابهم وانكروها على مالك رحمه الله وقد اجمعوا ان الوصية تصح بموت الموصي وقبول الموصى له اياها بعد موت الموصى واذا صح ملك الموصى له للشيء الموصى به فكيف تجوز فيه المعاوضة بثلث لا يبلغ الا معرفته ولا يوقف على حقيقته وقد اجمعوا انه لا تجوز البياعات والمعاوضات في المجهولات واجمعوا انه لا يحل ملك مالك الا عن طيب نفسه فكيف يؤخذ من الموصى له ما قد ملكه بموت الموصي وقبوله له بغير طيب نفس منه ومن حجة مالك ان الثلث موضع للوصايا فاذا امتنع الورثة ان يخرجوا ما اوصى به الميت وزعموا انه تعدى فيه بأكثر من الثلث خيروا بين ان يسلموا للموصى له ما اوصى به الميت لهم او يسلموا إليه ثلث الميت كما لو جنى العبد جناية قيمتها مائة درهم والعبد قيمته الف كان سيده مخيرا بين ان يؤدي ارش الجناية فلا يكون للمجني عليه إلى العبد سبيل وبين ان يسلم العبد إليه وان كان يساوي اضعاف قيمة الجناية قال ابو عمر الذي اقول به ان الورثة إذا ادعوا ان الشيء الموصى به اكثر من الثلث كلفوا بيان ذلك فاذا ظهر ذلك وكان كما ذكروا اكثر من الثلث يأخذ من الموصى له قدر ثلث مال الميت وكان شريكا للورثة بذلك فيه وان كان الثلث فأقل اجبروا على الخروج عنه إلى الموصى له وبالله التوفيق لا شريك له

باب امر الحامل والمريض والذي يحضر القتال في اموالهم قال مالك احسن ما سمعت في وصية الحامل وفي قضاياها في مالها وما يجوز لها ان الحامل كالمريض فاذا كان المرض الخفيف غير المخوف على صاحبه فان صاحبه يصنع في ماله ما يشاء واذا كان المرض المخوف عليه لم يجز لصاحبه شيء الا في ثلثه قال وكذلك المراة الحامل اول حملها بشر وسرور وليس بمرض ولا خوف لان الله تبارك وتعالى قال في كتابه فبشرناها باسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب هود وقال حملت حملا خفيفا فمرت به فلما اثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين الاعراف فالمراة الحامل اذا اثقلت لم يجز لها قضاء الا في ثلثها فأول الاتمام ستة اشهر قال الله تبارك وتعالى في كتابه والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين البقرة وقال وحمله وفصاله ثلاثون شهرا الاحقاف فاذا مضت للحامل ستة اشهر من يوم حملت لم يجز لها قضاء في مالها الا في الثلث قال مالك في الرجل يحضر القتال انه اذا زحف في الصف للقتال لم يجز له ان يقضي في ماله شيئا الا في الثلث وانه بمنزلة الحامل والمريض المخوف عليه ما كان بتلك الحال قال ابو عمر اصل علامات المرض الذي يلزم به صاحبه الفراش ولا يعذر معه على شيء من التصرف ويغلب على القلوب انه يتخوف عليه منه الموت اذا كانت هذه حال المريض فالعلماء مجمعون قديما وحديثا على انه لا يجوز له ان يقضي في ماله بأكثر من الثلث واما الحامل فأجمعوا على ان ما دون ستة اشهر من حملها هي فيه كالصحيح في افعاله وتصرفه في ماله واجمعوا ايضا انها اذا ضربها المخاض والطلق انها كالمريض المخوف عليه لا ينفذ لها في مالها اكثر من ثلثها

واختلفوا في حالها اذا بلغت ستة اشهر من حملها إلى حين يحضرها الطلق فقال مالك ما وصفه في موطئه على ما ذكرناه وهو قول الليث بن سعد واحمد واسحاق وطائفة من السلف وقال ابو حنيفة والشافعي واصحابهما والثوري وعبيد الله بن الحسن والاوزاعي وابو ثور وداود الحامل كالصحيح ما لم يكن المخاض والطلق او يحدث بها من الحمل ما تصير به صاحبة فراش واجمع العلماء على ان من بلغت منه الجراح ان انفذت مقاتله او قدم للقتل في قصاص او لرجم في زنا انه لا يجوز له من القضاء في ماله الا ما يجوز للمريض صاحب الفراش المخوف عليه وكذلك الذي يبرز في التحام الحرب للقتال واجمع العلماء على ان عتق المريض صاحب الفراش الثقيل المرض لعبيده في مرضه اذا مات من مرضه ذلك لا ينفذ منه الا ما يحمل ثلث ماله وثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمران بن حصين وغيره في الذي اعتق ستة اعبد له عند موته لم يكن له مال غيرهم ثم مات فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم وعتق ثلثهم اثنين وارق ثلثيهم اربعة واجمع الجمهور من العلماء الذين هم حجة على من خالفهم ان هبات المريض وصدقاته وسائر عطاياه اذا كانت حاله ما وصفنا لا ينفذ منها الا ما حمل ثلثه وقال داود واهل الظاهر اما عتق المريض فعلى ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي اعتق ستة اعبد له في مرضه لا مال له غيرهم ينفذ من ذلك الثلث واما هباته وصدقاته وما يهديه ويعطيه وهو حي فنافذ ذلك كله جائز عليه ماض في ذلك كله لانه ليس بوصية وانما الوصية ما يستحق بموت الموصي وقال الجمهور من العلماء وجماعة اهل الفتوى بالامصار ان هبات المريض كلها وعتقه وصدقاته لو صح من مرضه نفذ ذلك كله من راس ماله ويراعون فيها ما عدا العتق القبض على ما ذكرنا في اصولهم من قبض الهبات والصدقات فيما تقدم من هذا الكتاب

وقال داود واهل الظاهر اما العتق خاصة في المرض فلا ينفذ منه الا الثلث مات المعتق من مرضه او صح لان المرض لا يعلم ما منه الموت وما منه الصحة الا الله تعالى وقد اجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم عتق ثلث العبيد الذين اعتقهم سيدهم بالمرض ولا مال له غيرهم قال ابو عمر الحجة على داود قائمة بنص الحديث لان فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما اقرع بين العبيد بعد موت سيدهم وتغيظ عليه وقال لقد هممت الا اصلي عليه ما اعتق جميعهم ولم يكن له مال غيرهم وهذه الالفاظ محفوظة في حديث عمران بن حصين وقد ذكرنا كثيرا منه في التمهيد وفي كتاب العتق من هذا الكتاب والله الموفق للصواب باب الوصية للوارث والحيازة قال مالك في هذه الاية انها منسوخة قول الله تبارك وتعالى أن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين البقرة نسخها ما نزل من قسمة الفرائض في كتاب الله عز وجل قال ابو عمر قد تقدم القول في هذه الاية وذكرنا ما للعلماء فيها من التنازع وهل هي منسوخة او محكمة وما الناسخ لها من القران والسنة في باب الامر بالوصية من هذا الكتاب فلا معنى لاعادة ذلك هنا قال مالك السنة الثابتة عندنا التي لا اختلاف فيها انه لا تجوز وصية لوارث الا ان يجيز له ذلك ورثة الميت وانه ان اجاز له بعضهم وابى بعض جاز له حق من اجاز منهم ومن ابى اخذ حقه من ذلك وهذه المسألة قد مضت ايضا مجودة فيما للعلماء فيها من الاقوال والاعتلال في باب الامر بالوصية من كتابنا هذا فلا وجه لتكرارها قال وسمعت مالكا يقول في المريض الذي يوصي فيستأذن ورثته في وصيته وهو مريض ليس له من ماله الا ثلثه فيأذنون له ان يوصي لبعض ورثته بأكثر من ثلثه انه ليس لهم أ ن يرجعوا في ذلك ولو جاز ذلك لهم صنع كل وارث ذلك فاذا

هلك الموصي اخذوا ذلك لانفسهم ومنعوه الوصية في ثلثه وما اذن له به في ماله قال فأما ان يستأذن ورثته في وصية يوصي بها لوارث في صحته فيأذنون له فان ذلك لا يلزمهم ولورثته ان يردوا ذلك ان شاؤوا وذلك ان الرجل اذا كان صحيحا كان احق بجميع ماله يصنع فيه ما شاء ان شاء ان يخرج من جميعه خرج فيتصدق به او يعطيه من شاء وانما يكون استئذانه ورثته جائزا على الورثة اذا أذنوا له حين يحجب عنه ماله ولا يجوز له شيء الا في ثلثه وحين هم احق بثلثي ماله منه فذلك حين يجوز عليهم امرهم وما اذنوا له به فان سأل بعض ورثته ان يهب له ميراثه حين تحضره الوفاة فيفعل ثم لا يقضي فيه الهالك شيئا فانه رد على من وهبه الا ان يقول له الميت فلان لبعض ورثته ضعيف وقد احببت ان تهب له ميراثك فأعطاه اياه فان ذلك جائز اذا سماه الميت له قال وان وهب له ميراثه ثم انفذ الهالك بعضه وبقي بعض فهو رد على الذي وهب يرجع إليه ما بقي بعد وفاة الذي اعطيه قال ابو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة اقوال احدها قول مالك ان اذن الورثة للمريض في حال مرضه ان يوصي لوارثه او بأكثر من ثلثه فهو لازم لهم إلا ان يكونوا ممن يخاف دخول الضرر عليهم من منع رفد واحسان وقطع نفقة ومعروف ونحو هذا ان امتنعوا فان كان ذلك لم يضرهم اذنهم وكان لهم الرجوع فيما اذنوا فيه بعد موته روى ذلك بن القاسم وغيره عنه وان استأذنهم في صحته فأذنوا له لم يلزمهم بحال من الاحوال والقول الثاني ان اذن لهم في الصحة والمرض سواء ويلزمهم اذنهم بعد موته ولا رجوع لهم روي ذلك عن الزهري وربيعة والحسن وعطاء وروي ذلك عن مالك والصحيح عنه ما في موطئه وهو المشهور عنه من مذهبه والقول الثالث ان اذنهم واجازتهم لوصيته في صحته ومرضه سواء ولا يلزمهم شيء منه الا ان يجيزوا ذلك بعد موته حين يجب لهم الميراث ويجب للموصى له الوصية لانه قد يموت من مرضه وقد لا يموت وقد يموت ذلك الوارث المستأذن قبله فلا يكون وارثا ويرثه غيره ومن اجاز ما لا حق له فيه ولم يجب له فليس فعله ذلك بلازم له

وممن قال ذلك الشافعي وابو حنيفة واصحابهما وسفيان الثوري وروي ذلك عن بن مسعود وشريح وطاوس وبه قال احمد واسحاق قال مالك فيمن اوصى بوصية فذكر انه قد كان اعطى بعض ورثته شيئا لم يقبضة فأبى الورثة ان يجيزوا ذلك فان ذلك يرجع إلى الورثة ميراثا على كتاب الله تعالى لأن الميت لم يرد ان يقع شيء من ذلك في ثلثه ولا يحاص اهل الوصايا في ثلثه بشيء من ذلك قال ابو عمر هذه وصية الوارث لم يعلم بها الا في المرض او عطية من صحيح ذكرها في وصيته ليخرج من ثلثه فحكمها حكم العطيه في المرض فاذا لم يجزها الورثة لم يجز ولا سبيل ان يكون من اقراره في مرضه شيء ينقل إلى حكم الصحة عند جماعة ائمة الفقهاء الذين تدور عليهم الفتيا كما لو اقر في صحته لم يحكم له بحكم الاقرار في المرض وهذا رجل اراد ان يصنع وهو مريض صنيع صحيح فيعطي الوارث وهو مريض عطيته من راس ماله فلم يجز له ذلك اهل العلم الا انه لو قال في مرضه وهو مريض كنت اعطيته شيئا في صحتي لم يقبضه وانا اوصي به له الان فهذا موقوف على اجازة الورثة ولو كان لاجنبي وقد قال انفذوا له ما اعطيته في الصحة فقد اوصيت له به وانفذته له كان ذلك جائزا له من ثلثه رضي الورثة بذلك او لم يرضوا الا ان يكون اكثر من الثلث فيكون ذلك من اجازتهم على ما قدمنا وهذا كله قول جماعة الفقهاء والحمد لله كثيرا باب ما جاء في المؤنث من الرجال ومن احق بالولد مالك عن هشام بن عروة عن ابيه ان مخنثا كان عند ام سلمة

زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعبد الله بن ابي امية ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع يا عبد الله ان فتح الله عليكم الطائف غدا فأنا ادلك على ابنة غيلان فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخلن هؤلاء عليكم قال ابو عمر هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ عن مالك عن هشام بن عروة عن ابيه مرسلا الا سعد بن ابي مريم فانه رواه عن مالك عن هشام عن ابيه عن ام سلمة ولم يسمعة عروة من ام سلمة لان بن عيينة وغيره رووه عن هشام بن عروة عن ابيه عن زينب بنت ابي سلمة عن امها ام سلمة وهذا اصح اسانيده عندي وقد ذكرته في التمهيد ورواه معمر عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت يدخل على بعض ازواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير اولي الاربة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امراة فقال انها اذا اقبلت اقبلت بأربع واذا ادبرت بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ارى هذا يعلم ما ها هنا لا يدخلن هذا عليكن فحجبوه قال ابو عمر انما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخلن عليكم هذا ولم يقل عليكن لانه خاطب الرجال الا يدخل بيوتهم على نسائهم فحجبوه فهكذا رواية مالك وغيره عليكم وقد روي لا يدخلن هذا عليكن مخاطبة منه لنسائه والله اعلم حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن احمد قال حدثني يحيى بن محمد بن زياد قال حدثني احمد بن عبد الجبار قال حدثني يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن ابيه عن زينب بنت ام سلمة عن ام سلمة قالت كان عندي مخنث فقال لعبد الله اخي ان فتح الله عليكم الطائف غدا فاني ادلك على ابنة غيلان فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقال لا يدخلن هؤلاء عليكم

وبه عن يونس بن بكير عن بن إسحاق قال وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته فاختة ابنة عمرو بن عائذ مخنث يقال له ماتع يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون في بيته ولا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه يفطن بشيء من امر النساء مما يفطن إليه الرجال ولا يرى ان له في ذلك اربا فسمعه يقول لخالد بن الوليد يا خالد ان فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلا ينفلتن منكم بادية ابنة غيلان بن سلمة فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمعها منه لا ارى هذا الخبيث يفطن لما أسمع ثم قال لنسائه لا يدخلن عليكن فحجب عن بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا قال بن إسحاق في هذا المؤنث ان اسمه ماتع ولم يقله غيره فيما علمت والاكثر على ان اسمه هيت كذلك ذكر حبيب عن مالك وكذلك رواه بن عيينة عن بن جريج ان اسم ذلك المحنث هيث وهو قول الواقدي وبن الكلبي وقال بن إسحاق وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى خالته فاختة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم المخزومي وقال بن الكلبي كان هيت المخنث مولى لعبد الله بن امية اخي أم سلمة قال وكان طويس مولى عبد الله بن ابي امية ايضا وقال بن إسحاق فقال لخالد بن الوليد وقالوا كلهم فقال لعبد الله بن ابي امية كذلك في الحديث المسند وهو الصواب وهو قول بن إسحاق وغيره استشهد يوم الطائف عبد الله بن ابي امية اخو ام سلمة وفي رواية بن الكلبي والواقدي ان هيتا هذا المخنث قال لعبد الله بن ابي امية وهو اخو ام سلمة لابيها وامة عاتكة يا عبد الله وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ام سلمة ان افتتحتم الطائف فعليك ببادية بنت غيلان بن سلمة الثقفي فانها تقبل باربع وتدبر بثمان مع ثغر كالاقحوان ان قعدت تثنت وان تكلمت تغنت بين رجليها مثل الاناء المكفو ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد غلغلت النظر اليها يا عدو الله ثم اجلاه عن المدينة إلى الحمى قال فلما افتتحت الطائف تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له بريهة هذا قول بن الكلبي قال ولم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم

فلما ولي ابو بكر كلم فيه فابى ان يرده فلما ولي عمر كلم فيه وقيل انه قد كبر وضعف واحتاج فاذن له ان يدخل كل جمعة فيسال الناس ثم يرجع إلى مكانه واما قوله تقبل باربع وتدبر بثمان فقد فسره حبيب عن مالك وذكر غيره باكثر من ذلك من معناه ما نذكره ها هنا ان المراة وصفها المخنث بانها امراة لها في بطنها اربع عكن تبلغ خصرتها فتصير لها اربعة اطراف في كل خصر فتصير ثمانيا اربعا من هنا واربعا من هنا فاذا اقبلت اليك واستقبلتها رايت في بطنها اربع عكن فاذا ادبرت رايت ثمانيا من جهة الاطراف في خصريها هكذا فسره كل من تكلم في هذا الحديث واستشهد بعضهم عليه بقول النابغة في قوائم ناقته على هضبات بينما هن اربع انخن لتعريس فعدن ثمانيا وقد روي خبر هذا المخنث من حديث سعد بن ابي وقاص بتمامه وقد ذكرناه في التمهيد وفي الحديث من الفقة انه لا يجوز دخول احد من المخنثين وهم الذين يدعون عندنا المؤنثين على النساء وانهم ليسوا من الذين قال الله فيهم غير اولى الاربة من الرجال النور وهذه الصفة هو الابله الاحمق العنين الذي لا ارب له في النساء ولا يفطن بشيء من معايبهن ومحاسنهن فمن كان بهذه الصفة لم يكن بدخوله على الناس باس لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن بهيت المخنث انه ممن هذه صفته فلما سمع منه ما سمع امر بان لا يدخل على النساء ثم اخرجه من المدينة ونفاه عنها وهذا اصل في كل من يتاذى به ولا يقدر على الاحتراس منه ان ينفى إلى مكان يؤمن فيه منه الاذى قال ابو عمر قد صحف قوم من الرواة اسم ابنة غيلان هذه والصواب فيه بادية بالباء والياء وهو ماخوذ من بدا يبدو أي ظهر فكانها سميت ظاهرة هذا معنى ما ذكره الزبير وغيره وبالله التوفيق مالك عن يحيى بن سعيد انه قال سمعت القاسم بن محمد يقول كانت عند عمر بن الخطاب امراة من الانصار فولدت له عاصم بن عمر

ثم انه فارقها فجاء عمر قباء فوجد ابنه عاصما يلعب بفناء المسجد فاخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة فادركته جدة الغلام فنازعته اياه حتى اتيا ابا بكر الصديق فقال عمر ابني وقالت المراة ابني فقال ابو بكر خل بينها وبينه قال فما راجعه عمر الكلام قال وسمعت مالكا يقول وهذا الامر الذي اخذ به في ذلك قال ابو عمر هذا خبر منقطع في هذه الرواية ولكنه مشهور مروي من وجوه منقطعة ومتصلة تلقاه اهل العلم بالقبول والعمل وزوج عمر بن الخطاب ام ابنه عاصم بن عمر هي جميلة ابنة عاصم بن ثابت بن ابي الاقلح الانصاري وقد ذكرناه بما ينبغي من ذكره في الصحابة وفيه دليل على ان عمر كان مذهبه في ذلك خلاف مذهب ابي بكر ولكنه سلم للقضاء ممن له الحكم والقضاء ثم كان بعد في خلافته يقضي به ويفتي ولم يخالف ابا بكر في شيء منه ما دام الصبي صغيرا لا يميز ولا مخالف لهما من الصحابة ذكر حماد بن سلمة عن قتادة وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد قال ان عمر طلق جميلة ابنة عاصم فجاءت جدته الشموس فذهبت بالصبي فجاء عمر على فرس فقال اين ابني فقيل ذهبت به الشموس فدفع فلحقها فخاصمها إلى ابي بكر فقضى لها ابو بكر به وقال هي احق بحضانته وذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال ابصر عمر عاصما ابنه مع جدته ام امه فكانه جاذبها اياه فلما راه ابو بكر مقبلا قال له مه مه هي احق به فما راجعه الكلام وعن بن جريج انه اخبره عن عطاء الخرساني عن بن عباس قال طلق عمر بن الخطاب امراته الانصارية ام ابنة عاصم فلقيها تحمله بمحسر وقد فطم ومشى فاخذ بيده لينتزعه منها ونازعها اياه حتى اوجع الغلام وبكى وقال انا احق بابني منك فاختصما إلى ابي بكر فقضى لها به وقال ريحها وحجرها وفراشها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه ومحسر سوق بين قباء والمدينة وعن الثوري عن عاصم عن عكرمة قال خاصمت امراة عمر إلى ابي

بكر وكان طلقها فقال ابو بكر الام اعطف والطف وارحم واحق واراف هي احق بولدها ما لم تتزوج وعن معمر قال سمعت الزهري يحدث ان ابا بكر قضى على عمر في ابنه مع امه وقال امه احق به ما لم تتزوج قال ابو عمر من الحديث في ذلك عن عمر بموافقته ابا بكر رضي الله عنهما ما رواه معمر عن ايوب عن إسماعيل بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن غنم قال اختصم إلى عمر في صبي فقال عمر هو مع امه حتى يعرب عنه لسانه فيختار وروي هذا عن عمر من وجوه كثيرة ذكرها عبد الرزاق وغيره وفي ذلك تخيير الصبي اذا ميز كما تقدم ذكره عن ابي بكر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه يحيى بن ابي كثير وزياد بن سعد عن هلال بن اسامة ان ابا ميمونة سليمان مولى من اهل المدينة اخبره انه سمع ابا هريرة يقول جاءت ام واب يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بن لهما فقالت المراة للنبي صلى الله عليه وسلم فداك ابي وامي يا رسول الله ان زوجي يريد ان يذهب بابني وقد سقاني من بئر ابي عنبة ونفعني فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا غلام هذا ابوك وهذه امك فخذ بيد ايهما شئت فاخذ بيد امه فانطلقت به قال ابو عمر لا اعلم خلافا بين السلف من العلماء والخلف في المراة المطلقة اذا لم تتزوج انها احق بولدها من ابيه ما دام طفلا صغيرا لا يميز شيئا اذا كان عندها في حرز وكفاية ولم يثبت منها فسق ولم تتزوج ثم اختلفوا بعد ذلك في تخييره اذا ميز وعقل بين امه وبين ابيه وفيمن هو اولى به ذلك على ما نذكره عن ائمة الفقهاء الذين تدور عليهم بامصار المسلمين الفتيا ان شاء الله عز وجل وممن خير الصبي المميز بين ابويه من السلف عمر بن الخطاب وغيره روي عن بن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن ابي عبد الله بن ابي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنم الاشعري انه حضر عمر بن الخطاب خير صبيا بين امه وابيه

وعن يونس بن عبد الله الجرمي عن عمارة الجرمي قال قدم عمي من البصرة يريد ان ياخذني من امي فارسلتني امي إلى علي بن ابي طالب ادعوه اليها فدعوته فخيرني بين امي وعمي قال وأبصر علي اخا لي اصغر مني مع امي فقال وهذا اذا بلغ مبلغ هذا خير وعن سفيان عن ايوب عن بن سيرين عن شريح انه خير غلاما بين ابيه وامه قال سفيان الام احق به ما دام صغيرا فاذا بلغ ستا وعقل خير بين ابويه وقد روي عن شريح شيء ظاهره خلاف ما وصفنا وليس كذلك لانه قد روي عنه ما ذكرنا وبالله توفقنا ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا معمر عن ايوب عن بن سيرين عن شريح قال الاب احق والام ارفق رواه هشيم قال اخبرنا يونس وبن عون وهشام واشعث كلهم عن بن سيرين عن شريح قال الاب احق والام ارفق وهذا كلام مجمل يحتمل ان يكون الاب احق به اذا تزوجت الام على ما عليه جماعة العلماء بحسب ما نورده بحول الله تعالى ويدل على صحة ما تاولناه على شريح انه قد روى عنه بهذا الاسناد معمر عن ايوب عن بن سيرين ان شريحا قضى ان الصبي مع امه اذا كانت الدار واحدة ويكون معهم من النفقة ما يصلحهم وبن عيينة عن ايوب عن بن سيرين ان امراة كانت بالكوفة فارادت ان تخرج بولدها إلى البادية فخاصمها العصبة إلى شريح فقال هم مع امهم ما كانت الدار واحدة فاذا ارادت ان تخرج بهم اخذوا منها وقال الاب احق والأم ارفق سفيان عن زكريا بن ابي زائدة ان امراة ارادت ان تخرج بولدها إلى الرستاق فاختصموا إلى الشعبي فقال العصبة احق قال ابو عمر على هذا جمهور الفقهاء عند انتقال الام عن حضرة الاب وبالله التوفيق واما مذاهب الفقهاء في الحضانة فذكر بن وهب عن مالك قال الام احق بالولد ما لم تتزوج ثم لا حضانة

لها بذلك قضى ابو بكر على عمر فاذا اثغروا فوق ذلك فلا حضانة لها قال بن وهب وسئل مالك عن المطلقة ولها بن في الكتاب او بنت قد بلغت الحيض للاب ان ياخذهما فقال مالك لا ارى ذلك له ان يؤدب الغلام ويعلمه ويقلبه إلى امه ولا يفرق بينه وبين امه ولكن يتعاهده في كتابه ويقر عند امه ويتعاهد الجارية وهي عند امها ما لم تنكح قال مالك وللجدة من الام الحضانة بعد الام ثم الجدة من الاب قال وليس للام ولا للجدة ان يخرجا بالولد إلى بلد بعيد عن ابيه واهل بيته وذكر بن القاسم عن مالك ان ولد المراة اذا كان ذكرا فهي اولى بحضانته ما لم تتزوج ويدخل بها حتى يبلغ فاذا بلغ ذهب حيث شاء خالف بن القاسم رواية بن وهب في اعتبار البلوغ وقد ذكر بن عبد الحكم الروايتين قال بن القاسم عن مالك والام احق بحضانة ابنتها وان بلغت الجارية ما لم تتزوج وعلى الاب نفقة ابنته اذا كان يجد قال مالك واولياء الولد اولى بهم وان كانوا صغارا من امهم اذا نكحت قال مالك فاذا تزوجت الام فالجدة من الام اولى فان طلقها زوجها بعد الدخول بها لم يرد اليها الولد وكذلك ان سلمته الام استثقالا للولد ثم طلبته لم يرد اليها قال بن القاسم عنه فان ماتت جدته لامه فخالته اولى بحضانته ثم بعدها جدته لابيه ثم الاخت ثم العمة وبنت الاخ اولى بالولد من العصبة ولم يذكر مالك تخيير الولد في شيء من ذلك قال وينظر للولد بالذي هو اكفا واحوط وقال الثوري ان تزوجت الام فالخالة احق به ولم يذكر تخييرا وقال الاوزاعي الام اذا تزوجت فالعم احق من الجدة ام الام وان طلقها زوجها ثم ارادت اخذ الولد لم يكن لها ذلك ولم يذكر تخيير الصبي وذكر عن الاوزاعي ايضا الام احق بالولد وعلى الاب النفقة فان تزوجت فهو احق به فان سلمته إلى جدته فمتى ارتجعته منه رد عليها نفقتها والجدة ام الاب اولى من العمة اذا قويت على النفقة ولا تعود حضانة الام بطلاقها

والليث الام احق بالابن حتى يبلغ ثماني سنين او تسع سنين او عشرا ثم الاب اولى بالجارية حتى تبلغ فان كانت الام غير مرضية في نفسها وادبها لولدها اخذ منها اذا بلغ وقال الحسن بن حي اذا كانت الابنة كاعبا والغلام قد ايفع واستغنى عن امه خيرا بين ابويهما فايهما اختارا فهو اولى فان اختارا بعد ذلك الاخر حول ومتى طلقت بعد التزويج رجع حقها فان كان احد الابوين غير مامون كانت عند المامون حتى يبلغ والبكر اذا بلغت فاختار لها ان تكون مع احدهما فان ابت وهي مامونة فلها ذلك والابن اذا بلغ واونس رشده ولي نفسه وقال الشافعي اذا بلغ الولد سبع سنين او ثماني سنين خير اذا كانت دارهما واحدة وكانا مامونين على الولد يعقل عقل مثله فاذا كان احدهما غير مامون فهو عند المامون منهما كان الولد ذكرا او انثى فان منعت المراة من الولد بالزوج فطلقها طلاقا رجعيا او غيره رجعت على حقها في ولدها لانها منعت لوجه فاذا ذهب فهي كما كانت وهو قول المغيرة وبن ابي حازم وعلى الاب نفقته ويؤدبه بالكتاب والصناعة ان كان من اهلها وياوي إلى امه ولا يمنع ان اختار الام من اتيان الاب ولا الام من اتيان ابنتها وتمريضها عند الاب قال والام احق بالولد الصغير ما لم تتزوج ثم الجدة للام وان علت ثم الجدة للاب وان علت ثم الاخت للاب والام ثم الاخت للاب ثم الاخت للام ثم الخالة ثم العمة ولا ولاية لام اب الام لان قرابتها باب لا بام وقرابة الصبي من النساء اولى وان كان الولد مخبولا فهو كالصغير قال ولا حق لاحد مع الاب غير الام وامهاتها فاما اخواتها وغيرهن فانما حقوقهن بالاب فلا يكون لهن حق معه وهن يدلين به والجد ابو الاب يقوم مقام الاب اذا لم يكن اب واقرب العصبة يقوم مقام الاب اذا لم يكن اب او كان غائبا او غير رشيد

واما قول الكوفيين فروى ابو يوسف وابو حنيفة قال الام أولي بالغلام والجارية الصغيرين ثم الجدة من الام ثم الجدة من الاب ثم الاخت للام والاب ثم الاخت للام ثم الخالة في احد الروايتين هي احق من الاخت لاب وفي الاخرى الاخت اولى ثم العمة والام والجدتان اولى بالجارية حتى تبلغ المحيض وبالغلام حتى يستغني فياكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده ومن سواهما احق بهما حتى يستغنيا ولا يراعى البلوغ وقال زفر في رواية عمرو بن خالد عنه الخالة اولى من الاخت للاب وقال ابو يوسف الاخت اولى وروي عن عمرو بن خالد ايضا عن زفر الخالة للاب اولى من الجدة للاب وروى الحسن بن زياد عنه ان الجدة ام الام اولى بحضانة الولد بعد الام ثم ام الاب ثم الاخت من قبل الاب والام والاخت من قبل الام يتساويان في الحضانة ولا تتقدم احداهما فيه الاخرى ثم الاخت من قبل الام ثم الخالة ثم العمة فاذا تزوجت واحدة منهن لغير ذي رحم كان غيرها اولى اذا كان زوجها ذا رحم من الولد ومتى عادت الام او غيرها غير ذات زوج عادت اليها حضانتها قال ابو عمر في الخالة حديث علي وبن عباس ان عليا وجعفر وزيد بن حارثة ترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة في حين دخوله مكة فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر من اجل ان خالتها عنده وقال الخالة ام او بمنزلة الام حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني احمد بن جريج قال حدثني خلف بن الوليد قال حدثني اسرائيل عن ابي إسحاق عن هانئ بن هانئ وهبيرة بن يريم عن علي فذكر حديثا بمعنى ما ذكرت الا اني اختصرته وروى حفص بن غياث عن حجاج عن الحكم عن مقسم عن بن عباس مثله بمعناه

باب العيب في السلعة وضمانها قال مالك في الرجل يبتاع السلعة من الحيوان او الثياب او العروض فيوجد ذلك البيع غير جائز فيرد ويؤمر الذي قبض السلعة ان يرد إلى صاحبه سلعته قال مالك فليس لصاحب السلعة الا قيمتها يوم قبضت منه وليس يوم يرد ذلك إليه وذلك انه ضمنها من يوم قبضها فما كان فيها من نقصان بعد ذلك كان عليه فبذلك كان نماؤها وزيادتها له وان الرجل يقبض السلعة في زمان هي فيه نافقة مرغوب فيها ثم يردها في زمان هي فيه ساقطة لا يريدها احد فيقبض الرجل السلعة من الرجل فيبيعها بعشرة دنانير ويمسكها وثمنها ذلك ثم يردها وانما ثمنها دينار فليس له ان يذهب من مال الرجل بتسعة دنانير او يقبضها منه الرجل فيبيعها بدينار او يمسكها وانما ثمنها دينار ثم يردها وقيمتها يوم يردها عشرة دنانير فليس على الذي قبضها ان يغرم لصاحبها من ماله تسعة دنانير انما عليه قيمة ما قبض يوم قبضه قال ومما يبين ذلك ان السارق اذا سرق السلعة فانما ينظر إلى ثمنها يوم يسرقها فان كان يجب فيه القطع كان ذلك عليه وان استاخر قطعه اما في سجن يحبس فيه حتى ينظر في شانه واما ان يهرب السارق ثم يؤخذ بعد ذلك فليس استئخار قطعه بالذي يضع عنه حدا قد وجب عليه يوم سرق وان رخصت تلك السلعة بعد ذلك ولا بالذي يوجب عليه قطعا لم يكن وجب عليه يوم اخذها ان غلت تلك السلعة بعد ذلك قال ابو عمر بنى مالك رحمه الله هذا الباب على مذهبه فيمن ضمن شيئا انه يطيب له النماء والربح فيه والنقصان واما اشتراطه في اول هذا الباب الحيوان والعروض والثياب دون العقار فان مذهبه المشهور المعمول به عند اصحابه ان حوالة الاسواق بالنماء والنقصان في الاثمان فوت في البيع الفاسد كله اذا كان في شيء من العروض او الثياب او

الحيوان وكان المشتري قد قبضه وتغير او حالت اسواقه فاذا كان ذلك لزمته فيه القيمة ولم يرده واما العقار فليس حوالة الاسواق فيه فوتا عندهم ولا يفوت العقار في البيع الفاسد الا بخروجه عن يد المشتري او ببنيان او هدم او غرس ولم يختلفوا في العروض كلها من الحيوان او الثياب او غيرها ان خروجها من يد المشتري فوت ايضا وان عليه قيمتها يوم قبضها الا ان تكون فاتت من يده ببيع ثم ردت إليه ورجعت إلى ملكه قبل ان تتغير وتحول اسواقها فان هذا موضع اختلف فيه قول مالك فقال مرة على أي وجه رجعت إليه ولم تتغير سوقها فانه يردها وقال مرة لا يردها اذ قد لزمته القيمة يعني بفوتها بالبيع ولو كانت السلعة عبدا او امة اشتراها شراء فاسدا ثم اعتقها او دبر او كاتب او تصدق او وهب كان ذلك كله فوتا اذا كان مليا بالثمن وتلزمه القيمة يوم فوت ذلك الا ان تكون السلعة مما يكال او يوزن فانه يرد مثل ما قبض في صفته وكيله ووزنه هذا كله تحصيل مذهب مالك واصحابه ولم يتابع مالكا في قوله على ان حوالة الاسواق بالزيادة في الثمن او النقصان فوت في البيع الفاسد احد من ائمة الفتوى بالامصار فيما علمت الا اصحابه واما الشافعي فتصرف المشتري في المبيع بيعا فاسدا باطلا لا ينفذ ولا يصح فيه هبته ولا تدبيره ولا عتقه ولا بيعه ولا شيء من تصرفه وهو مفسوخ ابدا عنده ويرده بحاله وهو على ملك البائع والمصيبة منه وعتق المشتري له باطل فاذا فات عند المشتري بذهاب عينه وفقده واستهلاكه لزمه فيه القيمة في حين فوته وذهاب عينه لا تعتبر سوقه والبيع فاسد عنده حكمه كالمغصوب سواء وهو قول احمد واسحاق وابي ثور وداود قال ابو حنيفة واصحابه في الرجل يشتري الجارية شراء فاسدا ويقبضها ثم يبيعها او يهبها او يمهرها فتصير عند المشتري لها منه او عند الموهوب له او عند المراة الممهورة فعليه ضمان القيمة وفعله كله في ذلك جائز وكذلك لو كاتبها او وهبها الا ان الجارية الموهوبة لو افتكها قبل ان يضمنه القاضي قيمتها ردها على البائع وكذلك المكاتبة ان عجزت عن اداء الكتابة قالوا ولو ردها المشتري بعيب بعد القبض بغير قضاء فعليه ضمان القيمة ولا يردها على البائع والله الموفق للصواب

باب جامع القضاء وكراهيته مالك عن يحيى بن سعيد ان ابا الدرداء كتب إلى سلمان الفارسي ان هلم إلى الارض المقدسة فكتب إليه سلمان ان الارض لا تقدس احدا وانما يقدس الانسان عمله وقد بلغني انك جعلت طبيبا تداوي فان كنت تبرئ فنعما لك وان كنت متطببا فاحذر ان تقتل انسانا فتدخل النار فكان ابو الدرداء اذا قضى بين اثنين ثم ادبرا عنه نظر اليهما وقال ارجعا الي اعيدا علي قصتكما متطبب والله قال ابو عمر اما كراهة القضاء بين الناس فقد كرهه وفر منه جماعة من فضلاء العلماء وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني نصر بن علي قال حدثني بشر بن عمر عن عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد الاخنسي عن المقبري والاعرج عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين وقال حدثني نصر بن علي قال حدثني فضيل بن سليمان قال حدثني عمرو بن ابي عمرو عن سعيد بن ابي سعيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين وقال حدثناه محمد بن حسان السمتي حدثني خلف بن خليفة عن ابي هشام عن بن بريدة عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فاما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار

قال ابو عمر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اذا اجتهد الحاكم فاصاب فله اجران واذا اجتهد فاخطا فله أجر رواه عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا طرقه في كتاب العلم وذكرنا هناك ما للعلماء في تاويله وروي من حديث انس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه انزل الله إليه ملكا يسدده وقد ذكرنا اسناده في صدر هذا الكتاب ومعلوم ان الاثم اذا كان معظما في معنى كان الاجر معظما في ضده قال الله عز وجل واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا الجن أي الجائرون والجور الميل عن الحق إلى الباطل وعن الايمان إلى الكفر قال الله عز وجل يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ص ومن جار عن الحق واسرف في الظلم فقد نسي يوم الحساب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في القاضي العادل الحاكم بالقسط من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره انه قال المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين قيل ومن القاسطون يا رسول الله قال الذين يعدلون في اهليهم وفيما ولوا وقال صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله امام عادل وذكر سائر السبعة

وسياتي هذا الحديث في موضعه من كتاب الجامع ان شاء الله وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الامام العادل لا ترد دعوته اخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا محمد بن قدامة قال حدثنا جرير بن عبد الحميد عن إسماعيل بن ابي خالد عن مصعب بن سعد قال قال علي رضي الله عنه حق على الامام ان يحكم بما انزل الله ويؤدي الامانة فاذا فعل ذلك فحق على الناس ان يسمعوا له ويطيعوا ويجيبوا اذا دعوا قال ومن ولي القضاء فليعدل في المجلس والكلام واللحظ وذكر ابو زيد عمر بن شبة قال حدثنا هارون بن عمر قال حدثنا ضمرة قال حدثنا ابراهيم بن عبد الله الكناني قال قال علي رضي الله عنه لا ينبغي للقاضي ان يكون قاضيا حتى تجتمع فيه خمس خصال عفيف حليم عالم بما كان قبله مستشر لذوي الالباب لا يخاف في الله لومة لائم وروى الشعبي عن مسروق قال لان اقضي يوما واحدا بحق وعدل احب الي من ان اغزو سنة في سبيل الله وقال مالك قال عمر بن عبد العزيز لا ينبغي لاحد ان يقضي الا ان يكون عالما بما مضى من السنة مستشيرا لذوي العلم والاثار في هذا الباب عن السلف كثيرة في معنى ما اوردناه وفيما ذكرنا تنبيه على ما إليه قصدنا ومن طلب العلم لله فالقليل يكفيه اذا عمل به وكان ابو الدرداء من الفقهاء العلماء الحكماء روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال فيه حكيم امتي وقال فيه معاذ بن جبل كان ابو الدرداء من الذين اوتوا العلم وقال ابو ذر ما حملت غبراء ولا اظلت زرقاء اعلم منك يا ابا الدرداء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اخى بينه وبين سلمان الفارسي فكانا متواخين متحابين اجتمعا او تفرقا

وكان سلمان عالما فاضلا زاهدا في الدنيا ومات ابو الدرداء بدمشق قاضيا عليها لعثمان بعد عمر قبل موت عثمان بسنتين او نحوهما ومات سلمان بالمدائن من ارض العراق وحدثنا ابو القاسم خلف بن قاسم قراءة مني عليه قال حدثني ابو الميمون عبد الرحمن بن عمر بن راشد بدمشق قال حدثني ابو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان الدمشقي قال حدثني ابو مسهر عبد الاعلى بن مسهر قال حدثني سعيد بن عبد العزيز قال عمر امر ابو الدرداء بالقضاء يعني بدمشق وكان القاضي يكون خليفة الامير اذا غاب وقد ذكرنا اخبار أبي الدرداء وسلمان وفضائلهما في باب كل واحد منهما من كتاب الصحابة والحمد لله قال مالك من استعان عبدا بغير اذن سيده في شيء له بال ولمثله اجارة فهو ضامن لما اصاب العبد ان اصيب العبد بشيء وان سلم العبد فطلب سيده اجارته لما عمل فذلك لسيده وهو الامر عندنا قال ابو عمر الامر المجتمع عليه عندنا في ذلك ان الاموال تضمن بالعمد والخطا والعبد مال لم ياذن له صاحبه للذي استعانه فكان بذلك متعديا على مال غيره جانيا عليه بغير اذن سيده فيلزمه الضمان ان عطب او تلف فيما استعمله فيه وان سلم كان له اجره في الذي عمله لان العبد ليس له ان يهب خراجه ولا شيئا من كسبه لانه لسيده وهذا كله اتفق فيه مالك والشافعي وابو حنيفة واصحابهم وروى ابو حنيفة عن حماد عن ابراهيم قال من استعان مملوكا بغير اذن سيده او صبيا بغير اذن اهله ضمن ومعمر عن حماد مثله وبن جريج عن عطاء مثله وروى الحكم والشعبي كلاهما عن علي رضي الله عنه قال من استعان عبدا صغيرا او كبيرا او صبيا حرا فهلك ضمن ومن استعان حرا كبيرا لم يضمن

وعن الحسن مثله في الصبي الحر وفي العبد قال فان اذن له اهل الصبي او سيد العبد فلا ضمان عليه قال مالك في العبد يكون بعضه حرا وبعضه مسترقا انه يوقف ماله بيده وليس له ان يحدث فيه شيئا ولكنه ياكل فيه ويكتسي بالمعروف فاذا هلك فماله للذي بقي له فيه الرق قال ابو عمر يكون العبد نصفه حرا ونصفه مملوكا من وجوه منها ان يكون بين شريكين وارثين او مبتاعين او بوجه يصح ملكهما له احدهما معسرا والاخر موسرا فيعتق المعسر حصته منه فاذا كان كذلك كان على وجه الحجازيين ما اعتق منه المعسر حرا وسائره عبدا ويكون عند ابي حنيفة عبدا اعتق سيده نصفه او يكون عبدا اوصى بعتق نصفه عند من لا يرى ان يتم عليه العتق في ثلثه ووجوه غير هذه واما قوله انه يوقف ماله بيده فانه يريد نصف ما كان بيده من المال قبل وقوع عتقه وما يكسبه في الايام التي يعمل فيها لنفسه قال مالك يصطلح هو ومالك نصفه على الايام وقال غيره يخدم لنفسه ويكسب لها يوما ويكون لسيده خدمته يوما مما كسب في يوم الحرية فله وعليه في ذلك اليوم مؤنته كلها وفي يوم خدمته لسيده مؤنته على سيده فهذه حاله عند جمهور العلماء فاذا مات فقد اختلفوا في ميراثه فقال بعض اهل العلم كما قال مالك ميراثه لمن فيه الرق لانه في شهادته وحدوده وطلاقه عندهم كالعبد هذا قول مالك والزهري واحد قولي الشافعي وقال اخرون ميراثه بين سيد نصفه وبين من كان يرثه لو كان حرا كله نصفين روي هذا عن عطاء وعمرو بن دينار وطاوس واياس بن معاوية وهو احد قولي الشافعي وبه قال احمد بن حنبل غلبوا الحرية هنا لانقطاع الرق بالموت وقالت طائفة منهم الشافعي يورث المعتق نصفه ويرث وقد روي عنه انه لا يرث ولا يورث

وهو قول مالك والكوفيين وقال بعض التابعين ان مات المعتق بعضه ورثه كله الذي اعتق بعضه وروي عن الشعبي في حرة رواية شاذة انه يحد خمسة وسبعين سوطا قال مالك الامر عندنا ان الوالد يحاسب ولده بما انفق عليه من يوم يكون للولد مال ناضا كان او عرضا ان اراد الوالد ذلك قال ابو عمر لا خلاف بين العلماء ان الولد الغني ذا المال لا يجب له على ابيه نفقة ولا كسوة ولا مؤنة وان ذلك في ماله واختلفوا عليه وهو موسر هل له ان يرجع عليه بما انفق في ماله ويحاسبه بذلك فقال مالك ذلك له وقال الشافعي اذا انفق عليه وهو قادر على الوصول إليه فهو متطوع متبرع ولا يحاسبه بشيء من ذلك وقياس قول ابي حنيفة ان انفق عليه بامر القاضي ليتصرف في ماله كان لك له والا فهو متطوع متبرع واذا فرض له القاضي في مال الصبي نفقة لم يضره ان ينفق ويتصرف بما انفق عليه هذا عندي قياس قوله وبالله التوفيق مالك عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف المزني عن ابيه ان رجلا من جهينة كان يسبق الحاج فيشتري الرواحل فيغلي بها ثم يسرع السير فيسبق الحاج فافلس فرفع امره إلى عمر بن الخطاب فقال اما بعد ايها الناس فان الاسيفع اسيفع جهينة رضي من دينه وامانته بان يقال سبق الحاج الا وانه قد دان معرضا فاصبح قدرين به فمن كان له عليه دين فلياتنا بالغداة نقسم ماله بينهم واياكم والدين فان اوله هم واخره حرب

قال ابو عمر ويروى قد دان وقد ادان ويروى بلا قد واكثر الرواة يروونه قد دان معرضا كما رواه يحيى بن القاسم وبن بكير وغيرهم قال ابو عمر اما قوله في هذا الخبر فافلس فانه اراد صار مفلسا وطلب الغرماء ماله فحال بينه وبين ماله ثم دعا غرماءه ليقسموها عليهم وهذا شأن من احاط دين غرمائه بماله وقاموا عليه عند الحاكم يطلبونه واثبتوا ديونهم عليه بما لا مدفع فيه واختلف الفقهاء في وجوه من هذا المعنى فقال مالك اذا حبسه الحاكم في الدين لم يجز بعد ذلك اقراره لان حبسه له تفليس وانما قيل من شاء من غرمائه ما لم يكن من الحاكم فيه ما وصفنا التفليس فانه جائز اقراره وان كان عليه دين قال واذا قام غرماؤه عليه على وجه التفليس فهو حجر ايضا وقال الثوري والحسن بن حي اذا حبسه القاضي في الدين لم يكن محجورا عليه حتى يفلسه فيقول لا اجير له امرا وقال الاوزاعي اذا كان عليه دين لم يجز عليه صدقته وهو قول الليث قال ابو عمر قولهما هذا قد قال بنحوه بعض اصحاب مالك ورووه عن مالك فيمن احاط الدين بماله انه لا يجوز له هبة ولا صدقة ولا عتق وان لم يقف السلطان ماله ولم يضرب على يده ولم يمنعه التصرف في ماله من اجل قيام غرمائه عليه واما قول سائر الفقهاء ففعل من عليه دين جائز في هبته وصدقته وقضاء من شاء من غرمائه ما لم يكن من الحاكم فيه ما وصفنا واتفق مالك واصحابه كلهم حاشا بن القاسم ان السفيه الذي لم يحجر عليه اب ولا وصي ولا قاض ان افعاله كلها نافذة حتى يضرب الحاكم على يديه وذكر المزني عن الشافعي قال اذا رفع الذي يستحق التفليس إلى القاضي اشهد القاضي انه قد اوقف ماله فاذا فعل لم يجز بيعه ولا هبته وما فعل من ذلك ففيه قولان

احدهما انه موقوف فان فعل جاز والاخرى انه باطل وقال بن أبي ليلى اذا افلسه الحاكم لم يجز بيعه ولا هبته ولا صدقته ويبيع القاضي ماله ويقضيه الغرماء وقال محمد في نوادر بن سماعة قال اهل المدينة اذا كان عليه دين لم يجز اقراره لاحد ان يقضي ما عليه ولا عتقه ولا شيء يتلف به ماله حتى يقضي ما عليه قال محمد وقال القاسم بن معن اذا اقر بدين فحبس له فحبسه حجر عليه ولا يجوز اقراره حتى يقضي الدين الاول وقال شريك مثل قوله وقال محمد بن الحسن يجوز اقراره وبيعه وجميع ما صنع في ماله حتى يحجر القاضي عليه ويبطل اقراره بعد حبسه بالدين وكان ابو حنيفة لا يرى الحجر بالدين ومذهبه ان الحر لا يحجر عليه لدين ولا لسفه وخالفه في ذلك اصحابه وقال في البيع في الدين لا يباع على المدين شيء من ماله ويحبس حتى يبيع هو الا الدنانير والدراهم فانها تباع عليه بعضها ببعض وقال ابو يوسف ومحمد والشافعي ومالك والليث وسائر الفقهاء يباع عليه كل شيء من ماله ويقضي غرماؤه فان قام ماله بديونهم والا قسم بينهم على الحصص بقدر دين كل واحد منهم واما قوله في حديث عمر الاسيفع فهو تصغير اسفع والاسفع الاسمر الشديد السمرة وقيل الاسفع الذي تعلو وجهه حمزة تنحو إلى السواد وقوله ادان معرضا أي استدان متهاونا بذلك فاصبح قدرين به أي احيط به يريد احاط به غرماؤه واحاط الدين به وذلك من معنى قول الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم المطففين الاية أي غلب الدين على قلوبهم فاسود جميعها فلم تعرف معروفا ولا انكرت منكرا واما قوله في الدين اخره حرب والحرب بتحريك الراء السلب ومنه قول العرب رجل حريب أي سليب مسلوب قال الشاعر وهو القاسم بن امية بن ابي الصلت الثقفي

قوم اذا نزل الحريب بدارهم ردوه رد صواهل ونياق باب ما جاء فيما افسد العبيد او جرحوا قال مالك السنة عندنا في جناية العبيد ان كل ما اصاب العبد من جرح جرح به انسانا او شيء اختلسه او حريسة احترسها او ثمر معلق جذه او افسده او سرقة سرقها لا قطع عليه فيها ان ذلك في رقبة العبد لا يعدو ذلك الرقبة قل ذلك او كثر فان شاء سيده ان يعطي قيمة ما اخذ غلامه او افسد او عقل ما جرح اعطاه وامسك غلامه وان شاء ان يسلمه اسلمه وليس عليه شيء غير ذلك فسيده في ذلك بالخيار قال ابو عمر اختلاف الفقهاء في هذا الباب متقارب المعنى كلهم يرى جناية العبد في رقبته ويخير سيده في فدائه بجنايته او اسلامه في ذمته روي ذلك عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه وقال به جماعة علماء التابعين وائمة الفتوى بامصار المسلمين وحسبك بقول مالك السنة عندنا يعني ما وصفنا ولم يختلف مالك واصحابه فيما يستهلكه العبد مما لم يؤمن عليه انه في رقبته وهو قول جمهور الفقهاء وذكر بن حبيب عن اصبغ ان ما استهلكه العبد مما اؤتمن عليه ان عليه ان يكون في ذمته وقال بن الماجشون هو في رقبته وروى سحنون عن بن القاسم في العبد يستاجره الرجل ليبلغ بعيرا له إلى موضع فيذبحه ويزعم انه خاف عليه الموت فقال قال مالك ومن يعلم ذلك اراه في رقبة العبد

وكذلك قال بن القاسم واشهب في العبد يتوسل على لسان سيده وينكر سيده ذلك ان ذلك في رقبته قال ابو عمر ان قتل العبد عبدا او حرا فاستحياه ولي الدم كان سيده بالخيار بين ان يفتكه بجميع دية الحر او قيمة العبد او يسلمه إلى ولي الدم ويسترقه ويضرب مائة ويسجن عاما هذا كله قول مالك واصحابه وجمهور اهل العلم وقال الشافعي سيد العبد المقتول بالخيار في العبد الذي قتل عبده اما ان يقتل واما ان تكون قيمة العبد المقتول في عنق القاتل فان عفا عن القصاص بيع العبد القاتل فان كان فيه فضل رد على سيد العبد القاتل وان كان فيه نقصان فليس عليه غير ذلك واما ابو حنيفة واصحابه فذكر الطحاوي عنهم قال واذا قتل العبد رجلا خطا قيل لمولاه ادفعه إلى ولي الجناية او افده منه بالدية فان اختار فداءه بالدية كان ماخوذا بها حالة لولي المقتول وان ثبت بعد ذلك اعساره بها فان ابا حنيفة كان يقول قد زالت الجناية عن عتق العبد باختيار مولاه اياه وصارت دينا على مولاه في رقبة العبد الجاني وقال ابو يوسف اذا لم يكن للمولى من المال مما هو واصل إليه في وقت اختياره اياه مقدار الدية كان اختيار اياه باطلا وكان حق الجناية حق ولي الجناية في رقبة العبد اذا كان قبل الاختيار فقال له ادفع العبد إلى ولي الجناية او افده منه بالدية وقال محمد بن الحسن الاختيار جائز معسرا كان المولى او موسرا وتكون الدية في عنق العبد دينا لولي الجناية يتبعه فيها مولاه لولي الجناية قالوا ولو جنى العبد على رجل فقتله خطا او استهلك الاخر مالا وحضرا جميعا يطلبان الواجب لهما فانه يدفع إلى ولي الجناية ثم يتبعه الاخر فيما استهلك من غير ماله ولو حضر صاحب المال اولا ولم يحضر صاحب الجناية باعه له القاضي في ماله الذي استهلكه له فان حضر بعد ذلك ولي الجناية لم يكن له شيء هذا اخر كتاب الاقضية عند جماعة رواة الموطا الا يحيى بن يحيى باب ما يجوز من النحل قال ابو عمر ليس هذا الباب عند غير يحيى في الموطا ولا له في هذا

الموضع حديث عند جميع رواة الموطا في باب ما يجوز من العطية واخر كتاب الاقضية عندهم باب ما افسده العبيد او جرحوا ووقع ليحيى كما ترى واظنه سقط له من موضعه فالحق في اخر الكتاب كما صنع في باب الصلاة قبل طلوع الشمس وغروبها سقط له من ابواب المواقيت في اول كتاب الصلاة فالحقه في اخر كتاب الصلاة مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب ان عثمان بن عفان قال من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ ان يجوز نحله فاعلن ذلك له واشهد عليها فهي جائزة وان وليها ابوه قال ابو عمر روى بن عيينة هذا الخبر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال شكي إلى عثمان بن عفان قول عمر لا نحلة الا نحلة يحوزها الولد دون الوالد فراى عثمان ان الوالد يجوز لولده ما كانوا صغارا يقول اذا وهب له الاب واشهد له عليه انها حيازة وبن عيينة عن ايوب السختياني عن بن سيرين قال سالت شريحا ما يبين للصبي من نحل ابيه قال ان يهب له ويشهد له عليه قلت انه يليه قال هو احق من وليه قال ابو عمر على قضاء عثمان في هبة الاب لابنه الصغير جماعة الفقهاء بالحجاز والعراق الا ان اصحابنا يخالفون سائر الفقهاء في المسكون والملبوس والموقوف فلا يرون اشهاد الاب في ذلك حيازة حتى يخرج منها مدة اقلها سنة من المسكون ليظهر فعله ذلك واذا ركب ما يركب او لبس ما يلبس فقد رجع في هبته وقد مضى ما للعلماء في رجوع الاب وغيره في الهبة والحمد لله كثيرا قال مالك الامر عندنا ان من نحل ابنا له صغيرا ذهبا او ورقا ثم هلك وهو يليه انه لا شيء للابن من ذلك الا ان يكون الاب عزلها بعينها او دفعها إلى رجل وضعها لابنه عند ذلك الرجل فان فعل ذلك فهو جائز للابن إلى هنا انتهت رواية يحيى

وفي رواية ابي مصعب وغيره قال مالك وان كانت النحلة عبدا او وليدة او شيئا معلوما معروفا ثم اشهد عليه واعلن ثم مات الاب وهو يلي ابنه فان ذلك جائز لابنه قال ابو عمر لا اعلم خلافا بين الفقهاء اهل الفتوى بالامصار وسائر من تقدمهم من العلماء ان الاب يجوز لابنه الصغير ما كان في حجره صغيرا او كبيرا بالغا كل ما يهب له ويعطيه ويتصدق به عليه من العروض كلها والعقار وكل ما عدا العين كما يجوز له ما يعطيه غيره وانه يجزئه في ذلك الاشهاد والاعلان واذا اشهد فقد اعلن اذا فشا الاشهاد وظهر وقال مالك واصحابه ان ما يسكن الاب لا تصح فيه عطية لابنه الصغير الذي في حجره حتى يخرج عن ذلك سنة ونحوها ثم لا يضره رجوعه اليها وسكناه لها ما لم يمت الاب فيها او يبلغ الصغير رشده فلا يقبضها فان مات الاب ساكنا فيها او بلغ الابن رشدا فلم يقبضها حتى يموت الاب لم تنفعه حيازته له تلك السنة وجعلوا الهبة للصغير جوازها متعلق بما يكون من العافية فيها فان سلمت في العافية من الرهن فهي صحيحة وان لحقها رهن جميع ما تقدم قبل ذلك وكذلك الملبوس عندهم اذا لبس الاب شيئا من الثياب التي وهبها للصغير من ولده بطلت فيه هبته وما عدا الملبوس والمسكون فيكفي فيه الاشهاد على ما وصفنا واما سائر الفقهاء فان الاب اذا اشهد واعلن الشهادة بما يعطيه لابنه في صحته فقد نفذ ذلك للابن ما كان صغيرا وحيازة الاب له من نفسه كحيازته له ما يعطيه غيره لابنه الناظر له ولا يرهن عطيته له في صحته اذا كان صغيرا ولا سكناه ولا لباسه كما لا يضره عند مالك اذا سكن بعد السنة ولا يعد ذلك منه رجوعا فيما اعطى كما لا يكون ذلك رجوعا بعد السنة وما قاله العلماء من ذلك فهو ظاهر فعل عثمان بمحضر الصحابة من غير نكير وبالله التوفيق واما الذهب والورق فقال مالك في موطئه ما قد ذكرناه في صدر هذا الباب وظاهره انه اذا عزلها بعينها في ظرف وختم عليها بخاتمه او خاتم الشهود الذين اشهدهم انها جائزة للابن كما لو جعلها له عند رجل وهو قول بن الماجشون واشهب

وبه كان ابو عمر احمد بن عبد الله بن هاشم شيخنا رحمه الله يفتي وذكر العتبي لابن القاسم عن مالك انها لا تجوز الا ان يخرجها الاب عن يده إلى يد غيره يحوزها للابن وانه لا ينفعه خاتمه عليها وبهذا كان يقضي القاضي ابو بكر محمد بن يبقى بن زرب وهذه المسالة كانت احد الاسباب التي اوجبت التباعد بينه وبين ابي عمر رحمهما الله واختلفوا في هبة المشاع من الغنم وغيرها يهبها الاب لابنه الصغير في حجره فروي عن مالك انه جائز وبه قال بن الماجشون وقال بن القاسم لا يحوز الاب لابنه الصغير الا ما يهبه مبروزا مقسوما قال واليه رجع مالك وبه قال مطرف واصبغ قال ابو عمر ظاهر حديث عثمان يشهد لما قاله مالك وبن الماجشون وهو الاصل المجتمع عليه عند جمهور العلماء ولا مخالف له من الصحابة واختلفوا فيمن يجوز للصغير غير ابيه ومن يقوم له في الحيازة مقام ابيه فيما يعطيه فروى يحيى عن بن القاسم عن مالك ان الام لا تحوز ما يعطى ابنها الا ان تكون عليه وصية قال ولا يحوز للطفل الا من يجوز له انكاحه والمباراة عليه والبيع والشراء له قال يحيى وسمعت بن وهب يقول تحوز الام لولدها ما تهب لهم وكذلك الجدة والاجداد وان لم يكونوا اولياء عليه وقال بن القاسم لا تحوز الام ما يوهب لولدها وقال اشهب تحوز لهم الوصية بهبة يمضي معهم إلى الكتاب ولا يحوز لهم غير ذلك والوصي عندهم يحوز ما يوهب لليتيم في حجره واما الشافعي فالجد عنده يقوم مقام الاب فيما يهبه للاطفال من ولد ولده يحوز ذلك عليهم إلى ان يبلغوا مبلغ القبض لانفسهم واما الكوفيون فذكر الطحاوي وغيره عن ابي حنيفة واصحابه ان الام كالاب فيما تهب لابنها اليتيم في حجرها عبدا او متاعا معلوما اذا اشهدت على ذلك

جاز ولم ترجع في شيء منه وكذلك تقبض له من كل من وهب له شيئا يصح قبضه وكذلك الوصي وكذلك من قبض لليتيم من الاجنبيين ما اعطى اليتيم وذكر الطحاوي ايضا عنهم قال وللاب ان يقبض ما يهب لابنه الصغير مما يتصدق به عليهم وكذلك من فوقه من الاباء اذا كان هو الذي امره وقبضه من ذلك لنفسه اشهاده على ما كان منه واعلانه به وبالله التوفيق وصلى الله على محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى اهله الطيبين وسلم تسليما

كتاب العتق والولاء باب من اعتق شركا له في مملوك مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فاعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد والا فقد عتق منه ما عتق قال ابو عمر قد ذكرنا في التمهيد اختلاف الفاظ رواة الموطا في هذا الحديث واختلاف الفاظ اصحاب نافع عليه واصحاب سالم عليه وقد جود مالك رحمه الله حديثه هذا عن نافع واتقنه وبان فيه فضل حفظه وفهمه وتابعه على كثير من معانية عبيد الله بن عمر ومن احسن رواه سياقه يحيى بن يحيى الليثي صاحبنا وبن القاسم وبن وهب فانهم ذكروا فيه عن مالك فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه ومن لم يقل في هذا الحديث من رواة مالك فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه فقد كثر ولم يقم الحديث لانه لا خلاف بين العلماء انه لا يقوم نصيب الشريك الذي لم يعتق على الذي اعتق الا ان يكون له من المال ما يبلغ ثمن حصة شريكه الذي لم يعتق وكذلك جود مالك هذا الحديث واتقنه في قوله فيه وان لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق وتابعه على هذا اللفظ عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اعتق شركا له في مملوك فقد عتق فان

كان له مال يبلغ ثمنه قوم عليه قيمة عدل واعتق كله وان لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق وهذا كرواية مالك سواء ورواه ايوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اعتق شركا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمنه فهو عتيق قال ايوب قال نافع والا فقد عتق منه ما عتق قال ايوب لا ادري اهذا في الحديث ام هو من قول نافع قوله فقد عتق منه ما عتق ورواه يحيى بن سعيد الانصاري عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اعتق نصيبا له في عبد كلف عتق ما بقي منه ان كان له مال فان لم يكن له مال فقد جاز ما صنع وقد ذكرنا الاسانيد عن عبيد الله وعن ايوب وعن يحيى بما وصفنا من طرق في التمهيد وهذا اللفظ اعني قوله وان لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق يعني الاستسعاء ويوجب العتق على المعسر وانما ملك شريكه على ما كان عليه دون ايجاب استسعاء على العبد وهذا الموضع اختلفت فيه الاثار واختلف في الحكم به علماء الامصار فاما اختلاف الاثار في ذلك فان ابا هريرة روى في ذلك خلاف ما روى بن عمر من حديث قتادة عن النضر بن انس عن بشير بن نهيك عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ايما عبد كان بين رجلين فاعتق احدهما نصيبه فان كان موسرا قوم عليه والا سعى العبد غير مشقوق عليه هكذا رواه سعيد بن ابي عروبة عن قتادة لم يختلف على سعيد في شيء منه وممن رواه عن سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن النضر عن بشير بن نهيك عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك روح بن عبادة ويزيد بن زريع وعبدة بن سليمان وعلي بن مسهر ومحمد بن بكر ويحيى بن سعيد القطان ومحمد بن ابي عدي

وقد تابع سعيد بن ابي عروبة على ذلك ابان العطار وجرير بن حازم وموسى بن خلف رووه عن قتادة باسناد مثله وذكروا فيه السعاية واما هشام الدستوائي وشعبة بن الحجاج وهمام بن يحيى فرووه عن قتادة باسناده المذكور لم يذكروا فيه السعاية وهم اثبت من الذين ذكروا فيه السعاية واصحاب قتادة الذين هم الحجة على غيرهم عند اهل العلم ثلاثة شعبة وهشام وسعيد بن ابي عروبة فاذا اتفق منهم اثنان فهما حجة على الواحد عندهم وقد اتفق شعبة وهشام الدستوائي على ترك ذكر السعاية في هذا الحديث فضعف بذلك ذكر السعاية والله اعلم وقد ذكرنا حديث ابي هريرة من طرق هؤلاء كلهم في التمهيد وزدنا القول بيانا في ذلك من جهة الاسناد والنقل هنالك واما اختلاف الفقهاء في هذا الباب فان مالكا واصحابه يقولون اذا اعتق المليء الموسر نصيبا له في عبد بينه وبين غيره فلشريكه ان يعتق بتلا وله ان يقوم اذا أعتق نصيبه كما اعتق شريكه قبل التقويم كان الولاء بينهما كما كان الملك بينهما ما لم يقوم ويحكم بعتقه فهو كالعبد في جميع احكامه وان كان المعتق لنصيبه من العبد عديما لا مال له لم يعتق من العبد غير حصته وبقي نصيب الاخر رقا له يخدمه العبد يوما ويكتسب لنفسه يوما وهو في حدوده وجميع احواله كالعبد وان كان المعتق موسرا ببعض نصيب شريكه قوم عليه بقدر ما يوجد معه من المال ورق بقية النصيب لديه ويقضى بذلك عليه كما يقضى في سائر الديون اللازمة والجنايات الواجبة ويباع عليه شوار بيته وماله بال من كسوته والتقويم ان يقوم نصيبه يوم العتق قيمة عدل ثم يعتق عليه وكذلك قال داود واصحابه فانه لا يعتق عليه حتى يؤدي القيمة إلى شريكه وهو قول الشافعي في القديم وقال في الجديد اذا كان المعتق لحصته من العبد موسرا في حين العتق عتق جميعه حينئذ وكان حرا من يومئذ يرث ويورث وله ولاؤه ولا سبيل للشريك على العبد وانما له قيمة نصيبه على شريكه كما لو قتله وسواء اعطاه القيمة او منعه اذا كان موسرا يوم العتق وان كان معسرا فالشريك على ملكه يقاسمه كسبه او يخدمه يوما ويخلي لنفسه يوما ولا سعاية عليه

وقد قال الشافعي ان مات العبد وله وارث ورث بقدر ولايته وان مات له موروث لم يرث منه شيئا وله قول اخر فيمن كان بعضه حرا ذكره المزني عنه في القديم واختار قوله في الجديد وقال هو الصحيح على اصله لانه قال لو اعتق الثاني كان عتقه باطلا وقد قطع بان هذا اصح في اربعه مواضع من كتبه وقاله في اختلاف الحديث واختلاف بن ابي ليلى وابي حنيفة وقال في كتاب الوصايا بالقول الاول واصل ما بنى عليه مذهبه في ذلك حديث بن عمر ولم يقل بحديث ابي هريرة وضعف قول من ذكر فيه السعاية وقال مالك ان مات المعتق المعسر قبل ان يحكم عليه بعتق الباقي لم يحكم على ورثته بعتق النصف الباقي وقال الشافعي يحكم بعتقه اذا مات ولو اتى ذلك على جميع تركته الا ان يقع العتق منه في المرض فيقوم في الثلث وقال سفيان اذا كان للمعتق حصته من العبد مال ضمن نصيب شريكه ولم يرجع به على العبد ولا سعاية على العبد وكان الولاء له وان لم يكن له مال فلا ضمان عليه وسواء نقص من نصيب الاخر او لم ينقص ويسعى العبد في نصف قيمته حينئذ وكذلك قال ابو يوسف ومحمد بن الحسن وفي قولهم يكون العبد كله حرا ساعة اعتق الشريك نصيبه فان كان موسرا ضمن لشريكه نصف قيمة عبده وان كان معسرا سعى العبد في ذلك للذي لم يعتق ولا يرجع على احد بشيء والولاء كله للمعتق وهو بمنزلة الحر في جميع احكامه ما دام في سعايته من يوم اعتق يرث ويورث وهو قول الاوزاعي وعن بن شبرمة وبن ابي ليلى مثله الا انهما جعلا للعبد ان يرجع على المعتق بما سعى فيه متى ايسر ورووا عن بن عباس انه جعل المعتق بعضه حرا في جميع امواله وقال ابو حنيفة اذا كان العبد بين اثنين فاعتق احدهما نصيبه وهو موسر فان الشريك بالخيار ان شاء اعتقه كما اعتق صاحبه وكان الولاء بينهما وان شاء

استسعى العبد في نصف قيمته ويكون الولاء بينهما وان شاء ضمن شريكه نصف قيمته ويرجع الشريك بما ضمن من ذلك على العبد يستسعى فيه ان شاء ويكون الولاء كله للشريك وان كان المعتق معسرا فالشريك بالخيار ان شاء ضمن العبد نصف قيمته يسعى فيها والولاء بينهما وان شاء اعتقه كما اعتق صاحبه والولاء بينهما وقال ابو حنيفة العبد المستسعى ما دام في سعايته بمنزلة المكاب في جميع احكامه وقال زفر يعتق العبد كله على المعتق حصته منه ويتبع بقيمة حصة شريكه موسرا كان او معسرا قال ابو عمر لم يقل زفر بحديث بن عمر ولا بحديث ابي هريرة في هذا الباب وكذلك ابو حنيفة لم يقل بواحد من الحديثين على وجهه وكل قول خالف السنة مردود وقال احمد بن حنبل بحديث بن عمر في هذا الباب وقوله فيه نحو قول الشافعي قال ان كان للمعتق من الشريكين مال ضمن وان لم يكن له مال عتق منه ما عتق وكان الاخر على نصيبه ولا يستسعي العبد قال ابو عمر هذا يدل على ان حديث بن عمر عند احمد اصح من حديث ابي هريرة وانه لم يصح عنده ذكر السعاية واحمد امام اهل الحديث في المعرفة بصحيحه من سقيمه قال احمد ولا يباع على الشريك المعسر دار ولا رباع ولم يحد في العسر واليسار حدا وقال إسحاق ان كان للشريك المعتق مال فكما قال احمد يضمن وان لم يكن له الا دار وخادم فانه لا يجعل ذلك مالا قال وان كان معسرا فانه يستسعي العبد لصاحبه واتفق احمد واسحاق وسفيان بان العتق اذا وقع والمعتق موسر ثم افلس لم يتحول عليه الغرم كما لو وقع وهو مفلس ثم ايسر لم يلزمه شيء وقد قيل في هذه المسالة اقوال غير ما ذكرنا شاذة وليس عليها احد من فقهاء الامصار منها قول ربيعة بن ابي عبد الرحمن قال فمن اعتق حصته من عبد ان

العتق باطل موسرا كان المعتق او معسرا وهذا خلاف الحديث وما اشك انه لم يبلغه ولا علمه وقد ذكر محمد بن سيرين عن بعضهم انه جعل قيمة حصة الشريك في بيت المال وهذا ايضا خلاف السنة وعن الشعبي وابراهيم انهما قالا الولاء للمعتق ضمن او لم يضمن وقال عثمان البتي لا شيء على المعتق الا ان تكون جارية رائعة تراد للوطئ فيضمن ما ادخل على صاحبه من الضرر وقد تقدم قول زفر وقول ابي حنيفة ايضا فهذا حكم من اعتق حصة له من عبد بينه وبين غيره واما من اعتق حصته من عبده الذي لا شركة فيه لاحد معه فان جمهور العلماء بالحجاز والعراق يقولون يعتق عليه كله ولا سعاية عليه وقال ابو حنيفة وربيعة وهو قول طاوس وحماد يعتق منه ذلك النصيب ويسعى لمولاه في بقية قيمته موسرا كان او معسرا وبه قال اهل الظاهر وخالفه اصحابه ابو يوسف ومحمد وزفر فاعتقوا العبد كله دون سعاية وهو قول مالك والثوري والاوزاعي والشافعي وبن ابي ليلى وبن شبرمة والحسن بن صالح والليث بن سعد واحمد واسحاق كلهم قال يعتق عليه كله اذا كان العتق منه في الصحة قال ابو عمر الحجة قائمة على ربيعة وابي حنيفة بمعنى السنة لان الحديث لما ورد بان يعتق عليه نصيب شريكه كان احرى بان يعتق عليه ما هو في ملكه لانه موسر به مالك له وفي مثل هذا جاء الاثر ليس إليه بشريك حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني داود السختياني قال حدثني ابو الوليد الطيالسي ومحمد بن كثير قالا اخبرنا همام عن قتادة عن ابي المليح زاد ابو الوليد عن ابيه ان رجلا اعتق شقصا له في غلام فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ليس إليه بشريك

زاد بن كثير واجاز عتقه وحجة ابي حنيفة وربيعة ما رواه إسماعيل بن امية عن ابيه عن جده انه اعتق نصف عبده فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عتقه وهذا يحتمل ان يكون في وصيته بعد موته قال إسماعيل وانما يعتق العبد كله اذا اعتق الشريك نصفه وقد جاء عن الحسن مثل قول ربيعة وابي حنيفة وهو قول عبيد الله بن الحسن والشعبي كلهم يقول يعتق الرجل من عبده ما شاء وروي مثله عن علي رضي الله عنه وليس بالثابت عنه والله اعلم وقد روي عن الشعبي لو اعتق من عبده عضوا او اصبعا عتق عليه كله وكذلك قال قتادة وهو الصحيح في هذه المسالة ان شاء الله تعالى ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن خالد بن سلمة الفافا قال جاء رجل إلى بن عمر فقال له كان لي عبد فاعتقت ثلثه فقال بن عمر عتق كله ليس لله بشريك قال ابو عمر من ملك شقصا ممن يعتق عليه باي وجه ملكه سوى الميراث فانه يعتق عليه جميعه وان كان موسرا عند كل من ذكرنا عنه عتق نصيب الشريك اذا اعتق هو حصته على ما قدمنا منهم ذكره فان ملكه بميراث فقد اختلفوا في عتق نصيب شريكه عليه وفي السعاية على حسب ما قدمنا من اصولهم وفي تضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم المعتق لنصيبه من عبد بينه وبين غيره قيمة باقي العبد دون ان يلزمه الاتيان بنصف عبد مثله دليل على ان من استهلك شيئا من الحيوان او العروض التي لا تكال ولا توزن او افسد شيئا من ذلك فليس عليه الا قيمة ما استهلك دون المثل فيه وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما فذهب مالك واصحابه إلى ان من افسد شيئا من العروض التي لا تكال ولا توزن او شيئا من الحيوان فانما عليه القيمة لا المثل بدليل هذا الحديث قال القيمة اعدل في ذلك

وهو قول الكوفيين وذهب الشافعي واصحابه وداود إلى ان القيمة لا يقضى بها في شيء من ذلك الا عند عدم المثل وحجتهم في ذلك ظاهر قول الله تعالى وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به النحل ولم يقل بقيمة ما عوقبتم به وهذا عندهم على عمومه في الاشياء كلها واحتجوا ايضا بحديث حميد عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فارسلت احدى امهات المؤمنين جارية بقصعة فيها طعام قال فضربت بيدها فكسرت القصعة وسقط الطعام فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم احداهما إلى الاخرى وجعل يجمع فيها الطعام ويقول غارت امكم كلوا فاكلوا وحبس الرسول والقصعة حتى جاءت قصعة التي هو في بيتها ودفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته ومثل ذلك حديث فليت بن خليفة العامري ويقال له قليت عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة قالت ما رايت صانعا طعاما مثل صفية بنت حيي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فبعثت به فاخذني افكل وكسرت الاناء فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت فقال اناء مثل اناء وطعام مثل طعام قال مالك والامر المجتمع عليه عندنا في العبد يعتق سيده منه شقصا ثلثه او ربعه او نصفه او سهما من الاسهم بعد موته انه لا يعتق منه الا ما اعتق سيده وسمى من ذلك الشقص وذلك ان عتاقة ذلك الشقص انما وجبت وكانت بعد وفاة الميت وان سيده كان مخيرا في ذلك ما عاش فلما وقع العتق للعبد على سيده الموصي لم يكن للموصي الا ما اخذ من ماله ولم يعتق ما بقي من العبد لان ماله قد صار لغيره فكيف يعتق ما بقي من العبد على قوم اخرين ليسوا هم ابتدؤوا العتاقة ولا اثبتوها ولا لهم الولاء ولا يثبت لهم وانما صنع ذلك الميت هو

الذي اعتق واثبت له الولاء فلا يحمل ذلك في مال غيره الا ان يوصي بان يعتق ما بقي منه في ماله فان ذلك لازم لشركائه وورثته وليس لشركائه ان يابوا ذلك عليه وهو في ثلث مال الميت لانه ليس على ورثته في ذلك ضرر قال مالك ولو اعتق رجل ثلث عبده وهو مريض فبت عتقه عتق عليه كله في ثلثه وذلك انه ليس بمنزلة الرجل يعتق ثلث عبده بعد موته لان الذي يعتق ثلث عبده بعد موته لو عاش رجع فيه ولم ينفذ عتقه وان العبد الذي يبت سيده عتق ثلثه في مرضه يعتق عليه كله ان عاش وان مات اعتق عليه في ثلثه وذلك ان امر الميت جائز في ثلثه كما ان امر الصحيح جائز في ماله كله قال ابو عمر قد اتقن مالك ما ذكره في الموصي حصته في عبد بينه وبين غيره وفي الذي بتل عتق حصته في مرضه وعلى ما ذكره في الوصية جمهور العلماء وجماعة ائمة الفتوى وخالفه الكوفيون في العتق البتل في المرض على ما نذكره في الباب الثاني بعد هذا ان شاء الله عز وجل وقول الشافعي واحمد واسحاق في الوجهين جميعا مثل قول مالك قال مالك رحمه الله اذا اعتق شريكا له في مرضه الذي مات فيه عتق بتات ثم مات كان في ثلثه كالصحيح في كل ماله قال ولو اوصى بعتق النصيب من عبد بعينه لم يعتق منه الا ما اوصى به واختلف اصحاب مالك في الذي يوصي بعتق شقص له من اعبد ويوصي ان يقوم عليه نصيب صاحبه وقال بن سحنون لم يختلف اصحابنا في الموصي بعتق شقص له من عبد انه لا يقوم عليه نصيب شريكه فان اوصى ان يقوم عليه فقد اختلفوا فيه وكان سحنون وغيره يقول يستهم عليه لانه في ثلثه كالصحيح في جميع ماله قال وروى بن وهب عن مالك انه لا يقوم عليه الا ان يشاء الشريك تقديمه لان العتق له مباح وفي العتبية روى اشهب عن مالك ان ذلك للمعتق يقوم عليه وليس للشريك ان يابى ذلك واختلفوا ايضا في الذي يعتق حصته من عبد بينه وبين غيره ويموت من وقته

وفي المدونة قال بن القاسم اذا مات المعتق او افلس لم يقوم في ماله ولم يذكر فرقا بين تطاول وقت موته او قرب ذلك قال وكذلك قال مالك وذكر بن حبيب ان مطرفا روى عن مالك انه ان مات بحدثان ذلك فانه يقوم عليه وان كان قد تباعد فلا يقوم عليه وذكر بن سحنون ذلك فقال اذا مات بحدثان ذلك قوم عليه لان للشريك حقا لا يتطلب المعرفة وفي العتبية روى اشهب عن مالك انه يقوم على الميت في راس ماله لا في ثلثه والله اعلم باب الشرط في العتق قال مالك من اعتق عبدا له فبت عتقه حتى تجوز شهادته وتتم حرمته ويثبت ميراثه فليس لسيده ان يشترط عليه مثل ما يشترط على عبده من مال او خدمة ولا يحمل عليه شيئا من الرق لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد قال مالك فهو اذا كان له العبد خالصا احق باستكمال عتاقته ولا يخلطها بشيء من الرق قال ابو عمر اما قوله في اول الباب انه ليس لمن اعتق عبده وبت عتقه ان يشترط عليه شيئا مما يشترطه السيد على عبده يعني من مال او خدمة فانه يقضي على قوله فيمن قال لعبده انت حر وعليك الذي عنده وانت حر على ان تؤدي الي كذا وكذا وقد تقدمت هذه المسأله وما فيها لابن القاسم من الخلاف وتقدم القول فيها فلا وجه لاعادته واما قوله فهو اذا كان العبد له خالصا احق باستكمال عتاقته فقد تقدم القول في الباب قبل هذا ان ربيعة وابا حنيفة وعبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة كانوا يقولون في الرجل يعتق بعض عبده الا انه لا يعتق منه الا ما عتق وان العبد يسعى لسيده في قيمته ما لم يعتق منه وان ذلك قد روي عن علي رضي الله عنه

وبه قال الحسن والشعبي وذكرنا الحديث الذي نزع به من قال ذلك وان اهل الظاهر قالوا به ايضا ومنهم من لم ير على العبد سعاية وذكرنا ان مالكا والشافعي وابا يوسف ومحمدا والثوري ومن سميناه معهم قالوا يعتق عليه كله وما احتج به مالك صحيح فانه اذا كان له العبد كله كان احق باستكمال العتق عليه من الذي اعتق حصة له منه بينه وبين غيره وقد ذكرنا ذلك كله في التمهيد والحمد لله كثيرا باب من اعتق رقيقا لا يملك مالا غيرهم مالك عن يحيى بن سعيد وعن غير واحد عن الحسن بن ابي الحسن البصري وعن محمد بن سيرين ان رجلا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتق عبيدا له ستة عند موته فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق ثلث تلك العبيد قال مالك وبلغني انه لم يكن لذلك الرجل مال غيرهم مالك عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن ان رجلا في امارة ابان بن عثمان اعتق رقيقا له كلهم جميعا ولم يكن له مال غيرهم فأمر ابان بن عثمان بتلك الرقيق فقسمت اثلاثا ثم اسهم على ايهم يخرج سهم الميت فيعتقون فوقع السهم على احد الاثلاث فعتق الثلث الذي وقع عليه السهم قال ابو عمر ذكر مالك في هذا الباب سنة وعملا بالمدينة فالسنة في ذلك رواها عمران بن حصين وابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث عمران اشهر واكثر طرقا وهي سنة انفرد بها اهل البصرة واحتاج فيها اليهم اهل المدينة وغيرهم رواها عن عمران بن حصين الحسن وبن سيرين وابو المهلب الجرمي ورواها عن الحسن عن عمران بن حصين جماعة منهم قتادة وحميد الطويل

وسماك بن حرب ويونس بن عبيد ومبارك بن فضالة وخالد الحذاء ورواها عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين ايوب السختياني وهشام بن حسان ويحيى بن عتيق ويزيد بن ابراهيم التستري وغيرهم وروى هذا الحديث يزيد التستري عن الحسن وبن سيرين جميعا عن عمران بن حصين ورواه ايوب وغيرة عن ابي قلابة عن ابي المهلب عن عمران بن حصين واما حديث ابي هريرة فرواه محمد بن زياد عن ابي هريرة وروى إسماعيل بن امية وقيس بن سعد وسليمان بن موسى كلهم سمعوا مكحولا يقول سمعت سعيد بن المسيب يقول اعتقت امراة وفي رواية قيس بن سعد اعتقت امراته او رجل ستة اعبد لها عند الموت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لها مال غيرهم فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وارق اربعة وقد ذكرنا طرق هذا الحديث بالاسانيد في التمهيد ونذكر هنا منها طرفا اخبرنا احمد بن محمد قال حدثني احمد بن الفضل قال حدثني محمد بن جرير قال حدثني ابو كريب قال حدثني وكيع عن يزيد بن ابراهيم عن الحسن وبن سيرين عن عمران بن حصين ان رجلا اعتق ستة اعبد له في مرضه فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وارق اربعة ليس في هذا الحديث ولا في حديث مالك ليس له مال غيرهم وقد ذكر ذلك غير واحد من الثقات في هذا الحديث حدثني محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسن البغدادي قال حدثني عبد الله بن صالح البخاري قال حدثنا عبد الاعلى بن حماد النرسي قال حدثنا حماد بن سلمة عن ايوب عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين وعن قتادة وحميد وسماك عن الحسن عن عمران بن حصين ان رجلا اعتق ستة مملوكين له عند موته ليس له مال غيرهم فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وترك اربعة في الرق

وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني حماد بن بكر وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال ابو داود قال حدثني مسدد قال حدثني حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق وايوب عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين ان رجلا اعتق ستة اعبد له عند موته ولم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأقرع بينهم فأعتق اثنين وارق اربعة قال ابو عمر اختلف العلماء في الرجل يعتق في مرضه عند موته عبيدا له ولا مال له غيرهم فقال مالك والشافعي واصحابهما بهذا الاثر الصحيح وذهبوا إليه وبه قال احمد واسحاق وداود والطبري وجماعة من اهل الراي والحديث ذكر بن عبد الحكم عن مالك قال من اعتق عبيدا له عند موته ليس له مال غيرهم قسموا اثلاثا ثم يسهم بينهم فيعتق ثلثهم بالسهم ويرق ما بقي وان كان بينهم فضل رد السهم عليهم فأعتق الفضل وسواء ترك مالا غيرهم او لم يترك قال ومن اعتق رقيقا له عند الموت وعليه دين يحيط بنصفهم فان استطاع ان يعتق من كل واحد نصفه فعل ذلك بهم قال ومن قال ثلث رقيقي حر اسهم بينهم وان اعتق كلهم اسهم بينهم اذا لم يكن له مال غيرهم وان قال ثلث كل راس حر ونصفه لم يسهم بينهم وقال بن القاسم كل من اوصى بعتق عبيده او بتل عتقهم في مرضه ولم يدع غيرهم فانه يعتق بالسهم ثلثهم وكذلك لو ترك مالا والثلث لا يسعهم لاعتق مبلغ الثلث منهم بالسهم وكذلك لو اعتق منهم جزءا سماه او عددا سماه وكذلك لو قال راس منهم حر فالسهم يعتق منهم من يعتق ان كانوا خمسة فخمسهم وان كانوا ستة فسدسهم خرج لذلك اقل من واحد او اكثر وقال لو قال عشرهم وهم ستون عتق سدسهم اخرج السهم اكثر من عشرة او اقل وهذا كله مذهب مالك

ولم يختلف مالك واصحابه في الذي يوصي بعتق عبيده في مرضه ولا مال له غيرهم انه يقرع بينهم فيعتق ثلثهم بالسهم وكذلك لم يختلف الاكثر منهم ان هذا حكم الذي اعتق عبيده في مرضه عتقا بتلا ولا مال له غيرهم وقال اشهب واصبغ انما القرعة في الوصية واما البتل فهم كالمدبرين قال ابو عمر حكم المدبرين عندهم اذا دبرهم سيدهم في كلمة واحدة انه لا يبدي بعضهم على بعض ولا يقرع بينهم ويقضي الثلث على جميعهم بالقيمة فيعتق من كل واحد منهم حصته من الثلث وان لم يدع مالا غيرهم عتق ثلث كل واحد وان دبر في مرضه واحدا بعد واحد بدى ء بالاول فالاول كما دبرهم في الصحة او في مرضه ثم صح قال ابو عمر قول اشهب واصبغ خلاف السنة المذكورة في صدر هذا الباب وخلاف اهل الحجاز واهل العراق ولم يرد السنة الا فيمن اعتق في مرضه ستة اعبد له عتقا بتلا ولا مال له غيرهم لا فيمن اوصى بعتقهم فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم بحكم الوصايا فأرق ثلثيهم واعتق ثلثهم فكيف يجوز لاحد ان يقول بالحديث في الوصية دون العتق البتل فيخالفهم نصه ويقول بمعناه وذكر بن حبيب عن بن القاسم وبن كنانة وبن الماجشون ومطرف قالوا اذا عتق الرجل في مرضه عبيدا له عتقا بتلا او اوصى لهم بالعتاقة كلهم او بعضهم سماهم او لم يسمهم الا ان الثلث لا يحملهم ان السهم يجزئ فيهم كان له مال سواهم او لم يكن قال بن حبيب وقال بن نافع ان كان له مال سواهم لم يسهم بينهم واعتق من كل واحد ما ينوبه وان لم يكن له مال سواهم او كان له مال تافه فانه يقرع بينهم وقال الشافعي واذا اعتق الرجل في مرضه عبيدا له عتق بتات انتظر بهم فان صح عتقوا من راس ماله وان مات ولا مال له غيرهم اقرع بينهم واعتق ثلثهم قال الشافعي والحجة في ان العتق البتات في المرض وصية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرع بين ستة مملوكين اعتقهم الرجل في مرضه وانزل عتقهم وصية فأعتق ثلثهم قال الشافعي ولو اعتق في مرضه عبدا له عتق بتات وله مدبرون وعبيد

اوصى بعتقهم بعد موته بدى ء بالذين بت عتقهم في مرضه لانهم يعتقون عليه ان صح وليس له الرجوع فيهم بحال وقال الشافعي والقرعة ان تكتب رقاع ثم يكتب اسماء العبيد ثم يبندق بنادق من طين ثم يجعل في كل بندقة رقعة ويجري الرقيق اثلاثا ثم يؤمر رجل منهم لم يحضر الرقاع فيخرج رقعة على كل جزء وان لم يستووا في القيمة عدلوا وضم قليل الثمن إلى كثير الثمن وجعلوه ثلاثة اجزاء قلوا او كثروا الا ان يكونوا عبدين فان وقع العتق على جزء فيه عدة رقيق اقل من الثلث اعيدت الرقعة بين السهمين الباقيين فأيهم وقع عليه اعتق منه باقي الثلث قال احمد بن حنبل في هذا كله كقول الشافعي سواء وذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج قال اخبرني سليمان بن موسى قال سمعت مكحولا يقول اعتقت امراة من الانصار عبيدا لها ستة لم يكن لها مال غيرهم فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم غضب وقال في ذلك قولا شديدا ثم دعا بستة قداح فأقرع بينهم فأعتق اثنين قال سليمان بن موسى كنت اراجع مكحولا فأقول ان كان عبد ثمن الف دينار اصابته القرعة ذهب المال فقال قف عند امر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بن جريج قلت لسليمان الامر يستقيم على ما قال مكحول قال كيف قلت يقيمون قيمة فان زاد اللذان اعتقا على الثلث اخذ منهما الثلث وان نقصا عتق ما بقي ايضا بالقرعة فان فضل عليه اخذ منهم قال ثم بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اقامهم قال ابو عمر قد روي في حديث بن سيرين عن عمران بن حصين ان النبي صلى الله عليه وسلم جزاهم ثلاثة اجزاء وهذا يدل على انه اقامهم وعدلهم بالقيمة ولا يمكن غير ذلك في اخراج الثلث قال حدثني محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني عبد الله بن ابي داود قال حدثني علي بن نصر قال حدثني يزيد بن زريع قال حدثني هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين ان رجلا كان له ستة اعبد ولم يكن له مال غيرهم فأعتقهم عند موته فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجزاهم ثلاثة اجزاء فأعتق اثنين وارق اربعة وهذا كله قول مالك والشافعي واحمد بن حنبل ومن ذكرنا معهم

وقال ابو حنيفة فيمن اعتق عبيدا له في مرضه ولا مال له غيرهم عتق من كل واحد منهم ثلثه وسعوا في الباقي وهو قول الحسن بن حي وقال ابو حنيفة حكم كل واحد منهم ما دام يسعى حكم المكاتب وقال ابو يوسف ومحمد هم احرار وثلثا قيمتهم دين عليهم يسعون في ذلك حتى يؤدوه إلى الورثة قال ابو عمر رد الكوفيون السنة المأثورة في هذا الباب اما بأن لم يبلغهم او بأن لم تصح عنهم ومن اصل ابي حنيفة واصحابه عرض اخبار الاحاد على الاصول المجتمع عليها او المشهورة المنتشرة والحجة قائمة على من ذهب مذهبهم بالحديث الصحيح الجامع في هذا الباب وليس الجهل بالسنة ولا الجهل بصحتها علة يصح لعاقل الاحتجاج بها وقد انكرها قبلهم شيخهم حماد بن ابي سليمان وروى مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن محمد بن ذكوان انه سمع حماد بن ابي سليمان وذكر الحديث الذي جاء في القرعة بين الاعبد الستة الذين اعتقهم سيدهم في مرضه الذي مات فيه قال هذا قول الشيخ يعني ابليس فقال محمد بن ذكوان له وضع القلم عن المجنون حتى يفيق فقال له حماد ما دعاك إلى هذا فقال له محمد بن ذكوان وانت ما دعاك إلى هذا قال وكان حماد ربما صرع في بعض الاوقات قال ابو عمر بنى الكوفيون مذهبهم على ان العبيد المعتقين في كلمة واحدة في مرض الموت قد استحق كل واحد منهم العتق لو كان لسيدهم مال يخرجون من ثلثه فان لم يكن له مال لم يكن واحد منهم احق بالعتق من غيره وكذلك عتق من كل واحد ثلثه وسعى في ثلثي قيمته للورثة لقولهم بالسعاية في حديث ابي هريرة في معسر اعتق حصته من عبد بينه وبين اخر على ما قدمنا ذكره في ما مضى من هذا الكتاب وهذا عندنا لا يجوز ان ترد سنة بمعنى ما في اخرى اذا امكن استعمال كل واحد منهما بوجه ما وبالله التوفيق والصواب لا شريك له وفي حديث هذا الباب من الفقه ايضا دليل على ان الوصية جائزة لغير الوالدين والاقربين لان عتقهم في العبيد لمرضهم وصية لهم ومعلوم انهم لم يكونوا بوالدين

لمالكهم المعتق لهم ولا بأقربين له وقد قال بأن الوصية لا تجوز الا للاقربين غير الوارثين ولا تجوز لغيرهم ولا عند عدمهم طائفة من التابعين وسيأتي ذكر ذلك ان شاء الله تعالى في كتاب الوصايا وفيه دليل على ان افعال المريض كلها من عتق وهبة وعطية كالوصية لا يجوز فيها اكثر من الثلث وقد خالف في ذلك قوم زعموا ان افعال المريض في راس ماله كأفعال الصحيح ولم يجعلوا ذلك كالوصايا ويأتي ذكر ذلك كله في الوصايا ان شاء الله تعالى وفيه ايضا ابطال السعاية مع دليل حديث بن عمر في ذلك والله الموفق باب القضاء في مال العبد اذا عتق مالك عن بن شهاب انه سمعه يقول مضت السنة ان العبد اذا عتق تبعه ماله قال ابو عمر قالوا انه لم يكن احد اعلم بسنة ماضية من بن شهاب الزهري وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في هذه المسألة فقال اكثر اهل المدينة اذا اعتق العبد فماله له دون السيد وهو قول مالك واصحابه والليث بن سعد والاوزاعي وبه قال الشافعي بالعراق في القديم الذي يرويه الزعفراني عنه وحجة من ذهب هذا المذهب حديث عبيد الله بن ابي جعفر عن بكير بن الاشج عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من اعتق عبدا له فماله له الا ان يشترطه السيد رواه الليث بن سعد وغيره عن عبيد الله بن عمر هكذا باسناده هذا ولم يروه احد من اصحاب نافع كذلك وانما الذي عند اصحاب مالك نافع وعبيد الله وايوب وغيرهم عن نافع عن بن عمر عن عمر بن الخطاب انه قال من باع عبدا وله مال فماله للبائع الا ان يشترطه المبتاع

هكذا يرويه نافع عن بن عمر عن عمر ويرويه سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية بن شهاب وغيره عن سالم وقد روي عن بن عمر في العبد يعتق أنه يتبعه ماله وكان يأذن لعبيده في التسري وقد روي عن عائشة قالت العبد اذا اعتق تبعه ماله وبه قال الحسن البصري وطاوس ومجاهد وعطاء والزهري والشعبي والنخعي واما خبر عبيد الله بن ابي جعفر فحدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني احمد بن صالح قال حدثني بن وهب قال حدثنا بن لهيعة والليث بن سعد عن عبيد الله بن ابي جعفر عن بكير بن عبد الله بن الاشج عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اعتق مملوكا وله مال فمال العبد للسيد الا ان يشترطه السيد وكل من قال انما مال العبد تبع له اذا عتق يقول الا ان يشترطه السيد وقال اخرون اذا عتق العبد فماله لسيده مولاه وممن قال ذلك الثوري وبن شبرمة وابو حنيفة واصحابه والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن وهو قول الشافعي بمصر في الكتاب الجديد وهو تحصيل مذهبه وروي ذلك عن مسعود وانس بن مالك وبه قال بن طاوس والحكم بن عيينة واليه ذهب احمد واسحاق وقد كان احمد يجبر عن القول به لحديث عبيد الله بن ابي جعفر المذكور وقد روي خبر بن مسعود عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح انه لم يرفعه الا عبد الاعلى بن ابي المساور وهو ضعيف جدا

قال ابو عمر سيأتي القول في ملك العبد في كتاب البيوع ان شاء الله عند قوله صلى الله عليه وسلم من باع عبدا وله مال فماله للبائع قال مالك ومما يبين ذلك ان العبد اذا عتق تبعه ماله ان المكاتب اذا كوتب تبعه ماله وان لم يشترطه وذلك ان عقد الكتابة هو عقد الولاء اذا تم ذلك وليس مال العبد والمكاتب بمنزلة ما كان لهما من ولد انما اولادهما بمنزلة رقابهما ليسوا بمنزلة اموالهما لان السنة التي لا اختلاف فيها ان العبد اذا عتق تبعه ماله ولم يتبعه ولده وان المكاتب اذا كوتب تبعه ماله ولم يتبعه ولده قال مالك ومما يبين ذلك ايضا ان العبد والمكاتب اذا افلسا اخذت اموالهما وامهات اولادهما ولم تؤخذ اولادهما لانهم ليسوا بأموال لهما قال مالك ومما يبين ذلك ايضا ان العبد اذا بيع واشترط الذي ابتاعه ماله لم يدخل ولده في ماله قال مالك ومما يبين ذلك ايضا ان العبد اذا جرح اخذ هو وماله ولم يؤخذ ولده قال ابو عمر الخلاف في مال المكاتب عند عقد كتابته كالخلاف في العبد عند عتقه وابو حنيفة والشافعي واصحابهما يقولون مال المكاتب لسيده الا ما اكتسبه في كتابته وولده من سريته وقد مضى ذلك كله في كتاب المكاتب من هذا الكتاب وقولهم في ماله انه لا يؤخذ في جنايته الا برضا سيده وعلى سيده ان يسلم رقبته بالجناية او يفتكه بأرشها وبالله التوفيق باب عتق امهات الاولاد وجامع القضاء في العتاقة مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ان عمر بن الخطاب قال ايما وليدة ولدت من سيدها فانه لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها وهو يستمتع بها فاذا مات فهي حرة

قال ابو عمر اختلف السلف والخلف من العلماء في عتق ام الولد وفي جواز بيعها فالثابت عن عمر رضي الله عنه انها لا تباع عنده ابدا وانها حرة من راس مال سيدها وروي مثل ذلك عن عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وسالم بن عبد الله بن عمر وابراهيم وبن شهاب والى هذا ذهب مالك والثوري والاوزاعي والليث بن سعد وابو حنيفة والشافعي في اكثر كتبه وقد اجاز بيعها في بعض كتبه قال المزني قد قطع في أربعة عشر موضعا في كتبه بأن لا تباع وهو الصحيح من مذهبه وعليه جمهور اصحابه وابو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن حي واحمد واسحاق وابو عبيد وابو ثور كلهم لا يجوز عندهم بيع ام الولد وكان ابو بكر الصديق وعلي وبن عباس وبن الزبير وجابر بن عبد الله وابو سعيد الخدري رضي الله عنهم يجيزون بيع ام الولد وبه قال داود بن علي وقال جابر وابو سعيد كنا نبيع امهات الاولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج قال اخبرنا ابو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول كنا نبيع امهات الاولاد ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا لا يرى بذلك بأسا قال واخبرنا بن جريح قال واخبرنا عبد الرحمن بن الوليد ان ابا إسحاق الهمداني اخبره ان ابا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول ببيع امهات الاولاد في امارته وعمر في نصف امارته وقال بن مسعود تعتق في نصيب ولدها وذي بطنها وقد روي ذلك عن بن عباس وبن الزبير

قال ابو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال في مارية سريته لما ولدت ابنه ابراهيم اعتقها ولدها مع وجه ليس بالقوي ولا يثبته اهل الحديث وكذلك حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ايما امراة ولدت من سيدها فهي حرة اذا مات ولا يصح ايضا من جهة الاسناد لانه انفرد به حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن بن عباس عن النبي وحسين هذا ضعيف متروك الحديث والصحيح عن عكرمة انه سئل عن ام الولد فقال هي حرة اذا مات سيدها فقيل له عمن هذا قال عن القران قال كيف فقال قال الله عز وجل يا أيها الذين امنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم النساء وكان عمر من اولي الامر قال يعتقها ولدها ولو كان سقطا ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثنا ابو خالد الاحمر عن يحيى بن سعيد قال اخبرني نافع ان رجلين من اهل العراق سألا بن عمر بالابواء وقالا انا كنا تركنا بن الزبير يبيع امهات الاولاد بمكة فقال عبد الله لكن ابا حفصة عمر أ تعرفانه قال ايما رجل ولدت منه جاريته فهي حرة بعد موته قال وحدثني ابو خالد الاحمر عن إسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي عن عبيدة السلماني عن علي رضي الله عنه قال استشارني عمر في بيع امهات الاولاد فرايت انا وهو انها اذا ولدت عتقت فقضى به عمر حياته وعثمان بعده فلما وليته رايت ان ارقهن قال الشعبي وحدثني بن سيرين عن عبيدة انه قال له فما ترى انت فقال راي علي وعمر في الجماعة احب الي من قول علي حين ادركه الاختلاف وروى معمر وغيره عن ايوب عن بن سيرين عن عبيدة السلماني قال سمعت عليا يقول اجتمع رايي وراي عمر في امهات الاولاد ان لا يبعن قال ثم رايت بعد ان يبعن قال عبيدة فقلت له رايك وراي عمر في الجماعة احب الي من رايك وحدك في الفرقة او قال في الفتنة فضحك علي رضي الله عنه اخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال اخبرنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا

احمد بن زهير قال اخبرنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن عمرو عن خصيف عن عكرمة عن بن عباس عن عمر قال اذا اسقطت فانها بمعنى الحرة قال ابو عمر يعني في البيع لان الاجماع قد انعقد انها لا تعتق قبل موت سيدها وانها في شهادتها وديتها وارش جنايتها كالامة وقد بان مذهب عمر بما ذكرنا في رواية مالك عن نافع عن بن عمر عنه في اول هذا الباب وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سئل بن شهاب عن ام الولد تزني ايبيعها سيدها قال لا يصلح له ان يبيعها سيدها ولكن يقام عليها حد الامة وروى الثوري عن ابي حصين عن مجاهد قال لا يرقها حدث ومعمر عن ايوب عن اياس بن معاوية انه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في ام الولد تزني قال فأراني اياس جواب عمر ان اقم عليها الحد لا تزدها عليه ولا تسترق قال ابو عمر ذكرت هذا لانه قد روى معمر عن ايوب عن بن سيرين عن ابي العجماء عن عمر انها اذا زنت رقت وجمهور العلماء القائلين بأن لا تباع ام الولد على خلاف هذا الحديث يرون عليها اقامة الحد حد الامة ولا تسترق قال ابو عمر احتج الذين اجازوا بيع ام الولد من اهل الظاهر بأن قالوا قد اجمعوا على انها تباع قبل ان يحمل ثم اختلفوا اذا وضعت فالواجب بحق النظر الا يزول حكم ما اجمعوا عليه مع جواز بيعها وهي حامل الا باجماع مثله اذا وضعت ولا اجماع ها هنا فعورضوا بأن الامة مجمعة على انه لا يجوز بيعها وهي حامل من سيدها فمن ذلك لا يجوز بيعها وهي معارضة صحيحة على اصول اهل الظاهر دون سائر العلماء القائلين بزوال ما اعتل بزوال علته والقائسين على المعاني لا على الاسماء وبالله التوفيق مالك انه بلغه ان عمر بن الخطاب اتته وليدة قد ضربها سيدها بنار او اصابها بها فأعتقها قال ابو عمر روي هذا المعنى عن عمر من وجوه

منها ما ذكره عبد الرزاق قال اخبرنا الثوري عن يونس عن الحسن ان رجلا كوى غلاما له بالنار فأعتقه عمر قال واخبرنا الثوري عن عبد الملك بن ابي سليمان عن رجل منهم عن عمر ان رجلا أقعد جارية له على النار فأعتقها عمر قال واخبرنا معمر عن ايوب عن ابي قلابه قال وقع سفيان بن الاسود بن عبد الله على امة له فأقعدها على مقلاة فاحترق عجزها فأعتقها عمر بن الخطاب واوجعه ضربا قال ابو عمر اختلف العلماء فيمن مثل بمملوكه عامدا فقال بعضهم يعتق عليه وممن قال بذلك مالك والاوزاعي والليث بن سعد قال مالك يعتق عليه وولاوه له وقال الليث يعتق عليه وولاؤه للمسلمين وروي عن بن عمر انه اعتق امة على مولاها لما مثل بها وقال الاوزاعي ان مثل بمملوك غيره ضمن وعتق عليه قال ابو عمر لا نعلم قاله غير الاوزاعي والله اعلم والجمهور على انه يضمن ما نقص العبد لسيده وقال ابو حنيفة والشافعي واصحابهما من مثل بمملوكه لم يعتق عليه ومملوكه ومملوك غيره في ذلك سواء قال ابو عمر استدل من قال لا يعتق عليه مملوكه ولا غير مملوكه اذا مثل به بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بن عمر من لطم مملوكه أو ضربه وفي بعض الرواة لهذا الحديث يقول فيه او ضربه حدا لم يأته فكفارته عتقه قالوا وقد يكون من الضرب ما يكون مثله فلم يعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما قال كفارته ذلك فدل على انه لم يعتق قال ابو عمر ليس هذا ببين من الحجة والحجة لمالك ومن قال بقوله حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان زنباعا ابا روح بن زنباع وجد غلاما

له مع جاريته فقطع ذكره وجدع انفه فأتى العبد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما حملك على ما فعلت قال فعل كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم اعتقه فاذهب فأنت حر ورواه معمر وبن جريج ومحمد بن عبيد الله وغيرهم عن عمرو بن شعيب قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا انه لا تجوز عتاقة رجل وعليه دين يحيط بماله وانه لا تجوز عتاقه الغلام حتى يحتلم او يبلغ مبلغ المحتلم وانه لا تجوز عتاقة المولى عليه في ماله وان بلغ الحلم حتى يلي ماله قال ابو عمر اما قوله في الذين عليهم الدين ان يحيطه بماله انه لا يجوز عتقه فعلى ذلك اكثر اهل المدينة وبه قال الاوزاعي والليث وخالفهم فقهاء الحجاز وبن شبرمة وبن ابي ليلى وابو حنيفة واصحابه فقالوا عتق ما عليه الدين وهبته واقراره جائز كل ذلك عليه كان الدين محيط بماله او لم يكن حتى يفلسه الحاكم ويحبسه ويبطل اقراره ويحجر عليه فاذا فعل القاضي ذلك لم يجز اقراره ولا عتقه ولا هبته وهو معنى ما ذكره المزني عن الشافعي واحتج بالاجماع على ان له ان يطأ جاريته ويحبلها ولا يرد شيء انفقه من مال فيما شاء حتى يضرب الحاكم على يده ويحجر عليه وقال الثوري والحسن بن حيي اذا حبسه القاضي لم يكن محجورا عليه حتى يفلسه القاضي فيقول لا اجيز لك امرا وقال الطحاوي الحبس لا يوجب الحجر واحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم

للدائنين خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك فخالف اصحابه ومال إلى قول الثوري وما كان مثله وسنزيد هذه المسألة بيانا في الاقضية ان شاء الله تعالى واما قوله لا تجوز عتاقه الغلام حتى يحتلم او يبلغ ما يبلغ المحتلم فالاحتلام معلوم وقوله او يبلغ مبلغ ما يبلغه المحتلم فان من الرجال من لا يحتلم ولكنه اذا بلغ سنا لا يبلغها الا المحتلم حكم له بحكم المحتلم وقد اختلف العلماء في حد البلوغ لمن لا يحتلم فقال مالك البلوغ والانبات او الاحتلام او الحيض في الجارية الا انه لا يقيم الحد بالانبات حتى يحتلم او يبلغ من السن ما يعلم ان مثله لا يبلغه حتى يحتلم فيكون عليه الحد هذه رواية بن القاسم وتحصيل مذهبه وقال الشافعي يعتبر في المجهول الاولاد الانبات وفي المعلوم بلوغ خمس عشرة سنة وهو قول بن وهب وبن الماجشون وبه قال الاوزاعي وابو يوسف ومحمد في الغلام والجارية جميعا وحجتهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بقتل من انبت من سبي قريظة واستحيى من لم ينبت وروى نافع عن اسلم ان عمر بن الخطاب كتب إلى امراء الاجناد الا يضربوا الجزية الا على من جرت عليه المواسي وقال عثمان في غلام سرق انظروه فان كان خضر مبرزه فاقطعوه وقال أبو حنيفة اذا بلغت الجارية سبع عشرة سنة فهي بالغ وان لم تحض وفي الغلام تسع عشرة سنة وان لم يحتلم قبل ذلك وقال الثوري في الغلام ثماني عشرة سنة وفي الجارية اذا ولد مثلها قال ابو عمر لا اعلم خلافا ان الغلام ما لم يحتلم لا يجوز عتقه اذا كان ذلك في صحته ولم تكن وصية منه وكذلك المحجوز المولى عليه لا يجوز عتقه لشيء من ماله ورقيقه عندهم الا ان مالكا واكثر اصحابه اجازوا عتق ام ولده والله الموفق

باب ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة مالك عن هلال بن اسامه عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم انه قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ان لي جارية كانت ترعى غنما لي فجئتها وقد فقدت شاه من الغنم فسألتها عنها فقالت اكلها الذئب فأسفت عليها وكنت من بني ادم فلطمت وجهها وعلى رقبة افأعتقها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اين الله فقالت في السماء فقال من انا فقالت انت رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتقها قال ابو عمر اما الحديث الاول لمالك في هذا الباب عن هلال بن اسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم فهكذا رواه جماعة رواة الموطأ عن مالك كلهم قال فيه عن عمر بن الحكم وهو غلط ووهم منه وليس في الصحابة رجل يقال له عمر بن الحكم وانما هو معاوية بن الحكم السلمي وكذلك قال فيه كل من روى هذا الحديث عن هلال هذا وهو هلال بن علي بن ابي ميمونة وابو ميمونة اسمه اسامة فربما قال هلال بن اسامة وربما قال هلال بن ابي ميمونة ينسبونه كله إلى ذلك وربما قالوا هلال بن علي بن ابي ميمونة وهو مولى عامر بن لؤي واما معاوية بن الحكم فمعروف في الصحابة والحديث له محفوظ وقد يمكن ان يكون الغلط في اسمه جاء من قبل هلال شيخ مالك لا من مالك والدليل على ذلك رواية مالك في هذا الحديث عن بن شهاب عن ابي سلمة بن عبد الرحمن عن معاوية بن الحكم في غير الموطأ ولم يقل عمر بن الحكم وقال فيه معاوية بن الحكم الا ان مالكا لم يذكر في روايته لهذا الحديث عن بن شهاب عن ابي سلمة عن معاوية بن الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم الا قصة اتيان الكهان والطيرة لا غير وكذلك رواه اصحاب بن شهاب ورواه الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير عن هلال بن ابي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم قال قلت يا رسول الله انا كنا حديثي عهد

بجاهلية فجاء الله بالاسلام وان رجالا منا يتطيرون وذكر الخبر في الطيرة وفي اتيان الكهان وفي الخط وفي كلامهم في الصلاة وقوله بأبي هو وامي ما ضربني ولا كهرني قال ثم اطلعت غنيمة لي ترعاها جارية لي وساق الحديث إلى قوله انها مؤمنة فأعتقها وقد ذكرنا حديث الاوزاعي وغيره بالاسانيد الصحاح في التمهيد واما قوله في هذا الحديث للجارية اين الله فعلى ذلك جماعة اهل السنة وهم اهل الحديث ورواته المتفقهون فيه وسائر نقلته كلهم يقول ما قال الله تعالى في كتابه الرحمن على العرش استوى طه وان الله عز وجل في السماء وعلمه في كل مكان وهو ظاهر القران في قوله عز وجل ءامنتم من في السماء ان يخسف بكم الارض فاذا هي تمور الملك وبقوله عز وجل إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فاطر وقوله تعرج الملائكة والروح إليه المعارج ومثل هذا كثير في القران وقد اوضحنا هذا المعنى في كتاب الصلاة عند ذكر حديث التنزيل بما لا معنى لتكراره ها هنا وزدنا ذلك بيانا في هذا الباب في التمهيد أيضا وليس في هذا الحديث معنى يشكل غير ما وصفنا ولم يزل المسلمون اذا دهمهم امر يقلقهم فزعوا إلى ربهم فرفعوا ايديهم واوجههم نحو السماء يدعونه ومخالفونا ينسبونا في ذلك إلى التشبيه والله المستعان ومن قال بما نطق به القران فلا عيب عليه عند ذوي الالباب روينا ان ابا الدرداء ابطأ عن الغزو عاما فأعطى رجلا صرة فيها دراهم وقال

انطلق فاذا رايت رجلا يسير مع القوم في ناحية عنهم في هيئة بذاذة فادفعها إليه قال ففعل فرفع الذي اعطي الصرة راسه إلى السماء وقال اللهم انك لم تنس جريرا فاجعل جريرا لا ينساك قال فرجع الرجل إلى ابي الدرداء واخبره فقال ابو الدرداء عرف الحق لاهله واولى النعمة اهلها واما حديث مالك في هذا الباب عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فجود لفظه يحيى ومن تابعه مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ان رجلا من الانصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية له سوداء فقال يا رسول الله ان علي رقبة مؤمنة فان كنت تراها مؤمنة اعتقها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اتشهدين ان لا اله الا الله قالت نعم قال اتشهدين ان محمدا رسول الله قالت نعم قال اتوقنين بالبعث بعد الموت قالت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتقها ورواه بن القاسم وبن بكير باسناده مثله الا انهما لم يذكرا فان كنت تراها مؤمنة قالا يا رسول الله علي رقبة مؤمنة افاعتق هذه وكذلك رواه بن وهب عن يونس ومالك عن بن شهاب عن عبيد الله ان رجلا من الانصار اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية له سوداء فقال يا رسول الله ان علي رقبة مؤمنة وساق الحديث وكذلك رواه معمر عن بن شهاب ورواه القعنبي باسناده مثله وحذف منه ان علي رقبة مؤمنة وقال ان رجلا من الانصار اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية له سوداء فقال يا رسول الله اعتقها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اتشهدين وذكر الحديث وفائدة الحديث قوله ان علي رقبة مؤمنة ولم يقله القعنبي الا ان في الحديث ما يدل على المراد بقوله اتشهدين بكذا ولم يختلف رواة الموطا في ارسال هذا الحديث

ورواه الحسين بن الوليد عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ حديث الموطا سواء وجعله متصلا عن ابي هريرة مسندا ورواه الحسن هذا ايضا عن المسعودي عن عون بن عبد الله بن عتبة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله الا انه زاد فيه عن المسعودي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتقها فانها مؤمنة وليس في الموطا من قول النبي صلى الله عليه وسلم فانها مؤمنة ولكن فيه ما يدل على ذلك ورواه معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن رجل من الانصار انه جاء بامة له سوداء فقال يا رسول الله ان علي رقبة مؤمنة فان كنت تراها مؤمنة اعتقها وساق الحديث مثل رواية يحيى إلى اخرها وفي حديث مالك عن بن شهاب في هذا الباب من الفقه ان من شرط الشهادة التي لا يتم الايمان الا بها الاقرار بالبعث بعد الموت بعد شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وقد اجمع المسلمون على ان من انكر البعث بعد الموت فليس بمؤمن ولا مسلم ولا ينفعه ما شهد به وفي ذلك مع ما في القران من تاكيد الاقرار بالبعث بعد الموت ما يغني ويكفي ولا خلاف علمته فيمن جعل على نفسه رقبة مؤمنة نذرا لله ان يعتقها انه لا يجزئ عنه الا مؤمنة وكذلك لا يجزئ عند الجميع في كفارة قتل الخطا الا رقبة مؤمنة بشرط الله ذلك في نص كتابه هنالك واختلفوا في كفارة الظهار وكفارة الايمان وقد ذكرنا ذلك في موضعه والحمد لله كثيرا واختلف العلماء فيمن عليه رقبة مؤمنة هل يجزئ فيها الصغير ان كان ابواه مؤمنين وهل يجزئ فيها من لم يصم ولا يصل فقالت طائفة لا يجوز فيها الا من صام وقالت ذهب إلى هذا بعض من يقول الايمان قول وعمل وروى عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة عن

بن عباس وتحرير رقبة مؤمنة النساء قال من عقل الايمان وصام وصلى وروى وكيع عن الاعمش عن ابراهيم قال ما كان في القران من رقبة مؤمنة فلا يجزئ الا من صام وصلى وما كان في القران رقبة ليست مؤمنة فالصبي يجزئ وعبد الرزاق عن الثوري عن الاعمش عن ابراهيم مثله الا انه قال قد صلى ولم يذكر الصيام وما لم يذكر مؤمنة فيجزئ وان لم يصل وعن الشعبي والحسن وقتادة مثل قول بن عباس وابراهيم وهو قول الثوري وروى الاشجعي عن الثوري انه قال لا يجزئ في كفارة القتل الصبي ولا يجزئ الا من صام وصلى وقال عطاء بن ابي رباح كل رقبة ولدت في الاسلام فهي تجزئ وكذلك قال الزهري قال الاوزاعي سالت الزهري أيجزى ء عتق الصبي المرضع في كفارة الدم قال نعم لانه ولد على الفطرة وهو قول الاوزاعي وقال ابو حنيفة اذا كان احد ابويه مؤمنا جاز عتقه في كفارة القتل وهو قول الشافعي الا ان الشافعي يستحب الا يعتق في الكفارات إلا من يتكلم بالايمان واختلف قول مالك واصحابه على هذين القولين الا ان مالكا يراعي اسلام الاب ولا يراعي اسلام الام قال ابو عمر اجمع علماء المسلمين ان من ولد بين ابوين مسلمين ولم يبلغ حد الاختيار والتمييز فحكمه حكم المسلم المؤمن في الوراثة والصلاة عليه ودفنه بين المسلمين وان ديته ان قتل مثل دية احدهم فدل ذلك انه يجزئ في الرقاب المؤمنة وبالله التوفيق مالك انه بلغه عن المقبري انه قال سئل ابو هريرة عن الرجل تكون عليه رقبة هل يعتق فيها بن زنا فقال ابو هريرة نعم ذلك يجزئ عنه مالك انه بلغه عن فضالة بن عبيد الانصاري وكان من اصحاب

رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل عن الرجل تكون عليه رقبة هل يجوز له ان يعتق ولد زنا قال نعم ذلك يجزئ عنه قال ابو عمر على هذا جماعة ائمة الفتوى بالامصار واكثر التابعين وروي ذلك عن بن عباس ايضا ورواه الثوري عن ثور عن عمر بن عبد الرحمن القرشي عن بن عباس انه سئل عن ولد زنا وولد رشدة في العتاقة فقال انظروا اكثرهما ثمنا فنظروا فوجدوا ولد الزنى اكثرهما ثمنا فامرهم به والثوري عن يونس عن الشعبي مثله وهو قول الحسن وقتادة وما خالفه فضرب من الشذوذ وانما ذكر مالك رحمه الله والله اعلم في موطئه عن ابي هريرة انه اجاز عتق ولد الزنى انكارا منه لما يرويه اهل العراق عن سهيل بن ابي صالح عن ابيه عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد الزنى شر الثلاثة وقال ابو هريرة لان امنع بسوط في سبيل الله او احمل نعلين في سبيل الله احب الي من ان اعتق ولد زنية وقد قال القعقاع بن ابي حدرد انت تقول هذا فقال ابو هريرة اني لم اقل هذا فيمن يحصن امته وانما قلت هذا في الذي يامر امته بالزنى وقد انكر بن عباس على من روى في ولد الزنى انه شر الثلاثة وقال لو كان شر الثلاثة ما استوفى بامة ان ترجم حتى تضعه ورواه بن وهب عن معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة عن بن عباس وقد ذكرناه في التمهيد باسناده وروى يزيد بن هارون عن سفيان عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة في ولد الزنى قالت ما عليه من ذنب ابويه شيء ثم قرات ولا تزر وازرة وزر اخرى الانعام الاسراء فاطر الزمر ومذهب بن عباس جواز عتق ولد الزنى في الرقاب الواجبة وغيرها وقد قال لا يجزئ في الرقاب الواجبة وغيرها ولد الزنى جماعة منهم الزهري يروي عن عمر انه قال لان احمل على نعلين في سبيل الله احب من ان اعتق ولد زنا ذكره بن عيينة عن الزهري

قال الزهري لا يجزئ ولد الغية في الرقاب الواجبة ولا ام الولد ولا المدبر ولا الكافر وقال عطاء مثله وقد اضطرب عطاء في هذا المعنى وقال بن جريج قلت لعطاء ولد زنا صغير أيجزى ء في رقبة مؤمنة اذا لم يبلغ الحنث قال لا ولكن كبير رجل صدق وعن بن جريج ايضا قال قلت لعطاء الرقبة المؤمنة الواجبة أيجزى ء فيها مرضع قال نعم قلت وكيف ولم يصل وراجعته فقال ما اراه الا مسلما وديته دية ابيه قال بن جريج وقال عمرو بن دينار ما ارى الا الذي قد بلغ واسلم قال ابو عمر اختلف قول الزهري في الصبي ايضا فروى الاوزاعي عنه ما تقدم ذكره وروى معمر عن الزهري قال لا يجزئ في الظهار صبي مرضع قال ابو عمر فاذا لم يجز في الظهار فاحرى الا يجزئ في القتل لان النص في الرقبة المؤمنة انما ورد في القتل والظهار مقيس عليه وقال الشافعي رحمه الله وكذلك الشرط في العدالة والرضا في الشهداء وردا في اية الدين واية الرجعة وقد اجمعوا في الشهادة في الزنى وغيره انه لا يجوز في ذلك كله الا العدول وكذلك الايمان في الرقاب الواجبة وبالله التوفيق باب ما لا يجوز من العتق في الرقاب الواجبة مالك انه بلغه ان عبد الله بن عمر سئل عن الرقبة الواجبة هل تشترى بشرط فقال لا قال مالك وذلك احسن ما سمعت في الرقاب الواجبة انه لا يشتريها الذي يعتقها فيما وجب عليه بشرط على ان يعتقها لانه اذا فعل ذلك فليست برقبة تامة لانه يضع من ثمنها للذي يشترط من عتقها قال مالك ولا باس ان يشتري الرقبة في التطوع ويشترط ان يعتقها قال ابو عمر قول الشافعي في هذا كقول مالك

ذكر المزني عن الشافعي قال لا يجزئ في رقبة واجبة ان اشترط ان يعتق لان ذلك يضع من ثمنها واجاز ذلك الكوفيون لانها رقبة تامة سالمة من العيوب المفسدة قال مالك ان احسن ما سمع في الرقاب الواجبة انه لا يجوز ان يعتق فيها نصراني ولا يهودي ولا يعتق فيها مكاتب ولا مدبر ولا ام ولد ولا معتق إلى سنين ولا اعمى ولا باس ان يعتق النصراني واليهودي والمجوسين تطوعا لان الله تبارك وتعالى قال في كتابه فاما منا بعد واما فداء محمد فالمن العتاقة قال مالك فاما الرقاب الواجبة التي ذكر الله في الكتاب فانه لا يعتق فيها الا رقبة مؤمنة قال مالك وكذلك في اطعام المساكين في الكفارات لا ينبغي ان يطعم فيها الا المسلمون ولا يطعم فيها احد على غير دين الاسلام قال ابو عمر اما اختلاف العلماء في جملة ما يجزئ في الرقاب الواجبة فقد اوضح مالك مذهبه في موطئه وهي جملة خولف في بعضها وتابعه اكثر العلماء على اكثرها ونحن نذكر اقوالهم جملة على حسب ما ذكره مالك بعد ذكر ما ذكره بن القاسم وغيره عن مالك مما لم يذكره في موطئه قال مالك يجزئ الاعرج اذا كان خفيف العرج وان كان شديدا لم يجزئ ولا يجزئ اقطع اليدين ولا الرجلين ويجزئ اقطع اليد الواحدة والاعور ولا يجزئ الاجدع ولا المجنون ولا الاصم ولا الاخرس قال بن القاسم وقياس قول مالك الا يجزئ الابرص لان الاصم ايسر شانا منه قال بن القاسم ولا يجزئ الذي يجن ويفيق وقال اشهب في الذي يجن ويفيق انه يجزئ من رايه وروي عن مالك انه يجزئ الاعرج كما يجزئ الاعور وقال بن الماجشون لا يجزئ الاعور وقال اشهب يجزئ الاصم وقال مالك يجزئ الموسر عتق نصف العبد اذا قوم عليه كله وعتق ولا يجزئ المعسر

وهو قول الاوزاعي واما الشافعي فقال لا يجزئ في الرقاب الواجبة الا رقبة مؤمنة لا في الظهار ولا في غيره قال وقد شرط الله تعالى في رقبة القتل مؤمنة كما شرط العدل في الشهادة في موضع وأطلق الشهود واستدللنا على أن ما أطلق في معنى ما شرط قال ويجوز المدبر ولا يجوز المكاتب أدى من نجومه شيئا أو لم يؤده لأنه ممنوع من بيعه ولا تجزئ أم الولد في قول من قال لا يبيعها قال المزني هو لا يجيز بيعها وله بذلك كتاب وقال الشافعي والعبد المرهون والجاني إذا أعتقه وافتكه من الرهن وأدى ما عليه من الجناية أجزأ قال والغائب إذا كان على يقين من حياته في حين عتقه يجزئ وإلا لم يجز ولو اشترى من يعتق عليه لم يجز ولو أعتق عبدا بينه وبين آخر وهو موسر أجزأه وكذلك لو كان معسرا ثم أيسر فاشترى النصف الآخر فأعتقه أجزأه وقد روي عنه أنه لا يجزئه إلا أن ينويه عن نفسه قال فلم اعلم احدا مضى من اهل العلم ولا ذكر لي عنه الا وهم يقولون ان من الرقاب ما يجزئ ومنها ما لا يجزئ فدل ذلك على ان المراد بعتقها بعضها دون بعض فلم اجد في معنى ما ذهبوا إليه إلا ما اقول والله اعلم وجماعة ان الاغلب فيما يتخذ له الرقيق العمل ولا يكون العمل تاما حتى يكون يد المملوك باطشتين ورجلاه ماشيتين وله بصر وان كانت عينا واحدة ويكون يعقل فان كان ابكم او اصم او ضعيف البطش اجزا ويجزئ المجنون الذي يفيق في اكثر الاحيان ويجزئ الاعور والعرج الخفيف وشلل الحيض وكل عيب لا يضره في العمل اضرارا بينا ولا يجزئ الاعمى ولا المقعد ولا الاشل الرجل ويجزئ الاصم والخصي والمريض الذي ليس به مرض زمانة وقال ابو حنيفة واصحابه لا يجزئ في الرقاب الواجبة مدبر ولا ام ولد ويجزئ المكاتب ان لم يكن ادى من كتابته شيئا استحسانا وان كان ادى شيئا لم يجز ولا يجوز الاعمى ولا المقعد ولا المقطوع اليدين ولا المقطوع الرجلين ولا المقطوع اليد والرجل من جانب واحد فأما ان كانت يده الواحدة مقطوعة او رجله او مقطوع اليد والرجل من خلاف او كان اعور العين الواحدة فان ذلك

يجزئ ولا يجزئ في ذلك مقطوع الابهامين ولا مقطوع ثلاثة اصابع في كل كف سوى الابهامين وان كان اقل من ثلاثة اصابع اجزا والذكر والانثى والصغير والكبير في ذلك كله سواء ويجزئ عندهم الكافر في الظهار وكفارة اليمين ولا يجزئ في قتل الخطا ومن اعتق في رقبة واجبة عليه عبدا بينه وبين اخر لم يجزئه موسرا كان او معسرا في قول ابي حنيفة ويجزئه في قول ابي يوسف ومحمد اذا كان موسرا ولا يجزئه اذا كان معسرا والاشل عندهم كالاقطع يجزئ ولا يجزئ المعتوه ولا الاخرس ويجزئ المقطوع الاذنين والخصي وقال زفر لا يجزئ مقطوع الاذنين وقال عثمان البتي يجزئ الاعور والاعرج الا ان لا يمشي وقال الليث بن سعد لا يجزئ في الرقاب الواجبة شيء فيه عيب ولا يجزئ الذي يجن في كل شهر مرة وان كان فيما بين ذلك صحيحا لان ذلك عيب ولا يجزئ الاعرج ولا الاجدع ولا الاعور ولا الاشل لان ذلك مما لا يجزئ في الضحايا فهو في ذلك اشد قال ابو عمر اجمعوا على ان العيب الخفيف في الرقاب الواجبة يجزئ نحو الحول ونقصان الضرس والظفر واثر كي النار والجرح الذي قد بريء وذلك كله يرد به العيب اذا نقص من الثمن فدل ذلك على انه ليس المعتبر في الرقاب السلامة من جميع العيوب والقياس لها ايضا على الضحايا بالا يستقيم من اجل السن لان الصغير يجزئ عندهم في الرقاب الواجبة ولا يجزئ في الضحايا واما قول مالك في انه لا يطعم في الكفارات الا مساكين المسلمين فقد مضى القول في ذلك في كتاب الايمان والحمد لله باب عتق الحي عن الميت مالك عن عبد الرحمن بن ابي عمرة الانصاري ان امه ارادت ان

توصي ثم اخرت ذلك إلى ان تصبح فهلكت وقد كانت همت بان تعتق فقال عبد الرحمن فقلت للقاسم بن محمد اينفعها ان اعتق عنها فقال القاسم ان سعد بن عبادة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان امي هلكت فهل ينفعها ان اعتق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم مالك عن يحيى بن سعيد انه قال توفي عبد الرحمن بن ابي بكر في نوم نامة فاعتقت عنه عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رقابا كثيرة قال مالك وهذا احب ما سمعت الي في ذلك قال ابو عمر لا اعلم خلافا ان العتق والصدقة وما جرى مجراهما من الاموال جائز كل ذلك فعله للحي عن الميت وانما اختلفوا في الولاء اذا اعتق المرء على غيره وقد ذكرنا ذلك في موضعه وكذلك اختلفوا في الصيام عن الميت ولا يختلفون انه لا يصلي احد عن احد وقد ذكرنا اختلافهم في الصيام عن الميت في كتاب الصيام وذكرنا خبر عبد الرحمن بن ابي بكر وموته في كتاب الصحابة والحمد لله باب فضل عتق الرقاب وعتق الزانية وبن الزنى مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرقاب ايها افضل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغلاها ثمنا وانفسها عند اهلها قال ابو عمر اختلف على مالك في اسناد هذا الحديث فروته عنه طائفة كما رواه يحيى عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة منهم مطرف وبن ابي اويس وروح بن عبادة ورواه عنه اخرون عن هشام بن عروة عن ابيه مرسلا منهم بن وهب وابو مصعب ورواه سعيد بن داود الزبيدي وحبيب كاتب مالك

عن هشام بن عروة عن ابيه عن ابي مرواح عن ابي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه جماعة الرواة كذلك عن مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن ابي مرواح عن ابي ذر مسندا وقد ذكرنا كثيرا من الطرق بذلك في التمهيد وهو الصواب عند اهل العلم بالحديث ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا معمر والثوري عن هشام بن عروة عن ابيه عن ابي مرواح الغفاري عن ابي ذر قال قلت يا رسول الله أي الرقاب افضل قال انفسها عند اهلها واغلاها اثمانا وكذلك رواه بن عيينة والدراوردي ووكيع ويحيى القطان وسائر اصحاب هشام بن عروة حدثنا احمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن ابي اسامة قال حدثنا ابو نعيم قال حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن ابيه عن ابي مرواح عن ابي ذر قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم اي الرقاب افضل قال انفسها عند اهلها واغلاها ثمنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر انه اعتق ولد زنا وامه واما عتق بن عمر لولد وامه فقد ذكرنا عن بن عباس مثل ذلك وتقدم من رواية مالك عن ابي هريرة وفضالة بن عبيد مثله ايضا وعليه جمهور العلماء ولا يختلفون ان عتق المذنب ذي الكبيرة جائز وان ذنوبه لا تنقص من اجر معتقيه وكذلك ولد الزنى لان ذنوب ابويه ليس شيء منه معدودا عليه بدليل قول الله عز وجل ولا تزر وازرة وزر اخرى الانعام ولا تكسب كل نفس الا عليها الانعام وقد اجمع العلماء على جواز عتق الكافر تطوعا فالمسلم المذنب اولى بذلك واما ما يجوز في الرقاب الواجبة فقد مضى القول فيها في الباب قبل هذا والحمد لله كثيرا وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزبير بن موسى عن ام حكيم بنت طارق عن عائشة ام المؤمنين قالت اعتقوهم واحسنوا اليهم واستوصوا بهم خيرا تعني اولاد الغية

قال وحدثنا عمرو بن دينار انه سمع سليمان بن يسار يقول قال عمر اعتقوهم واحسنوا اليهم واستوصوا بهم خيرا يعني اللقيط وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه قال كان الرجل اذا ساح في بني اسرائيل اربعين سنة اري شيئا قال فساح رجل ولد غية اربعين سنة فلم ير ما كان يرى من قبله فقال أي رب ارايت ان احسنت واساء ابواي ماذا علي قال فراى ما راى السائحون قبله باب مصير الولاء لمن اعتق مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم انها قالت جاءت بريرة فقالت اني كاتبت اهلي على تسع اواق في كل عام اوقية فاعينيني فقالت عائشة ان احب اهلك ان اعدها لهم عنك عددتها ويكون لي ولاؤك فعلت فذهبت بريرة إلى اهلها فقالت لهم ذلك فابوا عليها فجاءت من عند اهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت لعائشة اني قد عرضت عليهم ذلك فابوا علي الا ان يكون الولاء لهم فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسالها فاخبرته عائشة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذيها واشترطي لهم الولاء فانما الولاء لمن اعتق ففعلت عائشة ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط قضاء الله احق وشرط الله اوثق وانما الولاء لمن اعتق

مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ان عائشة ام المؤمنين ارادت ان تشتري جارية تعتقها فقال اهلها نبيعكها على ان ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعنك ذلك فانما الولاء لمن اعتق مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن ان بريرة جاءت تستعين عائشة ام المؤمنين فقالت عائشة ان احب اهلك ان اصب لهم ثمنك صبة واحدة واعتقك فعلت فذكرت ذلك بريرة لاهلها فقالوا لا الا ان يكون لنا ولاؤك قال يحيى بن سعيد فزعمت عمرة ان عائشة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتريها واعتقيها فانما الولاء لمن اعتق مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته قال مالك في العبد يبتاع نفسه من سيده على انه يوالي من شاء ان ذلك لا يجوز وانما الولاء لمن اعتق ولو ان رجلا اذن لمولاه ان يوالي من شاء ما جاز ذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الولاء لمن اعتق ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته فاذا جاز لسيده ان يشترط ذلك له وان ياذن له ان يوالي من شاء فتلك الهبة

قال ابو عمر قد خرج الناس في معاني حديث بريرة وجوها كثيرة فمنهم من له في ذلك باب ومنهم في ذلك كتاب وربما ذكروا من الاستنباط ما لا يفيد علما ولا يثيره ونحن ان شاء الله تعالى بعونه وفضله نذكر من معاني حديث بريرة ها هنا ما فيه كفاية من الاحكام التي عني بذكرها وبالحرص فيها الفقهاء واولو الاحلام والنهى فمن ذلك ان في حديث بريرة استعمال عموم الخطاب في السنة والكتاب لان بريرة لما كاتبها اهلها دل على ان الرجال والنساء والعبيد والاماء داخلون في عموم قول الله تعالى والذين يبتغون الكتاب مما ملكت ايمانكم فكاتبوهم الاية النور وان الامة ذات زوج كانت او غير ذات زوج داخلة في حديث بريرة في عموم الاية لانها كانت ذات زوج لا خلاف فيه وفيه دليل ان كتابة الامة ذات الزوج جائزة دون زوجها وفي ذلك دليل على ان زوجها ليس له منعها من الكتابة وان كانت تؤول إلى فراقة بغير ارادته اذا ادت وعتقت وخيرت فاختارت نفسها ولا منعها من السعي في كتابتها ولو استدل مستدل من هذا المعنى بان الزوجة ليس عليها خدمة زوجها كان حسنا كما ان للسيد عتق الامة تحت العبد وان ادى ذلك إلى بطلان نكاحه وله ان يبيع امته من زوجها الحر وان كان في ذلك بطلان زوجيتيهما كان بهذا المعنى جائزا له كتابتها على رغم زوجها وفيه دليل على ان به يجوز للسيد مكاتبة عبده وامته وان لم يكن لهما شيء من المال الا ترى ان بريرة جاءت تستعين عائشة في اول كتابتها ولم تكن ادت منها شيئا كذلك ذكر بن شهاب عن عروة في هذا الحديث ذكره بن وهب عن يونس والليث عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت جاءت بريرة الي فقالت يا عائشة اني كاتبت اهلي على تسع اواق في كل عام اوقية فاعينيني ولم تكن قضت من كتابتها شيئا وذكر تمام الحديث وفيه دليل على اجازة كتابة الامة وهي غير ذات صنعة وكتابة من لا حرفة له ولا مال معه اذ ظاهر الخبر انها ابتدات بالسؤال من حين كوتبت ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم هل لها مال او عمل واجب او مال ولو كان هذا واجبا لسال عنه ليقع علمه عليه لانه بعث مبينا ومعلما صلى الله عليه وسلم

وفيما وصفنا دليل على ان قول من تاول قول الله عز وجل ان علمتم فيهم خيرا النور ان الخير ها هنا المال ليس بالتاويل الجيد وان كان قد روي عن جماعة من المسلمين قد ذكرت بعضهم فيما تقدم من باب المكاتب والدليل على ضعف هذا التاويل اجماع العلماء على ان مال العبد للسيد ان شاء ان ينتزعه من عنده انتزعه من قال منهم ان العبد يملك ومن قال انه لا يملك فكيف يكاتبه بماله الا ان يشا ترك ذلك له واصح ما في تاويل الاية والله اعلم ان الخير المذكور فيها هو القدرة على الاكتساب مع الامانة وقد يكتسب بالسؤال كما قيل السؤال اخر كسب الرجل أي ارذل كسب الرجل وكان بن عمر يكره كتابة العبد اذا لم تكن له حرفة وكان يكره ان يطعمه مكاتبه من سؤال الناس وقال بذلك طائفة من اهل الورع وفي حديث بريرة ما يدل على جواز اكتساب المكاتب بالسؤال وان ذلك طيب لمولاه وهو يرد قول من قال لا تجوز كتابة المكاتب اذا عدل على السؤال لانه يطعمه اوساخ الناس والدليل على صحة ما قلنا ان ما طاب لبريرة اخذه طاب لسيدها اخذه منها اعتبارا باللحم الذي كان عليها صدقة وللنبي صلى الله عليه وسلم هدية واعتبارا ايضا بجواز معاملة الناس للسائل وقد روي ايضا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سهل بن حنيف وغيره انه قال من اعان غارما في عسرته او غازيا في سبيل الله او مكاتبا في رقبته اظله الله في ظله يوم لا ظل الا ظله فندب الناس إلى الصدقة على المكاتب وقد تاول قوم من العلماء في ذلك قول الله عز وجل وفي الرقاب التوبة انهم المكاتبون يعانون في فك رقابهم من اشترط منهم عونهم في اجر الكتابة ومن لم يشترط واجازوا لهم الزكاة المفروضة فضلا عن التطوع وكان الحسن البصري يقول في قول الله عز وجل ان علمتم فيهم خيرا النور قال صدقا وامانة من اعطاهم كان ماجورا ومن سئل فرد خيرا كان ماجورا وقال ابراهيم النخعي ان علمتم فيهم خيرا صدقا ووفاء

وقال عكرمة قوة تعين على الكسب وقال سفيان الثوري دينا وامانة وقال اخرون الخير ها هنا الصلاة والصلاح وقد ذكرنا هذا المعنى باتم ذكر في كتاب المكاتب واتفق مالك والشافعي وابو حنيفة في جواز كتابة من لا حرفة له ولا مال معه فقد روي عن مالك ايضا كراهية ذلك وكره الاوزاعي واحمد واسحاق كتابة من لا حرفة له وعن عمر وبن عمر ومسروق مثل ذلك وقد ذكرنا ما للعلماء من التنازع في وجوب كتابة العبيد اذا ابتغوا ذلك من ساداتهم وعلموا فيهم خيرا في كتاب المكاتب واما قولها كاتبت اهلي على تسع اواق فقد ذكرنا مبلغ الاوقية والاصل فيها في كتاب الزكاة واما قولها في كل عام اوقية ففيه دليل على ان الكتابة تكون على النجم وهذا جائز عند الجميع واقل الانجم ثلاثة واختلفوا في الكتابة اذا وقعت على نجم واحد فاكثر اهل العلم يجيزونها على نجم واحد وقال الشافعي لا تجوز على نجم واحد ولا تجوز حالة البتة لانها ليست كتابة وانما هو عتق على صفة كتابة كانه قال اذا اديت الي كذا وكذا فانت حر وقد احتج بقولها في هذا الحديث في كل عام اوقية ومن اجاز النجامة في الديون كلها على مثل هذا في كل شهر كذا ولا يقول في اول الشهر او في وسطه او في اخره لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل انها كتابة فاسدة ومعلوم ان المكاتب منفرد بكسبه كالاجنبي ليس كالعبد وابى ذلك اكثر الفقهاء حتى يقول في اول الشهر او في وسطه او عند انقضائه او يسمي الوقت من الشهر او العام لنهيه صلى الله عليه وسلم عن البيع المؤجل إلى اجل معلوم ونهيه عن بيع حبل حبلة وهي إلى حين تباع الناقة ونتاج نتاجها وقالوا ليس معاملة السيد لمكاتبه كالبيوع لانه لا ربا بين العبد وسيده المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء

واما قول عائشة ان احب اهلك ان اعدها لهم عددتها ففيه دليل على ان العد في الدراهم الصحاح يقوم مقام الوزن وان البيع والشراء بها جائز من غير ذكر الوزن لانها لم تقل أزنها لهم وهذا على حسب سنة البلد وعلم ذلك فيه وليس ذلك من سنة بلدنا ولا معروف عندنا والاصل في الذهب والورق الوزن وفي البر وما كان مثله الكيل وانما يجوز العد في بلد يكون الضارب فيه للدنانير والدراهم يعتبر الوزن ولا تدخله فيه داخلة ومن اجاز عد الدنانير والدراهم انما يجيزها في العروض كلها او في الذهب بالوزن لا في بعض الجنس ببعضه واما قولها ويكون ولاؤك لي فعلت فظاهر هذا الكلام انها ارادت ان تشتري منهم الولاء بعد عقدهم الكتابة لامتهم وان تودي جميع الكتابة اليهم ليكون الولاء لها فأبوا ذلك عليها وقالوا لا يكون الولاء الا لنا ولو كان هذا الكلام كما نقله هشام وغيره عن عروة عن عائشة لكان النكير حينئذ على عائشة لانها كانت متبوعة بأداء كتابة بريرة ومشترطة للولاء من اجل الاداء وهذا بيع الولاء وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فلو كان كذلك لكان الانكار على عائشة رضي الله عنها دون موالي بريرة ولكن الامر ليس كذلك بدليل ما نقله غير مالك في حديث هشام وما نقله غير هشام في حديث عائشة في هذه القصة فمن ذلك ان وهيب بن خالد وكان حافظا روى هذا الحديث عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة فقال فيه ان احب اهلك ان اعدها لهم عدة واحدة فأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت فقولها واعتقك دليل على شرائها لها شراء صحيحا لانه لا يعتقها الا بعد الشراء لها هذا هو الظاهر في قولها واعتقك والله اعلم وفي حديث بن شهاب ان رسول الله قال لعائشة لا يمنعك ذلك ابتاعي واعتقي فأمرها بابتياع بريرة وعتقها بعد ملكها لها وهذا هو الصحيح في الاصول وفي قوله في حديث بن شهاب ابتاعي واعتقي تفسير قوله في حديث هشام بن عروة خذيها أي خذيها بالابتياع ثم اعتقيها ويصحح هذا كله حديث مالك عن نافع عن بن عمر ان عائشة ارادت ان

تشتري بريرة فتعتقها فقال اهلها نبيعكها على ان الولاء لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعك ذلك فان الولاء لمن اعتق وليس في احاديث بريرة اصح من هذا الاسناد لان الاحاديث عن عائشة مختلفة الالفاظ جدا وقد بان في حديث بن عمر ان عائشة انما ارادت شراء بريرة وعتقها فأبى اهلها الا ان يكون الولاء لهم وفي هذا يكون الانكار على موالي بريرة لا على عائشة لان الولاء للمعتق ولا يتحول ببيع ولا بهبة وفي ذلك ابطال الشرط في البيع اذا كان باطلا وتصحيح البيع وهذه مسألة اختلفت فيها الاثار وعلماء الامصار وقد روى الاعمش عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة ان اهل بريرة ارادوا ان يبيعوها ويشترطوا الولاء فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اشتريها واعتقيها فانما الولاء لمن اعتق وهذه الرواية عن عائشة موافقة لحديث بن عمر في ذلك وكذلك في حديث بن شهاب ما يدل على ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امرها بالشراء ابتداء وتعتقها بعد ذلك ويكون الولاء لها وفي حديث هشام بن عروة ايضا في قوله خذيها ولا يمنعك ذلك فانما الولاء لمن اعتق دليل على صحة شرائها ان شاء الله عز وجل واشتراط اهل بريرة الولاء بعد بيعهم لها للعتق خطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منكرا لذلك وقال ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في حكم الله أي ليست في حكم الله كما قال الله تعالى كتاب الله عليكم النساء أي حكم الله فيكم وقد ذكرنا ما للعلماء في بيع المكاتب للعتق وغيره في حال تعجيزه وحكم ذلك كله في كتاب المكاتب وفي هذا الحديث ايضا دليل على ان عقد الكتابة للمكاتب لا يوجب له عتقا وفي ذلك رد قول من قال انه كالغريم من الغرماء اذا عقدت كتابته واما قوله في حديث هشام بن عروة خذيها واشترطي لهم الولاء فيكون معناه اظهري لهم حكم الولاء فانما الولاء لمن اعتق أي عرفيهم بحكم الولاء لان الاشتراط الاظهار ومنها اشراط الساعة ظهور علاماتها

قال اوس بن حجر فأشرط فيها نفسه وهو معصم والقى بأسباب له وتوكلا أي اظهر نفسه فيما حاول ان يفعل وقيل اشترطي لهم الولاء أي اشترطي عليهم كقوله تعالى ان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اسأتم فلها الاسراء أي فعليها وكقوله اولائك لهم اللعنة الرعد أي عليهم وقوله تعالى فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ام من يكون عليهم وكيلا النساء قوله عليهم بمعنى لهم ويجوز ان يكون معناه الوعيد والتهاون لمن خالف ما امر به كقوله تعالى واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد الاية الاسراء ثم قال تعالى ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الاسراء بيانا بفعل من فعل ما نهى عنه وتحذيرا من موافقة ذلك ومعلوم انه لم يكن هذا القول منه الا بعد اعلامهم ان الولاء كالنسب لا يباع ولا يوهب لانه لا يجوز في صفته صلى الله عليه وسلم ان ينهى عن شيء ثم يأتيه وانما معناه اشترطي لهم الولاء فان اشتراطهم اياه بعد علمهم بان اشتراطهم لا يجوز غير نافع لهم ولا جائز في الحكم لانه صلى الله عليه وسلم امر باشتراط الولاء لهم ليقع البيع بينها وبينهم فبطل الشرط ويصح البيع وهم غير عالمين بأن اشتراطهم ذلك لانفسهم غير جائز لهم لان هذا مكر وخديعة والرسول صلى الله عليه وسلم ابعد الناس من هذا ومن ان يفعل ما نهي عن فعله وان يرضى لغيره ما لا يرضى لنفسه ومن ظن ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم فكافر بطعنه على النبي صلى الله عليه وسلم وانما كان هذا القول منه تهديدا ووعيدا لمن رغب عن سنته وحكمه من تحريم بيع الولاء وهبته وخالف في ذلك امره واقدم على فعل ما قد نهى عن فعله

وليس في حديث مالك في هذا الباب تخيير بريرة حين عتقت تحت زوجها وهو عنده من حديث ربيعة مذكور في باب الخيار من كتاب الطلاق وقد مضى القول فيه هناك والحمد لله كثيرا وفي هذا الحديث دليل على ان الشرط الفاسد في البيع لا يفسد البيع ولكنه يسقط ويبطل الشرط ويصح البيع وهذا عند مالك رحمه الله في شيء دون شيء يطول شرح مذهبه في ذلك ويأتي كل في موضعه من البيوع ان شاء الله تعالى ومن قال من اهل العلم من يرى ان الشرط الفاسد يفسد البيع ومنهم من يرى انه لا ينعقد بيع ولا شرط اصلا ومنهم من يرى ان الشرط لا يضر البيع كائنا ما كان وهذه اصول يحتمل ان يفرد لها كتاب وقد ذكرنا في التمهيد خبر عبد الوارث بن سعيد الثوري قال قدمت مكة فوجدت ابا حنيفة وبن ابي ليلى وبن شبرمة فسألت ابا حنيفة فقلت ما تقول في رجل باع بيعا وشرط شرطا فقال البيع باطل والشرط باطل ثم اتيت بن ابي ليلى فسألته فقال البيع جائز والشرط باطل ثم اتيت بن شبرمة فسألته فقال البيع جائز والشرط جائز فقلت يا سبحان الله ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا في مسألة واحدة فأتيت ابا حنيفة فأخبرته فقال لا ادري ما قالا حدثني عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط البيع باطل ثم اتيت بن ابي ليلى فأخبرته فقال لا ادري ما قالا حدثني هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اشتري بريرة فأعتقها وان اشترط اهلها الولاء فانما الولاء لمن اعتق البيع جائز والشرط باطل ثم اتيت بن شبرمة فأخبرته فقال لا ادري ما قالا لك حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر قال بعت من النبي صلى الله عليه وسلم ناقه وشرط لي حملانها او ظهرها إلى المدينة البيع جائز والشرط جائز وروى إسماعيل بن إسحاق قال حدثني ابو ثابت عن عبد الله بن وهب قال اخبرني مالك بأنه سأل بن شهاب عن رجل خطب عبده وليدة قوم واشترط على عبده ان ما ولدت الامة من ولد فله شطره وقد اعطاها العبد مهرها فقال بن شهاب هذا من الشرط الذي لا نرى له جوازا قال وقال بن شهاب اخبرني عروة بن الزبير ان عائشة قالت قام رسول الله

صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال ما بال الرجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وان شرطه مائة مرة شرط الله احق واوثق قال ابو الحسن الدارقطني انفرد إسماعيل بن إسحاق بهذا الحديث عن ابي ثابت عن بن وهب عن مالك قال ابو عمر واما قوله كل شرط ليس في كتاب الله فمعناه كل شرط ليس في حكم الله وقضائه من كتابه او سنة نبيه فهو باطل قال الله عز وجل كتاب الله عليكم النساء أي حكم الله وقضائه فيكم وفيه اجازة السجع الحق من القول لقوله صلى الله عليه وسلم كتاب الله احق وشرط الله اوثق وانما الولاء لمن اعتق وهذا تفسير قوله في سجع الاعرابي اسجعا كسجع الكهان لان الكهان يسجعون بالباطل ليخرصون ويرجمون الغيب ويحكمون بالظنون وكذلك عاب سجعهم وسجع من اشبه معنى سجعهم ولذلك عاب قول الاعرابي في معارضة السنة بقوله كيف اغرم ما لا اكل ولا شرب ولا استهل ومثل ذلك بطل فقال له اسجعا كسجع الكهان لانه كان سجعا في باطل اعتراضا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على ان السجع كلام كسائر الكلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح وفي قوله صلى الله عليه وسلم انما الولاء لمن اعتق ما ينفي ان يكون الولاء إلى المعتق الا لمن اعتق فينبغي بظاهر هذا القول ان يكون الولاء للذي يسلم على يديه وللملتقط

فأما الذي يسلم على يديه رجل او يواليه فقال مالك لا ميراث للذي اسلم على يديه ولا ولاء له وميراث ذلك المسلم اذا لم يدع وارثا لجماعة المسلمين وهو قول الشافعي والثوري وبن شبرمة والاوزاعي وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم انما الولاء لمن اعتق ينفي ذلك ان يكون الولاء إلى المعتق وهو قول احمد وداود وقال ابو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من اسلم على يدي رجل ووالاه وعاقده ثم مات ولا وارث له فميراثه له وقال الليث من اسلم على يدي رجل فقد والاه وميراثه له اذا لم يدع وارثا وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد الا ان يحيى بن سعيد قال ذلك فيمن جاء من ارض العدو كافرا فأسلم على يدي رجل من المسلمين ان له ولاءه قال واما من اسلم من اهل الذمة على يدي رجل مسلم فولاؤه لجماعة المسلمين ولم يفرق ربيعة ولا الليث بين الذمي واهله وحجة من ذهب مذهب ابي حنيفة وربيعة حديث تميم الداري قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشرك يسلم على يدي المسلم فقال هو اولى الناس واحق الناس واولاهم بمحياه ومماته وقضى به عمر بن عبد العزيز وقد ذكرنا الحديث باسناده في التمهيد وحدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني عبد الله بن داود الخريبي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن وهب عن تميم الداري قال ابو عمر وحديث الولاء لمن اعتق اصح وسنذكر ميراث اللقيط وولاءه في كتاب الاقضية عند ذكر حديث بن شهاب عن سنين بن جميلة ان شاء الله عز وجل واما ولاء السائبة وولاء المسلم يعتقه النصراني فسيأتي القول في ذلك في اخر باب في هذا الكتاب ان شاء الله تعالى

واما قول مالك في العبد يبتاع نفسه من سيده على انه يوالي من شاء فان ذلك لا يجوز لان الولاء لمن اعتق بقول صحيح يشهد له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم انما الولاء لمن اعتق ونهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته واحتجاج مالك بذلك صحيح حسن جدا الا انها مسألة اختلف فيها السلف قديما ومن بعدهم وقول الشافعي فيها كقول مالك وهو قول احمد وداود وروي عن عمر بن الخطاب انه جعل اسلامه على يديه موالاة وجعل لمن لا ولاء عليه ان يوالي من شاء وهو قول عمر بن عبد العزيز والليث بن سعد قال معمر عن الزهري قضى عمر بن الخطاب في رجل والى قوما ان ميراثه لهم وعقله عليهم قال الزهري اذا لم يوال احدا ورثه المسلمون وقد روى حماد بن سلمة عن جعفر بن الزبير عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابي امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اسلم على يدي رجل فله ولاؤه وروي عن عمر وعلي وعثمان وبن مسعود انهم اجازوا الموالاة وورثوا بها وعن عطاء والزهري ومكحول نحوه وروي عن سعيد بن المسيب أيما رجل اسلم على يدي رجل فعقل عنه ورثه وان لم يعقل عنه لم يرثه وقالت به طائفة وقال ابو حنيفة واصحابه اذا والاه على ان يعقل عنه ويرثه عقل عنه وورثه اذا لم يخلف وارثا قالوا وله ان ينقل ولاءه عنه ما لم يعقل عنه او عن احد من صغار ولده وللمولي ان يبرا من ولائه بحضرته ما لم يعقل عنه وان أسلم على يدي رجل ولم يعقل عنه ولم يواله لم يرثه ولم يعقل عنه وهو قول الحكم وحماد وابراهيم وهذا كله فيمن لا عصبة له ولا ذو رحم ومن هذا الباب عتق المرء عن غيره باذنه وبغير اذنه وقد اختلف العلماء في ذلك

فالذي ذهب إليه مالك في المشهور من مذهبه عند اكثر اصحابه ان الولاء عنه سواء كان بامره او بغير امره وقال اشهب الولاء للمعتق وسواء امره بذلك او لم يامره وهو قول الليث والاوزاعي وحجة مالك حديث أبن شهاب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث ذكره ان نبي الله ايوب عليه السلام قال في بلائه ان الله تعالى يعلم اني كنت امر على الرجلين يتنازعان ويذكران الله تعالى فارجع إلى بيتي فاكفر عنهما كراهة ان يذكر الله تعالى الا في حق وقد روي هذا الحديث عن بن شهاب عن انس وقد ذكرنا ذلك كله بالاسانيد في التمهيد وفي هذا الحديث دليل على جواز عتق المرء عن غيره لان الكفارة قد تكون بالعتق وغيره ولم يبلغنا ان شريعة ايوب كانت بخلاف شريعتنا وقد قال الله عز وجل اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتدة الانعام وقال الشافعي اذا اعتقت عبدك عن رجل حي او ميت بغير امره فولاءه لك وان اعتقته عنه بامره بعوض او بغير عوض فولاؤه له ويجزئه بمال وبغير مال وسواء قبله المعتق عنه او لم يقبله وهو قول احمد وداود وقال ابو حنيفة واصحابه والثوري ان قال اعتق عني عبدك على مال ذكره فالولاء للمعتق عنه لانه بيع صحيح واذا قال اعتق عبدك عني بغير مال فالولاء للمعتق لان الامر لم يملك منه شيئا وهي هبة باطل لانها لا يصح فيها القبض قال ابو عمر الاصل في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن اعتق يدخل فيه الذكر والانثى والواحدة والجماعة لانه من يصلح له كله الا ان السفيه الذي لا يجوز له التصرف في ماله خارج من هذه الجملة واما النساء فلهن ولاء من اعتقن دون ميراث الولاء في غير ذلك وقد تقدم هذا المعنى مجودا والحمد لله كثيرا باب جر العبد الولاء اذا اعتق مالك عن ربيعة بن عبد الرحمن ان الزبير بن العوام اشترى عبدا

فاعتقه ولذلك العبد بنون من امراة حرة فلما اعتقه الزبير قال هم موالي وقال موالي امهم بل هم موالينا فاختصموا إلى عثمان بن عفان فقضى عثمان للزبير بولائهم مالك انه بلغه ان سعيد بن المسيب سئل عن عبد له ولد من امراة حرة لمن ولاؤهم فقال سعيد ان مات ابوهم وهو عبد لم يعتق فولاؤهم لموالي امهم قال مالك ومثل ذلك ولد الملاعنة من الموالي ينسب إلى موالي امه فيكونون هم مواليه ان مات ورثوه وان جر جريرة عقلوا عنه فان اعترف به ابوه الحق به وصار ولاؤه إلى موالي ابيه وكان ميراثه لهم وعقله عليهم ويجلد ابوه الحد قال مالك وكذلك المراة الملاعنة من العرب اذا اعترف زوجها الذي لاعنها بولدها صار بمثل هذه المنزلة الا ان بقية ميراثه بعد ميراث امه واخوته لامه لعامة المسلمين ما لم يلحق بابيه وانما ورث ولد الملاعنة المولاة موالي امه قبل ان يعترف به ابوه لانه لم يكن له نسب ولا عصبة فلما ثبت نسبة صار إلى عصبته قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في ولد العبد من امراة حرة وابو العبد حر ان الجد ابا العبد يجر ولاء ولد ابنه الاحرار من امراة حرة يرثهم ما دام ابوهم عبدا فان عتق ابوهم رجع الولاء إلى مواليه وان مات وهو عبد كان الميراث والولاء للجد وان العبد كان له ابنان حران فمات احدهما وابوه عبد جر الجد ابو الاب الولاء والميراث قال ابو عمر هكذا رواه يحيى وبن بكير وطائفة ورواه مطرف وابو مصعب وغيرهما عن مالك بابين من هذا قالا جر الجد الولاء وكان الميراث بينهما وهذا صحيح لانه ميراث مال لا ميراث ولاء واما قوله وجر الجد الولاء إلى مواليه فمعلوم انه يجره اليهم اذا لم يكن وارث يحجبه عنهم

قال ابو عمر اما حديث مالك عن ربيعة في قصة الزبير رواه الثوري وبن جريج عن حميد الاعرج عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي ورواه معمر والثوري عن هشام بن عروة عن ابيه بمعنى واحد ان الزبير بن العوام اشترى عبدا مملوكا عند رافع بن خديج زوجه مولاة له منها بنون فلما اشترى الزبير العبد اعتقه فاختصما إلى عثمان فقضى بالولاء للزبير واختلف اهل العلم في انتقال الولاء الذي قد ثبت لموالي الامة المعتقة في بنيها من الزوج العبد ان اعتق بعد فروي عن جماعة من العلماء ان ولاءهم لموالي امهم لا يجره الاب ان اعتق وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وممن قال ذلك عطاء وعكرمة بن خالد ومجاهد وبن شهاب وقبيصة بن ذؤيب وقضى به عبد الملك بن مروان في اخر خلافته لما حدث به قبيصة عن عمر بن الخطاب وكان قبل ان يقضي فيه بقضاء مروان ان الولاء يعود لموالي ابيهم ان اعتق وروي عن عمر بن عبد العزيز وميمون بن مروان مثل ذلك وروى معمر عن الزهري قال لا يتحول ولاؤهم إلى مال ابيهم قال معمر وبلغني عن ميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز ادوا ذلك وحدثني بن طاوس عن عكرمة بن خالد مثل ذلك وقال مالك والاوزاعي وابو حنيفة وسفيان الثوري والليث بن سعد والشافعي واحمد واسحاق كلهم واصحابهم يقولون ان العبد اذا اعتق جر ولاء ولده إلى مواليه وانتقل ولاؤهم عن امهم وعن مواليها وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت والزبير بن العوام وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري ومحمد بن سيرين وابراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وقضى به مروان عن راي اهل المدينة وما نظر به مالك من ولد الملاعنة فتنظير صحيح وقياس حسن

واما قول مالك ان الجد اب العبد يجر ولاء ولد ابنه الاحرار من امراة حرة يرثه ما دام ابوهم عبدا فان اعتق ابوهم رجع الولاء إلى مواليه على حسب ما ذكره من ذلك في هذا الباب وقوله ان الامر المجتمع عليه عندهم فهو مذهب الشافعي عند بعض اصحابه وروي ذلك عن الشعبي وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد والثوري لا يجر الجد الولاء قالوا في ولد العبد من امراة حرة اذا كان العبد حيا لم يجر الولاء وحجتهم ان ولد العبد لا يكون مسلما باسلام جده وان اباه لو لاعن امة لم يستخلفه الجر فكذلك لا يلحق به ولاؤه قال ومعلوم ان نسبه إلى الجد انما هو بابيه فكذلك ينبغي ان يكون ولاؤه لابيه فاذا لم يثبت ولاؤه من جهة الاب لم يثبت من جهة الجد قال مالك في الامة تعتق وهي حامل وزوجها مملوك ثم يعتق زوجها قبل ان تضع حملها او بعد ما تضع ان ولاء ما كان في بطنها للذي اعتق امه لان ذلك الولد قد كان اصابه الرق قبل ان تعتق امه وليس هو بمنزلة الذي تحمل به امة بعد العتاقة لان الذي تحمل به امه بعد العتاقة اذا اعتق ابوه جر ولاءه قال ابو عمر على هذا مذهب الكوفي والشافعي واكثر اهل العلم ولم يختلفوا انه لو قال لامته الحامل ما ولدت فهو حر انه تلحقه الحرية اذا ولدته ويلزمه فيه قوله وكذلك اذا اعتقها حاملا فولدها كعضو منها فكذلك يلحق العتق ما في بطنها فكيف يجر العبد اذا اعتق ولاء من قد ثبت عليه الولاء لمعتقه قال مالك في العبد يستاذن سيده ان يعتق عبدا له فياذن له سيده ان ولاء العبد المعتق لسيد العبد لا يرجع ولاؤه لسيده الذي اعتقه وان عتق قال ابو عمر يتفق في هذه المسالة من قال ان العبد يملك ومن قال ان العبد لا يملك شيئا وعتق العبد باذن سيده عند من لم يملك عنده العبد شيئا كعتق الوكيل باذن الموكل وهو في معنى من وكل رجلا على انكاحه او طلاقه ومن قال ان العبد لا يملك لا يجيز له التصرف في ما بيده الا باذنه فاذا اذن له فيه كان كما وصفنا وبالله توفيقنا

باب ميراث الولاء مالك عن عبد الله بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن ابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن ابيه انه اخبره ان العاصي بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة اثنان لام ورجل لعله فهلك احد اللذين لام وترك مالا وموالي فورثه اخوه لابيه وامه ماله وولاؤه مواليه ثم هلك الذي ورث المال وولاء الموالي وترك ابنه واخاه لابيه فقال ابنه قد احرزت ما كان ابي احرز من المال وولاء الموالي وقال اخوه ليس كذلك انما احرزت المال واما ولاء الموالي فلا ارايت لو هلك اخي اليوم الست ارثه انا فاختصما إلى عثمان بن عفان فقضى لاخيه بولاء الموالي مالك انه بلغه ان سعيد بن المسيب قال في رجل هلك وترك بنين له ثلاثة وترك موالي اعتقهم هو عتاقة ثم ان الرجلين من بنيه هلكا وتركا اولادا فقال سعيد بن المسيب يرث الموالي الباقي من الثلاثة فاذا هلك هو فولده وولد اخوته في ولاء الموالي شرع سواء قال ابو عمر هذا المعنى هو الذي يسميه العلماء الولاء للكبير وهو مذهب عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وبن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنه قال سعيد بن المسيب وطاوس وعطاء وبن شهاب وبن سيرين وقتادة وابو الزناد وربيعة وسائر اهل المدينة واليه ذهب مالك وابو حنيفة والشافعي واصحابهم والثوري والاوزاعي والليث واحمد واسحاق وابو عبيد وابو ثور كل هؤلاء يقول ان الولاء للكبير ومعنى ان يستحقه الاقرب إلى المعتق ابدا في حين موت المولي على ما تقدم من قضاء عثمان وقول سعيد بن المسيب في هذا الباب

قال احمد بن حنبل على هذا جمهور الناس وروي عن الزبير انه كان يقول ان الولاء يورث كما يورث المال وان من احرز من المال شيئا احرز مثله من ولاء الموالي الا النساء وبه قال شريح وطائفة من اهل البصرة قد ذكرنا بعضهم عند ذكر ربيعة في باب الخيار من كتاب الطلاق واختلفوا في السيد المعتق اذا ترك اباه وابنه ثم مات المولي المعتق فقال ابراهيم النخعي والاوزاعي وعبيد الله بن الحسن واحمد واسحاق وابو يوسف القاضي لابيه سدس الولاء وما بقي فلابنه فانهما في القرب من الميت سواء فهما فيه كهما في مال الميت وقال عطاء والزهري والحسن والشعبي والحكم وحماد الميراث الذي يخلفه المعتق كله للابن دون الاب لان الابن اقرب العصبات وبه قال مالك والثوري وقتادة والزهري وابو قتادة والشعبي ومحمد بن الحسن وهاتان المسالتان اصلان في بابهما مالك عن عبد الله بن ابي بكر بن حزم انه اخبره ابوه انه كان جالسا عند ابان بن عثمان فاختصم إليه نفر من جهينة ونفر من بني الحارث بن الخزرج وكانت امراة من جهينة عند رجل من بني الحارث بن الخزرج يقال له ابراهيم بن كليب فماتت المراة وتركت مالا وموالي فورثها ابنها وزوجها ثم مات ابنها فقال ورثته لنا ولاء الموالي قد كان ابنها احرزه فقال الجهنيون ليس كذلك انما هم موالي صاحبتنا فاذا مات ولدها فلنا ولاؤهم ونحن نرثهم فقضى ابان بن عثمان للجهنيين بولاء الموالي قال ابو عمر هذا ايضا من باب الولاء لكبير وقد اختلف اهل العلم في المراة تعتق عبدا لها ثم تموت وتخلف ولدا ذكورا واناثا وعصبة لها ثم يموت مولاها الذي اعتقته فقالت طائفة من اهل العلم مال المولي المتوفى لعصبتها دون ولدها لانهم الذين يعقلون عنها وعن مواليها فكما يعقلون عنها فكذلك يرثون مواليها

واحتجوا بما روي عن علي رضي الله عنه حين خاصم الزبير في موالي صفية امه وروى علي انه احق بولائهم من الزبير لانه عصبتها والزبير ابنها وخالف في ذلك عليا عمر فقضى بولاء موالي صفية بنت عبد المطلب لابنها الزبير رضي الله عنهم اجمعين وقضى بالعقل على عصبتها ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن حماد عن ابراهيم ان عليا والزبير اختصما في موالي صفية فقضى عمر بالعقل على علي والميراث للزبير وقال بقول عمر في ذلك الشعبي والزهري وقتادة واليه ذهب مالك والشافعي والثوري والاوزاعي وابو حنيفة وابو يوسف ومحمد واحمد واسحاق ثم اختلفوا في ولد المراة اذا ماتوا وانقرضوا هل يرث ذلك عنهم عصبتهم او ينصرف الولاء إلى عصبة المراة كان مالك وسفيان يقولان بمثل ما قضى به ابان بن عثمان في قصة الجهنية لعصبتها الجهنين وهو قول ابي حنيفة واصحابه وبه قال احمد واسحاق وقال الاخرون الولاء قد وجب لابن المراة فلا يعود إلى عصبتها ابدا ويرثه عن الابن بنوه دون عصبة المراة لان الولاء قد احرزه الابن ووجب له فلا ينتقل عنه الا إلى من يرثه من ولد وعصبته روي هذا عن بن مسعود وقالت به طائفة ورووا فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ما احرز الولد او الوالد فهو لعصبته من كان وروي ذلك عن علي رضي الله عنه مثل ذلك ايضا وقد روي عن الشعبي قول رابع في المراة تموت وتترك موالي ان الميراث منهم لولدها والعقل عليهم وبه كان يقضي بن ابي ليلى

قال ابو عمر هذا شذوذ في ايجابه العقل عل الابن وولده عصبته والجمهور على ان العقل على عصبتها وبالله التوفيق باب ميراث السائبة وولاء من اعتق اليهودي والنصراني مالك انه سال بن شهاب عن السائبة قال يوالي من شاء فان مات ولم يوال احدا فميراثه للمسلمين وعقله عليهم قال مالك ان احسن ما سمع في السائبة انه لا يوالي احدا وان ميراثه للمسلمين وعقله عليهم قال ابو عمر قوله احسن ما سمعت انه يدلك على ما سمع في ميراث السائبة غير ما استحسنه وذهب إليه والذي ذهب إليه في السائبة قد روي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز الا ان ما روي عن عمر بن الخطاب ليس بالبين لانه انما روي عنه السائبة ليومها فمن ذهب مذهب مالك قال أي لا تعود في شيء منها واما عمر بن عبد العزيز فقال ميراثه للمسلمين وعقله عليهم وكان بن شهاب ويحيى بن سعيد وطائفة يرون للسائبة ان يوالي من شاء فان والى من شاء احدا كان ميراثه له وعقله عليه فان لم يوال احدا كان ميراثه وعقله على جماعة المسلمين وبه قال الاوزاعي والليث وكان بن مسعود يقول السائبة يضع ماله حيث شاء رواه الثوري عن سلمة بن كهيل عن ابي عمرو الشيباني عن بن مسعود وكان الشعبي وابراهيم يقولان لا باس ببيع ولاء السائبة وهبته وقد كره بن عمر ان يأخد مال مولى اعتقه سائبة وامر به فاشتري به رقاب واعتقها والنظر يشهد له لو لم تر المال له ما فضل ذلك فيه

وقال ابو حنيفة والشافعي واصحابهما واحمد واسحاق وابو ثور وداود ولاء السائبة لمعتقه لا لاحد غيره وليس له ان يوالي احدا وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم انما الولاء لمن اعتق ونهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته وقال صلى الله عليه وسلم الولاء كالنسب لا يباع ولا يوهب وروى ابو قيس عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل بن شرحبيل قال جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال اني اعتقت غلاما لي سائبة فمات وترك مالا فقال عبد الله ان اهل الاسلام لا يسيبون انما كانت تسيب الجاهلية انت وارثة وولي نعمته وروى يحيى بن يحيى عن عمر بن نافع قال لست اخذ بقول مالك فيمن اعتق سائبة واقول ولاؤه له ولا سائبة عندنا اليوم في الاسلام وممن قال بهذا في ميراث السائبة الحسن وبن سيرين والشعبي والنخعي وراشد بن سعد وضمرة بن حبيب قال مالك في اليهودي والنصراني يسلم عبد احدهما فيعتقه قبل ان يباع عليه ان ولاء العبد المعتق للمسلمين وان اسلم اليهودي او النصراني بعد ذلك لم يرجع إليه الولاء ابدا قال ولكن اذا اعتق اليهودي او النصراني عبدا على دينهما ثم اسلم المعتق قبل ان يسلم اليهودي او النصراني الذي اعتقه ثم اسلم الذي اعتقه رجع إليه الولاء لانه قد كان ثبت له الولاء يوم اعتقه قال مالك وان كان لليهودي او النصراني ولد مسلم ورث موالي ابيه اليهودي او النصراني اذا اسلم المولى المعتق قبل ان يسلم الذي اعتقه وان كان المعتق حين اعتق مسلما لم يكن لولد النصراني او اليهودي او المسلمين من ولاء العبد المسلم شيء لانه ليس لليهودي ولا للنصراني ولاء فولاء العبد المسلم لجماعة المسلمين قال ابو عمر على ما رواه مالك وذهب إليه في النصراني يعتق عبده اذا اسلم قبل ان يباع عليه جماعة اصحابه

واما جمهور العلماء فمذهبهم ان ولاء العبد المسلم اذا اعتقه النصراني لسيده النصراني لان الولاء نسب من الانساب لا يباع ولا يوهب ولكنه ليس يرثه ان مات لاختلاف الدينين كما لا يرث الاب ابنه ولا الابن اباه لو اسلم احدهما والاخر كافر لقوله صلى الله عليه وسلم لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فان اسلم الاخر بعد اسلام الاول منهما ورثه فكذلك الولاء اذا اعتق كافر مسلما لم يرثه الا ان يسلم فان اسلم ورثه هذا قول الشافعي وابي حنيفة وأصحابه والثوري واحمد واسحاق وابي ثور وبه اقول وقد اجمع المسلمون على ان عتق النصراني او اليهودي لعبده المسلم صحيح نافذ جائز عليه واجمعوا انه اذا اسلم عبد الكافر فبيع عليه ان ثمنه يدفع إليه فدل على انه على ملكه بيع وعلى ملكه ثبت العتق له الا ان ملكه غير مستقر لوجوب بيعه عليه فذلك والله اعلم لقول الله عز وجل ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا النساء يريد الاسترقاق والملك والعبودية ملكا مستقرا لانه اذا فطن لملكه له بيع عليه وقد اختلف العلماء في شراء الكافر العبد المسلم على قولين احدهما ان البيع مفسوخ والثاني ان البيع صحيح ويباع على المشتري وياتي في كتاب البيوع ان شاء الله تعالى ولم يختلفوا في الذمي يعتق الذمي ثم يسلم احدهما قبل صاحبه ثم يسلم الاخر انه يرث منهما السيد مولاه الذي انعم بالعتق عليه فان لم يسلم المعتق وكان له ولد مسلم ورثه الابن المسلم وعد ابوه كالميت في الميراث ما دام كافرا كما رسمه مالك رحمه الله ولو ان الحربي يعتق عبده على دينه ثم يخرجان الينا مسلمين فان مالكا قال هو مولاه يرثه

وهو قياس قول الشافعي واستحسنه ابو يوسف وقال ابو حنيفة اذا اعتق الحربي عبده في دار الحرب ثم خرجا الينا مسلمين فللعبد ان يوالي من شاء ولا يكون ولاؤه للمعتق وقد قال بن القاسم اذا خرج العبد المعتق الينا مسلما ثم خرج سيده مسلما عاد إليه الولاء وقال اشهب لا يعود إليه الولاء ابدا لانه لما خرج مسلما قبل سيده ثبت ولاؤه للمسلمين روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه اعتق عبيدا خرجوا إليه من الطائف مسلمين ثم اسلم سادتهم فلم يرجع اليهم ولاؤهم وهؤلاء لم يكن واحد منهم اعتق قبل الخروج وانما ملكوا انفسهم بخروجهم كما كان يملكهم المسلمون لو سبوهم واخذوهم عنوة فليس بخروجهم فليس لهم في هذا الحديث حجة والله اعلم وهو المستعان

كتاب المكاتب باب القضاء في المكاتب مالك عن نافع ان عبد الله بن عمر كان يقول المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء مالك انه بلغه ان عروة بن الزبير وسليمان بن يسار كانا يقولان المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء قال مالك وهو رايي قال ابو عمر على هذا راي جماعة فقهاء الامصار ان المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء الا ان بعضهم يقول لا يكون حرا باداء كتابته الا ان يكون في عقد كتابته فاذا اديت ذلك فانت حر يشترط ذلك فيه على نفسه في عقد الكتابة هذا قول الشافعي وعند مالك وابي حنيفة واصحابهما لا يضر المكاتب ان لا يقول له مولاه في حين كتابته اياه اذا اديت الي جميع كتابتك فانت حر ويعتق اذا ادى ذلك إليه قال ابو عمر قولهما لكان عبدا ما بقي عليه من كتابته شيء دليل على انه حر اذا لم يبق عليه شيء

فاما السلف قبلهم فقد روي عنهم في ذلك اختلاف كثير منه ان المكاتب ان اعقدت له الكتابة فهو غريم من الغرماء لا يرجع إلى الرق ابدا لانه قد ابتاع نفسه من سيده بثمن معلوم إلى اجل معلوم وهذا قول تردده السنة الثابتة في قصة بريرة من حديث عائشة وغيرها ان بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا هكذا رواه الليث بن سعد عن بن شهاب عن عروة عن عائشة ان بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا ورواه مالك عن بن شهاب عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة انها قالت جاءتني بريرة فقالت اني كاتبت اهلي على تسع اواق في كل عام اوقية فاعينيني فقالت عائشة ان احب اهلك ان اعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت وفي حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت ان احب اهلك ان اصب لهم ثمنك صبة واحدة واعتقك فعلت فهذا يدل ويبين ان المكاتب عبد جائز بيعه للعتاقة اذا عقدت كتابته ولم يؤد منها شيئا وانه لو كان يعقد كتابته حرا غريما من الغرماء لم يجز بيعه عند اكثر العلماء وسنذكر اختلافهم في جواز بيع المكاتب للعتق قبل ان يعجز وبعد ذلك في موضعه ان شاء الله تعالى فهذا وجه واحد من وجوه اختلاف السلف في حكم المكاتب وقول من اقوالهم وقول ثان انه اذا عجز يعتق منه بقدر ما ادى ويورث ويرث ويؤدي بقدر ما ادى من الكتابة روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي رضي الله عنه وهو حديث يرويه يحيى بن ابي كثير عن عكرمة عن بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يؤدي المكاتب بقدر ما ادى دية حر وبقدر ما رق منه دية عبد هكذا رواه مسندا متصلا عن يحيى بن ابي كثير هشام الدستوائي وعمر بن راشد ومعاوية بن سلام وغيرهم

قال ابو عمر حدثناه سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني إسماعيل بن علية عن هشام الدستوائي عن يحيى بن ابي كثير عن عكرمة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم عكرمة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم روى حماد بن زيد عن ايوب عن عكرمة ان مكاتبا قتل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد ادى بعض كتابته فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يؤدي بما ادى من كتابته دية حر وما بقي دية مملوك لم يذكر فيه بن عباس واما الرواية بذلك عن علي رضي الله عنه فذكر عبد الرزاق ووكيع عن سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن الشعبي عن علي قال يعتق المكاتب بقدر ما ادى ومعمر عن قتادة ان عليا قال في المكاتب يورث بقدر ما ادى ويجلد الحد بقدر ما ادى ويعتق منه بقدر ما ادى وتكون ديته بقدر ما ادى وايوب عن عكرمة ان عليا قال المكاتب يعتق منه بقدر ما ادى فان قيل ان قتادة عن خلاس عن علي والحجاج بن ارطاة عن حصين عن الشعبي عن الحارث عن علي قال اذا عجز المكاتب يستسعى حولين واستوفى به حولين فان دخل في السنة الثانية ولم يؤد نجومه رد في الرق قبل هذا يحتمل ان يكون المكاتب لم يكن ادى من نجومه شيئا فاستوفى به ما ذكر فلما لم يؤد شيئا من نجومه رد في الرق ويشهد لهذا حديث بن شهاب عن عروة عن عائشة ان بريرة جاءت تستعين عائشة في كتابتها ولم تكن قضت من مكاتبتها شيئا وقول ثالث انه اذا ادى شطر كتابته فهو غريم من الغرماء لا يرجع إلى الرق ابدا روى معمر عن عبد الرحمن بن عبد الله عن القاسم بن عبد الرحمن عن جابر بن سمرة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال اذا ادى المكاتب الشطر فلا رق عليه

وقال بن جريج سمعت بن ابي مليكة يقول كتب عبد الملك بن مروان اذا قضى المكاتب شطر كتابته فهو غريم من الغرماء وروى وكيع عن المسعودي عن جابر عن القاسم قال قال عمر اذا ادى المكاتب النصف فلا رد عليه في الرق وقول رابع اذا ادى الثلث فهو غريم ذكر عبد الرزاق ووكيع عن الشعبي عن جابر ان بن مسعود وشريحا كانا يقولان اذا ادى الثلث فهو غريم والثوري عن طارق عن الشعبي قال قال بن مسعود اذا ادى الثلث فهو غريم وقول خامس اذا ادى الثلاثة الارباع وبقي الربع فهو غريم قال بن جريج قلت لعطاء ما الذي اذا بلغه المكاتب من القضاء في كتابته ثم عجز لم يعد عبدا قال ما اعلمه ولا سمعت فيه شيئا قلت لعطاء فما ترى ان بقي الثلث قال فقلت الربع قال نعم ارى اذن ان لا يعود وقول سادس ان المكاتب اذا ادى قيمته فهو غريم ذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن إسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي ان شريحا كان يقول اذا ادى المكاتب قيمته فهو غريم قال الشعبي وكان يقول فيه بقول بن مسعود وعن الثوري عن جابر عن الشعبي ان بن مسعود وشريحا كانا يقولان اذا ادى الثلث فهو غريم قال الثوري واما مغيرة فاخبرني عن ابراهيم ان بن مسعود قال اذا ادى ثمنه فهو غريم قال ابو عمر اختلف عنه بن مسعود فيه من رواية الشعبي ورواية ابراهيم ايضا ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني حفص عن الاعمش عن ابراهيم واشعث وعن الشعبي قالا قال عبد الله اذا ادى المكاتب ثلث كتابته فهو غريم

وقد تقدم من رواية المغيرة عن ابراهيم ان بن مسعود قال اذا ادى ثمنه فهو غريم وقول سابع ان المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وما بقي عليه شيء روي ذلك عن بن عمر من وجوه وعن زيد بن ثابت وعائشة وام سلمة لم يختلف عنهم في ذلك ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا الثوري قال اخبرنا طارق بن عبد الرحمن عن الشعبي قال وقال زيد بن ثابت المكاتب عبد بقي عليه درهم ووكيع عن إسماعيل عن الشعبي عن سفيان بن ابي نجيح عن مجاهد جميعا عن زيد بن ثابت مثله وعن معمر عن عبد الكريم الجزري عن ميمون بن مهران عن عائشة انها قالت لمكاتب من اهل الجزيرة يقال له حمران ادخل علي ولو بقي عليك عشرة دراهم وعن معمر عن يحيى بن ابي كثير عن سالم مولى دوس قال قالت لي عائشة انت عبد ما بقي عليك من كتابتك شيء وعن معمر عن قتادة ان عائشة قالت هو عبد ما بقي عليه درهم وعن معمر عن يحيى بن ابي كثير عن مسلم بن جندب عن بن عمر انه قال عبد ما بقي عليه درهم وهو قول سعيد بن المسيب وجمهور فقهاء المدينة وقول الشعبي وابراهيم وبن شهاب الزهري والحكم والحارث العكلي وقتادة وعمر بن عبد العزيز وبه قال جماعة اهل الفتوى بالامصار مالك وعبد العزيز والليث والثوري والاوزاعي وابو حنيفة والشافعي واصحابه واحمد واسحاق قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني هارون بن عبد الله قال حدثني ابو بدر قال حدثني ابو عتبة قال حدثني سليمان عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المكاتب عبد ما بقي عليه درهم

قال ابو عمر ابو عتبة هو عندي هو عندي إسماعيل بن عياش وسليمان هو سليمان بن موسى الاشدق والله اعلم واما ابو بدر هو شجاع بن الوليد السكوني قال ابو داود وحدثني محمد بن المثنى قال حدثني عبد الصمد قال حدثني همام قال حدثني عباس الجريري عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ايما عبد كاتب على مائة اوقية فاداها الا عشر اواق فهو عبد وايما عبد كاتب على مائة دينار فاداها الا عشرة دنانير فهو عبد وهكذا رواه حجاج بن ارطاه عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي في معنى قوله هو ما بقي عليه شيء كما قال عز وجل ومن اهل الكتاب من ان تامنه بقنطار يوده اليك ومنهم من ان تامنه بدينار لا يوده اليك ال عمران اراد القليل بذكر الدينار بعد ذكره القنطار واراد الكثير بذكره القنطار ولم يرد الدينار بعينه خاصة ولا القنطار بعينه خاصة ومثل هذا ما روي منقطعا عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كاتب مكاتبا على مائة فقضاها كلها الا عشرة دراهم فهو عبد او على مائة اوقية فقضاها كلها الا اوقية فهو عبد رواه بن جريج عن عطاء الخرساني عن عبد الله بن عمرو بن العاص واما ما رواه عكرمة بن عمار عن يحيى بن ابي كثير عن بن عباس قال اذا بقي على المكاتب خمس اواق او خمس ذود او خمسة اوسق فهو تحريم فخطا لا يعرج عليه وانما الحديث ليحيى بن ابي كثير عن عكرمة عن بن عباس مرفوعا يعتق من المكاتب بقدر ما ادى على ما قد ذكرناه عنه وعكرمة بن عمار لا يحتج به وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان المكاتب عبد ما بقي عليه شيء خلاف ما تقدم عنه ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني ابو خالد الاحمر عن بن ابي عروبة عن

قتادة عن معبد الجهني عن عمر قال المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وهذا الإسناد خير من الاسناد عنه بان المكاتب اذا ادى الشطر فلا رق عليه وروي عن عثمان رضي الله عنه ايضا ذكره ابو بكر قال حدثني يزيد بن هارون عن عباد بن منصور عن حماد بن ابراهيم عن عثمان قال هو عبد ما بقي عليه درهم وهذا اولى ما قيل به في هذا الباب والله الموفق للصواب قال مالك فان هلك المكاتب وترك مالا اكثر مما بقي عليه من كتابته وله ولد ولدوا في كتابته او كاتب عليهم ورثوا ما بقي من المال بعد قضاء كتابته قال ابو عمر في هذه المسالة للعلماء ثلاثة اقوال احدها ما قاله مالك لانه ولده الذين كاتب عليهم او ولدوا في كتابته حكمهم كحكمه وعليهم السعي فيما بقي من كتابته لو لم يتخلفوا مالا ولا يعتقون الا بعتقه ولو ادى عنهم ما رجع عليهم بذلك لانهم يعتقون عليه فهو اولى بميراثه لانهم مساوون له في جميع حاله والقول الثاني انه يؤدى عنه من ماله جميع كتابته وجعل كانه مات حرا ويرثه جميع ولده وسواء في ذلك من كان حرا قبل موته من ولده ومن كاتب عليهم او ولدوا في كتابته لانهم قد استووا في الحرية كلهم حين تادت عنه كتابته روي هذا القول عن علي وبن مسعود رضي الله عنهما ومن التابعين عن عطاء والحسن وطاوس وابراهيم وبه قال فقهاء الكوفة الثوري وابو حنيفة واصحابه والحسن بن صالح بن حي واليه ذهب إسحاق والقول الثالث ان المكاتب اذا مات قبل ان يؤدي جميع كتابته فقد مات عبدا وكل ما يخلفه من المال لسيده فلا يرثه احد من اولاده لا الاحرار ولا الذين ولدوا معه في كتابته لانه لما مات قبل ان يؤدي جميع كتابته فقد مات عبدا وماله لسيده ولا يصح عتقه بعد موته لانه محال ان يعتق عبد بعد موته وعلى ولده الذين كاتب عليهم او ولدوا في كتابته ان يسعوا في باقي الكتابة ويسقط عنهم منها

مقدار حصته فان ادوا عتقوا لانهم كانوا فيها تبعا لابيهم وان لم يؤدوا ذلك رقوا هذا قول الشافعي وبه قال احمد بن حنبل وهو قول عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وعمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة قال ابو عمر على قول مالك يموت المكاتب في هذه المسألة مكاتبا على قول الكوفي يموت حرا وعلى قول الشافعي يموت عبدا مالك عن حميد بن قيس المكي ان مكاتبا كان لابن المتوكل هلك بمكة وترك عليه بقية من كتابته وديونا للناس وترك ابنته فأشكل على عامل مكة القضاء فيه فكتب إلى عبد الملك بن مروان يساله عن ذلك فكتب إليه عبد الملك ان ابدأ بديون الناس ثم اقض ما بقي من كتابته ثم اقسم ما بقي من ماله بين ابنته ومولاه قال ابو عمر قد جهل بعض من الف في الحجة لمالك من اصحابنا او تجاهل فقال ان مالكا يقول بهذا الخبر الذي ذكره عن عبد الملك بن مروان وان ابنة هذا المكاتب كانت معه في كتابته ولهذا ورثها منه فان لم يكن هذا جهلا فهو قبيح من التجاهل لان الخبر محفوظ من وجوه ان ابنته كانت حرة ومالك لا يقول بذلك ولا ياخذ بحديث عبد الملك هذا وقد احتج محمد بن الحسن بحديث مالك هذا عن حميد بن قيس على من قال بقول مالك في ان المكاتب لا يرثه ورثته الاحرار اذا مات قبل العتق وانما يرثه من معه من ورثته في كتابته قال حدثني مالك عن حميد بن قيس ان مكاتبا كان لابن المتوكل فذكره وقال بن وهب كيف ترك اهل المدينة ما روى مالك فقيه اهل المدينة في زمانه وهو عندنا الصواب قال ابو عمر ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سمعت بن ابي مليكة يذكر ان عبادا مولى بن المتوكل مات مكاتبا وقد قضى النصف من كتابته وترك مالا كثيرا وابنة له حرة كانت امها حرة فكتب عبد الملك ان يقضي ما بقي من كتابته وما بقي من ماله بين ابنته ومواليه

قال بن جريج وقال لي عمرو بن دينار ما اراه كله الا لابنته قال ابو عمر ذهب عمرو بن دينار في ذلك إلى الرد على الابنة لان المولى لا يرث مع البنين ولا مع البنات ولا مع احد من العصبات عند اهل الرد من اهل الفرائض وهذا القضاء الذي قضى به عبد الملك وقد تقدمه إليه معاوية ذكر معمر عن قتادة عن معبد الجهني قال سالني عبد الملك بن مروان عن المكاتب يموت وله ولد احرار وترك من المال اكثر مما بقي عليه فقلت له فيها قضى عمر ومعاوية بقضاءين وعمر خير من معاوية وقضاء معاوية احب الي من قضاء عمر قال ولم قال قلت لان داود كان خيرا من سليمان وفهمها سليمان قضى عمر ان ماله كله لسيده وقضى معاوية ان سيده يعطى بقية كتابته ثم ما بقي فهو لولده الاحرار ومعمر عن إسماعيل ابي المقدام انه سمع عكرمة يحدث ان معاوية قضى بذلك وروى الثوري عن طارق عن الشعبي ان زيد بن ثابت قال المال كله لسيده قال مالك الامر عندنا انه ليس على سيد العبد ان يكاتبه اذا ساله ذلك ولم اسمع ان احدا من الائمة اكره رجلا على ان يكاتب عبده وقد سمعت بعض اهل العلم اذا سئل عن ذلك فقيل له ان الله تبارك وتعالى يقول فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا النور يتلو هاتين الايتين واذا حللتم فاصطادوا المائدة فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله الجمعة قال مالك وانما ذلك امر اذن الله عز وجل فيه للناس وليس بواجب عليهم قال ابو عمر اختلف العلماء في وجوب الكتابة على السيد لعبد اذا ابتاعها منه وفيه خير واختلفوا ايضا في قوله عز وجل ان علمتم فيهم خيرا النور فقالت طائفة الخير المال والغنى والاداء وقال اخرون الصلاح والدين

وقال اخرون الخير ها هنا حرفة يقوى بها على الاكتساب وكرهوا ان يكاتبوا من لا حرفة له فيبعثه عدم حرفته على السؤال وقال اخرون الدين والامانة والقوة على الاداء وقال اخرون الصدق والقوة على طلب الرزق قاله مجاهد وعطاء قال عطاء هو مثل قوله تعالى وانه لحب الخير لشديد العاديات و ان ترك خيرا الوصية البقرة قال بن جريج قلت لعطاء ارايت ان لم اعلم عنده مالا وهو رجل صدق قال ما احسب خيرا الا المال وقاله مجاهد وقال عمرو بن دينار هو كل ذلك المال والصلاح وقال طاوس المال والامانة وقال الحسن واخوه سعيد والضحاك وابو رزين وزيد بن اسلم وعبد الكريم الخير المال وقال سفيان الدين والامانة وقال الشافعي اذا جمع القوة على الاكتساب والامانة وروى معمر عن ايوب عن بن سيرين عن عبيدة في قوله تعالى فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا النور قال ان علمتم عندهم امانة والثوري عن مغيرة عن ابراهيم قال صدقا ووفاء قال ابو عمر من لم يقل ان الخير هنا المال انكر ان يقال ان علمتم فيهم خيرا النور مالا قال ويقال علمت فيه الخير والصلاح والامانة ولا يقال علمت فيه المال وانما يقال علمت عنده المال ومن قال ان مال المكاتب لسيده اذا عقدت كتابته فلا يكون الخير عنده الا القوة على الكسب والتحرف ومن كره ان يكاتب من لا حرفة له ولا قوة على الاكتساب احتج بما رواه يحيى القطان عن ثور بن يزيد عن يونس بن سيف عن حكيم بن حزام قال

كتب عمر بن الخطاب إلى عمير بن سعد اما بعد فانه من قبلك من المسلمين ان يكاتبوا ارقاءهم على مسالة الناس وسفيان عن عبد الكريم الجزري عن نافع عن بن عمر انه كان يكره ان يكاتب غلامه اذا لم يكن له حرفة ويقول تامروني ان اكل اوساخ الناس وروى وكيع عن سفيان عن ابي جعفر الفراء عن بن ابي ليلى الكندي ان سلمان اراد ان يكاتب عبده فقال من اين قال اسال الناس قال اتريد ان تطعمني اوساخ الناس وابى ان يكاتبه قال ابو عمر هذا تنزه واختيار والله اعلم وقد كوتبت بريرة ولا حرفة لها وبدات بسؤال الناس من حين كوتبت وتذبذب الناس إلى عون المكاتب لما فيه من عتق الرقاب وروى الثوري عن ابي جعفر الفراء عن جعفر بن ابي سروان عن ابي التياح مؤذن علي قال قلت لعلي اكاتب وليس لي مال قال نعم ثم حصن الناس علي فأعطيت ما فضل عن كتابتي فأتيت عليا فقال اجعلها في الرقاب واما اختلاف اهل العلم في معنى قوله تعالى فكاتبوهم النور فهل هي على الوجوب او على الندب والارشاد فان مسروق بن الاجدع وعطاء بن ابي رباح وعمرو بن دينار والضحاك بن مزاحم وجماعة اهل الظاهر كانوا يقولون واجب على كل من سأله مملوكه وعلم عنده خيرا ان يعقد له كتابته مما يتراضيان به واحتجوا بأن عمر بن الخطاب اجبر انس بن مالك على كتابة لعبده سيرين ابي محمد بن سيرين بالدرة وروى قتادة وموسى بن انس بن مالك ان سيرين والد محمد بن سيرين سأله الكتابة وكان كثير المال فأبى فانطلق إلى عمر فقال عمر لانس كاتبه فأبى فضربه بالدرة وتلا فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا النور فكاتبه انس وقد قيل ان عمر رفع الدرة على انس لانه ابى ان يأتيه شيئا من كتابته لا على عقد الكتابة اولا وقال بن جريج قلت لعطاء واجب على اذا علمت له مالا ان اكاتبه فقال ما اراه الا واجبا وقالها عمرو بن دينار وقال مالك والشافعي وابو حنيفة واصحابهم والثوري وهو قول الحسن

والشعبي ليس على السيد ان يكاتب عبده اذا سأله ذلك وان كان ذا مال الا ان يريد السيد قال ابو عمر قد ينعقد الاجماع بأنه لو سأله ان يبيعه من غيره لم يلزمه ذلك وكذلك مكاتبته لانه لا يبيع له من نفسه وكذلك لو قال له اعتقني او دبرني او زوجني لم يلزمه ذلك باجماع فكذلك الكتابة لانها معاوضة لا تصح الا عن تراض وقوله عز وجل فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا النور مثل قوله وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم النور وذلك كله ندب وارشاد واذن كما قال مالك وقاله زيد بن اسلم وقاله إسحاق اذا اجتمع في العبد الامانة والمال وسأل سيده ان يكاتبه لم يسعه الا مكاتبته ولا يجبره الحاكم على ذلك واخشى ان يأثم ان لم يفعل وقد انكر جماعة من اهل العلم على من جعل قوله عز وجل فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا النور مثل قوله واذا حللتم فاصطادوا المائدة وقوله فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض الجمعة وهذان الامران ورد كل واحد منهما بعد حظر ومنع فكان معناهما الاباحة والخروج من ذلك الحظر لانه عز وجل قال لا تقتلوا الصيد وانتم حرم المائدة وقال تعالى وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما المائدة فمنعهم من الصيد ما داموا محرمين ثم قال لهم واذا حللتم فاصطادوا المائدة فعلم ان معنى هذا الامر الاباحة لما حظر عليهم من الصيد ومنعوا منه لا ايجاب الاصطياد وكذلك منعوا من التصرف والاشتغال بكل ما يمنع من السعي إلى الجمعة اذا نودي لها وامروا بالسعي لها ثم قال لهم فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض الجمعة فعلم اهل اللسان ان معنى الامر بالانتشار في الارض اباحة لمن شاء واجمع على ذلك اهل العلم وفهموه من معنى كتاب ربهم فقالوا لا بأس بترك الصيد لمن حل من احرامه ولا بأس بالقعود في المسجد الجامع لمن قضى صلاة الجمعة واما الامر بالكتابة لمن ابتغاها من العبيد فلم يتقدم نهي من الله عز وجل بأن لا يكاتبوا فيكون الامر اباحة بالصيد والانتشار في الارض

وقد زعم بعض اصحابنا ان قول الله تعالى لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم النساء تقتضي النهي عن الكتابة لان مال العبد لسيده أخذه منه كما له ان يؤاجره يقال فلو لم يؤذنوا لنا في الكتابة لكنا ممتنعين منها بالاية التي ذكرنا قال ولولا قوله عز وجل فكاتبوهم النور ما جازت الكتابة قال مالك وسمعت بعض اهل العلم يقول في قول الله تبارك وتعالى وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم النور ان ذلك ان يكاتب الرجل غلامة ثم يضع عنه من اخر كتابته شيئا مسمى قال مالك فهذا الذي سمعت من اهل العلم وادركت عمل الناس على ذلك عندنا قال مالك وقد بلغني ان عبد الله بن عمر كاتب غلاما له على خمسة وثلاثين الف درهم ثم وضع عنه من اخر كتابته خمسة الاف درهم قال ابو عمر قد اختلف العلماء ايضا في معنى قوله تعالى وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم النور فقال بعضهم ذلك على الايجاب على السيد وقال اخرون ذلك على الندب هذا قول مالك واصحابه وقول ابي حنيفة واصحابه قالوا هذا على الندب والحض على الخير الا انه عند مالك اصل وهو مع ذلك لا يقضي به ولا يجب عليه وقال اخرون لم يرد بذلك السيد وانما اريد بذلك جماعة الناس ندبوا إلى عون المكاتبين فأما اهل الظاهر فالكتابة عندهم اذا سألها العبد واجبة والايتاء لهم من السيد واجب يضع عنه من كتابته ما شاء وقال الشافعي واجب عليه ان يضع عنه من كتابته ما شاء ويجبره الحاكم على ذلك ولم يجد في ذلك شيئا وهو لا يرى الكتابة لغيره اذا سأله اياها واجبة لقيام الدليل عنده على ذلك ولم يكن الايتاء عند ذلك لانه امر لا يعترضه اصل وراى ان عطف الواجب على الندب في القران ولسان العرب كما قال الله تعالى ان الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذى القربى النحل وما كان مثل هذا وقال مالك يندب السيد إلى ان يضع عنه من الكتابة شيئا في اخر كتابته من

غير ان يجبر على ذلك ولم يحد ايضا في ذلك حدا واستحب ان يكون ذلك ربع الكتاب وكذلك استحب ذلك الشافعي الا انه يوجب الايتاء ومالك يندب إليه وقول مالك اصح لان الواجب لا تكون الا معلومة ولانه قد اجمعوا ان الكتابة لا تكون الا على شيء معلوم فلو ان الوضع منها يكون واجبا مجهولا لال ذلك الى جهل مبلغ الكتابة واما استحبابهم ان يكون الوضع ربع الكتابة فانه روي ذلك عن علي رضي الله عنه ورواه بعض الرواة مرفوعا إلى النبي والصحيح انه موقوف على علي من قوله ومن المرفوع فيه ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثني محمد بن الربيع قال حدثني ابراهيم بن غالب قال حدثني محمد بن الربيع بن سليمان الازدي قال حدثني يوسف بن سعيد بن مسلم قال حدثني حجاج عن بن جريج عن عطاء بن السائب عن ابي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه عن النبي وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم النور قال ربع الكتابة وبه عن بن جريج وعطاء بن السائب عن حبيب بن السائب عن عاصم بن ضمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى عبد الرزاق عن بن جريج الحديثين جميعا هكذا مرفوعين وقال بن جريج واخبرني غير واحد عن عطاء بن السائب انه كان يحدث بهذا الحديث لا يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم قال ابو عمر عطاء بن السائب تغير في اخر عمره فيما ذكر اهل العلم بالنقل فأتى منه مثل هذا وسماع بن جريج منه احرى وقد رواه عنهم اهل العلم بالنقل والجماعة مرفوعا فمن رواه عن عطاء عن ابي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه من قوله سفيان وشعبة ومعمر وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والمسعودي وبن علية والمحاربي ومحمد بن فضل عن عطاء عن ابي عبد الرحمن عن علي موقوفا وكذلك رواه الثوري ايضا وقيس بن الربيع وليث بن ابي سلمة عن عبد الاعلى بن ابي عبد الرحمن قال شهدت عليا رضي الله عنه كاتب عبدا له على اربعة الاف فحط عنه الفا في اخر نجومه قال وسمعت عليا يقول وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم النور الربع مما تكاتبوهم عليه

وروى يزيد بن هارون عن عبد الملك بن سليمان عن عبد الملك بن اعين عن ابي عبد الرحمن السلمي كاتب غلاما له على اربعة الاف فحط عنه الفا وقال لولا ان عليا فعل ذلك ما فعلته وقال مجاهد يترك له طائفة من كتابته وكان بن عمر يكره ان يضع عنه في اول نجومه مخافة ان يعجز وروي عن بن عباس يوضع عنه شيء ما كان وقال احمد بن حنبل يعطى مما كوتب عليه الربع لقول الله تعالى وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم النور وروي عن ابي اليسر كعب بن عمرو انه وضع عن مكاتبه السدس وعن ابي اسيد الساعدي مثله وقال قتادة يوضع عنه العشر قال ابو عمر تأول من ذهب هذا المذهب في ان على السيد ان يحط عن مكاتبه من مكاتبته في اخر نجومه او في سائرها او يعطيه من عند نفسه مما صار إليه منه من راى ذلك ندبا ومن راه واجبا قول الله تعالى وءاتوهم من مال الله الذي آتاكم النور منهم واما الذين ذهبوا إلى ان ذلك لم يخاطب به سادات المكاتبين وانما خوطب به سائر الناس في عون المكاتبين فمنهم بريدة الاسلمي رواه الحسن بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن ابيه في قوله تعالى وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم النور قال حث الناس على ان يعينوا المكاتب وعن مجاهد مثله وعن الحسن قال حضوا على ان يعطوا المكاتب والمولى منهم عن ابراهيم مسألة وقال البطي انما اعين به الناس ليتصدقوا على المكاتبين عن زيد بن اسلم امر بذلك الولاة ليعطوهم من الزكاة قال مالك الامر عندنا ان المكاتب اذا كاتبه سيده تبعه ماله ولم يتبعه ولده الا ان يشترطهم في كتابته

قال ابو عمر انما قال ذلك قياسا على العتق لان مذهبه ومذهب جماعة اهل المدينة ان العبد اذا عتق تبعه ماله وفي الكتابة عقد من الحرية وسنذكر وجوه الاقوال في ذلك في كتاب العتق ان شاء الله عز وجل وممن قال ان للمكاتب ماله اذا عقدت كتابته عطاء بن ابي رباح والحسن البصري وعمرو بن دينار وسليمان بن موسى وبن ابي ليلى وقال سفيان الثوري وابو حنيفة والشافعي والحسن بن صالح كل ما بيد العبد اذا كوتب من المال فهو لسيده وقال الاوزاعي ان لم يشترطه السيد فهو للمكاتب وان استثناه السيد فهو له واما قوله ولم يتبعه ولده فان المعنى فيه ان ولده ليسوا بمال بيده ولا ملك له وانما هم عبيد سيده فلا يدخلون في الكتابة الا بالشرط وهذا لا اعلم فيه خلافا ان اولاده عبيد السيد ليسوا تبعا له عند عقد كتابته انما يكون تبعا له اذا تسرى وهو مكاتب ثم ولد له من سريته وهؤلاء يدخلون معه بلا شرط ولو ولدوا له من سريته قبل الكتابة لم يدخلوا في كتابته الا ان يدخلهم بالشرط مع نفسه في كتابته فهذا مذهب جمهور العلماء من اهل الحجاز والعراق ذكر علي بن المديني وابو بكر بن ابي شيبة عن ابي معاوية عن الاعمش عن ابراهيم في رجل كاتب غلامه ثم اطلقه بعد الكتابة على سرية او ولد فقال ابراهيم السرية ما كانت عليه والولد وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء انه قال له رجل كاتب عبده فكتمه ماله رقيقا او عينا او غير ذلك وولده فقال ماله كله للعبد وولده لسيده وقالها عمرو بن دينار وسليمان بن موسى قلت لعطاء فلم تختلفان قال من اجل الولد ليس مثل ماله وروى حماد بن سلمة عن حماد الكوفي وداود بن ابي هند وعثمان البتي وحميد قالوا اذا اعتق الرجل عبده وله مال او ولد فماله له وولده مملوكون وروى الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول في رجل كاتب عبدا وله ام ولد لم يستثنها قال ام ولده له

قال ابو عمر كل من يجيز له التسري فالسرية عنده مال من ماله وقد روى معمر عن قتادة عن الحسن في رجل كاتب عبدا له وله ولد من امته ولم يعلم بهم السيد وام الولد في كتابته قال انما كاتب على اهله وماله وولده من ماله ولا نعلم ماله غيره والله اعلم قال مالك في المكاتب يكاتبه سيده وله جارية بها حبل منه لم يعلم به هو ولا سيده يوم كتابته فانه لا يتبعه ذلك الولد لانه لم يكن دخل في كتابته وهو لسيده فاما الجارية فانها للمكاتب لانها من ماله قال ابو عمر هذا على ما قدمنا من اصله ان ولد المكاتب لا يدخل في الكتابة الا ان يكاتب عليه ويشترط في كتابته والحمل كالمولود اذا خرج إلى الدنيا واعتبر ذلك بالميراث قال مالك في رجل ورث مكاتبا من امراته هو وابنها ان المكاتب ان مات قبل ان يقضي كتابته اقتسما ميراثه على كتاب الله وان ادى كتابته ثم مات فميراثه لابن المراة وليس للزوج من ميراثه شيء قال ابو عمر هذا لانه اذا مات قبل ان يؤدي مات عبدا فورثه عنهما ورثتها وهم ابنها وزوجها كسائر مالها واما اذا ادى كتابته وقد لحق بأحرار المسلمين ولاؤه لسيدته إلى عقده كتابته وعنها يورث إلى ولائه فان مات لم يرث ولاءه الا عصبة سيدته دون ذوي الفروض من ورثتها وعلى هذا جمهور الفقهاء وسيأتي هذا المعنى في باب الولاء ان شاء الله تعالى قال مالك في المكاتب يكاتب عبده قال ينظر في ذلك فان كان انما اراد المحاباة لعبده وعرف ذلك منه بالتخفيف عنه فلا يجوز ذلك وان كان انما كاتبه على وجه الرغبة وطلب المال وابتغاء الفضل والعون على كتابته فذلك جائز له قال ابو عمر كتابة المكاتب لعبده جائزة عند مالك ما لم يرد بها المحاباة لانه ليس يجوز له في ماله امر يتلف به شيء منه دون عوض وانما يقدم منه على نفسه بالمعروف حتى يؤدي فيعتق واجاز كتابه المكاتب لعبده سفيان الثوري وابو حنيفة واصحابه

والاوزاعي لانها عقد معاوضة وطلب فضل وان عجز كان رقيقا بحاله وللشافعي فيها قولان أحدهما جوازها والثاني ابطالها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال الولاء لمن اعتق ولا ولاء للمكاتب قال مالك في رجل وطى ء مكاتبة له انها إن حملت فهي بالخيار ان شاءت كانت ام ولد وان شاءت قرت على كتابتها فان لم تحمل فهي على كتابتها قال ابو عمر عند غير يحيى في هذا الموضع قال مالك لا ينبغي ان يطأ الرجل مكاتبته فان جهل ووطى ء ثم ذكر المسألة هذه بعينها ولا خلاف في ذلك عند مالك واصحابه وهو قول جمهور الفقهاء ائمة الفتوى وقد كان سعيد بن المسيب يجيز للرجل ان يشترط على مكاتبته وطأها وتابعه احمد بن حنبل وداود لانها ملكه يشترط فيها ما شاء قبل العتق قياسا على المدبرة وحجة سائر الفقهاء انه وطء تقع الفرقة فيه إلى اجل ات لا محالة فأشبه نكاح المتعة وممن قال ذلك الحسن البصري وبن شهاب وقتادة والثوري ومالك والاوزاعي وابو حنيفة والشافعي والليث بن سعد وابو سعيد وابو الزناد والحسن بن صالح بن حي واختلف فيها عن إسحاق فروي عنه مثل قول احمد وروي عنه مثل قول الجماعة واجمعوا انه اذا عجزت حل له وطؤها فأما الرواية عن سعيد فذكر احمد بن حنبل قال حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثني ابي قال حدثني يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب انه كان لا يرى بأسا ان يشترط على مكاتبته ان يغشاها حتى تؤدي كتابته واختلفوا فيما عليها اذا وطئها فقال يحيى بن سعيد وابو الزناد ان طاوعته فلا شيء لها وان استكرهها جلد وغرم لها صداق مثلها فان حملت كانت ام ولد وبطلت كتابتها وقال سفيان الثوري ومالك وابو حنيفة والحسن بن صالح والشافعي لا

حد عليه ان وطئها كارهة أو مطاوعة الا ان الشافعي قال ان كان جاهلا عزر وان كان عالما عذر وقال مالك ان استكرهها عوقب لاستكراهه اياها وقال الحسن والزهري من وطى ء مكاتبته فعليه الحد وقال الاوزاعي يجلد مائة جلدة بكرا كان او ثيبا وتجلد الامة خمسين جلدة وقال قتادة يجلد مائة الا سوطا وقال احمد بن حنبل ان وطى ء مكاتبته ولم يشترط ادب وكان لها عليه مهر مثلها قال ابو عمر الصواب ما قاله مالك ومن تابعة لان كونها مملوكة ما بقي عليها شيء من كتابتها شبهة تدرا بها الحد عنها واما الصداق فأوجبه لها من اسقط الحد سفيان وابو حنيفة والشافعي واوجبه لها الحسن البصري وقتادة وهو ممن يرى الحد على سيدها في وطئها وقال ابو حنيفة هذا خطأ لا يجتمع عليه حد وصداق ابدا واما قول مالك في تخييرها اذا حملت ان شاءت كانت ام ولد وان شاءت مضت على كتابتها فهو قول الليث والثوري والشافعي وابي حنيفة واصحابه واحمد وروي ذلك عن الزهري وقال الحكم بن عتيبة تبطل كتابتها اذا حملت وتعتق بموت السيد ولا خيار لها قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في العبد يكون بين الرجلين ان احدهما لا يكاتب نصيبه منه اذن له بذلك صاحبه او لم يأذن الا ان يكاتباه جميعا لان ذلك يعقد له عتقا ويصير اذا ادى العبد ما كوتب عليه إلى ان يعتق نصفه ولا يكون على الذي كاتب بعضه ان يستتم عتقه فذلك خلاف ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل قال مالك فان جهل ذلك حتى يؤدي المكاتب او قبل ان يؤدي رد إليه

الذي كاتبه ما قبض من المكاتب فاقتسمه هو وشريكه على قدر حصصهما وبطلت كتابته وكان عبدا لهما على حاله الاولى قال ابو عمر احتج مالك رحمه الله لمذهبه في هذه المسأله بما فيه كفاية واما اختلاف الفقهاء فيها فان الشافعي اختلف قوله في كتابة احد الشريكين حصته من عبد بينهما باذن شريكه وذكر المزني عن الشافعي قال لا يجوز ان يكاتب احد بعض عبد الا ان يكون باقية حرا ولا يجوز ان يعتق بعضا من عبد بينه وبين شريكه وان كان من اذن الشريك لان المكاتب لا يمنع من السعي والاكتساب قال ولا يجوز ان يكاتباه معا حتى يكونا فيه سواء قال ابو عمر وافق مالكا من هذه الجملة في انه لا يكاتب عبدا بينه وبين شريكه باذن الشريك ولا بغير اذنه قال المزني وقال في كتاب الاملاء على محمد بن الحسن واذا اذن احدهما لصاحبه ان يكاتبه فالكتابة جائزة وللذي يكاتبه ان يحتدمه يوما ويخليه والكسب يوما فان ابراه مما عليه كان نصيبه حرا وقوم عليه الباقي وعتق إن كان موسرا ورق ان كان معسرا واختار المزني القول الاول لقول الشافعي في موضع اخر لو كانت كتابتها فيه سواء فعجزه احدهما وانظره الاخر فسخت الكتابة بعد ثبوتها حتى يجتمعا على الاقامة عليها قال المزني فالابتداء بذلك اولى قال المزني ولا يخلوا ان تكون كتابه نصيبه كبيعه اياه فلا معنى لاذن شريكه وذكر الطحاوي ان ابا حنيفة كان يقول اذا كاتب نصيبه من العبد باذن شريكه كانت الكتابة جائزة وكان ما اداه المكاتب إلى الذي كاتبه يرجع فيه الذي لم يكاتب على الذي كاتب فيأخذ منه نصفه ثم يرجع الذي كاتب بذلك على المكاتب فيسأله فيه قال ومن كاتب عبدا له بينه وبين اخرين وكاتب نصفه بغير اذن شريكه كان لشريكه ابطال ذلك ما لم يرد العبد إلى مولاه الذي كاتبه ما كاتبه عليه فان لم يبطل المولى الذي لم يكاتبه المكاتبه حتى اداها العبد إلى الذي كاتبه عليها فانه قد عتق نصيبه بذلك وكان ابو حنيفة يقول ان كاتب المكاتبة وقعت على العبد كله كان للذي لم

يكاتبه ان يرجع على الذي كاتبه بنصف ما قبض من العبد فأخذه منه ثم يرجع حكم العبد إلى حكم عبد بين رجلين اعتقه احدهما ولا يرجع المولى الذي كاتب على المكاتب بشيء من ما اخذه منه شريكه قال وان كانت المكاتبة وقعت على نصيبه من العبد كان الجواب كذلك ايضا غير انه يكون للمكاتب ان يرجع على العبد بما اخذه منه شريكه فيستسعيه فيه وقال ابو يوسف ومحمد سواء كانت المكاتبة وقعت من السيد على كل العبد او على نصيبه من العبد وهو كما قال ابو حنيفة فيها اذا وقعت على العبد وذكر الخرقي عن احمد بن حنبل قال واذا كاتب نصف عبد فأدى ما كوتب عليه ومثله لسيده الذي لم يكاتبه كان نصفه حرا بالكتابة ان كان الذي كاتبه معسرا وان كان موسرا اعتق كله وكانت نصف قيمته على الذي كاتب لشريكه هذا يدل على ان مذهبه جواز الكتابة لاحد الشريكين في نصيبه باذن شريكه وتغيير اذنه وذكر إسحاق بن منصور قال قيل لاحمد بن حنبل ان سفيان سئل عن عبد بين رجلين كاتب احدهما نصيبه منه قال اكره ذلك قيل فان فعل قال ارده الا يكون نفذه فان كان نفذه ضمن فأخذ شريكه نصف ما في يده يبيع هذا المكاتب بما اخذه منه ويضمن لشريكه نصف القيمة ان كانت له مال وان لم يكن له مال استسعى العبد فقال احمد كتابته جائزة الا ما كسب المكاتب اخذ الاخر نصف ما كسب واستسعى العبد قال إسحاق هو كما قال احمد لانا نلزم السعاية العبد اذا كان بين اثنين فكاتبه احدهما فلم يؤد إليه كل ما كاتبه عليه حتى اعتق الاخر نصيبه وهو موسر وقد صار العبد كله حرا ويرجع الشريك على المعتق بنصف قيمته قال ابو عمر هذا على اصل احمد في اجازته بيع المكاتب وكان الحكم بن عتيبة يجيز كتابة احد الشريكين حصته باذن شريكه وبغير اذنه وهو قول بن ابي ليلى وقال بن ابي ليلى ولو ان الشريك الذي لم يكاتب اعتق العبد كان عتقة باطلا حتى ينظر ما تؤول إليه حال المكاتب فان ادى الكتابة عتق وضمن الذي كاتبه نصف قيمته لشريكه وكان الولاء كله له قال مالك في مكاتب بين رجلين فأنظره احدهما بحقه الذي عليه وابي

الاخر ان ينظره فاقتضى الذي ابى ان ينظره بعض حقه ثم مات المكاتب وترك مالا ليس فيه وفاء من كتابته قال مالك يتحاصان بقدر ما بقي لهما عليه يأخذ كل واحد منهما بقدر حصته فان ترك المكاتب فضلا عن كتابته اخذ كل واحد منهما ما بقي من الكتابة وكان ما بقي بينهما بالسواء فان عجز المكاتب وقد اقتضى الذي لم ينظره اكثر مما اقتضى صاحبه كان العبد بينهما نصفين ولا يرد على صاحبه فضل صاحبه فضل ما اقتضى لانه انما اقتضى الذي له باذن صاحبه وان وضع عنه احدهما الذي له ثم اقتضى صاحبه بعض الذي له عليه ثم عجز فهو بينهما ولا يرد الذي اقتضى على صاحبه شيئا لانه انما اقتضى الذي له عليه وذلك بمنزلة الدين للرجلين بكتاب واحد على رجل واحد فينظره احدهما ويشح الاخر فيقتضي بعض حقه ثم يفلس الغريم على الذي اقتضى ان يرد شيئا مما اخذ قال الشافعي لو اذن احدهما لشريكه ان يقبض نصيبه فقبضه ثم عجز ففيها قولان احدهما يعتق نصيبه ولا يرجع عليه شريكه ويقوم عليه الباقي ان كان موسرا وان كان معسرا فجميع ما في يده للذي يبقى له فيه الرق لانه يأخذه بما بقي له من الكتابة فان كان فيه وفاء عتق والا عجز بالباقي وان مات بعد العجز فما في يديه بينهما نصفان يرث احدهما بقدر الحرية والاخر قدر العبودية والقول الثاني لا يعتق ويكون لشريكه ان يرجع عليه فيشركه فيما قبض لانه اذن له وهو لا يملكه قال المزني هذا اشبه بقوله اذا المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وما في يديه موقوف ما بقي عليه درهم فليس معناه فيما اذن له بقبضه الا بمعنى استبقي بقبض النصف حتى استوفى مثله فليس يستحق بالسبق ما ليس له وروى الربيع عن الشافعي في هذه المسأله قال فاذا كان المكاتب بين اثنين فأذن احدهما لصاحبه بأن يقبض فقبضه منه ثم عجز المكاتب بأولها فسواء ولهما ما في يديه من المال نصفين ان لم يكن استوفى المأذون له جميع حقه من المكاتبة فلو كان المأذون له استوفى جميع حقه من الكتابة ففيها قولان فمن قال يجوز ذلك ما قبض ولا يكون لشريكه ان يرجع فلشريكه قبضين شريكه منه حر

يقوم عليه ان كان موسرا وان كان معسرا فنصيبه حر فان عجز فجميع ما في يديه للذي بقي له فيه الرق وانما جعلت ذلك له لانه تأخذ له بما يبقى له في الكتابة ان كان له فيه وفاء عتق به وان لم يكن له في وفاء أخذه بما بقي له في الكتابة وعجزه بالباقي وان مات فالمال بينهما نصفان يرثه بقدر الحرية التي فيه ويأخذ هذا ماله بقدر العبودية والقول الثاني لا يعتق ويكون لشريك ان يرجع عليه فيشركه فيما اذن له به لانه اذن له به وهو لا يملكه واذنه له بالقبض وغير اذنه سواء فان قبضة لم يتركه له فانما هي هبة وهبها له يجوز اذا قبضها قال عبد الله بن محمد القزويني انما جعل الشافعي للذي بقي له فيه الرق ان يستأذن منه الكتابة فان عجز كان ما في يديه من المال له يأخذه بما بقي من الكتابة عليه وليس لهذا الذي قد عتق نصفه ان يقول بالعجز لي نصف ما في يدك لان نصفي حر ولكن يأخذه سيده الذي له فيه الرق بحقه من الكتابة فان كان فيه وفاء عتق والا كان التعجيز بعد ذلك وذكر البخاري عن ابي حنيفة واصحابه قال وان كانت المكاتبة وقعت من الذي كاتب باذن شريكه في ذلك وفي قبض المكاتبة لم يكن لشريك الذي لم يكاتب ان يرجع على الذي كاتب بشيء ما يقبضه من المكاتبة اذا قبض المكاتب جميع الكتابة عتق المكاتب وهو حكمه كحكم عبد بين رجلين اعتقه احدهما باب الحمالة في الكتابة قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا ان العبيد اذا كوتبوا جميعا كتابة واحدة فان بعضهم حملاء عن بعض وانه لا يوضع عنهم لموت احدهم شيء وان قال احدهم قد عجزت والقى بيديه فان لاصحابه ان يستعملوه فيما يطيق من العمل ويتعاونون بذلك في كتابتهم حتى يعتق بعتقهم ان عتقوا ويرق برقه ان رقوا قال ابو عمر اختلف الفقهاء في هذه المسالة فروى فيها سفيان كقول مالك وقال ابو حنيفة واصحابه لا يكون لعبيد اذا كاتبهم سيدهم كتابة واحدة حملا

بعضهم عن بعض الا ان يكاتب الرجل عبديه كتابة واحدة معلومة ويشترط عليهما انها ان اديا عتقا وان عجزا ردا في الرق فان لم يشترط ذلك عليهما لم يكونا حميلين بعضهما عن بعض فان اشترط ذلك في عقد الكتابة كان للسيد ان ياخذ كل واحد منهما بالكتابة كلها فايهما اداها إليه عتق وعتق صاحبه وكان له ان يرجع على صاحبه بحصته منها وكذلك ما اداه من الكتابة في شيء كان له ان يرجع على صاحبه بشيء ولو لم يشترط في الكتابة انهما اذا اديا عتقا وان عجزا ردا وكاتبهما على الكراء وشيء معلوم ولم يذكر شيئا غير ذلك كانت الكتابة جائزة وكان على كل واحد منهما الا بالشرط وهذا لا اعلم فيه خلافا ان اولاده عبيد لسيده ليسوا تبعا له عند عقد كتابته وانما يكون تبعا له اذا تسرى وهو مكاتب ثم ولد له من سريته وهؤلاء يدخلون معه بلا شرط ولو ولدوا له من سريته قبل الكتابة لم يدخلوا في كتابته الا ان يدخلهم بالشرط مع نفسه في كتابته فهذا مذهب جمهور العلماء من اهل الحجاز والعراق وذكر علي بن المديني وابو بكر بن ابي شيبة عن ابي معاوية عن الاعمش عن ابراهيم في رجل كاتب غلامه ثم اطلعه بعد الكتابة ان له سرية وولد فسريته فيما كانت عليه وولده رقيق للسيد الذي كاتبه وقال عطاء وعمرو بن دينار وسليمان بن موسى لا يكون احد العبيد المكاتب حملا عن غيره سواء قال سيده واشترطه ام لا لانه ان عجز عاد عبدا فليس دينه بلازم واما الشافعي فلا يجوز عنده ان يحتمل احد العبيد عن صاحبه شيئا من الكتابة التي اكرهوا عليها قال فان اشترط ذلك عليهم السيد فالكتابة فاسدة قال الشافعي ولو كانت ثلاثة اعبد له كتابة واحدة على مائة منجمة في سنين على انهم اذا ادوا اعتقوا كانت جائزة فالمائة مقسومة على قيمتهم يوم كوتبوا فايهم ادى حصته اذا عتق عجز وايهم عجز رق وايهم مات قبل ان يؤدي مات رقيقا كان له ولد او لم يكن قال وان ادى احدهم عن غيره باذنه ويرجع عليه وان تطوع وعتقوا لم يكن له الرجوع قال ابو عمر على قول مالك من مات من الذين كوتبوا كتابة واحدة لم تسقط حصته من الكتابة وكذلك لو عجز عن السعي وعلى الباقين السعي في جميع

الكتابة حتى يؤدوها وان لم يؤدوها عجزوا ورجعوا رقيقا وغير الشافعي يسقط حصة الميت من الكتابة ويسعى الباقون في حصصهم لا غير وعلى كلا القولين جماعة من السلف قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا ان العبد اذا كاتبه سيده لم ينبغ لسيده ان يتحمل له بكتابة عبده احد ان مات العبد او عجز وليس هذا من سنة المسلمين وذلك انه ان تحمل رجل لسيد المكاتب بما عليه من كتابته ثم اتبع ذلك سيد المكاتب قبل الذي تحمل له اخذ ماله باطلا لا هو ابتاع المكاتب فيكون ما اخذ منه من ثمن شيء هو له ولا المكاتب عتق فيكون في ثمن حرمة ثبتت له فان عجز المكاتب رجع إلى سيده وكان عبدا مملوكا له وذلك ان الكتابة ليست بدين ثابت يتحمل لسيد المكاتب بها انما هي شيء ان اداه المكاتب عتق وان مات المكاتب وعليه دين لم يحاص الغرماء سيده بكتابته وكان الغرماء اولى بذلك من سيده وان عجز المكاتب وعليه دين للناس رد عبدا مملوكا لسيده وكانت ديون الناس في ذمة المكاتب لا يدخلون مع سيده في شيء من ثمن رقبته قال ابو عمر على قول مالك في هذا ان الحمالة لا تصح على غير المكاتب لسيده جمهور اهل العلم وهو قول الثوري وابي حنيفة والشافعي واحمد وقد احتج كذلك مالك فاحسن ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء نحو قول مالك واحتجاجه وكان الزهري وبن ابي ليلى يجيزان الحمالة عن بن المكاتبة وبه قال إسحاق قال ابو عمر فان تحمل اخر بالكتابة فالحمالة باطل عند مالك وبن القاسم والكتابة صحيحة وقال اشهب الحمالة باطل فالسيد يخير في امضاء الكتابة بلا حمالة او ردها واما قوله ان مات المكاتب لم يحاص السيد الغرماء يعني بما بقي من كتابته او بما حمل من نجومه فهو قول ابي حنيفة والشافعي واصحابهما وهو قول اهل المدينة والبصرة وقال شريح والشعبي وابراهيم والحكم وحماد وسفيان والحسن بن

حي وبن ابي ليلى وشريك يضرب السيد مع الغرماء قال مالك اذا كاتب القوم جميعا كتابة واحدة ولا رحم بينهم يتوارثون بها فان بعضهم حملاء عن بعض ولا يعتق بعضهم دون بعض حتى يؤدوا الكتابة كلها فان مات احد منهم وترك مالا هو اكثر من جميع ما عليهم ادي عنهم جميع ما عليهم وكان فضل المال لسيده ولم يكن لمن كاتب معه من فضل المال شيء ويتبعهم السيد بحصصهم التي بقيت عليهم من الكتابة التي قضيت من مال الهالك لان الهالك انما كان تحمل عنهم فعليهم ان يؤدوا ما عتقوا به من ماله وان كان للمكاتب الهالك ولد حر لم يولد في الكتابة ولم يكاتب عليه لم يرثه لان المكاتب لم يعتق حتى مات قال ابو عمر قد تقدم ان العبيد اذا كاتبهم سيدهم كتابة واحدة فهم عند مالك حملاء بعضهم عن بعض وسواء كانت بينهم رحم يتوارثون بها او لم تكن الا ان الذين بينهم رحم يتوارثون بها اذا مات احدهم وترك من المال اكثر مما تؤدى منه الكتابة اديت منه وما فضل ورثوه عنه بارحامهم وبانهم مساوون في الحال ولا يرثه الولد الحر لانه مات عبدا وعند الشافعي لا يرثه احد من ورثته كانوا معه في الكتابة او كانوا احرارا قبل ذلك لانهم حين مات عبيد ومات هو عبدا فماله للسيد وعند الكوفيين يعتق ماله الذي ترك ويرثه الاحرار من ولده وقد تقدم ذكر ذلك كله واما اذا لم تكن بينهم رحم يتوارثون بها فهم رحماء عند مالك روى الحكم ما وصف وهو على اصله كلام صحيح يعتقون في ذلك الحال ويضمنون به ما يعتقون من السيد من اجل الحمالة لانه مال مكاتب له كان عبدا قبل ان يؤدي ما عليه وهو مال السيد بعد ان يؤدي منه ما تحمله عن من معه في الكتابة فيعتق به ويغرم ذلك للسيد واما الشافعي فلا يكون واحد منهم عنده حميلا على صاحبه والمال كله للسيد ويسعون في حصصهم على قدر قيامهم فان ادوا ذلك عتقوا بشرط الكتابة والا فهم عبيد ان عجزوا عن الاداء وعند الكوفيين لا يكونون حملاء الا ان يشترط ذلك عليهم السيد في

الكتابة ولم يختلفوا في مكاتب او مكاتبة كاتبت على بنيها فادت جميع الكتابة عنها وعنهم او ادى الكتابة منهم انه لا يرجع من اداها منهم بشيء على غيره لانه لا يرجع على من يعتق عليه قال ابو عمر القياس ان لا تصح حمالة المكاتبين بعضهم عن بعض كما لا تصح حمالة الاجنبية عنهم لان الكتابة ليست بثابتة لعوضها بالموت والعجز ايضا ولا يضرب بما حمل منها السيد مع الغرماء عند جمهور العلماء وهو قول الثلاثة الفقهاء ائمة الفتوى مالك والشافعي وابو حنيفة واصحابهم ومعلوم انه اذا كان العبد مكاتبا ما بقي عليه شيء من كتابته ومات قبل ان يؤديها فقد مات عبدا اذا لم يؤد كتابته كلها واذا مات عبدا فماله لسيده فكيف يؤدي من مال السيد عن بني مكاتبة وهم لم يستحقوا ميراثا وقد اجمعوا ان العبد لا يرثه حر ولا عبد وان ماله لسيده واجمعوا ان الميراث انما يستحق بالموت في حينه فكيف يعتق من معه من ورثته بالاداء عنهم من ماله بعد وفاته ويرثونه بعد هذا محال لانه لا يخلو ان يكونوا احرارا حين مات ابوهم او عبيدا حين مات ثم عتقوا بعد فاحرى ان لا يرثوه وهذا قول عمر وابنه عبد الله بن عمر وسالم والقاسم وقتادة وجماعة وهو قول الشافعي وبن شهاب والله الموفق للصواب وقد اجمع الفقهاء ان المكاتب عبد ما بقي من كتابته شيء وانه ان مات في حياة سيده او بعد وفاته ولم يترك وفاء الكتابة انه مات عبدا وما يخلفه من مال فلسيده وانما واختلفوا اذا ترك من المال وفاء بالكتابة وفضلا باب القطاعة في الكتابة مالك انه بلغه ان ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقاطع مكاتبيها بالذهب والورق قال ابو عمر انما ذكر مالك عن ام سلمة هذا لان بن عمر كان ينهى ان

يقطع احد لمكاتبه الا بالعروض ويراه من باب ضع وتعجل قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في المكاتب يكون بين الشريكين فانه لا يجوز لاحدهما ان يقاطعه على حصته الا باذن شريكه وذلك ان العبد وماله بينهما فلا يجوز لاحدهما ان ياخذ شيئا من ماله الا باذن شريكه ولو قاطعه احدهما دون صاحبه ثم حاز ذلك ثم مات المكاتب وله مال او عجز لم يكن لمن قاطعه شيء من ماله ولم يكن له ان يرد ما قاطعه عليه ويرجع حقه في رقبته ولكن من قاطع مكاتبا باذن شريكه ثم عجز المكاتب فان احب الذي قاطعه ان يرد الذي اخذ منه من القطاعة ويكون على نصيبه من رقبة المكاتب كان ذلك له وان مات المكاتب وترك مالا استوفى الذي بقيت له الكتابة حقه الذي بقي له على المكاتب من ماله ثم كان ما بقي من مال المكاتب بين الذي قاطعه وبين شريكه على قدر حصصهما في المكاتب وان كان احدهما قاطعه وتماسك صاحبه بالكتابة ثم عجزالمكاتب قيل للذي قاطعه ان شئت ان ترد على صاحبك نصف الذي اخذت ويكون العبد بينكما شطرين وان ابيت فجميع العبد للذي تمسك بالرق خالصا قال ابو عمر ذكر بن عبد الحكم هذه المسالة عن مالك وقد قيل انه قاطع بغير اذن شريكه ثم مات فانه لم ياخذ الذي ما بقي من المال ثم يقتسمان الفضل فان عجز فاراد ان يرد عليه نصف ما فضله ويكون على نصيب من العبد فذلك له والاذن وغير الاذن سواء اذا اراد ان يرد ما يفضله به وانما يفترق اذا اراد المقاطع ان يحبس قاطعه عليه ويسلم حصته في العبد ويابى ذلك الذي لم يقاطع فذلك للذي اباه ولا يكون ذلك للذي قاطع والقول الاول احب الينا قال ابو عمر قد تقدم من اصل مذهب الكوفي والشافعي فهي قبض الشريك من كتابة المكاتب دون اذن شريكه وباذنه والحكم في ذلك عندهم ما اغنى عن تكراره هنا وما قاله مالك فعلى اصله وعليه اصحابه الا اشهب فانه خالفه في شيء منه وروى اشهب عن مالك انه قال في المقاطع من الشريكين اذا مات المكاتب فهو بالخيار ان شاء تمسك بانقطاعه وكانت تركه المكاتب للمتمسك وان شاء رد على صاحب نصف ما قاطع به المكاتب وكانت التركة بينهما

وقال اشهب ولست ارى ما قال وارى ان يستوفي المتمسك ما بقي له من الكتابة والباقي بعد ذلك بينهما ان بقي شيء وفي المدونه لابن القاسم مثل قول اشهب ولم يختلفوا في المكاتب يقاطعه احد سيديه ثم يعجز انه على ما ذكره مالك في موطئه هذا اذا قاطعه الشريك باذن شريكه فان قاطعه بغير اذنه ثم عجز المكاتب كان الشريك الذي لم يقاطع بالخيار ان شاء رد ذلك وان شاء اجازه قال اشهب فان اجازه رجع بالخيار إلى المقاطع وروى بن نافع عن مالك ان المقاطع لا يرجع في مال المكاتب ولا في رقبته الا ياخذ المتمسك نصف ما قاطعه به ويرده من نصيبه إلى رقبة العبد ان عجز او من ميراثه ان مات لانه صنع ما لم يكن له جائزا وقال الشافعي في المزني لو كان المكاتب بين اثنين فوضع عنه احدهما نصيبه من الكتابة فهو كعتقه ويقوم عليه ان كان موسرا وكذلك ان ابراه مما عليه والولاء له وقول المغيرة في ذلك كقول الشافعي وقال بن القاسم لا يعتق بذلك لانه وضع مال قال ابو عمر في هذا الباب في الموطا مسائل فمعناها ومعنى ما تقدم سواء فلم اذكرها واما قوله في هذا الباب قال مالك في المكاتب يقاطعه سيده ثم يعتق ويكتب ما بقي عليه من قطاعته دينا عليه ثم يموت المكاتب وعليه دين للناس قال مالك فان سيده لا يحاص غرماءه باللذي عليه من قطاعته ولغرمائه ان يبدوا عليه قال ابو عمر قد ذكرنا فيما تقدم من هذا الباب ان اهل المدينة ومكة والبصرة وابا حنيفة واصحابه من اهل الكوفة قولهم في هذه المسالة كقول مالك وهو قول الشافعي والاوزاعي ان غرماء المكاتب اذا مات وترك مالا يبدون في ذلك ولا يحصهم سيد المكاتب بشي من ماله عليه من قطاعة او نجامة وان شريحا والشعبي والحكم بن عتيبة وابراهيم النخعي وحماد بن ابي سليمان وبن ابي ليلى وسفيان الثوري والحسن بن حي بن صالح كانوا

يقولون يضرب السيد مع غرماء المكاتب بما له عليه مما ترك من المال قال مالك ليس للمكاتب ان يقاطع سيده اذا كان عليه دين للناس فيعتق ويصير لا شيء له لان اهل الدين احق بماله من سيده فليس ذلك بجائز له قال ابو عمر هذا كما قال وهو قول الجمهور الذين يرون اهل الدين احق به من السيد لان المكاتب اذا قاطع سيده وهو لا مال عنده الا ما قد اغترقه الدين ولا قوة به على الاكتساب فقد غره واذا غره فقد بطل ما فعله من المقاطعة وعاد في رقبته وقد اختلف الفقهاء في افلاس المكاتب فقال مالك ياخذ الغرماء ما وجدوا ولا سبيل لهم إلى رقبته وهو قول الشافعي والكوفي وقال سفيان الثوري اذا عجز المكاتب وعليه ديون للناس فعلى السيد ان يبتداه اذا اسلمه والا اسلمه اليهم وبه قال احمد واسحاق قال مالك الامر عندنا في الرجل يكاتب عبده ثم يقاطعه بالذهب فيضع عنه مما عليه من الكتابة على ان يعجل له ما قاطعه عليه انه ليس بذلك باس وانما كره ذلك من كرهه لانه انزله بمنزلة الدين يكون للرجل على الرجل إلى اجل فيضع عنه وينقده وليس هذا مثل الدين انما كانت قطاعة المكاتب سيده على ان يعطيه مالا في ان يتعجل العتق فيجب له الميراث والشهادة والحدود وتثبت له حرمة العتاقة ولم يشتر دراهم بدراهم ولا ذهبا بذهب وانما مثل ذلك مثل رجل قال لغلامه ائتني بكذا وكذا دينارا وانت حر فوضع عنه من ذلك فقال ان جئتني باقل من ذلك فانت حر فليس هذا دينا ثابتا ولو كان دينا ثابتا لحاص به السيد غرماء المكاتب اذا مات او افلس فدخل معهم في مال مكاتبه قال ابو عمر هذه المسالة في معنى حديث ام سلمة المذكور في اول هذا الباب وقد اختلف العلماء فيها فكان بن عمر يكره ذلك ولا يجيزه فخالف في ذلك ام سلمة وبقول بن عمر قال في ذلك الليث بن سعد واحمد واسحاق وهو قول الشافعي لان حكم المكاتب في ما يملكه غير حكم العبد ليس للسيد اخذ شيء من ماله غير نجامته فاشبه الحر والاجنبي في هذا المعنى

ذكر المزني عن الشافعي قال ولو عجل له بعض الكتابة على ان يبراه من الباقي لم يجز ورد عليه ما اخذ ولم يعتق لانه ابراه مما لم تبرا منه وروى الربيع عن الشافعي قال وان كانت نجومه غير حالة فسالة ان يعطيه بعضها حالا على ان يبراه من الباقي فيعتق لم يجز ذلك كما لا يجوز في دين إلى اجل على حر ان يتعجل بعضه على ان يضع له بعضا وقال الطحاوي عن الكوفيين في من كاتب عبدا له على مال إلى اجل ثم صالحه قبل حلول الاجل على ان يعجل له بعض ذلك المال ويبرأ من بقيته لم يجز فيما روى اصحاب الاملاء عن ابي يوسف من قوله واما محمد فروى عن ابي يوسف عن ابي حنيفة ان ذلك جائز واختار الطحاوي ما روى اصحاب الاملاء عن ابي يوسف وقال بن شهاب وربيعة وابو الزناد وعبد الله بن يزيد وجابر وبن هرمز ومالك وابو حنيفة واصحابهما ذلك جائز وهو قول الشعبي وابراهيم وطاوس والحسن وبن سيرين وقال الزهري ما علمت احدا كرهه الا بن عمر قال ابو عمر اما العبد فليس بينه وبين سيده ربا عند اكثر العلماء واما المكاتب فليس لسيده إلى ماله سبيل غير ما كاتبه عليه الا ان يعجز وكره مالك ان يبيع من عبده الماذون له او مكاتبه درهما بدرهمين يدا بيد نسيئة واجاز ذلك الشافعي وقال بن القاسم في المكاتب يحيل سيده بنجم لم يحل على دين له على رجل انه لا يجوز من اجل الدين بالدين وقال سحنون هو جائز قال وقوله باجازة القطاعة يرد هذا وبالله التوفيق باب جراح المكاتب قال مالك احسن ما سمعت في المكاتب يجرح الرجل جرحا يقع فيه العقل عليه ان المكاتب ان قوي على ان يؤدي عقل ذلك الجرح مع كتابته اداه وكان على كتابته فان لم يقو على ذلك فقد عجز عن كتابته وذلك انه ينبغي

ان يؤدي عقل ذلك الجرح قبل الكتابة فان هو عجز عن اداء عقل ذلك الجرح خير سيده فان احب ان يؤدي عقل ذلك الجرح فعل وامسك غلامه وصار عبدا مملوكا وان شاء ان يسلم العبد إلى المجروح اسلمه وليس على السيد اكثر من ان يسلم عبده قال ابو عمر اختلاف الفقهاء في هذه المسالة متقارب يجمله قول مالك في المكاتب انه ان قوي على اداء ارش الجناية مع الكتابة والا عجز فاذا عجز كان سيده مخيرا بين اسلامه واداء ارش الجناية وقال بن القاسم عن مالك اذا جنى المكاتب قال له القاضي اد والا اعجزتك ولم اسمعه يفرق بين عجزه قبل القضاء وبعده وقال الشافعي اذا جنى المكاتب فعلى سيده الاقل من قيمته عبدا يوم الجناية وارش الجناية كما لو جنى وهو عبد فان قوي على ادائها قبل الكتابة فهو مكاتب وان عجز عنها خير الحاكم سيده بين ان يفديه بالاقل من ارش الجناية او يسلمه فان ابى بيع في الجناية فاعطى اهل الجناية حقوقهم دون من داينه ببيع او غيره لان ذلك في ذمته ومن اعتق اتبع به والجناية في رقبته وسواء كانت الجنايات مفترقة او معا او بعضها قبل التعجيز او بعده يتحاصون في ثمنه وان ابراه بعضهم كان ثمنه للباقين بينهم وقول احمد واسحاق في ذلك كقول الشافعي وقال ابو حنيفة واصحابه الا زفر في مكاتب جنى جناية ثم عجز قبل ان يقضى عليه قيل لمولاه ادفعه او افده وان قضي عليه بقيمة الجناية ثم عجز فانه يباع فيها وقال زفر اذا عجز قبل القضاء أو بعده فانه يباع في الجناية قال مالك في القوم يكاتبون جميعا فيجرح احدهم جرحا فيه عقل قال مالك من جرح منهم جرحا فيه عقل قيل له وللذين معه في الكتابة ادوا جميعا عقل ذلك الجرح فان ادوا ثبتوا على كتابتهم وان لم يؤدوا فقد عجزوا ويخير سيدهم فان شاء ادى عقل ذلك الجرح ورجعوا عبيدا له جميعا وان شاء اسلم الجارح وحده ورجع الاخرون عبيدا له جميعا بعجزهم عن اداء عقل ذلك الجرح الذي جرح صاحبهم

قال ابو عمر هذا انما قاله مالك على اصله في المكاتبين كتابة واحدة انهم حملاء بعضهم عن بعض واصله في ان الجناية مقدمة على الكتابة فاذا عجزوا عن اداء الجناية فقد عجزوا واذا عجزوا عادوا عبيدا واما الشافعي والكوفي واكثر الفقهاء فانهم يقولون لا ياخذ بالجناية الا جانيها وحده فان عجز عن ادائها بيع فيها على ما تقدم من تلخيص ذلك عنهم قال مالك الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا ان المكاتب اذا اصيب بجرح يكون له فيه عقل او اصيب احد من ولد المكاتب الذين معه في كتابته فان عقلهم عقل العبيد في قيمتهم وان ما اخذ لهم من عقلهم يدفع إلى سيدهم الذي له الكتابة ويحسب ذلك للمكاتب في اخر كتابته ثم فصل ذلك بما لا يشكل من انه اذا ضم عقل الجرح إلى ما يقبضه من المكاتب فتأدى من ذلك جميع الكتابة فهو حر وان كان عقل الجرح اكثر من الكتابة قبض المكاتب لنفسه وهو حر قال مالك ولا ينبغي ان يدفع إلى المكاتب شيء من دية جرحه فيأكله ويستهلكه فان عجز رجع إلى سيده اعور او مقطوع اليد او معضوب الجسد وانما كاتبه سيده على ماله وكسبه ولم يكاتبه على ان يأخذ ثمن ولده ولا ما اصيب من عقل جسده فيأكله ويستهلكه ولكن عقل جراحات المكاتب وولده الذين ولدوا في كتابته او كاتب عليهم يدفع إلى سيده ويحسب ذلك له في اخر كتابته قال ابو عمر على ما ذكره مالك في هذا الباب مذهب كل من قال المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء يعنون في جراحاته وحدوده واما من قال بقول علي رضي الله عنه يؤدي المكاتب بقدر ما ادى دية الحر وبقدر ما بقي عليه دية عبد فانه يقسم دية جراحاته على ذلك فما صار منها للحرية قبضه وما صار منها للعبودية دفع إلى سيده فعد له في كتابته ذكر عبد الرزاق عن الثوري قال قال اصحابنا جناية المكاتب على نفسه انه ان جرح جراحة فهي عليه في قيمته لا تجاوز قيمته واذا اصيب بشيء كان له قال الثوري اما نحن فنقول هي في عنق المكاتب واخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن ابراهيم قال يضمن مولاه قيمته

قال الحكم وقال الشعبي يضمن مولاه قيمتها وقال الحكم جناياته دين عليه يسعى فيها قال واخبرنا بن جريج قال قلت لعطاء المكاتب ان جر جريرة من يؤخذ بها قال سيده وقالها عمرو بن دينار قال ابو عمر يحتمل ان يكون قوله يؤخذ بها ان يسلمه في كتابته فإن لم يسلمه يحتمل ان لا يكون عليه اكثر من قيمته لانها البدل من اسلامه ويحتمل ان يكون لما ابى من اسلامه فقد رضي بأرش الجريرة ما بلغت والاصح انه لا يلزمه اكثر من قيمته لان جنايته في رقبته قال بن جريج قلت لعطاء فان اصيب المكاتب بجرح فلمن ارشه قال له وقالها عمرو بن دينار قلت من اجل انه احرز ذلك كما احرز ماله قال نعم باب بيع المكاتب قال مالك ان احسن ما سمع في الرجل يشتري مكاتب الرجل انه لا يبيعه اذا كان كاتبه بدنانير او دراهم الا بعرض من العروض يعجله ولا يؤخره لانه اذا اخره كان دينا بدين وقد نهي عن الكالى ء بالكالى ء قال وان كاتب المكاتب سيده بعرض من العروض من الابل او البقر او الغنم او الرقيق فانه يصلح للمشتري ان يشتريه بذهب او فضة او عرض مخالف للعروض التي كاتبه سيده عليها يعجل ذلك ولا يؤخره قال ابو عمر منع من ذلك لما يدخله من النسيئة في بيع دنانير او دراهم بعضها ببعض لان ما على المكاتب يؤخذ نجوما فلا يحل بيعه بالنقد ولا بالنسيئة لانه صرف إلى اجل وكذلك لا يجوز شراء عرض على المكاتب بعرض غير معجل لان النجوم مؤجلة فلو تاخر العرض كان من الدين بالدين وكذلك لا يجوز عند مالك بيع عرض بعرض من جنسه لانه يدخله الربا من اجل انه عرض بعرض مثله وزيادة

وكذلك اختلف العلماء في بيع المكاتب فقال جمهور العلماء لا يباع الا على ان يمضي في كتابته عند مشتريه ولا يبطلها وهذا عندي بيع الكتابة لا بيع الرقبة وقالت طائفة بيعه جائز ما لم يؤد من كتابته شيئا لان بريرة بيعت ولم تكن ادت من كتابتها شيئا وقال اخرون اذا رضي المكاتب بالبيع جاز لسيده بيعه هذا قول ابي الزناد وربيعة وهو قول الشافعي ومالك ايضا الا ان مالكا اختلف قوله في كيفية تعجيز المكاتب على ما نذكره بعد ولا يرى بيع رقبة المكاتب الا بعد التعجيز واما الشافعي فاذا رضي المكاتب بالبيع فهو منه رضى بالتعجيز وتعجيزه إليه لا إلى سيده لان بريرة رضيت ان تباع وهي كانت المساومة لنفسها والمختلفة بين سادتها الذين كاتبوها وبين عائشة التي اشترتها وقال اخرون لا يجوز ان تباع الا للعتق فكذلك بيعت بريرة هذا قول الاوزاعي واحمد واسحاق وقال اخرون لا يجوز ان تباع حتى تعجز فاذا عجزت نفسها جاز بيعها وذكروا ان بريرة عجزت نفسها وللمكاتب عندهم ان يعجز نفسه كان له مال ظاهر او لم يكن وسنذكر الاختلاف في ذلك بعد ان شاء الله تعالى وقال اخرون لا يجوز بيع المكاتب ويجوز بيع كتابة المكاتب على انه ان عجز فللذي اشترى كتابته رقبته وان مات المكاتب ورثه دون البائع وان ادى كتابته إلى الذي اشترى كان ولاؤه للبائع الذي عقد كتابته هذا قول مالك واصحابه وقال اخرون لا يجوز بيع المكاتب لما في ذلك من نقد العقد له وقد امر الله تعالى بالوفاء بالعقود ولانه يدخله بيع الولاء وكذلك لا يجوز بيع كتابته ولا بيع شيء مما بقي منها عليه والبيع في ذلك كله فاسد مردود لان ذلك غرر لا يدري العجز المكاتب ام لا ولا يدري المشتري ما يحصل عليه بصفقته رقبة المكاتب او كتابته وان حصل على رقبته كان في ذلك بيع الولاء هذا كله قول ابي حنيفة واصحابه

واما اختلافهم في تعجيز المكاتب فكان مالك يقول لا يعجزه سيده الا عند السلطان او القاضي او الحاكم وهو قول بن ابي ليلى وبه قال سحنون وقال بن القاسم اذا رضي المكاتب بالعجز دون السلطان لزمه ذلك وقال بن القاسم ولا يجوز له ان يعجز نفسه اذا كانت له اموال ظاهرة فان عجز ثم ظهرت له اموال مضى التعجيز ما لم يعلم بالمال وقال بن كنانة وبن نافع للمكاتب ان يعجز نفسه وان كان له مال ظاهر وروى بن وهب في موطئه عن مالك مثل قول بن نافع وبن كنانة وهذه المسالة عند اصحابنا على قولين وقال الشافعي وابو حنيفة للمكاتب ان يعجز نفسه ويعجزه سيده عند غير السلطان اذا كانا في بلد واحد وحضرة واحدة وذلك بان يقول المكاتب ليس عندي شيء ويقول السيد اشهدوا اني قد عجزته وفعل ذلك بن عمر وقضى به شريح والشعبي وقال الشعبي وابو حنيفة للسيد ان يعجز المكاتب بحلول نجم من نجومه قال الشافعي لا يعجز السلطان المكاتب الغائب الا ان يثبت عنده الكتابة وحلول نجم من نجومه ويحلفه ما ابراه ولا قبضه منه ولا انذره به فاذا فعل عجزه له ويجعل المكاتب على حجته ان كانت له قال واما اذا اراد المكاتب ابطال كتابته وادعى العجز فذلك إليه علم له مال او لم يعلم وعلمت له قوة على الكسب او لم تعلم هذا إليه ليس إلى سيده وقال ابو يوسف لا يعجزه حتى يجتمع عليه نجمان وهو قول الحكم وبن ابي ليلى والحسن بن حي وقال الثوري منهم من يقول نجمان والاستثناء احب الي وقال احمد وكان احب الي وقال الحارث العكلي اذا دخل نجم في نجم فقد استبان عجزه وقال الحسن البصري اذا كانت نجومه مساقاة استسعى بعد النجم سنتين

وقال الاوزاعي يستاني به شهرين وقال محمد بن الحسن عنه وعن اصحابه ان كان له مال حاضر او غائب يرجو قدومه اجله يومين او ثلاثة لا زيادة على ذلك وقال الاوزاعي اذا قال قد عجزت عن الاداء وعجز نفسه لم يمكن من ذلك قال ابو عمر هذا ليس بشيء لان كتابته مضمنه بالاداء فاذا لم يكن الاداء باقراره بالعجز على نفسه انفسخت كتابته وكان هو وماله لسيده والاصل في الكتابة لانها لا تجب عند من اوجبها الا بابتغاء العبد لها وطلبه اياها وتعجيزه نفسه نقض لذلك وقد اجمعوا في ذلك ان المكاتب لعبده ان جئتني بكذا وكذا دينار إلى اجل كذا فلم يجبه بها انه لا يلزمه شيء قال مالك احسن ما سمعت في المكاتب انه اذا بيع كان احق باشتراء كتابته ممن اشتراها اذا قوي ان يؤدي إلى سيده الثمن الذي باعه به نقدا وذلك ان اشتراءه نفسه عتاقه والعتاقة تبدا على ما كان معها من الوصايا وان باع بعض من كاتب المكاتب نصيبه منه فباع نصف المكاتب او ثلثه او ربعه او سهما من اسهم المكاتب فليس للمكاتب فيما بيع منه شفعة وذلك انه يصير بمنزلة القطاعة وليس له ان يقاطع بعض من كاتبه الا باذن شركائه وان ما بيع منه ليست له به حرمة تامة وان ماله محجوز عنه وان اشتراءه بعضه يخاف عليه منه العجز لما يذهب من ماله وليس ذلك بمنزلة اشتراء المكاتب نفسه كاملا الا ان ياذن له من بقي له فيه كتابة فان اذنوا له كان احق بما بيع منه قال ابو عمر راى مالك رحمه الله الشفعة واجبة للمكاتب اذا باع سيده ما عليه من كتابته ما عليه لما في ذلك من تعجيل عتقه ولم ير له شفعة اذا بيع بعض ما عليه لانه لا تتم شفعته في ذلك عتقه ثم راى ان ذلك باذن من بقي له فيه كتابة لانه مع الضرر الذي عليه في ذلك قد رضوا به وكان سحنون يقول هذا حرف سوء الا ان ياذن في ذلك الشريك الاخر وكذلك رواه بن القاسم عن مالك في المكاتب بين الرجلين يبيع احدهما نصيبه منه ان المكاتب لا يكون احق بذلك من المشتري الا ان ياذن في ذلك

الشريك الاخر لانه لا يفضي بذلك إلى عتاقه وانما يكون ذلك له اذا بيعت كتابته كلها لان ذلك يفضي إلى عتق قال سحنون قوله الا ان ياذن له في ذلك الشريك الاخر حرف سوء قال ابو عمر قد قال بقول مالك في شفعة المكاتب قوم من التابعين منهم عطاء وابى ذلك غيرهم من العلماء لان الشفعة انما وردت في الاصول التي تقع فيها الحدود وسنبين هذا المعنى عند اختلاف اصحاب مالك وقولهم في الشفعة في الدين لمن هو عليه اذا بيع من غيره ان شاء الله تعالى واما الشافعي وابو حنيفة واصحابهما وكل من لا يجوز عنده بيع كتابة المكاتب فليس للشفعة ذكر في كتبهم ها هنا والمسالة مسالة اتباع ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج عن الحسن بن مسلم قال بلغني ان المكاتب يباع هو احق بنفسه ياخذها بما بيع قال بن جريج وقال عطاء من بيع عليه دين فهو احق به ياخذه بالثمن ان شاء قال واخبرنا معمر عن رجل من قريش ان عمر بن عبد العزيز قضى في المكاتب اشترى ما عليه بعروض وجعل المكاتب اولى بنفسه ثم قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع دينا على رجل إلى اجل فصاحب الدين اولى بالذي عليه اذا ادى ما ادى صاحبه قال معمر وقال الزهري رايت القضاة يقضون في من اشترى دينا على رجل ان صاحب الدين اولى به وكان عمر بن عبد العزيز يقضي به قال معمر واما اهل الكوفة فلا يرونه شيئا قال مالك لا يحل بيع نجم من نجوم المكاتب وذلك انه غرر ان عجز المكاتب بطل ما عليه وان مات او افلس وعليه ديون للناس لم ياخذ الذي اشترى نجمه بحصته مع غرمائه شيئا وانما الذي يشتري نجما من نجوم المكاتب بمنزلة سيد

المكاتب فسيد المكاتب لا يحاص بكتابه غلامه غرماء المكاتب وكذلك الخراج ايضا يجتمع له على غلامه فلا يحاص بما اجتمع له من الخراج غرماء غلامه قال ابو عمر هو غرر كما ذكر مالك رحمه الله من اجل ما وصف من عجز المكاتب الا ان من خالفه في بيع كتابة المكاتب يقول ان مالكا لم يجز الغرر في نجم واجازه في نجوم وكثير الغرر لا يجوز باجماع وقليله متجاوز عنه لانه لا يسلم بيع من قليل الغرر وقال المزني عن الشافعي بيع نجوم المكاتب مفسوخ فان ادى إلى المشتري باذن سيده عتق كما يودي إلى وكيله فيعتق وقد تقدم ذكر من قال بانه لا يجوز بيع كتابة المكاتب ولا نجم من نجومه الا بما يجوز به سائر البيوع وقد اختلف اصحاب مالك في المكاتب يكون بين الشريكين يبيع احدهما حصته من كتابته او نجما من نجومه فذكر العتبي في سماع بن القاسم من مالك انه كره ذلك وقال اما ان يباع كله واما ان يمسك كله قال سحنون انما يكره بيع نجم من نجومه فاما نصف ما عليه او ثلثه او ربعه فلا باس بذلك وقال سحنون واصبغ انما يكره بيع النجم بعينه فاذا لم يكن بعينه لم نر بذلك باس لانه يرجع إلى حد معلوم وكانه اشترى عشر الكتابة او نصف عشرها او ربع عشرها وروى اصبغ عن بن القاسم قال مالك لا باس بان يشتري المكاتب كتابته بعين او عرض مخالف لما كوتب به من العين او العرض او غير مخالف معجل او مؤخر قال ابو عمر اجاز ذلك للمكاتب بعرض غير مخالف وبعرض مؤخر لما تقدم من مذهبه انه لا ربا بين العبد وسيده وكذلك عنده المكاتب وقد مضى ما لمن خالفه في ذلك من العلماء

قال مالك في المكاتب يهلك ويترك ام ولد وولدا له صغارا منها او من غيرها فلا يقوون على السعي ويخاف عليهم العجز عن كتابتهم قال تباع ام ولد ابيهم اذا كان في ثمنها ما يؤدى به عنهم جميع كتابتهم امهم كانت او غير امهم يؤدى عنهم ويعتقون لان اباهم كان لا يمنع بيعها اذا خاف العجز عن كتابته فهؤلاء اذا خيف عليهم العجز بيعت ام ولد ابيهم فيؤدى عنهم ثمنها فان لم يكن في ثمنها ما يؤدى عنهم ولم تقو هي ولا هم على السعي رجعوا جميعا رقيقا لسيدهم قال ابو عمر قد بين مالك رحمه الله انه لما كان للمكاتب ان يبيع ام ولده اذا خاف العجز كان ذلك لولده عند خوف العجز هذا اذا كان في بيعها خلاصهم من الرق ولا اعلم اصحابه اختلفوا في ذلك وانما اختلفوا في ام ولد المكاتب اذا مات وترك وفاء بكتابته على حالها بعد موته فقال بن القاسم اذا كان معها ولد عتقت وان لم يكن معها ولد فهي رقيق وقال اشهب تعتق وان لم يكن معها ولد اذا ترك المكاتب وفاء قال ابو عمر عند الشافعي رحمه الله ومن قال بقوله ام ولد المكاتب مال من ماله وماله كله لسيده اذا مات قبل ان يؤدي جميع كتابته وولده ان لم يقدروا على السعي فهم رقيق وان قدروا على السعي سعوا في ما يلزمهم من الكتابة على قدر قيمتهم وعند ابي حنيفة اذا مات المكاتب وترك مالا فيه وفاء فكانه مات حرا ويعتق اولاده بعتقه اذا ادى عنهم من ماله جميع كتابته وان لم يترك وفاء فان اولاده يقال لهم ان اديتم الكتابة حالة عتقتم والا فانتم رقيق وقال ابو يوسف يسعون في الكتابة على نجومها فان ادوها عتقوا ولا يجوز عند ابي يوسف ومحمد بيع المكاتب لام ولده ويجوز عند ابي حنيفة وهو مذهب الشافعي واذا لم يجز ذلك له فاحرى ان لا يجوز لولده قال مالك الامر عندنا في الذي يبتاع كتابه المكاتب ثم يهلك المكاتب قبل ان يؤدي كتابته انه يرثه الذي اشترى كتابته وان عجز فله رقبته وان ادى المكاتب كتابته إلى الذي اشتراها وعتق فولاؤه للذي عقد كتابته ليس للذي اشترى كتابته من ولائه شيء

قال ابو عمر قد تقدم هذا المعنى وقول مالك فيه وقول سائر العلماء في اول هذا الباب وقد تقدم في ضرر ذلك الحجة للمخالف واما الحجة لمالك فان المشتري قد حل في كتابة المكاتب محل سيده الذي عقد له الكتابة فدخل في عموم قول الله تعالى واحل الله البيع البقرة الا انه لم يحل محله في الولاء ان ادى إليه الكتابة فرارا من بيع الولاء فان عجز المكاتب ولم يؤد كتابته إلى المشتري ملك رقبته كما لو ان سيد المكاتب مات وورث عنه بنوه المكاتب لم يكن لهم عليه الا اداء الكتابة اليهم فاذا اداها عتق وكان ولاؤه لابيهم الذي عقد له الكتابة ولو عجز كان رقيقا لهم يملكون رقبته ولو اعتقوه قبل العجز او وهبوا له الكتابة كان ولاؤه لابيهم لانه عقد كتابته فلما لم يرث منه بنوه الا ما كان له ان ينتقل عنه بالعوض والهبة وذلك مال المكاتب دون الولاء فكذلك المشتري لم يملك من ذلك الا ما يجوز له ان ينتقل عنه وهو المال دون الولاء باب سعي المكاتب مالك انه بلغه ان عروة بن الزبير وسليمان بن يسار سئلا عن رجل كاتب على نفسه وعلى بنيه ثم مات هل يسعى بنو المكاتب في كتابة ابيهم ام هم عبيد فقالا بل يسعون في كتابة ابيهم ولا يوضع عنهم لموت ابيهم شيء قال مالك وان كانوا صغارا لا يطيقون السعي لم ينتظر بهم ان يكبروا وكانوا رقيقا لسيد ابيهم الا ان يكون المكاتب ترك ما يؤدى به عنهم نجومهم إلى ان يتكلفوا السعي فان كان فيما ترك ما يؤدى عنهم ادي ذلك عنهم وتركوا على حالهم حتى يبلغوا السعي فان ادوا عتقوا وان عجزوا رقوا قال ابو عمر قد قال بقول عروة وسليمان الذي عليه بنى مالك مذهبه في هذا الباب ابراهيم النخعي ذكر ابو بكر قال حدثني جرير عن منصور عن ابراهيم في النفر يكاتبون جميعا فيموت احدهم قال يسعى الباقون فيما كوتبوا عليه جميعا وعبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن ابراهيم قال اذا كاتب اهل بيت كتابة واحدة فمن مات منهم فالمال على الباقي منهم

وهذا كقول مالك في انهم اذا كوتبوا كتابة واحدة فهم حملاء بعضهم عن بعض لا يعتقون الا باداء جميع الكتابة وقد تقدم هذا المعنى في باب الحمالة في الكتابة وسواء عند مالك كانوا اجنبيين او اقارب او ابا كاتب على نفسه وبنيه اذا كانت الكتابة واحدة لا يوضع عنهم بموت احدهم شيء من الكتابة ولا يعتقون الا باداء جميعها وحكمهم عند مالك اذا كوتبوا كتابة واحدة كحكم المكاتب يولد له ولد في كتابته من سريته انه لا يوضع عن الام بموت ابنها ولا عن الابن بموت ابيه شيء من الكتابة واما الشافعي والثوري وسائر الكوفيين كقولهم ان كل من كاتب على نفسه وولده او على اجنبي معه ثم مات هو او غيره ممن تضمنته الكتابة فانه يوضع عن الباقين حصته من الكتابة واما الذي لا يسقط بموته شيء فهو من كان تبعا لابيه ممن ولد له في كتابته من سريته وهو قول جماعة من التابعين منهم الحسن والشعبي وعطاء وعمرو بن دينار ذكر ابو بكر قال حدثني حفص قال سالت عمرو بن عبيد ما كان الحسن يقول في ذلك قال كان يرفع عنهم حصة الميت منهم قال وحدثني وكيع عن الحسن بن صالح عن اشعث عن الشعبي مثله قال وحدثني الفضل بن دكين عن بن ابي عتبة عن الحكم مثله وذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج عن عطاء قال ان كاتبت عبدا لك وله بنون فكاتب على نفسه وعنهم فمات ابوهم او مات منهم ميت فقيمته يوم يموت توضع من الكتابة او ثمنه كما لو اعتقه قال وقال عمرو بن دينار مثله قال بن جريج قلت لعمرو ارايت ان كان الذي مات او عتق قيمة الكتابة كلها قال يقام هو وبنوه فان بلغ مائة دينار وكاتب مكاتبهم ست مئة دينار فاطرح ثمن الذي اعتق او مات سدس المائة الدينار قال ابو عمر اختلف العلماء في اعتبار حصة الذي يموت او يعتق فقال

بعضهم بالقيمة وهو قول الشافعي وهو الثمن عند عطاء ومن قال بقوله وقال اخرون حصته على قدر غناه وكسبه وحاله وقال اخرون حصته على الرؤوس بالسواء قال بن جريج عن ابي مليكة اذا كاتب على نفسه وعلى بنيه فهم فيه سواء وذو الفضل وغير ذي الفضل والمراة والرجل في ذلك سواء ومن مات منهم فحصته سواء وقال معمر بلغني في مكاتب كاتب على نفسه وبنيه فمات الاب او مات منهم ميت فانه يوضع عنهم بقدر قيمة الميت من قدر الكتابة قال وان كان العتق فكذلك قال ابو عمر لا اعلم خلافا ان السيد اذا اعتق احدهم انه يسقط حصته عن غيره منهم وليس له عند مالك ان يعتق الذي هو اقدر على السعي بهم لانه غرر بهم وستاتي هذه المسالة في بابها واما المكاتب يولد له في كتابته او المكاتبة تنكح فيولد لها فان مات في بيتهما لا يوضع عنهما بذلك شيء من كتابتهما عند جماعة فقهاء الحجاز والعراق لان الكتابة انما انعقدت على الاب او الام وما حدث من البنين لهما في الكتابة فهم تبع لهما يعتقون بعتق كل واحد منهما ويرقون برقهما قال واخبرنا بن جريج قال قال لي عطاء ان كاتبته ولا ولد له ثم ولد له من سرية له فمات ابوهم لم يوضع عنهم لموته شيء وكانوا على كتابة ابيهم ان شاؤوا وان ابوا كانوا رقيقا وان اعتق انسان منهم لم يوضع عنهم به شيء من اجل انه لم يكن في كتابة ابيهم وبن جريج عن عمرو بن دينار مثله وزاد عمرو قال ولو اعتق ابوه يعني بنيه الذين ولدوا بعد كتابته ومعمر عن قتادة قال ان ولد للمكاتب ولد بعد الكتابة فاعتق او مات لم يحط بذلك شيء ذكر عبد الرزاق عن الثوري في المكاتبة يولد لها في كتابتها مثل ذلك قال ابو عمر لا يختلفون في ذلك قال ابو حنيفة ان مات المكاتب ولم يترك مالا وترك ابنا ولد له في كتابته خلف ابنه فيسعى في الكتابة على نجومها فاذا ادى عتق ابنه

قال مالك في المكاتب يموت ويترك مالا ليس فيه وفاء الكتابة ويترك ولدا معه في كتابته وام ولد فارادت ام ولده ان تسعى عليهم انه يدفع اليها المال اذا كانت مامونة على ذلك قوية على السعي وان لم تكن قوية على السعي ولا مامونة على المال لم تعط شيئا من ذلك ورجعت هي وولد المكاتب رقيقا لسيد المكاتب قال ابو عمر خالفه الشافعي والكوفيون فقالوا ام ولد والمكاتب اذا مات مال من مال سيده فان لم يستطع ولده السعي في جميع كتابته فهم رقيق وقد تقدم هذا المعنى عنهم وحجة كل واحد منهم قال مالك اذا كاتب القوم جميعا كتابة واحدة ولا رحم بينهم فعجز بعضهم وسعى بعضهم حتى عتقوا جميعا فان الذين سعوا يرجعون على الذين عجزوا بحصة ما ادوا عنهم لان بعضهم حملاء عن بعض قال ابو عمر اختلف اصحاب مالك في هذا الباب فقال بن القاسم لا يرجع على من لو ملكه وهو حر عتق عليه ورجع على ما سواه من القرابات وكذلك قال بن نافع وقال اشهب اذا كانوا قرابة فلا يرجع عليهم كانوا ممن يعتقون عليه لو ملكهم وهو حرام لا يعتقون عليه وكانوا ممن يرثون ام ممن لا يرثون لان اداءه عنهم اما هو على وجه العطف والصلة وهو كقوله الشافعي لانه قال لا ينصرف عليهم الا ان يشترطه لانه تطوع بذلك عنهم وقال بن كنانة ان كانوا يتوارثون فلا يرجع عليهم وقال المغيرة يرجع عليهم كائنا ما كانوا لان اداءه عنهم انما هو من باب الحمالة قال ابو عمر اما الشافعي فمذهبه ان ما عدا الوالد وان علا من الاباء والولد وان سفل من الابناء فانهم يعتقون على من ملكهم فان كان معه في كتابة واحدة من يعتق عليه وادى بعضهم عن بعض لم يرجع على سائرهم بشيء لانهم يعتقون عليه لو ملكهم وكذلك الاخ عند مالك من أي وجه كان مع الاب وان علا او الابن وان سفل

وكذلك كل ذي رحم محرم عند ابي يوسف ومحمد والثوري ولابي حنيفة في ذلك قولان احدهما الابن وحده والاخر كقول ابي يوسف باب عتق المكاتب اذا ادى ما عليه قبل محله مالك انه سمع ربيعة بن ابي عبد الرحمن وغيره يذكرون ان مكاتبا كان للفرافصة بن عمير الحنفي وانه عرض عليه ان يدفع إليه جميع ما عليه من كتابته فابى الفرافصة فاتى المكاتب مروان بن الحكم وهو امير المدينة فذكر ذلك له فدعا مروان الفرافصة فقال له ذلك فابى فامر مروان بذلك المال ان يقبض من المكاتب فيوضع في بيت المال وقال للمكاتب اذهب فقد عتقت فلما راى ذلك الفرافصة قبض المال قال مالك فالامر عندنا ان المكاتب اذا ادى جميع ما عليه من نجومه قبل محلها جاز ذلك له ولم يكن لسيده ان يابى ذلك عليه وذلك انه يضع عن المكاتب بذلك كل شرط او خدمة او سفر لانه لا تتم عتاقة رجل وعليه بقية من رق ولا تتم حرمته ولا تجوز شهادته ولا يجب ميراثه ولا اشباه هذا من امره ولا ينبغي لسيده ان يشترط عليه خدمة بعد عتاقته قال مالك في مكاتب مرض مرضا شديدا فاراد ان يدفع نجومه كلها إلى سيده لان يرثه ورثة له احرار وليس معه في كتابته ولد له قال مالك ذلك جائز له لانه تتم بذلك حرمته وتجوز شهادته ويجوز اعترافه بما عليه من ديون الناس وتجوز وصيته وليس لسيده ان يابى ذلك عليه بان يقول فر مني بماله قال ابو عمر اما قضاء مروان على الفرافصة بن عمير فقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما واظن مروان بلغه ذلك فقضى به وكذلك قضى عمرو بن سعيد في امارته ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا اسرائيل بن يونس قال اخبرنا عبد العزيز بن رفيع عن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال كاتب رجل غلاما

له على اواق سماها ونجمها عليه نجوما فاتاه العبد بماله كله فابى ان يقبله الا على نجومه رجاء ان يرثه فاتى عمر بن الخطاب فاخبره فارسل إلى سيده فابى ان ياخذها فقال عمر خذها فاطرحه في بيت المال واعطه نجومه وقال للعبد اذهب فقد عتقت فلما راى ذلك سيد العبد قبل المال قال واخبرنا معمر عن ايوب عن ابي قلابة قال كاتب عبد على اربعة الاف او خمسة الاف فجاء بها إلى سيده فقال خذها جميعا وصلني فابى سيده الا ان ياخذها في كل سنة نجما رجاء ان يرثه فاتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له فدعاه عثمان فعرض عليه ان يقبلها من العبد فابى فقال للعبد ائتني بما عليك فاتاه به فجعله في بيت المال وكتب له عتقا وقال للمولى ائتني كل سنة فخذ نجما فلما راى ذلك اخذ ماله وكتب عتقه قال واخبرنا بن جريج قال اخبرني عطاء ان مكاتبا عرض على سيده بقية كتابته فابى سيده فقال له عمرو بن سعيد وهو امير مكة هلم ما بقي عليك فضعه في بيت المال وانت حر وخذ انت نجومك في كل عام فلما راى ذلك سيده اخذ ماله قال واخبرنا بن جريج قال اخبرني بن مسافع عن مروان انه قضى بمثل هذه القضية في وردان قال ابو عمر على هذا مضى القضاء عند جمهور الفقهاء بالحجاز والشام والعراق وبه قال احمد واسحاق وذكر المزني عن الشافعي ويجبر السيد على قبول النجم اذا عجله له المكاتب واحتج في ذلك بعمر بن الخطاب قال الشافعي اذا كانت دنانير او دراهم او ما لا يتغير على طول العهد الحديد والنحاس وما اشبهه واما ما يتغير على المكث او كانت لحمولته مؤنة فليس عليه قبوله الا في موضعه قال فان كان في طريق حرابة او في بلد فيه نهب لم يلزمه قبوله الا ان يكون في ذلك الموضع كاتبه فيلزمه قبوله

قال ابو عمر وجه قول مالك على سيد المكاتب قبول الكتابة منه مريضا كان المكاتب او صحيحا لان المكاتبة عقد عتق على صفة وهي الاداء فاذا اداها لزم السيد قبولها فان امتنع من ذلك اجبر عليه لانه حق للمكاتب ومعلوم ان التاخير انما كان رفقا بالمكاتب لا بالسيد فاذا رضي المكاتب بتعجيل الكتابة لم يكن لامتناع السيد من ذلك وجه الا الاضرار فوجب ان يمنع منه ويجبر على القبول للمال لما فيه من الخير لهما جميعا وبالله التوفيق باب ميراث المكاتب اذا عتق مالك انه بلغه ان سعيد بن المسيب سئل عن مكاتب كان بين رجلين فاعتق احدهما نصيبه فمات المكاتب وترك مالا كثيرا فقال يؤدى إلى الذي تماسك بكتابته الذي بقي له ثم يقتسمان ما بقي بالسوية قال ابو عمر قول مالك في هذه المسالة كقول سعيد بن المسيب على اختلاف عنه وعن اصحابه في بعض معناها وقد ذكرنا ذلك عنهم في باب القطاعة في الكتابة وقد اختلف السلف في هذه المسالة على اقوال فذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سالت عطاء عن عبد بين رجلين اعتق احدهما شطره وامسك الاخر ثم مات قال لهم ميراثه شطرين بينهما وقاله عمرو بن دينار قال واخبرنا معمر عن ايوب عن اياس بن معاوية انه قضى بمثل قول عطاء وعن معمر عن بن طاوس عن ابيه مثله وقول احمد بن حنبل كقول عطاء وطاوس واياس قال واخبرنا معمر عن الزهري قال ميراثه للذي امسك قال واخبرنا بن جريج قال قال لي بن شهاب الرق يغلب النسب فهو للعتق اغلب قال واخبرنا معمر عن قتادة قال ميراثه للذي اعتق ويكون لصاحبه ثمنه

قال معمر واما بن شبرمة فقال ولاؤه وميراثه للاول لانه قد ضمنه حين اعتقه وللشافعي فيها قولان احدهما ان ما خلفه المكاتب اذا مات فبينهما الشطران يرثه المعتق لنصيبه بقدر الحرية فيه ويرثه الاخر بقدر العبودية فيه والاخر مثل قول سعيد بن المسيب وقول الثوري كقول بن شبرمة وهو قول ابي يوسف وسنزيد هذه المسالة بيانا في باب العتق ان شاء الله تعالى قال مالك اذا كاتب المكاتب فعتق فانما يرثه اولى الناس بمن كاتبه من الرجال يوم توفي المكاتب من ولد او عصبة قال وهذا ايضا في كل من اعتق فانما ميراثه لاقرب الناس ممن اعتقه من ولد او عصبة من الرجال يوم يموت المعتق بعد ان يعتق ويصير موروثا بالولاء قال ابو عمر على هذا قول جمهور الفقهاء ان ميراث الولاء لا يرثه الا العصبات من الرجال دون النساء وان النساء لا يرثن الا ولاء من اعتقن او كاتبن او يعتق من اعتقن او كاتبن ولا يستحق ميراث من مات من الموالي الا اقعد الناس بمن اعتقه واقربه إليه يوم يموت المولي من عصبته والعصبة البنون ثم بنوهم وان سفلوا ثم الاب بعد ولده وولد ولده ثم الاخوة لانهم بنو الاب ثم بنو الاخوة وان سفلوا ثم الجد او الاب ثم العم لانه بن الجد ثم بنو العم وعلى هذا التنزيل وهذا المجرى يجري ميراث الولاء وروى بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري انه اخبره عن سالم ان بن عمر كان يرث موالي عمر دون بنات عمر وهو قول علي وزيد وبن مسعود وعليه جمهور اهل العلم القائلون بان الولاء للكبر ومعنى الولاء للكبر أي للاقرب فالاقرب من المعتق السيد حين يموت المعتق المولي ولم يجعلوه مشتركا بين ذوي الفروض والعصبات على طريق الفرائض مثال ذلك اخوان ورثا مولى كان ابوهما قد اعتقه فمات احد الاخوين وترك ولدا ومات المولى فمن قال الولاء للكبر قال الميراث للاخ دون بن الاخ

وهو قول اكثر اهل العلم الا شريحا وفرقة لانهم جعلوا ميراث الولاء كميراث المال ذكر حماد بن سلمة عن قتادة ان شريحا قال في رجل ترك جده وابنه قال للجد السدس من الولاء وما بقي فللابن قال قتادة وقال زيد بن ثابت الولاء كله للابن قال حماد وسالت عنها اياس بن معاوية فقال كله للابن وقال كل انسان له فريضة مسماة فليس له من الولاء شيء قال ابو عمر يعني ان كل من لا يرث الا بفرض مسمى فلا يدخل له في ميراث الولاء واما من يرث في حال بفرض مسمى وفي حال بالتعصيب فانه لا يكون له شيء من الولاء في الحال التي له فيها فرض مسمى وان كان قد يكون عصبة في موضع اخر فيكون له الولاء قال مالك الاخوة في الكتابة بمنزلة الولد اذا كوتبوا جميعا كتابة واحدة اذا لم يكن لاحد منهم ولد كاتب عليهم او ولدوا في كتابته او كاتب عليهم ثم هلك احدهم وترك مالا ادي عنهم جميع ما عليهم من كتابتهم وعتقوا وكان فضل المال بعد ذلك لولده دون اخوته قال ابو عمر معنى قوله ان الاخوة اذا كاتب عليهم جروا مجرى البنين الذين ولدوا في كتابته او كاتب عليهم يرثونه بعد اداء كتابته مما يخلفه فاذا ادوا الكتابة من المال الذي تركه ورثوا الفضل كما يصنع البنون الذين ولدوا معه في كتابته او كاتب عليهم سواء اذا لم يكن معهم في الكتابة بنون ورثوه دون الاخوة الذين معهم في الكتابة ولا يرثه الا من معه في كتابته دون بنيه الاحرار وغيرهم اذا كانوا بنين واخوة هذا كله قول مالك رحمه الله ومذهبه وقد مضى ما للعلماء من التنازع والاختلاف في هذا الباب فاغنى ذلك عن تكراره باب الشرط في المكاتب قال مالك في رجل كاتب عبده بذهب او ورق واشترط عليه في

كتابته سفرا او خدمة او ضحية ان كل شيء من ذلك سمى باسمه ثم قوي المكاتب على اداء نجومه كلها قبل محلها قال اذا ادى نجومه كلها وعليه هذا الشرط عتق فتمت حرمته ونظر إلى ما شرط عليه من خدمة او سفر او ما اشبه ذلك مما يعالجه هو بنفسه فذلك موضوع عنه ليس لسيده فيه شيء وما كان من ضحية او كسوة او شيء يؤديه فانما هو بمنزلة الدنانير والدراهم يقوم ذلك عليه فيدفعه مع نجومه ولا يعتق حتى يدفع ذلك مع نجومه قال ابو عمر هكذا هو في الموطا عند رواته وذكر بن عبد الحكم في المختصر الصغير عن مالك انه لا باس ان يشترط الرجل على مكاتبه سفرا او خدمة يؤدي ذلك إليه مع كتابته وزعم بن الجهم ان هذا خلاف لما في الموطا وليس ذلك عندي بخلاف لان ما ذكره بن عبد الحكم انما هو جواز ما تنعقد عليه الكتابة والذي ذكره مالك في الموطا حكم ذلك تعجيل المكاتب كتابته وقد اختلف الفقهاء قديما وحديثا في هذا المعنى فمنهم من لم ير ان يثبت على المكاتب خدمة بعد اداء نجومه ولا بعد عتقه ومنهم من راى ان السيد في ذلك على شرطه ولا يعتق المكاتب حتى يخدم وياتي بجميع ما شرط عليه وحجة من ذهب إلى هذا حديث موسى بن عقبة وايوب بن موسى وعبيد الله بن عمر وغيرهم عن نافع عن بن عمر ان عمر بن الخطاب اعتق في وصيته كل مصل من سبي العرب في مال الله وشرط عليهم ان يخدموا الخليفة بعده ثلاث سنوات ومنهم من يروي في هذا الحديث انه نبه على عتقهم في مرضه وشرط عليهم ان يخدموا الخليفة بعده ثلاث سنين ومعمر عن بن شهاب قال اعتق عمر بن الخطاب رقيق الامارة وشرط عليهم ان يخدموا الخليفة بعده ثلاث سنين وانه يصحبكم بمثل ما كنت اصحبكم به وابتاع احدهم خدمته من عثمان بوصيف له

وممن راى ان الشرط باطل بن المسيب وشريح وعطاء قال بن جريج قلت لعطاء شرطوا على المكاتب انك تخدمنا شهرا بعد العتق قال لايجوز وقال عمرو بن دينار ما ارى كل شرط اشترط عليه في الكتابة الا جائزا بعد العتق ومعمر عن بن المسيب عن قتادة قال كل شرط بعد العتق فهو باطل وقاله بن شهاب قال ابو عمر القياس الا يعتق الا بعد الخروج مما شرط عليه لانه عتق نصفه فلا يقع بوجودها وليست الكتابة اشتراء منه لنفسه من سيده لانه لو كان كذلك لم يعد بالعجز عن الاداء رقيقا ولكان ذلك في ذمته كسائر اثمان السلع المبيعة بالنظرة ولم يجب لهذا ان العبد ان يعتقه سيده على ان يخدمه سنين معلومة انه لا يعتق الا بذلك وقيل قيل ان مالكا انما اسقط عن المكاتب اذا عجل نجومه الخدمة اليسيرة والاسفار القليلة وليس في قول مالك في الموطا ما يدل على ذلك ولا يهمنا القول ايضا معنى الا التحكم في الفرق بين يسير الخدمة وكثيرها قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه ان المكاتب بمنزلة عبد اعتقه سيده بعد خدمة عشر سنين فاذا هلك سيده الذي اعتقه قبل عشر سنين فان ما بقي عليه من خدمته لورثته وكان ولاؤه للذي عقد عتقه ولولده من الرجال او العصبة قال ابو عمر هذا يقضي بصحة ما رواه بن عبد الحكم دون ما رسمه في موطئه في المسالة قبل هذه وعلى هذا قول فقهاء الحجاز والعراق والشام ومصر قال مالك في الرجل يشترط على مكاتبه انك لا تسافر ولا تنكح ولا تخرج من ارضي الا باذني فان فعلت شيئا من ذلك بغير اذني فمحو كتابتك بيدي قال مالك ليس محو كتابته بيده ان فعل المكاتب شيئا من ذلك وليرفع سيده ذلك إلى السلطان وليس للمكاتب ان ينكح ولا يسافر ولا يخرج من ارض

سيده الا باذنه اشترط ذلك او لم يشترطه وذلك ان الرجل يكاتب عبده بمائة دينار وله الف دينار او اكثر من ذلك فينطلق فينكح المراة فيصدقها الصداق الذي يجحف بماله ويكون فيه عجزه فيرجع إلى سيده عبدا لا مال له او يسافر فتحل نجومه وهو غائب فليس ذلك له ولا على ذلك كاتبه وذلك بيد سيده ان شاء اذن له في ذلك وان شاء منعه قال ابو عمر اما قوله ليس للمكاتب ان ينكح فهو قول اكثر اهل العلم قال الشافعي وابو حنيفة ليس للمكاتب ان ينكح الا باذن سيده ولا يتسرى بحال قال ابو عمر هذا على اصل مذهبهما ان العبد لا يتسرى بحال لانه لا يملك وستاتي مسالة تسري العبد في موضعها ان شاء الله تعالى ذكر عبد الرزاق قال اخبرني رجل من قيس قال سالت ابا حنيفة هل يكتب في كتابة المكاتب انك لا تخرج الا باذني قال لا قلت لم قال لانه ليس له ان يمنعه وان يبتغي من فضل الله والخروج من الطلب قال فهل يكتب له ان لا يتزوج الا باذنه قال ان كتبه فحسن وان لم يكتبه فليس له ان يتزوج الا باذنه قلت له فهل يقول غيرك ان له ان يتزوج وان لم يشترط ذلك عليه قال نعم قلت افيكتبه اذا خاف غيركم قال نعم قال ابو عمر لم يسمع عبد الرزاق ان هذه المسالة من ابي حنيفة كما ترى وقد سمع منه كثيرا وأما السفر للمكاتب فالاكثر من العلماء يستحبونه للمكاتب ولا يجيزون للسيد ان يشترط عليه الا يسافر كما قال ابو حنيفة وقد اختلف في ذلك اصحاب ابي حنيفة و مالك ففي المدونة قال بن القاسم اذا كان الموضع القريب الذي لا يضر سيده في نجومه فله ان يسافر إليه وهذا خلاف ظاهر ما في الموطا وقال سحنون لا يجوز ان يشترط عليه ان لا يسافر الا باذنه في بعض الاقاويل وله ان يسافر بغير اذنه وان اشترطه عليه وللمكاتب ان يخرج فيسعى وكيف يسعى اذا منع من السفر وقال بن الماجشون في كتابه اذا كان البلد ضيق المتاجر لم يجز شرطه عليه الا يسافر الا باذنه لانه يحول بينه وبين اداء كتابته

قال ابو عمر في هذه المسالة ثلاثة اقوال لسائر العلماء احدها ان للمكاتب ان يسافر باذن سيده وبغير اذنه ولا يجوز ان يشترط عليه سيده ان لا يسافر الا باذنه وممن قال بهذا الشافعي وابو حنيفة والحسن بن صالح واحمد واسحاق ورواية عن الثوري وهو قول سعيد بن جبير والشعبي والقول الثاني قول مالك في موطئه والقول الثالث ان له ان يخرج في اسفاره الا ان يشترط سيده الا يخرج فيلزمه ما الزمه من ذلك قال ابو ثور وغيره واحمد واسحاق ورواية عن الثوري واما ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد وزفر فقالوا للمكاتب والمكاتبة ان يخرجا حيث احبا وليس لمولاهما ان يمنعهما ذلك وان كان اشترط ذلك عليهما فالشرط باطل اما النكاح فلا وقال أحمد وسفيان واسحاق لا ينكح الا باذن السيد الا ان يشترط عليه في عقد الكتابة ان لا ينكح فيلزمه باب ولاء المكاتب اذا اعتق قال مالك ان المكاتب اذا اعتق عبده ان ذلك غير جائز له الا باذن سيده فان اجاز ذلك سيده له ثم عتق المكاتب كان ولاؤه للمكاتب وان مات المكاتب قبل ان يعتق كان ولاء المعتق لسيد المكاتب وان مات المعتق قبل ان يعتق المكاتب ورثه سيد المكاتب قال مالك وكذلك ايضا لو كاتب المكاتب عبدا فعتق المكاتب الاخر قبل سيده الذي كاتبه فان ولاءه لسيد المكاتب ما لم يعتق المكاتب الاول الذي كاتبه فان عتق الذي كاتبه رجع إليه ولاء مكاتبه الذي كان عتق قبله وان مات المكاتب الاول قبل ان يؤدي او عجز عن كتابته وله ولد احرار لم يرثوا ولاء مكاتب ابيهم لانه لم يثبت لابيهم الولاء ولا يكون له الولاء حتى يعتق قال ابو عمر قد خالفه الشافعي وغيره قال الشافعي وان اعتق المكاتب

عبده او كاتبه باذن سيده ففيهما قولان احدهما انه لا يجوز لان الولاء لمن اعتق والثاني انه يجوز وفي الولاء قولان احدهما ان ولاءه موقوف فان عتق الاول المكاتب كان له وان لم يعتق حتى يموت فالولاء للسيد من قبل انه عند عبده عتق والثاني ان الولاء لسيد المكاتب بكل حال لانه عتق في حين لا يكون له في عتقه ولاء فان مات عبد المكاتب المعتق بعد ما يكتب وقف ميراثه في قول من اوقف الميراث كما وصفت فان عتق المكاتب الذي اعتقه فهو له وان مات وان عجز فلسيد المكاتب اذا كان حيا يوم يموت وان كان ميتا فلورثته من الرجال ميراثه وفي القول الثاني هو لسيد المكاتب لان ولاءه له قال المزني في الاملاء على كتاب مالك انه لو كاتب المكاتب عبده فاذا لم يعتق كما لو اعتقه لم يعتق قال المزني هذا اشبه عندي وقال ابو حنيفة اذا اعتق المكاتب عبده فعتقه له باطل اجاز ذلك السيد او لم يجزه وقال محمد بن الحسن محتجا لابي حنيفة ومذهبه في ذلك محال ان يقع عتقه في ذلك غير جائز ثم يجوز اذا اجازه السيد قال ابو عمر مما يدخل في هذا الباب من اقاويل السلف قال بن جريج قلت لعطاء كان للمكاتب عبد فكاتبه فعتق ثم مات لمن ميراثه قال من كان قبلكم يقولون هو للذي كاتبه يستعين به في كتابته وعن الثوري عن مغيرة عن ابراهيم انه سئل عن المكاتب يعتق عبدا له قال افلا يبدا بنفسه وبه عن ابراهيم في عبد كان لقوم فاذنوا له ان يشتري عبدا فيعتقه ثم باعوه باعه قال الولاء للاولين الذين اذنوا وقال الثوري في رجل كاتب عبدا له على اربعة الاف فاشترى العبد نفسه من المكاتبة فعتق قال يكون الولاء لسيد المكاتب

قال مالك في المكاتب يكون بين الرجلين فيترك احدهما للمكاتب الذي له عليه ويشح الاخر ثم يموت المكاتب ويترك مالا قال مالك يقضي الذي لم يترك له شيئا ما بقي له عليه ثم يقتسمان المال كهيئته لو مات عبدا لان الذي صنع ليس بعتاقة وانما ترك ما كان له عليه قال مالك ومما يبين ذلك ايضا انهم اذا اعتق احدهم نصيبه ثم عجز المكاتب لم يقوم على الذي اعتق نصيبه ما بقي من المكاتب ولو كانت عتاقة قوم عليه حتى يعتق في ماله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل فان لم يكن له مال عتق منه ما عتق قال مالك ومما يبين ذلك ايضا ان من سنة المسلمين التي لا اختلاف فيها ان من اعتق شركا له في مكاتب لم يعتق عليه في ماله ولو عتق عليه كان الولاء له دون شركائه ومما يبين ذلك ايضا ان من سنة المسلمين ان الولاء لمن عقد الكتابة وانه ليس لمن ورث سيد المكاتب من النساء من ولاء المكاتب وان اعتقن نصيبهن شيء انما ولاؤه لولد سيد المكاتب الذكور او عصبته من الرجال قال ابو عمر قد احتج مالك رحمه الله فاوضح وبين مذهبه وشرح ومن الخلاف في ذلك ان الشافعي قال ولو كان مكاتبا بين اثنين فوضع احدهما عنه نصيبه من الكتابة وابراه منه فهو كعتقه ويقوم عليه ان كان موسرا والولاء له وهو قول الكوفيين واحمد واسحاق قال ولو مات المكاتب ولم يقوم عليه لاعساره فالمال بينهما نصفان قال ولو مات السيد فابراه ورثته او بعضهم من الكتابة فانه يبرا من نصيب من ابراه ويعتق نصيبه كما لو ابراه الذي كاتبه من الكتابة عتق ومعنى الباب قد تقدم في باب القطاعة في الكتابة والحمد لله باب ما لا يجوز من عتق المكاتب قال مالك اذا كان القوم جميعا في كتابة واحدة لم يعتق سيدهم

احدا منهم دون موامرة اصحابه الذين معه في الكتابة ورضا منهم وان كانوا صغارا فليس مؤامرتهم بشيء ولا يجوز ذلك عليهم قال وذلك ان الرجل ربما كان يسعى على جميع القوم ويؤدي عنهم كتابتهم لتتم به عتاقتهم فيعمد السيد إلى الذي يؤدي عنهم وبه نجاتهم من الرق فيعتقه فيكون ذلك عجزا لمن بقي منهم وانما اراد بذلك الفضل والزيادة لنفسه فلا يجوز ذلك على من بقي منهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار وهذا اشد الضرر قال مالك في العبيد يكاتبون جميعا ان لسيدهم ان يعتق منهم الكبير الفاني والصغير الذي لا يؤدي واحد منهما شيئا وليس عند واحد منهما عون ولا قوة في كتابتهم فذلك جائز له قال ابو عمر قوله هذا صحيح على اصله في العبيد يكاتبون كتابة واحدة انهم حملاء بعضهم عن بعض ولا يصح من مذهب من جعلهم حملاء بعضهم من بعض ما قاله مالك رحمه الله وقد ذكرنا من خالفه في هذا الاصل ومن وافقه فيه من سائر العلماء في باب الحمالة في الكتابة وذكرنا اقوالهم في السيد يعتق بعض من كاتبه من عبيده كتابة واحدة انه يلزمه فيه العتق ويسقط من الكتابة عن اصحابه بقدر المعتق وان منهم من قال بالقيمة ومنهم من قال بقدر الغنى والحال ومنهم من قال على السواء في عددهم على الرؤوس بما اغنى عن اعادته ها هنا باب ما جاء في عتق المكاتب وام ولده قال مالك في الرجل يكاتب عبده ثم يموت المكاتب ويترك ام ولده وقد بقيت عليه من كتابته بقية ويترك وفاء بما عليه ان ام ولده امه مملوكة حين لم يعتق المكاتب حتى مات ولم يترك ولدا فيعتقون باداء ما بقي فتعتق ام ولد ابيهم بعتقهم قال ابو عمر قد تقدم ذكر ما لمذاهب العلماء في المكاتب يموت ويترك وفاء في كتابته وانه عبد ان لم يترك بنين ولدوا في كتابته او اخوة كاتب عليهم انه

يموت عبدا وماله الذي يخلفه لسيده وانه ان ترك بنين او اخوة كاتب عليهم ادوا عنه جميع الكتابة وعنهم في ذلك المال وورثوا الفضل في هذه المسالة في هذا الباب لم يترك ولدا ولا اخوة ولم يترك ام ولد وهي مال من ماله فهي لسيده لانه مات عبدا وعند الشافعي يموت عبدا على كل حال وماله لسيده ان مات وقد بقي عليه من كتابته درهم وام ولده كسائر ماله عنده ومذهب الكوفي قد ذكرناه فيما تقدم واختلف اصحاب مالك في ام ولد المكاتب يموت قبل الاداء ويترك لمكاتبه وفاء ما جاز لها فقال بن القاسم ان كان معها ولد عتقت وان لم يكن معها ولد فهي رقيق اذا ترك المكاتب وفاء قال ابو عمر قول بن القاسم صحيح على مذهب مالك في موطئه وغير موطئه وقال اشهب ليس بشيء مما وصفنا ولانهم اعني مالكا واصحابه لم يختلفوا ان للمكاتب ان يبيع ام ولده في دين لا يجد له قضاء ويبيعها اذا خاف العجز فهي كسائر ماله واذا مات قبل الاداء مات عبدا وماله لسيده قال مالك في المكاتب يعتق عبدا له أو يتصدق ببعض ماله ولم يعلم بذلك سيده حتى عتق المكاتب قال مالك ينفذ ذلك عليه وليس للمكاتب ان يرجع فيه فان علم سيد المكاتب قبل ان يعتق المكاتب فرد ذلك ولم يجزه فانه ان عتق المكاتب وذلك في يده لم يكن عليه ان يعتق ذلك العبد ولا ان يخرج تلك الصدقة الا ان يفعل ذلك طائعا من عند نفسه قال ابو عمر لم يختلفوا ان المكاتب ليس له ان يهلك ماله ويتلفه ولا شيئا منه الا بمعروف وان هبته وصدقته بغير التافة اليسير وعتقه كل ذلك باطل مردود اذا كان بغير اذن سيده واختلفوا اذا اذن له سيده او اجاز له عتقه على ما قدمنا ذكره

وكذلك اجمعوا ان له ان ينفق على نفسه من كسبه في كل ما يحتاج إليه من كسوته وقوته بالمعروف وانه في تصرفه في البيع والشراء بغير محاباة ولا غبن كالاحرار وقال الشافعي المكاتب ممنوع من استهلاك ماله وان يبيع الا بما يتغابن الناس بمثله ولا يهب الا باذن سيده ولا يكفر في شيء من الكفارات الا بالصوم وهو في بيعه وشرائه وفي الشفعة عليه وله في ما بينه وبين سيده والاجنبي سواء وقال المكاتب لا يبيع بدين ولا يهب لثواب واقراره في البيع جائز قال ولو كانت له على مواليه دنانير ولمولاه عليها مثلها فجعل ذلك قصاصا جاز قال ولو كانت احداهما دراهم والاخرى دنانير فاراد ان يجعلهما قصاصا لم يجز قال ابو عمر على اصله ان ما اعتقه المكاتب بغير اذن سيده لم ينفذ قبل عتقه ولا بعد عتقه واما ما تصدق ووهبه بغير اذن سيده ولم يعلم الا بعد اداء كتابته وعتقه فانه ينفذ منه كلما قبضه الموهوب له والمتصدق عليه وقال بقول مالك ان العتق نافذ ماض والصدقة والهبة اذا لم يعلم السيد بذلك حتى عتق المكاتب جماعة من العلماء قال ابو عمر اتفق مالك والشافعي وابو حنيفة والثوري انه لا ينبغي لسيد المكاتب ان يبيع منه درهما بدرهمين باب الوصية في المكاتب قال مالك ان احسن ما سمعت في المكاتب يعتقه سيده عند الموت ان المكاتب يقام على هيئته تلك التي لو بيع كان ذلك الثمن الذي يبلغ فان كانت القيمة اقل مما بقي عليه من الكتابة وضع ذلك في ثلث الميت ولم ينظر إلى عدد الدراهم التي بقيت عليه وذلك انه لو قتل لم يغرم قاتله الا قيمته يوم قتله ولو جرح لم يغرم جارحه الا دية جرحه يوم جرحه ولا ينظر في شيء من ذلك إلى ما كوتب عليه من الدنانير والدراهم لانه عبد ما بقي عليه من كتابته شيء وان كان الذي بقي عليه من كتابته اقل من قيمته لم يحسب في ثلث

الميت الا ما بقي عليه من كتابته وذلك انه انما ترك الميت له ما بقي عليه من كتابته فصارت وصية اوصى بها قال مالك وتفسير ذلك انه لو كانت قيمة المكاتب الف درهم ولم يبق من كتابته الا مائة درهم فاوصى سيده له بالمائة درهم التي بقيت عليه حسبت له في ثلث سيده فصار حرا بها قال ابو عمر يريد انه اذا اوصى رجل بمكاتبه مما بقي عليه من كتابته حسب في الثلث الاول من ذلك او من ثمن رقبته ويقوم عبدا فاذا قام ثلث سيده الاول من ثمن رقبته او مما بقي عليه خرج حرا وكذلك لو اعتقه في مرضه الذي مات فيه قومت رقبته عبدا في قيمته فان قومت ذلك الثلث خرج حرا كما يقوم لو قتله قاتل او جرحه جارح قوم عبدا وقوله احسن ما سمعت يدل انه قد سمع فيما رسمه غير ذلك وقد اختلف بن القاسم وغيره في مسالة هذا الباب فقال بن القاسم اذا اوصى سيد المكاتب بعتقه او بكتابته لم يدخل في ذلك من ثلثه الا الاقل من قيمة الرقبة او قيمة الكتابة ذكره سحنون في المدونه قاله وقال غيره الاقل من قيمة الرقبة او الكتابة نفسها لا قيمة المكاتبة قال ابو عمر اما تقويم الكتابة فواجب لانها عوض فاما الكتابة فان كانت عينا فلا وجه لتقويمها وان كانت عرضا فيمكن تقويمها وان كان المبتغى في القيمة الاقل منها ليتوفر الثلث ولا يضيق عن سائر الوصايا واما الشافعي فيجيز الوصية بمكاتبة المكاتب لم يختلف قوله في ذلك ادى الكتابة إلى الموصى له عتق والولاء لمن عقد كتابته واختلف قوله في الوصية لرقبته فمرة قال لا يجوز ذلك لانه لا يملكها ملكا صحيحا الا بالعجز وليس له بيعه ولا تعجيزه الا باقراره له بالعجز وليس للمكاتب عنده ان يعجز نفسه على ما ذكرناه عنه فيما تقدم كان له مال او قوة على الكسب او لم يكن وقد قال ان الوصية برقبته جائزة لان ذلك يعود إلى كتابته وذلك كله في ملكه

واختاره المزني وقال كيف لا يجوز ما يصنع في ملكه قال مالك في رجل كاتب عبده عند موته انه يقوم عبدا فان كان في ثلثه سعة لثمن العبد جاز له ذلك قال مالك وتفسير ذلك ان تكون قيمة العبد الف دينار فيكاتبه سيده على مائتي دينار عند موته فيكون ثلث مال سيده الف دينار فذلك جائز له وانما هي وصية اوصى له بها في ثلثه فان كان السيد قد اوصى لقوم بوصايا وليس في الثلث فضل عن قيمة المكاتب بدى ء بالمكاتب لان الكتابة عتاقة والعتاقة تبدا على الوصايا ثم تجعل تلك الوصايا في كتابة المكاتب يتبعونه بها ويخير ورثة الموصي فان احبوا ان يعطوا اهل الوصايا وصاياهم كاملة وتكون كتابة المكاتب لهم فذلك لهم وان ابوا واسلموا المكاتب وما عليه إلى اهل الوصايا فذلك لهم لان الثلث صار في المكاتب ولان كل وصية اوصى بها احد فقال الورثة الذي اوصى به صاحبنا اكثر من ثلثه وقد اخذ ما ليس له قال فان ورثته يخيرون فيقال لهم قد اوصى صاحبكم بما قد علمتم فان أحببتم ان تنفذوا ذلك لاهله على ما اوصى به الميت والا فاسلموا اهل الوصايا ثلث مال الميت كله قال فان اسلم الورثة المكاتب إلى اهل الوصايا كان لاهل الوصايا ما عليه من الكتابة فان ادى المكاتب ما عليه من الكتابة اخذوا ذلك في وصاياهم على قدر حصصهم وان عجز المكاتب كان عبدا لاهل الوصايا لا يرجع إلى اهل الميراث لانهم تركوه حين خيروا ولان اهل الوصايا حين اسلم اليهم ضمنوه فلو مات لم يكن لهم على الورثة شيء وان مات المكاتب قبل ان يؤدي كتابته وترك مالا هو اكثر مما عليه فماله لاهل الوصايا وان ادى المكاتب ما عليه عتق ورجع ولاؤه إلى عصبة الذي عقد كتابته قال ابو عمر اما قوله في رجل كاتب عبده عند موته انه يقوم عبدا فان كان في ثلثه سعة لثمن العبد جاز ذلك فعلى هذا جمهور العلماء وشذ اهل الظاهر فقالوا ذلك في راس ماله وكذلك عندهم كل عطية بتلة في المرض والحجة عليهم حديث عمران بن حصين في الذي اعتق ستة اعبد له عند موته

لا مال له غيرهم فاسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعه فهذه قضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ان فعل المريض في ماله اذا مات من مرضه ذلك حكمه حكم الوصايا وسنذكر هذا الحديث وما فيه من المعاني لسائر العلماء في موضعه ان شاء الله عز وجل واما قوله ان كان في ثلثه سعة لثمن العبد فذلك جائز يعني للعبد وانما هو وصية اوصى له بها في ثلثه كانه يعني اوصى له بثمانمائة دينار لانه كاتبه بمائتي دينار وقيمة العبد الف دينار وثلث سيده الف دينار فينبغي على هذا ان يكون اربعة اخماس العبد حرا لان من قول مالك في الرجل يوصي لعبده بثلث ماله انه يعتق في الثلث ان حمله ويعطى بعد عتقه ما فضل من الثلث ان فضل منه شيء وهو قول ابي حنيفة والثوري والليث والحسن بن صالح في الرجل يوصي لعبده وخالفهم الاوزاعي فقال من اوصى لعبده فوصيته باطل ويرجع ذلك إلى الورثة واما قوله في الورثة واذا قالوا ما اوصى به صاحبنا اكثر من الثلث انهم يخيرون بين ان يسلموا للموصى له ما اوصى له به وبين ان يعطوه جميع ثلث الميت فان هذه المسالة لمالك واصحابه وطائفة من اهل المدينة تعرف بمسالة خلع الثلث قد خالفهم فيها الشافعي والكوفيون واكثر الفقهاء وقالوا لا يجوز ذلك لانه بيع مجهول بمعلوم وتاتي في موضعها ان شاء الله تعالى قال مالك في المكاتب يكون لسيده عليه عشرة الاف درهم فيضع عنه عند موته الف درهم قال مالك يقوم المكاتب فينظر كم قيمته فان كانت قيمته الف درهم فالذي وضع عنه عشر الكتابة وذلك في القيمة مائة درهم وهو عشر القيمة فيوضع

عنه عشر الكتابة فيصير ذلك إلى عشر القيمة نقدا وانما ذلك كهيئته لو وضع عنه جميع ما عليه ولو فعل ذلك لم يحسب في ثلث مال الميت الا قيمة المكاتب الف درهم وان كان الذي وضع عنه نصف الكتابة حسب في ثلث مال الميت نصف القيمة وان كان اقل من ذلك او اكثر فهو على هذا الحساب قال ابو عمر ذكر بن عبد الحكم هذه المسالة فقال ومن كاتب عبده على عشرة الاف درهم فوضع عنه الف درهم فانه يطرح في ثلث مال الميت الاقل من عشر قيمة رقبته او من عشر كتابته ولو وضع عنه نصف كتابته او ثلثها كان كذلك ثم يوضع عن المكاتب من كل نجم عشره ويعتق منه عشره وهذا خلاف ما لمالك في هذه المسالة لانه لم يعتبر في قوله في الموطا الا قيمة الرقبة خاصة وفي رواية بن عبد الحكم يعتبر الاقل من قيمة الرقبة والكتابة فهذا موضع الخلاف بين الروايتين ومعنى هذه المسالة في اعتبار الاقل من قيمة العبد او الكتابة الاحتياط للثلث والتوفير على اهل الوصايا فيه وانما هذا عند ضيق الثلث قال مالك اذا وضع الرجل عن مكاتبه عند موته الف درهم من عشرة الاف درهم ولم يسم انها من اول كتابته او من اخرها وضع عنه من كل نجم عشره قال ابو عمر غيره يقول يعتق منه عشره قال ابو عمر واما مالك فقوله على اصله مطرد لانه لا يرى وضع احد الشريكين عتقا ويساوي بين الانجم لياخذ حقه من كل نجم لان معجل الانجم افضل من مؤخرها وان من جعل وضع الشريك وغير الشريك سواء في انه عتق فقوله يعتق منه عشرة مطرد على اصله وقد قيل انه يوضع عن المكاتب عشر كتابته في اخرها ليخرج به حرا فينتفع المكاتب بذلك ولو وضع في صدر الكتابة ثم عجز ذهب ذلك باطلا قال مالك واذا وضع الرجل عن مكاتبه عند موته الف درهم من اول كتابته او من اخرها وكان اصل الكتابة على ثلاثة الاف درهم قوم المكاتب قيمة النقد ثم قسمت تلك القيمة فجعل لتلك الالف التي من اول الكتابة حصتها من تلك القيمة

بقدر قربها من الاجل وفضلها ثم الالف التي تلي الالف الاولى بقدر فضلها ايضا ثم الالف التي تليها بقدر فضلها ايضا حتى يؤتى على اخرها تفضل كل الف بقدر موضعها في تعجيل الاجل وتاخيره لان ما استاخر من ذلك كان اقل في القيمة ثم يوضع في ثلث الميت قدر ما اصاب تلك الالف من القيمة على تفاضل ذلك ان قل او كثر فهو على هذا الحساب وهذا كله على ما قاله مالك على اصله ومذهبه ومعلوم ان اول نجم من نجوم المكاتب اكثر قيمة من الاخر لان المتعجل بين الناس اغبط من المتاخر فاذا علم ذلك عتق من المكاتب بقدر الالف المعجل بالغا ما بلغ من كتابته كان ذلك نصفها او ربعها او ما كان من اجزائها وكذلك العمل في الالف الذي من اخر الكتاب على حسب قيمته ايضا قال مالك في رجل اوصى لرجل بربع مكاتب او اعتق ربعه فهلك الرجل ثم هلك المكاتب وترك مالا كثيرا اكثر مما بقي عليه قال مالك يعطى ورثة السيد والذي اوصى له بربع المكاتب ما بقي لهم على المكاتب ثم يقتسمون ما فضل فيكون للموصى له بربع المكاتب ثلث ما فضل بعد اداء الكتابة ولورثة سيده الثلثان وذلك ان المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء فانما يورث بالرق قال ابو عمر وانما يقتسمون اثلاثا لان حصة الحرية التي للربع لا يؤخذ بها شيء فرجع ذلك إلى النصف والربع فصار النصف الثلثين والربع الثلث بما رجع إليه من حصة الحرية لان المعتق بعضه اذا مات كان ماله لمن له فيه الرق عند مالك وليس لمن اعتق منه شيء وسنذكر اختلافهم في هذه المسالة في كتاب العتق ان شاء الله تعالى قال مالك في مكاتب اعتقه سيده عند الموت قال ان لم يحمله ثلث الميت عتق منه قدر ما حمل الثلث ويوضع عنه من الكتابة قدر ذلك ان كان على المكاتب خمسة الاف درهم وكانت قيمته الفي درهم نقدا ويكون ثلث الميت الف درهم عتق نصفه ويوضع عنه شطر الكتابة هكذا هذه المسالة في الموطا وذكرها بن عبد الحكم فقال اذا اعتق المكاتب سيده عند الموت فانه يقوم ما بقي عليه من الكتابة وتقام رقبته فان

كانت قيمة الكتابة اقل من قيمة رقبته وضع ذلك في ثلث سيده وان كانت قيمته اقل من قيمة كتابته وضع ذلك في الثلث الاول منهما ثم يخرج حرا بتلك القيمة قال ابو عمر وهذا خلاف ما رواه يحيى في الموطأ في هذه المسألة وقد تقدم لمالك في الموطأ اصل ما ذكره بن عبد الحكم ومضى القول فيه قال مالك في رجل قال في وصيته غلامي فلان حر وكاتبوا فلانا تبدا العتاقة على الكتابة وذكر بن عبد الحكم هذه المسألة وزاد فان فضل شيء خير الورثة بين ان يمضوه مكاتبا او يعتقوا ما حمل الثلث منه بتلا قال ابو عمر انما بدا بالعتاقة لانه عتق متيقن وحرمته قد ثبتت والكتابة ليست كذلك لانه قد يعجز صاحبها فيعود رقيقا وسنذكر مذاهب العلماء في ما يبدا من الوصايا في كتاب الوصايا ان شاء الله تعالى كتاب المدبر باب القضاء في ولد المدبرة قال مالك الامر عندنا فيمن دبر جارية له فولدت اولادا بعد تدبيره اياها ثم ماتت الجارية قبل الذي دبرها ان ولدها بمنزلتها قد ثبت لهم من الشرط مثل الذي ثبت لها ولا يضرهم هلاك امهم فاذا مات الذي كان دبرها فقد عتقوا ان وسعهم الثلث قال ابو عمر اختلف العلماء في ولد المدبرة الذين تلدهم بعد تدبير سيدها لها من نكاح او زنى فقال الجمهور من العلماء ولدها بعد تدبيرها بمنزلتها يعتقون بعتقها ويرقون برقها ومعنى قولهم يعتقون بعتقها أي بموت سيدها واما لو اعتقها سيدها في حياته لم يعتقوا بعتقها وممن قال ان ولد المدبرة بمنزلتها كقول مالك سواء سفيان والاوزاعي وابو حنيفة واصحابه والحسن بن صالح وبن ابي ليلى وبن شبرمة والليث بن سعد واحمد بن إسحاق وهو احد قولي الشافعي وروي ذلك عن عثمان وبن مسعود وبن عمر وجابر ولا اعلم لهم مخالفا من الصحابة

وبه قال شريح ومسروق وسعيد بن المسيب وابو جعفر محمد بن علي والقاسم بن محمد والحسن البصري وبن سيرين ومجاهد والشعبي وابراهيم والزهري وعطاء على اختلاف عنه وطاوس وسعيد بن جبير ويحيى بن سعيد والشافعي في هذه المسالة كل هؤلاء يقولون ولد المدبرة بمنزلتها يعتقون بعتقها وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وللشافعي في هذه المسالة قول اخر وهو ان اولاد المدبرة مملوكون لا يعتقون بموت السيد وهو قول جابر بن زيد ابي الشعثاء وعطاء بن ابي رباح ومكحول وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز واختاره المزني من قول الشافعي قال وهو اشبههما بقول الشافعي لان التدبير عنده وصية يعتقها كما لو اوصى برقبتها لم يدخل في الوصية ولدها قال ابو عمر لم يدخل البويطي عنه هذه القولة وذكر عنه القولة الاولى فقال اذا دبر الرجل امته فولدها بمنزلتها يعتقون بعتقها ويرقون برقها ويقومون في الثلث كما تقوم الام وله ان يرجع فيمن دون الام ويرجع في الام دونهم وذكر المزني عنه هذا القول ثم قال قال الشافعي والقول الثاني ان ولدها مملوكون وذلك انها امة اوصى بعتقها لصاحبها فيها الرجوع ويبيعها ان شاء وليست الوصية بحرمة ثابتة فاولادها مملوكون قال الشافعي واخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن ابي الشعثاء قال اولادها مملوكون وروى الشافعي وغيره عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب انه قال اذا دبر الرجل جاريته فولدها بمنزلتها قال حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني ابو قلابة الرقاشي قال حدثني ابو عاصم عن بن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد قال ولد المدبرة عبيد وذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني عبد الاعلى عن بردة عن مكحول في اولاد المدبرة قال يبيعهم سيدهم ان شاء قال ابو عمر من جعلهم بمنزلة امهم فانهم على ما اجمعوا عليه في اولاد

الحرة انهم احرار وفي اولاد الامة انهم عبيد ومن قال انهم عبيد قد اجمعوا على انه لو قال لامته اذا دخلت الدار بعد سنة فانت حرة فدخلت الدار ان ولدها لا يعتقون بدخولها واجمع ان الموصي بعتقها لا يدخل ولدها في الوصية ان لم يوص بهم واما قول مالك في اخر هذه المسالة ان وسعهم الثلث فعلى هذا القول ايضا جمهور العلماء ان المدبر في الثلث وهو قول مالك والشافعي وابي حنيفة واصحابهم والثوري والاوزاعي والحسن بن صالح واحمد واسحاق وابي ثور وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال شريح وسعيد بن المسيب والشعبي والحسن وبن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومكحول وبن شهاب الزهري وحماد بن ابي سليمان وروى فيه حديثا مسندا انفرد به علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المدبر من الثلث وهذا خطا من علي بن ظبيان لم يتابع عليه وانما يرويه غيره عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر وقوله علي بن ظبيان كان قاضيا ببغداد تركوه لهذا الحديث وشبهه فهو عندهم متروك الحديث وقد ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني وكيع عن سفيان عن خالد عن ابي قلابة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال المدبر من الثلث قال وحدثني بن ادريس عن الاشعث عن الشعبي ان عليا رضي الله عنه كان يجعل المدبر من الثلث وان عامرا كان يفعله وقالت طائفة المدبر من راس المال روي ذلك عن عبد الله بن مسعود الا انه لم يروه الا جابر الجعفي عن القاسم بن عبد الرحمن عن مسروق عن بن مسعود وانما هو عن مسروق صحيح لا عن بن مسعود رواه جماعة من اهل الحديث عن إسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي ان شريحا كان يقول المدبر من الثلث

وكان مسروق يقول من راس المال فقلت للشعبي ايهما كان اعجب اليك فقال مسروق كان افقههما وشريح كان اقضاهما وروى بن عيينة عن عبد الملك بن سعيد بن ابجر عن الشعبي عن شريح انه جعل المدبر من الثلث وجعله مسروق من راس المال قال ابو عمر الجمهور على قول شريح وقد قال بقول مسروق في ذلك ابراهيم النخعي وسعيد بن جبير والليث بن سعد وزفر بن الهذيل كل هؤلاء يقولون المدبر من راس المال وروي عن ابراهيم وحماد روايتان احداهما من الثلث والاخرى من راس المال وقال بن عيينة كان بن ابي ليلى اول ما قضى جعل المدبر منة راس المال ثم رجع فجعله من الثلث قال ابو عمر قد اجمعوا ان سائر ما يقع بعد الموت في الثلث فكذلك المدبر وقال مالك كل ذات رحم فولدها بمنزلتها ان كانت حرة فولدت بعد عتقها فولدها احرار وان كانت مدبرة او مكاتبة او معتقة إلى سنين او مخدمة او بعضها حرا او مرهونة او ام ولد فولد كل واحدة منهن على مثال حال امه يعتقون بعتقها ويرقون برقها قال ابو عمر اما المرهونة والمخدمة فالخلاف بينهما من جماعة منهم الشافعي يرى اولادهما عبيدا قياسا على المستاجرة والموصى بها واما ولد ام الولد من زوج او من زنى فالخلاف بينهما من جماعة في ولدها عن عمر بن عبد العزيز ومكحول كانا يقولان ان اولادها عبيد يبتاعون وبه قال اهل الظاهر قال ابو عمر روى القعنبي وبن وهب عن العمري عن نافع عن بن عمر قال ولد ام الولد بمنزلتها ولا اعلم له من الصحابة مخالفا

واما القياس فولد كل امراة غيرها فلا يكون حكم حكمها الا باجماع وقد اجمعوا على ان ولدها تبع لها في الملك والحرية قال مالك في مدبرة دبرت وهي حامل ان ولدها بمنزلتها وانما ذلك بمنزلة رجل اعتق جارية له وهي حامل ولم يعلم بحملها قال مالك فالسنة فيها ان ولدها يتبعها ويعتق بعتقها قال مالك وكذلك لو ان رجلا ابتاع جارية وهي حامل فالوليدة وما في بطنها لمن ابتاعها اشترط ذلك المبتاع او لم يشترطه قال مالك ولا يحل للبائع ان يستثني ما في بطنها لان ذلك غرر يضع من ثمنها ولا يدري ايصل ذلك إليه ام لا وانما ذلك بمنزلة ما لو باع جنينا في بطن امه وذلك لا يحل له لانه غرر قال ابو عمر اما قوله في المدبرة الحامل فهو قول الجمهور والقائلين بان ولدها بمنزلتها واما احتجاجه وتمثيله والجارية بالجارية تباع وهي حامل فسياتي في كتاب البيوع بيع الجارية واستثناء ما في بطنها ففي ذلك اختلاف للسلف والخلف وقال الشافعي في الحامل تدبر ان جاءت بولد لاقل من ستة اشهر لم يدخل في التدبير وان جاءت به لستة اشهر فصاعدا فهو مدبر مع امه وهذا عندي على احد قوليه قال مالك في مكاتب او مدبر ابتاع احدهما جارية فوطئها فحملت منه وولدت قال ولد كل واحد منهما من جاريته بمنزلته يعتقون بعتقه ويرقون برقه قال مالك فاذا اعتق هو فانصما ام ولده مال من ماله يسلم إليه اذا اعتق قال ابو عمر اجمع علماء المسلمين بان ولد الحر من سريته تبع له لا لامه وانه حر مثله واجمعوا ان ولد العبد من سريته عند من اجاز له التسري باذن سيده وعند من لم يجزه عبد تبع لابيه وملك للسيد كابيه وامه وقال الجمهور منهم ولد المكاتب من سريته اذا اذن له سيده في التسري تبع

لابيه مكاتب مثله داخل في كتابته وكذلك المعتق بعضه سيده من سريته مثله واختلفوا في المدبر يتسرى فقال مالك في موطئه ما تقدم ذكره وعليه اصحابه وقال ابو حنيفة والشافعي واصحابهما ولد المدبر من سريته لا يكونون مدبرين قال الكوفيون لان لسيد المدبر ان ينتزع ماله وليس له ان ينتزع مال المكاتب فليس كالمكاتب واما الشافعي فالمدبر عنده وصية لسيده الرجوع فيه وبيعه جائز له ولا خلاف ان ولد الموصى به لا يدخل في الوصية الا ان يدخله السيد ويوصي به كما اوصى بابيه وكذلك العبد المرهون لا يدخل ولده من سريته في الرهن الا بالشرط واجمعوا على ان ولد المكاتب من سريته بمنزلته وان ولد الحر من سريته حر مثله وان ولد العبد من سريته عبد مثله عند من اجاز له التسري وعند من لم يجزه واجماعهم على هذا يقضي على ان ولد كل احد من سريته بمنزلته باب جامع ما في التدبير قال مالك في مدبر قال لسيده عجل لي العتق واعطيك خمسين منها منجمة علي فقال سيده نعم انت حر وعليك خمسون دينارا تؤدي الي كل عام عشرة دنانير فرضي بذلك العبد ثم هلك السيد بعد ذلك بيوم او يومين او ثلاثة قال مالك يثبت له العتق وصارت الخمسون دينارا دينا عليه وجازت شهادته وثبتت حرمته وميراثه وحدوده ولا يضع عنه موت سيده شيئا من ذلك الدين قال ابو عمر لا يجوز في تحصيل قول مالك في بيع المدبر الا من نفسه الا انه قد اختلف قوله اذا وقع البيع فيه وفات بالعتق وصار حرا وسنذكره في باب بيع المدبر ان شاء الله عز وجل

واذا كان له بيعه من نفسه فتعجيل العتق له على نجوم ياخذها منه مثل ذلك في الجواز لانه لا يدخله بيع ولاء ولا شيء يكره اذا كان المدبر راضيا بذلك وقد اختلف مالك واصحابه في العبد يقول له سيده انت حر وعليك خمسون دينارا فلم يرض بذلك العبد وذكر بن القاسم في المدونة عن مالك قال اراه حرا وعليه المال احب او كره وكذلك قال اشهب ومطرف واصبغ لانه لم يوجب له الجزية الا على ان يؤدي إليه المال ولا يضره تعجيل الحرية له باللفظ وقال بن القاسم ان رضي العبد بذلك لزمه المال وان لم يرض بذلك فهو حر الساعة ولا شيء عليه قال ولا يعجبني قول مالك في الزامه له المال وقال ابو حنيفة ان قال لعبده انت حر وعليك الف درهم كان حرا بغير شيء وقال ابو يوسف ومحمد ان قبل العبد ذلك كان حرا وكان عليه المال قال ابو عمر قول بن القاسم معناه صحيح لانه قوله لعبده انت حر لا مرجع له فيه جادا كان او لاعبا وقوله بعد وعليك من المال كذا اثبات مال في ذمة حر بغير رضاه وبغير عوض طلبه واشتراه ولا يجوز ذلك باجماع في ذمة حر وقال بن الماجشون العبد بالخيار ان شاء التزم المال وكان حرا وان شاء لم يلزمه ولا حرية له قال وهو بمنزلة قوله انت حر على ان عليك كذا وكذا فهو بالخيار قال ابو عمر ليس قوله انت حر على ان عليك كذا مثل قوله انت حر وعليك كذا وكذا لأن قوله انت حر على ان عليك كذا في كلام متصل شرط منه عليه ان رضيه لزمه ولا يصح في هذا القول دعوى الندم واذا اطلق له انت حر وعليك كذا فظاهره قد اوجب له الحرية ثم ندم فاوجب عليه معها شيئا لم يرضه فلا يلزمه من ذلك ما لم يرض ولم يختلفوا انه اذا قال لامراة انت طالق وعليك كذا انها طالق رضيت بما جعل عليها بعد الطلاق ام لم ترض وكذلك قوله انت حر وعليك كذا والله اعلم

وقال الشافعي اذا قال انت حر على ان عليك الف درهم او خدمة سنة فقيل له لزم ذلك وكان دينا عليه فان مات قبل ان يخدمه رجع المولي بقيمة الخدمة في ماله ان كان له مال قال ابو عمر هذا يدل على انه ان قبل كان حرا في الوقت وكانت الدراهم عليه دينا والخدمة وقال مالك اذا قال انت حر على ان تخدمني سنة فان كان عجل عتقه على ان يخدمه فهو حر والخدمة ساقطة عنه وان اراد ان يجعل عتقه بعد الخدمة لم يعتق حتى يخدمه سنة والسنة من وقت القول خدم او ابق او مرض وسواء قال هذه السنة او السنة قال ابو حنيفة وابو يوسف اذا قال انت حر على ان تخدمني اربع سنين فقبل فعتق ثم مات السيد ساعتئذ فعليه قيمة نفسه وقال محمد عليه قيمة خدمته اربع سنين وقال مالك في رجل دبر عبدا له فمات السيد وله مال حاضر ومال غائب فلم يكن في ماله الحاضر ما يخرج فيه المدبر قال يوقف المدبر بماله ويجمع خراجه حتى يتبين من المال الغائب فان كان فيما ترك سيده مما يحمله الثلث عتق بماله وبما جمع من خراجه فان لم يكن فيما ترك سيده ما يحمله عتق منه قدر الثلث وترك ماله في يديه قال ابو عمر على هذا اصله على ان العبد والمدبر تبعه ماله واما عند الشافعي وابي حنيفة واصحابهما فمال العبد والمدبر لسيده ولا يقوم في الثلث الا شخصه ورقبته دون ماله ولم يختلف مالك واصحابه ان المدبر لا يقوم في الثلث الا بجميع ماله وقالوا في المدبر يموت سيده ولا تخرج رقبته وماله من الثلث انه يعتق بعضه ويرق بعضه على حسب ما يحمل الثلث منه وما لا يحمله ويبقى جميع المدبر بيده وذكر بن حبيب ان بن وهب يقول ما خرج من الثلث من المال فهو باق بيد المدبر وما لم يخرج فهو مال للميت

ورواه عن ربيعة والله الموفق باب الوصية في التدبير قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا ان كل عتاقة اعتقها رجل في وصية اوصى بها في صحة او مرض انه يردها متى شاء ويغيرها متى شاء ما لم يكن تدبيرا فاذا دبر فلا سبيل له إلى رد ما دبر قال مالك وكل ولد ولدته امة اوصى بعتقها ولم تدبر فان ولدها لا يعتقون معها اذا عتقت وذلك ان سيدها يغير وصيته ان شاء ويردها متى شاء ولم يثبت لها عتاقة وانها هي بمنزلة رجل قال لجاريته ان بقيت عندي فلانة حتى اموت فهي حرة قال مالك فان ادركت ذلك كان لها ذلك وان شاء قبل ذلك باعها وولدها لانه لم يدخل ولدها في شيء مما جعل لها قال والوصية في العتاقة مخالفة للتدبير فرق بين ذلك ما مضى من السنة قال ولو كانت الوصية بمنزلة التدبير كان كل موص لا يقدر على تغيير وصيته وما ذكر فيها من العتاقة وكان قد حبس عليه من ماله ما لا يستطيع ان ينتفع به قال ابو عمر لا خلاف بين العلماء فيما علمت ان الوصية ليست كالتدبير الا من جعل المدبر وصية اجرى للمدبر الرجوع فيما دبر كالرجوع في الوصية فمن قال بهذا راى التدبير كالوصية فمن اهل العلم يقول المدبر وصية وليس منهم احد يقول ان الوصية تدبير وكل من قال ليس المدبر وصية لم يجز بيع المدبر ولا الرجوع فيه وسنذكر في باب بيع المدبر من راى بيعه وراه وصية ومن لم ير ذلك ان شاء الله تعالى وقد اختلفوا في لفظ التدبير فقال مالك اذا قال وهو صحيح انت حر بعد موتي فان كان اراد وجه الوصية فالقول قوله ويجوز بيعه وان اراد التدبير منع من بيعه وقال ابو حنيفة واصحابه اذا قال لعبده ان مت فانت حر فهو مدبر لا يجوز بيعه

وهو قول الثوري قالوا وان قال ان مت من مرضي هذا فأنت حر جاز بيعه وان مات من مرضه فهو حر قال ابو عمر لم يختلفوا انه اذا قال ان قدمت من سفري او مت من مرضي فأنت حر فليس بمدبر واختلف بن القاسم واشهب في من قال لعبده انت حر بعد موتي ولم يتبين هل اراد بقوله ذلك وصية او تدبيرا حتى مات فقال بن القاسم هو على الوصية حتى يتبين التدبير وقال اشهب ان كان ذلك في غير حين احداث وصية ولا سفر ولا لما جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا ينبغي لاحد ان يبيت ليلتين الا ووصيته عنده مكتوبة فهو تدبير وقال الشافعي اذا قال لعبده انت مدبر او انت عتيق او حر بعد موتي او حين مت او متى دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فهذا كله تدبير يخرج من الثلث ويرجع صاحبه في ما شاء منه ويبيعه متى شاء فهو وصية والمدبر عنده وصية يرجع فيه كما يرجع في سائر الوصايا قال مالك في رجل دبر رقيقا له جميعا في صحته وليس له مال غيرهم ان كان دبر بعضهم قبل بعض بدى ء بالاول فالاول حتى يبلغ الثلث وان كان دبرهم جميعا في مرضه فقال فلان حر وفلان حر وفلان حر في كلام واحد ان حدث بي في مرضي هذا حدث موت او دبرهم جميعا في كلمة واحدة تحاصوا في الثلث ولم يبدا احد منهم قبل صاحبه وانما هي وصية وانما لهم الثلث يقسم بينهم بالحصص ثم يعتق منهم الثلث بالغا ما بلغ قال ولا يبدا احد منهم اذا كان ذلك كله في مرضه قال ابو عمر الاختلاف في هذا الباب كثير وكذلك اختلف فيه اصحاب مالك فذكر بن حبيب في تفسيره للموطأ

قال بن القاسم وبن كنانه وبن الماجشون ومطرف اذا اعتق الرجل عبيدا له في مرضه عتقا بتلا او اوصى لهم كلهم بالعتاقة او بعضهم سماهم او لم يسمهم الا ان الثلث لا يحملهم ان السهم يجري فيهم كان له مال غيرهم او لم يكن قال وقال بن نافع ان كان له مال سواهم لم يستهم بينهم واعتق من كل واحد ما ينوبه وان لم يكن له مال سواهم او كان له مال لا يقوم فانه يقرع بينهم وقال اصبغ واشهب انما القرعة في الوصية واما العتق البتل فهم فيه كالمدبرين وروى سحنون انه اذا سماهم فهم كالمدبرين وان لم يسمهم عتق الثلث بالقرعة وكلهم يقول في الرجل يوصي بعتق عبيده في مرضه ولا مال له سواهم انه يقرع بينهم بالسهم كما جاء في الحديث في الذي اعتق ستة اعبد له عند موته ولا مال له غيرهم حاشى المغيرة المخزومي فانه قال لا يعدى بالقرعة موضعها التي جاءت فيه وسنذكر مسألة الستة الأعبد الذين اعتقهم سيدهم عند الموت ولا مال له غيرهم في موضعه من هذا الكتاب ان شاء الله تعالى قال مالك في رجل دبر غلاما له فهلك السيد ولا مال له الا العبد المدبر وللعبد مال قال يعتق ثلث المدبر ويوقف ماله بيديه قال ابو عمر انما قال ذلك لان اصله في العبد انما يملك ماله ما لم ينتزعه منه سيده وان ماله تبع له عند العتق والتدبير ومعلوم ان في التدبير شعبة من العتق فكذلك راى ان يكون المدبر وماله معا في الثلث واما الشافعي والكوفيون فلا يرون ان يقوم الثلث الا رقبة المدبر دون ماله لانه لا مال له عندهم وما بيده من المال فهو لسيده في حال التدبير وفي حين العتق وقبله قال مالك في مدبر كاتبه سيده فمات السيد ولم يترك مالا غيره قال مالك يعتق منه ثلثه ويوضع عنه ثلث كتابته ويكون عليه ثلثاها

قال ابو عمر هذا صحيح في قوله ولا خلاف في ذلك بين العلماء القائلين بأن المكاتب عبد ما بقي عليه شيء من كتابته قال مالك في رجل اعتق نصف عبد له وهو مريض فبت عتق نصفه او بت عتقه كله وقد كان دبر عبدا له اخر قبل ذلك قال يبدا بالمدبر قبل الذي اعتقه وهو مريض وذلك انه ليس للرجل ان يرد ما دبر ولا ان يتعقبه بأمر يرده به فاذا عتق المدبر فليكن ما بقي من الثلث في الذي اعتق شطره حتى يستتم عتقه كله في ثلث مال الميت فان لم يبلغ ذلك فضل الثلث عتق منه ما بلغ فضل الثلث بعد عتق المدبر الاول قال ابو عمر وجه قول مالك في ذلك ان المدبر عنده لا يجوز الرجوع فيه لمدبره بوجه من الوجوه فاذا قصد إلى عتق بتل قد علم ان ثلثه يضيق عنه او لم يعلم فضاف الثلث عند موته عنه فان حكمه حكم من قصد إلى ابطال التدبير فلذلك قدم التدبير عليه فاذا كان كذلك لم يبطل التدبير واما الشافعي وغيره فانهم يقولون ان العتق البتل اولى من المدبر وهو المبدى عليه لانه عتق متيقن لا يحل رده والمدبر عنده يجوز الرجوع فيه لانه وصية بالثلث فكذلك بدى ء الذي بتل عتقه في المرض وسنذكر قول الكوفيين في باب ما يبدا من الوصايا ان شاء الله تعالى باب مس الرجل وليدته اذا دبرها مالك عن نافع ان عبد الله بن عمر دبر جاريتين له فكان يطؤهما وهما مدبرتان مالك عن يحيى بن سعيد ان سعيد بن المسيب كان يقول اذا دبر الرجل جاريته فان له ان يطأها وليس له ان يبيعها ولا يهبها وولدها بمنزلتها قال ابو عمر قد روي عن بن عباس مثل قول بن عمر وعلى هذا جمهور العلماء من الحجاز والعراق وفقهاء جماعة الامصار مالك والثوري

والحسن بن صالح والليث وابو حنيفة والشافعي واحمد واسحاق وابو ثور وداود والطبري وكان الزهري يكره وطء المدبرة ولا يجيزه وقال احمد بن حنبل لا اعلم احدا كره ذلك غير الزهري قال ابو عمر اظن الزهري تأول في ذلك والله اعلم قول بن عمر لا يطأ الرجل وليدة الا وليدته ان شاء باعها وان شاء وهبها وان شاء صنع بها ما شاء لم يبلغه ان بن عمر كان يطأ مدبرته قال الاوزاعي ان كان يطأها قبل تدبيره لها فلا بأس ان يطأها بعد ذلك وان كان لا يطأها قبل تدبيره لها فأكره له وطأها قال ابو عمر من كره وطء المدبرة شبهها بالمعتقة إلى اجل ات لا محالة والمعتقة إلى اجل قاسها الذي كره وطأها على نكاح المتعة لانه نكاح إلى اجل ومن اجاز وطى ء المدبرة شبهها بأم الولد لانهما لا يقع عتقهما الا بعد الموت باب بيع المدبر قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في المدبر ان صاحبه لا يبيعه ولا يحوله عن موضعه الذي وضعه فيه وانه ان رهق سيده دين فان غرماءه لا يقدرون على بيعه ما عاش سيده فان مات سيده ولا دين عليه فهو في ثلثه لانه استثنى عليه عمله ما عاش فليس له ان يخدمه حياته ثم يعتقه على ورثته اذا مات من راس ماله قال ابو عمر روي عن بن عمر وزيد بن ثابت ان المدبر لا يباع وبه قال شريح والشعبي وسعيد بن المسيب والزهري وبن سيرين وروى حماد بن زيد عن ايوب عن نافع عن بن عمر انه كره بيع المدبر وقال ابو بكر بن ابي شيبة حدثني ابو خالد الاحمر وحفص بن غياث عن الحجاج عن الحسن بن حكيم عن زيد بن ثابت وعن الحجاج عن شريح قالا المدبرة لا تباع وقال ابو حنيفة واصحابه والثوري والحسن بن صالح وبن ابي ليلى وبن

شبرمة وجماعة اهل الكوفة لا يباع المدبر في دين ولا في غير دين في الحياة ولا بعد الممات وان باعه سيده في حياته فالبيع مفسوخ اعتقه المشتري او لم يعتقه فان مات سيده خرج حرا من ثلثه وان لم يحمله الثلث اعتق منه ما حمل الثلث ويسعى في باقي قيمتها للورثة ان لم يجيزوا في قول ابي حنيفة واصحابه وقال مالك يجوز بيع المدبر فان باعه سيده واعتقه المشتري فالعتق جائز وينتقض التدبير وقال مالك لا يجوز بيع المدبر فان باعه سيده واعتقه فالولاء للمعتق ولا شيء له على البائع ولو كانت امة فوطئها وحملت منه صارت ام ولد وبطل التدبير وقال الاوزاعي لا يباع المدبر الا نفسه او من رجل يعجل عتقه وولاؤه لمن اشتراه ما دام الاول حيا فاذا مات المولى رجع الولاء إلى ورثته وقال الليث بن سعد اكره بيع المدبر فان باعه فأعتقه المشتري جاز عتقه وولاؤه لمن اعتقه وقال عثمان البتي والشافعي بيع المدبر جائز قال الشافعي في كتاب البويطي ويجوز بيع المدبر كان لصاحبه مال غيره او لم يكن وكان عليه دين او لم يكن واحتاج او لم يحتج لان النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبرا وفي الحديث انه لا مال لصاحبه غيره وقد يكون لا مال له غيره ولا يحتاج لقوته وكسبه ولوجوه غير ذلك ومن حل له بيع شيء في الحاجة حل له في غناه والمدبر وصية وقال المزني قال الشافعي اخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وعن أبي الزبير سمعا جابر بن عبد الله يقول دبر رجل منا غلاما له ليس له مال غيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يشتريه فاشتراه نعيم بن النحام قال عمرو سمعت جابرا يقول عبد قبطي مات عام اول وفي امارة بن الزبير يقال له يعفور

قال وباعت عائشة مدبرة لها سحرتها قال وقال مجاهد وطاوس المدبر وصية يرجع فيه صاحبه ان شاء وروى الشافعي وغيره عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال باعت عائشة جارية لها كانت دبرتها سحرتها وامرت ان يجعل ثمنها في مثلها وعن بن عيينة عن بن ابي نجيح عن مجاهد قال المدبر وصية يرجع فيها صاحبها متى شاء قال ابو عمر يقول الشافعي في بيع المدبر بقول احمد واسحاق وابو ثور وداود وهو قول عمرو بن دينار وعطاء وقد روي عن عطاء انه لا يبيعه الا ان يحتاج قال مالك وان مات سيد المدبر ولا مال له غيره عتق ثلثه وكان ثلثاه لورثته قال ابو عمر هو قول الشافعي وقد تقدم من قول الكوفيين ان ثلثه حر ويسعى في قيمة ثلثيه للورثة الا ان يكونوا بالغين لا يجيزوا والصواب ما قال مالك ومن تابعه لان المدبر في الثلث في قولهم وقول الجمهور الا من شذ واذا لم يكن لسيده مال سواه لم يكن له اكثر من ثلثه وقد ملك الله الورثة ثلثيه بالميراث فكيف يحال بينهم وبين ما ملكهم الله اياه بغير طيب من انفسهم بذلك ويحالون على سعي لا يريدونه ولا يدرون ما يحصلون عليه منه قال مالك فان مات سيد المدبر وعليه دين محيط بالمدبر بيع في دينه لانه انما يعتق في الثلث قال فان كان الدين لا يحيط الا بنصف العبد بيع نصفه للدين ثم عتق ثلث ما بقي بعد الدين قال ابو عمر قد بين مالك رحمه الله وجه قوله ومعناه وذلك ان المدبر في الثلث وكل ما كان في الثلث فهو يجري مجرى الوصايا وقد اجمع علماء المسلمين على ان الدين قبل الوصية وقبل الميراث وان

الوصية لا يتعدى بها الثلث فلهذا قال ان المدبر يباع كله في الدين ان كان الدين يحيط به أو يباع بعضه على قدر الدين وما بقي فهو في الميراث تنفذ الوصية في ثلثه قل أو كثر وثلثاه للورثة ومن اصله ان من كان عليه دين لم يجز له عتق ولا تدبير ويرد عتقه وتدبيره لان الدين اداؤه فرض والعتق تطوع واما الكوفيون وابو حنيفة واصحابه والحسن بن حي وهو قول الاوزاعي يقولون اذا كان الدين على سيد المدبر مثل قيمته او اكثر سعى في قيمته ولا يباع شيء منه في الدين ومن حجتهم ان المدبر لما لم يجز بيعه في الحياة من اجل الحرية التي يستحقها بالموت كان اولى الا يباع في الحال التي يستحق فيها الحرية وهي موت سيده واما الشافعي فالمدبر عنده وصية يبيعه سيده في حياته ان شاء وبيعه له رجوع فيه كما يرجع في وصيته ويباع في الدين كما يباع في غير المدبر قال ابو عمر ولو اعتق عبده في مرضه عتقا بتلا ولا مال له غيره وعليه دين يحيط بثمنه بيع في الدين ولم ينفذ عتقه وهو قول مالك وبن ابي ليلى وجماعة منهم احمد وداود وقال ابو حنيفة واصحابه ينفذ عتقه ويسعى في قيمته وهو قول الثوري وبن شبرمة وعثمان البتي وعبيد الله والحسن وسوار وهو قول ابراهيم النخعي قال ابو عمر قد بينا فساد هذا القول في ما تقدم فلا معنى لاعادته قال مالك لا يجوز بيع المدبر ولا يجوز لاحد ان يشتريه الا ان يشتري المدبر نفسه من سيده فيكون ذلك جائزا له او يعطي احد سيد المدبر مالا ويعتقه سيده الذي دبره فذلك يجوز له ايضا قال مالك وولاؤه لسيده الذي دبره قال ابو عمر لا يختلفون فيما علمت انه يشتري المدبر نفسه من سيده لانه يعتقه على مال ياخذه منه وعلى غير مال

واما قوله او يعطي احد سيده مالا فيعتقه فقد كره قوم ان ياخذ من احد مالا ليعتق مدبره ويكون الولاء له واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن اعطى الثمن قال مالك لا يجوز بيع خدمة المدبر لانه غرر اذ لا يدرى كم يعيش سيده فذلك غرر لا يصلح قال ابو عمر هذا ايضا ما لا خلاف فيه انه لا يجوز لانه من بيوع الغرر كما انه لا خلاف ان السيد المدبر يواجره اياما معلومة او مدة يجوز في مثلها استئجار الحر والعبد وقال مالك في العبد يكون بين الرجلين فيدبر احدهما حصته انهما يتقاومانه فان اشتراه الذي دبره كان مدبرا كله وان لم يشتره انتقض تدبيره الا ان يشاء الذي بقي له فيه الرق ان يعطيه شريكه الذي دبره بقيمته فان اعطاه اياه بقيمته لزمه ذلك وكان مدبرا كله قال ابو عمر اما اختلاف الفقهاء في هذه المسالة فان الشافعي لا باس عنده ان يدبر الرجل حصته من عبد بينه وبين غيره كما له ان يوصي بذلك والمدبر عنده والعبد غير المدبر سواء ويبقى نصيب الذي دبر مدبرا ونصيب الذي لم يدبر على حاله فان مات الذي دبر نصفه اعتق نصفه ولم يقوم النصف الثاني لان المال قد صار الي الورثة وقد الزم الشافعي مالكا في هذه المسالة بيع المدبر وزعم انه قد نقض فيها قوله لا يباع المدبر باجازته المقاومة فيه لانه اذا وقع في ملك الذي لم يدبر انتقض التدبير وصار بيعا لما كان دبر منه واما ابو حنيفة فيقول اذا دبر احد الشريكين في عبد حصته فان لشريكه في ذلك خمس خيارات ان شاء امسك بحصته وان شاء استسعى العبد في قيمة الحصة التي له فيها وان شاء قومها على شريكه كان موسرا او معسرا وقال في الموسر ان شاء ضمنه وان شاء استسعى العبد وان كان معسرا سعى العبد ولم يرجع على العتق وقال ابو يوسف ومحمد في مدبر بين رجلين يعتقه احدهما اذا كان

المعتق موسرا فشريكه بالخيار ان شاء اعتق وان شاء ضمن نصف قيمته مدبرا وان شاء استسعى والولاء بينهما نصفان وقال مالك يقوم على الذي اعتق قيمة عبد وينفسخ التدبير وقال الليث لا يضمن المعتق ونصيب الاخر على ملكه يخدم المدبر للشريك يوما ولنفسه يوما وان مات العبد ورثه الذي له في الرق وقال الليث في عبد بين رجلين دبره احدهما قال يقوم عليه ويدفع إلى صاحبه نصف قيمته ويكون مدبرا كله فان لم يكن له مال سعى في نصف قيمته حتى يؤديها إلى صاحبه فاذا اداها رجع إلى الذي دبر نصفه فكان مدبرا كله فان مات العبد في حال سعايته وترك مالا دفع إلى الذي دبر نصفه فكان الذي لم يدبر ما بقي عليه من نصف قيمته ثم كان ما بقي للذي دبره واختلفوا في العبد بين الرجلين دبر احدهما نصيبه واعتق الاخر فقال مالك يقوم على الذي اعتقه وهو احب الي وقال الشافعي ان كان الذي اعتق موسرا فالعبد حر كله وعليه نصف قيمته للذي دبره وله ولاؤه وان كان معسرا فنصيبه منه حر ونصيب شريكه مدبر وقال بن ابي ليلى ان كان المعتق معسرا سعى العبد في نصف قيمته الذي دبر ويرجع بذلك على المعتق يتبعه به دينا والولاء كله له وان كان موسرا ضمن نصف القيمة وبطل التدبير واعتق كله على المعتق وقال ابو حنيفة ان شاء الذي دبر ضمن نصف القيمة وان شاء استسعى العبد وان شاء اعتق هذا اذا كان المعتق موسرا وان كان معسرا استسعى العبد ان شاء في نصف قيمته وان شاء اعتق وقال ابو يوسف ومحمد اذا دبر ثم اعتق شريكه كان عتقه باطلا وضمن الذي دبر نصف قيمته موسرا كان او معسرا كان مدبرا كله وقال مالك في رجل نصراني دبر عبدا له نصرانيا فاسلم العبد

قال مالك يحال بينه وبين العبد ويخارج على سيده النصراني ولا يباع عليه حتى يتبين امره فان هلك النصراني وعليه دين قضي دينه من ثمن المدبر الا ان يكون في ماله ما يحمل الدين فيعتق المدبر قال ابو عمر للشافعي في هذه المسالة قولان احدهما كقول مالك والاخر يباع عليه ساعة اسلم واختاره المزني لان المدبر وصية ولا يجوز ترك مسلم في ملك مشرك يذله وقد صار بالاسلام عدوا له وقال الليث بن سعد يباع على النصراني من مسلم يعتقه ويكون ولاؤه للذي اشتراه واعتقه ويدفع إلى النصراني ثمنه وقال سفيان والكوفيون اذا اسلم النصراني قوم قيمته فسعى في قيمته فان مات النصراني قبل ان يفرغ المدبر من سعايته عتق العبد وبطلت السعاية باب جراح المدبر مالك انه بلغه ان عمر بن عبد العزيز قضى في المدبر اذا جرح ان لسيده ان يسلم ما يملك منه إلى المجروح فيختدمه المجروح ويقاصه بجراحه من دية جرحه فان ادى قبل ان يهلك سيده رجع إلى سيده قال مالك والامر عندنا في المدبر اذا جرح ثم هلك سيده وليس له مال غيره انه يعتق ثلثه ثم يقسم عقل الجرح اثلاثا فيكون ثلث العقل على الثلث الذي عتق منه ويكون ثلثاه على الثلثين اللذين بايدي الورثة ان شاؤوا اسلموا الذي لهم منه إلى صاحب الجرح وان شاؤوا اعطوه ثلثي العقل وامسكوا نصيبهم من العبد وذلك ان عقل ذلك الجرح انما كانت جنايته من العبد ولم تكن دينا على السيد فلم يكن ذلك الذي احدث العبد بالذي يبطل ما صنع السيد من عتقه وتدبيره فان كان على سيد العبد دين للناس مع جناية العبد بيع من المدبر بقدر عقل الجرح وقدر الدين ثم يبدا بالعقل الذي كان في جناية العبد فيقضى من ثمن العبد ثم يقضى دين سيده ثم ينظر إلى ما بقي بعد ذلك من العبد فيعتق ثلثه ويبقى ثلثاه للورثة وذلك ان جناية العبد هي اولى من دين سيده وذلك ان الرجل اذا هلك وترك عبدا مدبرا قيمته خمسون ومائة دينار وكان العبد قد شج رجلا حرا

موضحة عقلها خمسون دينارا وكان على سيد العبد من الدين خمسون دينارا قال مالك فانه يبدا بالخمسين دينارا التي في عقل الشجة فتقضى من ثمن العبد ثم يقضى دين سيده ثم ينظر إلى ما بقي من العبد فيعتق ثلثه ويبقى ثلثاه للورثة فالعقل اوجب في رقبته من دين سيده ودين سيده اوجب من التدبير الذي انما هو وصية في ثلث مال الميت فلا ينبغي ان يجوز شيء من التدبير وعلى سيد المدبر دين لم يقض وانما هو وصية وذلك ان الله تبارك وتعالى قال من بعد وصية يوصى بها او دين قال مالك فان كان في ثلث الميت ما يعتق فيه المدبر كله عتق وكان عقل جنايته دينا عليه يتبع به بعد عتقه وان كان ذلك العقل الدية كاملة وذلك اذا لم يكن على سيده دين وقال مالك في المدبر اذا جرح رجلا فاسلمه سيده إلى المجروح ثم هلك سيده وعليه دين ولم يترك مالا غيره فقال الورثة نحن نسلمه إلى صاحب الجرح وقال صاحب الدين انا ازيد على ذلك انه اذا زاد الغريم شيئا فهو اولى به ويحط عن الذي عليه الدين قدر ما زاد الغريم على دية الجرح فان لم يزد شيئا لم ياخذ العبد وقال مالك في المدبر اذا جرح وله مال فابى سيده ان يفتديه فان المجروح ياخذ مال المدبر في دية جرحه فان كان فيه وفاء استوفى المجروح دية جرحه ورد المدبر إلى سيده وان لم يكن فيه وفاء اقتضاه من دية جرحه واستعمل المدبر بما بقي له من دية جرحه قال ابو عمر قد احتج مالك في هذا الباب واوضح ما ذهب إليه فالزيادة فيه تكلف واما اختلاف الفقهاء في جراح المدبر فجملة قول مالك في ذلك اذا جنى المدبر اسلم السيد خدمته ان شاء وان شاء فداه فان مات سيده خرج حرا من ثلثه واتبعه الجاني بما جنى وسنذكر قوله في جناية ام الولد في الباب بعد هذا ان شاء الله تعالى واما ابو حنيفة فالمدبر عنده وام الولد سواء لا سبيل إلى اسلام واحد

منهما وعلى السيد اقل من ارش الجناية او قيمة الرقبة فان جنى بعد ذلك او احدهما فالمجني عليه شريك الاول وقال زفر المجني عليه بالخيار ان شاء استسعى المدبر بقية جنايته وان شاء اتبع سيده وقال ابو يوسف ومحمد يستسعى المدبر في جنايته ولا شيء على المولى واما الشافعي فالمدبر عنده لسيده عبد له الرجوع فيه وله اسلامه بجنايته وفداؤه كسائر العبيد واما اسلام المدبر فهو اسلام خدمته إلى المجروح ليستوفي منها مقدار دية جرحه ثم يعتق من المدبر ثلثه ان لم يكن لسيده مال غيره هذا اذا لم يكن عليه دين فان كان عليه دين واراد الغرماء الزيادة على دية الجرح فهي من حقوقهم لانهم يدفعون إلى المجروح من قبل انفسهم دية الجرح وياخذون المدبر لانفسهم فيستوفون من خدمته مقدار ما ادوه إلى صاحب الجرح لان ذلك ينحط من دين صاحبه وانما يقضى لهم بذلك على المجروح فانه لا ضرر على المجروح في ذلك وفيه منفعة للعبد والورثة فاما منفعة العبد فانه ياخذ من تلك الزيادة التي زادها الغرماء على دية الجرح ثلثها وتكون فيه من الحرية بقدر ذلك فاما منفعة الورثة فانه ينحط من الدين عنهم بمقدار تلك الزيادة لانه لا ميراث الا بعد الدين فهذه مذاهب اصول هؤلاء الفقهاء ائمة الفتوى في جناية المدبر وكل ما يفرغ منها يسهل رده عليها بفضل الله وعونه وبالله التوفيق لا شريك له باب ما جاء في جراح ام الولد قال مالك في ام الولد تجرح ان عقل ذلك الجرح ضامن على سيدها في ماله الا ان يكون عقل ذلك الجرح اكثر من قيمة ام الولد فليس على سيدها ان يخرج اكثر من قيمتها وذلك ان رب العبد او الوليدة اذا اسلم غلامه او

وليدته بجرح اصابه واحد منهما فليس عليه اكثر من ذلك وان كثر العقل فاذا لم يستطع سيد ام الولد ان يسلمها لما مضى في ذلك من السنة فانه اذا اخرج قيمتها فكانه أسلمها فليس عليه اكثر من ذلك وهذا احسن ما سمعت وليس عليه ان يحمل من جنايتها اكثر من قيمتها قال ابو عمر قوله وهذا احسن ما سمعت في ما وصف دليل على انه قد سمع الاختلاف فيه ومن الاختلاف في ذلك ما رواه انس بن الوليد عن ابي يوسف قال سالت ربيعة بن ابي عبد الرحمن عن ام ولد قتلت رجلا قال يقال لمولاها اد دية قتيلها فان فعل ذلك والا اعتقتها عليه وجعلت دية قتيلها على عاقلتها وقال الليث بن سعد في جناية ام الولد يخير المولى بين ان يؤدي عقل جنايتها بينه وبين قيمة رقبتها وان شاء اسلمها لتسعى في قيمتها ليس على المولى غير ذلك قال مالك واصحابه ليس إلى اسلام ام الولد بجنايتها سبيل وعلى السيد ان يفديها بجنايتها الا ان تكون الجناية اكثر من قيمة رقبتها فليس عليه اكثر من قيمة رقبتها امة وانما عليه الاقل من قيمة الرقبة او ارش الجناية فان جنت بعد ذلك كان عليه ايضا اخراج قيمتها مرة ثانية وكذلك ثالثة ورابعة واكثر وبهذا قال المغيرة المخزومي وروي عن مالك انه ليس على سيدها ان يخرج على قيمتها الا قيمة واحدة وبه قال بن القاسم وكذلك اختلف قول الشافعي فيها على هذين القولين ذكر المزني عن الشافعي ان جنت ام الولد ضمن سيدها الاقل من الارش او القيمة فان جنت اخرى ففيها قولان احدهما ان الثاني يشارك الاول في تلك القيمة ثم هكذا كلما جنت والقول الثاني ان المولى يغرم قيمة اخرى للثاني وكذلك كلما جنت واما ابو حنيفة فام الولد عنده والمدبر سواء لا سبيل إلى اسلام واحد منهما بجنايته وعلى السيد الاقل من ارش الجناية او قيمة الرقبة فان جنتا بعد ذلك فالمجني عليه شريك الاول

وقال زفر في ام الولد اذا جنت مرة بعد مرة فعلى السيد اخراج القيمة ثانية وثالثة ولو قتلت رجلين او ثلاثة خطا فعلى المولى لورثة كل واحد منهم القيمة وهو قول الحسن بن صالح بن حي وقال ابو يوسف عليه قيمة واحدة يشتركون فيها وقال الثوري في المدبر وام الولد على المولى القيمة وقال الاوزاعي ان جنت ام الولد فعلى سيدها قيمتها ان بلغتها جنايتها

كتاب الحدود باب ما جاء في الرجم مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر انه قال جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ان رجلا منهم وامراة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن سلام كذبتم ان فيها الرجم فاتوا بالتوراة فنشروها فوضع احدهم يده على اية الرجم ثم قرا ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فاذا فيها اية الرجم فقالوا صدق يا محمد فيها اية الرجم فامر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما فقال عبد الله بن عمر فرايت الرجل يحني على المراة يقيها الحجارة قال مالك يعني يحني يكب عليها حتى تقع الحجارة عليه قال ابو عمر كذا رواه يحيى عن مالك يحني على المراة يريد يميل عليها كانه ماخوذ من حنى الشيخ اذا انحنى وقال ابو عبيد كذا يرويه اهل الحديث وانما هو يحنا مهموز يقال منه حنا يحنأ حناء وحنوءا اذا مال والمنحنى ء والانحناء حنا ويحنا بمعنى واحد

قال ابو عمر قد روي يحنئ بالحاء عن طائفة من اصحاب مالك والمعنى متقارب جدا وقال ايوب عن نافع يجانى ء عنها بيده وقال معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر يجافي بيده وفي هذا الحديث جواز سؤال اهل الكتاب عن كتابهم وفي ذلك دليل على ان التوراة صحيحة بايديهم ولولا ذلك ما سالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وفي ما ذكرنا دليل على ان ما كانوا يكتبونه بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله هي كتب احبارهم ورهبانهم كانوا يصنعون لهم كتبا من ارائهم ويضيفونها إلى الله عز وجل ولهذا وشبهه من اشكال امرهم نهينا عن تصديق ما حدثونا به وعن تكذيبه حذرا من ان نصدق بباطل او نكذب بحق وقد افردنا لهذا المعنى بابا في كتابنا كتاب بيان العلم وفضله وفي هذا الحديث ايضا دليل على ان من اليهود قوما يكذبون على توراتهم ويسترون منها عن المسلمين ما يشهد للمسلمين ويوافق دينهم لانهم ذكروا ان الزناة محصنين كانوا او غير محصنين ليس عليهم في التوراة رجم وكذبوا لان فيها على من احصن الرجم وفيه ان اهل الكتاب اذا ارتفعوا الينا متحاكمين راضين بحكمنا فيهم وكانت شريعتنا موافقة في ذلك لحكم شريعتهم جاز لنا ان نظهر عليهم بكتابهم حجة عليهم وان لم تكن الشريعة في ذلك الحكم موافقة لحكمهم حكمنا بينهم بما انزل الله تعالى في كتابه القران اذا تحاكموا الينا ورضوا بحكمنا ويتحمل ذلك ان يكون خصوصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والاجماع على ان ذلك لم يعمل به احد بعده ولقول الله عز وجل اولم يكفهم انا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم العنكبوت والله اعلم واختلف العلماء في الحكم بينهم اذا ترافعوا الينا في صوماتهم وسائر مظالمهم واحكامهم هل علينا ان نحكم بينهم فرضا واجبا ام نحن فيه مخيرون فقال جماعة من فقهاء الحجاز والعراق ان الامام والحاكم يخير ان شاء حكم بينهم اذا تحاكموا إليه بحكم الاسلام وان شاء اعرض عنهم وقالوا ان هذه الاية محكمة لم ينسخها شيء قوله تعالى فان جاؤوك فاحكم بينهم او اعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين المائدة

وممن قال ذلك مالك والشافعي احد القولين وهو قول عطاء والشعبي والنخعي وروي ذلك عن بن عباس من حديث بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى فان جاؤوك فاحكم بينهم او اعرض عنهم الاية المائدة قال نزلت في بني قريظة وهي محكمة وذكر وكيع عن سفيان عن مغيرة عن الشعبي وابراهيم فان جاءوك فاحكم بينهم او اعرض عنهم المائدة قال ان شاء حكم وان لم يشا لم يحكم وروى عيسى عن بن القاسم قال ان تحاكم اهل الذمة إلى حكم المسلمين ورضي الخصمان به جميعا فلا يحكم بينهم الا برضى من اساقفتهم فان كره ذلك اساقفتهم فلا يحكم بينهم وكذلك ان رضي الاساقفة ولم يرض الخصمان او احدهما لم يحكم بينهم المسلمون وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال مضت السنة ان يرد اهل الذمة في حقوقهم ومعاملاتهم ومواريثهم إلى اهل دينهم الا ان ياتوا راغبين فيحكم بينهم حاكمنا بكتاب الله عز وجل وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين المائدة وعن الثوري عن قابوس بن ابي ظبيان عن ابيه قال كتب محمد بن ابي بكر إلى علي رضي الله عنه يساله عن مسلم زنى بنصرانية فكتب إليه اقم الحد على المسلم ورد النصرانية إلى اهل دينها وقال اخرون واجب على الحاكم ان يحكم بينهم بما انزل الله إليه اذا تحاكموا إليه وزعموا ان قوله عز وجل وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهواءهم المائدة ناسخ للتخيير في الحكم بينهم في الاية التي قبل هذه وروي ذلك عن بن عباس من حديث سفيان بن حسين والحكم عن مجاهد عن بن عباس ومنهم من يرويه عن سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد من قوله وهو صحيح عن مجاهد وعكرمة

وبه قال الزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي واليه ذهب ابو حنيفة واصحابه وهو احد قولي الشافعي وبه قال ابو حنيفة قال اذا جاءت المراة والزوج فعليه ان يحكم بينهما بالعدل وان جاءت المراة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم وقال ابو يوسف ومحمد بل يحكم وكذلك اختلف اصحاب مالك على هذين القولين اذا شكا احد الزوجين وابى صاحبه من التحاكم الينا فمنهم من قال يحكم لانه من التظالم الذي لم يلزمه ان يمنع منه بعضهم من بعض ومنهم من قال لا يحكم بينهما الا ان يرضيا جميعا بحكمه ولم يختلف قول مالك واصحابه في الذمي يسرق الذمية ويرفع إلى حاكم المسلمين انه يلزمه الحكم بينهما بالقطع للسارق منهما لان ذلك من الحرابة والفساد فلا يقرون عليه ولا على التلصص وقال الشافعي ليس الحاكم بالخيار في احد من المعاهدين الذين يجري عليهم حكم الاسلام اذا جاءه في حد الله عز وجل وعليه ان يقيمه لقول الله عز وجل وهم صاغرون التوبة واختاره المزني وقال في كتاب الحدود لا يحدون اذا جاؤوا الينا في حد الله تعالى ويردهم الحاكم إلى اهل دينهم قال الشافعي وما كانوا يدينون به فلا يحكم عليهم بابطاله اذا لم يرتفعوا الينا ولا يكفوا عن ما استحلوا ما لم يكن ضررا على مسلم او معاهد او مستامن قال وان جاءت امراة تستعدي بان زوجها طلقها او إلى منها حكمه حكم المسلمين قال ابو عمر الصحيح في النظر عندي ان لا يحكم بنسخ شيء من القران الا بما قام به الدليل الذي لا مدفع له ولا يحتمل التاويل وليس في قوله عز وجل وان احكم بينهم بما انزل الله المائدة دليل على انها ناسخة لقوله عز وجل فان جاؤوك فاحكم بينهم او اعرض عنهم وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط الاية المائدة لانها تحتمل معناها ان تكون

وان احكم بينهم بما انزل الله ان حكمت ولا تتبع اهواءهم فتكون الايتان محكمتين مستعملتين غير متدافعتين نقف على هذا الاصل في نسخ القران بعضه ببعض لانه لا يصح الا باجماع لا تنازع فيه او لسنة لا مدفع لها او يكون التدافع في الايتين غير ممكن فيهما استعمالهما ولا استعمال احدهما ان لا يدفع الاخرى فيعلم انها ناسخة لها وبالله التوفيق واختلف الفقهاء ايضا في اليهوديين من اهل الذمة اذا زنيا هل يحدان اذا رفعهما حكامهم الينا ام لا فقال مالك اذا زنا اهل الذمة او شربوا الخمر فلا يعرض لهم الامام الا ان يظهروا ذلك في ديار المسلمين فيدخلوا عليهم الضرر فيمنعهم السلطان من الاضرار بالمسلمين قال مالك وانما رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين لانه لم يكن لليهود يومئذ ذمة وتحاكموا إليه وقال ابو حنيفة واصحابه يحدان اذا زنيا كحد المسلم وهو احد قولي الشافعي قال في كتاب الحدود ان تحاكموا الينا فلنا ان نحكم او ندع فان حكمنا حددنا المحصن بالرجم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا وجلدنا البكر مائة وغربناه عاما وقال في كتاب الجزية لا خيار للامام ولا للحاكم اذا جاءه في حد الله عز وجل وعليه ان يقيمه عليهم في قول الله عز وجل حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون التوبة والصغار ان يجري عليهم حكم الاسلام وهذا القول اختاره المزني واختار غيره من اصحاب الشافعي القول الاول وقال الطحاوي حين ذكر قول مالك انما رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين لانه لم تكن لهم ذمة وتحاكموا إليه قال ولو لم يكن واجبا عليهم لما اقامه النبي صلى الله عليه وسلم قال واذا كان من لا ذمة له قد حده النبي صلى الله عليه وسلم في الزنى فمن له ذمة احرى بذلك قال ولم يختلفوا ان الذي يقطع في السرقة قال ابو عمر سنذكر اختلافهم في حد الاحصان في موضعه من هذا الكتاب ان شاء الله عز وجل

وقالت طائفة ممن راى اية التخيير في الحكم بين اهل الذمة منسوخة لقول الله عز وجل وان احكم بينهم بما انزل الله المائدة قالوا على الامام اذا علم من اهل الذمة حدا من حدود الله عز وجل ان يقيمة عليهم وان لم يتحاكموا إليه لان الله تعالى يقول وان احكم بينهم بما انزل الله المائدة ولم يقل ان تحاكموا اليك قالوا والسنة تبين ذلك واحتجوا بحديث البراء بن عازب في ذلك وقد ذكرناه في التمهيد وليس فيه بيان ما ذكروا ولا يثبت ما ادعوا قال واحتجوا ايضا بحديث مالك وليس فيه ان اليهود تحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ليس بشيء لأن فيه ان اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ياتوا الا متحاكمين إليه راضين بحكمه وهم كانوا الذين اليهم اقامة الحدود عندهم ودعوه إلى الحكم بينهم وجاؤوه بالتوراة اذ دعاهم اليها ويدل على ذلك ايضا حديث ابي هريرة من رواية بن شهاب وغيره وعن رجل من مزينة عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة وقد ذكرناه بطوله من طرق في التمهيد وقد ذكرنا هناك حديث الشعبي عن جابر في هذا المعنى حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني يحيى بن موسى قال حدثني ابو اسامة قال اخبرنا مجالد عن عامر عن جابر بن عبد الله قال جاءت يهود بامراة ورجل منهم زنيا فقال ائتوني باعلم رجلين منكم فاتوه بابني صوريا فنشدهما كيف تجدان امر هذين في التوراة قالا نجد في التوراة اذا شهد اربعة انهم راوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما قال فما منعكما ان ترجماهما قال ذهب سلطاننا فكرهنا القتل فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاء اربعة فشهدوا انهم راوا ذكره في فرجها كالميل في المكحلة فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما قال ابو عمر يحتمل ان يكون الشهود مسلمين وهو الاظهر في هذا الخبر ولذلك تحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والله اعلم

وروى شريك عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديا ويهودية انفرد به شريك عن سماك واخبرنا احمد بن عبد الله قال حدثنا الحسن بن إسماعيل قال حدثني عبد الملك بن محمد قال حدثني محمد بن إسماعيل السائغ قال حدثني سنيد عن هشيم عن العوام بن حوشب عن ابراهيم التيمي وان حكمت بينهم فاحكم بالقسط يعني بالرجم مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ان رجلا من اسلم جاء إلى ابي بكر الصديق فقال له ان الاخر زنى فقال له ابو بكر هل ذكرت هذا لاحد غيري فقال لا فقال له ابو بكر فتب إلى الله واستتر بستر الله فان الله يقبل التوبه عن عباده فلم تقرره نفسه حتى اتى عمر بن الخطاب فقال له مثل ما قال لابي بكر فقال له عمر مثل ما قال ابو بكر فلم تقرره نفسه حتى اتى عمر بن الخطاب فقال له مثل ما قال لابي بكر فقال فلم تقرره نفسه حتى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ان الاخر زنى فقال سعيد فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا اكثر عليه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اهله فقال ايشتكي ام به جنة فقالوا يا رسول الله والله انه لصحيح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابكر ام ثيب فقالوا بل ثيب يا رسول الله فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال بلغني ان

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من اسلم يقال له هزال يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك قال يحيى بن سعيد فحدثت بهذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال الاسلمي فقال يزيد هزال جدي وهذا الحديث حق مالك عن بن شهاب انه اخبره ان رجلا اعترف على نفسه بالزنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد على نفسه اربع مرات فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم قال بن شهاب فمن اجل ذلك يؤخذ الرجل باعترافه على نفسه قال ابو عمر اما الحديث الاول في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ان رجلا من اسلم ولم يسم الرجل فقد سماه فيه يزيد بن هارون وغيره ممن روى عن يحيى بن سعيد قال يزيد بن هارون وغيره عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ان ماعز بن مالك الاسلمي اتى إلى ابي بكر الصديق فاخبره انه زنى فقال له ابو بكر هل ذكرت ذلك لاحد غيري قال لا فقال له ابو بكر استتر بستر الله وتب إلى الله تعالى فان الناس يعيرون ولا يعيرون واما الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده قال ابو عمر هو ماعز بن مالك الاسلمي لا خلاف بين العلماء في ذلك وقد تكررت الاثار المروية في قصته بذلك وقد روي معنى حديث مالك هذا متصلا من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرنا بعضها في التمهيد ونذكر منها ما حضرنا في هذا الباب ان شاء الله عز وجل وروى بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ان رجلا من اسلم اتى عمر فقال ان الاخر زنى فقال تب إلى الله تعالى واستتر بستر الله فان الله يقبل التوبة عن عباده وان الناس يعيرون ولا يعيرون فلم تدعه نفسه حتى اتى ابا بكر فقال له مثل ذلك فقال له قول عمر ورد عليه مثل ما رد عليه عمر فلم تدعه نفسه حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأعرض عنه فأتاه من الشق الاخر فأعرض عنه فأتاه من الشق الاخر فذكر له ذلك فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى

قومه فسألهم عنه ابه جنون ابه ريح فقالوا لا فأمر به فرجم قال يحيى بن سعيد عن نعيم بن عبد الله بن هزال ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لهزال لو سترته بثوبك كان خيرا لك قال وهزال كان امره ان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره ذكره عبد الرزاق عن بن عيينة قال وقال بن عيينة قال واخبرني عبد الله بن دينار قال قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال ايها الناس اجتنبوا هذه القاذورة التي نهاكم الله عنها ومن اصاب من ذلك شيئا فليستتر وفي هذا الحديث من الفقه أن ستر المسلم على نفسه ما وقع فيه من الكبائر الموجبة للحدود والتوبة منها والندم عليها والاقلاع عنها اولى به من الاقرار بذلك على نفسه الا ترى ان ابا بكر اشار بذلك على الرجل الذي اعترف عنده بالزنى وكذلك فعل عمر رضي الله عنهما وهو ماعز الاسلمي لا خلاف في ذلك بين اهل العلم وذلك مشهور في الاثار وكذلك اعراض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه حين اقر على نفسه بالزنى حتى اكثر عليه كان والله اعلم رجاء الا يتمادى في الاقرار وان ينتبه ويرعوي ثم ينصرف فيعقد التوبه مما وقع فيه هذا مذهب من قال ان الاعتراف بالزنى مرة واحدة يكفي واما من قال انه لا بد من اقراره اربع مرات فقالوا انما اعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتم اقراره عنده وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كغيره لانه كان إليه اقامة الحدود لله تعالى ومن كان ذلك إليه لم يكن له اذا بلغته وثبت عنده ما يوجبها الا اقامتها ولم يكن ابو بكر ولا عمر في ذلك الوقت كذلك وسنذكر اختلاف الفقهاء في حكم اقرار المعترف في الزنى وهل يحتاج إلى تكرار الاقرار ام لا في حديث بن شهاب بعد هذا في هذا الباب ان شاء الله

يدلك ان الستر واجب من المؤمن على المؤمن قوله صلى الله عليه وسلم تعافوا الحدود فيما بينكم فانه اذا بلغني ذلك فلا عفو وقوله صلى الله عليه وسلم لهزال الاسلمي يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك وكان هزال قد امره ان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعترف عنده بما وقع منه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول معرفا له ان ستره عليه كان افضل واولى به واذا كان ستر المسلم على المسلم مندوبا إليه مرغوبا فيه فستر المرء على نفسه اولى به وعليه التوبة مما وقع فيه ويدلك ايضا على ما وصفت لك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ايشتكي ابه جنة فيقول امجنون هو يبلغ نفسه إلى الموت وهو يمكنه ان يتوب ويستغفر الله تعالى ولا يعود فان الله تعالى يقبل عن عباده ويحب التوابين واما قوله ان الاخر زنى فالرواية فيه بكسر الخاء على وزن فعل عند اهل اللغة والمعنى فيه ان البائس الشقي زنى كما تقول الأبعد زنى قال ذلك توبيخا لنفسه قال اهل اللغة في قول قيس بن عاصم المسألة اخر كسب الرجل أي ارذل كسب الرجل حدثني محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثني محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال حدثني إسحاق بن ابي حسان قال حدثني هشام بن عمار قال حدثني عبد الحميد بن حبيب قال حدثني الاوزاعي قال اخبرني عثمان بن ابي سودة قال حدثني من سمع عبادة بن الصامت يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل ليستر العبد من الذنب ما لم يخرقه قالوا وكيف يخرقه قال يحدث به الناس حدثني خلف بن قاسم قال حدثني قاسم بن عبد الرحمن ابو عيسى الاسواني قال حدثني إسحاق بن ابراهيم بن يونس قال حدثني سفيان بن وكيع بن الجراح قال حدثني ابي عن اسرائيل عن جابر عن عامر عن عبد الرحمن بن ابزى عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه ان ماعزا اقر على نفسه بالزنى عند

رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ان اقررت الرابعة اقمت عليك الحد فأقر عنده الرابعة فأمر به فحبس ثم سأل عنه فذكروا خيرا فرجم وهذا حديث حسن الا ان جابرا الجعفي يتكلمون فيه واجمعوا على ان يكتب حديثه واختلفوا في الاحتجاج به فكان يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي لا يحدثان عنه وكان احمد بن حنبل ويحيى بن معين يضعفانه وكان شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري يشهدان له بالحفظ والاتقان وكان وكيع وزهير بن معاوية يوثقانه ويثنيان عليه قال وكيع مهما شككتم فلا تشكوا فان جابر الجعفي ثقة واما حديث مالك في هذا الباب عن بن شهاب مرسلا فرواه معمر ويونس عن الزهري عن ابي سلمة عن جابر ان رجلا من اسلم اتى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث ورواه شعيب بن ابي حمزة وعقيل بن خالد عن بن شهاب عن ابي سلمة وسعيد بن المسيب عن ابي هريرة ان ماعزا الاسلمي اتى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف عنده بالزنى فرده اربع مرات وذكر الحديث قال بن شهاب وحدثني من سمع جابر بن عبد الله يقول كنت فيمن رجمه فلما اذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه وقد ذكرنا طرق حديث بن شهاب والفاظ ناقديه بالاسانيد في كتاب التمهيد وقد روى حديث ماعز في قصة اعترافه بالزنى ورجمه عن النبي صلى الله عليه وسلم بن عباس وروي حديثه ايضا من وجوه جابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وسهل بن سعد ونعيم بن هزال وابو سعيد الخدري وفي اكثرها انه اعترف اربع مرات وفي بعضها مرتين وفي بعضها ثلاث مرات وقد ذكرنا ذلك في التمهيد وفي رواية شعبة واسرائيل وابي عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة انه اعترف مرتين فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم واختلف الفقهاء في عدد الاقرار بالزنى فقال مالك والشافعي والليث وعثمان البتي اذا اقر مرة واحدة بالزنى حد

وهو قول الحسن البصري وحماد الكوفي وبه قال ابو ثور وداود والطبري ومن حجتهم على من خالفهم ان الاثار مختلفة في اقرار ماعز وروي فيها انه اقر مرة وروي انه اقر مرتين وروي انه اقر ثلاثا وروي انه اقر اربع مرات وسقط الاحتجاج به وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابي هريرة وزيد بن خالد واغد يا انيس على امراة هذا فان اعترفت فارجمها ولم يقل ان اعترفت اربع مرات وكل ما وقع عليه اعتراف وجب به الحد وقد اجمع العلماء على ان الاقرار في الاموال يجب مرة واحدة فدل ذلك على انه لا يراعى عدد الشهود لان الشهادة لا تصح بأقل من شاهدين وقال ابو حنيفة واصحابه والثوري وبن ابي ليلى والحسن بن حي لا يجب عليه الحد في الزنى حتى يقر اربع مرات وهو قول الحكم بن عتيبة وبه قال احمد واسحاق وقال ابو حنيفة واصحابه اربع مرات في مجالس مفترقة وقال ابو يوسف ومحمد يحد في الخمر باقراره مرة واحدة وقال زفر لا يحد في الخمر حتى يقر مرتين في موطنين وقال ابو حنيفة وزفر ومحمد اذا اقر مرة واحدة في السرقة صح اقراره وقال ابو يوسف حتى يقر مرتين قال ابو عمر من حجتهم حديث سعيد بن جبير عن بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم رد ماعزا حتى اقر اربع مرات ثم امر برجمه واحاديث كثيرة فيها الاقرار منه اربع مرات قد ذكرتها في التمهيد قالوا وليس تقصير من قصر فيما حفظ غيره بحجة عليه ومن حفظ اربع مرات فقد زاد حفظه على حفظ غيره وشهادته اولى لانه سمع ما لم يسمع غيره وسنذكر ما يلزم من رجع عن اقراره بالزنى واكذب نفسه وما للفقهاء من

التنازع في باب من اعترف على نفسه بالزنى من هذا الكتاب ان شاء الله عزوجل مالك عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن ابيه زيد بن طلحة عن عبد الله بن ابي مليكة انه اخبره ان امراة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته انها زنت وهي حامل فقال لها رسول الله اذهبي حتى تضعي فلما وضعت جاءته فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبي حتى ترضعيه فلما ارضعته جاءته فقال اذهبي فاستودعيه قال فاستودعته ثم جاءت فأمر بها فرجمت هكذا قال يحيى في هذا عن مالك عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن ابيه زيد بن طلحة عن عبد الله بن ابي مليكة فجعل الحديث من مرسل عبد الله بن ابي مليكة وكذلك قال ابو مصعب عن مالك كما قال يحيى بن زيد بن طلحة عن عبد الله بن ابي مليكة فجعل الحديث من مرسل عبد الله وكذلك روى بن عفير في الموطأ وقال القعني وبن القاسم ومطرف وبن بكير في اكثر الروايات عنه عن مالك عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن ابيه زيد بن طلحة بن عبد الله بن ابي مليكة فجعلوا الحديث من مرسل زيد بن طلحة وهو الصواب ان شاء الله تعالى ورواه بن وهب برفع موضع الاشكال منه ولم يقل عن بن ابي مليكة ولا جاء فيه بذكر بن ابي مليكة فرواه في الموطأ عن مالك عن زيد بن طلحة التيمي عن ابيه ان امراة اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت انها زنت وهي حامل فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبي حتى تضعي فذهبت فلما وضعت جاءته فقال اذهبي حتى ترضعيه فلما ارضعته جاءته فقال اذهبي حتى تستودعيه فلما استودعته جاءته فأقام عليها الحد وزيد بن طلحة هذا والد يعقوب معروف عند اهل الحديث يروي عن بن عباس وسعيد المقبري روى عنه الثوري وعبد الرحمن بن إسحاق وبن يعقوب

وروى عن ابنه يعقوب مالك وهشام بن سعد وموسى بن عبيدة ومحمد بن جعفر بن ابي كثير الا ان اهل الحديث ينسبه بعضهم في بني تيم قريش فيقولون التيمي ويختلفون فمنهم من جعله من ولد عبد الرحمن بن ابي بكر الصديق ومنهم من ينسبه إلى بن جدعان ومنهم من يجعله من ولد طلحة بن ركانة وليس بشيء ولا يعرفه اهل النسب الا في تيم قريش ولا في ولد ركانة وركانة مطلبي لا تيمي فيعقوب وابوه زيد بن طلحة مجهولان عند اهل العلم بالنسب معروفان عند اهل الحديث وهكذا قال بن وهب فاقام عليها الحد ولم يذكر رجما وما في الحديث من انتظار الفطام والله اعلم دليل على ان حدها كان الرجم وقد روى هذا الحديث عمران بن حصين من وجه صحيح عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر فيه انتظار الرضاع والفطام منه وقال فيه فلما وضعت اتته فامر بها فشكت عليها ثيابها يعني شدت ثم رجمت وامرهم فصلوا عليها فقال له عمر انصلي عليها وقد زنت فقال والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت ما بين سبعين من اهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت ان جادت باكثر من نفسها رواه يحيى بن كثير عن ابي قلابة عن ابي المهلب عن عمران بن حصين وكذا رواه اكثر اصحاب يحيى بن كثير وقال فيه يحيى بن ابي كثير عن ابي قلابه عن ابي المهاجر عن عمران بن حصين فوهم فيه اذ جعل موضع ابي المهلب ابا المهاجر وقد ذكرناه بالاسانيد من طرق في التمهيد وقد روي انتظار الرضاع والفطام في هذا الحديث من حديث النبي صلى الله عليه وسلم من

وجوه من حديث علي بن ابي طالب رضي الله عنه وحديث ابي بكرة وحديث بريدة الاسلمي وفي حديث علي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انا اكفله ولكنه من حديث حسين بن ضميرة وليس بشيء وحديث ابي بكرة فيه رجل مجهول واحسن الاحاديث اسنادا في ذلك حديث بريدة وفيه فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي فرفع إلى رجل من المسلمين يكفله حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني ابراهيم بن موسى الرازي قال حدثني عيسى بن يونس عن بشير بن المهاجر وحدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان ولفظ الحديث لهما قالا حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني عبد الله بن نمير قال حدثني بشير بن المهاجر قال حدثني عبد الله بن بريدة عن ابيه قال جاءت الغامدية فقالت يا رسول الله اني قد زنيت واريد ان تطهرني فردها فلما كان الغد اتته فقالت يا نبي الله لم تردني لعلك تريد ان تردني كما رددت ماعز بن مالك فوالله اني لحبلى فقال اما لا فاذهبي حتى تلدي فلما ولدت اتته بالصبي في خرقة فقالت هذا ولدته قال اذهبي فارضعيه حتى تفطميه فلما فطمته اتته بالصبي وفي يده كسرة خبز فقالت هذا يا نبي الله قد فطمته وقد اكل الطعام فدفع الغلام إلى رجل من المسلمين ثم امر بها فحفر لها إلى صدرها وامر الناس ان يرموا واقبل خالد بن الوليد فرمى راسها فتنضح الدم على وجهه فسبها فسمع النبي صلى الله عليه وسلم سبه اياها فقال مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر الله له ثم امر بها فصلى عليها ودفنت

واختلف الفقهاء في انتظار المراة الحامل تقر على نفسها بالزنى إلى ان تضع ولدها وتفطمه فقال مالك لا تحد حتى تضع اذا كانت ممن يجلد وان كان رجما رجمت بعد الوضع وقد روي عنه انها لا ترجم حتى تجد من يكفل ولدها بعد الرضاعة والمشهور من مذهبه انه ان وجد للصبي من يرضعه رجمت وان لم يوجد للصبي من يرضعه لم ترجم حتى تفطم الصبي فاذا فطم الصبي رجمت وقال ابو حنيفة لا تحد حتى تضع فاذا كان جلدا فحتى تقال من النفاس وان كان رجما رجمت بعد الوضع وقال الشافعي اما الجلد فيقام عليها اذا ولدت وافاقت من نفاسها واما الرجم فلا يقام عليها حتى تفطم ولدها ويوجد من يكفله اتباعا للحديث في ذلك وبه قال احمد واسحاق وقد روي عن الشافعي مثل قول مالك وابي حنيفة ترجم اذا وضعت وروي ذلك عن علي في شراحة الهمذانية وروي عن علي بن ابي طالب ايضا من ثلاثة اوجه من حديث عبد الرحمن السلمي ومن حديث ابي جميلة الطهوي ومن حديث عاصم بن ضميرة كلهم عن علي ان امة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضهم يقول لبعض نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فلما ولدت امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اجلدها بعد ما تعلت من نفاسها فجلدتها اخبرنا احمد بن سعيد بن بشر قال حدثني بن ابي دليم قال حدثني بن وضاح قال حدثني عبد العزيز بن عمران بن مقلاص قال حدثني بن وهب قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة قال كان بن عباس يقول في ولد الزنى لو كان شر الثلاثة لم يتان بامه ان ترجم حتى تضعه واختلفوا في الحفر للمرجوم فقالت طائفة يحفر له ورووا ذلك عن علي في شراحة الهمذانية حين امر برجمها وبه قال قتادة واليه ذهب ابو ثور ذكر سنيد قال حدثني هشيم قال اخبرنا الاجلح عن الشعبي قال اتي علي بن ابي طالب رضي الله عنه بامراة يقال لها شراحة حبلى من الزنى

فقال لها لعل رجلا استكرهك قالت لا قال فلعل رجلا اتاك في منامك قالت لا قال فلعل زوجك من عدونا فاتاك سرا فانت تكرهين ان تطلعينا عليه فقالت لا فامر بها فحبست فلما وضعت اخرجها يوم الخميس فجلدها مائة ثم ردها إلى السجن فلما كان يوم الجمعة اخرجها فحفر لها حفيرا فادخلها فيه واحدق بها الناس لرميها فقال ليس هكذا الرجم اني اخاف ان يصيب بعضكم بعضا ولكن صفوا كما تصفون للصلاة ثم قال الرجم رجمان رجم سر ورجم علانية فما كان منه من اقرار فاول من يرجم الامام ثم الناس وما كان منه ببينة فاول من يرجم البينة ثم الامام ثم الناس قال وحدثني يحيى بن زكريا عن مجالد عن الشعبي ان عليا رضي الله عنه حفر لشراحة بنت مالك إلى الصرة وقال مالك لا يحفر للمرجوم وقال بن القاسم والمرجومة مثله وقال ابو حنيفة لا يحفر للمرجوم وان حفر للمرجومة فحسن وقال الشافعي ان شاء حفر وان شاء لم يحفر وقال احمد بن حنبل اكثر الاحاديث على ان لا يحفر والله اعلم قال ابو عمر قد استدل بعض اصحابنا على ان لا يحفر للمرجوم بحديث بن عمر في رجم اليهوديين قال لو حفر لكل واحد منهما كان احدهما يحني على الاخر ليقيه الحجارة مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابي هريرة وزيد بن خالد الجهني انهما اخبراه ان رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال احدهما يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله وقال الاخر وهو افقههما اجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي ان اتكلم قال

تكلم فقال ان ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامراته فاخبرني ان على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ثم اني سالت اهل العلم فاخبروني ان ما على ابني جلد مائة وتغريب عام واخبروني انما الرجم على امراته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اما والذي نفسي بيده لاقضين بينكما بكتاب الله اما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما وامر انيسا الاسلمي ان ياتي امراة الاخر فان اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها قال مالك والعسيف الاجير قال ابو عمر قد ذكرنا الاختلاف على مالك والاختلاف على بن شهاب في اسناده حديث هذا الباب وذكرنا من جمع فيه مع ابي هريرة وزيد بن خالد ومن رواه فجعله بهذا الاسناد عن زيد بن خالد خاصة ومن جعله عن ابي هريرة خاصة ومن اختصر وجعله عن زيد واما من جعله عن ابي هريرة فكلهم اتى به بكماله وذكرنا ان بن عيينة ذكر فيه مع ابي هريرة وزيد بن خالد شبلا فاخطا فيه لان شبلا انما ذكره بن شهاب في حديث الامة اذا زنت ولم تحصن وقد اوضحنا ذلك كله عن الرواة في التمهيد والحمد لله كثيرا قال ابو عمر لم يذكر في هذا الحديث اقرار الزاني بالزنى وهو قول عقله الراوي اذ عول في تركه على علم العامة فضلا عن الخاصة انه لا يؤخذ احد باقرار ابيه عليه ولا اقرار غيره والذي تشهد له الاصول ان الابن كان حاضرا فصدق اباه فيما قال عليه ونسب إليه ولولا ذلك ما اقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حدا بقول ابيه لقول الله عز وجل ولا تكسب كل نفس الا عليها الانعام وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي زمعة في ابنه انك لا تجني عليه ولا يجني عليك

وفي هذا الحديث دروب من العلم منها ان اولى الناس بالقضاء بينهم الخليفة اذا كان عالما بوجوه القضاء ومنها ان المدعي اولى بالقول واحق ان يتقدم بالكلام ومنها ان الباطل من القضاء مردود ابدا وان ما خالف السنة باطل لا ينفذ ولا يمضي ومنها ان ما قبضه الذي يقضي به وكان القضاء خطا مخالفا للسنة المجتمع عليها لا يدخله قبضه له في ملكه ولا يصح ذلك له وفيه ان العالم يفتي في مصر فيه من هو اعلم منه الا ترى ان الصحابة كانوا يفتون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي عن عكرمة بن خالد عن بن عمر انه سئل عن من كان يفتي في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابو بكر وعمر ولا اعلم غيرهما وقال القاسم بن محمد كان ابو بكر وعمر وعثمان وعلي يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى موسى بن ميسرة عن محمد بن سهل بن ابي حثمة عن ابيه قال كان الذين يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من المهاجرين عمر وعثمان وعلي وثلاثة من الانصار ابي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وروى الفضيل بن ابي عبد الله عن عبد الله بن دينار الاسلمي عن ابيه قال كان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الواقدي قال حدثني ايوب بن النعمان بن عبد الله بن كعب بن مالك عن ابيه عن جده عن كعب بن مالك قال كان معاذ بن جبل يفتي في المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر وكان عمر بن الخطاب يقول ان خرج معاذ إلى الشام لقد اخل خروجه بالمدينة واهلها فيما كان يفتيهم ولقد كنت كلمت ابا بكر ان يحبسه لحاجة الناس إليه فأبي علي وقال رجل اراد وجها يعني الشهادة لا احبسه فقلت ان الرجل ليرزق الشهادة وهو على فراشه في عظيم عنائه عن اهل مصره قال الواقدي قال وحدثني موسى بن علي بن رباح عن ابيه قال خطب عمر بالجابية فقال من اراد ان يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل واما قوله في هذا الكتاب لاقضين بينكما بكتاب الله فلاهل العلم في ذلك قولان

احدهما ان الرجم في كتاب الله على مذهب من قال ان من القران ما نسخ خطه وثبت حكمه وقد اجمعوا ان من القران ما نسخ حكمه وثبت خطه وهذا في القياس مثله وقد ذكرنا هذا المعنى في كتاب الصلاة عند قوله حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى البقرة وصلاة العصر وقوموا لله قانتين البقرة ومن ذهب هذا المذهب احتج بقول عمر الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء اذا أحصن وقوله لولا ان يقال ان عمر زاد في كتاب الله لكتبتها الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة فانا قد قراناها وسنذكر ما للعلماء في قول عمر هذا من التأويل في موضعه من هذا الباب ان شاء الله عز وجل ومن حجته ايضا ظاهر هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا قضين بكتاب الله ثم قال لانيس لئن اعترفت امراة هذا فارجمها فرجمها والقول الاخر ان معنى قوله عليه السلام لاقضين بينكما بكتاب الله ولاحكمن بينكما بحكم الله ولاقضين بينكما بقضاء الله وهذا جائز في اللغة قال الله عز وجل كتاب الله عليكم النساء أي حكمه فيكم وقضاؤه عليكم على ان كل ما قضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حكم الله عز وجل وقد اوضحنا هذا المعنى في التمهيد ومنة قول علي رضي الله عنه في شراحة الهمذانية جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تطلق على السنة التلاوة بظاهر قول الله تعالى واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ءايات الله والحكمة الاحزاب قالوا القران والسنة وفيه ان الزاني اذا لم يحصن حده الجلد دون الرجم وهذا ما لا خلاف بين احد من امة محمد صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة النور واجمعوا ان الابكار داخلون في هذا الخطاب

واجمع الجمهور من فقهاء المسلمين اهل الفقه والاثر من لدن الصحابة إلى يومنا هذا ان المحصن من الزناة حده الرجم واختلفوا هل عليه مع ذلك جلد ام لا فقال اكثرهم لا جلد على المحصن انما عليه الرجم فقط ومن حجتهم في هذا الحديث فان اعترفت فارجمها ولم يقل اجلدها ثم ارجمها وممن قال ذلك مالك وابو حنيفة والشافعي واصحابهم والثوري والاوزاعي والليث بن سعد والحسن بن صالح وبن ابي ليلى وبن شبرمة واحمد بن حنبل وابو ثور والطبري كل هؤلاء يقول لا يجتمع جلد ورجم وقال الحسن البصري واسحاق بن راهويه وداود بن علي الزاني المحصن يجلد ثم يرجم وحجتهم عموم الاية في الزناة في قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلده النور فعم الزناة ولم يخص محصنا من غير محصن وحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال خذوا عني لقد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم بالحجارة وحديث علي رضي الله عنه في رجم شراحة الهمذانية بعد جلده لها وروى ابو حصين واسماعيل بن ابي خالد وعلقمة بن مرثد عن الشعبي بمعنى واحد قال اتي علي بزانية فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ثم قال الرجم رجمان رجم سر ورجم علانية فاما رجم العلانية فالشهود ثم الامام ثم الناس واما رجم السر فالاعتراف فالامام ثم الناس وحجة الجمهور ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا الاسلمي ورجم اليهوديين ورجم امراة من جهينة وامراة من عامر ولم يجلد واحدا منهم وقد ذكرنا الاثار بذلك في التمهيد فدل ذلك على ان الاية قصد بها من لم يحصن من الزناة

ورجم ابو بكر وعمر رضي الله عنهما ولم يجلدا ومن اوضح شيء في هذا المعنى واصحه حديث بن شهاب في هذا الباب وفيه انه جلد البكر وغربه عاما ورجم المراة ولو جلد لنقل ذلك كما نقل انه رجمها وكانت ثيبا وهذا كله يدل على ان حديث عبادة منسوخ لانه كان في حين نزول الاية في الزناة وذلك ان الزناة كانت عقوبتهم اذا شهد عليهم اربعة من العدول ان يمسكوا في البيوت إلى الموت او يجعل الله لهن سبيلا فلما نزلت اية الجلد التي في سورة النور قام صلى الله عليه وسلم فقال خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الحديث كما ذكرناه من حديث عبادة فكان هذا في اول الامر ثم رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة ولم يجلد مع الرجم فعلمنا ان هذا حكم احدثه الله تعالى نسخ به ما قبله ومثل هذا كثير في احكامه عز وجل واحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبتلي عبادة وانما يؤخذ بالاحدث فالاحدث من امره صلى الله عليه وسلم ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري انه كان ينكر الجلد مع الرجم ويقول رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجلد وعن الثوري عن مغيرة عن ابراهيم قال ليس على المرجوم جلد بلغنا ان عمر رجم ولم يجلد قال ابو عمر قد ذكرنا عن عمر رضي الله عنه انه رجم ولم يجلد اثارا كثيرة في التمهيد وفي هذه المسالة قول ثالث وهو ان الثيب من الزناة ان كان شابا رجم وان كان شيخا جلد ورجم وقاله مسروق وقالت به فرقة من اهل الحديث وهو قول ضعيف لا اصل له وقد ذكرنا الاسانيد بذلك عن مسروق في التمهيد فهذا ما للجماعة اهل السنة من الاقاويل في هذا الباب واما اهل البدع والخوارج منهم ومن جرى مجراهم من المعتزلة فانهم لا يرون الرجم على زان محصن ولا غير محصن ولا يرون على الزناة الا الجلد

وليس عند احد من اهل العلم ممن يعرج على قولهم ولا يعدون خلافا وروى حماد بن زيد وحماد بن سلمة وهشيم والمبارك بن فضالة واشعث كلهم عن علي بن زيد وحماد بن سلمة عن يوسف بن مهران عن بن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ايها الناس ان الرجم حق فلا تخدعن عنه فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم وكذلك ابو بكر ورجمنا بعدهما وسيكون قوم من هذه الامة يكذبون بالرجم وبالدجال وبطلوع الشمس من مغربها وبعذاب القبر وبالشفاعة وبقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا قال ابو عمر الخوارج والمعتزلة يكذبون بهذا كله عصمنا الله من الضلال برحمته واما قوله وجلد ابنه مائة وغربه عاما فلا خلاف بين علماء المسلمين ان ابنه كان بكر وان الجلد حد البكر مائة جلدة واختلفوا في التغريب فقال مالك ينفى الرجل ولا تنفى المراة ولا العبد ومن نفي حبس في الموضع الذي نفي إليه وقال الاوزاعي لا تنفى المراة وينفى الرجل وقال ابو حنيفة واصحابه لا نفي على زان وانما عليه الحد رجلا كان او امراة حرا كان او عبدا وقال مالك والشافعي واصحابه والحسن بن حي ينفى الزاني اذا جلد الحد رجلا كان او امراة حرا كان او عبدا واختلف قول الشافعي في نفي العبيد فقال مرة استخير الله في نفي العبيد وقال مرة ينفى العبد نصف سنة وقال مرة اخرى سنة إلى غير بلده وبه قال الطبري قال ابو عمر من حجة من غرب الزناة مع حديثنا هذا وقوله فيه وجلد ابنه مائة وغربه عاما حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام لم يخص عبدا من حر

حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني احمد بن زهير وبكر بن حماد قال احمد حدثني ابي وقال بكر حدثني مسدد قال حدثني يحيى القطان عن بن ابي عروبة عن قتادة عن الحسن بن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة وحديث بن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وان ابا بكر ضرب وغرب وان عمر ضرب وغرب وقد ذكرت اسناده في التمهيد وحجة من لم ير النفي على العبيد حديث ابي هريرة في الامة عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيه الحد دون النفي ومن راى نفي العبيد زعم ان حديث الامة معناه التاديب لا الحد وحجة من لم ير نفي النساء ما يخشى عليهن من الفتنة وروي عن علي رضي الله عنه انه لم ير نفي النساء ومن حجة من لم ير النفي على الزاني ذكرا ولا انثى حرا ولا عبدا ان الله عز وجل ذكر الجلد ولم يذكر نفيا وروي ذلك عن عمر رضي الله عنه وغيره ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن بن المسيب قال غرب عمر بن الخطاب ربيعة بن امية بن خلف في الخمر إلى خيبر فلحق بهن قال وقال عمر لا اغرب مسلما بعدها ابدا قال ولو كان النفي حدا ما تركه عمر قال ابو عمر يحتمل ان يكون عمر قال ذلك في حد الخمر لانه ماخوذ اجتهادا وقد صح عنه انه نفى في الزنى من طرق شتى وروى عبد الرزاق عن ابي حنيفة عن حماد عن ابراهيم قد قال عبد الله بن مسعود في البكر يزني بالبكر يجلدان مائة وينفيان سنة قال فقال علي حسبهما من الفتنة ان ينفيا قال ابو عمر قد ثبت عن ابي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم انهم

غربوا ونفوا في الزنى باسانيد احسن من التي ذكرها الكوفيون منها ما رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وان ابا بكر ضرب وغرب وان عمر ضرب وغرب الا انه قد اختلف في اسناد هذا الحديث فاضطرب في رفعه واتصاله وروى ايوب وعبيد الله عن نافع عن بن عمر ان عمر نفى إلى فدك وعن الثوري عن ابي إسحاق ان عليا نفى من الكوفة إلى البصرة وقال معمر بن جريج سئل بن شهاب إلى كم ينفى الزاني فقال عمر نفاه من المدينة إلى البصرة ومن المدينة إلى خيبر وقال بن جريج قلت لعطاء نفي من مكة إلى الطائف قال حسبه ذلك وفي الحديث ايضا قوله ان ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامراته وهذا قذف منه للمراة الا انها لما اعترفت بالزنى سقط حكم قذفها وقد اختلف قول العلماء في من أقر بالزنى بامرأة بعينها وجحدت قال مالك يقام عليه حد الزنى وان طلبت حد القذف اقيم عليه ايضا قال وكذلك لو قالت زنى بي فلان وجحد حدت للقذف ثم للزنى وبهذا قال الطبري وقال ابو حنيفة لا حد عليه للزنى وعليه حد القذف ولها مثل ذلك ان قالت مثل ذلك لانه لا يجتمع عنده الحدان وقال ابو يوسف ومحمد والشافعي لا يحد من اقر منهما للزنى فقط لانا قد احطنا علما انه لا يجب عليه الحدان جميعا لانه ان كان زانيا فلا حد على قاذفه فاذا اقيم عليه حد الزنى لم يقم عليه حد القذف وقال الاوزاعي يحد للقذف ولا يحد للزنى وقال بن ابي ليلى اذا اقر هو بالزنى وجحدت هي جلد وان كان محصنا لم يرجم وفي هذا الحديث ايضا ان للامام ان يسال المقذوف فان اعترف اقام عليه الواجب وان لم يعترف وطلب القاذف اخذ له بحده وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء

فقال فيه مالك لا يحد الامام القاذف حتى يطالبه المقذوف الا ان يكون الامام سمعه فيحده ان كان معه شهود غيره عدول قال ولو ان الامام شهد عنده شهود عدول على قاذف لم يقم الحد حتى يرسل إلى المقذوف وينظر ما يقول لعله يريد سترا على نفسه وقال ابو حنيفة واصحابه والاوزاعي والشافعي لا يحد القاذف الا بمطالبة المقذوف واما قوله واغد يا انيس على امراة هذا فان اعترفت فارجمها فانه اقامه مقام نفسه في ذلك وسبيله في ما امره به سبيل الوكيل ينفذ لما امره به موكله وفي هذا الحديث معان قد ذكرتها في التمهيد وذكرت وجه كل معنى منها وموضع استنباطه من الحديث لم ار لذكرها ها هنا وجها لان كتابي ها هنا لم يكن الغرض فيه والمقصد الا ايراد ما اختلف فيه العلماء من المعاني التي رسمها الموطا واما قول مالك العسيف الاجير فهو كما قال عند اهل العلم باللغة في معنى هذا الحديث وقد يكون العسيف العبد ويكون السائل قال المرار الجلي يصف كلبا الف الناس فما ينبحهم من عسيف يبتغي الخير وحر يعني من عبد وحر وقال ابو عمرو الشيباني في حديث النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن قتل العسفاء والوصفاء في سرية بعثها قال العسفاء الاجراء هو كما قال مالك رحمه الله وقال ابو عبيد وقد يكون العسيف الاسيف وهو الحزين

مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس انه قال سمعت عمر بن الخطاب يقول الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء اذا احصن اذا قامت البينة او كان الحبل او الاعتراف قد مضى في هذا الباب من اثبات الرجم على من احصن من الزناة الاحرار ما اغنى عن اعادته هنا واختلف الفقهاء في حد الاحصان الموجب للرجم فجملة مذهب مالك في ذلك ان يكون الزاني حرا مسلما بالغا عاقلا قد وطى ء قبل ان يزني وطئا مباحا في عقد نكاح صحيح ثم زنى بعد ذلك فاذا كان هذا وجب الرجم ولا يثبت لكافر ولا لعبد عنده احصان كما لا يثبت عند الجميع لصبي ولا مجنون احصان وكذلك الوطء المحظور كالوطء في الحج وفي الصيام وفي الاعتكاف وفي الحيض لا يثبت به عنده احصان والامة والكافرة والصغيرة لا تحصن الحر المسلم عند مالك لانه لا يجتمع فيهن شروط الاحصان وهذا كله مذهب مالك واصحابه واما ابو حنيفة واصحابه فحد الاحصان عندهم على ضربين احدهما احصان يوجب الرجم يتعلق بست شروط الحرية والبلوغ والعقل والاسلام والنكاح الصحيح والدخول ولا يراعون وطئا محظورا مع ذلك ولا مباحا والاخر احصان يتعلق به حد القذف له خمس خصال عندهم الحرية والبلوغ والعقل والاسلام والعفة

وروى ابو يوسف عن بن ابي ليلى قال اذا زنى اليهودي او النصراني بعد ما احصنا فعليهما الرجم قال ابو يوسف وبه ناخذ فالاحصان عند هؤلاء له اربعة شروط الحرية والبلوغ والعقل والوطء في النكاح الصحيح ونحو هذا قول الشافعي واحمد بن حنبل قال الشافعي اذا دخل الرجل بامراته وهما حران ووطئها فهذا احصان مسلمين كانا في حين الزنى بالغين واختلف اصحابه على اربعة اوجه فقال بعضهم اذا تزوج العبد او الصبي ووطى ء فذلك احصان اذا زنى بعد البلوغ والحرية وقال بعضهم لا يكون واحد منهم محصنا كما قال مالك وقال بعضهم اذا تزوج الصبي الحر احصن فاذا بلغ وزنى رجم والعبد لا يحصن حتى يعتق بالغا ويزني بعد وقال بعضهم اذا تزوج الصبي لم يحصن واذا تزوج العبد احصن وقالوا جميعا الوطء الفاسد لا يقع به احصان وقد تقدم في كتاب النكاح من اقوال العلماء في الاحصان اكثر من هذا وتقصينا ذلك في التمهيد واما قوله في هذا الحديث عن عمر رضي الله عنه او قامت عليه البينة او كان الحبل او الاعتراف فاجمع العلماء ان البينة في الزنى اربعة شهداء رجال عدول يشهدون بالصريح من الزنى لا بالكناية وبالرؤى ة كذلك والمعاينة ولا يجوز عند الجميع في ذلك شهادة النساء فاذا شهد بذلك من وصفنا على من احصن كما ذكرنا وجب الرجم على ما قال عمر رضي الله عنه واما الاعتراف فهو الاقرار من البالغ العاقل بالزنى صراحا لا كناية فاذا ثبت على اقراره ولم ينزع عنه وكان محصنا وجب عليه الرجم وان كان بكرا جلد مائة وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء واما الحمل الظاهر للمراة ولا زوج لها يعلم فقد اختلف العلماء في ذلك

فقالت طائفة الحبل والاعتراف والبينة سواء في ما يوجب الحد في الزنى على حديث عمر هذا في قوله اذا قامت عليه البينة او كان الحبل او الاعتراف فسواء في ذلك في ما يوجب الرجم على من احصن فوجبت التسوية بذلك وممن قال ذلك مالك بن انس في ما ذكر عنه بن عبد الحكم وغيره وذكره في موطئه قال اذا وجدت المراة حاملا فقالت تزوجت او استكرهت لم يقبل ذلك منها الا بالبينة على ما ذكرت الا ان تكون جاءت تستغيث وهي تدمى او نحو ذلك من فضيحة نفسها فان لم يكن ذلك اقيم عليها الحد وقال بن القاسم اذا كانت طارئة غريبة فلا حد عليها وهو قول عثمان البتي وقال ابو حنيفة والشافعي واصحابهما لا حد عليها الا ان تقر بالزنى او يقوم عليها بذلك بينة ولم يفرقوا بين طارئة وغير طارئة لان الحمل دون اقرار ولا بينة ممكن ان تكون المراة في ما ادعته من النكاح او الاستكراه صادقة والحدود لا تقام الا باليقين بل تدرا بالشبهات فان احتج محتج بحديث عمر المذكور وتسويته فيه بين البينة والاقرار والحبل قيل له قد روي عنه خلاف ذلك من رواية الثقات ايضا وروى شعبة بن الحجاج عن عبد الملك بن ميسرة عن نزال بن صبرة قال اني لمع عمر رضي الله عنه بمنى اذا بامراة ضخمة حبلى قد كاد الناس ان يقتلوها من الزحام وهي تبكي فقال لها عمر ما يبكيك ان المراة ربما استكرهت فقالت اني امراة ثقيلة الراس وكان الله عز وجل يرزقني من الليل ما شاء الله أن يرزقني فصليت ونمت فوالله ما استيقظت الا ورجل قد ركبني ومضى ولا ادري أي خلق الله هو فقال عمر لو قتلت هذه خفت على من بين الاخشبين النار ثم كتب إلى الامراء الا لا تعجلوا احدا الا باذنه مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن ابي واقد

الليثي ان عمر بن الخطاب اتاه رجل وهو بالشام فذكر له انه وجد مع امراته رجلا فبعث عمر بن الخطاب ابا واقد الليثي إلى امراته يسالها عن ذلك فاتاها وعندها نسوة حولها فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب واخبرها انها لا تؤخذ بقوله وجعل يلقنها اشباه ذلك لتنزع فابت ان تنزع وتمت على الاعتراف فامر بها عمر فرجمت قال ابو عمر قد تقدم القول في معنى هذا الحديث كله في هذا الباب فلا معنى لاعادته وقد روى هذا الحديث نافع مولى بن عمر عن سليمان بن يسار ان رجلا جاء إلى عمر وهو بالجابية فقال يا امير المؤمنين انه وجد عبده على امراته فقال له عمر انظر ماذا تقول فانك ماخوذ بما تقول قال نعم فقال عمر لابي واقد وذكر معنى حديث مالك ذكره سنيد عن حجاج عن صخر بن جويرية عن نافع وراه معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابي واقد الليثي قال اني لمع عمر بالجابية إذ جاءه رجل فقال عبدي زنى بامراتي وهي هذه تعترف قال ابو واقد فارسلني عمر اليها في نفر من قومه وذكر تمام الخبر مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب انه سمعه يقول لما صدر عمر بن الخطاب من منى اناخ بالابطح ثم كوم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه واستلقى ثم مد يديه إلى السماء فقال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني اليك غير مضيع ولا مفرط ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال ايها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة الا ان تضلوا بالناس يمينا وشمالا وضرب

باحدى يديه على الاخرى ثم قال اياكم ان تهلكوا عن اية الرجم ان يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا والذي نفسي بيده لولا ان يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فانا قد قراناها قال مالك قال يحيى بن سعيد قال سعيد بن المسيب فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر رحمه الله قال يحيى سمعت مالكا يقول قوله الشيخ والشيخة يعني الثيب والثيبة فارجموهما البتة قال ابو عمر هذا حديث صحيح الاسناد يستند منه قوله رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمعه سعيد بن المسيب من عمر في قول جماعة من اهل العلم وشهد معه هذه الحجة وسمعه يقول عند رؤيته البيت وعند طوافه كلاما حفظه عنه قد ذكرته في التمهيد وكان علي بن المديني يصحح سماع سعيد بن المسيب من عمر بن الخطاب وكان بن معين ينكره ويقول كان غلاما في زمان عمر بن الخطاب لانه ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر قال ابو عمر كان سعيد بن المسيب حافظا ذكيا عالما وكانت سنة في حجة عمر هذه ثمانية اعوام ونحوها ومن دون هذا السن يحفظ اكثر من هذا روى شعبة عن اياس بن معاوية قال قال لي سعيد بن المسيب ممن انت قلت من مزينة قال اني لاذكر اليوم الذي نعى فيه عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني إلى الناس على المنبر رواه جماعة من حفاظ اصحاب شعبة عن شعبة وروى الاصمعي قال حدثني طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب عن سعيد بن المسيب قال كنت في الغلمة الذين جروا جعدة العقيلي إلى عمر وقال الحسن الحلواني حدثني اسباط عن الشيباني عن بكير بن الاشج عن سعيد بن المسيب قال سمعت عمر على المنبر يقول لا اجد احدا جامع ولم يغتسل انزل او لم ينزل الا عاقبته

قال ابو عمر هذه الاثار اصح من حديث بن لهيعة عن بكير بن الاشج قال قيل لسعيد بن المسيب ادركت عمر بن الخطاب وكان يحيى بن معين ينكر سماعه من عمر وروايته له وليس الانكار بعلم حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني عبد الصمد قال حدثني شعبة عن قتادة قال قلت لسعيد بن المسيب رايت عمر بن الخطاب قال نعم قال بن وضاح ولد سعيد بن المسيب لسنتين مضتا من خلافة عمر وسمع منه كلامه الذي قال حين نظر إلى الكعبة اللهم انت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام كذلك قال بن كاسب وغير واحد ممن لاقيت قال ابو عمر ليس في قول عمر رضي الله عنه فاقبضني اليك غير مضيع ولا مفرط خلافا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لا يتمنين احدكم الموت لضر نزل به لان هذا دعاء كان من عمر شفقة على دينه وخوفا من ان تدركه فتنة تصده عن القيام بامور الناس في دنياهم ودينهم مما ادخل فيه نفسه وانما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت عند نزول المصائب وحلول البلاء تسخطا للقضاء وقلة رضى وعدم صبر على الايذاء واما اذا كان ذلك شحا من المرء على دينه وخوفا من ان يفتن لما يرى من عموم الفتن فليس ذلك من معنى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم الا ترى إلى قول معاذ بن جبل لما راى ما راى وعلم ما علم من اقبال

الفتن قال في طاعون عمواس يا طاعون خذني اليك تمنيا للموت فمات في ذلك الطاعون وما زال الانبياء والصالحون يخافون الفتنة في الدين على انفسهم ويتمنون من اجل ذلك الموت على خير ما هم عليه قال ابراهيم الخليل عليه السلام واجنبني وبني ان نعبد الاصنام ابراهيم وقال يوسف عليه السلام توفني مسلما والحقني بالصالحين يوسف قال ابو عمر قد تقدم في هذا الباب من القول في الرجم وثبوته عند اهل العلم في السنة وفي الكتاب المحكم المعمول به عند جماعة منهم بشهادة الاثار الصحاح بذلك ما فيه والحمد لله كفاية حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد وحدثني احمد بن قاسم قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني الحارث بن ابي اسامة قال حدثني إسحاق بن عيسى قالا جميعا حدثني حماد بن زيد واللفظ لحديث مسدد وهو اتم عن حديث بن زيد عن يوسف بن مهران عن بن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب يخطب ايها الناس ان الرجم حق فلا تخدعن عنه وان اية ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم وان ابا بكر قد رجم وانا قد رجمنا بعدهما وسيكون قوم من هذه الامة يكذبون بالرجم ويكذبون بالدجال ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ويكذبون بعذاب القبر ويكذبون بالشفاعة ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا قال ابو عمر الخوارج كلها وكثير من المعتزلة يكذبون بهذا كله والله اساله التوفيق لما يرضاه من عصمته ورحمته حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني قاسم بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان بن عيينة قال اخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ان الله عز وجل

بعث محمدا عليه السلام بالحق وانزل عليه الكتاب وكان في ما انزل عليه اية الرجم فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده قال سفيان قد سمعته من الزهري بطوله وحفظ بعضه وسقط عليه منه ما سمعه من معمر عنه قال ابو عمر يعني حديث السقيفة سمعه من الزهري بطوله وحفظ بعضه وسقط عليه منه ما سمعه عن معمر عنه مالك انه بلغه ان عثمان بن عفان اتي بامراة قد ولدت في ستة اشهر فامر بها ان ترجم فقال له علي بن ابي طالب ليس ذلك عليها ان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه وحمله وفصله ثلاثون شهرا الاحقاف وقال والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اردا ان يتم الرضاعة البقرة فالحمل يكون ستة اشهر فلا رجم عليها فبعث عثمان بن عفان في اثرها فوجدها قد رجمت قال ابو عمر رواه بن ابي ذئب وذكره في موطئه عن زيد بن عبد الله بن قسيط عن نعجة الجهيني قال تزوج رجل منا امراة فولدت لستة اشهر فاتى عثمان فذكر ذلك له فامر برجمها فاتاه علي فقال ان الله تعالى يقول وحمله وفصاله ثلاثون شهرا الاحقاف وقال عز وجل وفصاله في عامين لقمان قال ابو عمر يختلف اهل المدينة في رواية هذه القصة فمنهم من يرويها لعثمان مع علي كما رواها مالك وبن ابي ذئب ومنهم من يرويها عن عثمان عن بن عباس واما اهل البصرة فيرونها لعمر بن الخطاب مع علي بن ابي طالب فاما رواية اهل المدينة فذكرها معمر عن الزهري عن ابي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف قال رفعت إلى عثمان امراة ولدت لستة اشهر فقال انها رفعت الي امراة لا اراها الا جاءت بشر ولدت لستة اشهر فقال له بن عباس اذا اتمت الرضاع كان الحمل ستة اشهر قال وتلا بن عباس وحمله وفصاله ثلاثون شهرا الاحقاف فاذا اتمت الرضاع كان الحمل ستة اشهر

وهذا الاسناد لا مدفع فيه من رواية اهل المدينة وقد خالفهم في ذلك ثقات اهل مكة فجعلوا القصة لابن عباس مع عمر وروى بن جريج قال اخبرني عثمان بن ابي سليمان ان نافع بن جبير اخبره ان بن عباس اخبره قال اني لصاحب المراة التي اتي بها عمر وضعت لستة اشهر فانكر الناس ذلك قال قلت لعمر لم تظلم قال كيف قال قلت اترى وحملة وفصاله ثلاثون شهرا الاحقاف وقال والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة البقرة قال كم الحول قال سنة قلت وكم السنة قال اثنا عشر شهرا قال فاربعة وعشرون شهرا حولان كاملان ويؤخر الله عز وجل من الحمل ما شاء ويقدم ما يشاء قال فاستراح عمر إلى قولي وروي من حديث الكوفيين نحو ما رواه المدنيون في عثمان ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الاعمش عن ابي الضحى عن قائد لابن عباس كنت معه فاتي عثمان بامراة وضعت لستة اشهر فامر برجمها فقال له بن عباس ان خاصمتكم بكتاب الله خصمتكم قال الله عز وجل وحمله وفصاله ثلاثون شهرا الاحقاف والحمل ستة اشهر والرضاع سنتان قال فدرا عنها الحد قال ابو عمر هذا خلاف ما ذكره مالك ان عثمان بعث في اثرها فوجدها قد رجمت وقد صحح عكرمة القصتين لعمر وعثمان ايضا ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم عن عكرمة وذكره غير واحد عن الزهري باسناده عن عكرمة ان عمر اتي بمثل التي اتي بها عثمان فقال فيها على نحو مما قال بن عباس واما رواية اهل البصرة فذكر عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن ابي حرب بن ابي الاسود الديلي عن ابيه قال رفع إلى عمر امراة ولدت لستة اشهر فاراد عمر ان يرجمها فجاءت اختها إلى علي بن ابي طالب فقالت ان عمر يريد ان يرجم اختي فانشدك الله ان كنت تعلم لها عذرا لما اخبرتني به فقال لها علي فان لها عذرا فكبرت تكبيرة فسمعها

ومن عنده فانطلقت إلى عمر وقالت ان عليا زعم ان لاختي عذرا فارسل عمر إلى علي ما عذرها فقال ان الله عز وجل يقول والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين البقرة وقال عز وجل وحمله وفصاله ثلاثون شهرا الاحقاف فحمله ستة اشهر والفصال اربعة وعشرون شهرا قال فخلى عمر سبيلها قال ثم انها ولدت بعد ذلك لستة اشهر وروى معمر عن قتادة قال رفع إلى عمر امراة ولدت لستة اشهر بمعنى ما تقدم لم يجاوز به قتادة يوما إلى اخره ومن وصله حجة عليه قال ابو عمر لا اعلم خلافا بين اهل العلم في ما قاله علي وبن عباس في هذا الباب في اقل الحمل وهو اصل واجماع وفي الخبر بذلك فضيلة كبيرة وشهادة عادلة لعلي وبن عباس في موضعهما من الفقه في دين الله عز وجل والمعرفة بكتاب الله عز وجل مالك انه سال بن شهاب عن الذي يعمل عمل قوم لوط فقال بن شهاب عليه الرجم احصن او لم يحصن قال ابو عمر قد اختلف عن بن شهاب في هذه المسالة لاختلاف قوله فيها والرواة لها عنه كلهم ثقات روى بن ابي ذئب ومعمر عنه في اللوطي انه كالزاني يجلد ان كان بكرا ويرجم ان كان ثيبا محصنا ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني معن بن ابي عيسى عن بن ابي ذئب عن الزهري قال يرجم اللوطي اذا كان محصنا واذا كان بكرا جلد مائة ويغلظ عليه في الحبس والنفي قال ابو عمر هذا قول عطاء ومجاهد وقتادة وابراهيم النخعي وسعيد بن المسيب والحسن بن ابي الحسن لم يختلف عن واحد من هؤلاء ان اللوطي حده حد الزاني الا ابراهيم النخعي فروي عنه ثلاث روايات احدها هذه والثانية انه يرجم على كل حال قال ولو كان احد يرجم مرتين رجم هذا

والثالثة انه يضرب دون الحد وهو قول الحكم بن عتيبة ولا اعلم احدا قاله قبل الحكم بن عتيبة الا الرواية عن ابراهيم واصح الروايات فيه عن ابراهيم انه كالزاني وهو قول الشافعي وابي يوسف ومحمد والحسن بن حي وعثمان البتي وابي ثور واحمد بن حنبل في احدى الروايتين عنه كل هؤلاء حد اللوطي عندهم حد الزاني يرجم ان كان محصنا وان كان بكرا جلد وقال مالك واصحابه يرجم اللوطي ويقتل بالرجم احصن او لم يحصن وهو قول بن عباس وروي ذلك عن علي بن ابي طالب وعثمان بن عفان وروي عن ابي بكر الصديق انه امر باحراق من فعل ذلك وممن قال بقول مالك في اللوطي يرجم احصن او لم يحصن جابر بن زيد ابو الشعثاء وعامر الشعبي وبه قال الليث بن سعد واسحاق بن راهوية واحمد في رواية قال ابو عمر هذا القول اعلى لانه روي عن الصحابة ولا مخالف له منهم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحجة فيما تنازع فيه العلماء ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني وكيع عن بن ابي ليلى عن القاسم بن الوليد عن يزيد بن قيس ان عليا رجم لوطيا قال وحدثني وكيع قال وحدثني محمد بن قيس عن ابي حصين ان عثمان اشرف على الناس يوم الدار فقال اما علمتم انه لا يحل دم امرئ مسلم الا بأربعة رجل عمل عمل قوم لوط او ارتد بعد الايمان او زنى بعد احصان او قتل نفسا مؤمنة بغير حق قال وحدثني غسان بن نصر عن سعيد بن يزيد عن ابي نضرة قال سئل بن عباس ما حد اللوطي قال ينظر إلى اعلى بناء في القرية فيرمى منه منكسا ثم يتبع بالحجارة قال وحدثني محمد بن بكر قال حدثني بن جريج قال اخبرني بن خيثم عن مجاهد وسعيد بن جبير انهما سمعا بن عباس يقول في الرجل يؤخذ على اللوطية انه يرجم

قال ابو عمر اما الاثار المسندة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب فأحسنها حديث عكرمة عن بن عباس رواه عن عكرمة داود بن حصين وعمرو بن ابي عمرو مولى المطلب ومثله او نحوه حديث جابر وحديث ابي هريرة قال حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني إسحاق بن محمد قال حدثني ابراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من وقع على رجل فاقتلوه يعني عمل عمل قوم لوط وحدثاني قال حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني ابراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا الفاعل والمفعول به يعني في اللوطة وذكره عبد الرزاق قال اخبرنا ابراهيم من محمد قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوا الفاعل والمفعول به الذي يعمل عمل قوم لوط واخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني النفيلي قال حدثني عبد العزيز بن محمد قال حدثني عن عمرو بن ابي عمرو عن عكرمة عن بن عباس قال قال رسول الله من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به قال ابو داود ورواه سليمان بن بلال عن عمرو بن ابي عمرو مثله ورواه عباد بن منصور عن عكرمة عن بن عباس واما حديث جابر فحدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني محمد بن ادم قال حدثني المحاربي عن عبد الله بن كثير عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه

واما حديث ابي هريرة فرواه عاصم بن عمر عن سهيل بن ابي صالح عن ابيه عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذي يعمل عمل قوم لوط ارجموا الاعلى والاسفل ارجموهما جميعا قال ابو عمر عاصم بن عمر هذا هو اخو عبيد الله وعبد الله ابني عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو ضعيف وهو مجهول وقال ابو حنيفة وداود يعذر اللوطي ولا حد عليه الا الادب والتعزير الا ان التعذير عند ابي حنيفة اشد الضرب وحجتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث كفر بعد ايمان او زنى بعد احصان أو قتل نفس بغير حق وهذا حديث قيل في وقت ثم نزل بعده اباحة دم الساعي بالفساد في الارض وقاطع السبيل وعامل عمل قوم لوط ومن شق عصى المسلمين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاخر منهما وجاء النص فيمن عمل عمل قوم لوط فاقتلوه وهذا من نحو قول الله عز وجل لا اجد في ما اوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الانعام ثم حرم الله عز وجل بعد ذلك اشياء كثيرة في كتابه او على لسان نبيه منها ان اللوطي زان واللواط زنى واقبح من الزنى وبالله التوفيق وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط لعن الله من عمل عمل قوم لوط ولم يبلغنا انه لعن الزاني بل امر بالستر عليه واولى الناس ان يقول اللواط كالزنى من اجاز وطء الدبر من الزوجات والاماء وهو عندنا غير جائز والحمد لله بموضع الاذى كالحيض من النساء وبالله توفيقنا

باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنى مالك عن زيد بن اسلم ان رجلا اعترف على نفسه بالزنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور فقال فوق هذا فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال دون هذا فأتي بسوط قد ركب به ولان فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد ثم قال ايها الناس قد ان لكم ان تنتهوا عن حدود الله من اصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فانه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله قال ابو عمر لم يختلف عن مالك في ارسال هذا الحديث ولا اعلمه يستند بهذا اللفظ من وجه من الوجوه وقد ذكر بن وهب في موطئه عن مخرمة بن بكير عن ابيه قال سمعت عبيد الله بن مقسم يقول سمعت كريبا مولى بن عباس او حدثت عنه انه قال اتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف على نفسه بالزنى ولم يكن الرجل احصن فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سوطا فوجد راسه شديدا فرده ثم اخذ سوطا فوجد راسه لينا فأمر رجلا من القوم فجلده مائة جلدة ثم قام على المنبر فقال ايها الناس اتقوا الله واستتروا بستر الله وقال انظروا ما كره الله لكم فاجتنبوه او قال احذروا ما حذركم الله من الاعمال فاجتنبوه انه ما نؤتي به من امرئ قال بن وهب معناه نقم عليه كتاب الله قال ابو عمر هذا معنى حديث قول مالك وإن كان خلاف لفظه وفيه كراهة الاعتراف بالزنى وحب الستر على نفسه والفزع إلى الله عز وجل في التوبة وقد

تقدم هذا المعنى في الباب قبل هذا وتقدم كثير من معاني هذا الحديث في ذلك الباب والحمد لله وفي حديث هذا الباب ايضا ان السلطان اذا اقر عنده المقر بحد من حدود الله عز وجل ثم لم يرجع عنه لزمه اقامة الحد عليه ولم يجز له العفو عنه وقد ذكرنا في فضل الستر على المسلم وستر المرء على نفسه احاديث كثيرة في التمهيد منها ما حدثني احمد بن عمر قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني مالك بن عبد الله بن سيف قال حدثني عمر بن الربيع بن طارق قال اخبرني يحيى بن ايوب عن عيسى بن موسى بن اياس بن البكير ان صفوان بن سليم حدثه عن انس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا نفحات الله عز وجل فان لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوه ان يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم حدثني عبد الرحمن بن مروان قال حدثني احمد بن سليمان بن عمرو البغدادي بمصر قال حدثني ابو عمران موسى بن سهيل البصري قال حدثني عبد الواحد بن غياث قال حدثني فضال بن جبير عن ابي امامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث لو حلفت عليهن لبررت والرابعة لو حلفت عليها لرجوت ان لا اثم لا يجعل الله من له سهم في الاسلام كمن لا سهم له ولا يتولى الله عبدا فيوليه إلى غيره ولا يحب قوم عبدا الا بعثه الله فيهم او قال معهم ولا يستر الله على عبد في الدنيا الا ستر عليه عند المعاد حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني عفان قال حدثني همام قال سمعت إسحاق بن عبد الله بن ابي طلحة قال حدثني شيبة الحضرمي انه شهد عروة يحدث عمر بن عبد العزيز عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما ستر الله على عبد في الدنيا الا ستر عليه في الاخرة اخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني احمد بن سعيد قال حدثني محمد بن محمد الباهلي قال حدثني سليمان بن عمرو وهو الاقطع قال حدثني عيسى بن يونس عن حنظلة السدوسي قال سمعت انس بن مالك يقول كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين حتى يلين ثم يضرب به قلنا لانس في زمان من كان هذا

قال في زمن عمر بن الخطاب واختلف الفقهاء في الموضع التي يضرب بها الانسان في الحدود فقال مالك الحدود كلها لا تضرب الا في الظهر قال وكذلك التعزير لا يضرب الا في الظهر عندنا وقال الشافعي واصحابه يتقى الفرج والوجه وتضرب سائر الاعضاء وروي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه مثل قول الشافعي انه كان يقول اتقوا وجهه والمذاكير وقال ابو حنيفة ومحمد بن الحسن تضرب الاعضاء كلها في الحدود الا الفرج والراس وقال ابو يوسف يضرب الراس ايضا قال ابو عمر روى سفيان عن عاصم عن ابي عثمان ان عمر رضي الله عنه اتي برجل في حد فقال للجلاد اضرب ولا نرى ابطك واعط كل عضو حقه وروي عن عمر وبن عمر انهما قالا لا يضرب الراس قال بن عمر لا يؤمر ان يضرب الراس واختلفوا في كيفية ضرب الرجال والنساء قياما او قعودا فقال مالك الرجل والمراة في الحدود كلها سواء لا يقام واحد منهما يضربان قاعدين ويجرد الرجل في جميع الحدود ويترك على المراة ما يسترها وينزع عنها ما يقيها من الضرب وقال الثوري لا يجرد الرجل ولا يمد ويضرب قائما والمراة قاعدة وقال الليث بن سعد وابو حنيفة والشافعي الضرب في الحدود كلها وفي التعزير مجردا قائما غير ممدود الا حد القذف فانه يضرب وعليه ثيابه وينزع عنه المحشو والبرد والفرو قال ابو عمر في حديث بن عمر في رجم اليهوديين ما يدل على ان الرجل كان قائما والمراة قاعدة لقوله فيه فرايت الرجل يحني على المراة يقيها الحجارة وما جاء عن عمر وعلي في ضرب الاعضاء ما يدل على القيام والله اعلم ومما يدل على الضرب قائما ما رواه شعبة عن ابي ميمونة قال اتيت

المدينة فدخلت المسجد وقيدت بعيري فجاء رجل فجلد فقلت له يا نائك امه فرفعني إلى ابي هريرة وهو خليفة لمروان فضربني ثمانين قال فركبت بعيري وقلت لعمرك انني يوم اضرب قائما ثمانين سوطا انني لصبور واختلفوا في اشد الحدود ضربا فقال مالك واصحابه والليث بن سعد الضرب في الحدود كلها سواء ضرب غير مبرح ضرب بين ضربين وقال ابو حنيفة واصحابه التعزير اشد الضرب وضرب الزنى اشد من الضرب في الخمر وضرب السارق اشد من ضرب القاذف وقال الثوري ضرب الزنى اشد من ضرب القذف وضرب القذف اشد من ضرب الشرب وقال الحسن بن حي ضرب الزنى اشد من ضرب الشرب والقذف وعن الحسن البصري مثله وزاد وضرب الشرب اشد من التعزير وقال عطاء بن ابي رباح حد الزنية اشد من حد الفرية وحد الفرية والخمر واحد قال ابو عمر القياس ان يكون الضرب في الحدود كلها واحدا لورود التوقيف فيها على عدد الجلدات ولا يرد في شيء منها تخفيف ولا تثقيل عما يجب التسليم له فوجبت التسوية في ذلك ومن فرق بين شيء من ذلك احتاج إلى دليل وقد ذكرنا ما نزعت به كل فرقة من الاثار لاقوالهم في كتاب التمهيد قال ابو عمر روى شعبة عن واصل عن المعرور بن سويد قال اتي عمر بن الخطاب بامراة زنت فقال افسدت حسبها اضربوها حدها ولا تخرقوا عليها جلدها وروي عن علي انه قال لقنبر في العبد الذي اقر عنده بالزنى اضربه كذا وكذا ولا تنهك وروي عن علي وعمر رضي الله عنهما دليل على ان قول الله عز وجل ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله النور لم يرد به شدة الضرب والاسراف فيه وانما اراد تعطيل الحدود وان لا تاخذ الحكام رافة على الزناة فلا يجلدونهم ويعطلوا الحدود

وهذا قول جماعة اهل التفسير وممن قال ذلك الحسن ومجاهد وعطاء وعكرمة وزيد بن اسلم وروى وكيع عن عمران بن حدير عن ابي مجلز في قوله عز وجل ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله النور قال اقامة الحدود اذا رفعت إلى السلطان وروى نافع عن بن عمر الجمحي عن بن ابي مليكة عن عبيد او عبد الله بن عمر قال ضرب بن عمر جارية له احدثت فجعل يضرب رجليها قال واحسبه قال ظهرها قال فقلت ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله النور قال يا بني واخذتني بهما رافة ان الله عز وجل لم يامرني ان اقتلها اما انا فقد اوجعت حين ضربت مالك عن نافع ان صفية بنت ابي عبيد اخبرته ان ابا بكر الصديق اتي برجل قد وقع على جارية بكر فاحبلها ثم اعترف على نفسه بالزنى ولم يكن احصن فامر به ابو بكر فجلد الحد ثم نفي إلى فدك قال ابو عمر قد تقدم في باب الرجم ان النبي صلى الله عليه وسلم جلد العسيف وغربه عاما وذكرنا هناك حديث نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم البكر جلد مائة وتغريب عام وذكرنا هناك ايضا حديث بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وان ابا بكر ضرب وغرب وان عمر ضرب وغرب والتغريب النفي وذكرنا ما للفقهاء من الاختلاف في نفي العبيد والنساء وخالف ابو حنيفة واصحابه الاثار المرفوعة وغيرها في هذا الباب فلم يروا على الزاني البكر غير الجلد والجمهور على تغريب الرجل الحر اذا زنى واقيم عليه الحد الا ان منهم من يجعل سجنه التغريب والاكثر ينفونه من بلده ويسجنونه بالبلد الذي يغربونه به وفي اخر هذا الباب قال مالك الذي ادركت عليه اهل العلم انه لا نفي على العبيد اذا زنوا قال ابو عمر قول مالك ومذهبه انه لا نفي على العبيد ولا على النساء وقال الاوزاعي ينفى الزناة الرجال كلهم عبيدا او احرارا ولا ينفى النساء

وقال الثوري والحسن بن حي ينفى الزناة كلهم واختلف قول الشافعي فمرة قال ينفى الزناة كلهم اذا جلدوا عبيدا كانوا او احرارا ذكرانا كانوا او اناثا سنة بسنة إلى غير بلادهم ومرة قال ينفى العبد إلى غير بلده نصف سنة وبه قال الطبري ومرة قال استخيروا الله في نفي العبيد ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني هارون قال حدثني محمد بن إسحاق عن نافع عن بن عمر ان ابا بكر رضي الله عنه نفى رجلا وامراة حولا قال ابو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نفى إلى خيبر وعن عمر انه نفى إلى خيبر وعن علي انه نفى إلى البصرة وعن عثمان انه نفى إلى خيبر وسئل الشعبي من اين إلى اين النفي قال من عمله إلى عمل غيره قال مالك في الذي يعترف على نفسه بالزنى ثم يرجع عن ذلك ويقول لم افعل وانما كان ذلك مني على وجه كذا وكذا لشيء يذكره ان ذلك يقبل منه ولا يقام عليه الحد وذلك ان الحد الذي هو لله لا يؤخذ الا باحد وجهين اما ببينة عادلة تثبت على صاحبها واما باعتراف يقيم عليه حتى يقام عليه الحد فان اقام على اعترافه اقيم عليه الحد قال ابو عمر اتفق مالك والشافعي وابو حنيفة واصحابه انه يقبل رجوع المقر بالزنى وشرب الخمر وكذلك السرقة اذا اقر بها السارق من مال الرجل وحرزه فاكذبه ذلك الرجل ولم يدع السرقة ثم رجع السارق عن اقراره قبل اقراره عند مالك ومن ذكرنا معه وقال بن ابي ليلى وعثمان البتي لا يقبل رجوعه في الزنى ولا في السرقة ولا في الخمر وقال الاوزاعي في رجل اقر على نفسه بالزنى اربع مرات وهو محصن ثم ندم وانكر ان يكون اتى ذلك انه يضرب حد الفرية على نفسه قال وان اعترف

بسرقة او شرب خمر او قتل ثم انكر عاقبه السلطان دون الحد قال ابو عمر قال الاوزاعي ضعيف لا يثبت على النظر واختلف قول مالك في المقر بالزنى او بشرب الخمر يقام عليه الحد فيرجع تحت الجلد قبل ان يتم الحد فمرة قال اذا اقيم عليه اكثر الحد اتم عليه لان رجوعه ندم منه ومرة قال يقبل رجوعه ابدا ولا يضرب بعد رجوعه ويرفع عنه وهو قول بن القاسم وجماعة الفقهاء قال ابو عمر محال ان يقام على احد حد بغير اقرار ولا بينه ولا فرق في قياس ولا نظر بين رجوعه قبل الحد وفي اوله وفي اخره ودماء المسلمين فاذا هو محرم فلا يستباح منه شيء الا بيقين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابي هريرة وحديث جابر وحديث نعيم بن هزال وحديث ابي هريرة ان ماعزا لما رجم ومسته الحجارة هرب فاتبعوه فقال لهم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوه رجما وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه فهي هذا اوضح الدلائل على ان المقر بالحدود يقبل رجوعه اذا رجع لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل هروبه وقوله ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوعا وقال فهلا تركتموه وقد اجمع العلماء على أن الحد اذا وجب بالشهادة واقيم بعضه ثم رجع الشهود قبل ان يقام الحد او قبل ان يتم انه لا يقام عليه ولا يتم ما بقي منه بعد رجوع الشهود فكذلك الاقرار والرجوع وبالله التوفيق باب جامع ما جاء في حد الزنى مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن

مسعود عن ابي هريرة وزيد بن خالد الجهني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الامة اذا زنت ولم تحصن فقال ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير قال بن شهاب لا ادري ابعد الثالثة او الرابعة قال مالك والضفير الحبل هكذا روى مالك هذا الحديث عن بن شهاب بهذا الاسناد وتابعه على اسناده هذا يونس بن يزيد ويحيى بن سعيد ورواه عقيل والزبيدي وبن اخي الزهري عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ان شبل بن خالد او شبيل بن خالد المزني اخبره ان عبد الله بن مالك الاوسي اخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الامة اذا زنت وذكروا الحديث الا ان عقيلا وحده قال مالك بن عبد الله الاوسي وقال الزبيدي وبن اخي الزهري عبد الله بن مالك الاوسي وقال يونس بن يزيد عن الزهري عن عبيد الله عن شبل بن خالد المزني عن عبد الله بن مالك ورواه بن عيينة عن بن شهاب عن عبيد الله عن ابي هريرة وزيد بن خالد وشبل المزني ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الامة اذا زنت وقد تقصينا الاختلاف عن بن شهاب في هذا الحديث في التمهيد وذكرنا اقوال ائمة اهل الحديث في ذلك هنالك وزعم الطحاوي انه لم يقل احد في هذا الحديث ولم تحصن سوى مالك وان سائر الرواة عن بن شهاب انما قالوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما قال عن الامة اذا زنت فقال اذا زنت فاجلدوها الحديث وليس كما زعم الطحاوي وقد قاله يحيى بن سعيد في هذا الحديث عن بن شهاب وقالته طائفة من رواة بن عيينة عن بن عيينة عن الزهري في هذا الحديث واذا اتفق مالك وبن عيينة ويحيى بن سعيد في هذا الحديث على قوله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الامة اذا زنت ولم تحصن وليس من خالفهم عليهم حجة

وقد روى هذا الحديث سعيد بن ابي سعيد المقبري عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه ولم تحصن ورواه عن سعيد المقبري الليث بن سعد واسامة بن سعد وعبيد الله بن عمر واسماعيل بن امية وقد ذكرنا الاسانيد عنهم وعن سائر رواة بن شهاب في التمهيد ورواية ايوب بن موسى فليجلدها الحد ولا نعلم احدا ذكر فيها الحد غيره وكلهم يقول ولا يعيرها ولا يثرب عليها واجمع العلماء على ان الامة اذا تزوجت فزنت ان عليها نصف ما على الحرة البكر من الجلد لقول الله عز وجل فاذا احصن فان اتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب النساء والاحصان في الاماء على وجهين عند العلماء منهم من يقول فاذا احصن أي تزوجن ومنهم من يقول احصان الامة اسلامها واختلف القراء في القراءة في هذه الكلمة فمنهم من قرأ احصن بضم الهمزة وكسر الصاد يريدون تزوجن واحصن بالازواج يعني احصنهن غيرهن يعني الازواج بالنكاح وقد قيل احصن بالاسلام فالزوج محصنها والاسلام محصنها ومن قرا بفتح الهمزة والصاد اراد تزوجن او اسلمن على مذهب من قال ذلك والمعنيان في القراءتين متقاربان متداخلان وقد ذكرنا في التمهيد كل من قرا بالقراءتين من الصحابة والتابعين وسائر القراء في امصار المسلمين وكان بن عباس يقول اذا احصن بالازواج وكان يقول ليس على الامة حد حتى تتزوج وروى عطية بن قيس عن ام الدرداء عن ابي الدرداء مثله وروي عن عمر ما يشبهه وروى عمرو بن دينار وعطاء عن الحارث بن عبد الله بن ابي ربيعة عن ابيه انه سال عن عمر بن الخطاب عن الامة كم حدها قال القت بفروتها من وراء الدار قال ابو عبيد لم يذكر بقوله هذا الفروة بعينها لان الفروة جلدة الراس

كذا قال الاصمعي وكيف تلقي جلدة راسها من وراء الدار ولكن انما اراد بالفروة القناع يقول ليس عليها قناع ولا حجاب لانها تخرج إلى كل موضع يرسلها اهلها إليه لا تقدر على الامتناع من ذلك وكذلك لا تكاد تمتنع من الفجور فكانه راى ان لا حد عليها اذا فجرت بهذا المعنى قال وقد روي تصديق ذلك في حديث مفسر حدثناه زيد عن جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم قال تذاكرنا يوما قول عمر هذا فقال سعد بن حرملة انما ذلك من قول عمر في الرعايا فاما اللواتي قد احصنهن مواليهن فانهن اذا احدثن حددن قال ابو عبيد هكذا جاء في هذا الحديث الرعايا واما العربية فرواعي قال ابو عمر ظاهر حديث عمر هذا ان لا حد على الامة الا ان تحصن بالتزويج وقد قيل ان معناه ان لا حد على الامة كانت ذات زوج او لم تكن لانه لا حجاب عليهما ولا قناع وان كانت ذات زوج وقد روي عن بن عباس ان لا حد على عبد ولا ذمي الا انه قول مجمل يحتمل التاويل وروي عنه ايضا ان ليس على الامة حد حتى تحصن رواه بن عيينة عن بن ابي نجيح عن مجاهد عنه وهو قول طاوس وعطاء وروي عن بن جريج عن بن طاوس عن ابيه انه كان لا يرى على العبد ولا على الامة حدا الا ان ينكح الامة حر فينكحها فيجب عليها شطر الجلد قال بن جريج قلت لعطاء عبد زنى ولم يحصن قال يجلد غير حد قال ابو عمر كل من لا يرى على الامة حدا حتى تنكح يرى ان تؤدب وتجلد دون الحد ان زنت ورووا حديث ابي هريرة وزيد بن خالد على هذا المعنى وممن قال لا حد على الامة حتى تحصن بزوج ما تقدم عن عمر وابي الدرداء وبن عباس وطاوس وابي عبيد القاسم بن سلام واما الذين قالوا احصانها اسلامها فيرون عليها الحد اذا زنت كانت قد تزوجت قبل ذلك ام لا روي ذلك عن بن مسعود وغيره

وروى اهل المدينة عن عمر هذا المعنى ومن ذلك حديث مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد ان سليمان بن يسار اخبره ان عبد الله بن عياش بن ابي ربيعة المخزومي قال امرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الامارة خمسين خمسين في الزنى ورواه بن جريج وبن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان مثله بمعناه وروى معمر عن الزهري ان عمر بن الخطاب جلد ولا يرى من الخمسين انكارا في الزنى وهذا كله واضح في ان الامة اذا زنت حدت وان لم تكن محصنة بزوج حر ام عبد وذكر مالك في هذا الباب عن نافع ان عبدا كان يقوم على رقيق الخمس وانه استكره جارية من ذلك الرقيق فوقع بها فجلده عمر بن الخطاب ونفاه ولم يجلد الوليدة لانه استكرهها وفي هذا الحديث جلد العبيد اذا زنوا ونفيهم وذلك كله عن عمر خلاف ما روى عنه اهل العراق في الامة اذا زنت القت فروتها وراء الدار أي لا حد عليها وروي عن انس انه كان يجلد اماءه اذا زنين تزوجن او لم يتزوجن وروي ذلك عن علي وبن مسعود وبه قال ابراهيم النخعي والحسن البصري واليه ذهب مالك والاوزاعي والليث بن سعد وعثمان البتي وابو حنيفة والشافعي وعبيد الله بن الحسن واحمد واسحاق وروى معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر في الامة اذا زنت قال ان كانت ليست ذات زوج جلدها سيدها نصف ما على المحصنات من العذاب وان كانت ذات زوج يضع امرها إلى السلطان

قال ابو عمر اما ظاهر القران فهو شاهد بان الامة لا حد عليها حتى تحصن بزوج قال الله عز وجل ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات المومنات فمن ما ملكت ايمانكم من فتياتكم المومنات النساء فوصفهن عز وجل بالايمان ثم قال عز وجل فاذا احصن فان اتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب النساء والاحصان التزويج ها هنا لان ذكر الايمان قد تقدم ثم جاءت السنة في الامة اذا زنت ولم تحصن جلدت دون الحد وقيل بل بالحد وتكون زيادة بيان كنكاح المراة على عمتها وعلى خالتها ونحو ذلك مما قد اوضحناه في مواضع من كتابنا والحمد لله كثيرا قال ابو عمر اختلف العلماء في اقامة السادة الحدود على عبيدهم فقال مالك يحد المولى عبده وامته في الزنى وشرب الخمر والقذف اذا شهد عليه الشهود ولا يحده الا بالشهود ولا يقطعه في السرقة وانما يقطعه الامام وهو قول الليث واختلف اصحاب مالك في ذلك على ما ذكرنا عنهم في كتاب اختلافهم وقال ابو حنيفة يقيم الحدود على العبيد والاماء السلطان دون المولى في الزنى وفي سائر الحدود وهو قول الحسن بن حي وقال الثوري في رواية الاشجعي عنه يحده المولى في الزنى وفي سائر الحدود وهو قول الاوزاعي وقال الشافعي يحده المولى في كل حد وهو قول احمد واسحاق وابي ثور واحتج الشافعي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا زنت امة احدكم فليجلدها وقوله صلى الله عليه وسلم اقيموا الحدود على ما ملكت ايمانكم وروي عن جماعة من الصحابة انهم اقاموا الحدود على ما ملكت ايمانهم منهم بن عمر وبن مسعود وانس ولا مخالف لهم من الصحابة

وروي عن ابي ليلى انه قال ادركت بقايا الانصار يضربون الوليدة من ولائدهم اذا زنت في مجالسهم وروى الثوري عن عبد الاعلى عن ابي جميلة عن علي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اقيموا الحدود على ما ملكت ايمانكم وحجة ابي حنيفة ما روي عن الحسن وعبد الله بن محيريز ومسلم بن يسار وعمر بن عبد العزيز وغيرهم انهم قالوا الجمعة والزكاة والحدود والفيء والحكم إلى السلطان واما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث هذا الباب ثم بيعوها ولو بضفير فهذا على وجه الاختيار والحض على مساعدة الزانية لما في ذلك من الاطلاع وبما على المنكر وانه كالرضا به وقد قالت ام سلمة في حديثها يا رسول الله انهلك وفينا الصالحون قال نعم اذا كثر الخبث والخبث في هذا الحديث عند اهل العلم اولاد الزنى وان كانت اللفظة محتملة لذلك ولغيره وقد احتج بهذا الحديث من لم ير نفي العبيد لانه ذكر فيه الجلد ولم يذكر نفيا وقال اهل الظاهر بوجوب بيعها اذا زنت بعد جلدها الرابعة منهم داود وغيره والله اعلم باب ما جاء في المغتصبة قال مالك الامر عندنا في المراة توجد حاملا ولا زوج لها فتقول قد استكرهت او تقول تزوجت ان ذلك لا يقبل منها وانها يقام عليها الحد الا ان يكون لها على ما ادعت من النكاح بينة او على انها استكرهت او جاءت تدمى ان كانت بكرا او استغاثت حتى اتيت وهي على ذلك الحال او ما

اشبه هذا من الامر الذي تبلغ فيه فضيحة نفسها قال فان لم تات بشيء من هذا اقيم عليها الحد ولم يقبل منها ما ادعت من ذلك قال ابو عمر قد مضى القول في هذا الباب في باب الرجم عند قول عمر بن الخطاب الرجم في كتاب الله حق على من زنت من الرجال والنساء اذا احصن اذا قامت البينة او كان الحبل والاعتراف فجعل وجود الحبل كالبينة او الاعتراف فلا وجه لاعادة ما قد مضى الا ان نذكر طرفا هنا ونقول انه قد روي عن عمر خلاف ما رواه مالك عنه وان كان اسناد حديث مالك اعلى ولكنه محتمل للتاويل وروى عبد الرزاق عن الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال قد بلغ عمر ان امراة متعبدة حملت فقال عمر اتراها قامت من الليل تصلي فخشعت فسجدت فاتاه غاو من الغواة فتجشمها فحدثته بذلك سواء فخلى سبيلها وعن بن عيينة عن عاصم بن كليب الجرمي عن ابيه ان ابا موسى كتب إلى عمر في امراة اتاها رجل وهي نائمة فقالت ان رجلا اتاني وانا نائمة فوالله ما علمت حتى قذف في مثل شهاب النار فكتب عمر تهامية تنومت قد كان يكون مثل هذا وامر ان يدرا عنها الحد وروي عن عمر ايضا انه اتي بامراة حبلى بالموسم وهي تبكي فقالوا زنت فقال عمر ما يبكيك فان المراة ربما استكرهت على نفسها يلقنها ذلك فاخبرت ان رجلا ركبها نائمة فقال لو قتلت هذه لخشيت ان يدخل ما بين هذين الاخشبين النار وخلى سبيلها وروي عن علي رضي الله عنه انه قال لشراحة حين اقرت بالزنى لعلك غصبت على نفسك فقالت بل اتيت طائعة غير مكرهة واختلف الفقهاء في الرجل والمراة يوجدان في بيت فيقران بالوطء ويدعيان الزوجية فقال مالك ان لم يقيما البينة بما ادعيا من الزوجية بعد اقرارهما بالوطء او بعد ان شهدا عليهما به اقيم عليهما الحد قال بن القاسم الا ان يكونا طارئين وقال عثمان البتي ان كان يرى قبل ذلك يدخل اليها ويذكرها او كانا

طارئين لا يعرفان قبل ذلك فلا حد عليهما وان كان لم ياتيا شيئا من ذلك فهما زانيان ما اجتمعا وعليهما الحد وقال ابو حنيفة واصحابه اذا وجد رجل وامراة واقرا بالوطء وادعيا انهما زوجان لم يحدا ويخلى بينه وبينها وهو قول الشافعي قال ابو عمر لا خلاف عليه علمته بين علماء السلف والخلف ان المكرهة على الزنى لا حد عليها اذا صح اكراهها واغتصابها نفسها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاوز الله عن امتي الخطا والنسيان وما استكرهوا عليه والاصل المجتمع عليه ان الدماء الممنوع منها بالكتاب والسنة لا ينبغي ان يراق شيئا منها ولا يستباح الا بيقين واليقين الشهادة القاطعة او الاقرار الذي يقيم عليه صاحبه فان لم يكن ذلك فلان يخطئ الامام في العفو خير له من ان يخطئ في العقوبة فاذا صحت التهمة فلا حرج عليه في تعزيز المتهم وتاديبه بالسجن وغيره وبالله التوفيق وقد مضى القول في صداق المغتصبة ولا تنكح حتى تستبرئ نفسها بثلاث حيض فان ارتابت من حيضتها فلا تنكح حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة قال ابو عمر قد تقدم في كتاب النكاح هذا المعنى وما فيه للعلماء ونعيده مختصرا هنا لاعادة مالك له في هذا الباب وقال مالك اذا زنى الرجل بالمراة ثم اراد نكاحها فذلك جائز له بعد ان يستبرئها عن مائة الفاسد قال وان عقد النكاح قبل ان يستبرئها فهو كالناكح في العدة ولا يحل له ابدا ان كان وطؤه في ذلك قال مالك واذا تزوج امراة حرة فدخل بها فجاءت بولد بعد شهر انه لا ينكحها ابدا لانه وطاها في عدة وقال الشافعي يجوز نكاح الزانية وان كانت حبلى من زنى ولا يطؤها حتى يستبرئها واحب الي ان لا يعقد عليها حتى تضع

وقال زفر اذا زنت المرأة فعليه العدة وان تزوجت قبل انقضاء العدة لم يجز النكاح وقال ابو حنيفة في رجل رأى أمراة تزني ثم تزوجها فله أن يطأها قبل أن يستبرئها كما لو راى امرأته تزني لم يحرم عليه وطؤها عنده وقال محمد بن الحسن لا احب له ان يطاها حتى يستبرئها وان تزوج امراة وبها حمل من زنى جاز النكاح ولا يطؤها حتى تضع ولم يفرق بين الزاني وغيره وقال عثمان البتي لا باس بتزويج الزانية الزاني وغيره واحب الي ان لا يقربها وفيها ماء خبيث وقال ابو يوسف النكاح فاسد اذا كان الحمل من زنى وهو قول الثوري وزاد الثوري وكان الحمل منه وقد روي عن ابي يوسف كقول ابي حنيفة وقال الاوزاعي لا يتزوج الزاني الزانية الا بعد حيضة واحب الي ان تحيض ثلاثا قال ابو عمر اما حجة مالك فانه قاس استبراء الرحم من الزنى بثلاث حيض في الحرة على حكم النكاح الفاسد المفسوخ لان حكم النكاح الفاسد عند الجميع كالنكاح الصحيح في العدة فكذلك الزنى لانه لا يستبرئ رحم غيره في حرة باقل من ثلاث حيض قياسا على العدة وحجة الشافعي وابي حنيفة ان العدة في الاصول لا تجب الا باسباب تقدمتها بنكاح ثم طلاق او موت فلم يكن قبل الزنى بسبب تجب العدة بزواله وكذلك لم يجب عندهم فيه عدة والقياس عندهم في الحمل مثله في استبراء الرحم وقد احتج الشافعي بالحديث عن عمر انه حد غلاما وجارية فجرا ثم حرج على ان يجمع بينهما فابى الغلام قال فلم يكن عنده ان عليها عدة من زنى ولا مخالف له من الصحابة قال ولا وجه لمن جعل ماء الزاني كماء المطلق فقاسه عليه واباح للزاني نكاحا دون عدة لان العدة فيها حق للزوج وعبادة عليه لقوله عز وجل واحصوا العدة الطلاق ولقوله فما لكم عليهن من عدة الاحزاب والعدة من الزنى لو وجبت لم يكن للزاني فيها حق وهو من سائر الناس

لانه لا فراش له ولا ولد يلحق به فلما لم يمنع الزاني من نكاحها لم يمنع غيره باب الحد في القذف والنفي والتعريض مالك عن ابي الزناد انه قال جلد عمر بن عبد العزيز عبدا في فرية ثمانين قال ابو الزناد فسالت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال ادركت عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والخلفاء هلم جرا فما رايت احدا جلد عبدا في فرية اكثر من اربعين قال ابو عمر روى سفيان الثوري عن عبد الله بن ذكوان عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال كان ابو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان لا يجلدون العبد في القذف الا اربعين ثم رايتهم يزيدون على ذلك قال ابو عمر قوله ثم رايتهم يعني الامراء بالمدينة ليس الخلفاء الثلاثة الذين ذكرهم وقد روي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه انه كان يجلد العبد في الفرية اربعين من كتاب بن ابي شيبة وعبد الرزاق وغيرهما واختلف اهل العلم في العبد يقذف الحر كم يضرب فقال اكثر العلماء حد العبد في القذف اربعون جلدة سواء قذف حرا او عبدا روي ذلك عن ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وبن عباس وروى الثوري عن جعفر بن محمد عن ابيه ان عليا قال يجلد العبد في الفرية اربعين وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء بن ابي رباح ومجاهد والشعبي والنخعي وطاوس والحكم وحماد وقتادة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله واليه ذهب مالك والليث وابو حنيفة والشافعي واصحابهم واحمد بن حنبل واسحاق

وحجتهم القياس للعبيد على الاماء لقول الله عز وجل في الاماء فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب النساء وروى عن بن مسعود انه قال في عبد قذف حرا يجلد ثمانين وبه قال عمر بن عبد العزيز وابو بكر بن محمد عمرو بن حزم وقبيصة بن ذؤيب وبن شهاب الزهري والقاسم بن محمد واليه ذهب الاوزاعي وابو ثور وداود حدثني خلف بن قاسم قال حدثني محمد بن القاسم بن شعبان قال حدثني احمد بن شعيب قال اخبرنا احمد بن مسعدة قال اخبرنا سليم بن اخضر عن بن عون وعوف ان عمر بن عبد العزيز كتب في المملوك يقذف الحر قال يجلد ثمانين وذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني ابو اسامة قال حدثني جرير بن حازم قال قرات كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن ارطاة اما بعد فانك كتبت الي تسال عن العبد يقذف الحر كم يجلد وذكرت انه بلغك اني كنت اجلده اذا زنى بالمدينة اربعين جلدة ثم جلدته في اخر عملي ثمانين جلدة فان جلدي الاول كان رايا رايته وان جلدي الاخر وافق كتاب الله تعالى فاجلده ثمانين قال حدثني بن مهدي عن سفيان عن عبد الله بن ابي بكر قال ضرب عمر بن عبد العزيز العبد في القذف ثمانين قال ابو عمر ظن داود واهل الظاهر ان عمر بن عبد العزيز ومن قال بقوله انما جلد العبد في القذف ثمانين فرارا عن قياس العبيد على الاماء وليس كذلك بل المعنى الذي ذهبوا إليه نفس القياس لان الله عز وجل امر في كل من قذف محصنة ان يجلد ثمانين جلدة الا ان ياتي باربعة شهداء والمحصنات لا يدخل فيهن المحصنون الا بالقياس وقد اجمع علماء المسلمون ان المحصنين في ذلك كلهم حكمهم في ذلك حكم المحصنات قياسا وان من قذف حرا عفيفا مسلما كمن قذف حرة عفيفة مسلمة هذا ما لا خلاف فيه بين احد من علماء هذه الامة فمن راى الحد حقا يجب للمقذوف سواء كان قاذفه حرا او عبدا قال حد القاذف للحر المسلم البالغ ثمانون جلدة حرا كان او عبدا لان الله تعالى لم يخص قاذفا حرا من قاذف عبد

اذا كان المقذوف حرا مسلما فليس ها هنا نفي قياس لمن انعم النظر وسلم من الغفلة و من قال الحد انما يراعى فيه القاذف فان كان عبدا حد حد العبيد كما يضرب في الزنى نصف حد الحر انما يراعى فيه القاذف وهذا تصريح بالقياس وهو قول الخلفاء الراشدين وجمهور علماء المسلمين وبالله التوفيق مالك عن زريق بن حكيم الايلي ان رجلا يقال له مصباح استعان ابنا له فكانه استبطاه فلما جاءه قال له يا زان قال زريق فاستعداني عليه فلما اردت ان اجلده قال ابنه والله لئن جلدته لابوان على نفسي بالزنى فلما قال ذلك اشكل علي امره فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز وهو الوالي يومئذ اذكر له ذلك فكتب الي عمر ان اجز عفوه قال زريق وكتبت إلى عمر بن عبد العزيز ايضا ارايت رجلا افتري عليه او على ابويه وقد هلكا او احدهما قال فكتب الي عمر ان عفا فاجز عفوه في نفسه وان افتري على ابويه وقد هلكا او احدهما فخذ له بكتاب الله الا ان يريد سترا قال مالك وذلك ان يكون الرجل المفترى عليه يخاف ان كشف ذلك منه ان تقوم عليه بينة فاذا كان على ما وصفت فعفا جاز عفوه قال ابو عمر اختلف الفقهاء في حد القذف هل هو لله عز وجل كالزنى لا يجوز عفو او هو حق من حقوق الادميين كالقتل يجوز فيه العفو واختلف قول مالك في ذلك ايضا فمرة قال العفو عن حد القذف جائز بلغ الامام او لم يبلغ وهو قول الشافعي وابي يوسف ومرة قال لا يجوز فيه العفو اذا بلغ الامام ومرة قال لا يجوز فيه العفو الا ان يريد صاحبه سترا على نفسه وهذا نحو القول الاول الذي اجاز فيه العفو عن القاذف وقال ابو حنيفة وابو يوسف في رواية محمد عنه لا يصح العفو عن حد القذف بلغ الامام او لم يبلغ

وهو قول الثوري والاوزاعي وروى بشر بن الوليد عن ابي يوسف ان عفوه يصح كقول الشافعي وقال ابو جعفر الطحاوي لما كان حد القذف يسقط بتصديق القذف للقاذف دل انه حق للادمي لا حق لله قال ابو عمر العفو في حقوق الادميين اذا عفوا جائز باجماع مالك عن هشام بن عروة عن ابيه انه قال في رجل قذف قوما جماعة انه ليس عليه الا حد واحد قال مالك وان تفرقوا فليس عليه الا حد واحد قال ابو عمر روى معمر عن هشام بن عروة عن ابيه قال اذا جاؤوا جميعا فحد واحد وان جاؤوا متفرقين اخذ لكل انسان بحده ذكر ابو بكر قال حدثني ابو اسامة عن هشام بن عروة عن ابيه في الذي يقذف القوم جميعا قال ان كان في كلام واحد فحد واحد وان فرق فلكل واحد منهم حد والسارق مثل ذلك قال عبد الرزاق عن بن جريج عن هشام عن ابيه مثله إلى اخره قال ابو عمر في هذه المسالة للعلماء اقوال احدها انه ليس على قاذف الجماعة الا حد واحد تفرقوا او اجتمعوا وهو قول مالك وطاوس وعطاء والزهري وقتادة وابراهيم النخعي في رواية حماد وهو قول الثوري واحمد واسحاق وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن سليمان الشيباني وجابر وفراس كلهم عن الشعبي في الرجل يقذف القوم جميعا قال اذا فرق ضرب لكل انسان منهم وان جمعهم فحد واحد قال الثوري وقال حماد حد واحد جمع او فرق وعن معمر عن الزهري قال ان قذفهم جميعا فحد واحد مجتمعين كانوا او مفترقين والاخر ان قذفهم شتى فلكل واحد منهم حد وان قذفهم جميعا فحد واحد والثالث ان لكل واحد منهم حدا سواء كان القذف واحد او قذف كل واحد منهم منفردا

واتفق مالك وابو حنيفة واصحابهما والثوري والليث بن سعد انه اذا قذفهم بقول واحد او افرد كل واحد منهم فليس عليه الا حد واحد ما لم يحد ثم يقذف بعد الحد وقال بن ابي ليلى اذا قال لهم يا زناة فعليه حد واحد وان قال لكل واحد منهم يا زان فلكل واحد منهم حد وهو قول الشعبي في رواية وقول احمد ايضا وقال عثمان البتي اذا قذف جماعة فعليه لكل واحد منهم حد فان قال لرجل زنيت بفلانه فعليه حد واحد لان ابا بكرة واصحابه ضربهم عمر حدا واحدا ولم يحدهم للمراة قال ابو عمر تناقض البتي في هذه المسالة وليس ما احتج به من فعل عمر حجة لان المراة لم تطلب حدها عند عمر وانما الحد لمن طلبه وقام فيه وهذا ايضا من فعل عمر يدل على ان حد القذف من حقوق الادميين لا يقوم به السلطان الا ان يطلب المقذوف ذلك عنده وقال الحسن بن حي اذا قال من دخل هذه الدار فهو زان ضرب لكل من دخلها الحد اذا طلب ذلك وقال الشافعي فيما ذكر عنه المزني اذا قذف جماعة بكلمة واحدة فلكل واحد منهم حد وان قال يا بن الزانيين فعليه حدان وقال في احكام القران اذا قذف امراته برجل لاعن ولم يحد الرجل وفي البويطي عنه مثل قول مالك قال ابو عمر الحجة لمالك ومن قال بقوله حديث انس وغيره ان هلال بن امية قذف امراته بشريك بن سحماء فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلاعن بينهما ولم يحد لشريك ولا يختلفون ان من قذف امراته برجل فلاعن لم يحد الرجل ومن حجة من قال على قاذف الجماعة لكل واحد منهم حد اجماعهم على انه لو عفا احد المقذوفين كان لمن جمعه القذف معه ان يقوم ان شاء بحده ولو

كانوا عشرة او اكثر فعفا التسعة كان للباقي القيام في حده وحد القاذف له ولو كان حدا واحدا لسقط يعفو من عفا كما يسقط الدماء ولهم في هذا من القول والاعتلال ما يطول ذكره وليس كتابنا هذا بموضع له مالك عن ابي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان الانصاري ثم من بني النجار عن امه عمرة بنت عبد الرحمن ان رجلين استبا في زمان عمر بن الخطاب فقال احدهما للاخر والله ما ابي بزان ولا امي بزانية فاستشار في ذلك عمر بن الخطاب فقال قائل مدح اباه وامه وقال اخرون قد كان لابيه وامه مدح غير هذا نرى ان تجلده الحد فجلده عمر الحد ثمانين قال مالك لا حد عندنا الا في نفي او قذف او تعريض يرى ان قائله انما اراد بذلك نفيا او قذفا فعلى من قال ذلك الحد تاما قال ابو عمر اختلف العلماء في التعريض بالقذف هل يوجب الحد ام لا يروى عن عمر من وجوه انه حد في التعريض وروى معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر أن عمر كان يحد في التعريضي بالفاحشة وبن جريج قال اخبرني بن ابي مليكة عن صفوان وايوب عن عمر بن الخطاب انه حد في التعريض وقال بن جريج الذي حده عمر في التعريض عكرمة بن عامر بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار عندما هجا وهب بن زمعة بن الاسود بن عبد المطلب بن اسد تعرض له في هجائه سمعت بن ابي مليكة يحدث بذلك وكان عثمان يرى الحد في التعريض ذكر ابو بكر قال حدثني معاذ عن عوف عن ابي رجاء ان عمر وعثمان كانا يعاقبان في الهجاء قال وحدثني عبد الاعلى عن خالد بن ايوب عن معاوية بن قرة ان عثمان جلد الحد في التعريض وكان عمر بن عبد العزيز يحد في التعريض وذكر الاوزاعي عن الزهري انه كان يحد في التعريض

وهو قول الاوزاعي وعن سعيد بن المسيب روايتان احداهما انه افتى بضرب الحد في التعريض والثانية انه قال لا حد الا على من نصب الحد نصبا وقال الشافعي وابو حنيفة واصحابهما والثوري وبن ابي ليلى والحسن بن حي لا حد في التعريض في القذف ولا يجب الحد الا في التصريح بالقذف البين الا ان ابا حنيفة والشافعي يقولان يعزر المعرض للقذف ويؤدب لانه اذى ويزجر عن ذلك وقال اصحاب الشافعي وابو حنيفة ان الخلاف في ذلك بين الصحابة لان عمر حد في حديث مالك وغيره ولم يشاور في قول الرجل ما ابي بزان ولا امي بزانية الا من اذا خالف قبل خلافه من الصحابة لا من غيرهم قال ابو عمر قد روي ان عمر خالف في ذلك غيره من الصحابة الذين شاورهم في ذلك ذكر ابو بكر قال حدثني عبد الله بن ادريس عن يحيى بن سعيد عن ابي الرجال عن امه عمرة قالت استب رجلان فقال احدهما ما ابي بزان ولا امي بزانية فشاور عمر القوم فقالوا مدح اباه وامه فقال عمر لقد كان لهما من المدح غير هذا فضربه وممن قال ان لا حد في التعريض عبد الله بن مسعود والقاسم بن محمد والشعبي وطاوس والحسن وحماد بن ابي سليمان وروى بن عتيبة والثوري عن يحيى بن سعيد عن قاسم بن محمد قال ما كنا نرى الحد الا في القذف البين او في النفي البين وذكر ابو بكر قال حدثني عبدة عن محمد بن إسحاق عن القاسم مثله قال وحدثني بن المبارك وعبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم عن سعيد بن المسيب قال لا حد الا على من نصب الحد نصبا قال حدثني غندر عن عوف عن الحسن انه قال لا يجلد الا من صرح بالقذف قال واخبرنا هشيم عن منصور عن الحسن قال ليس عليه حد حتى يقول يا زان او يا بن الزانية

قال مالك الامر عندنا انه اذا نفى رجل رجلا من ابيه فان عليه الحد وان كانت ام الذي نفي مملوكة فان عليه الحد قال ابو عمر لا خلاف بين السلف والخلف من العلماء فيمن نفى رجلا عن ابيه وكانت امه حرة مسلمة عفيفة ان عليه الحد ثمانين جلدة ان كان حرا واختلفوا اذا كانت امة او ذمية ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني شريك عن جابر عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابيه قال قال عبد الله لا حد الا على رجلين رجل قذف محصنة او نفى رجلا عن ابيه وان كانت امه امة قال وحدثني عبد الاعلى عن معمر عن الزهري قال اذا نفى الرجل عن ابيه فان عليه الحد وان كانت امه مملوكة قال وحدثني بن مهدي عن سفيان عن سعيد الزبيدي عن حماد عن ابراهيم في الرجل يقول للرجل لست لابيك وامه امة او يهودية او نصرانية قال لا يجلد قال وحدثني وكيع عن سفيان عن شيخ من الازد ان بن هبيرة سال عن الرجل ينفي الرجل عن ابيه وامه امة الحسن والشعبي فقالا يضرب الحد قال ابو عمر الذي يدل عليه مذهب الشافعي وابي حنيفة ان لا حد على من نفى رجلا عن ابيه اذا كانت امه امة او ذمية لانه قاذف لامه ولو صرح بقذفها لم يمن عليه حد وذكر المزني عن الشافعي قال وان قال يا بن الزانيين وكان ابواه حرين مسلمين فعليه حدان قال ولا حد الا على من قذف حرا بالغا مسلما او حرة بالغة مسلمة ولم يختلفوا ان قذف مملوكة مسلمة او كافرة انه لا حد عليه للقذف وان كان منهم من يرى التعزير للاذى ومنهم من يرى في ذلك الادب باب ما لا حد فيه قال مالك ان احسن ما سمع في الامة يقع بها الرجل وله فيها

شرك انه لا يقام عليه الحد وانه يلحق به الولد وتقوم عليه الجارية حين حملت فيعطى شركاؤه حصصهم من الثمن وتكون الجارية له وعلى هذا الامر عندنا قال ابو عمر هذا واضح لانه قد سمع الخلاف في هذه المسالة واختار منه ما ذهب إليه وذكره في موطئه وله من السلف في ذلك عبد الله بن عمر وشريح وابراهيم وغيرهم ولم يفرق بن عمر بين علم الواطى ء بتحريمها عليه وبين جهله ولم ير عليه حدا وجعله خائنا وهو قول ابي حنيفة واصحابه والقياس احد قولي الشافعي لانه قال في رجل له امة وهي اخته في الرضاعة وطاها عالما بالتحريم فيها قولان احدهما عليه الحد والثاني لا حد عليه لشبهة الملك التي لا شبهة له فيها واما حديث بن عمر فذكره ابو بكر قال حدثني وكيع عن إسماعيل بن ابي خالد عن عمير بن نمير قالا سئل بن عمر عن جارية كانت بين رجلين فوقع عليها احدهما فقال ليس عليه حد هو خائن تقوم عليه قيمتها وياخذها قال وحدثني يحيى بن سعيد عن سعيد عن مغيرة عن ابراهيم في جارية كانت بين رجلين فوقع عليها احدهما فحملت قال تقوم عليه قال وحدثني حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن حسن بن صالح عن ليث عن طاوس في الجارية تكون بين الرجلين فيطؤها احدهما قال عليه العقر بالحصة قال ابو عمر من درا عنه الحد الحق به الولد والزمه نصيب شريكه او شركائه من صداق مثلها ولم يقومها عليه ومن قومها عليه لم يلزمه شيئا من الصداق وكان الحسن يقول يعزر ويقوم عليه ذكره ابو بكر عن يزيد عن هشام عن الحسن قال وحدثني كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال بلغنا ان عمر بن عبد العزيز اتي بجارية كانت بين رجلين فوطئها احدهما فحملت فاستشار في ذلك سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير فقالوا نرى ان يجلد دون الحد ويقومونها قيمة ويدفع إلى شريكه نصف القيمة

وقد روي عن سعيد بن المسيب في هذه المسالة قول اخر انه يجلد الحد الا سوطا واحدا رواه معمر عن يحيى بن كثير قال سئل سعيد بن المسيب ورجلان معه من فقهاء المدينة عن رجل وطى ء جارية له فيها شرك فقالوا عليه الحد الا سوطا واحدا وذكر ابو بكر قال حدثني حفص بن غياث عن داود بن ابي هند عن سعيد بن المسيب في جارية كانت بين رجلين فوقع عليها احدهما قال يضرب تسعة وتسعين سوطا وقد جاء عن سعيد بن المسيب في ذلك ايضا رواية ثالثة ذكرها عبد الرزاق عن بن جريج قال اخبرني داود بن ابي العاصم عن سعيد بن المسيب في رجلين بينهما جارية وطاها معا قال يجلد كل واحد منهما شطر العذاب وانما درا عنهما الرجم نصيب كل واحد منهما وان ولدت دعي الولد القافة وعن معمر عن الزهري في رجل وطى ء جارية وله شرك قال يجلد مائة احصن او لم يحصن وتقوم عليه هي وولدها ثم يغرم لصاحبه الثمن قال معمر واما بن شبرمة وغيره من فقهاء الكوفة فيقولون تقوم عليه هي وولدها ثم يغرم لصاحبه الثمن قال معمر ولا يقوم عليه ولدها قال ابو عمر من قومها عليه يوم الوطء لم يقوم ولدها ومن قومها بعد الوضع قوم ولدها معها ويغرم لشريكه نصف قيمتها ونصف قيمة ولدها ان كانت بينهما نصفين وذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني داود بن الجراح عن الاوزاعي عن مكحول في جارية بين ثلاثة وقع عليها احدهم قال عليه ادنى الحدين مائة وعليه ثلثا ثمنها وثلثا عقرها وثلثا قيمة الولد ان كان وذكر عبد الرزاق عن ابي حنيفة عن حماد عن ابراهيم في الجارية تكون بين الرجلين فتلد من احدهما قال يدرا عنه الحد بجهالته ويضمن لصاحبه نصيبه ونصف ثمن ولده قال وان كانت بين اخوين فوقع عليها احدهما فولدت قال يدرا عنه الحد ويضمن لاخيه قيمة نصيبه من الجارية وليس عليه قيمة في ولدها لانه يعتق حين ملكه

قال ابو عمر هذا على ما ذكرنا في كتاب العتق من مذهب الكوفيين في انه يعتق على انسان كل ما ملكه من ذي رحم محرم منه قال عبد الرزاق وقال لنا سفيان الثوري اما نحن فنقول في هذه لا جلد ولا رجم ولكن تعزير ومذهب الاوزاعي فيها كمذهب الزهري ومكحول يضرب ادنى الحدين احصن او لم يحصن وقال ابو ثور عليه الحد كاملا لانه وطى ء فرجا محرما عليه اذا كان بالتحريم عالما قال ابو عمر ليس كل من وطى ء فرجا محرما عليه وطؤه يلزمه الحد لاجماعهم ان لا حد على من وطى ء صائمة او معتكفة او محرمة او حائضا وهي له زوجة او امة والذي عليه جمهور الفقهاء ان شبهة الملك شبهة يسقط من اجلها الحد واحسن ما فيه عندي انه يلزم الواطى ء نصف صداق مثلها ان كان له نصفها ونصف قيمتها ويدرا عنه الحد وبالله التوفيق واما الرجل الغازي يطأ جارية من المغنم وله في المغنم نصيب فاختلف الفقهاء في هذا على غير اختلافهم في الجارية تكون بين الرجلين فيطؤها احدهما او كلاهما فاختلف في ذلك قول مالك واصحابه وسائر اهل العلم منهم من راى الحد عليه ومنهم من لم ير عليه حدا لان له فيها نصيبا الذي راى عليه الحد قال ليس عليه نصيب معلوم ولا حصة متعينة ولا ينفذ له في نصيبه عتق فكأنه لا نصيب له فيها حتى يبرزه له السلطان ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن نافع ان غلاما لعمر بن الخطاب وقع على وليدة من الخمس فاستكرهها فأصابها وهو امير على ذلك الرقيق فجلده عمر الحد ونفاه وترك الجارية ولم يجلدها من اجل انه استكرهها قال ابو عمر ذكر هذا الخبر عبد الرزاق في باب الرجل يصيب جارية من المغنم وهذا قد يمكن ان يكون الغلام عبدا لا حق له في الفيء وانما فائدة هذا الخبر جلد العبد ونفيه وان المستكرهة لا شيء عليها وقد مضى ذلك كله في موضعه من كتابنا هذا والحمد لله كثيرا قال عبد الرزاق واخبرنا بن جريج قال اخبرنا إسماعيل بن خالد ان رجلا

عجل فأصاب وليدة من الخمس وقال ظننت انها تحل لي فقال علي رضي الله عنه ان له فيها حقا فلم يجلده من اجل الذي له فيها وذكر ابو بكر قال حدثني وكيع عن موسى بن عبيدة عن بكر بن داود ان عليا اقام على رجل وقع على جارية من الخمس الحد قال ابو عمر كلا الخبرين عن علي منقطع لا حجة فيه ولا يقطع به على علي عليه السلام وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب في رجل وقع على جارية من المغنم قبل ان يقسم قال يجلد مائة الا سوطا احصن او لم يحصن وذكر ابو بكر قال حدثني يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن قال اذا كان له في الفيء شيء عذر ويقوم عليه وكذلك في جارية بينه وبين رجل قال وحدثني هشيم عن إسماعيل بن سالم عن الحكم انه قال في رجل وطى ء جارية من الفيء قال ليس عليه حد له فيها نصيب وقد روي عن سعيد في ذلك خلاف ما تقدم ذكر ابو بكر قال حدثني عبدة عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال ليس عليه حد اذا كان له فيها نصيب قال ابو عمر هذا اولى لان الدماء محذورة الا بيقين ولان يخطئ الامام في العفو خير له من ان يخطئ في العقوبة وبالله التوفيق قال مالك في الرجل يحل للرجل جاريته انه ان اصابها الذي احلت له قومت عليه يوم اصابها حملت او لم تحمل ودرى ء عنه الحد بذلك فان حملت الحق به الولد قال ابو عمر في هذا ايضا اقوال احدها هذا والاخر انها لا تقوم عليه ان لم تحمل ويعزران معا الا ان يكونا جاهلين والثالث ان الرقبة تبع للفرج فاذا احل له وطؤها فهي هبة مقبوضة فان ادعى انه لم يرد ذلك حلف وقومت على الواطئ حملت او لم تحمل ليكون وطؤها في شبهة يلحق بها الولد

وقد قيل انه اذا احل له وطؤها فقد وهبها له اذا كان ممن يقرا والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون المؤمنون ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه الطلاق والرابع انه زان ان علم انه لا يحل له وطء فرج لم يملك رقبته وعليه الحد وان جهل وظن ان من يملك يجوز له التصرف في ما شاء منها درى ء عنه الحد قال مالك في الرجل يقع على جارية ابنه او ابنته انه يدرا عنه الحد وتقام عليه الجارية حملت او لم تحمل قال ابو عمر على هذا جمهور العلماء انه لا حد على من وطى ء امة من ولده واظن ذلك والله اعلم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لرجل خاطبة انت ومالك لابيك وقال صلى الله عليه وسلم لا يقاد بالولد الوالد واجمع الجمهور انه لا يقطع في ما سرق من مال ولده فهذه كلها شبهات يدرا بها عنها الحد واما تقويمها عليه فلان وطاه لها يحرمها على ابنه فكأنه استكرهها وليس له من ماله الا القوت عند الفقر والزمانة وما استهلك من ماله غير ذلك ضمنه له الا ترى انه ليس له من مال ولده ان مات وترك ولدا الا السدس وسائر ماله لولده وهذا بين ان قوله صلى الله عليه وسلم انت ومالك لابيك انه ليس على التمليك وكما كان قوله عليه الصلاة والسلام انت ليس على التمليك فكذلك قوله عليه الصلاة والسلام ومالك ليس على التمليك ولكنه على البر به والاكرام له وقد اجمعوا ان الاب لو قتل بن ابنه او من الابن وليه لم يكن للابن ان يقبض من ابيه في ذلك كله وهذا كله تعظيم حقوق الاباء والامهات قال الله عز وجل ان اشكر لي ولوالديك لقمان وقال عز وجل ووصينا الانسان بوالديه حسنا العنكبوت وقال عز وجل اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا

تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا الاسراء فأمر الله عز وجل الابناء ببر الاباء واكرامهما في حياتهما والدعاء لهما بعد وفاتهما وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه عد في الكبائر عقوق الابوين واجمع العلماء على ذلك مالك عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن ان عمر بن الخطاب قال لرجل خرج بجارية لامرأته معه في سفر فأصابها فغارت امراته فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فسأله عن ذلك فقال وهبتها لي فقال عمر لتأتيني بالبينة او لارمينك بالحجارة قال فاعترفت امراته انها وهبتها له قال ابو عمر هذا واضح لان عمر رضي الله عنه راه زانيا وكان محصنا فمن ذلك اخبره ان لم يقم البينة رجم وفي اعتراف امراته له بعد شكواها به ما يدل على ان الشبهات تسقط الحدود والله اعلم وقد روى هذا الخبر بن جريج عن عبد الله بن ابي بكر ورواه ايضا معمر عن قتادة وقال فيه فلما سمعت المراة ذلك قالت صدق قد كنت وهبتها له ولكن حملتني الغيرة فجلدها عمر حد القذف ثمانين وخلى سبيله وهذا يدل على ان حد القذف اوكد من حد الزنى الا ترى ان من وجب عليه القتل ووجبت عليه حدود انه لا يقام عليه مع القتل الا حد القذف فانه يجلد للقذف ثم يقتل عند مالك وكثير من العلماء

والذي خرج بجارية امراته معه في السفر هو هلال بن يساف الانصاري وامراته التي شكت به ام كلثوم بنت ابي بكر الصديق امها حبيبة بنت خارجة بنت زيد بن ابي زهير وذلك موجود في باب الرجل يصيب وليدة امراته في كتاب عبد الرزاق وقد روي عن علي بن ابي طالب وعبد الله بن عمر مثل ما روي عن عمر في الذي يقع على جارية امراته ان حده الرجم وقد روي عن علي انه درا عنه الحد وهذا معناه ان كان جاهلا بتحريم ذلك عليه لو صح والاول اصح عنه وذكر عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي ان امراة جاءت إلى علي فقال ان زوجها وقع على جاريتها فقال ان تكوني صادقة رجمته وان تكوني كاذبة جلدتك ثمانين قالت يا ويلها غيرى نفرة وذكر وكيع عن إسماعيل بن ابي خالد عن مدرك بن عمارة قال جاءت امراة إلى علي فقالت يا ويلها ان زوجها وقع على جاريتها فقال ان كنت صادقة رجمناه وان كنت كاذبة جلدناك وقد روي مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان بن بشير وروى الاعمش ومنصور عن ابراهيم عن علقمة قال ما ابالي وقعت على جارية امراتي او وقعت على جارية عوسجة رجل من النخع وذكر ابو بكر قال حدثني بن ادريس عن هشام عن الحسن وبن سيرين انهما كانا اذا سئلا عن الرجل يقع على جارية امراته يتلوان هذه الاية والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين إلى قوله العادون المؤمنون قال وحدثني يزيد بن هارون قال اخبرنا سعيد بن ابي عروبة عن اياس بن معاوية عن نافع قال جاءت جارية إلى عمر فقالت يا امير المؤمنين ان المغيرة تعني بن شعبة يطؤني وان امراته تدعوني زانية فان كنت لها فانه عن غشياني وان كنت له فانه امراته عن قذفي فأرسل إلى المغيرة فقال تطأ هذه الجارية

قال نعم من اين قال وهبتها لي امراتي قال والله لئن لم تكن وهبتها لك لا ترجع إلى اهلك الا مرجوما ثم دعا رجل رقيقين فقال انطلقا إلى امراة المغيرة فأعلماها لئن لم تكوني وهبتها له لنرجمنه قال فأتياها فأخبراها فقالت يا لهفاه اتريد ان ترجم بعلي لاها الله اذا لقد وهبتها له فخلى عنه وقال عطاء هو زان ولا حد على من قذفة بالزنى وقال قتادة يرجم فانه زان قال ابو عمر كان بن مسعود لا يرى عليه حدا روي ذلك عنه من وجوه ويحتمل ان يكون عذره بالجهالة ويظنها انها تحل له والله اعلم ذكر وكيع عن زكريا واسماعيل عن الشعبي قال جاء رجل إلى عبد الله فقال اني قد وقعت على جارية امراتي قال اتق الله ولا تعد ثم قال لا جلد ولا رجم وروى سفيان عن منصور عن ربعي عن عقبة بن حيان عن عبد الله قال لا حد عليه وكان ابراهيم النخعي يقول يعزر ولا حد عليه وقد روي عن بن مسعود انه ضربة دون الحد وقد روي عن عمر بن الخطاب انه ضربة مائة جلدة ورواه معمر وبن عيينة عن الزهري عن القاسم بن محمد وقال بن عيينة فيه عن الزهري عن القاسم عن عبيد بن عمير عن عمر ورواه معمر عن سماك بن الفضل عن عبد الرحمن بن سلمان عن عمر وبه قال بن شهاب الزهري وابو عمر والاوزاعي انه يجلد مائة وان كان محصنا وذلك ادنى الحدين فهذا قول ثالث وفي المسألة قول رابع روي من وجوه ثابتة عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل وطى ء جارية امراته ان كان استكرهها فهي حرة وعليه مثلها لسيدتها وان كانت طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها

وهذا حديث صحيح رواه بن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت الحسن البصري يحدث عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه وسلم وبه قال احمد واسحاق وهو قول بن مسعود ذكره ابو بكر قال حدثني يحيى بن سعيد القطان عن سفيان عن الشيباني عن الشعبي عن عامر بن مطر عن عبد الله في الرجل يقع على جارية امراته قال ان استكرهها فهي حرة وعليه مثلها وان كانت طاوعته فهي له وعليه مثلها لسيدتها باب ما يجب فيه القطع مالك بن نافع عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنة ثلاثة دراهم مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ابي حسين المكي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فاذا اواه المراح او الجرين فالقطع فيما يبلغ ثمن المجن مالك عن عبد الله بن ابي بكر عن ابيه عن عمرة بنت عبد

الرحمن أن سارقا سرق في زمان عثمان أترجة فأمر بها عثمان بن عفان أن تقوم فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار فقطع عثمان يده مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت ما طال علي وما نسيت القطع في ربع دينار فصاعدا وقال مالك أحب ما يجب فيه القطع الي ثلاثة دراهم وان ارتفع الصرف أو اتضع وذلك ان رسول الله قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم وان عثمان بن عفان قطع في اترجة قومت بثلاثة دراهم وهذا احب ما سمعت الي في ذلك قال ابو عمر ادخل مالك رحمه الله في اول هذا الباب الحديث المسند الصحيح الاسناد حديث بن عمر وهذا اثبت ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في معناه وهو يوجب القطع في كل عرض مسروق يبلغ ثمنه ثلاثة دراهم واردفه بالحديث المرسل ومراسيل الثقات عندهم صحاح يجب العمل بها وهو مع هذا يستند من حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده رواه الثقات عن عمرو بن شعيب منهم عمرو بن الحارث وهشام بن سعد ومحمد بن إسحاق حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني ابو بكر قال حدثني عبد الله بن ادريس قال حدثني محمد بن إسحاق قال وحدثني عبد الوارث بن سفيان واللفظ لحديثه قال وحدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال اخبرني هشام بن سعد وعمرو بن الحارث ثم اتفقا عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فاذا اواه المراح والجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن

قال ابو عمر كان مالكا رحمه الله انما اراد بادخاله هذا الحديث باثر حديث بن عمر البيان ان المجن المذكور فيه هو الذي روى بن عمر ان ثمنه ثلاثة دراهم ردا على الكوفيين الذين يروون ان ثمن المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عشرة دراهم ثم اردفه بحديث عثمان رضي الله عنه انه قطع في ثمن اترجة قومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما يعني بدينار ثم اردف ذلك بحديث عائشة قولها ما طال على وما نسيت والقطع في ربع دينار فصاعدا تريد ثلاثة دراهم من الصرف المذكور ثم اختار القطع فيما بلغ ثلاثة دراهم واستحبه دون مراعاة ربع دينار ذهبا في تقويم العروض المسروقة لان النبي صلى الله عليه وسلم ثم عثمان بعده انما قوم المجن والاترجة بالثلاثة دراهم لا بربع دينار ذهبا وتحصيل مذهبه انه لا يرد الذهب إلى الفضة بالقيمة ولا ترد الفضة إلى الذهب بالقيمة ومن سرق من الذهب ربع دينار فصاعدا فعليه القطع ومن سرق من الفضة ثلاثة دراهم فصاعدا فعليه القطع ولو سرق السارق درهمين صرفهما ربع دينار لم يجب عليه قطع ومن سرق ما عداهما من العروض كلها قومت سرقته بالثلاثة دراهم لا بربع دينار ارتفع الصرف بذلك او انخفض وبهذا كله قال احمد بن حنبل الا ان احمد يقول من سرق من العروض ما يبلغ ثمنه ثلاثة دراهم او ربع دينار قطع ولا يقطع في الدراهم حتى تكون ثلاثة دراهم ولا في الذهب حتى يكون ربع دينار وهو قول إسحاق في رواية واما الشافعي رحمه الله فانما عزل واحتمل على حديث عائشة في ربع دينار من الورق لا يساوي ربع دينار ذهبا لم يجب عليه القطع لان الثلاثة دراهم انما ذكرت في الحديث لانها كانت يومئذ ربع دينار ذهبا وذلك بين في حديث عثمان في الاترجة اذ قال من صرف اثني عشر درهما ومن سرق شيئا من العروض كلها على اختلاف اجناسها لم تقوم سرقته الا بربع دينار ذهبا ارتفع الصرف او انخفض الا بالثلاثة الدراهم وحجته في ذلك قول عائشة ما طالع علي وما نسيت القطع في ربع دينار فصاعدا وذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية الثقات وقد روي عن إسحاق مثل قول الشافعي وبه قال ابو ثور وداود كلهم يقدروا بدينار في تقويم العروض المسروقة وفي الصرف ايضا ارتفع الصرف او اتضع

وقول كالشافعي سواء والحجة للشافعي وابي ثور داود ومن قال بقولهم ما حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني ابو بكر قال حدثني يزيد بن هارون قال حدثني بن كثير وابراهيم بن سعد قالا جميعا اخبرنا الزهري عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال القطع في ربع دينار فصاعدا وحدثاني قالا حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سليمان قال حدثني اربعة عن عمرة عن عائشة لم يرفعوه عبد الله بن ابي بكر ورزيق بن حكيم ويحيى وعبد ربه ابنا سعيد الا ان في حديث يحيى ما دل على ان الرفع قولها ما طال علي وما نسيت القطع في ربع دينار فصاعدا قال وحدثني الزهري وكان احفظهم قال حدثني عمرة عن عائشة انها سمعها تقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعدا فرفعه الزهري وهو احفظهم وهذا كله كلام بن عيينة وكذلك رواه معمر وسائر اصحاب الزهري عنه عن عمرة عن عائشة مرفوعا ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا ورواه الليث بن سعد عن بن الهادي عن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقطع يد السارق الا في ربع دينار فصاعدا

قال ابو عمر حديث بن شهاب الزهري وابي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم اصح ما في هذا الباب وبه قال عمر بن عبد العزيز والليث بن سعد والاوزاعي والشافعي واصحابه واليه ذهب ابو ثور وداود وقال داود ليس في حديث بن عمر لان الثلاثة دراهم كانت ربع دينار قال ولو خالف بن عمر لحديث عائشة لانها حكته عن النبي صلى الله عليه وسلم وبن عمر انما اخبر ان قيمة المجن كانت ثلاثة دراهم ولم يذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي مثل قول الشافعي في هذا الباب عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وهي منقطعة واحسنها حديث علي حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عن ابيه ان عليا رضي الله عنه قطع في ربع دينار درهمين ونصف وذكر ابو بكر قال حدثني عبد الرحمن عن يحيى بن سعيد عن ابي بكر بن محمد قال اتي عثمان رضي الله عنه في رجل سرق اترجة فقومها بربع دينار فقطع يده قال ابو عمر فهذان القولان لفقهاء الحجاز ومن قال بقولهم متقاربان في وجه مختلفان في اخر واما فقهاء العراق فلا يرون قطع يد السارق في اقل من عشرة دراهم الا ان منهم من يراعيها دون مراعاة دينار ومنهم من يقول بقطع اليد في دينار او في عشرة دراهم فالدينار عندهم عشرة دراهم على ما قوم به عمر الدينار في الدية فجعلها في روايته الف دينار او عشرة الاف درهم وروي عن علي بن ابي طالب وعبد الله بن مسعود انهما قالا تقطع اليد في اقل من دينار او عشرة دراهم وروى وكيع عن حمزة الزيات عن الحكم عن ابي جعفر قال قيمة المجن الذي قطعت فيه اليد دينار وقال ابراهيم النخعي لا تقطع اليد الا في دينار او قيمته

واما سفيان الثوري وابو حنيفة وابو يوسف ومحمد وزفر فقالوا لا تقطع اليد الا في عشرة دراهم وهذا قول عطاء وقال ابو حنيفة واصحابه لا يقطع من سرق مثقالا من ذهب حتى يكون المثقال يساوي عشرة دراهم مضروبة فصاعدا ولا يقطع من سرسق نفرا من فضة وزنها عشرة دراهم مضروبة ولا يقطع من سرق عشرة دراهم زائفة او مبهرجة اذا كانت لا تساوي عشرة دراهم بيضا فالحجة لمن قال ان اليد لا تقطع الا في عشرة دراهم وان المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثمنه عشرة دراهم ما حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني ابو بكر قال حدثني بن نمير وعبد الاعلى قالا حدثني محمد بن إسحاق عن ايوب بن موسى عن عطاء عن بن عباس قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم قال ابو بكر قال وحدثني عبد الاعلى عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن قال وكان ثمن المجن عشرة دراهم قال فهذا بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص قد خالفا بن عمر في ثمن المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يد السارق فالواجب ان لا تستباح اليد الا بيقين لان صاحب العشرة يجامعه صاحب الثلاثة وليس صاحب العشرة بجامع لصاحب الثلاثة قال ابو عمر قد يكون ذلك امرين في حدين اذا صح القطع في ثلاثة دراهم فصاعدا دخل فيه العشرة وكل ما زاد على الثلاثة والله اعلم كيف كان ذلك وحديث ربع دينار اولى ما قيل في هذا الباب والله الموفق للصواب قال ابو عمر من قال لا تقطع اليد الا في ثلاثة دراهم فصاعدا ومن قال في ربع دينار فصاعدا او من قال في دينار او عشرة دراهم فصاعدا لكل واحد منهم حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه ويسند إليه ويحتج به ويعدل عليه ولكل واحد منهم سلف من الصحابة والتابعين وفي المسالة اقاويل غير هذه ليس في شيء منها حديث مسند الا واحد

منها وفيها احاديث منقطعة لا تثبت ان ثمن المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خمسة دراهم وقد قال بان اليد لا تقطع الا في خمسة دراهم فصاعدا جماعة منهم بن ابي ليلى وبن شبرمة وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وسليمان بن يسار ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني بن ادريس عن بن ابي عروبة واسماعيل عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال لا يقطع الخمس الا في خمس قال وحدثني ابو داود عن هشام عن قتادة عن سليمان بن يسار قال لا يقطع الخمس الا في خمس وقد روى شعبة عن قتادة عن انس قال قطع ابو بكر الصديق رضي الله عنه في مجن قيمته خمسة دراهم قال ابو عمر هذا حديث رواه الثوري عن شعبة وليس فيه حجة لان من راى القطع في ثلاثة دراهم قطعها فيما زاد خمسة او غير خمسة وقول اخر ان اليد لا تقطع الا في اربعة دراهم فصاعدا روي ذلك عن ابي سعيد الخدري وابي هريرة من حديث يحيى القطان وحديث شعبة ايضا رواه جميعا عن داود اصيبيح انه سمع ابا سعيد وابا هريرة يقولان لا تقطع اليد الا في اربعة دراهم فصاعدا ذكره ابو بكر قال حدثني غندر وذكره بنداد عن يحيى القطان قال ابو بكر وحدثني عبد الوهاب الثقفي عن خالد عن عكرمة قال تقطع اليد في ثمن المجن قال خالد قلت له ذكر لك ثمنه قال اربعة او خمسة وقال عثمان البتي تقطع اليد في درهم وروي عن الحسن البصري في هذا الباب روايات فروى الاشعث بن عبد الملك انه قال ما كنت لان اقطع اليد في اقل من خمسة دراهم وروى منصور عنه انه كان لا يوقت في السرقة شيئا ويتلو هذه الاية والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما المائدة وروى قتادة عنه انه قال تذاكرنا على عهد زياد ما تقطع فيه اليد فاجمع راينا على درهمين

وقالت الخوارج وطائفة من اهل الكلام كل سارق بالغ سرق ما له قيمة قلت او كثرت فعليه القطع واحتج بعض المتاخرين ممن ذهب إلى هذا ما حدثناه سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني ابو معاوية عن الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده وهذا حديث شاذ ويحتمل ان يكون معناه القليل لان مقدار ما تقطع فيه يد السارق في جناية يده قليل وقد قيل ان حديث ابي هريرة هذا كان في حين نزول الاية ثم احكمت الامور بعد احكمها الله تعالى بان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مراد الله من كتابه فقال ما رواه الزهري وغيره عن عمرة عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع الا في ربع دينار فصاعدا وقد قيل انه اراد عليه الصلاة والسلام بذكر البيضة في حديث ابي هريرة بيضة الحديد وليس بشيء والصواب ما قدمت لك والله اعلم ذكر ابو بكر قال حدثني حاتم بن إسماعيل قال حدثني جعفر بن محمد عن ابيه ان عليا رضي الله عنه انه قطع يد سارق في بيضة حديد ثمنها ربع دينار قال ابو عمر ذكر مالك في هذا الباب حديثه عن عبد الله بن ابي بكر عن عمرة قالت خرجت عائشة إلى مكة ومعها مولاتان لها ومعهما غلام لبني عبد الله بن ابي بكر الصديق فبعثت مع المولاتين ببرد مرجل قد خيط عليه خرقة خضراء قالت فاخذ الغلام البرد ففتق عنه فاستخرجه وجعل مكانه لبدا او فروة وخاط عليه فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى اهله فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد ولم يجدوا البرد فكلموا المراتين فكلمتا عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم او كتبتا اليها واتهمتا العبد فسئل العبد عن ذلك فاعترف فامرت به عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت يده وقالت عائشة القطع في ربع دينار فصاعدا

وليس فيه اكثر من فتيا عائشة بقطع يد العبد السارق وقولها القطع في ربع دينار فصاعدا وسياتي القول في الحرز في موضعه من باب جامع القطع ان شاء الله عز وجل ولم يختلف العلماء فيمن اخرج الشيء المسروق من حرزه سارقا له وبلغ المقدار الذي تقطع فيه يده ان عليه القطع حرا كان او عبدا ذكرا كان او انثى مسلما كان او ذميا لان العبد الابق اذا سرق اختلف السلف في قطعه ولم يختلف ائمة فقهاء الامصار في ذلك والحمد لله باب ما جاء في قطع الابق والسارق مالك عن نافع ان عبدا لعبد الله بن عمر سرق وهو ابق فارسل به عبد الله بن عمر إلى سعيد بن العاص وهو امير المدينة ليقطع يده فابى سعيد ان يقطع يده وقال لا تقطع يد الابق السارق اذا سرق فقال له عبد الله بن عمر في أي كتاب الله وجدت هذا ثم امر به عبد الله بن عمر فقطعت يده قال ابو عمر في هذا الخبر لمذهب مالك في ان السيد لا يقطع يد عبده في السرقة وان كان قد اختلف عنه في حده في الزنى ولم يختلف عنه انه لا يقطع السيد عبده في السرقة لان قطع السارق إلى السلطان فلما لم يرض بن عمر الحد يقام على يدي السلطان وراه حدا معطلا قام لله عز وجل وقد ذكرنا اختلاف العلماء في هذه المسالة فيما مضى مالك عن زريق بن حكيم انه اخبره انه اخذ عبدا ابقا قد سرق قال فاشكل علي امره قال فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز اساله عن ذلك وهو الوالي يؤمئذ قال فاخبرته انني كنت اسمع ان العبد الابق اذا سرق وهو ابق لم تقطع يده قال فكتب الي عمر بن عبد العزيز نقيض كتابي يقول كتبت الي انك كنت تسمع ان العبد الابق اذا سرق لم تقطع يده وان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه والسارق والسارقة فاقطعونا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم المائدة فان بلغت سرقته ربع دينار فصاعدا فاقطع يده

قال ابو عمر روي هذا الحديث عن زريق صاحب ايلة كما رواه مالك وانما اشكل على زريق بن حكيم قطع يد العبد اذا سرق لما سمع فيه من الاختلاف والله اعلم فاراد ان يقف من ذلك على راي امين في المسالة ولم ير عمر بن عبد العزيز الاختلاف في ذلك شيئا اذا لم تكن سنة من النبي صلى الله عليه وسلم فبين فيها مراد الله من تخصيص الله الاية في الاباق من العبيد كما بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقدار الذي يجب فيه القطع حمل الاية على ظاهرها وعمومها وهذا اصل صحيح ومذهب جميل مالك انه بلغه ان القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعروة بن الزبير كانوا يقولون اذا سرق العبد الابق ما يجب فيه القطع قطع قال مالك وذلك الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا ان العبد الابق اذا سرق ما يجب فيه القطع قطع قال ابو عمر على هذا قول مالك والشافعي وابي حنيفة واصحابهم والثوري والاوزاعي والليث واحمد واسحاق وابي ثور وداود وجمهور اهل العلم اليوم بالامصار وانما وقع الاختلاف فيه قديما ثم انعقد الاجماع بعد ذلك والحمد لله كثيرا ومن الاختلاف بين السلف ما رواه معمر عن الزهري قال دخلت على عمر بن عبد العزيز فسالني ايقطع العبد الابق اذا سرق قلت لم اسمع فيه بشيء فقال لي عمر كان عثمان ومروان لا يقطعانه قال الزهري فلما استخلف يزيد بن عبد الملك رفع إليه عبد ابق سرق فسالني عنه فاخبرته بما اخبرني به عمر بن عبد العزيز عن عثمان ومروان فقال اسمعت فيه بشيء قلت لا الا ما اخبرني به عمر قال فوالله لاقطعنه قال الزهري فحججت عامئذ فلقيت سالم بن عبد الله فسالته فاخبرني ان غلاما لعبد الله بن عمر سرق وهو ابق فرفعه بن عمر إلى سعيد بن العاص وهو امير على المدينة فقال ليس عليه قطع انا لا نقطع آبقا قال فذهب به بن عمر فقطعت يده وقام عليه حتى قطع وروى الثوري ومعمر عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن بن عباس انه كان لا يرى على عبد ابق سرق قطعا

وذكره ابو بكر قال حدثني يحيى بن سعيد عن سفيان عن عمرو عن مجاهد عن بن عباس قال لا يقطع الابق اذا سرق في اباقه قال وحدثني وكيع عن بن ابي ذئب عن الزهري ان عثمان ومروان وعمر بن عبد العزيز كانوا لا يقطعون الابق اذا سرق قال وحدثني عبيد الله عن حنظلة عن سالم عن عائشة قالت ليس عليه قطع وعبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن عائشة مثله قال عبد الرزاق قال سفيان قولها انه لا يقطع ليس معصية الله عز وجل في اباقه تخرجه من القطع وقال سفيان عن خالد الحذاء عن الحسن انه سئل عن العبد الابق يسرق اتقطع يده قال نعم وقال حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد ان عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد قالا العبد الابق اذا سرق قطع وذكر ابو بكر قال حدثني الفضل بن دكين عن الحسن بن صالح عن ابراهيم بن عامر ان عمر بن عبد العزيز سال عروة عنه فقال يقطع قال وحدثني وكيع عن اسرائيل عن جابر عن عامر قال يقطع باب ترك الشفاعة للسارق اذا بلغ السلطان مالك عن بن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان ان صفوان بن امية قيل له انه من لم يهاجر هلك فقدم صفوان بن امية المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق فاخذ رداءه فاخذ صفوان السارق فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اسرقت رداء هذا قال نعم فامر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تقطع يده فقال له صفوان اني لم ارد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا قبل ان تاتيني به

قد ذكرنا في التمهيد اختلاف الرواة لهذا الحديث عن مالك وعن بن شهاب ايضا وذكرنا طرقه من غير رواية بن شهاب وتقصينا ذلك هنالك والحمد لله كثيرا ونذكر في اخر هذا الباب ما في هذا الحديث من المعاني وما للعلماء فيها من المذاهب والحمد لله مالك عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن ان الزبير بن العوام لقي رجلا قد اخذ سارقا وهو يريد ان يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله فقال لا حتى ابلغ به السلطان فقال الزبير اذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع هذا خبر منقطع ويتصل من وجه صحيح قال ابو عمر ادخل مالك خبر الزبير بيانا لحديث صفوان لان السلطان لا يحل له ان يعطل حدا من الحدود التي لله عز وجل اقامتها عليه اذا بلغته كما ليس له ان يتجسس عليها اذا استترت عنه وبان الشفاعة في ذوي الحدود حسنة جائزة وان كانت الحدود فيها واجبة اذا لم تبلغ السلطان وهذا كله لا اعلم فيه خلافا بين العلماء وحسبك بذلك علما وذكر ابو بكر قال حدثني وكيع وحميد بن عبد الرحمن الرواسي عن هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة عن الفرافصه الحنفي قال مروا على الزبير بسارق فشفع له فقالوا اتشفع للسارق قال نعم ما لم يؤت به إلى الامام فاذا اتي به إلى الامام فلا عفو له عنه ان عفا عنه وروى بن سلمة عن هشام بن عروة عن اخيه عبد الله بن عروة عن الفرافصة ان الزبير مر بلص قد اخذ فقال دعوه اعفوا عنه فقالوا اتامرنا بهذا يا ابا عبد الله وانت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان الحدود يعفى عنها ما لم تبلغ إلى السلطان فاذا رفعت إلى السلطان فلا عفا الله عنه ان عفي عنها قال ابو عمر هذا تفسير قوله صلى الله عليه وسلم لصفوان فهلا قبل ان تاتيني به فانه لم يهب الرداء الا رجاء العفو عنه

قال ابو بكر وحدثني حميد عن هشام عن ابي حازم ان عليا شفع لسارق فقيل له اتشفع لسارق قال نعم ان ذلك ليفعل ما لم يبلغ الامام وعن سعيد بن جبير وعطاء وجماعة من علماء التابعين مثل ذلك وروي عن ابي بكر وعمر وعثمان مثل ذلك والاثار في الستر على المسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة وذكر ابو بكر قال حدثني ابو معاوية عن عاصم عن عكرمة ان بن عباس وعمارا والزبير اخذوا سارقا فخلوا سبيله قال عكرمة فقلت لابن عباس بئس ما صنعتم حين خليتم سبيله فقال لا ام لك اما لو كنت انت لسرك ان يخلى سبيلك وهذا كله قبل ان يبلغ إلى السلطان لقوله صلى الله عليه وسلم من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله عز وجل في حكمه وذكره ابو بكر قال حدثني عبدة عن يحيى بن سعيد عن عبد الوهاب عن بن عمر قال حدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني ابو بكر قال حدثني بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كلم في شيء فقال عليه الصلاة والسلام لو كانت فاطمة بنت محمد لاقمت عليها الحد قال ابو عمر في حديث بن شهاب في هذا الباب في قصة رداء صفوان المسروق من تحت راسه وهو قد توسده دليل على ان الحرز قد يكون بمثل ذلك من الفعل واتفق الفقهاء ائمة الفتوى بالامصار واتباعهم على مراعاة الحرز في ما يسرقه السارق فقالوا ما سرقه السارق من غير حرز فلا قطع عليه بلغ المقدار الذي يجب فيه القطع ام لم يبلغ وممن ذهب إلى هذا مالك والثوري والليث والاوزاعي وابو حنيفة والشافعي واصحابهم

وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم لا قطع في حريسة الجبل حتى يؤويها المراح فاذا اواها المراح فالقطع على من سرق منها ثمن المجن ورواه عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال علي بن المديني حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة اذ رواه عن عمرو بن شعيب ثقة وادرك اباه وابوه شعيب ادرك عبد الله بن عمرو بن العاص وقال صلى الله عليه وسلم لا قطع على خائن ولا مختلس فلما كان الخائن لا يحترز منه علم انهما لم يكن في حرز فليس بسرقة يجب فيها القطع واجمع العلماء انه لا قطع على المضارب من مال مضاربه وكذلك المودع عنده الوديعة وقد اختلف الفقهاء في ابواب من معاني الحرز يطول ذكرها فجملة مذهب مالك والشافعي ان الحرز كل ما يحرز الناس به اموالهم اذا ارادوا التحفظ من سارق يسرقها وهو يختلف باختلاف الشيء المحروز واختلاف المواضع فاذا ضم المتاع في السوق وقعد صاحبه عليه فهو حرز له سواء كان المتاع في ظرف فاخرجه السارق من ظرفه او كان بحيث ينظر إليه صاحبه جاز ذلك وكذلك ابل القافلة ودواب الرفقة اذا قطر بعضها إلى بعض او كانت غنما في مراحها او متاعا في فسطاط او خباء وعليه من يحفظه ونحو هذا مما يطول اوصافه ومعنى قول الشافعي ومالك في هذا الباب متقارب جدا وقد قال اهل الظاهر وطائفة من اهل الحديث كل سارق سرق ربع دينار ذهبا او قيمته من سائر الاشياء وجب عليه القطع من حرز اخذه او من غير حرز اذا اخذه من ملك مالك لم ياتمنه عليه لان الله عز وجل امر بقطع السارق امرا مطلقا وبين النبي صلى الله عليه وسلم المقدار المقطوع فيه ولم يبين الحرز

وتكلموا في الاحاديث التي ذكرناها وهي حجة عليهم لما وصفنا وما اعلم لهم في ترك مراعاة اخراج السرقة من حرزها الا شيئا عن عائشة وبن الزبير ورواية عن الحسن قد روي عنه خلافها وجمهور اهل العلم على ان السارق لا قطع عليه الا ان يسرق شيئا محروزا يخرجه من حرزه وعلى ذلك جماعة الفقهاء ائمة الفتوى بالامصار واختلف العلماء في السارق يسرق ما يجب فيه القطع ويرفع إلى الامام فيقر او تثبت عليه السرقة بالبينة العادلة فيامر الامام بقطعه فيهب له المسروق منه الشيء المسروق قبل ان يقطع على ما صح عن صفوان رضي الله عنه فقال مالك والشافعي واكثر اهل الحجاز يقطع لان الهبة له والصدقة عليه بما سرقه ربما وقعت بعد وجوب الحد عليه وهو احد قولي ابي يوسف وقال ابو حنيفة ومحمد بن الحسن وطائفة لا يقطع لانه قد ملك الشيء المسروق بالصدقة والهبة قبل ان يقع فلا تقطع يد احد في ما هو ملك له وهذا منهم دفع لحديث صفوان قوله صلى الله عليه وسلم فهلا قبل ان تاتيني به ولم يروون شيئا يردونه به وكذلك اختلفوا في هذه المسالة لو وقعت الهبة من المسروق منه للسارق قبل ان يرفع إلى الامام فقال ابو حنيفة وابو يوسف من غير خلاف عنه ومحمد بن الحسن لا قطع عليه وقال مالك والشافعي واصحابهما يقطع ووافقهم على ذلك بن ابي ليلى واحتج الشافعي في ذلك بالزاني بأمة غيره توهب له قبل ان يقام عليه الحد او يشتريها قبل ان يقام عليه الحد ان ملكه الطارئ لا يزيل عنه الحد ومن حجة ابي حنيفة ومن تابعه الحديث المرفوع تعافوا الحدود في ما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب

وقال بن وهب سمعت بن جريج يحدث به عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا فهذا الحديث قد عفي عنه بالهبة والصدقة وقد حصل الشيء المسروق ملكا للسارق قبل ان يبلغ السلطان فلم يبلغ الحد السلطان الا وهو يعفو عنه قالوا وما صار ملكا للسارق واستحال ان يقطع فيه لانه انما يقطع في ملك غيره لا في ملك نفسه قالوا والطارئ من الشبهات في الحدود بمنزلة ما هو موجود في الحال قياسا على الشهادات قال ابو عمر قوله صلى الله عليه وسلم لصفوان فهلا قبل ان تاتيني به يمنع من استعمال النظر ما يوجب التسليم إلى ما ذكرنا من صحيح القياس في ملك الزاني نظرا له قبل الحد والله اعلم باب جامع القطع مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه ان رجلا من اهل اليمن اقطع اليد والرجل قدم فنزل على ابي بكر الصديق فشكا إليه ان عامل اليمن قد ظلمه فكان يصلي من الليل فيقول ابو بكر وابيك ما ليلك بليل سارق ثم انهم فقدوا عقدا لاسماء بنت عميس امراة ابي بكر الصديق فجعل الرجل يطوف معهم ويقول اللهم عليك بمن بيت اهل هذا البيت الصالح فوجدوا الحلي عند صائغ زعم ان الاقطع جاءه به فاعترف به الاقطع او شهد عليه به فامر به ابو بكر الصديق فقطعت يده اليسرى وقال ابو بكر والله لدعاؤه على نفسه اشد عندي عليه من سرقته قال ابو عمر اختلف في هذا الحديث فروي ان هذا الاقطع لم يكن مقطوع اليد والرجل وانما كان مقطوع اليد اليمنى فقط ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم وغيره قال انما قطع ابو بكر رجل الاقطع وكان مقطوع اليد اليمنى فقط قال الزهري ولم يبلغنا في السنة الا قطع اليد والرجل لا يزاد على ذلك قال واخبرنا معمر عن ايوب عن نافع عن بن عمر قال انما قطع ابو بكر رجل الذي قطعه يعلى بن امية كان مقطوع اليد قبل ذلك

قال ابو عمر هؤلاء نفوا و عبد الرحمن بن القاسم زاد واثبت والله اعلم وقد رواه الثوري كما رواه مالك ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد ان سارقا مقطوع اليد والرجل سرق حليا لاسماء فقطعه ابو بكر الثالثة قال حسبته قال يده ورواه وكيع عن سفيان فخالف عبد الرزاق في لفظه وذكر ابو بكر قال حدثني وكيع عن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه ان ابا بكر اراد ان يقطع الرجل بعد اليد والرجل فقال له عمر السنة اليد وذكر عبد الرزاق قال اخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان رجل اسود ياتي ابا بكر فيدنيه ويقرئه القران حتى بعث ساعيا او قال سرية فقال ارسلني معه فقال بل تمكث عندنا فابى فارسله معه واستوصى به خيرا فلم يغب معه الا قليلا حتى جاء قد قطعت يده فلما راه ابو بكر فاضت عيناه فقال ما شانك قال ما زدت على انه كان يوليني شيئا من عمله فخنته فريضة واحدة فقطع يدي فقال ابو بكر تجدون الذي قطع يد هذا يخون عشرين فريضة والله لئن كنت صادقا لاقيدنك منه قال ثم ادناه ولم يحول منزلته التي كانت له منه قال فكان الرجل يقوم الليل فيقرا فاذا سمع ابو بكر صوته قال تالله لرجل قطع هذا لقد اجترا على الله عز وجل قال فلم يغب الا قليلا حتى فقد ال ابي بكر حليا لهم ومتاعا فقال ابو بكر طرق الحي الليلة فقام الاقطع فاستقبل القبلة ورفع يده الصحيحة والاخرى التي قطعت فقال اللهم اظهر على من سرقهم او نحو هذا وكان معمر ربما قال اللهم اظهر على من سرق اهل هذا البيت الصالح قال فما انتصف النهار حتى عثروا على المتاع عنده فقال ابو بكر ويلك انك لقليل العلم بالله عز وجل فامر به فقطعت رجله وفي هذا الخبر وخبر الزهري ايضا عن سالم وخبر ايوب عن نافع عن بن عمر ان ذلك الاقطع لم تكن رجله مقطوعة وانما كان مقطوع اليد اليمنى فقطع ابو بكر رجله يعني اليسرى

وهذا خلاف ما رواه عبد الرحمن بن القاسم عن ابيه في هذا الخبر وقد روي فيه ما يوافقه ذكر عبد الرزاق قال اخبرني بن جريج قال اخبرني غير واحد من اهل المدينة منهم إسماعيل بن محمد بن سعد بن ابي وقاص ان يعلى بن امية قطع يد سارق ورجله لانه سرق في الثانية فقطع ابو بكر يده للثالثة ثم ذكر نحو حديث الزهري قال فكان ابو بكر يقول لجراته على الله عز وجل اغيظ عندي من سرقته قال بن جريج واخبرني عبد الله بن ابي بكر ان اسمه جبر او جبير قال ابو عمر اختلف العلماء من السلف والخلف فيما يقطع من السارق اذا قطعت يده اليمنى بسرقة يسرقها ثم عاد فسرق اخرى بعد اجماعهم ان اليد اليمنى هي التي تقطع منه اولا فقال مالك والشافعي واصحابهما اذا قطع في السرقة ثم سرق ثانية قطعت رجله اليسرى ثم ان سرق ثالثة قطعت يده اليسرى ثم ان سرق رابعة قطعت رجله اليمنى وتحسم كل واحدة بالنار ساعة القطع خوف التلف والقطع عندهم من المفصل وبه قال قتادة واليه ذهب ابو ثور وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعن ابي بكر فيه ما قد ذكرنا وقال بذلك جماعة من السلف والتابعين وذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني بن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة عن بن عباس قال رايت عمر بن الخطاب قطع يد رجل بعد يده ورجله والحجة لما ذهب إليه مالك والشافعي ومن قال بقولهما انه قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من مراسيل الثقات منها ما رواه بن جريج عن عبد ربه بن امية بن الحارث انه اخبره عن الحارث بن عبد الله بن ابي ربيعة انه حدثه عبد الرحمن بن سابط ان النبي صلى الله عليه وسلم اتي بعبد قد سرق فقطع يده ثم الثانية فقطع رجله ثم اتي به في الثالثة قطع يده ثم اتي به فقطع رجله

قال سفيان الثوري وابو حنيفة وابو يوسف ومحمد اذا وجب على السارق القطع قطعت يده اليمنى من المفصل ثم ان سرق ثانية قطعت رجله اليسرى ولا يقطع منه شيء بعد ذلك وانما عليه الغرم وهو قول الزهري وحماد والشعبي وابراهيم النخعي واليه ذهب احمد قال ابو عمر روي هذا القول عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعده من العلماء الخالفين وذكر عبد الرزاق عن اسرائيل بن يونس عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عائد الاودي عن عمر انه اتي برجل قد سرق يقال له سدوم فقطعه ثم اتي به الثانية فقطعه ثم اتي الثالثة فاراد ان يقطعه فقال له علي رضي الله عنه لا تفعل فانما عليه يد ورجل ولكن احبسه وذكر ابو بكر قال حدثني جرير عن منصور عن ابي الضحى وعن مغيرة عن الشعبي قالا كان علي رضي الله عنه يقول اذا سرق السارق مرارا قطعت يده ورجله ثم ان عاد استودعته السجن قال وحدثني حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن ابيه قال كان علي لا يزيد على ان يقطع للسارق يدا ورجلا فاذا اوتي به بعد ذلك قال اني لاستحي ان لا يتطهر لصلاته ولكن امسكوا كلبه عن المسلمين وانفقوا عليه من بيت المال قال وحدثني عيسى بن يونس عن الاوزاعي عن الزهري قال انتهى ابو بكر في قطع السارق إلى اليد والرجل قال وحدثني ابو اسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مكحول ان عمر قال اذا سرق فاقطعوا يده ثم ان عاد فاقطعوا رجله ولا تقطعوا يده الاخرى وذروه ياكل بها الطعام ويستنجي بها من الغائط ولكن احبسوه عن المسلمين قال وحدثني ابو خالد عن الحجاج عن عمرو عن مرة عن عبد الله بن سلمة قال كان علي يقول في السارق اذا سرق قطعت يده فان عاد قطعت رجله فان عاد استودعته السجن قال واخبرنا ابو خالد عن الحجاج عن عمرو بن دينار ان نجدة الخارجي كتب إلى بن عباس يساله عن السارق فكتب إليه بمثل قول علي قال وحدثني ابو خالد عن حجاج عن سماك عن بعض اصحابه ان عمر

استشارهم في سارق فاجمعوا على مثل قول علي رضي الله عنه قال ابو عمر حصل اتفاق جمهور السلف والخلف على جواز قطع الرجل بعد اليد من قال بقول الحجازيين ومن قال بقول العراقيين وهم عامة العلماء قالوا بذلك وهم يقرؤون والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما المائدة وهذه مسالة تشبه المسح على الخفين وهم يقرون غسل الرجلين او مسحهما ويشبه الجزاء في الصيد في الخطا وهم يقرؤون ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم المائدة والجمهور لا يجوز عليه تحريف الكتاب ولا الخطا في تاويله وانما قالوا ذلك بالسنة المسنونة لهم والامر المتبع ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني عيسى بن يونس عن الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير قال كتب نجدة إلى عمر يساله عن قطع النبي صلى الله عليه وسلم الرجل بعد اليد فكتب إليه ان النبي صلى الله عليه وسلم قد قطع الرجل بعد اليد وقال بعض التابعين منهم عطاء وغيره والخوارج وطوائف من اهل الكلام وبعض اصحاب داود لا يجوز ان يقطع من السارق الا الايدي دون الارجل لان الله عز وجل يقول والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما المائدة وذكر بن جريج قال قلت لعطاء اذا سرق الثانية قال ما ارى ان يقطع في السرقة الا الايدي قال الله عز وجل فاقطعوا ايديهما المائدة ولو شاء امر بالرجلين وما كان ربك نسيا قال ابو عمر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قطع الايدي والايدي من السراق كالمحاربين من خلاف اخبرنا محمد بن عبد الله قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني إسحاق بن ابي حسان قال حدثني هشام بن عمار قال حدثني يحيى بن سعيد وحدثني سعيد بن يعلى قال وحدثني هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال اتي النبي صلى الله عليه وسلم بسارق فقطع يده ثم اتي به بعد قد سرق فقطع رجله ثم اتي به بعد قد سرق فقطع يده ثم اتي به بعد قد سرق فقطع رجله ثم اتي به بعد قد سرق فقتله

وقد رواه مصعب بن ثابت عن محمد بن المنكدر عن جابر مثله بمعناه وذكره النسائي وابو داود كلاهما عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل عن جده عن مصعب بن ثابت قال النسائي مصعب بن ثابت ليس بالقوي وان كان يحيى القطان قد روى عنه قال وهذا الحديث ليس بصحيح قال ولا اعلم في هذا الباب حديثا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث مصعب بن ثابت قتل السارق بالحجارة في الخامسة ولا اعلم احدا من اهل العلم قال به الا ما ذكره ابو مصعب صاحب مالك في مختصره عن اهل المدينة مالك وغيره قال من سرق ممن بلغ الحلم من الرجال والمحيض من النساء سرقة فخرج بها من حرزها وبلغت ربع دينار او ثلاثة دراهم قطعت يده اليمنى ثم حسمت بالنار ثم خلي سبيله فان سرق ثانية قطعت رجلة اليسرى ثم ان سرق الثالثة قطعت يده اليسرى فان سرق الرابعة قطعت رجلة اليمنى فان سرق الخامسة قتل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان وعمر بن عبد العزيز قال وكان مالك بن انس يقول لا يقتل قال ابو عمر حديث القتل لا اصل له وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ان لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث كفر بعد ايمان او زنى بعد احصان او قتل نفس بغير نفس ولم يذكر فيها السارق وقال صلى الله عليه وسلم في السرقة فاحشة وفيها عقوبة ولم يذكر قتلا وعلى هذا جمهور اهل العلم في الافاق على المسلمين والحمد لله رب العالمين قال مالك الامر عندنا في الذي يسرق مرارا ثم يستعدى عليه انه ليس عليه الا ان تقطع يده لجميع من سرق منه اذا لم يكن اقيم عليه الحد فان كان قد اقيم عليه الحد قبل ذلك ثم سرق ما يجب فيه القطع قطع ايضا قال ابو عمر لا اعلم في هذه المسالة خلافا بين اهل الفقه الذين تدور على مذاهبهم الفتوى بالامصار ولا على من قبلهم

وقد روي ايضا منصوصا عن جماعة من التابعين وهو القياس الصحيح لان قطع اليد في السرقة حق لله عز وجل فلا يقام الا مرة لما تقدم كالزنى لا يقام فيه الحد الا مرة على الزاني مرارا ما لم يحد فان عاد بعد الحد فعليه الحد مرة اخرى وهكذا ابدا في السرقة والزنى اصل اخر من الاجماع ايضا في الرجل يطا امراة قد نكحها نكاحا فاسدا او نكاحا صحيحا انه يجب عليه المهر بوطء مرة ولو وطاها بعد ذلك مرارا لم يكن عليه غير ذلك مالك ان ابا الزناد اخبره ان عاملا لعمر بن عبد العزيز اخذ ناسا في حرابة ولم يقتلوا احدا فاراد ان يقطع ايديهم او يقتل فكتب إلى عمر بن عبد العزيز في ذلك فكتب إليه عمر بن عبد العزيز لو اخذت بايسر ذلك قال ابو عمر ليس في الموطا مثله في المحاربين غير هذه وهي لمحة كما ترى فلنذكر احكام المحاربين باخصر ما يقدر عليه بعون الله عز وجل واما قول عمر بن عبد العزيز لعامله في المحاربين الذين لم يقتلوا لو اخذت بايسر ذلك فيدل على انه كان يذهب إلى تخيير الامام في عقوبة المحاربين على ظاهر القران قوله عز وجل ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض المائدة فقالت طائفة قد اختلف السلف ومن بعدهم من العلماء في حكم المحارب اذا اخذ في حرابته قبل ان يتوب واختلفوا في من عنى الله عز وجل بقوله انما جزؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا المائدة فقالت طائفة منهم نزلت في الكفار المرتدين الذين اغاروا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلوا الرعاة وكفروا بعد ايمانهم فمن كفر بالله من بعد ايمانه فقد حارب الله عز وجل ورسوله فاذا جمع السعي في الارض بالفساد وهو الخروج عن المسلمين وقطع الطريق واخافة السبل فهو ممن عني بالاية واحتجوا بحديث انس رواه ثابت البناني وابو قلابة وقتادة بن دعامة عن انس ان نفرا من عكل وعرينة قدموا المدينة فتكلموا بالاسلام وكانوا اهل ضرع

ولم يكونوا اهل الف فاجتووا المدينة فامر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بزود ولقاح وان يخرجوا من المدينة فيشربوا من البانها وابوالها وقال بعضهم في هذا الحديث فامرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يخرجوا إلى ابل الصدقة فيشربوا من البانها وابوالها فانطلقوا فلما كانوا بناحية الحرة كفروا بعد اسلامهم وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الابل مرتدين فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثرهم فأدركوا وأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل اعينهم ومنهم من يقول وسمر اعينهم وتركوا بناحية الحرة يكدمون حجارتها حتى ماتوا قال قتادة فبلغنا ان هذه الاية نزلت فيهم انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا المائدة وممن قال ان الاية نزلت في اهل الكفر الحسن وعطاء وقال اكثر اهل العلم نزلت في كل من قطع الطريق واخاف السبيل واخذ المال قتل او لم يقتل على ما نذكر فمن اختلافهم في جزاء المحارب هل هو على الاستحقاق او على تخيير الامام فيه وانكر الفقهاء ان تكون الاية نزلت في اهل الشرك لان الله عز وجل قال في المحاربين الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم المائدة وقد اجمع علماء المسلمين على ان الكفار اذا انتهوا وتابوا من كفرهم غفر لهم كل ما سلف وسقط عنهم كل ما كان لزمهم في حال الكفر من حقوق الله عز وجل وحقوق المسلمين قبل ان يقدروا عليهم وبعد ان يقدروا عليهم ويصيروا في ايدي المسلمين فلا يحل قتلهم باجماع المسلمين ولا يؤخذ بشيء جنوه في مال او دم فدل ذلك على ان الاية تنزل في اهل الشرك والكفر وهذا هو الصحيح لان المحاربين يؤخذون بكثير من ذلك مما يؤخذ منهم

لاجماع العلماء ما وجد في ايديهم من اموال المسلمين واهل الذمة ايضا وقال مالك يؤخذون بالدم اذا طلبه وليه وقال الليث لا يؤخذون به وقال الشافعي تضع عن المحارب توبته حد الله عز وجل الذي وجب لمحاربته ولا تسقط عنه حقوق بني ادم وقال ابو حنيفة ان لم يقدر الامام على قطاع الطريق حتى جاؤوا تائبين وضعت عنهم حقوق الله عز وجل التي كانت تقام عليهم لو لم يتوبوا ويرجع حكم ما اصابوا من القتل والجراح إلى اولياء المقتولين والمجروحين فيكون حكمهم في ذلك كحكمهم لو اصابوا ذلك على غير قطع الطريق قال ابو عمر هذا كله ليس هو الحكم عند احد من العلماء في من اسلم من الكفار قبل ان يقدر عليه فدل ذلك على فساد قول من قال نزلت الاية في اهل الشرك وقال الفقهاء واهل اللغة معنى قوله عز وجل يحاربون الله المائدة يحاربون اهل دين الله عز وجل واما اختلاف العلماء في جزاء المحاربين هل هو على قدر الاستحقاق ام على تخيير الامام فروي عن بن عباس ومجاهد والحسن وسعيد بن المسيب وعطاء وابراهيم ان الامام مخير يحكم فيهم بما شاء من الاوصاف التي ذكر الله عز وجل في الاية من القتل او الصلب او القطع او النفي و او عند هؤلاء للتخيير وممن قال بذلك مالك والليث وابو ثور قال مالك ذلك إلى اجتهاد الامام يستشير بذلك اهل العلم والراي والفضل على قدر جرم المحارب وافساده وليس ذلك إلى سوى الامام قال مالك الفساد في الارض القتل واخذ المال قال الله عز وجل واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد البقرة وقال عز وجل من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا المائدة

قال ابو عمر معناه او بغير فساد في الارض فدل على ان الفساد في الارض وان لم يكن قتلا فهو كالقتل والفساد المجتمع عليه هنا قطع الطريق وسلب المسلمين واخافة سبلهم والقول الثاني ان الحكم في المحارب انه ان قتل قتل وان اخذ المال وقتل وصلب وان اخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف وان اخاف السبيل فقط لم يكن عليه غير النفي وروي هذا ايضا عن بن عباس ومجاهد وعطاء وابراهيم النخعي والحسن البصري وهو قول ابي مجالد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة وهو قول اهل العلم و او عند هؤلاء للتفضيل والى هذا ذهب الشافعي وابو حنيفة والاوزاعي واصحابهما والثوري واحمد واسحاق وقال الشافعي تقام عليهم الحدود على قدر اختلاف افعالهم من قتل منهم واخذ المال قتل وصلب واذا قتل ولم ياخذ مالا قتل ودفع إلى اوليائه يدفنوه ومن اخذ مالا ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف في مكان واحد وحسمع على عضوه بالنار قبل ان يقطع الاخر ومن حضر وكثر وهيب وكان ردءا عزر وحبس قال ابو عمر نحو هذا قول الكوفيين وسائر من ذكرنا من الفقهاء والنفي عندهم ان يحبسوا حتى يحدثوا توبة وقال مالك النفي ان يخرج إلى بلد اخر ويحبس هناك في السجن وقال يحيى بن سعيد الانصاري ينفى من بلده إلى بلد غيره ولم يذكر حبسا وقال عبد الملك بن الماجشون قول ابي وبن دينار والمغيرة ان نفي المحارب انما هو ان يطلبه الامام لاقامة الحد عليه فيهرب وليس كنفي الزاني البكر وهو قول بن شهاب قال ابو عمر في صلب المحارب اقوال لاهل العلم وكذلك في نفيه ايضا لاهل العلم اقوال واعتلالات وتوجيهات واختصرنا ذلك كله خوف الاطالة وشرطنا الاختصار والاشارة إلى ما اشار إليه مالك رحمه الله

قال مالك الامر عندنا في الذي يسرق امتعه الناس التي تكون موضوعة بالاسواق محرزة قد احرزها اهلها في اوعيتهم وضموا بعضها إلى بعض انه من سرق من ذلك شيئا من جرزه فبلغ قيمته ما يجب فيه القطع فان عليه القطع كان صاحب المتاع عند متاعه او لم يكن ليلا ذلك او نهارا قال ابو عمر الحجة في قوله هذا حديث صفوان بن امية اذ سرق رداؤه من تحت راسه او من تحت توسده وهو نائم والنائم كالغائب عن متاعه وغلق الوعاء على المتاع كغلق باب الدار والبيت ولم يختلفوا ان من فتح باب دار او بيت وسرق منه ما يبلغ المقدار انه يقطع وقد ابى كثير من الفقهاء ان يجعلوا ذلك خرزا اذا غاب عنه صاحبه ولم يكن عقله ولا تحت حرزه وقفله وهذه من مسائل الراي يسوغ فيها الاجتهاد والاصل عندي في هذا وما كان مثله ان لا يراق دم السارق المسلم الا بيقين والتيقن اصل او قياس غير مدفوع على اصل لان الخطا في العفو خير وايسر من الخطا في العقوبة وقد اجمع العلماء على ان كل سرقة لا قطع فيها فالغرم واجب على من سرقها موسرا كان او معسرا قال مالك في الذي يسرق ما يجب عليه فيه القطع ثم يوجد معه ما سرق فيرد إلى صاحبه انه تقطع يده واحتج مالك لقوله هذا بالشارب يوجد منه ريح الشراب فيحد وهذا ليس بحجة عند موافقيه فضلا عن مخالفيه والقطع واجب عند العلماء على كل سارق اخرج المتاع من حرزه وهو حق لله عز وجل وليس للادمي في القطع حق فان وجد متاعه اخذه باجماع ليس له غير ذلك ولا له العفو عن السارق اذا بلغ السلطان وهو وغيره في ذلك سواء واختلف العلماء في السارق تقطع يده وقد استهلك المتاع فقال مالك يغرمه ان كان مليئا في حين القطع او في حين الحكم وان كان معسرا لم يتبع بشيء من قيمة السرقة

وقال الشافعي يتبع به دينا اذا استهلكه ويلزمه غرم ما سرق مليا او معدما لان القطع حق لله عز وجل والغرم حق للمسروق منه قال وقد اجمعوا انه لو وجده ربه بيد السارق اخذه وان قطعت يده به وكذلك اذا استهلكه يغرمه في حال اليسر والعسر كسائر المستهلكات من اموال المسلمين وبه قال ابو ثور واحمد واسحاق وهو قول ابراهيم النخعي وحماد بن ابي سليمان ويحيى بن سعيد الانصاري والليث بن سعد وعثمان البتي وقال سفيان الثوري والحسن بن صالح بن حي وابو حنيفة واصحابه اذا قطعت يد السارق فلا غرم عليه مليا ولا عديما الا ان يوجد الشيء معه فيؤخذ منه وهو قول عطاء والشعبي وبن سيرين ومكحول وبه قال بن ابي ليلى وبن شبرمة وحجة من قال بهذا القول ما حدثنا ابو محمد عبد الله بن محمد بن اسيد قال حدثني حمزة بن علي قال حدثني احمد بن شعيب قال حدثني احمد بن منصور قال حدثني حسان بن عبيد الله قال حدثني المفضل بن فضالة عن يونس بن يزيد قال سمعت سعد بن ابراهيم يحدث عن المسور بن ابراهيم عن عبد الرحمن بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يغرم السارق اذا اقيم عليه الحد قال ابو عمر هذا ليس بالقوي عندهم والمسور بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف اخو سعد بن ابراهيم وصالح بن ابراهيم لم يسمع من عبد الرحمن بن عوف ولو ثبت هذا الحديث لوجب القول به ولكنه عندهم غير ثابت لانه منقطع وان كان قد وصله سعيد بن كثير عن عفير عن المفضل عن يونس عن سعد عن اخيه المسور بن ابراهيم عن ابيه عن عبد الرحمن بن عوف فان ثبت فالقول به اولى والا فالقياس ما قاله الشافعي ومن تابعه وبالله التوفيق اخبرنا احمد بن محمد قال حدثني احمد بن المفضل قال حدثني محمد بن جرير قال حدثني احمد بن الحسن الترمذي قال حدثني سعيد بن

كثير بن عفير قال حدثني مفضل بن فضالة عن يونس بن يزيد عن سعد بن ابراهيم قال حدثني اخي المسور بن ابراهيم عن ابيه عن عبد الرحمن بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذا اقيم الحد على السارق فلا غرم عليه قال مالك في القوم ياتون إلى البيت فيسرقون منه جميعا فيخرجون بالعدل يحملونه جميعا او الصندوق او الخشبة او بالمكتل او ما اشبه ذلك مما يحمله القوم جميعا انهم اذا اخرجوا ذلك من حرزه وهم يحملونه جميعا فبلغ ثمن ما خرجوا به من ذلك ما يجب فيه القطع وذلك ثلاثة دراهم فصاعدا فعليهم القطع جميعا قال وان خرج كل واحد منهم بمتاع على حدته فمن خرج منهم بما تبلغ قيمته ثلاثة دراهم فصاعدا فعليه القطع ومن لم يخرج منهم بما تبلغ قيمته ثلاثة دراهم فصاعدا فلا قطع عليه قال ابو عمر من الاختلاف في هذه المسالة ما ذكره المزني عن الشافعي قال واذا كانوا ثلاثة فحملوا متاعا واخرجوه معا فبلغ ثلاثة ارباع دينار قطعوا وان نقص شيئا لم يقطعوا وان اخرجوه متفرقا فمن اخرج ما يساوي ربع دينار قطع وان لم يساو ربع دينار لم يقطع قال ولو نقبوا جميعا ثم اخرج بعضهم ولم يخرج بعض قطع المخرج خاصة واما ابو حنيفة واصحابه فذكر الطحاوي عنهم قال ولا قطع على جماعة سرقوا حتى يكون لكل واحد منهم قيمة عشرة دراهم فصاعدا ومن سرق من رجلين عشرة دراهم سرقة واحدة قطع فيها وقال في موضع اخر ومن دخل عليه جماعة فولي رجل منهم اخذ متاعه وحمله قطعوا جميعا قال ابو عمر هذا تناقض ظاهر وممن قال بقول مالك في الرجلين او اكثر يسرقون مقدار ربع دينار انهم يقطعون فيه احمد بن حنبل وابو ثور قياسا على القوم يشتركون في القتل انهم يقتلون بالواحد اذا اشتركوا في قتله واختلف الفقهاء ايضا في النفر يدخلون الدار ويجمعون المتاع ويحملونه على احدهم ويخرجون معه

فقال الشافعي وابو ثور القطع على الذي اخرج المتاع وحده واختلف اصحاب ابي حنيفة فمنهم من قال يقطعون كلهم ومنهم من قال لا يقطع الا الذي اخرج المتاع واختلف في ذلك قول مالك ايضا فروى بن ابي اويس عنه انه قال يقطعون جميعا قال انما ذلك بمنزلة ما لو حملوه على حمار او غيره من الدواب وروى بن القاسم عنه انه قال لا يقطع الا الذي حملة وحده قال مالك الامر عندنا انه اذا كانت دار رجل مغلقة عليه ليس معه فيها غيره فانه لا يجب على من سرق منها شيئا القطع حتى يخرج به من الدار كلها وذلك ان الدار كلها هي حرزه فان كان معه في الدار ساكن غيره وكان كل انسان منهم يغلق عليه بابه وكانت حرزا لهم جميعا فمن سرق من بيوت تلك الدار شيئا يجب فيه القطع فخرج به إلى الدار فقد اخرجه من حرزه إلى غير حرزه ووجب عليه فيه القطع قال ابو عمر هذا كله قول الشافعي وابي حنيفة وبه قال ابو ثور واحمد واسحاق وقال ابو يوسف ومحمد لا قطع في الدار المشتركة حتى يخرج السارق بالسرقة من الدار كلها قال مالك والامر عندنا في العبد يسرق من متاع سيده انه ان كان ليس من خدمه ولا ممن يأمن على بيته ثم دخل سرا فسرق من متاع سيده ما يجب فيه القطع فلا قطع عليه وكذلك الامة اذا سرقت من متاع سيدها لا قطع عليها قال ابو عمر الجمهور من العلماء الذين هم حجة على من شذ عنهم اجمعوا على ان العبد لا يقطع في ما سرق من مال سيده وسيدته وكذلك الامة لا قطع عليها في ما سرقت من مال سيدها وسيدتها مما يؤتمن عليه ومما لا يؤتمنون عليه وهو قول مالك والليث وابي حنيفة والشافعي واصحابهم والثوري والاوزاعي واحمد واسحاق وابراهيم والطبري وقال ابو ثور يقطع العبد اذا سرق من سيده الا ان يمنع منه اجماع

وقال اهل الظاهر يقطع العبد اذا سرق من مال سيده الذي لم يأتمنه عليه لظاهر قول الله عز وجل والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما المائدة قال ابو عمر ثبت عن عمر بمحضر من الصحابة قوله خادمكم سرق متاعكم فجعلوا العلة المانعة من القطع في الغلام الذي شكا بن الحضرمي وهو غلامه انه سرق مراة امراته قوله خادمكم سرق متاعكم وثبت عن بن مسعود انه قال في عبد سرق من مال سيده مالك سرق بعضه بعضا ولا اعلم لعمر وبن مسعود مخالفا من الصحابة ولا من التابعين بعدهم إلى ما ذكرنا من اتفاق العلماء ائمة الفتوى بالامصار على ذلك وسيأتي القول في غلام الرجل يسرق من مال امراته او خادم المراة يسرق من مال زوجها في الباب بعد هذا عند ذكر حديث بن الحضرمي من رواية مالك ان شاء الله عز وجل وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال شاهدت عمر وجاءه عبد الله بن عمرو الحضرمي بغلام له فقال ان غلامي هذا سرق فاقطع يده قال عمر ما سرق قال مراة امراتي قيمتها ستون درهما قال ارسله فلا قطع عليه خادمكم اخذ متاعكم ولكنه لو سرق من غيركم قطع قال ابو عمر هذا لا يقوله عمر من رايه وهو يتلو الاية في السارق والسارقة الا بتوقيف ذكر عبد الله بن المبارك عن سفيان عن الاعمش عن ابراهيم عن همام بن الحارث عن عمرو بن شرحبيل قال جاء معقل بن مقرن إلى عبد الله بن مسعود فقال عبدي سرق من عبدي وقال بن نمير في هذا الخبر عن سفيان باسناده هذا غلامي سرق من غلامي فقال بن مسعود لا قطع عليه مالك سرق بعضه بعضا وقال مالك في العبد لا يكون من خدمه ولا ممن يأمن على بيته فدخل سرا فسرق من متاع امراة سيده ما يجب فيه القطع انه تقطع يده قال وكذلك امة المراة اذا كانت ليست بخادم لها ولا لزوجها ولا ممن تأمن

على بيتها فدخلت سرا فسرقت من متاع سيدتها ما يجب فيه القطع فلا قطع عليها قال مالك وكذلك امة المراة التي لا تكون من خدمها ولا ممن تأمن على بيتها فدخلت سرا فسرقت من متاع زوج سيدتها ما يجب فيه القطع انها تقطع يدها قال مالك وكذلك الرجل يسرق من متاع امراته او المراة تسرق من متاع زوجها ما يجب فيه القطع ان كان الذي سرق كل واحد منهما من متاع صاحبه في بيت سوى البيت الذي يغلقان عليهما وكان في حرز سوى البيت الذي هما فيه فان من سرق منهما من متاع صاحبه ما يجب فيه القطع فعليه القطع فيه قال ابو عمر اختلف قول الشافعي في هذه المسألة والمشهور من مذهبه ما ذكره الربيع والمزني عنه في انه ذكر قول مالك هذا في موطئه وقال هذا مذهب من ذهب إليه وتأول قول عمر خادمكم سرق متاعكم أي خادمكم الذي يلي خدمتكم وارى والله اعلم على الاحتياط أي لا يقطع الرجل لامرأته ولا المراة لزوجها ولا عبد واحد منهما سرق من مال الاخر شيئا للاثر والشبهة وبخلطة كل واحد منهما صاحبه لانها خيانة لا سرقة قال المزني وقال في كتاب اختلاف الاوزاعي وابي حنيفة اذا سرقت المراة من مال زوجها الذي لم يأمنها عليه وفي حرز منها قطعت قال المزني هذا عندي اقيس قال ابو عمر تحصيل مذهب الشافعي عند اصحابه ان لا قطع على عبد رجل سرق من متاع مال امراة سيده ولا عبد امراة سرق من مال زوج سيدته وهو قول ابي حنيفة وابي يوسف ومحمد وزفر وسليمان وقالوا لا قطع على رجل سرق في ما سرق من مال زوجته وعلى امراة سرقت في ما سرقت من مال زوجها وقال ابو ثور في ذلك كله بقول مالك وقال مالك يقطع الولد اذا سرق من مال والديه ولا يقطع الابوان مما سرقا من ولدهما وقال الشافعي لا يقطع من سرق من مال ولده ولا ولد ولده ولا من مال

ابيه وامه واجداده من قبل ايهما كان ويقطع في من سواهم من القرابات وقال الشافعي في طنبور ولا مزمار ولا خمر ولا خنزير وهو قول احمد واسحاق وقال سفيان الثوري وابو حنيفة واصحابه لا يقطع من سرق من مال ذي رحم محرمة منه مثل الخالة والعمة ومن كان مثلهما وقال ابو ثور يقطع كل من سرق الا ان يجمعوا على احد فيسلموا للاجماع قال مالك في الصبي الصغير والاعجمي الذي لا يفصح انهما اذا سرقا من حرزهما او غلقهما فعلى من سرقهما القطع وان خرجا من حرزهما وغلقهما فليس على من سرقهما قطع قال وانما هما بمنزلة حريسة الجبل والثمر المعلق قال ابو عمر يأتي القول في الثمر المعلق وغير المعلق في الباب بعد هذا ان شاء الله عز وجل عند قول رسول الله لا قطع في ثمر ولا كثر ان شاء الله عز وجل واما الحريسة فقال ابو عبيد تفسر تفسيرين فبعضهم يجعلها السرقة بعينها يقول حرس يحرس حرسا اذا سرق فيكون المعنى ان ما سرق من الماشية بالجبل قطع حتى ياويها المراح قال والتفسير الاخر ان تكون الحريسة هي المحروسة فيقول ليس فيما يحرس في الجبل قطع لانه ليس بموضع حرز وان سرق قال ابو عمر قد اختلف الفقهاء في الصبي المملوك والاعجمي اللذين لا يعقلان يسرقان من حرزهما فقال جمهور الفقهاء يقطع من سرقهما او احدهما وهذا قول مالك والثوري والشافعي وابي حنيفة واحمد واسحاق وابي ثور وروي ذلك عن الحسن والشعبي وبن شهاب الزهري هذا كله اذا كانا لا يعقلان ولا يميزان فان ميزا وعقلا فلا قطع على من سرقهما عند الكوفيين واما اختلافهم في الصبي الصغير الحر

فقال مالك واصحابه يقطع سارقه وهو قول إسحاق وروي ذلك عن الحسن والشعبي وقال ابو حنيفة واصحابه والثوري لا يقطع سارق الصبي الحر لانه ليس بمال وبه قال احمد وابو ثور وحكاه ابو ثور عن الشافعي وهو قول عبد الملك بن الماجشون قال مالك والامر عندنا في الذي ينبش القبور انه اذا بلغ ما اخرج من القبر ما يجب فيه القطع فعليه فيه القطع وقال مالك وذلك ان القبر حرز لما فيه كما ان البيوت حرز لما فيها قال ولا يجب عليه القطع حتى يخرج به من القبر قال ابو عمر الاختلاف في قطع النباش اذا اخرج من القبر ما يبلغ المقدار المقطوع فيه السارق على ما اصفه لك اما الجمهور من الفقهاء والتابعين فيرون قطعه منهم مالك والشافعي واصحابهما وبه قال إسحاق وابو ثور وهو قول الحسن البصري وابراهيم النخعي والشعبي وقتادة وحماد بن ابي سليمان ورواية عن عمر بن عبد العزيز وقال احمد هو اهل ان يقطع وروي عن عبد الله بن الزبير انه قطع نباشا اخبرنا احمد بن عبد الله قال حدثني احمد بن مخلد قال حدثني ابي قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني حجاج قال حدثني هشيم عن سهيل بن ذكوان قال شاهدت عبد الله بن الزبير قطع نباشا وروي عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن ان النباش كالمحارب وكان سفيان الثوري وابو حنيفة واصحابه لا يرون على النباش قطعا=

10.  الاستذكار
المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

وروي ذلك عن زيد بن ثابت ومروان بن الحكم وافتى به بن شهاب الزهري قال ابو عمر احتج من راى قطع النباش بقول الله عز وجل الم نجعل الارض كفاتا احياء وامواتا المرسلات وان النبي صلى الله عليه وسلم سمى القبر بيتا وليس في هذا كله ما يوجب التسليم له الا ان النفس اشد سكونا إلى قول الاكثر من اهل العلم وقد روي عن عبيد الله بن زياد انه صلب نباشا وليس في عبيد الله بن زياد اسوة ولا في ابيه قبله ومن حجة من راى الا قطع على النباش لان الميت لا يصح له ملك وانما يجب القطع على من سرق من ملك مالك وبالله التوفيق باب ما لا قطع فيه مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان ان عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده فاستعدى على العبد مروان بن الحكم فسجن مروان العبد واراد قطع يده فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فساله عن ذلك فاخبره انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر والكثر الجمار فقال الرجل فان مروان بن الحكم اخذ غلاما لي وهو يريد قطعه وانا احب ان تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه رافع إلى مروان بن الحكم فقال اخذت غلاما لهذا فقال نعم فقال فما انت صانع به قال اردت قطع يده فقال له رافع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر فامر مروان بالعبد فارسل

قال ابو عمر قد ذكرنا الاختلاف في اسناد هذا الحديث في التمهيد وذكرنا طرقه واختلاف الناقلين لها فمنها مرسل منقطع ومنها ما يستند من وجه ويتصل وهو حديث لا يطابق متنه ولفظه المعنى الذي خرج عليه لان المسروق كان وديا والودي الفصيل وهو النخلة الصغيرة كالنقل من شجر التين وغيرها قلعة الذي سرقه وغرسه في حائط سيده والثمر المعلق ما كان من الثمار في رؤوس الاشجار لم يجذه ربه ولم ياويه صاحبه إلى جرين ولا بيدر ولا جودان ولا اندر ولا مربد وانما قائم يتعلق من الاشجار والكثر قال ابو عبيد وغيره هو جمار النخل في كلام الانصار وهو يؤكل عندهم كما تؤكل الثمار والودي ليس كذلك واختلف الفقهاء فيمن سرق شجرة مقلوعة او غير مقلوعة واختلفوا ايضا فيما يؤكل من الثمار رطبا وفي ما يكون من الحيطان لاشجارها وثمارها فنورد من ذلك ما حضرنا ذكره وبالله عز وجل توفيقنا قال مالك لا قطع في النخلة الصغيرة ولا الكبيرة اذا قلعها من موضعها واختلف اصحابه في الشجرة تقلع وتوضع في الارض فقال بعضهم وضعها في الارض حرز لها اذا كان في موضع محروز والله اعلم وقال بعضهم لا قطع فيها على حال ولم يختلفوا في من قلع شيئا من البقول القائمة والشجر القائمة انه لا قطع على سارقها كما لا قطع في الثمر المعلق حتى ياويه الجرين ولا في حريسه الجبل من الماشية كلها حتى ياويها المراح والجرين والمراح والجرين حرز على ما يسرق منه لمن سرق منه وفيه ما يوجب القطع واما الشافعي فقال الاصل انه لا قطع على من سرق من غير حرز والجرين حرز لما فيه والمراح حرز لما يحويه من الغنم قال والذي تعرفه العامة بالحجاز ان الجرين حرز والحائط ليس بحرز قال والحوائط ليست بحرز للنخل ولا للثمر لان اكثرها مباح يدخل من جوانبها فمن سرق من حائط شيئا من الثمر المعلق لم يقطع واذا اواه الجرين قطع سارقه اذا بلغت قيمته ربع دينار قال الشافعي قال مالك في الاترجة التي قطع فيها عثمان رضي الله عنه كانت اترجة تؤكل

قال الشافعي وفي ذلك دليل على قطع من سرق الرطب من طعام او غيره اذا بلغت سرقته ربع دينار واما ابو حنيفة واصحابه فقالوا لا قطع في سرقة ثمر من رؤوس النخل ولا في حنطة اذا كانت سنبلا في سنبلتها ولا في ثمر ولا في كثر فاذا احرز الثمر وجعل في حظيرة واغلق باب كان على من سرق منه ما بلغ عشرة دراهم القطع قالوا ولا قطع على من سرق ما يفسد من الفاكهة واللحم والطعام الذي هو كذلك وان غلت قيمته ولا قطع في شيء من الخشب الا في الساج وحده فمن سرق منه ما يساوي عشرة دراهم قطع قال ابو يوسف في الاملاء القثاء مثل الساج يقطع سارقه وهو قول الثوري فيما لا بقاء له من الفاكهة كقول ابي حنيفة ولهم في باب ما لا قطع فيه اقوال ضعيفة جدا وانما ذكرنا في هذا الباب ما يؤكل من الثمار وذكرنا من الخشب لما جرى في الحديث المذكور فيه منها ولم نتعرض لغير ذلك خشية الاطالة لان كتابنا هذا كتاب اصول الفقه لم يوضع لفروعه لانها لا تحصى الا بمعرفة اصولها والله ولي العون والتوفيق لا شريك له مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد ان عبد الله بن عمرو بن الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له اقطع يد غلامي هذا فانه سرق فقال عمر ماذا سرق فقال سرق مراة لامراتي ثمنها ستون درهما فقال عمر ارسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم قال ابو عمر قد تقدم القول في هذا المعنى في الباب قبل هذا وهو يشهد بان العبد لا قطع عليه في مال زوج سيده ولا معنى لقول من اعتل فيه بالحرز لانه لا يقطع عندهم احد سرق من غير حرز عبد ولا حر ويدل هذا على ان ما لم يقطع فيه بالسيد لم يقطع فيه غلامه فلما كان السيد لا يقطع في مال امراته لانه خائن ففعل ذلك كان عبده كذلك والله اعلم

وقد ذكرنا من قال بهذا القول ومن خالف فيه من العلماء في الباب قبل هذا والحمد لله كثيرا وقد قال مالك رحمه الله فيما ذكر بن عبد الحكم عنه من ادخل رجلا منزله فعمد إلى تابوت في البيت صغير او كبير فدقه فاخذ ما فيه فلا قطع عليه قال وكذلك اذا عمد إلى خزانة مغلقة فكسرها واخذ ما فيها فلا قطع عليه ومن اغلق حانوته ورفع مفاتحه إلى اجير له فخالفه إليه فسرق منه فلا قطع عليه قال ابو عمر الغلام السارق من متاع امراة سيده وهو معهما في دار واحدة اولى بهذا الحكم لانه كله خيانة لا سرقة والله اعلم وفي هذا الحديث دليل على ما ذهب إليه مالك من ان السيد لا يقطع عبده في السرقة ولو كان ما احتاج بن الحضرمي الا لسلطان في قطع غلامه مالك عن بن شهاب ان مروان بن الحكم اتي بانسان قد اختلس متاعا فاراد قطع يده فارسل إلى زيد بن ثابت يساله عن ذلك فقال زيد بن ثابت ليس في الخلسة قطع قال ابو عمر رواه معمر عن الزهري قال اختلس رجل متاعا فاراد مروان ان يقطع يده فقال له زيد بن ثابت تلك الخلسة الظاهرة لا قطع فيها قال عبد الرزاق اخبرنا الثوري عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن علي رضي الله عنه انه سئل عن الخلسة فقال تلك الدعرة المعلنة لا قطع فيها قال ابو عمر اجمع اهل العلم على ان الخلسة لا قطع فيها ولا في الخيانة ولا اعلم احدا اوجب في الخلسة القطع الا اياس بن معاوية وسائر اهل العلم لا يرون فيها قطعا وقد روى بن جريج عن ابي الزبير عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على الخائن قطع ولا على المختلس قطع

وقد روى بن المبارك عن سفيان عن إسماعيل عن الحسن ان علي بن ابي طالب اتي في الخلسة فقال تلك المعلنة لا قطع فيها وروى سعيد عن قتادة عن خلاس ان عليا كان لا يقطع في الخلسة واجمعوا انه ليس على الغاصب ولا على المكابر الغالب قطع الا ان يكون قاطع طريق شاهرا بالسلاح على المسلمين مخيفا للسبل فحكمه ما تقدم ذكره في المحاربين واما حديث مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد انه قال اخبرني ابو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم انه اخذ نبطيا قد سرق خواتم من حديد فحبسه ليقطع يده فارسلت إليه عمرة بنت عبد الرحمن مولاة لها يقال لها امية قال ابو بكر فجاءتني وانا بين ظهراني الناس فقالت تقول لك خالتك عمرة يا بن اختي اخذت نبطيا في شيء يسير ذكر لي فاردت قطع يده قلت نعم قالت فان عمرة تقول لك لا قطع الا في ربع دينار فصاعدا قال ابو بكر فارسلت النبطي وهذا المعنى قد مضى في موضعه من هذا الكتاب والحمد لله قال مالك والامر المجتمع عليه عندنا في اعتراف العبيد انه من اعترف منهم على نفسه بشيء يقع الحد والعقوبة فيه في جسده فان اعترافه جائز عليه ولا يتهم ان يوقع على نفسه هذا قال مالك واما من اعترف منهم بامر يكون غرما على سيده فان اعترافه غير جائز على سيده قال ابو عمر قول مالك هذا في اقرار العبيد بما يوجب الحد عليهم والعقوبة في ابدانهم انهم يؤخذون به وهو قول جمهور الفقهاء الشافعي وابي حنيفة واصحابهما والثوري والاوزاعي وعثمان البتي والحسن بن حي وقال زفر بن الهذيل لا يجوز اقرار العبد على نفسه بما يوجب قتله ولا قطع يده اذا اكذبه مولاه

قال ابو عمر قول زفر هذا هو قول شريح والشعبي وقتادة وعطاء وعمرو بن دينار وسليمان بن موسى وابي الضحى ذكر ذلك كله عنهم بالاسانيد عبد الرزاق وابو بكر بن ابي شيبة وقال ابو بكر حدثنا يزيد بن هارون عن ابي مالك الاشجعي قال حدثني اهل هرمز والخبر عن هرمز انه اتى عليا فقال اني اصبت حدا فقال تب إلى الله عز وجل واستتر بستر الله قال يا امير المؤمنين طهرني قال قم قنبر فاضربه الحد وليكن هو يعد لنفسه فاذا نهاك فانته وكان مملوكا وروى عبد الرزاق عن الثوري عن ابي مالك الاشجعي عن اشياخ لهم ان عبدا لاشجع يقال له ابو حليمة اعترف بالزنى عند علي رضوان الله عليه اربع مرات فاقام عليه الحد وروى ابو الزناد عن عبد الله بن عامر ان ابا بكر قطع يد عبد سرق قال ابو عمر الجلد لا ينقص المولى منفعة ولا ثمنا وليس كالقتل وقطع اليد واما قوله اذا نهاك فانته فهذا شأن كل مقر على نفسه الا يقام عليه الحد اذا نزع ولو بقي من الحد سوط واحد عند جمهور العلماء وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في ما مضى وذكر الطحاوي عن علي ان عبدا اقر عنده بالسرقة مرتين فقطع يده وذكر بن المبارك عن سفيان وعن الاعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابيه قال جاء رجل إلى علي بن ابي طالب رضي الله عنه فاعترف عنده بالسرقة فطرده ثم اتاه الثانية فاعترف عنده فقال علي شهدت على نفسك مرتين فقطعه قال فرايت يده معلقة في عنقه ذكر الطحاوي ان الرجل كان عبدا وليس ذلك في الحديث وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن مغيرة عن ابراهيم قال ما اعترف العبد في شيء يقام عليه في جسده فانه لا يتهم في جسده وما اعترف به من شيء يخرجه عن مولاه فلا يجوز اعترافه واخبرنا معمر عن قتادة قال لا يجوز اعتراف العبد الا في سرقة او زنى قال واخبرنا معمر عن الزهري قال كان ممن مضى يجيز اعتراف العبيد على انفسهم حتى اتهمت القضاة العبيد انهم انما يفعلون ذلك كراهة لساداتهم وفرارا منهم فاتهموهم في بعض الامور التي تشكل

قال واخبرنا بن جريج عن سليمان بن موسى قال لا يجوز اعتراف العبيد الا في الحدود فالرواية الاولى ذكرها ابو بكر قال حدثني ابو عاصم الضحاك بن مخلد عن بن جريج عن سليمان بن موسى قال لا يجوز اعتراف العبيد الا ببينة وقال ابو بكر حدثني هشيم عن ابي حرة عن الحسن قال يجوز اقرار العبد فيما اقر به من حد وما اقر به مما يذهب رقبته فلا قال وحدثني هشيم عن مغيرة عن ابراهيم مثله قال ابو عمر رواية الثوري عن مغيرة عن ابراهيم اصح قال مالك ليس على الاجير ولا على الرجل يكونان مع القوم يخدمانهم ان سرقاهم قطع لان حالهما ليست بحال السارق وانما حالهما حال الخائن وليس على الخائن قطع قال ابو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ليس على الخائن ولا على المختلس قطع واجمع علماء المسلمين انه ليس على الخائن قطع وكفى بهذا وذكر عبد الرزاق عن بن جريج انه اخبره عن ابي الزبير عن جابر انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على المختلس ولا على الخائن قطع قال عبد الرزاق واخبرنا ياسين الزيات عن ابي الزبير عن جابر قال ليس على الخائن ولا على المنتهب ولا على المختلس قطع قال قلت اعن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على الخائن ولا على المختلس قطع قال فعن من وذكر ابو داود هذا الحديث قال حدثني نصر بن علي قال حدثني عيسى بن يونس عن بن جريج عن ابي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على الخائن ولا على المختلس قطع قال ابو داود بلغني عن احمد بن حنبل انه قال لم يسمع بن جريج هذا الحديث من ابي الزبير وانما سمعه من ياسين الزيات قال ابو داود وقد رواه المغيرة بن مسلم عن ابي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال مالك في الذي يستعير العارية فيجحدها انه ليس عليه قطع وانما مثل ذلك مثل رجل كان له على رجل دين فجحده ذلك فليس عليه فيما جحده قطع قال ابو عمر جمهور الفقهاء على ما قاله مالك في المستعير الجاحد انه لا قطع عليه وهو قول اهل الحجاز والعراق و اهل الشام ومصر وقال احمد بن حنبل واسحاق يقطع قال احمد لا اعلم شيئا يدفع حديث عائشة في ذلك قال ابو عمر احتج من قال بهذا الحديث رواه معمر ذكره عبد الرزاق وغيره عن معمر انه اخبرهم عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كانت امراة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فامر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فاتى اهلها اسامة فكلموه فكلم اسامة النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا اسامة الا اراك تتكلم في حد من حدود الله عز وجل ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال انما اهلك من كان قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه وان سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها فقطع يد المخزومية قال ابو عمر احتج من قال بهذا الحديث بما فيه من قوله كانت تستعير المتاع وتجحده فامر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها قالوا فالظاهر انه لم يقطع يدها الا لانها كانت تستعير المتاع وتجحده قالوا قد تابعه معمر على ما ذكرناه من ذلك بن اخي الزهري وغيره وحسبك بمعمر في الزهري قالوا وقد رواه عن نافع عن صفية بنت ابي عبيد ان امراة كانت تستعير المتاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجحده ولا ترده فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعها ورواه معمر عن ايوب عن نافع عن بن عمر قال كانت امراة مخزومية تستعير متاعا على جارتها وتجحده فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها قال ابو عمر من تدبر هذا الحديث علم انه لم يقطع يدها الا لانها سرقت

لقوله صلى الله عليه وسلم فيه لاسامة الا اراك تتكلم في حد من حدود الله عز وجل وليس لله عز وجل في كتابه ولا في المعروف من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم حد من حدوده فيمن استعار المتاع وجحده ودليل اخر من الحدود من حديث ايضا قوله صلى الله عليه وسلم انما أهلك من كان قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه وهذا يدل على انه انما قطعها لسرقتها لا لانها كانت تستعير المتاع وتجحده ولو كان ذلك لقال صلى الله عليه وسلم انما اهلك من كان قبلكم انهم كانوا اذا استعار فيهم الشريف من المتاع وجحده تركوه هذا ما ظهر إلى من ظاهر لفظ هذا الحديث الذي احتج به من راى قطع المستعير الجاحد وقد روى هذا الحديث الليث بن سعد عن الزهري باسناده وقال فيه ان المخزومية سرقت وقال في اخره والله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وهذا كله يوضح ان القطع انما كان من اجل السرقة لا من اجل جحد العارية من المتاع ويحتمل والله تعالى اعلم ان تلك القرشية المخزومية كان من شأنها استعارة المتاع وجحده فعرفت بذلك ثم انها سرقت فقيل المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها يعنون في السرقة والله اعلم حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني عبيد الله بن يحيى قراءة عليه عن ابيه يحيى بن يحيى عن الليث بن سعد عن بن شهاب عن عروة عن عائشة ان قريشا اهمهم شأن المخزومية التي سرقت قالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ومن يجترئ عليه الا اسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه اسامة فقال صلى الله عليه وسلم اتشفع في حد من حدود الله عز وجل ثم قام خطيبا فقال انما هلك من كان قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد وايم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها

وكذلك رواه ايوب بن موسى ويونس بن يزيد عن الزهري وذكره ابو عبد الرحمن النسائي قال اخبرنا محمد بن منصور قال حدثني ايوب عن يوسف بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة ان امراة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها اسامة بن زيد وذكر الحديث بمعنى حديث الليث سواء وقد حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني مطلب قراءة عليه قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يزيد بن ابي حبيب عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانه ان خالته ابنة مسعود بن العجماء حدثته ان اباها قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المخزومية التي سرقت قطيفة وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قالا حدثني بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني بن نمير قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن ركانة عن امه عن عائشة بنت مسعود بن الاسود عن ابيها مسعود قال لما سرقت المراة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظمنا ذلك وكانت المراة من قريش فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نكلمه فيها فقلنا نحن نفديها بأربعين اوقية قال تطهر خير لها فلما سمعنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اتينا اسامة بن زيد فقلنا كلم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المراة نحن نفديها بأربعين اوقية فلما راى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قام خطيبا فقال يا ايها الناس ما اجتراكم علي في حد من حدود الله تعالى وقع على امة من اماء الله عز وجل والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت رسول الله نزل بها الذي نزل بهذه لقطع محمد يدها فهذه الاحاديث كلها دالة على ان المراة المخزومية انما قطعت للسرقة لا لاستعارة المتاع وبالله التوفيق قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في السارق يوجد في البيت قد جمع المتاع لم يخرج به انه ليس عليه قطع وانما مثل ذلك كمثل رجل وضع بين يديه خمرا ليشربها فلم يفعل فليس عليه حد ومثل ذلك رجل جلس من امراة مجلسا وهو يريد ان يصيبها حراما فلم يفعل ولم يبلغ ذلك منها فليس عليه ايضا في ذلك حد

قال ابو عمر هذا مذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وبه قال ائمة الفتوى بالامصار واصحابهم إلى اليوم وذلك دليل على مراعاتهم الحرز وانه لا قطع الا على من سرق من حرز والخلاف في هذا شذوذ لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه وهو الصحيح عن احمد بن حنبل انه ذهب إليه ونحن نذكر ما في كتاب عبد الرزاق بن همام وابي بكر عبد الله بن ابي شيبة في ذلك لنرى ما عليه في ذلك جمهور العلماء ان شاء الله عز وجل قال عبد الرزاق واخبرنا بن جريج قال قلت لعطاء السارق يوجد في البيت وقد جمع المتاع ولم يخرج به قال لا قطع عليه حتى يخرج به قال بن جريج وقال لي عمرو بن دينار لا قطع عليه حتى يخرج به قال بن جريج واخبرني سليمان بن موسى ان عثمان قضى انه لا قطع عليه حتى يخرج به وان كان قد جمعه قال بن جريج واخبرني عمرو بن شعيب ان بن الزبير اراد قطعه فقال له بن عمر لا قطع عليه حتى يخرج بالمتاع من البيت وقال له بن عمر ارايت لو ان رجلا وجد بين رجلي امراة لم يصيبها اكنت تحده قال لا لعله سوف ينزع قبل ان يوقعها قال وهذا كذلك ما يدريك لعله كان نازعا تائبا وتاركا للمتاع قال عبد الرزاق اخبرنا معمر عن الزهري قال اذا وجد السارق في البيت قد جمع المتاع ولم يخرج به فلا قطع عليه ولكن ينكل قال معمر وقال قتادة هو رجل اراد ان يسرق فلم يدعوه قال واخبرنا الثوري عن عبد الله بن ابي السفر عن الشعبي قال لا يقطع السارق حتى يخرج بالمتاع من البيت قال واخبرنا الثوري عن يونس عن الحسن مثل قول الشعبي وروي ذلك عن علي رضي الله عنه من حديث حصين عن الشعبي ومن حديث حسين بن عبد الله بن ضميرة عن ابيه عن جده عن علي رضي الله عنه ومن حديث حصين عن الشعبي عن الحارث عن علي وكتب فيه عمر بن عبد العزيز ان ينكل ويسجن ولا يقطع وذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني وكيع عن بن جريج عن

سليمان بن موسى عن عثمان قال ليس عليه قطع حتى يخرج من البيت بالمتاع قال واخبرنا وكيع عن بن جريج عن عمرو بن شعيب عن بن عمر قال ليس عليه قطع حتى يخرج بالمتاع قال وحدثني حميد بن عبد الرحمن عن موسى بن ابي الفرات وعن عمر بن عبد العزيز قال لا يقطع حتى يخرج بالمتاع من البيت قال واخبرنا ابو معاوية عن عاصم عن الشعبي انه سئل عن رجل سرق سرقة ثم كورها فأدرك قبل ان يخرج من البيت قال ليس عليه قطع قال وحدثني علي بن مسهر عن زكريا عن الشعبي مثله قال وحدثني محمد بن بكر قال حدثني بن جريج قال قلت لعطاء يوجد السارق وقد اخذ المتاع وجمعه في البيت قال لا قطع عليه حتى يخرج به من البيت زعموا قال وقال عمرو بن دينار ما أرى عليه قطعا قال وحدثني يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن حميد ان عمر بن عبد العزيز كتب في سارق لا يقطع حتى يخرج بالمتاع من الدار لعله تعرض له توبة قبل ان يخرج من الدار قال ابو عمر لا اعلم لمن لم يعتبر الحرز متعلقا بأحد من الصحابة رضي الله عنهم الا ما روي عن عائشة رضي الله عنها ذكره ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني ابو خالد الاحمر عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم قال بلغ عائشة انهم يقولون اذا لم يخرج بالمتاع من البيت لم يقطع فقالت لو لم اجد الا سكينا لقطعته اذا لم يخرج قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا انه ليس في الخلسة قطع بلغ ثمنها ما يقطع فيه او لم يبلغ قال ابو عمر هذا كما ذكره مالك امر مجتمع عليه لا خلاف فيه وقد مضى القول في الخلسة في ما تقدم من هذا الكتاب فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق

كتاب الأشربة باب الحد في الخمر مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شراب الطلاء وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما قال أبو عمر هذا الإسناد أصح ما يروى من أخبار الآحاد وفي هذا الحديث من الفقه وجوب الحد على من شرب مسكرا أسكر أو لم يسكر خمرا كان من خمر العنب أو نبيذا لأنه ليس في الحديث ذكر الخمر ولا أنه كان سكران وإنما فيه من قول عمر أن الشراب الذي شرب منه إن كان يسكر جلده الحد وهذا يدل على أنه كان شرابا لا يعلم أنه الخمر المحرم قليلها وكثيرها ولو كان ذلك ما سأل عنه وقد أجمعوا على أن قليل الخمر من العنب فيه من الحد مثل ما في كثيرها ولا يراعى السكر فيها وإنما اختلفوا في ما سواها من الأنبذة المسكرة على ما نذكره بعد إن شاء الله عز وجل وفيه القضاء بالحد على من وجد منه ريح الخمر وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما فروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يرون الحد على من وجد منه ريح الخمر وهو قول مالك وأصحابه وجمهور أهل الحجاز إذا أقر شاربها أنها ريح خمر أو شهد عليه بذلك

وكذلك عندهم ريح المسكر سواء لأن كل معسكر عندهم خمر على ما رووا في ذلك عن النبي وسيأتي بعد في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وخالفهم في ذلك جمهور أهل العراق وطائفة من أهل الحجاز فقالوا لا حد على أحد في رائحة الخمر وهو يعقل لا رائحة المعسكر وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء الريح توجد من شارب الخمر وهو يعقل قال لا حد إلا بالبينة قد تكون الرائحة من الشراب الذي ليس به بأس قال وقال عمرو بن دينار لا حد في الريح وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما قال الشافعي لا يحد الذي يوجد منه ريح الخمر إلا بأن يقول شربت خمرا أو مسكرا أو يشهد بذلك عليه وسواء سكر أو لم يسكر قال ولو شرب شرابا فلم يسكر وشرب من ذلك الشراب غيره فسكر كان عليهما جميعا الحد لأن كل واحد منهما شرب مسكرا وأما العراقيون إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وبن أبي ليلى وشريك وبن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفة وأكثر علماء البصرة فإنهم لا يرون في شرب المسكر حدا إلا على من سكر منه ولا يراعون الريح من الخمر ولا من المسكر قال ولا يرون في الريح من ذلك كله حدا وهذا خلاف عن السلف من الصحابة الذين لم يخالفهم مثلهم وذكر أبو بكر قال حدثني وكيع عن بن أبي ذئب عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر رضي الله عنه كان يضرب في الريح وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال حدثنا بن شهاب عن السائب بن يزيد أنه حضر عمر بن الخطاب وهو يجلد رجلا وجد منه ريح شراب فجلده الحد تاما قال أبو عمر لم يسم مالك ولا بن جريج في حديثهما هذا عن بن

شهاب الموجود منه ريح الشارب المجلود فيه وقد سماه في هذا الحديث بن عيينة ومعمر روى الحميدي وغيره عن بن عيينة عن الزهري عن السائب بن يزيد قال قال عمر ذكر لي أن عبيد الله وأصحابه شربوا شرابا بالشام وأنا سائل عنه فإن كان مسكرا جلدتهم قال بن عيينة وحدثني معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال رأيت عمر حدهم قال أبو عمر حديث بن عيينة هذا ليس فيه أنه جلدهم في ريح الشراب بل ظاهره أنه حدهم بما ذكر له وهي الشهادة ولكن بن عيينة لم يأت بالحديث على وجهه والله أعلم وقد ذكر عبد الرزاق هذا الخبر فقال أخبرنا معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال شاهدت عمر بن الخطاب صلى على جنازة ثم أقبل علينا فقال إني وجدت من عبيد الله بن عمر ريح شراب وإني سألته عنهما فزعم أنه الطلاء وإني سائل عن الشراب الذي شربه فإن كان مسكرا جلدته قال فشهدته بعد ذلك يجلده قال أبو عمر قد جود معمر ومالك هذا الحديث عن عمر وأما حديث بن مسعود فذكره عبد الرزاق عن بن عيينة وذكره أبو بكر عن أبي معاوية كلاهما عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس واللفظ لحديث أبي بكر قال قرأ عبد الله بن مسعود بحمص سورة يوسف فقال رجل ما هكذا أنزلت فدنا منه عبد الله فوجد منه ريح الخمر فقال له تكذب بالحق وتشرب الرجس والله لهكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أدعك حتى أحدك فجلده الحد وذكر أبو بكر قال حدثني كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم أن ذا قرابة لميمونة دخل عليها فوجدت منه ريح شراب فقالت لئن لم تخرج إلى المسلمين فيحدونك ويطهرك ربك لا تدخل علي بيتي أبدا وذكر أبو بكر قال حدثني يحيى بن سعيد عن بن جريج عن بن أبي مليكة قال كتبت إلى بن الزبير أسأله عن الرجل يوجد منه ريح الشراب فقال إن كان مدمنا فأحدوه وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سمعت بن أبي مليكة مثله بمعناه

وذكره وكيع عن محمد بن شريك عن بن أبي مليكة قال أتيت برجل يوجد منه ريح الخمر وأنا قاض على الطائف فأردت أن أضربه فقال إنما أكلت فاكهة فكتبت إلى بن الزبير فكتب إلي إن كان من الفاكهة ما يشبه ريح الخمر فادرأ عنه الحد قال أبو عمر ذكرت هذه الآثار عن السلف لنقف على أن ما ذكره بن قتيبة في كتاب الأشربة وذكرته طائفة من أصحاب أبي حنيفة انفرد برأيه في حد الذي يوجد منه ريح الخمر وأنه ليس له في ذلك سلف وهذا جهل واضح وتجاهل أو مكابرة قال أبو عمر أقوى ما احتج به من لم ير في ريح الشراب حدا لا من الفاكهة مثل التفاح والسفرجل وشبهها قد يوجد من أكلها رائحة تشبه ريح الخمر وتلك شبهة تمنع من إقامة الحد في الريح لأن الأصل أن ظهر المؤمن حمى لا يستباح إلا بيقين دون الشبهة والظنون قال أبو عمر حديث بن شهاب المذكور في أول هذا الباب عن عمر رضي الله عنه هو في عبيد الله ابنه ولعبد الرحمن ابنه المعروف بأبي شحمة من بنيه قصة في شرب الخمر جلده فيها بمصر عمرو بن العاص ثم جلده عمر بعد والحديث بذلك عند الزهري عن سالم عن أبيه رواه معمر وبن جريج عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال شرب عبد الرحمن بن عمر بمصر خمرا قال كذا قال معمر وقال بن جريج شرابا مسكرا في فتية منهم أبو سروعة عقبة بن الحارث فحدهم عمرو بن العاص وبلغ ذلك عمر فكتب إلى عمرو أن أبعث إلي بابني عبد الرحمن على قتب فلما قدم عليه جلده عمر بيده الحد قال بن عمر فزعم الناس أنه مات من ضرب عمر ولم يمت من ضربه قال أبو عمر جاء عن الشعبي عن يحيى بن أبي كثير وهو شيء منقطع أن عمر ضرب ابنه حدا فأتاه وهو يموت فقال يا أبتي قتلتني فقال له إذا لاقيت ربك فأخبره أن عمر يقيم الحدود وليس في هذا الخبر ما يقطع به على موته لو صح وحديث بن عمر أصح مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا

شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى أو كما قال فجلد عمر في الخمر ثمانين قال أبو عمر هذا حديث منقطع من رواية مالك وقد روي متصلا من حديث بن عباس ذكره الطحاوي في كتاب أحكام القرآن قال حدثني بهز بن سليمان قال حدثني سعيد بن كثير قال حدثني محمد بن فليج عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة عن بن عباس أن الشراب كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي وبالنعال وبالعصي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر لو فرضنا لهم حدا يتوخى نحو ما كان يضربون عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو بكر يجلدهم أربعين ثم كان عمر بعده يجلدهم كذلك أربعين حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب فأمر به أن يجلد فقال له لم تجلدني بيني وبينك كتاب الله عز وجل فقال عمر في أي كتاب الله عز وجل وجدت لا أجلدك فقال إن الله عز وجل يقول في كتابه ليس على الذين آمنوا وعملوا الصلحت جناح فيما طمعوا إذا ما اتقوا وءامنوا وعملوا الصلحت ثم المائدة فأنا من الذين اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد فقال عمر ألا تردون عليه ما يقول فقال بن عباس إن هؤلاء الآيات نزلن عذرا للماضين وحجة على الباقين فعذر الماضين بأنهم لقوا الله عز وجل قبل أن يحرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لأن الله عز وجل يقول يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون المائدة ثم قرأ إلى قوله فهل أنتم منتهون فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا إن الله عز وجل قد نهى أن يشرب الخمر قال عمر صدقت من اتق اجتنب ما حرم الله تعالى عليه قال عمر فماذا ترون قال علي رضي الله عنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر به عمر فجلده ثمانين وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي قال شرب قوم من أهل الشام الخمرة وعليهم يزيد بن أبي سفيان وقالوا هي لنا حلال وتأولوا هذه الآية ليس على الذين آمنوا

وعملوا الصلحت جناح فيما طعموا المائدة قال فكتب فيهم إلى عمر فكتب أن ابعث بهم إلى قبل أن يفسدوا من قبلك فلما قدموا على عمر استشار فيهم الناس فقالوا يا أمير المؤمنين أن قد كذبوا على الله عز وجل وشرعوا في دينه ما لم يأذن به الله عز وجل فاضرب رقابهم وعلي ساكت فقال ما تقول يا أبا الحسن فيهم قال أرى أن تستتبهم فإن تابوا جلدتهم ثمانين ثمانين لشربهم الخمر وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم فإنهم كذبوا على الله عز وجل وشرعوا في دينه ما لم يأذن به الله عز وجل فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين وروى بن وهب وروح بن عبادة كلاهما قالا حدثني أسامة بن زيد الليثي أن بن شهاب حدثه عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره أن رجلا من كلب أخبره أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يجلد في الخمر أربعين وكان عمر رضي الله عنه يجلد فيها أربعين قال فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر فقدمت عليه فقلت يا أمير المؤمنين إن خالدا بعثني إليك قال في ما قلت إن الناس قد استخفوا العقوبة في الخمر وإنهم انهمكوا فما ترى في ذلك فقال عمر لمن حوله وكان عنده علي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ما ترون في ذلك ما ترى يا أبا الحسن فقال علي رضي الله عنه نرى يا أمير المؤمنين أن نجلد فيها ثمانين جلدة فإنه إذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة فتابعه أصحابه فقبل ذلك عمر فكان خالد أول من جلد ثمانين ثم جلد عمر ناسا ثمانين وكان علي رضي الله عنه يقول في قليل الخمر وكثيرها ثمانون جلدة قال أبو عمر رأي علي ومن تابعه من الصحابة عند انهماك الناس في الخمر واستخفافهم العقوبة فيها أن يردعوهم عن ما حرم الله عز وجل عليهم ولم يجدوا في القرآن حدا أقل من حد القذف فقاسوه عليه وامتثلوه فيه وما فعلوه فسنة ماضية لقوله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي

وقوله اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر وللكلام في هذا المعنى موضع غير هذا وأما اختلاف الفقهاء في مبلغ الحد في شارب الخمر فالجمهور من علماء السلف والخلف على أن الحد في ذلك ثمانون جلدة فهذا قول مالك وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه وهو أحد قولي الشافعي وقول سفيان الثوري والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن حي وأحمد وإسحاق وحجتهم اتفاق السلف على ما وصفنا قال أبو ثور وداود وأكثر أهل الظاهر الحد في الخمر أربعون جلدة على الحر والعبد وقال الشافعي أربعون على الحر وعلى العبد نصفها وذكر المزني عن الشافعي إن ضرب الإمام في الخمر أربعين فما دونها فمات المضروب فالحق قتله فإن زاد على الأربعين فمات فالدية على عاقلته قال أبو عمر الأصل في حد الخمر ما قدمنا ذكره في حديث ثور بن زيد عن عكرمة عن بن عباس أنهم كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضربون في الخمر بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي رسول الله ثم ضرب فيها أبو بكر أربعين عن مشورة منه في ذلك للصحابة لما انهمك الناس في شربها قال أبو عمر ثم زاد انهماكهم في شربها في زمن عمر فشاور الصحابة في الحد فيها فأشار علي بثمانين جلدة ولم يخالفوه فأمضى عمر ثمانين جلدة وما رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن إبراهيم بن الحارث والزهري ومحمد بن مسلم بن شهاب عن عبد الرحمن بن أزهر قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب يوم حنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم للناس قوموا إليه فقام إليه الناس فضربوه بنعالهم

ذكره أبو بكر قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني محمد بن عمر قال حدثني أبو سلمة ومحمد بن إبراهيم والزهري عن عبد الرحمن بن أزهر وروى معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر أن أبا بكر الصديق شاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم كم بلغ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لشارب الخمر فقدروه بأربعين جلدة وذكر أبو بكر قال حدثني يزيد بن هارون قال أخبرنا المسعودي عن زيد العمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين فجعل عمر مكان كل نعل سوطا قال وحدثني وكيع عن مسعر عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب في الخمر أربعين قال أبو عمر مسعر أحفظ عندهم وأثبت من المسعودي والحديث لأبي الصديق عن أبي سعيد والله أعلم على أن زيدا العمي ليس بالقوي وأثبت شيء في هذا الباب ما رواه عبد الله الداناج وهو عبد الله بن فيروز من ثقات أهل البصرة والداناج بالفارسية العالم بالعربية عن أبي ساسان بن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه قال في حين جلد الوليد بن عقبة جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة وإلى هذا ذهب الشافعي رحمة الله وله قول آخر مثل قول مالك وهما يحملان عنه جميعا ذكر حديث الداناج أبو بكر قال حدثني بن علية قال حدثني سعيد بن أبي عروبة عن عبد الله الداناج فذكره وأما قول علي رضي الله عنه في قليل الخمر وكثيرها ثمانون جلدة فإن أهل العلم مجمعون من صدر الإسلام إلى اليوم أن الحد واجب في قليل الخمر وكثيرها إلا إذا كانت خمر عنب على من شرب شيئا منها فأقر به أو شهد عليه بأنه شربها لا يختلفون في ذلك وإن كانوا قد اختلفوا في مبلغ الحد على ما قدمنا ذكره وكذلك أجمعوا أن عصير العنب إذا غلا وأشتد وقذف بالزبد وأسكر الكثير

منه أو القليل أنه الخمر المحرمة بالكتاب والسنة المجتمع عليها وأن مستحلها كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل هذا كله ما لا خلاف فيه بين أئمة الفتوى وسائر العلماء واختلفوا في شارب المسكر من غير خمر العنب إذا لم يسكر فأهل الحجاز يرون المسكر حراما ويرون في قليله الحد كما في كثيره على من شربه وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما وجماعة أهل الحجاز وأهل الحديث من أهل العراق وأما فقهاء العراق فجمهورهم لا يرون في المسكر على من شربه حدا إذا لم يسكر ولا يدعون ما عدا خمر العنب خمرا ويدعونه نبيذا وسنذكر الحجة لأهل الحجاز في قولهم هذا إذ هو الصحيح عندنا في هذا الباب عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن البتع وهو شراب العسل فقال صلى الله عليه وسلم كل شراب أسكر فهو حرام وأما اختلاف العلماء في حد عصير العنب الذي إذا بلغه كان خمرا فاختلاف متقارب فنذكره هنا لتكمل فائدة الكتاب بذلك روى بن القاسم عن مالك أنه كان لا يعتبر الغليان في عصير العنب ولا يلتفت إليه ولا إلى ذهاب الثلثين في المطبوخ وقال أنا أحد كل من شرب شيئا من عصير العنب وإن قل إذا كان يسكر منه وهو قول الشافعي وقال الليث بن سعد لا بأس بشرب عصير العنب ما لم يغل ولا بأس بشرب مطبوخه إذا ذهب الثلثان وبقي الثلث وقال سفيان الثوري اشرب عصير العنب حتى يغلي وغليانه أن يقذف بالزبد فإذا غلى فهو خمر

وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر إلا أن أبا يوسف قال إذا غلى فهو خمر وقال أبو حنيفة لا بأس به ما لم يقذف بالزبد وقالوا إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث ثم غلى بعد ذلك فلا بأس به لأنه قد خرج من الحال المكروهة الحرام إلى حال الحلال فسواء غلى بعد ذلك أو لم يغل وقال أحمد بن حنبل العصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام فقد حرم إلا أن يغلي قبل ذلك فيحرم قال وكذلك النبيذ قال أبو عمر روينا عن سعيد بن المسيب أنه لا بأس بشرب العصير ما لم يزبد وإذا أزبد فهو حرام هذه رواية يزيد بن قسيط عنه وروى عنه قتادة اشربه ما لم يغل فإذا غلى فهو خمر وكذلك قال إبراهيم النخعي وعامر الشعبي وقال الحسن اشربه ما لم يتغير وقال سعيد بن جبير اشربه يوما وليلة وروى ذلك عن أبي جعفر محمد بن علي وعن عطاء وبن سيرين والشعبي وعن عطاء أيضا اشربه ثلاثا ما لم يغل وقال بن عباس اشربه ما كان طريا وقال بن عمر اشربه ما لم يأخذه شيطانه قيل له ومتى يأخذه شيطانه قال في ثلاث قال أبو عمر انعقد إجماع الصحابة رضوان الله عليهم في زمن عمر رضي الله عنه على الثمانين في حد الخمر ولا مخالف لهم منهم وعلى ذلك جماعة التابعين وجمهور فقهاء المسلمين والخلاف في ذلك كالشذوذ المحجوج بالجمهور وقد أجمع الصحابة ومن بعدهم على حرف واحد من السبعة الأحرف التي

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل القرآن عليها ومنعوا ما عدا مصحف عثمان منها وانعقد الإجماع على ذلك فلزمت الحجة به لقول الله عز وجل ويتبع غير سبيل المؤمنين النساء وقال بن مسعود ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله عز وجل حسن وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ما من شيء إلا الله يحب أن يعفى عنه ما لم يكن حدا قال أبو عمر وإذا كان حدا ما لم يبلغ السلطان وقد ذكرنا الآثار في ذلك عن السلف من الصحابة ومن بعدهم في ما مضى من كتابنا هذا والحمد لله كثيرا إن الله عز وجل عفو غفور يحب العفو عن أصحاب العثرات والزلات من ذوي السيئات دون المهاجرين المعروفين بفعل المنكرات والمداومة على ارتكاب الكبائر الموبقات فهؤلاء واجب ردعهم وزجرهم بالعقوبات وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أقيلوا ذوي الهيآت عثراتهم وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه أقيلوا ذوي السيئات زلاتهم وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني هشيم عن منصور عن الحارث عن إبراهيم قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات قال أبو عمر هو الحارث بن يزيد أبو علي العكلي أحد الفقهاء الثقاة ومراسيل إبراهيم عندهم صحاح قال وحدثني وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال ادرؤوا الحدود القتل والجلد عن المسلمين ما استطعتم قال وحدثني وكيع عن يزيد بن زياد البصري عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإذا وجدتم للمسلمين مخرجا فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة

باب ما ينهى أن ينبذ فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في بعض مغازيه قال عبد الله بن عمر فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه فسألت ماذا قال فقيل لي نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت قال أبو عمر كان عبد الله بن عمر يكره النبيذ في الدباء والمزفت وقوفا عندما صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلى هذا ذهب مالك رحمة الله روينا عن علي بن مسهر عن الشيباني عن عبد الملك بن أبي سليمان عن نافع قال قال لي بن عمر لا تشرب في دباء ولا مزفت وروى بن القاسم عن مالك أنه كره الانتباذ في الدباء والمزفت ولا يكره غير ذلك قال أبو عمر قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النبيذ في الدباء والمزفت من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن حديث أنس بن مالك ومن حديث سمرة بن جندب ومن حديث عائشة ومن حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي ذكرها بن أبي شيبة وغيره وقال الشافعي لا أكره من الأنبذة إذا لم يكن الشراب يسكر بعد ما سمى من الآثار من الحنتم والنقير والدباء والمزفت وكره الثوري الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت

قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النبيذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت من حديث بن عباس روي عنه من وجوه في حديث وفد عبد القيس وغيره ومن حديث بن عمر رواه وكيع عن شعبة عن محارب بن دثار عن بن عمر ورواه مروان بن معاوية عن منصور بن حبان عن سعيد بن جبير قال أشهد على بن عباس وبن عمر أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير وروى أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مثله وروي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مثله والآثار بذلك كثيرة جدا وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن نبيذ الجر الأخضر من حديث أبي سعيد الخدري وغيره وهذا عندي كلام خرج على جواب السائل والله أعلم كأنه سأل عن المزفت فنهاه فقال فالجر الأخضر فقال لا تتنبذوا فيه فسمعه الراوي فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الجر الأخضر والدليل على ذلك أن عائشة وبن الزبير وعليا وأبا بردة وأبا هريرة وبن عمر وبن عباس رضي الله عنهم رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النبيذ في الجر مطلقا لم يذكروا الأخضر ولا غيره

قال بن عباس حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر قال والجر كل ما يصنع من مدر قال أبو عمر هؤلاء لا يرون النبيذ في شيء من الأوعية إلا في شيء من الأسقية المتخذة من الجلود ولا أعلم خلافا بين السلف والخلف من العلماء في جواز الانتباذ في السقاء روى شعبة عن عمرو بن مرة عن زاذان قال سألت بن عمر عن النبيذ فقلت إن لنا لغة غير لغتكم ففسر لنا بلغتنا فقال بن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحنتمة وهي الجرة ونهى عن الدباء وهي القرعة وهي المزفت وهو المقير وعن النقير وهي النخلة المنقورة بقرا وأمر عليه السلام أن ينتبذ في الأسقية وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس بالانتباذ في جميع الظروف والأواني وحجتهم حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني كنت نهيتكم أن تنبذوا في الدباء والحنتم والنقير والمزفت فانتبذوا ولا أحل مسكرا رواه أبو حزرة يعقوب بن مجاهد عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى واسع بن حبان عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى أبو العالية وغيره عن عبد الله بن المغفل قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى عن نبيذ الجر وشدته عليه السلام حين أمر بالشرب منه وقال عليه السلام اجتنبوا كل مسكر

وروى سماك بن حرب عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن أبي بردة بن دثار قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كنت نهيتكم عن الشراب في الأوعية فاشربوا في ما بدا لكم ولا تشربوا مسكرا وقال شريك في هذا الحديث عن سماك بإسناده فاشربوا في ما بدا لكم ولا تسكروا ولم يقل ذلك غير شريك وروى خالد الحذاء عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال لما انصرف وفد عبد القيس قال النبي صلى الله عليه وسلم كل امرئ حسب نفسه لينبذ كل قوم في ما بدا لهم فهذا كله لأبي حنيفة ومن سلك سبيله في إباحة الانتباذ في كل ظرف ووعاء ويأتي القول في تحريم المسكر في باب تحريم الخمر من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل باب ما يكره أن ينبذ جميعا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ البسر والرطب جميعا والتمر والزبيب جميعا مالك عن الثقة عنده عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عبد

الرحمن بن الحباب الأنصاري عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب التمر والزبيب جميعا والزهو والرطب جميعا قال مالك وهو الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا أنه يكره ذلك لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه قال أبو عمر قول مالك هذا يدل على أن النهي المذكور في هذا الباب نهي عبادة واختيار لا للسرف والإكثار كما قال أبو حنيفة ولا تجوز الشدة عبادة واختيار كما قال الليث وغيره وقول الشافعي في ذلك كقول مالك قال الشافعي أكره ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخليطين قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن ينبذ التمر والزبيب والزهو والرطب من طرق ثابتة من حديث بن عباس وحديث أبي قتادة ومن حديث جابر ومن حديث أبي سعيد ومن حديث أبي هريرة ومن حديث أنس وقد ذكرنا في التمهيد كثيرا منها في باب زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني علي بن مسهر عن الشيباني عن حبيب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلط التمر والزبيب جميعا وأن يخلط البسر والتمر جميعا وحدثانا قالا حدثني قاسم قال حدثني أبو بكر قال حدثني حفص عن بن جريج عن عطاء عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبذ التمر والزبيب جميعا

وقال أبو بكر حدثني محمد بن بشر العبدي عن حجاج بن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تنتبذوا التمر والزبيب جميعا ولا تنتبذوا الزهو والرطب جميعا وانتبذوا كل واحد منهما على حدة قال وحدثني محمد بن مصعب عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تجمعوا بين الزهو والرطب والزبيب والتمر انتبذوا كل واحد على حدة قال أبو عمر رد أبو حنيفة هذه الآثار برأيه وقال لا بأس بشرب الخليطين من الأشربة البسر والتمر والزبيب والتمر وكل ما لو طبخ على الانفراد حل كذلك إذا طبخ مع غيره وهو قول أبي يوسف الآخر قال الطحاوي وروي ذلك عن بن عمر وإبراهيم وقال محمد بن الحسن أكره المعتق من التمر والزبيب وروى المعافي عن الثوري أنه كره من النبيذ الخلط والسلافة والمعتق وقال الليث لا أرى بأسا أن يخلط نبيذ التمر ونبيذ الزبيب ثم يشربان جميعا قال وإنما جاء الحديث في كراهية أن ينبذا جميعا ثم يشربان لأن أحدهما يشد صاحبه وقال بن وهب وبن القاسم عن مالك لا يجمع بين شرابين وإن لم يسكر كل واحد منهما لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا ينبذ البسر والتمر والزهر والزبيب وقال الشافعي أكره ذلك لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخليطين قال أبو عمر روى معبد بن كعب بن مالك عن أمه وكانت قد صلت القبلتين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين وروى بن أبي شيبة قال حدثني معاوية بن هشام عن عمار بن زريق عن

بن أبي ليلي عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال كان الرجل يمر على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون فيلقونه ويقولون هذا يشرب الخليطين الزبيب والتمر باب تحريم الخمر مالك عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام قال يحيي بن معين هذا حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الغبيراء فقال لا خير فيها ونهى عنها قال مالك فسألت زيد بن أسلم ما الغبيراء فقال هي الأسكركة مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد مرسل عطاء هذا مسندا من طرق وذكرنا حديث صفوان بن محرز قال سمعت أبا موسى يخطب على هذا المنبر وهو يقول ألا إن خمر أهل المدينة البسر والتمر وخمر أهل فارس العنب وخمر أهل اليمن البتع وهو العسل وخمر الحبشة والأسكركة وهو الأرز قال أبو عمر قد قيل في الأسكركة إنه نبيذ الذرة والأول أصح إن شاء الله تعالى

وما ترجم له مالك رحمه الله هذا الباب وأورد فيه من الآثار يدل على أن الخمر عندهم كل مسكر يكون مما كان لأنه ترجم الباب بتحريم الخمر ثم أدخل حديث البتع والبتع شراب العسل لا خلاف في ذلك بين أهل العلم وبين أهل اللغة ثم أردفه بحديث الأسكركة وهو نبيذ الأرز ثم أردف ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة وهذا وعيد شديد جدا لأن الجنة فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من خمر لذة للشاربين وفيها ما تشتهيه الأنفس فمن حرم ذلك فقد عظمت مصيبته وقد قيل أنه لا يدخل الجنة وقد بينا معنى هذا القول والقائل به في التمهيد والذي ذهب إليه مالك في المسكر كله من أي نوع كان أنه هو الخمر المحرمة في القرآن والسنة والإجماع وهو مذهب أهل الحجاز من الصحابة والتابعين وذهب إليه من الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار مالك والليث والشافعي والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وداود وهو الذي تشهد له الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتشهد به اللغة في معنى الخمر وهو الذي لم تعرف الصحابة غيره في حين نزول تحريمها حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني حمزة قال حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني سويد بن نصر قال حدثني عبد الله بن المبارك عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل مسكر خمر وكل خمر حرام هكذا روى هذا الحديث أيوب السختياني عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال حدثني محمد بن القاسم بن

سفيان قال حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني الحسن بن منصور قال حدثني أحمد بن حنبل قال حدثني عبد الرحمن بن مهدي قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام وهكذا روى الليث بن سعد وموسى بن عقبة وأبو حازم بن دينار وأبو معشر وإبراهيم الصائغ والأجلح وعبد الواحد بن قيس وأبو الزناد ومحمد بن عجلان وعبد الله بن عمر العمري كلهم عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه مالك عن نافع عن بن عمر موقوفا لم يرفعه ورواه عبيد الله بن عمر فكان ربما أوقفه وربما رفعه والحديث عندنا مرفوع ثابت لا يضره تقصير من قصر في رفعه وفيه بيان النبي صلى الله عليه وسلم أن كل مسكر خمر ويشهد لهذا أيضا حديث أنس من رواية مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عنه رواه جماعة عن أنس سنذكرهم إذا ذكرنا الحديث في موضعه إن شاء الله عز وجل وقال أنس كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت وروى عيسى بن دينار عن بن القاسم عن مالك قال نزل تحريم الخمر وما بالمدينة خمر من عنب وروى شعبة عن محارب بن دثار عن جابر قال حرمت الخمر يوم حرمت وما شراب الناس إلا البسر والتمر وروى أبو إسحاق عن أبي بردة عن عمر قال الخمر من خمسة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خمرته قال أبو عمر الخمر عندهم مشتقة الاسم من مخامرة العقل أي من اختلاط العقل من قول العرب دخل في خمار الناس أي اختلط بهم ومشتقة أيضا من تغطية العقل لقولهم خمرت الإناء غطيته ومشتقة أيضا من تركها حتى تغلي وتسكر وتزبد من قولهم تركت العجين حتى اختمر والاسم الشرعي أولى عند العلماء من اللغوي وهو الإسكار لقول رسول الله

صلى الله عليه وسلم كل شراب أسكر فهو حرام وما أسكر قليله فكثيره حرام وكل مسكر خمر وكل خمر حرام وهذه الألفاظ كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق علماء المسلمين أنه لا خلاف في صحة قوله عليه السلام كل مسكر حرام إلا أنهم اختلفوا في تأويله فقال فقهاء الحجاز وجماعة أهل الحديث أراد جنس ما يسكر وقال فقهاء العراق أراد ما يقع به السكر عندهم قالوا كما لا يسمى قاتلا إلا مع وجود القتل وهذا التأويل ترده الآثار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة الذين هم أهل اللسان وروى الشعبي عن بن عمر عن عمر أنه قال إن الخمر حرمت وهي من خمسة أشياء من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل وروى عكرمة عن بن عباس قال نزل تحريم الخمر وهي الفضيخ وروى ثابت عن أنس قال حرمت علينا الخمر يوم حرمت وما نجد خمر الأعناب إلا قليلا وعامة خمورنا البسر والتمر وروى المختار بن فلفل قال سألت أنس بن مالك عن الأشربة فقال حرمت الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة وما خمرته فهو خمر فهؤلاء الصحابة لا خلاف بينهم أن الخمر تكون من غير العنب كما تكون من العنب وقد أجمعت الأمة ونقلت الكافة عن نبيها صلى الله عليه وسلم تحريم خمر العنب قليلها وكثيرها فكذلك كل ما فعل فعلها من الأشربة كلها

قال الشاعر لنا خمر وليست خمر كرم ولكن من نتاج الباسقات وأبين شيء في هذا المعنى مع أنه كله بين والحمد لله قول عمر بن الخطاب ذكر أن عبيد الله وأصحابه شربوا بالشام شرابا وأنا سائل عنه فإن كان مسكرا جلدتهم ولا حد في ما يشرب إلا في الخمر فصح أن المسكر خمر قال أبو عمر قد ذكرنا في باب الحد في الخمر أن المسلمين مجمعون على تحريم خمر العنب ووجوب الحد على شارب قليلها وإن كانوا قد اختلفوا في مبلغ حده وذكرنا ما حدوه في عصير العنب متى يكون خمرا وأجمعوا أنه إذا أسكر كثيره فهو خمر ومنهم من حدة بالغليان ومنهم من حدة بالأزباد ومنهم من جعل الحد فيه يوما وليلة ومنهم من جعله يومين ومنهم من جعله ثلاثة أيام وإذا حملت ذلك فهو معنى متقارب كله لجمعه أن يكون كثيرها يسكر جنسا فإذا كان كذلك فهي الخمر التي لا اختلاف في تحريمها وفي تكفير مستحلها واختلفوا في النبيذ الصلب الشديد فقال مالك الأمر عندنا وفي بعض الموطآت السنة عندنا أن من شرب شرابا يسكر فسكر أو لم يسكر فقد شرب الخمر وقد وجب عليه الحد وقال الأوزاعي كل مسكر وكل مخدر حرام والحد واجب على من شرب شيئا منه قال الشافعي ما أسكر كثيره فقليله حرام وفيه الحد فهذا مذهب أهل الحرمين مكة والمدينة ومذهب أهل الشام واليمن ومصر والمغرب وجمهور أهل الحديث وأما أهل العراق فروى المعافى عن الثوري أنه كره نقيع التمر ونقيع الزبيب إذا غلا

قال المعافى وسئل الثوري عن نقيع العسل فقال لا بأس به قال أبو عمر إنما خص الثوري والله أعلم نقيع الزبيب ونقيع التمر لقوله صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة وروى أحمد بن يونس عن الثوري قال اشرب من النبيذ كما تشرب من الماء وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال الخمر حرام قليلها وكثيرها والمسكر من غيرها حرام وليس كتحريم الخمر قال ونقيع الزبيب إذا غلا حرام وتحريم الخمر قال والنبيذ العتيق المطبوخ لا بأس به من أي شيء كان وإنما يحرم منه القدح الذي يسكر وقال أبو يوسف من قعد يطلب السكر فالقدح الأول عليه حرام والمقعد عليه حرام والمشي إلى المقعد عليه حرام كما أن الزنى عليه حرام وكذلك المشي إليه قال وإن قعد وهو لا يريد السكر فلا بأس به قال أبو يوسف ولا بأس بالنقيع من كل شيء وإن غلا ما خلا الزبيب والتمر وهو قول أبي حنيفة في ما حكاه محمد من غير خلاف وقال أبو جعفر الطحاوي وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي كثير السخيمي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة فأخبر عليه السلام أن الخمر منهما ففي ذلك نفي أن تكون الخمر من غيرهما قال واتفقت الأمة على أن عصير العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد خمر وأن مستحلة كافر واختلفوا في نقيع التمر إذا غلا وأسكر فدل اختلافهم في ذلك على أن حديث أبي هريرة المذكور لم يتلقوه بالقبول والعمل لأنهم لم يكفروا مستحل نقيع التمر كما كفروا مستحل خمر العنب وذكر حديث أبي عون الثقفي عن عبد الله بن شداد عن بن عباس قال حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب

قال فدل هذا على أن غير الخمر لم تحرم بعينها كما حرمت الخمر قال أبو عمر قد تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل مسكر خمر وكل ما أسكر فهو حرام وأن تحريم الخمر نزل بالمدينة وخمرهم كانت يومئذ كانت من التمر وفهموا ذلك فأهرقوها وقد روى أنهم كسروا جرارها وذكرنا قول عمر في جلد ابنه أن شرب ما يسكر ولم يخص خمر عنب من غيرها بل اشترط المسكر وذلك كله يرد ما ذكره الطحاوي وأما اعتلاله بالتكفير فليس بشيء لأن ما ثبت من جهة الإجماع كفر المخالف له بعد العلم به من جهة أخبار الآحاد لم يكفر المخالف فيه ألا ترى أنه لا يكفر القائل بأن أم القرآن جائز الصلاة بغيرها من القرآن وجائز تركها في قراءة الصلاة ولا من قال النكاح بغير ولي جائز لا يكفر ولا من قال الوضوء بغير نية يجزئ ومثل هذا أكثر من أن يحصى ولا يكفر القائل به ويعتقد فيه التحريم والتحلل والحدود ألا ترى أنه لا يكفر من قال لا يقطع سارق في ربع دينار مع ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد العدول ومثل هذا كثير ولا يمتنع أحد من أهل العلم من أن يحرم ما قام له الدليل على تحريمه من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان غيره يخالفه في ذلك دليل استدل به ووجه من العلم ذهب إليه وليس في شيء من هذا تكفير ولا خروج من الدين وإنما فيه الخطأ والصواب والله عز وجل يوفق من يشاء برحمته وقد شرب النبيذ الصلب جماعة من علماء التابعين ومن بعدهم بالعراق لأنه لا يحرم عندهم منه إلا المسكر ورووا بما ذهبوا إليه آثارا عن عمر وغيره من السلف إلا أن آثار أهل الحجاز في تحريم المسكر أصح مخرجا وأكثر تواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه وبالله التوفيق لا شريك له وروينا عن هشام بن حسان قال سمعت محمد بن سيرين يقول ما أعجب أمر هؤلاء يعني أهل الكوفة لقد لقيت من أصحاب عبد الله علقمة وشريحا

ومسروقا وعبيدة فلم أرهم يشربون نبيذ الخمر فلا أدري أين غاص هؤلاء على هذا الحديث قال أبو عمر هذا يصحح قول أبي عبد الرحمن النسائي رحمه الله حيث قال أول من أحل المسكر إبراهيم النخعي وأما حديث مالك عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة فحديث ثابت صحيح الإسناد لا مقال فيه لأن أهل العلم ينكرون على من أنفذ فيه الوعيد ويجعلونه إن مات قبل التوبة منها في المشيئة وقد جاء فيه تغليظ كثير كرهت ذكره وأحقه وأصحه ما روى شعبة عن زبيد عن خيثمة أنه سمعه يقول كنت قاعدا عند عبد الله بن عمر فذكر الكبائر حتى ذكر الخمر فكأن رجلا تهاون بها فقال عبد الله بن عمر لا يشربها رجل مصبحا إلا ظل مشركا حتى يمسي قال أبو عمر لم يختلفوا أنه إذا شربها مستحلا أنه كالمشرك وقد قرنها الله عز وجل بالأنصاب المعبودة من دون الله وروينا عن عبد الله بن عمرو أنه قال أول ما يكفأ الإسلام على وجهه كما يكفؤ الإناء الخمر وروى بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن أبي عياش قال أرسلنا إلى عبد الله بن عمر نسأله أي الكبائر أكبر قال الخمر فأعدنا إليه الرسول فقال الخمر من شربها لم تقبل منه صلاة سبعا فإن سكر لم تقبل له صلاة أربعين يوما وإن مات فيها مات ميتة جاهلية وذكره أبو بكر عن بن عيينة وفي الحديث الأول قال حدثني شبابة قال حدثني شعبة وهذان إسنادان لا يختلف أهل العلم بالحديث في صحتهما ومثلهما في الحديث المرفوع ما ذكره أبو بكر أيضا قال حدثني يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن

قال وحدثني يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله باب جامع تحريم الخمر مالك عن زيد بن أسلم عن بن وعلة المصري أنه سأل عبد الله بن عباس عما يعصر من العنب فقال بن عباس أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما علمت أن الله حرمها قال لا فساره رجل إلى جنبه فقال له صلى الله عليه وسلم بم ساررته فقال أمرته أن يبيعها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي حرم شربها حرم بيعها ففتح الرجل المزادتين حتى ذهب ما فيهما قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على أن الخمر لا يجوز لأحد تخليلها ولو جاز لمسلم تخليلها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع الرجل يفتح من أذنيه حتى يذهب ما فيها منها لأن الخل مال وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وقد اختلف الفقهاء في تخليل الخمر فقال مالك في ما روى عنه بن القاسم عنه وبن وهب لا يحل لمسلم أن يخلل الخمر ولكن يهريقها فإن صارت خلا بغير علاج فهي حلال لا بأس بها وهو قول الشافعي وعبيد الله بن الحسن العنبري وأحمد بن حنبل وروى أشهب عن مالك قال إذا خلل النصراني خمرا فلا بأس بأكله قال وكذلك لو خللها مسلم واستغفر الله تعالى وذكر بن عبد الحكم هذه الرواية في كتابه عن مالك وهي رواية سوء بخلاف السنة وأقوال الصحابة والذي يصح في تخليل الخمر عن مالك ما رواه بن وهب وبن القاسم

عن مالك قال بن وهب سمعت مالكا يقول في رجل اشترى خلا فوجد فيها قلة خمر قال لا يجعل فيها شيئا ليخللها قال ولا يحل لمسلم أن يعالج الخمر حتى يجعلها خلا ولكن يهرقها فإن صارت خلا من غير علاج فإنها حلال لا بأس بها إن شاء الله عز وجل قال بن وهب وهو قول عمر بن الخطاب والزهري وربيعة قال بن وهب حدثني بن أبي ذئب عن بن شهاب عن القاسم بن محمد عن أسلم مولى عمر عن عمر بن الخطاب قال لا تأكل خمرا فسدت ولا شيء منها حتى يكون الله عز وجل تولى إفسادها قال وحدثني يونس عن بن شهاب قال لا خير في خل من خمر أفسدت حتى يكون الله عز وجل يفسدها قال أبو عمر أجاز أبو حنيفة تخليلها وأن يصنع منها مري وروي في ذلك عن أبي الدرداء رواية ليست بصحيحة وقال محمد بن الحسن لا تعالج الخمر بغير تحويلها إلى الخل قال أبو عمر لا يصح في هذه المسألة إلا ما قاله مالك والشافعي وأحمد بن حنبل ومن قال بقولهم أنه لا يحل تخليل الخمر ولا تؤكل إن خللها أحد ولكن إن عادت خلا بغير صنع آدمي فحلال أكلها والدليل على صحة ما قلنا ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني زهير بن حرب قال حدثني وكيع وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري عن السدي عن أبي هبيرة يحيى بن عباد عن أنس بن مالك قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلا قال لا هذا لفظ حديث قاسم ولفظ حديث أبي داود بإسناده عن أنس أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن

أيتام ورثوا خمرا قال أهرقها قال أفلا أجعلها خلا قال لا وروى مجالد عن الوداك عن أبي سعيد الخدري قال كان عندي خمر لأيتام فلما نزل تحريم الخمر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نهرقها وروى الحسن عن عثمان عن أبي العاص أن تاجرا اشترى من نصراني خمرا فأمره أن يصبها في دجلة فنهاه عن ذلك قال اجعلها خلا قال أبو عمر هذا هو الصحيح من جهة النظر أيضا لأنه لا يستقر ملك مسلم على خمر ولا يثبت له عليها ملك بحال كما لا يثبت له ساعة ملك الخنزير ولا دم ولا صنم فكيف يحللها وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر في حديث هذا الباب إن الذي حرم شربها حرم بيعها وهذا إجماع من المسلمين كافة عن كافة أنه لا يحل لمسلم بيع الخمر ولا التجارة في الخمر أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني قتيبة قال حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح بمكة إن الله عز وجل حرم بيع الخمر والميتة والأصنام قال أبو داود وحدثني أحمد بن صالح قال حدثني بن وهب قال حدثني معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الخمر وثمنها وحرم الميتة وثمنها وحرم الخنزير وثمنه وروى هشيم ومحمد بن بشر كلاهما قالا حدثني مطيع بن عبد الله الغزال عن الشعبي عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال لا تحل التجارة في شيء لا يحل أكله ولا شربه

قال أبو عمر هذا كلام خرج على المطعومات والمشروبات دون الحيوان بدليل الإجماع في الحمار الأهلي وما كان مثله أنه يحل بيعه لما كان فيه من المنفعة ولا يحل أكله وقد ذكرنا في التمهيد حديث عبد الرحمن بن غنم عن تميم الداري أنه كان يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راوية من خمر كل سنة فلما كان العام الذي حرمت جاء براوية منها فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك وقال هل شعرت أن الله عز وجل حرمها وقال إنها قد حرمت فقال يا رسول الله أفلا أبيعها وأنتفع بثمنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود ثلاث مرات انطلقوا إلى ما حرم الله عليهم من شحوم البقر والغنم فأذابوه وجعلوه إهالة فابتاعوا به ما يأكلون وقال عليه السلام الخمر حرام وثمنها حرام وروي معمر عن قتادة عن أنس قال لما حرمت الخمر جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان عندي مال ليتيم فاشتريت به خمرا أفتأذن لي أن أبيعها فأرد على اليتيم ماله قال النبي صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها ولم يأذن له في بيع الخمر مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شرابا من فضيخ وتمر قال فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها قال فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت قال أبو عمر الفضيخ نبيذ البسر وحده سئل أبو هريرة عن الفضيخ فقال كنا نأخذ البسر فنفضخه ونشربه وكان أنس يقول لخادمه انزع الرطب من البسر وانبذ كل واحد منهما على حدة وقال بن عوف سئل بن سيرين عن الفضيخ فقال هو البسر

وقد قيل إن الفضيخ هو خليط البسر والتمر وفي هذا الحديث ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الانقياد إلى الدين والإسراع إلى طاعة الله عز وجل ورسوله عليه السلام وفيه أن نبيذ البسر ونبيذ التمر خمر إذا أسكر وقد مضى هذا المعنى مجودا والحمد لله كثيرا وقد روى هذا الحديث عن أنس بن مالك جماعة يطول ذكرهم منهم سليمان التيمي وقتادة وثابت البنان وعبد العزيز بن صهيب والمختار بن فلفل وأبو التياح وأبو بكر بن أنس وخالد بن الفرز ولم يذكر واحد منهم كسر الجرار إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وحده وإنما في رواية غيره عن أنس أنه كفاها مالك عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ أنه أخبره عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا هذا العسل قالوا لا يصلحنا العسل فقال رجل من أهل الأرض هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر قال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط فقال هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه فقال له عبادة بن الصامت أحللتها والله فقال عمر كلا والله اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم قال أبو عمر قول عبادة لعمر في الطلاء المذكور في هذا الحديث أحللتها لهم يعني الخمر لم يرد به ذلك الطلاء بعينه ولكنه أراد أنهم يستحلونها فضيخ دون ذلك الطبخ ويعتلون بأن عمر أباح المطبوخ منها كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ستستحل أمتي الخمر فإنهم يسمونها غير اسمها ونحو هذا كما قال الشاعر هي الخمر تكنى الطلا كما الذئب يكنى أبا جعدة

حدثنا سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبيد الله بن موسى عن سعد بن أوس عن بلال بن يحيى عن أبي بكر بن حفص عن بن محيريز بن السمط عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستحلن آخر أمتي الخمر باسم يسمونها وحدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قال حدثني حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم قال تذاكرنا الطلاء فدخل علينا عبد الرحمن بن غنم فذاكرناه فقال حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله عز وجل بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير قال أبو عمر الدليل على صحة ما تأولناه في قول عبادة أنه لم يرد ذلك النوع من الطلاء لأني لا أعلم خلافا بين الفقهاء في جواز شرب العصير إذا طبخ وذهب ثلثاه وبقي ثلثه والكثير يقول إنه لا يسكر الكثير منه وإن أسكر منه الكثير فالأصل ما قدمت لك في الخمر قليلها وكثيرها واختلافهم إنما هو في غيرها ألا ترى إلى حديث عمر رضي الله عنه في هذا الباب إنما قال القائل نصنع لك من هذا الشراب شرابا لا يسكر فعلى هذا الشرط أباح لهم ذلك الطلاء وهو لا يسكر أبدا وهو الرب عندنا وفي خبر عمر هذا دليل على أن كل ما صنع من العصير وبالعصير فحال بينه وبين أن يسكر فهو حلال لا بأس به والله عز وجل أعلم ذكر أبو بكر قال حدثني علي بن مسهر عن سعيد بن أبي عروبة عن

قتادة عن أنس أن أبا عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبا طلحة كانوا يشربون من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه قال وحدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن داود بن أبي هند قال سألت سعيد بن المسيب عن الشراب الذي كان عمر بن الخطاب أحله للناس فقال هو الطلاء الذي ذهب ثلثاه وبقي ثلثه قال وحدثني وكيع عن الأعمش عن ميمون عن أم الدرداء قالت إني كنت أطبخ لأبي الدرداء الطلاء حتى يذهب ثلثاه ويبقي ثلثه فيشربه وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يرزق الناس من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن فضيل عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن قال كان علي رضي الله عنه يرزقنا الطلاء فقلت ما هيئته قال أسود يأخذه أحدنا بأصبعه قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه واختلفوا في النصف فكرهه سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة وروي عن أبي أمامة الباهلي كراهية النصف وجماعة من العلماء ورويت الرخصة في شرب النصف بالطبخ من العصير وعن البراء بن عازب وأبي جحيفة وأنس بن مالك وبن الحنفية وجرير بن عبد الله البجلي وشريح وعبد الرحمن بن أبزى والحكم بن عيينة وقيس بن أبي حازم وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي ويحيى بن دثار وسعيد بن جبير وغيرهم ومعلوم أن أحدا منهم لا يشرب من ذلك ما يسكر لأنهم قد أجمعوا أن قليل الخمر وكثيرها حرام وقد قال بن عباس إن النار لا تحل شيئا ولا تحرمه فدل ذلك على أن المنصف لا يسكر كثيره وهذا بين واضح لكل ذي لب وفهم إلا أن المنصف قد كرهه قوم كما ذكرنا وذلك والله أعلم لما خافوا منه فتورعوا عنه وقد حمد الناس التارك لما ليس به بأس كمخافة اليأس وبالله التوفيق

مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجالا من أهل العراق قالوا له يا أبا عبد الرحمن إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها فقال عبد الله بن عمر إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس أني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوا ولا تعصرها ولا تشربوها ولا تسقوها فإنها رجس من عمل الشيطان قال أبو عمر مثل هذا القول لا يكون منه إلا وعنده من الله عز وجل ورسوله عليه السلام معناه حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني يحيى بن هاشم قال حدثني بن أبي ليلى عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخمر حرام وبيعها حرام وثمنها حرام حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع قال حدثني عبد العزيز بن عمر عن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وأبي طعمة مولاهم سمعا بن عمر يقول قال رسول الله لعنت الخمر على عشرة وجوه لعنت الخمر بعينها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وساقيها وشاربها حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني محمد قال حدثني سحنون قال أخبرنا بن وهب قال أخبرنا مالك بن الخير الزنادي أن مالك بن سعد التجيبي حدثه أنه سمع عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال يا محمد إن الله تعالى لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقاها

كتاب العقول باب ذكر العقول مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في العقول أن في النفس مائة من الإبل وفي الأنف إذا أوعي جدعا مائة من الإبل وفي المأمومة ثلث الدية مائة وفي الجائفة مثلها وفي العين خمسون وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل وفي السن خمس وفي الموضحة خمس قال أبو عمر نذكر هنا حديث عمرو بن حزم ونذكر الدية وما فيها للعلماء في الباب بعد هذا

ولا خلاف بين العلماء في أن الأنف إذا أوعي جدعا الدية كاملة وكذلك لا خلاف بينهم في دية اليد والرجل والعين إذا أصيبت من ذي عينين ولا في الأصابع إلا الإبهام ولكنه اختلف في حكم بعضه وكذلك المأمومة والجائفة لا خلاف في أن في كل واحد منهما ثلث الدية واختلف في الأسنان ونذكر ما فيه اختلاف لأحد من سلف العلماء أو خلفهم في بابه من كتابنا هذا إن شاء الله عز وجل وفي إجماع العلماء في كل مصر على معاني ما في حديث عمرو بن حزم دليل واضح على صحة الحديث وأنه يستغني عن الإسناد لشهرته عند علماء أهل المدينة وغيرهم وقد روى بن وهب عن مالك والليث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه احتج بكتاب عمرو بن حزم في دية الأصابع عشر عشر وقد رواه معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وذكر ما ذكر فيه مالك سواء وقد روي من حديث الزهري أيضا مسندا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير بن حرب ومحمد بن سليمان المنقري قالا حدثنا الحكم بن موسى قال حدثني يحيى بن حمزة قال حدثني سليمان بن داود وزاد المنقري الجزري قال حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقدم به على أهل اليمن وهذه نسخته بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قبل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد فذكر الحديث بطوله في الصدقات إلى آخرها وفيه من اعتبط مؤمنا قتلا عن غير بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول وفي النفس الدية مائة من الإبل وفي الأنف إذا أوعي جدعا الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وفي الجائفة ثلث الدية وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل وفي

السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار وذكر تمام الحديث باب العمل في الدية مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قوم الدية على أهل القرى فجعلها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم قال مالك فأهل الذهب أهل الشام وأهل مصر وأهل الورق أهل العراق قال مالك وسمعت أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع سنين قال مالك والثلاث أحب ما سمعت إلى في ذلك قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق ولا من أهل الذهب الورق ولا من أهل الورق الذهب قال أبو عمر اختلف عن عمر رضي الله عنه في تقويم الدية فروى أهل الحجاز عنه أنه قومها كما ذكر مالك عنه اثني عشر ألف درهم من الورق وروى أهل العراق عنه أنه قومها وبعضهم يقول جعلها عشرة آلاف درهم وروى بن المبارك وعبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن عبد الله عن عكرمة أن عمر بن الخطاب قضى بالدية على أهل القرى اثني عشر ألف درهم وروى هشيم عن يونس عن الحسن أن عمر بن الخطاب قوم الإبل في الدية مائة من الإبل وقوم كل بعير بمائة وعشرين درهما اثني عشر ألف درهم وأما رواية أهل العراق في ذلك عن عمر فروى وكيع عن بن أبي ليلى أنه حدثه عن الشعبي عن عبيدة السلماني قالا وضع عمر الديات فوضع على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة ألاف درهم وعلى أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة مسنة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة

قال أبو عمر لم تختلف الروايات عن عمر في الذهب أن الدية منه ألف دينار ولا اختلف فيه العلماء قديما ولا حديثا وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم وقد جاء عن عمرو بن شعيب خلاف ذلك ولا يصح وسنذكره إن شاء الله عز وجل وأما الورق فلا اختلاف في مبلغ الدية منه قديما وحديثا وليس لأهل العراق فيه شيء غير ما ذكروا عن عمر مع أهل الحجاز فيه آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال قضى النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار قتله مولى لبني عدي بالدية اثني عشر ألف درهم وفيهم نزلت وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله التوبة وقد روى هذا الحديث محمد بن مسلم الطائفي وأسنده عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية في الخطأ اثني عشر ألف درهم وروى عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم الدية من الورق اثني عشر ألف درهم وروى وكيع عن سفيان عن أيوب بن موسى عن مكحول عن عمر مثله وهو مذهب الحجازيين وروايتهم عن عمر وقال مالك وأبو حنيفة والليث بن سعد لا يأخذ في الدية إلا الإبل والذهب أو الورق لا غير وهو أحد قولي الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد يأخذ أيضا في الدية البقر والشاء والحلل على ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو قول الفقهاء السبعة المدنيين وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الدية على الناس في أموالهم ما كانت على أهل الإبل مائة بعير وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل البرود مائتي حلة

وهو قول عطاء والزهري وقتادة وأخبرنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني سعيد بن يعقوب قال حدثني أبو تميلة قال حدثني محمد بن إسحاق قال ذكر عطاء عن جابر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الدية على أهل الإبل فذكر مثل حديث بن أبي شيبة وقال الشافعي بمصر لا يأخذ من الذهب ولا من الورق إلا قيمة الإبل بالغا ما بلغت وقوله بالعراق مثل قول مالك وذكر المزني عن الشافعي أنه قال العلم محيط لأن تقويم عمر الإبل إنما قومها بقيمة يومها فاتباع عمر أن تقوم الإبل بالغا ما بلغت إذا وجبت فأعوزت لأن تقويمه لم يكن إلا للإعواز لأنه لا يكلف القروي إبلا كما لا يكلف الإعرابي ذهبا ولا ورقا لأنه لا يجدها كما لا يجد الحضري الإبل قال ولا تقوم إلا بالدنانير والدراهم دون الشاء والبقر فلو جاز أن تقوم بالشاء والبقر والحلل قوماها على أهل الخيل بالخيل وعلى أهل الطعام بالطعام وهذا لا يقوله أحد قال المزني قد كان قوله القديم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم من غير مراعاة لقيمة الإبل ورجوعه عن القديم إلى ما قاله في الجديد أشبه بالسنة ذكر أبو بكر قال حدثني أبو أسامة عن محمد بن عمرو قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمراء الأجناد إن الدية كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بعير قال فإن كان الذي أصابه الأعرابي فديته من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق فإن لم يجد الأعرابي مائة من الإبل فعدلها من الشاء ألفي شاة وروى معمر عن بن طاوس عن أبيه قال الدية مائة من الإبل وقيمتها من غيرها وروى حفص بن غياث عن أشعث عن الحسن أن عمر وعثمان رضي الله

عنهما قوما الدية وجعلا ذلك إلى المعطي إن شاء كانت الدية الإبل بالإبل وإن شاء فالقيمة وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال كانت الدية الإبل حتى كان عمر بن الخطاب فجعلها لما غلت الإبل كل بعير بمائة وعشرين درهما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثني يحيى بن حكيم قال حدثني عبد الرحمن بن عثمان قال حدثني حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين قال فكان ذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال ألا إن الإبل قد غلت ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وترك دية أهل الذمة لم يرفع فيها فيما رفع من الدية قال أبو عمر هذا الحديث يرويه غير حسين المعلم عن عمرو بن شعيب لا يتجاوزه به لا يقول فيه عن أبيه عن جده على أن للناس في حديثه عن أبيه عن جده اختلافا منهم من لا يقبله لأنه صحيفة عندهم لا سماع ومنهم من يقبله وروى معمر عن الزهري قال كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بعير لكل بعير أوقية فذلك أربعة آلاف فلما كان عمر غلت الإبل ورخصت الورق فجعلها عمر أوقية ونصفا ثم غلت الإبل ورخصت الورق فجعلها عمر أوقيتين وذلك ثمانية آلاف ثم لم تزل الإبل تغلو وترخص حتى جعلها عمر اثني عشر ألفا أو ألف دينار ومن البقر مائتي بقرة ومن الشاء ألفي شاة قال عبد الرزاق كل بعير ببقرتين مسنتين قال أبو عمر الحجة لمالك ومن قال بقوله أن الدية من الذهب ألف دينار ومن الورق اثنا عشر ألف درهم أو عشرة آلاف على ما رواه أهل العراق عن عمر وأن ما فرضه عمر من ذلك أصل لا بدل من الإبل لأن عمر جعله في ثلاث سنين فلو كانت بدلا لكانت دينا بدين فثبت أنها ديات في أنفسها

وأما قول مالك في هذا الباب أنه سمع أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع سنين قال مالك والثلاث أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه بين العلماء أن الدية في الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين على ما ورد عن عمر رضي الله عنه والذي سمع مالك في أربع سنين شذوذ والجمهور على ثلاث سنين روى المعرور بن سويد عن عمر قال الدية في ثلاث سنين وذكر أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن الأشعث عن الشعبي وعن الحكم عن إبراهيم قالا أول من فرض العطاء عمر بن الخطاب وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين وثلثي الدية في سنتين والنصف أيضا في سنتين والثلث في سنة قال وحدثني أبو بكر بن عياش عن مغيرة عن إبراهيم مثله قال وحدثني محمد بن يزيد عن أيوب أبي العلاء عن قتادة وأبي هاشم قالا الدية في ثلاث سنين وثلثاها ونصفها في سنتين والثلث في سنة قال وحدثني وكيع عن حريث عن الشعبي قال الدية في ثلاث سنين في كل سنة ثلث وذكر عبد الرزاق عن الثورى عن أشعث عن الشعبي أن عمر جعل الدية في الأعطية في ثلاث سنين والنصف والثلثين في سنتين والثلث في سنة وما دون الثلث فهو من عامه وأخبرنا الثوري عن أيوب بن موسى عن مكحول أن عمر جعل الدية فذكر مثله سواء قال وأخبرنا بن جريج قال أخبرت عن أبي وائل عن عمر مثله قال معمر وسمعت عبيد الله بن عمر يقول تؤخذ الدية في ثلاث سنين قال أبو عمر إنما هذا كله في دية الخطأ الواجبة بالسنة على العاقلة وأما دية العمد إذا قبلت ففي مال الجاني عند مالك وغيره ورأى مالك أن نصف الدية يجتهد فيها الإمام في سنتين ونصف وثلاثة أرباع الدية عنده في ثلاث سنين

قال أبو عمر إنما قال مالك إنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق ولا من أهل الذهب الورق ولا من أهل الورق الذهب لأنه لو كان دخله فالدين بالدين لأن أصل الدية عنده ذهب على أهل الذهب وورق على أهل الورق وإبل على أهل الأبل لأنها بدل من الإبل على ما وصفنا وبالله التوفيق باب ما جاء في دية العمد إذا قبلت وجناية المجنون مالك أن بن شهاب كان يقول في دية العمد إذا قبلت خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة قال أبو عمر ليس عند مالك في قتل العمد دية معلومة وإنما فيه القود إلا في عهد الرجل إلى ابنه بالضرب والأدب في حين الغضب كما صنع المدلجي بابنه فإن فيه عنده الدية المغلظة ولا قود وسنذكر ذلك في ما بعد إن شاء الله عز وجل فإن اصطلح القاتل عمدا وولي المقتول على الدية وأبهموا ذلك ولم يذكروا شيئا من ذلك بعينه أو عفي عن القاتل عمدا على الدية هكذا وكان من أهل الإبل فإن الدية تكون عليه حينئذ حالة في ماله أرباعا كما قال بن شهاب خمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وإن كان من أهل الذهب فألف دينار وإن كان من أهل الورق فاثنا عشر ألف درهم حالة في ماله لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه إلا أن يصطلحا على شيء فيلزمهما ما اصطلحا عليه وقد روي عن مالك أن الدية في العمد إذا قبلت تكون مؤجلة كدية الخطأ في ثلاثه سنين

والأول قول بن القاسم وروايته وهو تحصيل المذهب والدية في مذهب مالك ثلاث إحداها دية العمد إذا قبلت أرباعا وهي كما وصفنا وهو قول بن شهاب وربيعة والثانية دية الخطأ أخماسا وسيأتي ذكرها كما وصفنا في بابها إن شاء الله عز وجل والثالثة الدية المغلظة أثلاثا ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهي الحوامل وليست عنده إلا في قتل الرجل ابنه على الوصف الذي ذكرنا وأما لو أضجع الرجل ابنه فذبحه أو جلله بالسيف أو أثر الضرب عليه بالعصا أو غيرها حتى قتله عامدا فإنه يقتل عنده به وستأتي هذه المسألة وما للعلماء فيها في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وليس يعرف مالك شبه العمد إلا في الأب يفعل بابنه ما وصفنا خاصة وإنما تجب الدية المغلظة المذكورة من الإبل على الأب إذا كان من أهل الإبل فإن كان من أهل الأمصار فالذهب أو الورق واختلف قوله في تغليظ دية الذهب والورق في ذلك فروي عنه أن تغليظها أن تقوم الثلاثون حقة والثلاثون جذعة والأربعون الخلفة بالدنانير أو الدراهم بالغا ما بلغت وإن زادت على ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم وروي عنه أن التغليظ في ذلك أن ينظر إلى قيمة دية الخطأ أخماسا في أسنان الإبل ثم ينظر إذا ما زادت قيمة دية التغليظ من الإبل على قيمة دية الخطأ فيزاد مثل ذلك من الذهب والورق وهذا مذهب بن القاسم وروي عنه أيضا أنها تغلظ بأن تبلغ دية وثلثا يزاد في الدية ثلثها رواه أهل المدينة عنه وقد روي عن مالك أن الدية لا تغلظ على أهل الذهب ولا على أهل الورق وإنما تغلظ في الإبل خاصة على أهل الإبل

قال أبو عمر روى سفيان عن معمر عن رجل عن عكرمة قال ليس في دية الدنانير والدراهم مغلظة إنما المغلظة في الإبل خاصة على أهل الإبل وروى بن المبارك عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال لا يكون التغليظ في شيء من الدية إلا في الإبل والتغليظ في إناث الإبل وأما الشافعي فالدية عنده اثنتان لا ثالثة لهما مخففة ومغلظة فالمخففة دية الخطأ أخماسا والمغلظة في شبه العمد وفي ما لا قصاص فيه كالأب ومن جرى مجراه عنده وفي العمد إذا قبلت الدية فيه وعفي عن القاتل عليها وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهو قول سفيان ومحمد بن الحسن في أسنان دية شبه العمد وهذه الأسنان في ذلك مذهب عمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة وزيد بن ثابت على اختلاف عنه وبه قال عطاء وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما دل على ذلك ذكر أبو بكر قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن عمر أنه قال في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى باذل عامها كلها خلفة قال وحدثني جرير عن مغيرة عن الشعبي قال كان أبو موسى والمغيرة يقولان في الدية المغلظة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة قال وحدثني وكيع قال حدثني بن أبي خالد عن عامر الشعبي قال كان زيد بن ثابت يقول في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة وأما الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا والحجر ديته مغلظة مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها فهو حديث مضطرب لا يثبت من جهة الإسناد رواه بن عيينة عن

علي بن زيد عن القاسم بن ربيعة عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه سفيان الثوري وهشيم عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورواه حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم والقاسم بن ربيعة بن جوشن الغطفاني ثقة بصري يروي عن عمر وعبد الرحمن بن عوف وبن عمر وروى عنه أيوب وقتادة وحميد الطويل وعلي بن زيد وأما عقبة بن أوس فرجل مجهول لم يرو عنه إلا القاسم بن ربيعة فيما علمت يقال فيه الدوسي ويقال فيه السدوسي وقد قيل فيه يعقوب بن أوس وقال يحيى بن معين عقبة بن أوس هو يعقوب بن أوس وأما أبو حنيفة وأصحابه فليس في العمد عندهم دية فإن اصطلح القاتل وولي المقتول على شيء فهو حال إلا أن يشترطوا أجلا والديات عندهم اثنتان دية الخطأ أخماسا على ما يأتي ذكره في بابه بعد هذا لم يختلفوا فيها ودية شبه العمد عند أبي حنيفة وأبي يوسف تكون أرباعا خمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وهو مذهب عبد الله بن مسعود ذكره وكيع قال وحدثني بن أبي خالد عن عامر قال كان بن مسعود يقول في شبه العمد أرباعا فذكر ما تقدم وقال أبو بكر حدثني أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود بن عبد الله قال شبه العمد أرباعا خمس وعشرون حقه وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وأما محمد بن الحسن فذهب إلى ما روى عن عمر وأبي موسى وزيد والمغيرة وقد تقدم ذكره

وأما أحمد بن حنبل فقال دية الحر المسلم مائة من الإبل فإن كان القتل عمدا وارتفع القصاص أو قبلت الدية فهي في مال القاتل حالة أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة قال وإن كان القتل شبه العمد فكما وصفنا في أسنان الإبل قال وهي على العاقلة في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها ذهب في ذلك مذهب بن مسعود وهذا يدل على أنه لم يصح عنده الحديث المرفوع لما ذكرنا فيه من الاضطراب وجهل عقبة بن أوس والله الموفق للصواب وأما أبو ثور فقال الدية في العمد الذي لا قصاص فيه أو عفي عن القاتل علي الدية وفي شبه العمد كل ذلك كدية الخطأ أخماسا أنه بدل لأنه أقل ما قيل فيه وقال عامر الشعبي وإبراهيم النخعي دية شبه العمد ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة من ثنية إلى بازل عامها وهو مذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذكر أبو بكر قال حدثني أبو الأحوص عن إبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال في شبه العمد ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة وروى الثوري وغيره عن أبي إسحاق مثله وقال الحسن البصري وبن شهاب الزهري وطاوس اليماني دية شبه العمد ثلاثون بنت لبون وثلاثون حقه وأربعون خلفة وهذا مذهب عثمان بن عفان رضي الله عنه ورواية عن زيد بن ثابت ذكر أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب وعن عبد ربه عن أبي عياض أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت قالا في المغلظة أربعون جذعة خلفة وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وقال معمر عن الزهري إن الدية التي غلظها النبي صلى الله عليه وسلم هكذا

وذكر طاوس أن ذلك عنده في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فهذا ما بلغنا في أسنان دية العمد وأسنان دية شبه العمد وسنذكرها عن الفقهاء وأئمة الفتوى فهي صفة شبه العمد وكيفيته ومن نفاه منهم ومن أثبته فيه في باب ما يجب فيه العمد من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ويأتي ما للعلماء في دية الخطأ في الباب بعد هذا بعون الله تعالى وإنما ذكرنا في هذا الباب شبه العمد مع دية العمد إذا قبلت لأن مذاهب أكثر العلماء في ذلك متقاربة متداخلة وجمهورهم يجعلها سواء وقد أتينا في ذلك بالروايات عن السلف وما ذهب إليه من ذلك أئمة الأمصار والحمد لله كثيرا وقد اختلف العلماء في أخذ الدية من قاتل العمد فقال مالك في رواية بن القاسم عنه وهو الأشهر من مذهبه وأبو حنيفة والثوري وأصحابه وبن شبرمة والحسن بن حي ليس لولي المقتول عمدا إلا القصاص ولا يأخذ الدية إلا برضى القاتل وقال الأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وهو قول ربيعة وأكثر فقهاء المدينة من أصحاب مالك وغيرهم وروى أشهب عن مالك ولي المقتول بالخيار إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية رضي القاتل أو لم يرض وذكر بن عبد الحكم الروايتين جميعا عن مالك وحجة من لم ير لولي المقتول إلا القصاص حديث أنس في قصة سن الربيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كتاب الله القصاص وحجة من أوجب له التخيير بين القصاص وأخذ الدية حديث أبي شريح الكعبي وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قتل له قتيل فهو بين خيرتين

وقال أبو هريرة بخير نظرين بين أن يأخذ وبين أن يعفو وهما حديثان لا يختلف أهل العلم بالحديث في صحتهما حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني بن أبي ذئب قال حدثني سعيد بن أبي سعيد قال سمعت أبا شريح الكعبي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إنكم معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فهو بالخيار بين خيرتين بين أن يأخذ العقل وبين أن يقتل وحديث أبي هريرة عند يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رواه جماعة أصحاب يحيى عنه وقد ذكرنا طرق الحديثين في مسألة أفردنا لها جزءا في معنى قول الله عز وجل فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف البقرة مالك عن يحيى بن سعيد أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان أنه أتي بمجنون قتل رجلا فكتب إليه معاوية أن اعقله ولا تقد منه فإنه ليس على مجنون قود قال أبو عمر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في رفع القصاص عن المجنون إذا كان مطبقا لا يفيق ما فيه رجاء من الشفاء حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني حمدون بن أحمد بن سلمة قال حدثني شيبان بن يحيى بن فروخ قال حدثني حماد بن سلمة قال حدثني حماد بن أبي سليمان عن الأسود عن عائشة

قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الغلام حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وأجمع العلماء أن ما جناه المجنون في حال جنونه هدر وأنه لا قود عليه في ما يجني فإن كان يفيق أحيانا ويغيب أحيانا فما جناه في حال إفاقته فعليه فيه ما على غيره من البالغين غير المجانين وأجمع العلماء أن الغلام والنائم لا يسقط عنهما ما أتلفا من الأموال وإنما يسقط عنهم الإثم وأما الأموال فتضمن بالخطأ كما تضمن بالعمد والمجنون عند أكثر العلماء مثلهما فدل ذلك على أن الحديث وإن كان عام المخرج فإنه مخصوص بما وصفنا روى معمر عن الزهري قال مضت السنة أن عمد الصبي والمجنون خطأ قاله معمر وقاله قتادة أيضا قال معمر وقال الزهري وقتادة إن كان المجنون لا يعقل فقتل إنسانا فالدية على العاقلة لأن عمده خطأ وإن كان يعقل فالقود وقاله الشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من حديث حسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده عن علي والإسناد ليس بقوي وذكر أبو بكر قال حدثني عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن عمر بن عبد العزيز أنه جعل جناية المجنون على العاقلة قال وحدثني حفص عن أشعث عن الشعبي قال ما أصاب المجنون في حال جنونه فعلى عاقلته وما أصاب في حال إفاقته أقيد منه قال أبو عمر على هذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما والأوزاعي والليث بن سعد في قتل الصبي عمدا أو خطأ أنه كله خطأ تحمل منه العاقلة ما تحمل من خطأ الكبير وقال الشافعي عمد الصبي في ماله

قال أبو عمر يحتج لقول الشافعي بما قاله بن عباس وغيره العاقلة لا تحمل عمدا يريدون العمد الذي لا قود فيه كعمد الصبي وما أشبهه مما لا قصاص فيه قال مالك في الكبير والصغير إذا قتلا رجلا جميعا عمدا أن على الكبير أن يقتل وعلى الصغير نصف الدية قال مالك وكذلك الحر والعبد يقتلان العبد فيقتل العبد ويكون على الحر نصف قيمته قال أبو عمر قول الشافعي في هذه المسألة كقول مالك إلا أن الشافعي يجعل نصف الدية على الصغير في ماله كما أن على الحر نصف قيمة العبد في ماله لأن العاقلة لا تحمل عمدا ولا عبدا وقول مالك إن ذلك على عاقلة الصبي لأن عمده خطأ والسنة أن تحمل العاقلة دية الخطأ قال الشافعي إذا قتل رجل مع صبي رجلا قتل الرجل وعلى الصبي نصف الدية في ماله وكذلك الحر والعبد إذا قتلا عبدا عمدا والمسلم والذمي إذا قتلا ذميا قال فإن شرك العامد قاتل خطأ فعلى العامد نصف الدية في ماله وجناية المخطئ على عاقلته قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا اشترك صبي ورجل أو مجنون وصحيح أو قاتل عمد وقاتل خطأ في قتل رجل فلا قصاص على واحد منهما وعلى عاقلة الصبي الدية وهي على الرجل العامد في ماله وفي المخطئ على عاقلته قالوا وكذلك إذا اشترك الأب والأجنبي في قتل العمد فالدية في أموالهما ولو كان قتلهما خطأ كانت الدية على عاقلتهما ولو كان أحدهما أو أحد الأجنبيين عامدا والآخر مخطئا كان نصف الدية في مال العامد والنصف على عاقلة المخطئ ولا قود على واحد منهما وقد تقدم قولهم في الصبي والمجنون أن عمدهما خطأ أبدا على عواقلهما وقول زفر في هذا الباب كقول مالك يقتل العامد البالغ ويغرم الأب أو المخطئ نصف الدية وهي على عاقلة المخطئ

واحتج الشافعي على محمد بن الحسن في منع القود من العامد إذا شركه صبي أو مجنون فقال إن كنت رفعت عنهما القتل لأن القلم عنهما مرفوع وأن عمدهما خطأ فقد تركت أصلك في الأب يشترك مع الأجنبي في قتل العمد لأن القلم عن الأب ليس بمرفوع يقول فقد حكمت فيه بحكم من رفع عنه القلم وقال الأوزاعي في الصبي والرجل يشتركان في قتل الرجل أنه لا قود عليهما وأن الدية على عواقلهما قال أبو عمر القياس في هذا الباب أن يكون كل واحد منهما محكوما عليه بحكم نفسه دون غيره كأنه انفرد بالقتل وهو قول مالك والشافعي وزفر وبالله التوفيق وفي المسألة أيضا غير ما تقدم في الدية وروى معمر عن الزهري قال إذا اجتمع رجل وغلام على قتل رجل قتل الرجل وعلى عاقلة الغلام الدية كاملة وقال حماد يقتل الرجل وعلى عاقلة الصبي نصف الدية وقال الحسن وإبراهيم إذا اجتمع صبي أو معتوه أو من لا يقاد منه مع من يقاد منه في القتل فهي دية كلها باب دية الخطأ في القتل مالك عن بن شهاب عن عراك بن مالك وسليمان بن يسار أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئ على إصبع رجل من جهينة فنزي منها فمات فقال عمر بن الخطاب للذي ادعي عليهم أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها فأبوا وتحرجوا وقال للاخرين أتحلفون أنتم فأبوا فقضى عمر بن الخطاب بشطر الدية على السعديين قال مالك وليس العمل على هذا قال أبو عمر إنما قال مالك في هذا الحديث إن العمل ليس عنده عليه لأن فيه تبدئة المدعى عليه بالدم بالأيمان وذلك خلاف السنة التي رواها وذكرها في كتابه الموطأ في الحادثين من الأنصار المدعين على يهود خيبر قتل وليهم لأن رسول

الله صلى الله عليه وسلم بدأ المدعين الحادثين بالأيمان في ذلك وسنبين اختلاف الآثار واختلاف علماء الأمصار فيمن يبدأ بالقسامة بالأيمان في كتاب القسامة مع سائر أحكام القسامة إن شاء الله تعالى وفي حديث عمر أيضا أنه قضى بشطر الدية على السعديين وذلك أيضا خلاف السنة المذكورة في حديث الحارثين لأنه لم يقض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد بشيء إذ أبى المدعون والمدعى عليهم من الأيمان وتبرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية كلها من قبل نفسه لئلا يكون ذلك الدم باطلا والله أعلم وفي قول الله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله النساء ما يغني عن حديث عمر وغيره وأجمع العلماء أن دية الخطأ في النفس حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاقلة القاتل مئة من الإبل وجعلها عمر على أهل الذهب والورق كما تقدم ذكره عنه من اختلاف الرواية ولم يختلف أنها على العاقلة في ثلاث سنين واختلفوا في أسنان الإبل فيها على ما نورده في هذا الباب إن شاء الله عز وجل مالك أن بن شهاب وسليمان بن يسار وربيعة بن أبي عبد الرحمن كانوا يقولون دية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بن لبون ذكرا وعشرون حقة وعشرون جذعة قال أبو عمر هكذا رواه بن جريج عن بن شهاب كما رواه مالك ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال قال لي بن شهاب عقل الخطأ خمسة أخماس عشرون ابنة لبون وعشرون ابنة مخاض وعشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بن لبون ورواه معمر عن الزهري بخلاف ذلك على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى وأما اختلاف الفقهاء في أسنان الإبل في دية الخطأ

فقال مالك والشافعي بما روي عن سليمان بن يسار وبن شهاب وربيعة مثل ذلك فقالوا الدية في ذلك أخماس عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه الدية في الخطأ لا تكون إلا أخماسا كما قال مالك والشافعي إلا أنهم جعلوا مكان بن لبون بن مخاض فقالوا عشرون بنت مخاض وعشرون بن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وقد روى زيد بن جبير عن خشف بن مالك عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الدية في الخطأ أخماسا إلا أن هذا الحديث لم يرفعه إلا خشف بن مالك الكوفي الطائي وهو مجهول لأنه لم يرو عنه إلا زيد بن جبير وزيد بن جبير بن حرملة الطائي الجشمي من بني جشم أحد ثقات الكوفيين وإنما يروي هذا الحديث عن بن مسعود قوله وقد روي فيه عن بن مسعود الوجهات جميعا ما ذهب إليه الحجازيون وما ذهب إليه الكوفيون وروى وكيع وعبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن إبراهيم أن بن مسعود قال دية الخطأ أخماس عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بن مخاض وعشرون بنت لبون ووكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله مثله فهذا هو الذي ذهب إليه الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري وقد روى حديث بن مسعود هذا على ما ذهب إليه الحجازيون مالك والشافعي وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود قالا كان عبد الله يقول في دية الخطأ أخماس عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات لبون وعشرون بني لبون وعشرون بنات مخاض قال أبو عمر الثوري أثبت من أبي الأحوص في أبي إسحاق وفي غيره وأبو الأحوص هذا سلام بن سليمان

وفي هذه المسألة أقوال السلف غير هذه منها ما روي عن علي رضي الله عنه وذهب إليه جماعة من العلماء ذكر وكيع قال حدثني سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال وحدثني سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علي أنه كان يقول في دية الخطأ أرباعا خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض وإلى هذا ذهب عطاء بن أبي رباح في دية الخطأ أرباعا إلا أنه جعل موضع بنات مخاض بني لبون ذكر عبد الرزاق أخبرنا بن جريج قال أخبرنا عطاء قال قال عطاء دية الخطأ مائة من الإبل خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون بني لبون ذكور وإلى هذا ذهب عمر بن عبد العزيز جعل دية الخطأ أرباعا كقول علي سواء إلا أنه زاد فإن لم توجد بنات مخاض فبنو لبون وذكر أنه بلغه ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر بن جريج قال أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه بذلك وكان عثمان بن عفان وزيد بن ثابت يذهبان إلى أن الدية في الخطأ تكون أرباعا كقول علي إلا أنهما خالفا في الأسنان ذكر أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب وعن عبد ربه عن أبي عياض عن عثمان وزيد قالا في الخطأ ثلاثون جذعة وثلاثون بنات لبون وعشرون بنات مخاض وعشرون بني لبون وإلى هذا ذهب بن شهاب الزهري في ما رواه معمر ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال دية الخطأ من الإبل ثلاثون حقة وثلاثون ابنة لبون وثلاثون بنات مخاض وعشرون بني لبون إلا أنه جعل في موضع الجذعة حقة

وروى وكيع عن الحسن بن صالح عن بن أبي ليلي عن الشعبي عن زيد في دية الخطأ ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وعشرون بنات مخاض وعشرون بني لبون وروى معمر عن بن طاوس عن أبيه قال دية الخطأ ثلاثون حقة وثلاثون بني لبون وثلاثون ابنة مخاض وعشرون بني لبون ذكور وروى معمر عن الزهري عن بن أبي نجيح عن مجاهد في دية الخطأ قال ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وثلاثون ابنة لبون وعشرون بني لبون ذكور وقال أحمد بن حنبل دية الخطأ تؤخذ في ثلاث سنين أخماسا عشرين بنات مخاض وعشرين بني مخاض وعشرين بنات لبون وعشرين حقة وعشرين جذعة قال أبو عمر أكثر الفقهاء على أنها أخماس وكلهم يدعي التوقيف في ما ذهب إليه أصلا لا قياسا والذي أقول إن كل ما ذهب إليه السلف مما قد ذكرناه عنهم في هذا الباب جائز العمل به وكله مباح لا يضيق على قائله لأنهم قد أجمعوا أن الدية مائة من الإبل لا يزاد عليها وأنها الدية التي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ولا يضرهم الاختلاف في أسنانها واجبة إلى ما روي عن علي رضي الله عنه لأن ما روي فيه عن عمر منقطع لا يثبت وقد اختلف في الرواية عن بن مسعود ولم يختلف عن علي وبالله التوفيق قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا قود بين الصبيان وإن عمدهم خطأ ما لم تجب عليهم الحدود ويبلغوا الحلم وإن قتل الصبي لا يكون إلا خطأ وذلك لو أن صبيا وكبيرا قتلا رجلا حرا خطأ كان على عاقلة كل واحد منهما نصف الدية قال أبو عمر أما قوله لا قود بين الصبيان فهو أمر مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه وأما قوله إن عمد الصبيان خطأ تلزمه العاقلة فإن الصبي إذا كان له قصد وعرف منه تمييز لما يتعمده فهذا الذي عمله خطأ لارتفاع القلم عنه في القصاص والحدود وسائر الفرائض

وأما إذا كان طفلا في المهد أو مرضعا لا تمييز له ولا يصح منه قصد ولا تعمد فهو كالبهيمة المهملة التي جرحها جبار وهذا أصل مجتمع عليه ولا أعلم خلافا فيه إلا ما تقدم من مذهب الشافعي ومن قال بقوله في أن عمد الصبي في ماله لا تحمله العاقلة قال مالك ومن قتل خطأ فإنما عقله مال لا قود فيه وإنما هو كغيره من ماله يقضى به دينه ويجوز فيه وصيته فإن كان له مال تكون الدية قدر ثلثه ثم عفي عن ديته فذلك جائز له وإن لم يكن له مال غير ديته جاز له من ذلك الثلث إذا عفي عنه وأوصى به قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن دية الخطأ كسائر مال المقتول يرثه عنه ورثته ذوو الفروض والعصبة إلا أن طائفة من أهل الظاهر شذت فلم أر لذكر ما أتت به وجها وقد كان عمر بن الخطاب يقول لا ترث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها وكان قتل أشيم خطأ فقضى به عمر والناس بعده لا يختلفون أن دية المقتول كسائر ماله تجوز فيه وصيته كما تجوز في ماله فإن لم يترك مالا غيرها لم يجز له من الوصية بها إلا ثلثها فإن عفي عنها فللعاقلة ثلثها ويغرمون الثلثين والعفو هنا كالوصية إذا لم يكن له مال غير ديته ولا يرث القاتل شيئا منها لأن العلماء مجمعون أن القاتل خطأ لا يرث من الدية شيئا كما أجمعوا أن القاتل عمدا لا يرث من المال ولا من الدية شيئا ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال سمعت عطاء يقول أن وهب الذي يقتل خطأ ديته للذي قتله فإنما له منها ثلثها إنما هو ماله فيوصي فيه قال وأخبرنا معمر عن سماك بن الفضل قال كتب عمر بن عبد العزيز إذا تصدق الرجل بديته وقتل خطأ ولم يكن له مال فالثلث من ذلك جائز إذا لم يكن له مال غيره

قال أبو عمر هذا مجمله في من قتل خطأ ولم يكن له مال غير ديته ولو كان له مال غير ديته كان له أن يوصي بجميعها كما قال مالك وأما من قتل عمدا فله أن يعفو عن دمه وعن كل ما يجب له فيه كما له أن يصالح عليه بأكثر من الدية قال الله تعالى فمن تصدق به فهو كفارة له المائدة ذكر عبد الرزاق عن معمر عن بن طاوس عن أبيه أنه قال إذا تصدق الرجل بدمه وكان قتل عمدا فهو جائز قال وأخبرنا الثوري عن يونس عن الحسن قال إذا كان عمدا فهو جائز وليس في الثلث قال عبد الرزاق وقال هشام عن الحسن إذا كان خطأ فهو في الثلث قال وأخبرنا بن جريج قال أخبرني بن طاوس عن أبيه أنه قال إذا أصيب رجل فتصدق بنفسه فهو جائز قال فقلنا له ثلثه فقال بل كله قال وأما اختلاف الفقهاء في الوصية للقاتل فروى بن القاسم عن مالك قال إذا ضربه عمدا أو خطأ فأوصى له المضروب ثم مات من ذلك جازت الوصية في ماله وفي ديته إذا علم بذلك منه ولو أوصى له بوصية ثم قتله الموصى له عمدا أو خطأ فالوصية لقاتل الخطأ تجوز في ماله ولا تجوز في ديته وقاتل العمد لا تجوز له وصية من المقتول في ماله ولا في ديته وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري لا تجوز وصية المقتول للقاتل وقال الطحاوي فإن أجازها الورثة جازت عند أبي حنيفة ومحمد ولم تجز عند أبي يوسف قال والقياس ما قاله أبو يوسف لأنه لما جعلها كالميراث في بطلانها في القتل وجب ألا تجوز بإجازة الورثة كما لا يجوز الميراث بإجازة الورثة قال ولا فرق بين الدية وسائر ماله لأن الجميع مال الميت موروث عنه قال ولا فرق أيضا بين أن تتقدم الجناية على الوصية أو تتأخر عنها لأن الوصية لو جازت كانت متعلقة بالموت وهذا قاتل بعد الموت فلا وصية له وقال الشافعي ولو عفا المجني عليه عمدا عن قود وعقل جاز فيما لزمه بالجناية ولم يجز في ما زاد لأن ذلك لم يجب بعد

ولو قال قد عفوت عنها وعما يحدث منها من عقل وقود ثم مات فلا سبيل إلى القود للعفو وجاز ما عفى عنه في ثلث ماله قال وفيها قول آخر إن الخارج يؤخذ بجميع الجناية لأنها صارت نفسا قال ولا تجوز له وصية بحال وإلى هذا ذهب المزني قال أبو عمر قول مالك من قتل خطأ فإنما عقله مال لا قود فيه أمر مجتمع عليه لأن قتل الخطأ لا قود فيه لأن الله تعالى قال ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله النساء فجعلها دية وكفارة لا غير والله الموفق للصواب باب عقل الجراح في الخطأ قال مالك الأمر المجتمع عليه عندهم في الخطأ أنه لا يعقل حتى يبرأ المجروح ويصح وأنه إن كسر عظم من الإنسان يد أو رجل أو غير ذلك من الجسد خطأ فبرأ وصح وعاد لهيئته فليس فيه عقل فإن نقص أو كان فيه عثل ففيه من عقله بحساب ما نقص منه قال مالك فإن كان ذلك العظم مما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم عقل مسمى فبحساب ما فرض فيه النبي صلى الله عليه وسلم وما كان مما لم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم عقل مسمى ولم تمض فيه سنة ولا عقل مسمى فإنه يجتهد فيه قال أبو عمر قوله كله صحيح حسن أما قوله إنه لا يعقل في الخطأ جرح المجروح حتى يبرأ فعلى ذلك أكثر العلماء في العمد والخطأ وقالوا لا يقاد من الجرح العمد ولا يعقل الخطأ حتى يصح ويبرأ قال بن القاسم عن مالك لا يقاد من جراحه عمدا إلا بعد البرء ولا يعقل الخطأ إلا بعد البرء وكذلك قال الثوري وقال الحسن بن صالح بن حي يتربص بالسن بالجراح سنة مخافة أن ينتقص

وقال أبو حنيفة فيمن كسر سن رجل لا أرش فيه حتى يحول عليه الحول فيحكم بما يؤول إليه أمره وكذلك الجراحات لا يقضى فيها بأرش حتى ينظر إلى ما تؤول وذكر المزني عن الشافعي ولو قطع أصبع رجل فسأل المقطوع القود ساعة قطع أقدته فإن ذهبت كف المجني عليه جعلت على الجاني أرش أربعة أخماس ديتها ولو مات منها قتلته فإن قطع أصبعه فتآكلت فذهبت كفه أقدته من الأصبع وأخذ أرش يده إلا أصبعا ولم ينتظره أيبرأ إلى مثل جنايته أم لا قال أبو عمر اتفق مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وسائر الكوفيين والمدنيون على أنه لا يقتص من جرح ولا يبدي حتى يبرأ وقال الشافعي يقتص منه في الحال ولا ينتظر أن يبرأ والاختيار ما قاله مالك ومن تابعه على ذلك وهم أكثر أهل العلم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرسل عكرمة ومرسل محمد بن طلحة بن يزيد بن عمرو بن ركانة ومن مرسل عمرو بن شعيب ذكره عبد الرزاق عن بن جريج عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن ركانة وعن معمر عن أيوب عن عمرو بن شعيب وعن بن جريج عن عمرو بن شعيب وعن معمر عن من سمع عكرمة أن رجلا طعن رجلا بقرن في رجله فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقدني فقال حتى تبرأ قال أقدني قال حتى تبرأ ثم قال أقدني يا رسول الله فأقاده ثم عرج وصح المستقاد منه فجاء المستقيد فقال عرجت يا رسول الله فقال لا شيء لك ألم أقل لك اصبر حتى تبرأ وفي رواية أبعدك الله وأبطل عرجك عصيتني ألا تستقيد حتى يبرأ جرحك ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من جرح ألا يستقاد حتى يبرأ جرحه وذكر هذا الخبر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستقيد فقال له حتى تبرأ فأبى وعجل واستقاد فعثمت رجله وبرئت رجل المستقاد منه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ليس لك شيء أبيت وروى الثوري عن عيسى بن المغيرة عن يزيد بن وهب أن عمر بن عبد

العزيز كتب إلى طريف بن ربيعة وكان قاضيا بالشام أن صفوان بن المعطل ضرب حسان بن ثابت بالسيف فجاءت الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا القود فقال النبي تنتظرون فإن يبرأ صاحبكم تقصوا وإن يمت نقدكم بعد في حسان فقالت الأنصار قد علمتم أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العفو فعفوا وأعطاهم صفوان جارية وهي أم عبد الرحمن بن حسان قال أبو عمر هكذا في هذا الخبر أن صفوان بن المعطل أعطى حسان الجارية التي هي أم عبد الرحمن لما عفا عنه والمعروف عند أهل العلم بالخبر والسير وأكثر أهل الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أعطى حسان بن ثابت إذ عفا عن صفوان بن المعطل الجارية المسماة سيرين وهي أخت مارية القبطية وكانت من هدية المقوقس صاحب مصر والإسكندرية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان سيرين فأولدها عبد الرحمن بن سيرين واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مارية لنفسه فولدت له إبراهيم ابنه وأما قوله إن كسر عظم من الإنسان يد أو رجل أو غير ذلك إلى آخر قوله فقد قال الشافعي فيما ذكر عنه المزني في كل عظم كسر سواء السن فإذا جبر مستقيما ففيه حكومة بقدر الألم والشين فإن جبر معيبا بنقص أو عوج أو غير ذلك زيد فيه حكومة بقدر شينه وضره وألمه ولا يبلغ به دية العظم لو قطع وقول أبي حنيفة وأصحابه نحو ذلك قال مالك وليس في الجراح في الجسد إذا كانت خطأ عقل إذا برأ الجرح وعاد لهيئته فإن كان في شيء من ذلك عثل أو شين فإنه يجتهد فيه إلا الجائفة فإن فيها ثلث دية النفس قال مالك وليس في منقلة الجسد عقل وهي مثل موضحة الجسد قال أبو عمر هذا قول الشافعي والكوفي والجمهور وقد أتفق مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وعثمان البتي أن الشجاج لا تكون إلا في الرأس والوجه من الذقن إلى ما فوقه وأن جراح الجسد ليس فيها عقل مسمى إلا الجائفة

وخالفهم الليث فقال الموضحة إذا كانت في اليد تكون أيضا في الجنب إذا أوضحت عن عظم وهو قول يروى عن عمر بن الخطاب في الموضحة إذا كانت في اليد أو الأصبع فيها نصف عشر ذلك العضو من الجسد وعن عطاء وغيره مثله ذكر المزني وغيره عن الشافعي قال وفي كل جرح ما عدا الوجه والرأس حكومة إلا الجائفة ففيها ثلث النفس وهي التي تخرق إلى الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو ثغرة النحر كل هذا جائفة قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن الطبيب إذا ختن فقطع الحشفة إن عليه العقل وأن ذلك من الخطإ الذي تحمله العاقلة وأن كل ما أخطأ به الطبيب أو تعدى إذا لم يتعمد ذلك ففيه العقل قال أبو عمر يعني على العاقلة وهو قول أبي حنيفة والثوري والليث والشافعي وجمهور العلماء لأنه خطأ لا عمد وقد أجمعوا أن الخطأ ما لم يقصده الفاعل ولم يرده وأراد غيره وفعل الخاتن والطبيب في هذا المعنى وهذا معنى قول الشعبي وعطاء وعمرو بن دينار وشريح وذكر أبو بكر قال حدثني الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المليح أن ختانة كانت بالمدينة ختنت جارية فماتت فجعل عمر ديتها على عاقلتها ومن أهل العلم من جعل ذلك في مال الحجام ومال الطبيب دون عاقلتهما وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن كتاب لعمر بن عبد العزيز فيه قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما متطبب لم يكن بالطب معروفا فتطبب على أحد من المسلمين بحديده النماس المثال له فأصاب نفسا فما دونها فعليه دية ما أصاب وعن عمر وعلي مثل ذلك

وبه كان يقضي عمر بن عبد العزيز وهو أولى ما قيل في هذا الباب والله الموفق للصواب روى معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المليح بن أسامة أن عمر بن الخطاب ضمن رجلا كان يختن الصبيان فقطع من ذكر الصبي فضمنه وهذا خلاف ما رواه الثقفي عبد الوهاب عن أيوب فلا تقوم لحديث أبي قلابة عن أبي المليح هذا حجة وروى مجاهد والضحاك بن مزاحم أن عليا رضي الله عنه خطب الناس فقال معشر الأطباء والمتطببين والبياطرة من عالج منكم إنسانا أو دابة فليأخذ لنفسه البراءة فإنه من عالج شيئا ولم يأخذ لنفسه البراءة فعطب فهو ضامن وقال يحيى بن أبي كثير خفضت امرأة جارية فأعنتها فماتت فضمنها علي رضي الله عنه الدية وروى أيوب عن أبي قلابة عن عمر رضي الله عنه مثله وقال معمر سمعت الزهري يقول كلاما معناه إن كان البيطار أو المتطبب أو الختان غر من نفسه وهو لا يحسن فهو كمن تعدى يضمن وإن كان معروفا بالعمل بيده فلا ضمان عليه إلا أن يتعدى وذكر أبو بكر قال حدثني إسماعيل عن هشام بن الغاز عن أبي قرة أن عمر بن عبد العزيز ضمن الخاتن قال وحدثني حفص بن غياث عن عبد العزيز بن عمر قال حدثني بعض الذين قدموا على أبي حين ولي قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أيما طبيب تطبب على قوم ولم يعرف بالطب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن قال أبو عمر أجمع العلماء على أن المداوي إذا تعدى ما أمر به ضمن ما أتلف بتعديه ذلك حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني دحيم قال حدثني الوليد عن بن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تطبب ولم يعلم منه قبل ذلك الطب فهو ضامن

وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني نصر بن عاصم الأنطاكي ومحمد بن الصباح بن سفيان أن الوليد بن مسلم أخبرهم عن بن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن وقال نصر بن عاصم حدثني الوليد قال حدثني بن جريج باب عقل المرأة مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول تعاقل المرأة الرجل إلى ثلث الدية إصبعها كإصبعه وسنها كسنه وموضحتها كموضحته ومنقلتها كمنقلته مالك عن بن شهاب وبلغه عن عروة بن الزبير أنهما كانا يقولان مثل قول سعيد بن المسيب في المرأة أنها تعاقل الرجل إلى ثلث دية الرجل إلى النصف من دية الرجل قال مالك وتفسير ذلك أنها تعاقله في الموضحة والمنقلة وما دون المأمومة والجائفة وأشباههما مما يكون فيه ثلث الدية فصاعدا فإذا بلغت ذلك كان عقلها في ذلك النصف من عقل الرجل قال أبو عمر روى هذا الخبر عن سعيد بن المسيب جماعة كما رواه مالك منهم سفيان الثوري ومعمر وعبد الرزاق وعبد الوهاب الثقفي بمعنى واحد وما بلغ مالكا عن عروة مثله ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني هشام بن عروة عن عروة أنه كان يقول دية المرأة مثل دية الرجل حتى تبلغ الثلث فإذا بلغت الثلث كانت ديتها مثل نصف دية الرجل حتى تكون ديتها في الجائفة والمأمومة مثل نصف دية الرجل

قال وأخبرنا معمر عن الزهري أنه كان يقول دية المرأة والرجل سواء حتى تبلغ ثلث الدية وذلك في الجائفة فإذا بلغت ذلك فدية المرأة على النصف من دية الرجل قال وأخبرنا معمر عن هشام بن عروة مثله قال أبو عمر هذا مذهب جمهور أهل المدينة وروى وكيع وعبد الرزاق عن الثوري عن ربيعة عن أبي عبد الرحمن قال سألت سعيد بن المسيب قلت كم في إصبع من أصابع المرأة قال عشر من الإبل قال قلت كم في إصبعين قال عشرون قلت كم في ثلاث قال ثلاثون قلت كم في أربع قال عشرون قلت حين عظم جرحها واشتدت بليتها نقص عقلها قال أعراقي أنت قلت بل عالم متثبت أو جاهل متعلم قال هي السنة وفي رواية وكيع يا بن أخي السنة ومعناها سواء قال وأخبرنا معمر عن ربيعة عن بن المسيب مثله قال وأخبرنا بن جريج قال وأخبرني ربيعة أنه سمع بن المسيب يقول يعاقل الرجل المرأة في ما دون ثلث ديته قال ولم أسمعه ينسبه إلى أحد قال أبو عمر اختلف الصحابة ومن دونهم في هذه المسألة فروي ما ذهب إليه سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وبن شهاب فيها عن زيد بن ثابت وبه قال مالك وأصحابه والليث بن سعد وهو مذهب عمر بن عبد العزيز وعطاء وقتادة وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرسل عمرو بن شعيب وعكرمة وقول سعيد بن المسيب هي السنة يدل على أنه أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال جراح المرأة على النصف من جراح الرجل في ما قل أو كثر وديتها مثل نصف دية الرجل وفي النصف ديته وروي ذلك عن بن مسعود أيضا والأشهر والأكثر عن بن مسعود أن المرأة تعاقل الرجل في جراحها إلى أرش السن والموضحة خمس من الإبل ثم تعود إلى النصف من دية الرجل

وروي ذلك عن عثمان وهو قول شريح وروى وكيع قال حدثني زكريا وبن أبي ليلى عن الشعبي قال كان علي يقول دية المرأة في الخطأ على النصف من دية الرجل وجراحها مثل ذلك في ما دق وجل قال وكان بن مسعود يقول دية المرأة في الخطأ على النصف من دية الرجل وهما في الجراح إلى السن والموضحة سواء وروى عيينة عن زكريا عن الشعبي قال قال بن مسعود سن المرأة مثل سن الرجل وموضحتها مثل موضحته ثم يستويان على النصف وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه جراحات المرأة على النصف من جراح الرجل في ما دون النفس فيما دق وجل وقال زيد بن ثابت تساوي المرأة الرجل في عقلها إلى ثلث دية الرجل ثم هي على النصف من ديته وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري بقول علي رضي الله عنه دية المرأة وجراحها على النصف من دية الرجل في ما قل أو كثر ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن حماد عن إبراهيم عن علي رضي الله عنه قال جراحات المرأة على النصف من جراحات الرجل قال وقال بن مسعود يستويان في السن والموضحة وهي في ما سوى ذلك على النصف قال وكان زيد بن ثابت يقول تعاقله إلى الثلث قال وأخبرنا معمر عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن علي مثله كما روى إبراهيم عنه وعن بن مسعود مثل حديث إبراهيم أيضا قال وكان زيد بن ثابت يقول تعاقله إلى الثلث قال وأخبرنا معمر عن بن أبي نجيح مثله كما روى إبراهيم عنه وعن بن مسعود مثل حديث إبراهيم أيضا

قال وكان زيد بن ثابت يقول دية المرأة في الخطأ مثل دية الرجل حتى تبلغ ثلث الدية فما زاد فهي على النصف وذكر أبو بكر قال حدثني بن علية عن خالد عن أبي قلابة وعن زيد بن ثابت أنه قال يستويان إلى الثلث قال أبو عمر كان الحسن البصري وطائفة يقولون تعاقل المرأة الرجل حتى تبلغ النصف من ديته وتعود إلى النصف ذكر أبو بكر قال حدثني معمر عن بن عون عن الحسن قال تستوي جراحات النساء والرجال على النصف فإذا بلغت النصف فهي على النصف قال أبو عمر أجمعوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل والقياس على أن يكون جراحها كذلك إن لم تثبت سنة يجب التسليم لها وبالله التوفيق مالك أنه سمع بن شهاب يقول مضت السنة أن الرجل إذا أصاب امرأته بجرح أن عليه عقل ذلك الجرح ولا يقاد منه قال مالك وإنما ذلك في الخطأ أن يضرب الرجل امرأته فيصيبها من ضربه ما لم يتعمد كما يضربها بسوط فيفقأ عينها ونحو ذلك قال أبو عمر هو كما قال مالك في الخطأ لا خلاف فيه وقد ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال لا تقتص المرأة من زوجها قال سفيان ونحن نقول تقتص منه إلا في الأدب وقد ذكر هذه المسألة بعينها من قوله في باب القصاص بالجراح وسيأتي هنالك إن شاء الله عز وجل ما للعلماء في ذلك ونذكر ما بين أهل العلم أيضا من التنازع في القصاص بين الرجال والنساء إن شاء الله في باب القصاص في القتل والله أعلم قال مالك في المرأة يكون لها زوج وولد من غير عصبتها ولا قومها فليس على زوجها إذا كان من قبيلة أخرى من عقل جنايتها شيء ولا على ولدها إذا كانوا من غير قومها ولا على إخوتها من أمها إذا كانوا من غير عصبتها ولا قومها

فهؤلاء أحق بميراثها والعصبة عليهم العقل منذ زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وكذلك موالي المرأة ميراثهم لولد المرأة وإن كانوا من غير قبيلتها وعقل جناية الموالي على قبيلتها قال أبو عمر ما ذكره مالك في هذا الفصل لا خلاف بين العلماء فيه الدية عندهم على العاقلة والعاقلة العصبة والقبيلة والبطن والرهط لا يعقل على الإنسان من كان إلا قبيلته إذا قتل خطأ والميراث لمن فرضه الله سبحانه وتعالى له من الورثة من ذوي الفروض والعصبة إلا أن الدية لا يؤديها زوج ولا أخ لأم ولا من ليس بعصبة من القبيلة والموالي عندهم يجرون مجرى العصبات لأن الولاء نسب لا ينتقل وهذا كله أمر مجتمع عليه وسنة مسنونة معمول بها عند جمهور العلماء إلا أن منهم من يقول في المولى إذا أبى أن يعقل كان الولاء للمصاب المقتول خطأ ولم يرث ذلك عنه ومن قال العقل على من له الميراث فإنه يعني من الموالي ومنهم من يقول من عقل عنه كان الولاء له فإن لم يكن للمولى عصبة تحمل معه الجناية كان ذلك في بيت المال وجماعة الفقهاء على ما قدمت في الولاء أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال وجدت في كتابي عن شيبان ولم أسمعه منه فحدثني أبو بكر صاحب لنا ثقة قال أبو بكر بن داسة وهو أبو بكر أحمد بن محمد العطار الأيلي قال حدثني شيبان قال حدثني محمد يعني بن راشد قال حدثني سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عقل المرأة بين عصبتها من كانوا لا يرثون منه شيئا إلا ما فضل عن ورثته وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن

وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني حفص عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن بن عباس قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم ويقدوا غائبهم والإصلاح بين المسلمين وقال أبو بكر حدثني عيسي بن يونس عن الأعمش عن إبراهيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل العقل على العصبة قال وحدثني وكيع عن سفيان عن حماد عن إبراهيم قال اختصم علي والزبير في موالي صفية إلى عمر فقضى عمر بالميراث للزبير وبالعقل على علي رضي الله عنة قال وحدثني بن فضيل وجرير عن مغيرة عن إبراهيم قال الميراث للرحم والجريرة على من أعتق قال وحدثني كثير بن هشام عن جعفر بن برقان أن عمر بن عبد العزيز كتب لو لم يدع قرابة إلا مواليه كانوا أحق الناس بميراثه وأحمل العقل عليهم كما يرثونه وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء أن معاوية قال لموالي مولى إما أن تعقلوا عنه وإما أن تعقل ويكون مولانا قال عطاء إن أبى أهله أن يعقلوا عنه فهو مولى للمصاب وعن بن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه قال الدية على الأولياء في كل جريرة قال أبو عمر الذي عليه مذهب الفقهاء مالك والشافعي والثوري وأبي حنيفة أن العاقلة يجبرون على حمل الدية بقدر ما يطيقون ولم يجد مالك في ما يحمل الواحد منهم حدا وإنما ذلك عنده على قدر ما يسهل عليهم وسنذكر أقوالهم إذا ذكرنا اختلاف الفقهاء في العواقل في باب جامع العقل من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى باب عقل الجنين مالك عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف

عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو وليدة مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة فقال الذي قضي عليه كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك بطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان قال أبو عمر هكذا روى مالك هذين الحديثين عن بن شهاب فأرسل عنه حديث ان المسيب وأسند عنه حديث أبي سلمة ولم يذكر في واحد منهما قتل المرأة وأظنه أسقطه لما فيه من القضاء بالدية على عاقلة المرأة القاتلة بالحجر وبالمسطح وهو العود وذلك شبه العمد وهو عنده باطل فكذلك والله أعلم لم يذكره في كتابه وقد ذكر ذلك غيره من رواية بن شهاب وقد رواه الليث بن سعد عن بن مسافر عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة كما رواه مالك مسندا لم يذكر فيه قتل المرأة حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني روح بن الفرج القطان قال حدثني بن عفير قال حدثني الليث عن بن مسافر عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة وخالفه قتيبة في إسناده عن الليث وسنذكره وأما يونس ومعمر فذكرا ذلك أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال

حدثني وهب بن بيان وأحمد بن عمرو بن السرح قالا حدثني بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي يا رسول الله كيف أغرم ما لا أكل ولا شرب ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع قال أبو داود وحدثني قتيبة بن سعيد قال حدثني الليث عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في هذه القصة قال ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها والعقل على عصبتها قال أبو عمر هذا بين في أن شبه العمد على العاقلة وأن العقل على العصبة دون الورثة إلا أن يكون العصبة ورثة فيحملون من الدية بقدرهم وروى هذا الحديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصابت بطنها فقتلتها وأسقطت جنينا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقلها على عاقلة القاتلة وفي جنينها بغرة عبد أو وليدة قال أبو عمر احتج بهذه الأحاديث من أثبت شبه العمد وجعله على العاقلة ولم ير فيه قودا وشبه العمد هو أن يعمد الضارب إلى المضروب بحجر أو عصا أو سوط أو عمود أو ما الأغلب فيه أن لا يقتل مثله من الحديد وغيره على ما ذكرنا عن

النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وغيرهم من العلماء في صفة شبه العمد في باب دية العمد إذا قبلت من هذا الكتاب وذكرنا هناك حديث بن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس عن عمر أنه نشد الناس ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين فقام حمل بن مالك فقال كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة عبد وأن تقتل مكانها وهذه حجة لمالك ومن قال بقوله في نفي حكم شبه العمد وقالوا إن كل ما عمد به فهو عمد وفيه القود وقد اتفق على هذه الرواية عن بن جريج حجاج بن محمد الأعور وأبو عاصم الضحاك بن مخلد ولو انفرد واحد منهما بذلك لكان حجة فكيف وقد اتفقا على ذلك وتصحيح ذلك قضاء عمر به ذكر أبو بكر قال حدثني شريك عن زيدة بن جبيرة عن جروة بن حميل عن أبيه قال قال عمر يعمد أحدكم إلى أخيه فيضربه بمثل آكلة اللحم لا أوتي برجل فعل ذلك إلا أقدته منه وقال معمر عن الزهري في الضارب بالعصا عمدا إذا قتلت صاحبها قتل الضارب فإن قيل إن حديث بن جريج رواه الحميدي عن هشام بن سليمان عن بن جريج بإسناده ولم يقل فيه وأن تقتل المرأة قيل له من لم يرد كذا الشيء فليس بشاهد ولا حجة في ما قضى عنه فإن قيل إن بن عيينة قد روى هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس قال قال عمر أذكر الله امرءا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال يا أمير المؤمنين كنت بين جاريتين يعني ضرتين فضربت إحداهما الأخرى بالمسطح عمود خبائها فقتلتها وقتلت ما في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة فقال عمر الله أكبر لو لم نسمع هذا قضينا بغيره

فلم يذكر فيه بن عيينة قتل المرأة الضاربة بالمسطح قيل له ولا ذكر فيه أن ديتها على العاقلة وقد ذكره بن جريج ومن لم يذكر الشيء فقد قصر والحجة في ذكر من ذكر قال أبو عمر إلا أنه قد اختلف على حمل بن مالك في حديثه هذا وروى شعبة عن قتادة عن أبي المليح الهذلي عن حمل بن مالك قال كانت لي امرأتان فرمت إحداهما الأخرى فأصابتها فقتلتها وهي حامل فألقت جنينها فماتت فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة وقضى في الجنين بغرة عبد أو أمة أو مائة شاة أو عشرة من الإبل فحصل حديث حمل بن مالك بن النابغة الأعرابي الهذلي مختلفا فيه ولم يختلف الحديث عن أبي هريرة في ذلك إلا من قصر فلم يذكر دية المرأة وكذلك لم يختلف في ذلك أيضا في حديث المغيرة بن شعبة وهو حديث رواه الثوري وشعبة وجرير وغيرهم عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضلة الخزاعي عن المغيرة بن شعبة قال ضربت ضرة لها بعمود فسطاط فقتلتها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بديتها على عصبة القاتلة ولما في بطنها غرة فقال الأعرابي يا رسول الله أتغرمني من لا طعم ولا شرب ولا صاح ولا استهل مثل ذلك يطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع الأعراب وروى سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس هذا الخبر فيه فأسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا وماتت المرأة فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة بالدية وروى عن مجالد عن الشعبي عن جابر أن امرأتين من هذيل فذكر الحديث وقال فيه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ميراثها لزوجها وولدها

قال أبو عمر وعلى هذا جمهور الناس أن الميراث للورثة والعقل على العصبة ولم تختلف الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في الجنين سقط ميتا يضرب بطن أمه وهي حية حين رمته بغرة عبد أو أمه هذا ما لم يختلف فيه أحد علمته واختلفت الروايات في الزيادة على قوله عليه السلام في الغرة عبد أو أمة روى بن عيينة قال أخبرني بن طاوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بغرة عبد أو أمة أو فرس وروى عيسى بن يونس عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل وهو قول مجاهد وطاوس وعطاء قالوا في الغرة عبد أو أمة أو فرس وقال بعضهم أو بغل ورفعه عطاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما رفعه طاوس وقد تقدم في حديث أبي المليح الهذلي عن حمل بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة أو مائة شاة أو عشر من الإبل قال أبو عمر أجمع العلماء أن الغرة تجب في الجنين الذي يسقط من بطن أمه ميتا وهي حية في حين سقوطه وأن الذكر والأنثى في ذلك سواء في كل واحد منهما الغرة واختلفوا على من تجب الغرة في ذلك فقالت طائفة منهم مالك والحسن بن حي هي في مال الجاني وهو قول الحسن البصري والشعبي وقال آخرون هي على العاقلة وممن قال ذلك الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وهو قول إبراهيم وبن سيرين وقد حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني يونس بن محمد قال حدثني عبد الواحد بن زياد عن المجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الجنين غرة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها

مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول الغرة تقوم خمسين دينارا أو ستمائة درهم ودية المرأة الحرة المسلمة خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم قال مالك فدية جنين الحرة عشر ديتها والعشر خمسون دينار أو ستمائة درهم قال أبو عمر العلماء القائلون بأن الدية من الذهب ألف دينار على ما فرضها عمر لا يختلفون فيها ذكر ربيعة ومالك أن دية الجنين عشر دية أمه خمسون دينارا وهم جمهور علماء الحجاز والعراق وأما من راعى في الدية قيمة الإبل غلت أو رخصت فقال منهم قائلون الغرة عبد أو أمة أقلها بنت سبع سنين أو ثماني سنين وهو أحد قولي الشافعي قال ليس على الذي تجب عليه له أن يقبلها معيبا وقال داود وأهل الظاهر كل ما وقع عليه اسم غرة أجزأ إلا أن يتفق الجميع على سن ما أنه لا يجزئ وأما قوله أو ستمائة درهم فهو مذهب الحجازيين القائلين بأن الدية من الدراهم اثنا عشر ألف درهم ونصفها دية المرأة ستة آلاف درهم عشرها ستمائة درهم وهو مذهب مالك والشافعي وأصحابهما وأهل المدينة وأما الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري فقالوا قيمة الغرة خمسمائة درهم وهذا على أصولهم في أن دية المرأة خمسة آلاف درهم وهو مذهب سلفهم أصحاب بن مسعود وغيرهم قال مالك ولم أسمع أحدا يخالف في أن الجنين لا تكون فيه الغرة حتى يزايل بطن أمه ويسقط من بطنها ميتا قال مالك وسمعت أنه إذا خرج الجنين من بطن أمه حيا ثم مات أن فيه الدية كاملة

قال أبو عمر هذا كله من قوله إجماع لا خلاف بين العلماء فيه أن الجنين لا يجب فيه شيء حتى يزايل بطن أمه وأنها لو ماتت وهو في جوفها لم يجب فيه شيء وأنه داخل في حكمها من دية أو قصاص وكذلك أجمعوا أنه إذا خرج حيا ثم مات من ضرب بطن أمه أن فيه الدية كاملة منهم من يقول بقسامة وهو مالك ومنهم من لا يوجب فيه قسامة وهو الكوفي وعلى ضارب بطن أمه مع ذلك الكفارة هذا كله لم يختلف فيه واختلوا في الكفارة على من تجب عليه الغرة دون الدية الكاملة فذهب الشافعي إلى أن الغرة واجبة على الجاني مع الكفارة وروي ذلك عن عمر وبه قال الحسن وإبراهيم وعطاء والحكم والكفارة عتق رقبة وقال أبو حنيفة لا كفارة فيه واستحسن مالك الكفارة هنا ولم يوجبها لأنه قال مرة في من ضرب بطن امرأة فألقت جنينها هو عمد في الجنين خطأ في الأم ومرة قال هو عمد في الأم خطأ في الجنين قال مالك ولا حياة للجني إلا بالاستهلال فإذا خرج من بطن أمه فاستهل ثم مات ففيه الدية كاملة قال أبو عمر قد أعلمتك بإجماعهم في الجنين تلقيه أمه حيا ثم يموت وأما علامة حياته فاختلف العلماء من السلف والخلف فيه فالذي ذهب إليه مالك وأصحابه أنه لا تعلم حياته إلا بالاستهلال وهو الصياح أو البكاء المسموع وأما حركة أو عطاس فلا وهو قول جماعة منهم بن عباس وشريح وقتادة ذكر وكيع قال حدثني إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن بن عباس قال استهلاله صياحه وقاله إبراهيم وغيره

وذكر أبو بكر قال حدثني جرير عن منصور عن إبراهيم قال ولدت امرأة ولدا فشهد نسوة أنه اختلج وولد حيا ولم يشهدن على الاستهلال فأبطل شريح ميراثه لأنهن لم يشهدن على الاستهلال وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال أخبرني سعيد بن أبي عروبة قال سمعت قتادة يقول لو خرج تاما ومكث الروح فيه ثلاثا ما ورثته حتى يستهل وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وأكثر الفقهاء إذا علمت حياته بحركة أو عطاس أو استهلال أو رضاع أو غير ذلك مما يستيقن به حياته ثم مات ففيه الدية كاملة وعتق رقبة قال معمر عن الزهري لا يرث الجنين ولا يتم عقله حتى يستهل قال وإن عطس فهو عندي بمنزلة الاستهلال وروى مكحول عن زيد بن ثابت قال في السقط يقع فيتحرك قال كملت ديته استهل أو لم يستهل وروى معن بن عيسى عن بن أبي ذئب عن الزهري قال أرى العطاس استهلالا وذكر أبو بكر قال حدثني بن مهدي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال الاستهلال البكاء أو العطاس واختلفوا في السقط الذي تطرحه أمه المضروب بطنها فقال مالك كل ما طرحته من مضغة أو علقة أو ما يعلم أن يكون ولد ففيه الغرة وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا شيء فيه من غرة ولا غيرها حتى يستبين شيء من خلقته أصبع أو ظفر أو عين أو ما أشبه ذلك مما يفارق فيه المضغة والدم والعلقة وزاد في كتاب أمهات الأولاد قال فإن أسقطت خلقا مجتمعا لا يستبين أن يكون له خلق سألنا عدولا من النساء فإن زعمن أن هذا لا يكون إلا خلق الآدميين كانت له أم ولد وإن شككن لم تكن له أم ولد قال مالك ونرى أن في جنين الأمة عشر ثمن أمه قال أبو عمر يريد جنين الأمة من غير سيدها لأن جنين الأمة من سيدها لم يختلف العلماء أن حكمه حكم جنين الحرة

واختلفوا في جنين الأمة اختلافا كثيرا فذهب مالك والشافعي وأصحابهما إلى أن في جنين الأمة عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى قال الشافعي يوم جنى عليها قال وهو قول المدنيين يعني عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة ولم يفرق بين ذكر أو أنثى قال المزني القياس على أصله عشر قيمة أمه يوم تلقيه واحتج بذلك لمسائل من قوله قال لا أعرف أن يدفع عن الغرة قيمة إلا أن تكون لموضع لا توجد فيه قال المزني أصله في الدية الإبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها فإن لم توجد فقيمتها وكذلك الغرة إذا لم توجد فقيمتها قال وإنما قلت أن لا يقبلها دون سبع سنين أو ثماني سنين لأنها لا تستغني بنفسها دون هذا السن ولا يفرق بينها إلا في حد أسن وأعلى وقال أبو حنيفة وأصحابه إن خرج جنين الأمة من غير سيدها حيا ثم مات ففيه قيمته قال أبو عمر وهذا لم يختلفوا فيه قال وإن خرج ميتا فإن كان ذكرا كان فيه نصف عشر قيمته لو كان حيا وإن كانت أنثى كان فيها عشر قيمتها لو كانت حية وقال الطحاوي هذا قول أبي حنيفة ومحمد ولم يجد محمد عن أبي يوسف في ذلك خلافا قال وبه نأخذ وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف في جنين الأمة إذا ألقته ميتا فأنقص أمه كما يكون في أجنة البهائم قال أبو عمر قد احتج الشافعي على محمد بن الحسن في تفرقتهم بين الذكر والأنثى في الجنين تطرحه أمه ميتا فأحسن ذكره المزني عنه وقال أبو بكر سمعت وكيعا يقول قال سفيان نحن نقول إن كان غلاما فنصف عشر قيمته وإن كانت جارية فعشر قيمتها لو كانت حية قال أبو عمر هذا قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول إبراهيم

وقال الحسن كقول مالك والشافعي عشر ثمن أمه رواه عنه يونس وهشام وقال معمر عن الزهري جنين الأمة في ثمن أمه بقدر جنين الحرة في دية أمه وقال الحكم كانوا يأخذون جنين الأمة في جنين الحرة ذكره أبو بكر عن يزيد بن هارون عن الأشعث عن الحكم وروى الزهري عن سعيد بن المسيب قال في جنين الأمة عشرة دنانير وقال حماد في جنين الأمة حكومة قال مالك وإذا قتلت المرأة رجلا أو امرأة عمدا والتي قتلت حامل لم يقد منها حتى تضع حملها قال أبو عمر هذا إجماع من العلماء وسنة مسنونة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرجم الحامل المعترفة بالزنى حتى وضعت قال مالك وإن قتلت المرأة وهي حامل عمدا أو خطأ فليس على من قتلها في جنينها شيء فإن قتلت عمدا قتل الذي قتلها وليس في جنينها دية وإن قتلت خطأ فعلى عاقلة قاتلها ديتها وليس في جنينها دية قال أبو عمر قد ذكرنا أنهم لا يختلفون أن الجنين لا يعتبر له حكم ولا يراعي حتى تلقيه أمه من الضرب حيا أو ميتا فتكون فيه مع الحياة دية وفي الغرة إن ألقته ميتا كما ذكرنا وبالله توفيقنا سئل مالك عن جنين اليهودية والنصرانية يطرح فقال أرى أن فيه عشر دية أمه قال أبو عمر هو قول الشافعي وأما الكوفي فقال جنين الذمية يهودية كانت أو نصرانية أو مجوسية كجنين المسلمة سواء وهو قول الأوزاعي

وهذا على أصلهم في دية الذمي أنها كدية المسلم وأنه بقتل المسلم بالذمي كما يقتل الذمي به وأما مالك والشافعي فلا يقتل عندهما مسلم بكافر إلا أن دية اليهودي والنصراني عند مالك نصف دية المسلم وعند الشافعي ثلث دية المسلم واتفقا على أن دية المجوسي ثمانمائة درهم وسنذكر ذلك كله في موضعه إن شاء الله تعالى واختلفوا في الجنين يخرج من بطن أمه ميتا وهي قد ماتت من ضرب بطنها فقال مالك والشافعي وأصحابهما لا شيء فيه من غرة ولا غيرها إذا ألقته بعد موتها ميتا وقال ربيعة والليث بن سعد فيه الغرة وروي ذلك عن الزهري قال أبو عمر قول أشهب في هذا كقول الليث وقد أجمعوا أنها لو ماتت من الضرب ولم تلق الجنين أنه لا شيء فيه وكذلك أجمعوا أنه لو ضرب بطن امرأة ميتة فألقت جنينا ميتا أنه لا شيء فيه فالقياس أنه لا شيء فيه إذا ألقته ميتا وهي ميتة وإن كان الضرب وهي حية والله أعلم واختلفوا في ميراث الغرة من يستحقه فاتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم أنها مورثة عن الجنين وحجتهم أن الغرة عن الجنين لا عن عضو من أعضاء الأم لأنهم قد أجمعوا أنها لو قطع يدها خطأ فماتت من ذلك لم تكن لليد دية ودخلت في النفس ولو ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا ثم ماتت من الضربة وجبت الدية والغرة ولم تدخل الغرة في الدية فدل ذلك على أن الجنين منفرد بحكمه دون أمه فوجب أن تكون ديته موروثة عنه كسائر الديات وإذا صح هذا بطل قول من جعلها للأم خاصة وقال ربيعة والليث الدية للأم خاصة كعضو من أعضائها وقد روي عن ربيعة والزهري أن دية الجنين موروثة على فرائض الله تعالى

قال أبو عمر قد تقدم لمالك أنه يوجب القسامة في الجنين أنه ما مات من ضرب بطن أمه وقال الشافعي في كتاب الديات والجنايات إن قامت البينة أنها لم تزل شاكية موجعة من الضرب حتى طرحته لزمت الجناية الجاني ويغرمها من يغرم دية الخطأ وإن لم تقم البينة حلف الجاني وبرئ باب ما فيه الدية كاملة مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول في الشفتين الدية كاملة فإذا قطعت السفلى ففيها ثلثا الدية قال أبو عمر أجمع العلماء من السلف والخلف أن في الشفتين الدية وأما ما قاله سعيد بن المسيب في السفلى الدية فهو مذهب زيد بن ثابت وهو قول طائفة من علماء التابعين ذكر أبو بكر قال حدثني يزيد بن هارون عن مكحول عن زيد بن ثابت قال في الشفة السفلى ثلثا الدية لأنها تحبس الطعام والشراب وفي العليا ثلث الدية وممن قال بقول زيد بن ثابت في ذلك سعيد بن المسيب ومكحول وعطاء والشعبي في رواية الشيباني عنه وروى عنه زكريا الشفتان سواء في كل واحدة منهما نصف الدية وهو قول الحسن وإبراهيم وقتادة ومجاهد وقد روى عن مجاهد تفضل السفلى على العليا بالتغليظ ولا تفضل بالزيادة في العدد واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم على أن في الشفتين الدية وأن في كل واحدة منهما نصف الدية ولا تفضل السفلى غيرها مالك أنه سأل بن شهاب عن الرجل الأعور يفقأ عين الصحيح فقال بن شهاب إن أحب الصحيح أن يستقيد منه فله القود وإن أحب فله الدية ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم

قال أبو عمر هذا في العمد له القود إن شاء لقول الله تعالى والعين بالعين المائدة وجعل بن شهاب المفقوء العين مخيرا على الأعور الذي فقأ عينه إن شاء فقأ عينه وإن شاء أخذ منه ألف دينار دية عينه وهو مذهب عمر وعثمان وبن عمر في عين الأعور الدية كاملة إذا فقئت خطأ وسيأتي ذكر فقء عين الأعور خطأ في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى ولم يختلف في ذلك قول مالك واختلف قوله في هذه المسألة فقال مرة ليس للصحيح الذي فقئت عينه إلا دية عينه خمسمائة دينار كما لو فقأها غير أعور وعفي عنه على الدية قال بن القاسم ثم رجع عن ذلك فقال يأخذ دية عين الأعور الذي ترك له ألف دينار قال بن القاسم وقوله الآخر أعجب إلي وقال بن دينار والمغيرة بقوله الأول وقال الشافعي الصحيح الذي فقئت عينه مخير إن شاء فقأ عين الأعور وإن شاء أخذ دية عين نفسه خمسين من الإبل ليس له غير وهذا كقول بن دينار والمغيرة سواء قال الشافعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين خمسون وقال في العينين الدية وليس لأحد أن يجعل في إحداهما الدية وقال الكوفيون الصحيح الذي فقئت عينه ليس بمخير وإنما له القصاص من الأعور أو يصطلحان على ما شاء وللسلف في هذا أقوال ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن محمد عن أبي عياض أن عمر وعثمان اجتمعا على أن الأعور إن فقأ عين صحيح فعليه مثل دية عينه ولا قود عليه قال وقال علي القصاص في كتاب الله تعالى والعين بالعين المائدة وقد علم أنه يكون هذا وغيره فعليه القصاص

ذكر أبو بكر قال حدثني حفص عن داود عن عامر في أعور فقأ عين صحيح قال العين بالعين وقال وحدثني غندر عن شعبة عن مغيرة عن إبراهيم مثله وروى سعيد عن قتادة عن أبي عياض أن عثمان قضى في رجل أعور فقأ عين صحيح فقال عليه دية عينه وهي دية عينين ولا قود عليه قال قتادة وقال ذلك بن المسيب في العمد والخطأ لا يستقاد من أعور وعليه الدية كاملة وروى معمر عن الزهري عن قتادة قالا إذا فقأ الأعور عين الصحيح عمدا غرم ألف دينار وإن فقأها خطأ غرم خمسمائة دينار وروى بن جريج عن عطاء في أعور أصاب عين إنسان عمدا قال ما أرى أن يقاد منه أرى له الدية كاملة قال أبو عمر كأنه كره أن يأخذ عين الأعور وحدها بعيني الصحيح اللتين فقأهما وكره أن يغرمه مع عينه التي ليس له غيرها دية عين فقضى الصحيح بدية عينيه معا ودفع القصاص مالك أنه بلغه أن في كل زوج من الإنسان الدية كاملة وأن في اللسان الدية كاملة وأن في الأذنين إذا ذهب سمعهما الدية كاملة اصطلمتا أو لم تصطلما وفي ذكر الرجل الدية كاملة وفي الأنثيين الدية كاملة مالك أنه بلغه أن في ثديي المرأة الدية كاملة قال مالك وأخف ذلك عندي الحاجبان وثديا الرجل قال أبو عمر أما قوله في كل زوج من الإنسان الدية كاملة فهذا في مذهبه وقوله على الأكثر والأغلب لأنه لا يجعل على الحاجبين الدية ولا في ثديي الرجل ولا في الأذنين إذا لم يذهب سمعهما وغيره يجعل في ذلك الدية وأما قوله في اللسان الدية فقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وعليه جماعة العلماء ومذاهب أئمة الفتوى إذا قطع كله أو ما يمنع الكلام منه

فإن لم يمنع ما قطع منه شيئا من الكلام ففيه حكومة فإن منع ما قطع منه بعض الكلام ففيه بحساب ما منع منه يعتبر بحروف الفم هذا كله في الخطأ واختلفوا في القصاص في اللسان فمن لم ير فيه القصاص وهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم يرون فيه الدية على ما وصفنا في مال الجاني عمدا في أحد قولي مالك والأشهر عنه أنه على العاقلة وعند الشافعي والكوفي في مال الجاني وقال الليث وغيره في اللسان القصاص يعني في العمد وأما قوله وأن في الأذنين الدية إذا ذهب سمعهما فقد اختلف في الأذنين واختلف في ذهاب السمع أيضا فالذي رواه بن القاسم عن مالك في السمع الدية إذا ذهب من الأذنين جميعا وفي قطع الأذنين حكومة وهو رواية بن عبد الحكم عن مالك نحو ذلك لأنه قال ليس في إشراف الأذنين إلا حكومة وروى أهل المدينة عن مالك أنه قال في الأذنين إذا اصطلمتا الدية وإن لم يذهب السمع ولم يختلف عن مالك أن في ذهاب السمع الدية وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والليث بن سعد في الأذنين الدية وفي السمع الدية قال أبو عمر روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه من وجوه أنه قضى في الأذن بخمس عشرة من الإبل وقال إنه لا يضر السمع ويسترهما الشعر والعمامة وروي عن عمر وعلي وزيد أنهم قضوا في الأذن إذا استؤصلت بنصف الدية وروي عن بن مسعود مثله قال معمر والناس على هذا وأما ذهاب السمع فروي عن مجاهد أنه قال في ذهاب السمع خمسون وهذا يحتمل أن يكون في الأذن الواحدة وقال عطاء لم يبلغني في ذهاب السمع شيء

قال أبو عمر جمهور العلماء على أن في ذهاب السمع الدية وأما قوله في ذكر الرجل الدية فإن العلماء مجمعون على أن في الذكر الصحيح الذي يمكن به الوطء الدية كاملة وفي الحشفة الدية كاملة لم يختلفوا في ذلك واختلفوا في ذكر الخصي وذكر العنين كما اختلفوا في لسان الأخرس وفي اليد الشلاء فمنهم من جعل في ذكر الخصي والعنين حكومة ومنهم من قال فيه الدية كاملة ومنهم من قال فيه ثلث الدية وكذلك اختلافهم في لسان الأخرس والذي عليه الفقهاء في ذكر الخصي والعنين حكومة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرسل الزهري وغيره وعن عمر وعلي وعبد الله وزيد في الذكر الدية وفي الحشفة الدية واختلف الفقهاء في قطع باقي الذكر بعد الحشفة بما ليس كتابنا موضعا لذكره وأما قوله وفي الأنثيين الدية فروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وبن مسعود وهؤلاء فقهاء الصحابة ولا مخالف لهم من التابعين ولا من غيرهم كلهم يقولون في البيضتين الدية وفي كل واحدة منهما نصف الدية وعلى هذا مذهب أئمة الفتوى بالأمصار إلا سعيد بن المسيب فإنه روي عنه من وجوه أنه قال في البيضة اليسرى ثلثا الدية لأن الولد يكون منها وفي اليمنى ثلث الدية حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن داود عن سعيد بن المسيب قال في البيضة اليسرى ثلثا الدية وفي اليمنى الثلث قلت لم قال لأن اليسرى إذا ذهبت لم يولد له وإذا ذهبت اليمنى ولد له

وأما قوله أنه بلغه أن في ثدي المرأة الدية كاملة فعلى هذا جماعة أئمة الفتوى بالأمصار والفقهاء بالحجاز والعراق وأتباعهم وجمهور التابعين كلهم يقولون في ثدي المرأة ديتها وفي كل واحد منهما نصف ديتها وفي حلمتيها ديتها كاملة لأنه لا يكون الرضاع إلا بهما وفي كل واحدة منهما نصف الدية وروي ذلك عن زيد بن ثابت وجماعة من تابعي المدينة ومكة والكوفة إلا في الحلمتين فإنه روي فيهما عن زيد وغيره أشياء مضطربة وعن أبي بكر الصديق في ثدي المرأة شيء لا يصح عنه خلاف ما اجتمع عليه الفقهاء وروى معن بن عيسى عن بن أبي ذئب عن الزهري أنه سئل عن ثديي المرأة فقال فيهما الدية وفي ثدي المرأة نصف الدية وإذا أصيب بعضه ففيه حكومة العدل المجتهد وأما قوله وأخف ذلك عندي الحاجبان وثديا الرجل قال أبو عمر مذهب مالك رحمه الله أن في الحاجبين حكومة وكذلك في ثدي الرجل حكومة وفي جفون العينين حكومة وفي أشفارها حكومة وفي شعر الرأس واللحية إذا حلقا ولم ينبت حكومة وقال بن القاسم لا قصاص في حلق الرأس ولا اللحية وفيهما الأدب وقال الشافعي في شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العينين حكومة وقال أبو حنيفة في الحاجبين الدية وفي إحداهما نصف الدية وفي أشفار العينين الدية وفي كل واحد منهما ربع الدية قال أبو عمر روي عن بن مسعود أنه قال ما كان في الأنثيين في الإنسان ففيهما الدية وفي كل واحد منهما نصف الدية وروي عن سعيد بن المسيب وشريح والشعبي وإبراهيم والحسن في الحاجبين الدية وفي كل واحد منهما نصف الدية وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من وجه لا يثبت في اللحية إذا حلقت ولم تنبت الدية قال أبو عمر الدية لا تصح ولا تثبت في عضو من الأعضاء ولا في النفس إلا بتوقيف ممن يجب التسليم له

ولم يجمعوا في الحاجبين ولا في شعر اللحية والرأس على شيء والقياس أن يكون في كل ما لم يصح فيه توقيف حكومة والله أعلم ومن أحسن ما قيل في الأجفان ما روى الشيباني عن الشعبي قال في الأجفان في كل جفن ربع الدية وروى عنه داود بن أبي هند قال في الجفن الأسفل الثلثان وفي الأعلى الثلث وحدثني أحمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله عن بقي عن أبي بكر قال حدثني عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق عن مكحول قال كانوا يجعلون في جفني العين إذا أخذتا عن العين الدية وذلك أنه لا بقاء للعين بعدهما فإن تفرقا جعل في الأسفل الثلث وفي الأعلى الثلثين وذلك أجزى عن العين من الأسفل بسترها ويكف عنهما وهو قول الشافعي والكوفي وأحمد في الأجفان قال مالك الأمر عندنا أن الرجل إذا أصيب من أطرافه أكثر من ديته فذلك له إذا أصيبت يداه ورجلاه وعيناه فله ثلاث ديات قال أبو عمر لا أعلم في هذا خلافا بين العلماء والحمد لله قال مالك في عين الأعور الصحيحة إذا فقئت خطأ إن فيها الدية كاملة قال أبو عمر في عين الأعور تصاب خطأ قولان للعلماء أحدهما نصف الدية والثاني الدية كاملة وإليه ذهب مالك وأصحابه وجماعة من أهل المدينة وغيرهم من السلف وهو قول الليث وروى معمر عن الزهري وقتادة قالا إذا فقئت عين الأعور خطأ ففيها الدية كاملة ألف دينار وروى بن جريج عن بن شهاب في عين الأعور تفقأ خطأ قال فيها الدية كاملة ألف دينار قلت عن من قال لم نزل نسمعه

وقال بن جريج وقال ذلك ربيعة قال بن جريج وحديث عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان رضي الله عنهما قضيا في عين الأعور بالدية تامة وروى قتادة عن أبي مجلز عن عبد الله بن صفوان أن عمر بن الخطاب قضى في عين أعور بالدية كاملة ذكره عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن سعيد عن قتادة ورواه وكيع عن هشام عن قتادة وروى معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر قال إذا فقئت عين الأعور ففيها الدية كاملة وذكر أبو بكر قال حدثني أبو أسامة عن سعيد عن قتادة عن أبي عياض أن عثمان قضى في أعور أصيبت عينه الصحيحة بالدية كاملة قال وحدثني يزيد عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب في أعور فقئت عينه قال فيها الدية كاملة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وعثمان البتي في عين الأعور الصحيحة إذا فقئت نصف الدية وهو قول عبد الله بن معقل وشريح القاضي ومسروق والشعبي وإبراهيم وعطاء ذكر عبد الرزاق عن بن التيمي عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي الضحى قال سئل عبد الله بن معقل عن الرجل يفقأ عين الأعور فقال ما أنا فقأت عينه الأخرى ليس له إلا نصف الدية وروى بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن مغفل أنه قال في الأعور يفقأ عين الصحيح قال تفقأ عين الذي فقأ عينه قال ما أنا فقأت عينه الأخرى قال الله عز وجل والعين بالعين المائدة وروى الثوري عن فراس عن الشعبي عن مسروق في عين الأعور تصاب قال أنا أدي قتيل الله فيها نصف الدية دية عين واحدة والآثار عن سائر من ذكرنا في كتاب أبي بكر صحاح كلها إلا أنه ليس فيهم من الصحابة أحد

وقد احتج قائلوا هذا القول بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه لعمرو بن حزم وغيره في العين خمسون ولم يخص أعور من غير أعور وبإجماع على أن من قطع يد رجل مقطوع اليد خطأ أو رجله ليس عليه إلا دية رجل واحدة أو يد واحدة قال بن القاسم عن مالك إذا كان الرجل ذاهب السمع من إحدى أذنيه فضرب إنسان الأذن الأخرى فأذهب سمعه فعليه نصف الدية قال وكذلك الرجلين واليدين إذا قطع إنسان الثانية منهما لم يكن عليه إلا نصف الدية قال بن القاسم وإنما قال ذلك مالك في عين الأعور دون غيرها قال أبو عمر لم يجمعوا في اليد لأن الأوزاعي قال إذا أصيبت يد رجل في سبيل الله ثم أصاب رجل الأخرى ففيها الدية كاملة قال وإن كان أخذ لها ديتها ففي الأخرى نصف الدية قال وكذلك عين الأعور قال أبو عمر القياس أنه لا يلزم الجاني إلا جنايته لا جناية غيره وإذا كان ذلك فلا فرق بين أن يأخذ الأعور لعينه دية أو لا يأخذ وكذلك اليد لأنه لا يعتبر في فعل الإنسان فعل غيره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليد خمسون قال أبو عمر قول مالك أولى ما قيل به في هذا الباب من جهة الاتباع لعمر وعثمان وبن عمر وبالله التوفيق قال أبو عمر أحسن ما روي فيمن ضرب عين غيره فذهب بعض بصره عمدا وبقي بعض ما رواه سنيد قال حدثنا عباد بن العوام عن عمر بن عامر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن رجلا أصاب عين رجل فذهب بعض بصره وبقي بعضه فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فأمر بعينه الصحيحة فعصبت وأعطي رجل بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره فأمر علي فخط عند ذلك خطا علما ثم أمر بعينه الأخرى فعصبت وفتحت الصحيحة وأعطى رجل بيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره ثم خط عند ذلك علما وعرف ما بين الموضعين من المسافة ثم أمر به فحول إلى مكان وفعل به مثل ذلك ثم قاس فوجد مثل ذلك سواء فأعطاه بقدر ما نقص من بصره من مال الجاني عليه

باب ما جاء في عقل العين إذا ذهب بصرها مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت كان يقول في العين القائمة إذا طفئت مائة دينار قال مالك الأمر عندنا في العين القائمة العوراء إذا طفئت وفي اليد الشلاء إذا قطعت إنه ليس في ذلك إلا الاجتهاد وليس في ذلك عقل مسمى قال أبو عمر خالف مالكا في إسناد هذا الحديث سفيان الثوري وغيره ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت قضى في العين القائمة إذا محقت مائة دينار وذكر أبو بكر قال حدثني حفص وعبد الرحيم عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت أنه قضى في العين القائمة إذا طفئت مائة دينار وروى بن عيينة قال حدثني يحيى بن سعيد وإسماعيل بن أمية عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت أنه قضى في العين القائمة التي لا يبصر بها صاحبها إذا بخصت بمائة دينار يعني إذا أطفئت فأسقط مالك من إسناد هذا الحديث بكير بن الأشج وهو الراوي له عن سليمان بن يسار سماعا ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرنا إسماعيل بن أمية أن بكير بن الأشج أخبره أنه سمع سليمان بن يسار يحدث عن زيد بن ثابت قال في العين القائمة عشر الدية مائة دينار وقد روي في هذه المسألة عن عمر بن الخطاب خلاف ما روى زيد في العين القائمة رواه معمر عن الزهري عن سالم قال قضى عمر بن الخطاب في العين القائمة إذا أصيبت وطفئت بثلث الدية روى قتادة عن عبد الله بن يزيد عن يحيى بن يعمر عن عبد الله بن

عباس عن عمر بن الخطاب أنه قال في العين القائمة العوراء واليد الشلاء والسن السوداء في كل واحدة منهما ثلث ديتها وروى بن جريج عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال فيها نصف الدية وقال مسروق والشعبي وإبراهيم والحكم وحماد فيها حكومة عدل أو حكم ذوي عدل وروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أن عمر بن عبد العزيز قضى في عين كانت قائمة فضخت بمائة دينار قال أبو عمر العين القائمة المذكورة في هذا الباب هي السالمة الحدقة القائمة الصورة إلا أن صاحبها لا يرى منها شيئا وقد اختلف السلف في ديتها إذا أصيبت كما ترى واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة على أن فيها حكومة من غير توقيت إلا ما يؤدي إلى اجتهاد الحاكم المشاور للعلماء وكذلك اليد الشلاء عندهم وقال الشافعي قضى زيد بن ثابت في العين القائمة فحمله عندي أنه حكم بذلك مجتهدا وأن ذلك كان منه على وجه الحكومة لا على وجه التوقيف والله أعلم قال ومعنى الحكومة أن يقوم المجني كم يساوي لو كان عبدا غير مجني عليه ثم يقوم مجنيا عليه فينظر كم بين القيمتين فإن كانت العشر فعليه عشر الدية أو الخمس فعليه خمس الدية قال أبو عمر فهذا حكم العين القائمة تفقأ خطأ أو عمدا إلا أن يكون الفاقى ء لها عمدا له عين مثلها ففيها القود ولو أن رجلا ضرب عين رجل صحيحة فذهب بصرها وبقيت قائمة ففي العمد من ذلك القود وأرفع ما جاء في ذلك ما روى عن علي رضي الله عنه رواه معمر عن الحكم بن عتيبة أن عثمان رضي الله عنه أتي برجل لطم عين رجل أو أصابه بشيء فذهب بصره وعينه قائمة فأراد عثمان أن يقيده فأعيا ذلك عليه وعلى الناس كيف يقيده وجعلوا لا يدرون كيف يصنعون حتى أتاهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأمر بالمصيب فجعل على وجهه كرسف ثم استقبل به عين

الشمس وأدنى من عينه مرآة فالتمع بصره وعينه قائمة وروى عباد بن العوام عن عمر بن عامر عن سعيد بن المسيب أن رجلا أصاب عين رجل فذهب بصره وبقيت عينه مفتوحة فرفع ذلك إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأمر بمرآة فأحميت ثم أدنيت من عينه حتى سالت نطفة عينه وبقيت قائمة مفتوحة ذكره سنيد عن عباد بن العوام قال يحيى وسئل مالك عن شتر العين وحجاج العين فقال ليس في ذلك إلا الاجتهاد إلا أن ينقص بصر العين فيكون له بقدر ما نقص من بصر العين قال أبو عمر نحو هذا قول أبي حنيفة والشافعي وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أمراء الأجناد أن يكتبوا إليه بعلم علمائهم قال فكان مما أجمعوا عليه في شتر العين ثلث الدية وفي حجاج العين ثلث الدية قال أبو عمر حجاج العين هو العظم المشرف على غار العين وهما حجاجا العين قال أهل اللغة الحجاجان هما العظمان المشرفان على غاري العينين باب ما جاء في عقل الشجاج مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سليمان بن يسار يذكر أن الموضحة في الوجه مثل الموضحة في الرأس إلا أن تعيب الوجه فيزداد في عقلها ما بينها وبين عقل نصف الموضحة في الرأس فيكون فيها خمسة وسبعون دينارا قال أبو عمر روي هذا الخبر عن يحيى بن سعيد كما رواه مالك سواء عبد الملك بن جريج ويحيى بن سعيد القطان وجمهور العلماء على أن الموضحة لا تكون إلا في الوجه والرأس دون الجسد

وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأصحابهم إلا أن مالكا قال لا تكون الموضحة إلا في حجبة الرأس والجبهة والخدين واللحي الأعلى ولا تكون في اللحي الأسفل لأنه في حكم العنق ولا في الأنف لأنه عظم منفرد وأما الشافعي والكوفيون فالموضحة عندهم في جميع الوجه والرأس والأنف عندهم من الوجه وكذلك اللحي الأسفل من الرأس وذكروا من قول بن عمر ما فوق الذقن من الرأس ولا يخمره المحرم وقالوا أراد بقوله الذقن وما فوقه كما قال الله عز وجل فاضربوا فوق الأعناق الأنفال ومعنى الموضحة عند جماعة العلماء ما أوضح العظم من الشجاج فإذا ظهر من العظم شيء قل أو كثر فهي موضحة وقال الليث بن سعد وطائفة تكون الموضحة في الجسد فإذا كشفت عن العظم ففيها أرشها وقال الأوزاعي الموضحة في الوجه والرأس سواء وجراحات الجسد على النصف من ذلك قال أبو عمر جعل الليث جراحة الجسد إذا وضحت عن العظم كموضحة الرأس وجعل الأوزاعي موضحة الجسد مؤقتة أيضا بنصف أرش موضحة الرأس واتفق مالك والشافعي وأصحابهما أن جراح الجسد ليس فيها شيء مؤقت جاءت به السنة وإنما في ذلك الاجتهاد في الحكومة وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جعل في موضحة الجسد نصف دية العضو الذي تقع فيه الموضحة فإن كانت في الأصبع ففيها نصف عشر دية الأصبع وكذلك لو كانت في اليد أو في الرجل قال أبو عمر الموضحة في الوجه والرأس مجتمع عليها يشهد الكافة من العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت فيها نصف عشر الدية وأجمعوا على ذلك وروي من نقل الآحاد العدول مثله

وإنما اختلفوا في موضحة الجسد وما ذكرنا عن مالك في موضحة الأنف واللحي الأسفل حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يزيد بن هارون قال حدثني حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الموضحة خمس وذلك في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في الديات وفي الموضحة خمس يعني من الإبل وعلى أهل الذهب خمسون دينارا وعلى أهل الورق نصف عشر الدية وقد ذكرنا اختلاف أهل الحجاز وأهل العراق في مبلغ الدية من الورق فيما تقدم قال أبو عمر يقولون إن جراحات الجسد لا تسمى شجاجا وإنما يقال لها جراح وأن ما في الرأس والوجه يقال لها شجة ولا يقال لها جراحة وأما قول سليمان بن يسار إلا أن تغيب الموضحة في الوجه فيزاد في عقلها ما بينها وبين نصف عقل الموضحة في الرأس فيكون فيها خمسة وسبعون دينارا فذكر بن حبيب في تفسير الموطأ قال اختلف قول مالك في موضحة الوجه تبرأ على شيئين فمرة قال بقول سليمان بن يسار ومرة قال لا يزاد فيها على عقلها وإن برئت على شيئين واختاره بن حبيب قال أبو عمر وقد روي عن مالك أنه يجتهد في شينها للوجه ويحكم في ذلك بغير توقيت وقال الشافعي لا يزاد في الموضحة على أرشها المسنون شانت الوجه أو لم تشنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض أرشها ولم يفرق عليه السلام بين ما يشين وما لا يشين قال مالك والأمر عندنا أن في المنقلة خمس عشرة فريضة قال والمنقلة التي يطير فراشها من العظم ولا تخرق إلى الدماغ وهي تكون في الرأس وفي الوجه

قال أبو عمر لا يختلف العلماء في أن المنقلة خمس عشرة فريضة وهي عشر الدية ونصف عشر الدية ووصف العلماء لها متقارب جدا فقول مالك ما ذكره في الموطأ وقال بعض أصحابه المنقلة هي الهاشمة ولا يعرف بعضهم الهاشمة وقال بن القاسم الهاشمة دون المنقلة وهي ما هشم العظم قال فإذا كانت في الرأس فهي منقلة قال والمنقلة ما أطار فراش العظم وإن صغر قال أبو عمر موضع المنقلة والهاشمة عند العلماء موضع الموضحة ومحال أن تكون الهاشمة هي المنقلة لأن الهاشمة فيها عشر من الإبل عند الجمهور ولا خلاف أن في المنقلة خمس عشرة فريضة من الإبل واتفقوا على أن ذلك عشر الدية ونصف عشرها وفي الهاشمة عشر الدية عند كل من عرفها وذكرها من الفقهاء في كتبهم وقال الشافعي الهاشمة هي التي توضح ثم تهشم قال وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وهي التي تكسر عظم الرأس حتى يتشظى فتستخرج عظامه من الرأس ليلتئم وقال أبو حنيفة في الهاشمة عشر الدية وهي التي تهشم العظم وفي المنقلة عشر الدية ونصف عشر الدية وهي التي تنقل منها العظام قال أبو عمر روى مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال في الهاشمة عشر من الإبل ولا مخالف له من الصحابة علمته وروى معمر عن قتادة قال في الهاشمة عشر من الإبل قال قتادة وقال بعضهم خمسة وسبعون دينارا قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن المأمومة والجائفة ليس فيهما قود وقد قال بن شهاب ليس في المأمومة قود

قال مالك والمأمومة ما خرق العظم إلى الدماغ ولا تكون المأمومة إلا في الرأس وما يصل إلى الدماغ إذا خرق العظم قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال في المأمومة قود ولا في الجائفة وروى سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال في المأمومة ثلث الدية فإن خبلت شقه أو أذهبت عقله أو سمع الرعد فغشي عليه ففيها الدية كاملة قال أبو عمر اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم على أنه لا قصاص في شيء من شجاج الرأس إلا في الموضحة وما عداها من شجاج الرأس ففيها الدية وقد مضى ما في المنقلة والهاشمة واتفقوا على أن في المأمومة ثلث الدية وكذلك في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في الديات قال وفي المأمومة ثلث الدية قال أبو عمر أهل العراق يسمونها الآمة قالوا هي التي تؤم الدماغ وفيها ثلث الدية وقال الشافعي المأمومة ثلث النفس وهي التي تخرق الجلد إلى الدماغ وأما الجائفة فأجمع العلماء على أنها من جراح الجسد لا من شجاج الرأس وأنها تكون في الظهر وفي البطن إذا وصل شيء منها إلى الجوف ولو بمدخل إبرة فهي جائفة وفيها ثلث الدية ولا قود فيها وإن كانت عمدا قال مالك الأمر عندنا أنه ليس فيما دون الموضحة من الشجاج عقل حتى تبلغ الموضحة وإنما العقل في الموضحة فما فوقها وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الموضحة في كتابه لعمرو بن حزم فجعل فيه خمسا من الإبل ولم تقض الأئمة في القديم ولا في الحديث فيما دون الموضحة بعقل مسمى قال أبو عمر قوله إنه ليس فيما دون الموضحة عقل مسمى وإنما فيه حكومة يجتهد فيها الحاكم وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وقول أكثر العلماء ذكر أبو بكر قال حدثني محمد بن أبي عدي عن أشعث قال كان الحسن لا يؤقت فيما دون الموضحة شيئا

وقال حدثني محمد بن عبد الله الأسدي عن بن علاثة عن إبراهيم بن أبي عبلة أن معاذا وعمر جعلا فيما دون الموضحة أجر الطبيب وكذلك قال مسروق والشعبي وبه كتب عمر بن عبد العزيز ليس في ما دون الموضحة عقل إلا أجر الطبيب وقال إبراهيم ما دون الموضحة إنما فيه الصلح قال أبو عمر قد روى مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة وهي السمحاق بنصف دية الموضحة قال أبو عمر هذا خلاف ظاهر الموطأ قوله ولم تقض الأئمة في القديم ولا في الحديث عندنا فيما دون الموضحة بعقل مسمى ولا وجه لقوله هذا إلا أن يحمل قضاء عمر وعثمان في الملطاة على وجه الحكومة والاجتهاد والصلح لا على التوقيت كما قالوا في قضاء زيد بن ثابت في العين القائمة وذكر عبد الرزاق قال قلت لمالك إن الثوري حدثنا عنك عن يزيد بن قسيط عن بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف الموضحة فقال لي قد حدثته به قلت فحدثني به فأبى وقال العمل عندنا على غير ذلك وليس الرجل عندنا هنالك يعني يزيد بن قسيط قال أبو عمر هكذا قال عبد الرزاق يعني يزيد بن قسيط وليس هو عندي كما ظن عبد الرزاق لأن الحارث بن مسكين ذكر هذا الحديث عن بن القاسم عن عبد الرحمن بن أشرس عن مالك عمن حدثه عن يزيد بن عبد الله بن قسيط وعن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف الموضحة ويزيد بن قسيط من قدماء علماء أهل المدينة ممن لقي بن عمر وأبا هريرة وأبا رافع وروى عنهم وما كان مالك ليقول فيه ما ظن عبد الرزاق به لأنه قد احتج به في مواضع من موطئه وإنما قال مالك وليس الرجل عندنا هنالك في الرجل الذي كتم اسمه وهو الذي حدثه بهذا الحديث عن يزيد بن قسيط وقد بان بما رواه بن القاسم عن مالك عن رجل عن يزيد بن قسيط ما ذكرنا وبالله التوفيق

وقد قلد هذا الخبر الذي ظن فيه عبد الرزاق أن مالكا أراد بقوله ذلك يزيد بن قسيط بعض من ألف في الرجال فقال يزيد بن قسيط ذكر عبد الرزاق أن مالكا لم يرضه فليس بالقوي وهذا غلط وجهل ويزيد بن قسيط ثقة من ثقات علماء المدينة قال أبو عمر قد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قضى في السمحاق بأربع من الإبل روي ذلك عنه من وجوه ويحتمل أن يكون توقيفا ويحتمل أن يكون حكومة فالله عز وجل أعلم وذكر عبد الرزاق قال حدثني محمد بن راشد عن مكحول عن قبيصة عن زيد بن ثابت قال في الدامية بعير وفي الباضعة بعيران وفي المتلاحمة ثلاث وفي السمحاق أربع وفي الموضحة خمس وروى الشعبي عن زيد بن ثابت قال الدامية الكبرى ويرونها المتلاحمة فيها ثلاثمائة درهم وفي الباضعة مائتا درهم وفي الدامية الصغرى مائة درهم قال أبو عمر أسماء الشجاج التي دون الموضحة عند الفقهاء وأهل اللغة أولها الخارصة ويقال لها أيضا الخرصة وهي التي خرصت الجلد أي شقته وقيل هي الدامية وقيل بل الدامية غير الخارصة وهي التي تدمي من غير أن يسيل منها دم ثم الدامغة وهي التي يسيل منها دم وقيل الدامية والدامغة سواء ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم أي تشقه بعد أن شقت الجلد ثم المتلاحمة وهي التي أحزت في اللحم ولم تبلغ السمحاق والسمحاق جلدة أو قشرة رقيقة بين العظم واللحم قالوا وكل قشرة رقيقة فهي سمحاق والسمحاق هي الشجة التي تبلغ القشرة المتصلة بالعظم فإذا بلغت الشجة تلك القشرة المتصلة بالعظم فهي السمحاق ويقال لها الملطاة بالمد والقصر أيضا

وقد قيل لها الملطاة فإن كشطت تلك القشرة أو انشقت حتى يبدو العظم فهي الموضحة ولا شيء عند مالك في الملطاة إن كانت خطأ إلا أن تبرأ على شين فتكون فيها حينئذ حكومة وأما الشافعي والكوفيون ففي كل واحدة من هذه الشجاج التي ذكرنا دون الموضحة حكومة عندهم في الخطإ برئت على شين أو لم تبرأ مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال كل نافذة في عضو من الأعضاء ففيها ثلث عقل ذلك العضو قال مالك كان بن شهاب لا يرى ذلك قال أبو عمر روى هذا الخبر سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد سمع عن سعيد بن المسيب يقول كل نافذة في عضو من الأعضاء ففيها ثلث ما فيه قال يحيى قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن إنها شجة قال سفيان فأما التي تبين العظم فلا قال مالك وأنا لا أرى في نافذة في عضو من الأعضاء في الجسد أمرا مجتمعا عليه ولكني أرى فيها الاجتهاد يجتهد الإمام في ذلك وليس في ذلك أمر مجتمع عليه عندنا قال أبو عمر قول مالك هذا يدل على أن أروش الجراحات لا يؤخذ التوقيت فيها إلا توقيفا والتوقيف إجماع أو سنة ثابتة فإذا عدم ذلك لم يجز أن يشرع للناس شرع لا يتجاوز بالرأي ولزم الإمام في ما ينزل بالناس مما لا نص فيه ولا توقيف إلا الاجتهاد في الحكم ومشاورة العلماء فإن أجمعوا على شيء أنفذه وقضى به وإن اختلفوا نظر واجتهد وهذا هو الحق عند أولي العلم والفهم وبالله التوفيق وأما قول سعيد بن المسيب في كل نافذة في عضو من الأعضاء ثلث دية ذلك العضو فإنه قاسه والله أعلم على الجائفة لأنها جراحة تنفذ إلى الجوف

والجوف مقتل وفيها ثلث الدية فإن كانت النافذة في عضو ليس بمقتل وأصيبت خطأ ففي تلك النافذة ثلث دية ذلك العضو وذلك نحو ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في موضحة الجسد نصف عشر دية ذلك العضو وقد ذكرنا في ما تقدم الاختلاف في ذلك قال مالك الأمر عندنا أن المأمومة والمنقلة والموضحة لا تكون إلا في الوجه والرأس فما كان في الجسد من ذلك فليس فيه إلا الاجتهاد قال مالك فلا أرى اللحي الأسفل والأنف من الرأس في جراحهما لأنهما عظمان منفردان والرأس بعدهما عظم واحد قال أبو عمر قد تقدم القول في هذا الفصل كله من قوله فلا معنى لإعادته مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عبد الله بن الزبير أقاد من المنقلة قال أبو عمر روي عن بن الزبير أنه أقاد من المنقلة وأنه أقاد أيضا من المأمومة والذي عليه جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتوى بالأمصار أنه لا قود في مأمومة ولا في جائفة ولا منقلة لأنه مخوف منها تلف النفس وكذلك كل عظم وعضو يخشى منه ذهاب النفس ولعل بن الزبير لم يخف من المنقلة التي أقاد منها ولا من المأمومة تلفا ولا موتا فأقاد منها على عموم قول الله تعالى والجروح قصاص المائدة ذكر عبد الرزاق قال قلت لعطاء أيقاد من المأمومة قال ما سمعنا أحدا أقاد منها قبل بن الزبير وقال عطاء لا يقاد من المنقلة ولا من الجائفة ولا من المأمومة وذكر أبو بكر قال حدثني حفص عن أشعث عن أبي بكر بن حفص قال رأيت بن الزبير أقاد من مأمومة فرأيتهما يمشيان بمأمومتين قال وحدثني بن مهدي عن مالك عن يحيى بن سعيد أن الزبير أقاد من المنقلة

قال أبو عمر هذا في الموطإ عن ربيعة لا عن يحيى بن سعيد وبن مهدي حافظ وقال أبو بكر حدثني بن مهدي قال حدثني حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار أن بن الزبير أقاد من منقلة وروي عن علي رضي الله عنه من وجوه أنه قال ليس في المأمومة ولا في الجائفة ولا في المنقلة قصاص وقال إبراهيم النخعي وعطاء والزهري والشعبي مثله قال أبو عمر اختلف العلماء في الذي تجب عليه الدية في المأمومة والجائفة وما لا يستطاع القود فيه من جراح العمد فروى بن وهب وبن القاسم عن مالك أن الدية في ذلك على العاقلة وقال بن القاسم وهو أحد قولي مالك وقد روي عن مالك أن ذلك في مال الجارح إن كان مليا وإن كان فقيرا حملته العاقلة وروي عنه أن ذلك في مال الجاني على كل حال لأن العاقلة لا تحمل عمدا ثم قال تحملها العاقلة على كل حال وقال الأوزاعي هي في مال الجاني فإن لم تبلغ ماله فهي على عاقلته وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وعثمان البتي كل جناية فيما دون النفس لا يستطاع فيها القصاص نحو المنقلة والمأمومة والجائفة وما قطع من غير مفصل فأرشه كله في مال الجاني قال أبو عمر ذكر سعيد بن منصور قال حدثني عبد الرحمن وبن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن بن عباس قال لا تحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا مخالف له من الصحابة وذكر أبو بكر قال حدثني بن إدريس عن مطرف عن الشعبي قال لا تعقل العاقلة صلحا ولا عمدا ولا عبدا ولا اعترافا قال وحدثني بن إدريس عن عبيدة عن إبراهيم مثله قال وحدثني عبد الرحمن عن الأشعث عن الحسن والشعبي قالا الخطأ على العاقلة والعمد والصلح على الذي أصابه في ماله

قال وحدثني عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه مثله قال أبو عمر قد قال قتادة والحكم بن عتيبة في كل جرح عمد لا يستطاع القود منه هو على العاقلة وهو قول إبراهيم وحماد وعروة بن الزبير هو في ماله وقال بن القاسم لو قطع رجل يمين رجل عمدا ولا يمين للقاطع كانت دية اليد في ماله ولا تحملها العاقلة وقال بن القاسم في المسلم يقتل الذمي عمدا أن ديته في مال المسلم لا تحملها العاقلة وقال أشهب تحملها العاقلة كالمأمومة والجائفة عمدا واختلف قول مالك وأصحابه في المسلم لا تحمل من الخطإ ديات أهل الكتاب وسيأتي هذا المعنى في باب ما يوجب العقل على الرجل في ماله خاصة وبالله التوفيق باب ما جاء في عقل الأصابع مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال سألت سعيد بن المسيب كم في إصبع المرأة فقال عشر من الإبل فقلت كم في إصبعين قال عشرون من الإبل فقلت كم في ثلاث فقال ثلاثون من الإبل فقلت كم في أربع قال عشرون من الإبل فقلت حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها فقال سعيد أعراقي أنت فقلت بل عالم متثبت أو جاهل متعلم فقال سعيد هي السنة يا بن أخي قال أبو عمر قد مضى معنى هذا الحديث وما للعلماء في مبلغ ما تعاقل فيه المرأة الرجل في ديتها من الاختلاف في باب عقل المرأة من هذا الكتاب فلا معنى لإعادته وليس عند مالك في الأصابع حديث مسند ولا عن صاحب أيضا وعقل

الأصابع مأخوذ من السنة ومن قول جمهور أهل العلم وجماعتهم كلهم يقول في الأصابع عشر عشر من الإبل وعلى هذا إجماع فقهاء الأمصار أئمة الفتوى بالعراق والحجاز وقد جاء عن السلف تفضيل بعض الأصابع على بعض كتفضيل من فضل منهم بعض الأسنان على بعض والسنة أن الأسنان سواء وأن الأصابع سواء وعلى هذا مذاهب الفقهاء وأئمة الفتوى بالأمصار حدثنا سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني محمد بن بشر وأبو أسامة عن سعيد بن أبي عروبة عن غالب التمار عن حميد بن هلال عن مسروق بن أوس عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الأصابع بعشر عشر من الإبل وقال أبو بكر حدثني محمد بن بشر عن سعيد عن مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الأصابع بعشر عشر وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في الديات من رواية مالك وغيره في أصابع اليد وأصابع الرجل عشر عشر من الإبل وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وجماعة من التابعين وهو قول جماعة فقهاء الأمصار أئمة العامة في الفتيا وقد روي عن عمر بن الخطاب خلاف ذلك وروى بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال في الإبهام عشر من الإبل وفي التي تليها عشر وفي الوسطى عشر وفي التي تلي الخنصر تسع وفي الخنصر ست

وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قضى أيضا في الإبهام والتي تليها بعقل نصف اليد وفي الوسطى بعشر فرائض وفي التي تليها تسع فرائض وفي الخنصر بست فرائض وعن مجاهد قال في الإبهام خمس عشرة وفي التي تليها عشر وفي التي تليها وهي الوسطي عشر وفي التي تليها ثمان وفي التي تليها وهي الخنصر سبع رواه سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد وقال سفيان المجتمع عليه في الأصابع أنها سواء قال أبو عمر ما روي عن عمر ومجاهد وما كان مثله في هذا الباب فليس بشيء عند الفقهاء أئمة الفتوى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كل أصبع مما هنالك يعني عليه السلام من اليد والرجل عشر من الإبل وقال صلى الله عليه وسلم هذه وهذه سواء يعني الخنصر والإبهام حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه وهذه سواء يعني الخنصر والإبهام وقال أبو بكر حدثني عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن القضاء في الأصابع في اليدين والرجلين صار إلى عشر من الإبل قال مالك الأمر عندنا في أصابع الكف إذا قطعت فقد تم عقلها وذلك أن خمس الأصابع إذا قطعت كان عقلها عقل الكف خمسين من الإبل في كل إصبع عشرة من الإبل قال مالك وحساب الأصابع ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار في كل أنملة وهي من الإبل ثلاث فرائض وثلث فريضة قال أبو عمر تحصيل مذهب مالك أن في كل أصبع عشرا من الإبل وعلى أهل الذهب مائة دينار وعلى أهل الورق ألف درهم ومائتا درهم وفي كل أنملة ثلث عقل الأصبع إلا الإبهام ففي كل أنملة منه دية الأصبع لأنه أنملتان

وعلى هذا مذهب الشافعي أيضا ذكر عنه المزني قال في اليدين الدية وفي الرجلين الدية وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل وفي كل أنملة ثلث عقل أصبع إلا أنملة الإبهام فإنهما مفصلان ففي أنملة الإبهام نصف عقل الإصبع قال وأي الأصابع شل تم عقلها وقال أبو حنيفة في كل أصبع من اليدين والرجلين نصف الدية والأصابع كلها سواء وفي كل أنملة من كل أصبع فيه ثلاث أنامل ثلث عشر الدية وفي كل أصبع فيه أنملتان نصف عشر الدية قال أبو عمر قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة في هذا الباب سواء إلا ما يختلفون فيه من أصل الدية في تقويم الإبل وفي دية الورق على ما قدمنا ذكره عنهم في باب الدية وقولهم في الأنامل مروي عن زيد بن ثابت وغيره والله الموفق للصواب باب جامع عقل الأسنان مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب قضى في الضرس بجمل وفي الترقوة بجمل وفي الضلع بجمل مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول قضى عمر بن الخطاب في الأضراس ببعير بعير وقضى معاوية بن أبي سفيان في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة قال سعيد بن المسيب فالدية تنقص في قضاء عمر بن الخطاب وتزيد في قضاء معاوية فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء وكل مجتهد مأجور

عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول إذا أصيبت السن فاسودت ففيها عقلها تاما فإن طرحت بعد أن تسود ففيها عقلها أيضا تاما هكذا هذا الحديث في الموطإ قول سعيد فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء لم يذكر الأسنان واقتصر على ذكر الأضراس التي فيها الاختلاف ولو أراد الأضراس والأسنان لم تكن الدية سواء لأن الأضراس عشرون ضرسا والأسنان اثنتا عشرة سنا فلو لم يكن فيها إلا بعيران بعيران لم تكن في جميعها إلا أربعة وستون بعيرا فأين هذا من تمام الدية وسنبين قول سعيد هذا في ما بعد من هذا الباب إن شاء الله عز وجل ورواية بن عيينة لهذا الخبر عن يحيى بن سعيد أبين من رواية مالك حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن يحيى بن سعيد قال سمعت سعيد بن المسيب قال قضى عمر بن الخطاب في الأسنان وهي ما أقبل من الفم بخمس من الإبل وفي الأضراس ببعير بعير فلما كان معاوية قال لو علم عمر من الأضراس ما علمته لما فرق بينهما فقضى فيها بخمس خمس كلها قال سعيد بن المسيب فلو أصيب الفم في قول عمر نقصت الدية وزادت في قول معاوية ولو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين وفي ما أقبل من الفم خمسا خمسا فكانت الدية قال أبو عمر أما الضرس فيأتي القول في دية الأضراس في الباب بعد هذا وأما الترقوة والضلع فمذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما أن في ذلك حكومة وهذا هو أحد قولي الشافعي وذلك خلاف ظاهر ما روي عن عمر وقد روي هذا الحديث عن زيد بن أسلم كما رواه مالك ومعمر وبن جريج وسفيان الثوري

ذكره عبد الرزاق عنه عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن عمر وذكر وكيع قال أخبرنا سفيان عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر قال سمعت عمر يقول على المنبر في الترقوة جمل وقال أبو بكر حدثني يزيد بن هارون عن حجاج بن داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب قال في الترقوة بعير قال وحدثني وكيع وأبو خالد عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال في الترقوة بعيران وقال قتادة فيها أربعة أبعرة وقال عمرو بن شعيب فيها خمس من الإبل وقال مجاهد والشعبي فيها أربعون دينارا وروى وكيع عن سفيان عن جابر عن الشعبي عن مسروق قال في الترقوة حكم ورواه عبد الرزاق عن الثوري بإسناده مثله وهذا أولى ما قيل به في هذا الباب لأنه لم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يجب التسليم له فكذلك قال إليه أئمة الفتوى وقد يحتمل أن يكون الذي جاء عن عمر وعن التابعين في ذلك على سبيل الحكومة والله أعلم وقد ذكر المزني عن الشافعي قال في الترقوة جمل وفي الضلع جمل قال وقال في موضع آخر يشبه ما روي عن عمر في ذلك أن يكون حكومة لا توقيتا وقال المزني هذا أشبه بقوله كما تأول قول زيد بن ثابت في العين القائمة مائة دينار أن ذلك على معنى الحكومة لا على التوقيت قال المزني قد قطع الشافعي بهذا المعنى فقال في كل عظم كسر سوى السن حكومة فإذا جبر مستقيما ففيه حكومة بقدر الألم والشين ولئن جبر معيبا أو به عوج زيد في حكومته بقدر شينه وضرره وألمه لا يبلغ به دية العظم لو قطع وأما رواية سعيد بن المسيب عن عمر أنه قضى في الأضراس ببعير بعير فالضرس غير السن إلا أن السن اسم جامع عند أهل العلم للأضراس وغيرها

وهي اثنان وثلاثون سنا منها عشرون ضرسا وأربعة أنياب وأربع ثنايا وأربع ضواحك وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن في السن خمسا من الإبل واتفق فقهاء الأمصار على ذلك كله وسنذكر الحديث المسند وغيره بعده إن شاء الله تعالى والاختلاف إنما هو في الأضراس العشرين لا في الأسنان الاثني عشرة فعلى قول عمر في الأضراس عشرون بعيرا في كل ضرس بعير وفي الأسنان ستون بعيرا فذلك ثمانون بعيرا ينقص من الدية عشرون بعيرا وعلى السنة الثابتة في كل سن خمس من الإبل وهو الذي أضافه سعيد بن المسيب إلى قول معاوية في حديثه هذا تبلغ دية جميع الأسنان مائة وستون بعيرا فتزيد على دية النفس ستين بعيرا وعلى قول سعيد بن المسيب إذا كان في الأضراس بعيران بعيران وهي عشرون ضرسا وفي الأسنان ستون فتلك الدية سواء قال أبو عمر لا معنى لاعتبار دية الأسنان بدية النفس لا في أصول ولا في قياس لأن الأصول أن يقاس بعضها ببعض وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السن خمسا من الإبل فينتهي من الأسنان جميعا حيث ما انتهى بها عددها كما لو فقئت عين إنسان وقطعت يداه ورجلاه وذكره وخصيتاه لاجتمع له في ذلك أكثر من دية نفسه أضعافا فلا وجه لاعتبار دية الأضراس بدية النفس ومن ضرب رجلا ضربة فألقى أسنانه كلها كانت عليه الدية وثلاثة أخماس الدية لأن عليه في كل سن نصف عشر الدية وهي اثنان وثلاثون سنا هذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والليث والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وجمهور العلماء وبالله التوفيق ذكر عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن

عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب له كتابا فيه وفي السن خمس من الإبل وحدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني سعيد بن أبي عروبة عن مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السن خمس خمس وقال أبو بكر حدثني جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن شريح قال أتاني عروة البارقي من عند عمر أن الأسنان والأضراس في الدية سواء قال أبو عمر هذا خلاف ما رواه مالك عن زيد بن أسلم في هذا الباب عن عمر وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن جابر عن الشعبي عن شريح أن عمر كتب إليه أن الأسنان سواء وفي حديث مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قوله وقضى معاوية في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة قال فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين دليل على أنه لم تبلغه السنة المأثورة في الأسنانه ولا وقف عليها ولو علمها لسلم لها كما سلم لربيعة في أصابع المرأة وما كان ليضيفها إلى معاوية دون أن يضيفها إلى السنة لو كان عنده في ذلك سنة والله أعلم باب العمل في عقل الأسنان مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري أنه أخبره أن مروان بن الحكم بعثه إلى عبد الله بن عباس يسأله ماذا في الضرس فقال عبد الله بن عباس فيه خمس من الإبل قال فردني مروان إلى عبد الله بن عباس فقال أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس فقال عبد الله بن عباس لو لم تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يسوي بين الأسنان في العقل ولا يفضل بعضها على بعض

قال مالك والأمر عندنا أن مقدم الفم والأضراس والأنياب عقلها سواء وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السن خمس من الإبل والضرس سن من الأسنان لا يفضل بعضها على بعض قال أبو عمر ما نزع به مالك من ظاهر عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في الأسنان لازم صحيح وعليه جماعة الفقهاء أئمة الأمصار في الفتيا وقد كان في التابعين من يخالف في ذلك ولذلك رد مروان كاتبه أبا غطفان إلى بن عباس يقول له أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس فأجابه جواب قائس على الأصابع بعد جوابه الأول بالتوقيف الموجب للتسليم حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني يزيد بن هارون عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السن خمس خمس ومن اختلاف التابعين في هذا الباب ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني محمد بن بكر عن بن جريج قال قال لي عطاء الأسنان الثنيات والرباعيات والنابين خمس خمس وما بقي بعيران بعيران أعلى الفم وأسفله من كل ذلك سواء قال بن جريج وأخبرني بن أبي نجيح عن مجاهد مثل قول عطاء وقال بن جريج أخبرني عمرو بن مسلم أنه سمع طاوسا يقول تفضل الثنية في أعلى الفم وأسفله على الأضراس وأنه قال في الأضراس صغار الإبل قال أبو بكر وحدثني بن عيينة عن بن طاوس قال قال لي أبي تفضل بعضها على بعض بما يرى أهل الرأي والمشورة فهؤلاء ممن رأي تفضيل مقدم الفم على الأضراس وأما الذين سووا بينهما فمنهم الحسن البصري وشريح القاضي وعروة بن الزبير وإبراهيم والشعبي ومسروق وعمر بن عبد العزيز وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود والحجة في السنة لا فيما خالفها وقد ذكرناها من وجوه والحمد لله كثيرا وذكر أبو بكر قال أخبرنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه قال الأسنان سواء وقال إن كان في الثنية جمال ففي الأضراس منفعة

وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن أزهر بن محارب قال اختصم إلى شريح رجلان أصاب أحدهما ثنية الآخر وأصاب الآخر ضرسه قال شريح الثنية وجمالها والضرس ومنفعته سن بسن قوما وقال الثوري وغيره الثنية بالثنية والضرس بالضرس باب ما جاء في دية جراح العبد مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار كانا يقولان في موضحة العبد نصف عشر ثمنه مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في العبد يصاب بالجراح أن على من جرحه قدر ما نقص من ثمن العبد قال أبو عمر الاختلاف في هذا المعنى قديم ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن بن المسيب قال جراحات العبيد في أثمانهم بقدر جراحات الأحرار في دياتهم قال الزهري وإن رجالا من العلماء ليقولون إن العبيد والإماء سلعة من السلع فينظر ما نقصت جراحاتهم من أثمانهم هذه رواية معمر عن الزهري وروي بن عيينة قال سمعت الزهري يحدث عن سعيد بن المسيب أنه قال عقل العبد في ثمنه قال مالك والأمر عندنا في موضحة العبد نصف عشر ثمنه وفي منقلته العشر ونصف العشر من ثمنه وفي مأمومته وجائفته في كل واحدة منهما ثلث ثمنه وفيما سوى هذه الخصال الأربع مما يصاب به العبد ما نقص من ثمنه ينظر في ذلك بعد ما يصح العبد ويبرأ كم بين قيمة العبد بعد أن أصابه الجرح وقيمته صحيحا قبل أن يصيبه هذا ثم يغرم الذي أصابه ما بين القيمتين قال مالك في العبد إذا كسرت يده أو رجله ثم صح كسره فليس على من

أصابه شيء فإن أصاب كسره ذلك نقص أو عثل كان على من أصابه قدر ما نقص من ثمن العبد قال أبو عمر ما ذكره مالك رحمه الله عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار في موضحة العبد مستعملة في الأربعة الجراح الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة دون غيرها من الجراحات والشجاج لأنها إذا بريء العبد الذي أصيب بها لم ينقصه من ثمنه ذلك شيئا وهي جراح قد ورد التوقيف في أرشها في الحر فجعل فيها من ثمنه كما في الحر من ديته وأجراه فيها مجرى الحر قياسا عليه ورأى أن قياسه فيها على الحر أولى من قياسه على السلع لأنه حيوان عاقل مكلف متعبد ليس كالبهائم ولا كالسلع التي يراعي فيها ما نقص من ثمنها واستعمل ما روي عن مروان بن الحكم في ما عدا هذه الجراح الأربع لأن ما عداها ينقص من ثمن العبد لا محالة عنده فاستعمل الخبرين جميعا وذكر أن ذلك الأمر عندهم وروى بن القاسم عن مالك أنه قال إن فقأ حر عيني عبد غيره أو قطع يده ضمنه وعتق عليه لأنه أبطله فإن كان جرحا لم يبطله مثل فقء عين واحدة أو جدع أنف فعليه ما نقص من ثمنه ولا يعتق عليه وأما أبو حنيفة فذهب إلى أن جراح العبد من قيمته كجراح الحر من ديته فجعل في عينه نصف قيمته كلها كما في أنف الحر ديته كلها وكذلك سائر جراحاته وشجاجه وأسنانه جعل فيها كمن قيمته مثل ما فيها للحر من ديته وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي لله عنه وعن شريح والشعبي وإبراهيم وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وقال أبو يوسف مثل قول أبي حنيفة في أعضاء العبد وجراحاته إلا أنهما اختلفا في الحاجبين والأذنين فقال أبو حنيفة في أذن العبد ونتف حاجبه إذا لم ينبت ما نقصه وقال أبو يوسف في الحاجب والأذن في كل واحد منهما نصف قيمة العبد كما تجب في ذلك من الحر نصف ديته وقال محمد بن الحسن في جميع ما يتلف من أعضاء العبد النقصان ينظر إلى قيمته صحيحا وإلى قيمة دية الجناية فيغرم الجاني فضل ما بينهما وروى محمد عن زفر مثل قوله

وروى الحسن بن زياد عن زفر مثل قول أبي حنيفة إلا أن أبا حنيفة يقول إن بلغت جراح العبد دية حر نقص منها عشرة دراهم لأنه لا يكافئه فيما دون النفس ولو قطع حر يد عبد قيمتها خمسة آلاف نقص منها خمسة دراهم وقال زفر عليه ما نقصه على رواية محمد عنه فإن بلغ ذلك أكثر من خمسة آلاف كان عليه خمسة آلاف درهم لا زيادة وقال أبو حنيفة في حر فقأ عيني عبد لغيره إن سيد العبد إن شاء أسلمه إلى الذي فقأ عينه وأخذ قيمته وإن شاء أمسكه ولا شيء له عليه من النقصان وقال أبو يوسف ومحمد إن شاء أمسكه وأخذ النقصان وإن شاء دفعه وأخذ قيمته وقال زفر عليه ما نقصه فإن بلغ أكثر من عشرة آلاف درهم كان عليه عشرة آلاف درهم لم يزد عليها وقال الأوزاعي في يد العبد نصف ثمنه وقال الثوري إذا أصيب من العبد ما يكون نصف ثمنه من يد أو رجل أخذ مولاه نصف ثمنه إذا كان قد بريء وإذا أصيب أنفه أو ذكره دفعه مولاه إلى الذي أصابه وأخذ ثمنه إن كان قد بريء وقال الحسن بن حي جراحة المملوك في قيمته مثل جراحة الحر في ديته فإن قطع أذنيه أو فقأ عينيه فإن شاء المولى أخذ النقصان وإن شاء أخذ القيمة ودفعه إلى الجاني وقال الليث في رجل خصى غلاما لرجل وكان ذلك زائدا في ثمن الغلام فإنه يغرم ثمنه كله لسيده زاد أو نقص ويعاقب في ذلك وقال الشافعي جراح العبد من ثمنه كجراح الحر من ديته اتباعا لعمر وعلي وسعيد بن المسيب وغيرهم قال وفي ذكره ثمنه ولو زاد القطع في ثمنه أضعافا لأنه فيه على عاقلته قيمته بالغا ما بلغت قال وقياسه على الحر أولى من قياسه على العبد الذي ليس فيه إلا ما نقصه لأن في قتله خطأ دية ورقبة مؤمنة كفارة وليس كذلك البهائم والمتاع ولا تقتل البهيمة بمن قتلت من المسلمين كما يقتل العبد ولا عليها صلاة ولا صوم ولا عبادة فهو أشبه بالحر منه بالسلع وثمنه فيه كالدية في الحر

قال أبو عمر سنذكر اختلافهم في قيمة العبد إذا قتل هل يبلغ بها دية الحر أم لا في آخر باب ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله إن شاء الله عز وجل قال مالك الأمر عندنا في القصاص بين المماليك كهيئة قصاص الأحرار نفس الأمة بنفس العبد وجرحها بجرحه فإذا قتل العبد عبدا عمدا خير سيد العبد المقتول فإن شاء قتل وإن شاء أخذ العقل فإن أخذ العقل قيمة عبده وإن شاء رب العبد القاتل أن يعطي ثمن العبد المقتول فعل وإن شاء أسلم عبده فإذا أسلمه فليس عليه غير ذلك وليس لرب العبد المقتول إذا أخذ العبد القاتل ورضي به أن يقتله وذلك في القصاص كله بين العبيد في قطع اليد والرجل وأشباه ذلك بمنزلته في القتل قال أبو عمر العلماء في القصاص بين العبيد على ثلاثة أقوال أحدهما أن القصاص بينهم كما هو بين الأحرار في النفس فما دونها من العمد كله وممن قال بهذا مالك والشافعي وأصحابه وبن أبي ليلى والأوزاعي وروي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه قال سالم وعمر بن عبد العزيز وجماعة من أهل الحجاز والقول الثاني أنه لا قصاص بين العبيد في جرح ولا في نفس كما لا قصاص بين الصبيان روي ذلك عن إبراهيم والحسن والشعبي وحماد والحكم وبه قال بن شبرمة وإياس بن معاوية سووا بين الجرح والنفس في أن لا قصاص والقول الثالث أنه لا قصاص بين العبيد إلا في النفس خاصة روي ذلك عن عبد الله بن مسعود وروي ذلك أيضا عن الشعبي والحسن وبه قال سفيان الثوري والحسن بن حي وأبو حنيفة وأصحابه واحتج لهم الطحاوي بحديث قتادة عن أبي نضرة عن عمران بن حصين أن

عبدا لقوم فقراء قطع أذن عبد لقوم أغنياء فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقصهم منه قال ولو كان واجبا لاقتص لهم لأن الله تعالى يقول يأيها الذين ءامنوا كونوا قومين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الولدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما النساء قال واستعملنا في النفس بالنفس قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم قال أبو عمر قد يحتمل أن يكون يقتص للفقراء لأنه عليه السلام أمرهم بالعفو على أخذ الأرش لموضع فقرهم ففعلوا وكذلك والله أعلم نقل في الحديث ذكر فقرهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم فدخل في ذلك النفس وما دونها إذا وجب القصاص فيها وجب فيما دونها من الجراح قال الله تعالى يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى البقرة وقال تعالى والجروح قصاص المائدة فمن جاز أن يقتص منه في النفس كان فيما دونها أحرى وأولى إن شاء الله تعالى قال أبو عمر قول مالك في هذه المسألة يخير سيد العبد المقتول إن شاء قتل وإن شاء أخذ العقل يشهد لما روى عنه أهل المدينة أن ولي المقتول بالخيار إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية خلاف رواية بن القاسم قال مالك في العبد المسلم يجرح اليهودي أو النصراني إن سيد العبد إن شاء أن يعقل عنه ما قد أصاب فعل أو أسلمه فيباع فيعطي اليهودي أو النصراني من ثمن العبد دية جرحه أو ثمنه كله إن أحاط بثمنه ولا يعطي اليهودي ولا النصراني عبدا مسلما قال أبو عمر هذا ما لا خلاف علمته فيه بين العلماء أن اليهودي والنصراني لا يسلم إليهما عبد مسلم بجنايته

وكذلك لم يختلفوا في أن جناية العبد في رقبته وأن سيده إن شاء فداه بأرشها وإن شاء دفعه بها إلى من يجوز له ملكه وأنه ليس عليه من جنايته أكثر من رقبته حدثني أحمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن يونس عن بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني حفص عن حجاج عن حصين الحارثي عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال ما جنى العبد ففي رقبته ويخير مولاه إن شاء فداه وإن شاء دفعه وروى هذا عن الشعبي والحسن البصري وشريح القاضي ومحمد بن سيرين وسالم بن عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير وبن شهاب وغيرهم أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان بن عيينة عن مطرف عن الشعبي أنه كان يقول لا تعقل العاقلة عبدا ولا عمدا ولا صلحا ولا اعترافا يقول ليس لهم أن يفعلوا هذه الأربع والله أعلم باب ما جاء في دية أهل الذمة مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز قضى أن دية اليهودي أو النصراني إذا قتل أحدهما مثل نصف دية الحر المسلم قال أبو عمر روى هذا الخبر متصلا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد أن أهل الكوفة اختلفوا في دية المعاهد فكتب عبد الحميد إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن ذلك فكتب إليه أن ديته على النصف من دية المسلم مالك عن يحيى بن سعيد أن سليمان بن يسار كان يقول دية المجوسي ثمانمائة درهم قال مالك وهو الأمر عندنا قال مالك وجراح اليهودي والنصراني والمجوسي في دياتهم على حساب جراح المسلمين في دياتهم الموضحة نصف عشر ديته والمأمومة ثلث ديته والجائفة ثلث ديته فعلى حساب ذلك جراحاتهم كلها

قال أبو عمر اختلف أهل العلم في دية أهل الكفر فذهب مالك إلي ما ذكره في موطئه في دية اليهودي والنصراني عن عمر بن عبد العزيز في دية المجوسي عن سليمان بن يسار وذكر وكيع قال حدثني سفيان عن عبد الله بن ذكوان أبي الزناد عن عمر بن عبد العزيز قال دية المعاهد على النصف من دية المسلم وقال أبو بكر حدثني يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال كان الناس يقضون في دية اليهودي والنصراني بالذي كانوا يتعاقلون به فيما بينهم ثم رجعت الدية إلى ستة آلاف درهم قال وكان الناس يقضون في الزمان الأول في دية المجوسي ثمانمائة درهم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال دية الكافر نصف دية المؤمن حدثني خلف بن القاسم قال حدثني الفضل بن أبي العقب بدمشق قال حدثني أبو زرعة قال حدثني أحمد بن خالد الوهبي قال حدثني محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح قال في خطبته دية الكافر نصف دية المسلم وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال دية الكافر نصف دية المسلم وقال الشافعي دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ودية المجوسي ثلاثمائة درهم قال والمرأة على النصف من ذلك قال أبو عمر روي هذا عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وبه قال الحسن البصري وعكرمة وعطاء ونافع مولى بن عمر وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز في رواية

ذكر أبو بكر قال حدثني وكيع عن سفيان عن أبي المقدام عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ودية المجوسي ثمانمائة درهم قال وحدثني سفيان عن صدقة بن يسار عن سعيد بن المسيب أن عثمان رضي الله عنه قضى في دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم قال أبو أسامة عن هشام قال قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز أن دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم قال وحدثني يحيى بن سعيد عن عثمان بن غياث عن عكرمة والحسن قالا دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ودية المجوسي ثمانمائة قال وحدثني بن نمير عن عطاء قال دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ودية المجوسي ثمانمائة قال أبو عمر اختلف عن عمر بن عبد العزيز في دية الذمي فروي عنه أنه كان يقضي في دية اليهودي والنصراني بنصف دية المسلم ذكره معمر عن الزهري وغيره عن عمر وقد روى بن جريج عن عبد العزيز بن عمر عن أبيه أن دية المجوسي أربعة آلاف درهم وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وعثمان البتي والحسن بن حي دية المسلم والكافر واليهودي والنصراني والمجوسي والمعاهد سواء وهو قول بن شهاب وقال أبو عمر روي هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين وروى إبراهيم بن سعد عن بن شهاب قال كان أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم يجعلون دية اليهودي والنصراني إذا كانوا معاهدين مثل دية المسلم قال أبو عمر الأحاديث في هذا الباب عن عمر وعثمان مضطربة مختلفة منقطعة فلا حجة فيها وروي عن بن مسعود قال دية أهل الكتاب وكل من له عهد أو ذمة دية المسلم

وهو قول إبراهيم والشعبي وعطاء والحكم وحماد ورواه الحكم بن عتيبة عن علي رضي الله عنه ورواه مجاهد أيضا عن علي ولم يدرك واحد منهما زمان علي وروى معمر عن الزهري قال دية اليهودي والنصراني وكل ذمي مثل دية المسلم قال وكذلك كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم حتى كان معاوية فجعل في بيت المال نصفها وأعطى أهل المقتول نصفها ثم قال قضى عمر بن عبد العزيز بنصف الدية وألغى الذي جعله معاوية في بيت المال قال وأحسب عمر رأى ذلك النصف الذي جعله معاوية في بيت المال ظلما منه قال الزهري فلم يقبض لي أن أذاكر بذلك عمر بن عبد العزيز فأخبره أن الدية قد كانت تامة لأهل الذمة قال معمر فقلت للزهري إن بن المسيب قال ديته أربعة آلاف فقال لي إن خير الأمور ما عرض على كتاب الله قال الله عز وجل فدية مسلمة إلى أهله النساء وقال عبد الرزاق أخبرنا أبو حنيفة عن الحكم بن عتيبة أن عليا رضي الله عنه قال دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم قال أبو حنيفة وهو قولي قال وأخبرنا بن جريج عن يعقوب بن عتبة وإسماعيل بن محمد وصالح قالوا عقل كل معاهد ومعاهدة كعقل المسلم ذكر أنهم كذكرانهم وإناثهم كإناثهم جرت بذلك السنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب قال سمعت الزهري يقول دية المعاهد دية المسلم وتلا هذه الآية وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة النساء قال أبو عمر احتج الكوفيون بهذه الآية قوله عز وجل وما كان لمؤمن أن

يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله النساء ثم قال عز وجل وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة النساء قالوا فلما كانت الكفارة واجبة في قتل الكافر الذمي وجب أن تكون الدية كذلك وقالوا وقوله عز وجل وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة النساء كما قال في المؤمن فأراد الكافر لأنه لو أراد المؤمن لقال عز وجل وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق وهو مؤمن كما قال عز وجل فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن النساء فأوجب الله عز وجل فيه تحرير رقبة دون الدية لأنه مؤمن من قوم حربيين عدو للمسلمين قال أبو عمر قول مالك حدثني يحيى بن سيعد عن أشعث عن الحسن قال إذا قتل المسلم الذمي فليس فيه غير كفارة وتأول مالك رحمه الله هذه الآية في المؤمنين لأنه قال عز وجل في أولها ومن قتل مؤمنا خطئا ثم قال وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق النساء يعني المؤمن المقتول خطأ ورد قوله هذا بعض من ذهب مذهب الكوفيين فقال الحجة عليه أن الله عز وجل قال في هذه الآية فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن النساء فدل ذلك على أنه لم يعطفه على ما تقدم من قوله عز وجل ومن قتل مؤمنا خطئا النساء لأنه لو كان معطوفا عليه ما قال وهو مؤمن لأن قوله ومن قتل مؤمنا خطئا يعني على وصفه بالإيمان لأنه يستحيل أن يقول وإن كان المؤمن المقتول خطأ من قوم عدو لكم وهو مؤمن قالوا وكذلك قوله تعالى وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق النساء غير مضمر فيه المؤمن الذي تقدم ذكره قال أبو عمر التأويل سائغ في الآية للفريقين والاختلاف موجود بين السلف والخلف من العلماء في مبلغ دية الذمي وأصل الديات التوقيف ولا توقيف في ذلك إلا ما أجمعوا عليه

وقد أجمعوا عل أن أقل ما قيل فيه واجب واختلفوا فيما زاد والأصل براءة الذمة وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن النساء قال يكون الرجل مؤمنا وقومه كفآر فلا تكون له دية وفيه تحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثق النساء قال عهد فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فلا يجب أن يؤخذ مال مسلم إلا بيقين وأقل ما قيل يقين في ذلك وبالله التوفيق قال مالك الأمر عندنا أن لا يقتل مسلم كافر إلا أن يقتله المسلم قتل غيلة فيقتل به قال أبو عمر اختلف أهل العلم في قتل المؤمن بالكافر فقال مالك والشافعي وأصحابهما والليث والثوري وبن شبرمة والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود الظاهري لا يقتل مؤمن بكافر إلا أن مالكا والليث قالا إن قتله قتل غيلة قتل به وقتل الغيلة عندهم أن يقتله بماله كما يصنع قاطع الطريق لا يقتله لثائرة ولا عداوة وقال أبو حنيفة وأصحابه وبن أبي ليلى وعثمان البتي يقتل المسلم بالذمي وهو قول إبراهيم والشعبي وعمر بن عبد العزيز قال أبو عمر احتج الكوفيون لقولهم إن المسلم يقتل بالكافر على كل حال بحديث يرويه ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن البيلماني قال قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أهل القبلة برجل من أهل الذمة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أحق من وفى بذمته وهذا حديث منقطع لا يثبته أحد من أهل العلم بالحديث لضعفه ورووا فيه عن عمر رضي الله عنه حديثا لا حجة لهم فيه ذكر وكيع قال حدثني محمد بن قيس عن عبد الملك بن ميسرة عن

النزال بن سبرة أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب فكتب عمر أن اقتلوه به فقيل لأخيه حنين قال حتى يجيء على العصبة قال فبلغ عمر أنه من فرسان المسلمين فكتب أن لا يقيدوا به قال فقد جاء الكتاب وقد قتل قال أبو عمر لو كان القتل عليه واجبا ما كان عمر ليكتب ألا يقتل لأنه من فرسان المسلمين لأن الشريف والوضيع ومن فيه غنى ومن ليس فيه غنى في الحق سواء وقد روي هذا الخبر بما دل عليه أنه شاور فقال له إما علي وإما غيره فإنه لا يجب عليه قتل فكتب أن لا يقتل ذكر أبو بكر قال حدثني علي بن مسهر عن الشيباني عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال قتل رجل من فرسان الكوفة عباديا من أهل الحيرة فكتب عمر أن أقيدوا أخاه منه فدفعوا الرجل إلى أخي العبادي فقتله ثم جاء كتاب عمر ألا تقتلوه وقد قتله وروى شعبة عن عبد الملك عن النزال مثله وكتاب عمر الثاني دليل على ما قلناه وبالله التوفيق وذكر وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر قال قال علي رضي الله عنه من السنة أن لا يقتل مؤمن بكافر ولا حر بعبد واحتجوا أيضا بخبر الزهري عن سعيد بن المسيب في قصة قتل عبيد الله بن عمر الهرمزان وجفينة وهما كافران وأن عثمان والمهاجرين أرادوا أن يقيدوا من عبيد الله وهذا لا حجة فيه لأن الهرمزان قد كان أسلم وجفينة لم يكن أسلم وهذا مشهور عند أهل العلم بالسير والخبر واحتجوا بالإجماع على أن المسلم تقطع يده إذا سرق من مال ذمي فنفسه أحرى أن تؤخذ بنفسه وهذا لعمري قياس حسن لولا أنه باطل عند الأثر الصحيح ولا مدخل للقياس والنظر مع صحة الأثر

حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن عيينة عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن أبي جحيفة قال قلنا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله رجلا فهما في كتابه وما في هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر وبه عن أبي بكر قال حدثني بن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقتل مؤمن بكافر فإن قيل قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده يعني بكافر والكافر الذي لا يقتل به ذو العهد هو الحربي قالوا ولا يجوز أن يحمل الحديث على أن العهد يحرم به دم من له عهد لارتفاع الفائدة في ذلك لأنه معلوم أن الإسلام يحقن الدم والعهد يحقن الدم قيل له بهذا الخبر علمنا لأنه معلوم أن المعاهد يحرم دمه ولا يحل قتله وهي فائدة الخبر ومستحيل أن يأمر الله تعالى بقتل الكفار حيث وجدوا وثقفوا وهم أهل الحرب ثم يقول لا يقتل مؤمن بكافر أمر ثم يقتله وقتاله ووعدكم الله بجزيل الثواب على جهاده هذا ما لا يظنه ذو لب فكيف يخفى مثله على ذي علم وقد احتج الشافعي بأنه لا خلاف فيه أنه لا يقتل المسلم بالحربي المستأمن فكذلك الذمي لأنهما في تحريم القتل سواء حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أحمد بن محمد بن حنبل ومسدد قالا حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني سعيد بن أبي عروبة قال حدثني قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال انطلقت أنا والأشتر إلى علي رضي الله عنه فقلنا هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لم يعهده إلى الناس عامة قال لا إلا ما في كتابي هذا وأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم

أدناهم وهم يد على من سواهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين قال أبو عمر في قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم دليل على أن غير المسلمين لا تكافئ دماؤهم دماء المسلمين وقد أجمعوا أنه لا يقاد الكافر من المسلم فيما دون النفس من الجراح فالنفس بذلك أحرى وبالله التوفيق وأما قول مالك أن المسلم إذا قتل الكافر قتل غيلة قتل به فقد قالت به طائفة من أهل المدينة وجعلوه من باب المحاربة وقطع السبيل ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني معن بن عيسى قال حدثني بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن أن رجلا من النبط عدا عليه رجل من أهل المدينة فقتله قتل غيلة فأوتي به أبان بن عثمان وهو إذ ذاك على المدينة فأمر بالمسلم الذي قتل الذمي أن يقتل به قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم لا يقتل مؤمن بكافر قول عام لم يستبن غيلة ولا غيرها وقد أجمعوا أنه لا يعتبر فيه حكم المحارب في تخيير الإمام ولو كان محاربا اعتبر ذلك فيه والله أعلم باب ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول ليس على العاقلة عقل في قتل العمد إنما عليهم عقل قتل الخطأ قال أبو عمر سن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وشرع لها من دينه أن دية المؤمن المقتول خطأ تحملها عاقلة القاتل وهم رهطه وعشيرته وقبيلته لئلا يكون دمه مطلولا فعلت ذلك الكافة التي لا يجوز عليها السهو ولا الغلط وأجمع العلماء على ذلك في الدية الكاملة فارتفع التنازع ووجب التسليم وذلك والله أعلم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تجاوز الله عز وجل لأمتي

عن الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما تجاوز الله عز وجل عنه فلا وزر فيه وكأنه مخصوص من قول الله تعالى ولا تزر وازره وزر أخرى الأنعام ولا تكسب كل نفس إلا عليها الأنعام بما خصه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه لا يطل دم الحر تعظيما للدماء والله أعلم فجعله في الدية الكاملة على العاقلة والجاني رجل منهم كأحدهم على اختلاف في ذلك وقد اختلف الفقهاء في مبلغ ما تحمله العاقلة من ديات الجراحات في الآدميين واجمعوا أنها لا تحمل جنايات الأموال وسنبين ذلك إن شاء الله عز وجل مالك عن بن شهاب أنه قال مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاؤوا ذلك مالك عن يحيى بن سعيد مثل ذلك قال مالك إن بن شهاب قال مضت السنة في قتل العمد حين يعفو أولياء المقتول أن الدية تكون على القاتل في ماله خاصة إلا أن تعينه العاقلة عن طيب نفس منها قال أبو عمر هذه الآثار كلها في معنى واحد وهو أن العاقلة ليس عليها أن تحمل شيئا من دية العميد والعمد لا دية فيه إنما فيه القود إلا أن يعفو أولياء المقتول عن القاتل ليأخذوا الدية ويصطلحوا على ذلك أو يعفو أحدهم ممن له العفو فيرتفع القتل وتجب الدية لمن لم يعف بشرط أو بغير شرط أو تكون الجناية فيما دون النفس من الجراح عمدا تبلغ الثلث فصاعدا أو لم يكن إلى القصاص سبيل كالجائفة وشبهها وقد مضى القول فيمن يحملها وما للعلماء من التنازع في ذلك وكذلك شبه العمد عند بعض العلماء وكذلك قتل الأبوين ولدهما عمدا هذا كله عمد تجب فيه الدية ويحملها الجاني في ماله عند بعض العلماء وما لم نذكره من ذلك يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله

وقد ذكرنا في باب عقل الشجاج قول بن عباس لا تحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا مخالف له من الصحابة وعلى قوله جمهور العلماء قال مالك والأمر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة حتى تبلغ الثلث فصاعدا فما بلغ الثلث فهو على العاقلة وما كان دون الثلث فهو في مال الجارح خاصة قال أبو عمر قد تقدم ذكر إجماع العلماء على أن العاقلة تحمل الدية كاملة في قتل المؤمن الحر خطأ ذكرا كان أو أنثى واختلفوا في مبلغ ما تحمله العاقلة من ديات الجراحات في الدماء بعد إجماعهم أن العاقلة تحمل دية المؤمن المقتول خطأ ذكرا أو أنثى وبعد إجماعهم على أنها لا تحمل شيئا من جنايات الأموال وقول مالك ما ذكره في موطئه وعليه جمهور جماعة أصحابه أن العاقلة لا تحمل إلا الثلث فما زاد وهو قول سعيد بن المسيب والفقهاء السبعة من المدينة وبن أبي ذئب وبن أبي سلمة وقال أبو سلمة وأصحابه إذا بلغ من المرأة عشر ديتها ومن الرجل نصف عشر ديته حملته العاقلة وما دونها ففي مال الجاني لا تحمله العاقلة وقال الثوري وبن شبرمة الموضحة فما زاد على العاقلة فدل على أنهما اعتبرا من الرجل والمرأة مقدار موضحة الرجل وهو قول عمر بن عبد العزيز وقال عثمان البتي والشافعي تحمل العاقلة القليل والكثير من أروش الدماء في الخطأ من قتل وجرح من حر وعبد وذكر وأنثى قال الشافعي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حمل العاقلة الأكثر دل على تحملها الأيسر قال أبو عمر قول الشافعي يحتج والحجة له إجماع علماء المسلمين أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم سن وشرع حمل العاقلة الدية كاملة ومعلوم أن ذلك حمل لجميع الأجزاء لها فمن زعم أن جزءا منها عشر ألف أو نصف عشر أو ثلثا لا تحمله وتحمل ما فوقه فقد قال بما لا يعضده أصل ولا شيئا سن ولا جاء به توقيف عمن يجب التسليم له وأما وجه قول مالك والحجة له أن الأصل ألا يحمل أحد جناية غيره بأن الله تعالى يقول في كتابه ولا تكسب كل نفس إلا عليها الأنعام وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل في ابنه إنك لا تجني عليه ولا يجني عليك فلا تكسب كل نفس إلا عليها في دم ولا مال إلا أن تخص ذلك سنة قائمة أو إجماع وقد أجمع أن ما بلغ الثلث من الدية فما زاد منحته العاقلة خرج ذلك من معنى ما تلونا وبقي ما اختلف فيه على الأصل المعلوم في ألا تزر وازرة وزر أخرى ولا تكسب كل نفس إلا عليها الأنعام وكان استثناء مجتمعا عليه من أصل مجتمع عليه لأن من قال تحمل العاقلة العشر ونصف العشر فصاعدا ومن قال تحمل القليل والكثير قد اجتمعوا في تحمل الثلث فصاعدا فوجب أن يكون ما نقص من الثلث مردودا إلى الإجماع في أنه لا يحمل أحد إلا ما جنت يده لا ما جنى غيره قال أبو عمر قد تجاوز الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان قال الله عز وجل وليس عليكم جناح فيما أخطأتم الأحزاب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما تجاوز الله عنه فلا وزر فيه

ولا معنى لقول من احتج في هذا الباب بقول الله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى الأنعام وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل المؤمن خطأ أن لا يطل دمه وأن يحمله غيره الذي أخطأ فيه ولم يرد قتله وأن يتعاون قبيله ورهطه وما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك هدي الله قال الله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما النساء قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد أو في شيء من الجراح التي فيها القصاص أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة إلا أن يشاؤوا وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة إن وجد له مال فإن لم يوجد له مال كان دينا عليه وليس على العاقلة منه شيء إلا أن يشاؤوا قال أبو عمر قد مضى هذا المعنى من قول بن شهاب ويحيى بن سعيد في أول هذا الباب والذي عليه أهل العلم بالحجاز والعراق وأتباعهم في سائر البلدان أن العاقلة لا تحمل عمدا ولا اعترافا ولا صلحا من عمد كما قال بن عباس رضي الله عنه وما شذ على هذا الأصل من مذاهب أصحابنا فواجب رده إليه وبالله التوفيق قال مالك ولا تعقل العاقلة أحدا أصاب نفسه عمدا أو خطأ بشيء وعلى ذلك رأي أهل الفقه عندنا ولم أسمع أن أحدا ضمن العاقلة من دية العمد شيئا ومما يعرف به ذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسن البقرة فتفسير ذلك فيما نرى والله أعلم أنه من أعطي من أخيه شيء من العقل فليتبعه بالمعروف وليؤد إليه بإحسان قال أبو عمر أما قوله لا تعقل العاقلة أحدا أصاب نفسه عمدا أو خطأ وعلى ذلك رأي أهل العلم عندنا وهو قول أكثر العلماء وقد اتفق مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي فيمن قتل نفسه خطأ أو عمدا أنه لا يجب على عاقلته شيء

وقال الأوزاعي لو أن رجلا ذهب يضرب بسيفه في العدو فأصاب نفسه فعلى عاقلته الدية وروى معمر عن الزهري وقتادة أن رجلا فقأ عين نفسه خطأ فقضى له عمر بن الخطاب رضي الله عنه بديتها على عاقلته وقال أصابته يد من أيدي المسلمين قال أبو عمر القياس والنظر يمنع من أن يجب للمرء على نفسه دين والعاقلة إنما تحمل عن المرء ماله لغيره ألا ترى أن مالا عاقلة له لزمته جنايته عند أكثر أهل العلم فلما استحال أن يجب له على نفسه شيء استحال أن يجب على عاقلته ما لم يجب عليه والله أعلم وأما قوله ولم أسمع أن أحدا ضمن العاقلة من دية العمد شيئا فهذا يقتضي من قوله على صحة رواية من روى عنه أن دية الجائفة والمأمومة وكل ما يخاف منه التلف من الجراح في العمد أنه في مال الجاني لا على العاقلة وأما قوله ومما يعرف به ذلك أن الله عز وجل يقول في كتابه فمن عفى له من أخيه شيء البقرة فقد اختلف قوله وقول أصحابه وسائر الفقهاء في قوله عز وجل فمن عفى له هل هو القاتل أو ولي المقتول وقد أفردنا لهذه المسألة جزءا استوعبنا فيه معانيها ومما للعلماء فيها وأوضحنا الحجة لما أخبرناه من ذلك وبالله التوفيق قال مالك في الصبي لا مال له والمرأة التي لا مال لها إذا جنى أحدهما جناية دون الثلث إنه ضامن على الصبي والمرأة في مالها خاصة إن كان لهما مال أخذ منه وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه ليس على العاقلة منه شيء ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي وليس ذلك عليه قال أبو عمر إنما ذكر المرأة مع الصبي لأنه سئل عنهما والله أعلم لأن الصبي عمده خطأ وفعله كله خطأ إذا كان في الدماء وكذلك خطأ الرجل والمرأة وأصله أن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث من جناية الخطأ

وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك والحمد لله فما كان دون الثلث فهو في مال الجاني وما لزم دية الموسر فهو دين على المعسر ولا يأخذ الأب بجناية الابن الصغير ولا الكبير وهذا ما لا خلاف فيه والحمد لله قال مالك الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن العبد إذا قتل كانت فيه القيمة يوم يقتل ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئا قل أو كثر وإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة بالغا ما بلغ وإن كانت قيمة العبد الدية أو أكثر فذلك عليه في ماله وذلك لأن العبد سلعة من السلع قال أبو عمر قد بين مالك بقوله إن العبد سلعة من السلع ما هو حجة لمذهبه في أن قيمة العبد لا تحملها العاقلة لأن العاقلة لا تحمل شيئا من جنايات الأموال عند الجميع وقد قال بقول مالك في ذلك بن أبي ليلى وعثمان البتي وسفيان الثوري والليث بن سعد والحسن بن حي وأبو يوسف في إحدى الروايتين عنه قالوا قيمة العبد على الجاني في ماله خاصة وقد روي عن الشافعي مثل ذلك والأكثر الأشهر عن الشافعي وهو الظاهر من مذهبه أن العبد إذا قتل خطأ فقيمته على عاقلة قاتله في ثلاث سنين وهو قول أبي حنيفة وزفر ومحمد وأبي يوسف قال أبو عمر قد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا عن الشعبي والقاسم أن العاقلة لا تكون عمدا ولا عبدا وقال إبراهيم لا يعقل العبد ولا يعقل عنه وقال الحسن إذا قتل الحر العبد خطأ فعليه الدية وعتق رقبة وقال مكحول ليس على العاقلة من دية العبد شيء وأما الذين قالوا إن قيمة العبد المقتول على عاقلة القاتل فمنهم عطاء والحكم وحماد والزهري قال شعبة سألت الحكم وحمادا عن رجل قتل دابة خطأ قالا في ماله قالا وإن قتل عبدا فهو على العاقلة وقال يونس عن الزهري في حر قتل عبدا خطأ قال قيمته على العاقلة

قال أبو عمر قد تقدم من قول الشافعي أن قياس العبد على الحر في النفس وما دونها أولى من قياسه على الأموال والبهائم وقد استحسن مالك الكفارة في قتل العبد ولم يستحسنها هو ولا أحد من العلماء في البهائم والأموال ولم يوجب مالك الكفارة في قتل العبد وقال الكفارة التي في القرآن لأنه ذكر معها الدية وليس في قتل العبد دية قال والكفارة في قتل العبد حسنه وقال الطحاوي معترضا عليه قد قال الله عز وجل فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة النساء فأوجب الكفارة بلا دية فعلمنا أن وجوب الكفارة غير مقصور على حال وجوب الدية قال أبو عمر الكفارة في قتل العبد خطأ واجبة على قاتله عند الكوفيين والشافعي وأما قول مالك فإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة بالغا ما بلغ وإن كانت قيمة العبد أو أكثر فهو مذهب الشافعي وأبي يوسف وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وشريح ومكحول وبن شهاب الزهري والحسن وبن سيرين كلهم قال في الرجل يقتل العبد خطأ قيمته عليه بالغا ما بلغت وإن زادت على دية الحر أضعافا وروي ذلك عن علي وبن مسعود رضي الله عنه وقال أبو حنيفة وزفر ومحمد إذا قتل العبد خطأ وقيمته أكثر من عشرة آلاف درهم لم يرد صاحبه على عشرة آلاف درهم وهو قول الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان فهؤلاء يقولون لا يزاد في قيمة العبد على دية الحر وقالت طائفة من فقهاء الكوفة لا يبلغ به دية الحر ينقص منها شيء روي ذلك عن الشعبي وإبراهيم وقال سفيان الثوري ينقص منه الدرهم ونحوه وقال غيره من الكوفيين تنقص منها عشرة دراهم واحتج الطحاوي بأن قال الرق حال نقص والحرية حال كمال وتمام فمحال أن يجب في حال نقصانه أكثر مما يجب في حال تمامه

فمن هنا وجب ألا يجاوز بقيمة الدية قال أبو عمر قد أجمعوا أنها قيمة لا دية فوجب أن يبلغ بها حيث بلغت كسائر القيم المستهلكات التي لا توقيف فيها والله أعلم باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه مالك عن بن شهاب أن عمر بن الخطاب نشد الناس بمنى من كان عنده علم من الدية أن يخبرني فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فقال له عمر بن الخطاب ادخل الخباء حتى آتيك فلما نزل عمر بن الخطاب أخبره الضحاك فقضى بذلك عمر بن الخطاب قال بن شهاب وكان قتل أشيم خطأ قال أبو عمر هكذا روى مالك هذا الحديث عن بن شهاب أن عمر لم يتجاوز به بن شهاب ورواه سائر رواه بن شهاب عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر كذلك رواه معمر وبن جريج ويحيى بن سعيد وبن عيينة ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال ما أرى الدية إلا للعصبة لأنهم يعقلون عنه فهل سمع أحد منكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا فقال الضحاك بن سفيان الكلابي وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على الأعراب كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فأخذ بذلك عمر قال عبد الرزاق وأخبرنا بن جريج عن بن شهاب عن بن المسيب عن عمر مثله وزاد وقتل أشيم خطأ أخبرنا سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن يحيى بن سعيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال قام عمر بمنى فسأل الناس من عنده علم من ميراث المرأة من عقل زوجها فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال أدخل بيتك حتى

آتيك فدخل فأتاه فقال كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها وقال أبو بكر أخبرنا بن عيينة عن الزهري عن سعيد أن عمر كان يقول الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها قال أبو عمر أخطأ من قال عن بن عيينة في هذا الحديث حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان فجعل الضحاك هو الذي كتب إلى عمر ووهم وهما بينا لأن عمر شافهة الضحاك بذلك في بيته أو في خبائه بمنى فذلك بين أوردناه من رواية من ذكرنا وإنما الضحاك قال كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه الحميدي وبن أبي عمر وجماعة عن بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال كان عمر بن الخطاب يقول الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان قال كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فرجع عمر ولا أعلم خلافا بين العلماء قديما ولا حديثا بعد قول عمر الذي انصرف عنه إلى ما بلغه من السنة المذكورة في أن المرأة ترث من دية زوجها كميراثها من سائر ماله وكذلك سائر الورثة ذووا فرض كانوا أو عصبة إلا شيء روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن شذ فيه عن الجماعة ولا أدري عن من أخذه إلا إن كان بلغه قول عمر ولم يبلغه رجوعه عن ذلك إلى السنة وأظن عليا رضي الله عنه لم يرد بقوله قد ظلم من لم يورث الإخوة للأم من الدية ولم يورث الإخوة للأم من الدية إلا علي والله أعلم لأن الرواية لم تأت في ذلك إلا عن عمر وروى الثقات الأئمة رجوعه عن ذلك إلى ما أخبره الضحاك بن سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أنه كان لا يورث الأخوة للأم من الدية

قال أبو عمر هذا مثل شذوذه في قوله إن الجنب المتيمم إذا وجد الماء ليس عليه غسل وهذا أيضا لم يقله أحد غيره فيما علمت فرحم الله القائل كان أبو سلمة يماري بن عباس فحرم بذلك علما كثيرا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة منها مراسيل ومسندة أنه قال الدية لمن أحرز الميراث والدية سبيلها سبيل الميراث اتفق على ذلك العلماء وجماعة أئمة الفتوى بالأمصار فلا معنى فيه للإكثار وقد شذ عنهم من المتأخرين من أصحاب الظاهر من لم يستحي من خلاف جماعتهم فهو محجوج بهم ولا يلتفت إليه معهم وذكر ما رواه معلى عن هشيم عن منصور بن زاذان عن الحسن عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول لا يرث الإخوة من الأم ولا الزوج ولا الزوجة من الدية شيئا وهذا خبر منكر منقطع لا يصح عن علي رضي الله عنه وقد ذكر أبو بكر بن أبي شيبة والحميدي وبن أبي عمر قالوا حدثني بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن محمد بن علي قال قال علي قد ظلم من لم يورث الإخوة للأم من الدية وروي ذلك عن علي رضي الله عنه من وجوه فبعضهم يرويه في حديث علي هذا قد ظلم من منع بني الأم نصيبهم من الدية وقد روي في حديث المرأتين التي قتلت إحداهما صاحبتها أن ميراثها لزوجها وولدها والعقل على عصبتها وقال الشعبي قد ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوج والزوجة من الدية وقال وكيع عن هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه أنه كان يورث الإخوة من الأم من الدية قال أبو عمر انعقد الإجماع بذلك على هذا والحمد لله كثيرا والآثار في ذلك عن التابعين كثيرة وفي ما أخبرنا به كفاية

مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رجلا من بني مدلج يقال له قتادة حذف ابنه بالسيف فأصاب ساقه فنزي في جرحه فمات فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال له عمر اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك فلما قدم إليه عمر بن الخطاب أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ثم قال أين أخو المقتول قال ها أنذا قال خذها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس لقاتل شيء قال أبو عمر هذا الحديث مشهور عند العلماء مروي من وجوه شتى إلا أن بعضهم يقول فيه قتادة المدلجي كما قال مالك ويحيى بن سعيد ومنهم من يقول فيه عرفجة المدلجي والأكثر يقولون قتادة وهو الصحيح إن شاء الله تعالى ومنهم من يجعل قتله لابنه عمدا ويجعل الدية في ماله ومنهم من قال هو شبه العمد ولذلك جعل عمر فيه الدية مغلظة ورواه بعضهم عن عمرو بن شعيب بمثل معنى رواية مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب سواء إلا أنهم قالوا بعد قوله وأربعين خلفة ثم دعا أم المقتول وأخاه فدفعها إليهما ثم قال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يرث القاتل شيئا ممن قتل واختلف القائلون بأنه شبه عمد على من تجب الدية مغلظة فيه فقال بعضهم في مال الجاني وقال بعضهم على عاقلته وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب

وأما من جعل قتل المدلجي لابنه خطأ فقد أعقل لأن الدية لا تغلظ على أحد في الخطأ ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني مدلج قتل ابنه فلم يقده عمر بن الخطاب وأغرمه ديته ولم يورثه منه شيئا وورث منه أمه وأخاه لأبيه قال أبو عمر هذا أصح إسناد في هذا الخبر وقد اختلف الفقهاء في قتل الرجل ابنه عمدا هل يقتص منه أم لا فقال مالك إذا ذبحه قتل به وإن خذفه بسيف أو عصا لم يقتل به وكذلك الجد وهو قول عثمان البتي قال عثمان البتي إذا قتل ابنه عمدا قتل به وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والشافعي لا يقاد والد بولده ولا الجد بابن الابن وقال الحسن بن حي يقاد الجد بابن الابن وتجوز شهادته له ولا يقاد الأب بالابن ولا تجوز شهادته له قال أبو عمر أكثر العلماء على أن الأب لا يقتل بابنه إذا قتله عمدا ويقتل الابن عند الجميع بالأب إذا قتله عمدا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك نصا من حديث عمر وغيره وقد ذكرنا الآثار بذلك في التمهيد وقد حدثني خلف بن قاسم قال حدثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران السراج قال أخبرنا بشر بن موسى قال حدثني خلاد بن يحيى المقرئ عن قيس بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقام الحدود في المساجد ولا يقاد بالولد الوالد قال أبو عمر اختلاف أصحاب مالك في من تلزمه الدية في قتل الأب ابنه عمدا كاختلاف سائر العلماء على قولين أحدهما يجب على الأب في ماله والآخر على العاقلة

فقال بن القاسم هي على الوالد وقال عبد الملك وأشهب وسحنون هي على العاقلة واحتج عبد الملك بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لسراقة بن مالك اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير وليس سراقة بالأب وإنما هو سيد القوم قال فهذا يدل أنها كانت على العاقلة وأما قوله في حديث مالك فنري في جرحه فمات فالمعنى أنه نزى جرحه الذي أصيب به في ساقه إلى نفسه فمات وقيل فمرض من ذلك الجرح مرضا مات منه والمراد من اللفظ مفهوم وفي اشتقاقه في اللغة فقد يقال أنه من النزاء والنزاء والنقار علة تأخذ المنز فيبول الدم ويموت من ذلك والله أعلم مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا أتغلظ الدية في الشهر الحرام فقالا لا ولكن يزاد فيها للحرمة فقيل لسعيد هل يزاد في الجراح كما يزاد في النفس فقال نعم قال مالك أراهما أرادا مثل الذي صنع عمر بن الخطاب في عقل المدلجي حين أصاب ابنه قال أبو عمر اختلف العلماء في تغليظ الدية في الشهر الحرام وفي الحرم فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وبن أبي ليلى القتل في الحل والحرم سواء وفي الشهر الحرام وغيره سواء وهو قول سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وأبي بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وقال الأوزاعي القتل في الشهر الحرام تغلظ فيه الدية فيما بلغنا وفي الحرم وقد تجعل دية وثلثا أو يزاد في شبه العمد في أسنان الإبل وقال الشافعي تغلظ الدية في النفس وفي الجراح في الشهر الحرام وفي البلد الحرام وذوي الرحم فروي عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وبن شهاب وأبان بن عثمان أنه من قتل في الشهر الحرام أو في الحرم زيد على ديته مثل ثلثها

وروي مثل ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال أبو عمر ورد التوقيف في الديات عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه الحرم ولا الشهر الحرام فأجمعوا على أن الكفارة على من قتل خطأ في الشهر الحرام وغيره سواء فالقياس أن تكون الدية كذلك قال مالك عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير أن رجلا من الأنصار يقال له أحيحة بن الجلاح كان له عم صغير هو أصغر من أحيحة وكان عند أخواله فأخذه أحيحة فقتله فقال أخواله كنا أهل ثمة ورمه حتى إذا استوى على عممه غلبنا حق امرئ في عمه قال أبو عمر أما قول عروة أن رجلا من الأنصار يقال له أحيحة فإنما أراد أن أحيحة من القبيلة والقوم الذين يقال لهم الأنصار في زمنه وهم الأوس والخزرج لأن الأنصار اسم إسلامي قيل لأنس بن مالك أرأيت قول الناس لكم الأنصار اسم سماكم الله به أم كنتم تدعون به في الجاهلية فقال بل اسم سمانا الله عز وجل به في القرآن وأحيحة لم يدرك الإسلام لأنه في محل هاشم بن عبد مناف وهو الذي خلف على سلمى بنت عمرو بن زيد من بني عدي بن النجار بعد موت هاشم عنها فولدت له أحيحة فهو أخو عبد المطلب بن هاشم لأمه وقد غلط في أحيحة هذا غلطا بينا بعض من ألف في رجال الموطأ فظنه صاحبا وهو أحيحة بن الجلاح بن الحريسن بن حجب بن خلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وزوجته سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وإنما فائدة حديث عروة هذا أن أهل الجاهلية كان منهم من يقتل قريبة ليرثه وإنما ذلك كان منهم معروفا وعنهم مشهورا فأبطل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم

بسنته وسن لأمته ألا يرث القاتل من قتل وهي سنة مجتمع عليها في القاتل عمدا وروى سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عروة بن الزبير أنه قال ما ورث قائل ممن قتل بعد أحيحة بن الجلاح وسفيان عن هشام بن حسان عن بن سيرين عن عبيدة السلماني قال لم يرث قاتل من قتل بعد صاحب البقرة وذكر الشافعي قال حدثني بندار قال حدثني روح بن عبادة قال حدثني عوف عن محمد عن عبيدة أن صاحب البقرة التي كانت في بني إسرائيل كان رجلا ليس له ولد وإنما وارثه قتله يريد ميراثه فلما ضرب القتيل ببعضها أحياه الله عز وجل فقيل له من قتلك قال فلان فلم يورث منه ولا ورث قاتل بعده من مقتولة قال عبيدة وكان الذي قتله بن أخيه قال الساجي قال وحدثني عبد الجبار قال حدثني سفيان عن محمد بن سوقه يقول سمع عكرمة يقول كان لبني إسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا لكل باب قوم يدخلون منه فوجدوا قتيلا في سبط من الأسباط فادعى هؤلاء على هؤلاء وهؤلاء على هؤلاء ثم أتوا موسى يختصمون إليه فقال لهم إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتضربوه ببعضها فذكر الخبر بطوله في ابتياعهم البقرة وتشددهم فيها والتشديد عليهم حتى اشتروها وذبحوها وضربوه بفخذها قالوا من قتلك قال بن أخي فلان وهو وارثي فلم يورث منه ولم يعط من ماله شيئا ولم يورث قاتل بعده قال أبو عمر أجمع العلماء على أن القاتل عمدا لا يرث من مقتوله إلا فرقة شذت عن الجمهور كلهم أهل بدع واختلف العلماء في ميراث القاتل خطأ على ما نذكره بعد إن شاء الله عز وجل وقول عروة في ذلك لا يرث قاتل من قتل يعني أن القاتل منع من الميراث عقوبة له لاستعجاله الميراث من غير وجهه لئلا يتطرق الناس إلى الميراث بالقتل فكان سبب ذلك قتل أحيحة عمدا ليرثه وكان ذا مال كثير فكان ما كان من قتل أحيحة لعمه قصدا لأخذ ميراثه في الجاهلية سببا إلى منع القاتل من الميراث في الإسلام

ومما يشبه قول عروة هذا في أن الشيء قد يكون سببا لغيره في تحليل وتحريم ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان تحرجهم من نكاح اليتامى سببا إلى نكاح الأربع تريد قول الله عز وجل وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتمى فانكحوا ما طاب لكم من النسآء مثنى وثلث وربع النساء وأما قوله كنا أهل ثمه ورمه فقيل كنا أهل حضانته وتربيته وقيل أهل قليله وكثيره وقيل أهل خيره وشره والمعنى قريب من السواء لأن الثم في كلام العرب الرطب والرم اليابس وقد روي ثمه ورمه بضم الثاء والراء والأكثر الفتح فيهما وأما قوله غلبنا حق امرئ في عمه فإنه يقول غلبنا عليه حق التعصيب قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن قاتل العمد لا يرث من دية من قتل شيئا ولا من ماله ولا يحجب أحدا وقع له ميراث وأن الذي يقتل خطأ لا يرث من الدية شيئا وقد اختلف في أن يرث من ماله لأنه لا يتهم على أنه قتله ليرثه وليأخذ ماله فأحب إلى أن يرث من ماله ولا يرث من ديته قال أبو عمر قد أخبر مالك رحمه الله أن قاتل العمد لا اختلاف فيه عندهم أنه لا يرث وهو قول بن أبي ذئب وأهل المدينة وكذلك هو عند الجميع من العلماء قديما وحديثا لا خلاف في ذلك والخلاف كما ذكره مالك في القاتل خطأ وأما القائلون بالوجهين من العلماء فروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما من وجوه شتى أن القاتل عمدا أو خطأ لا يرث شيئا وروى عبد الواحد بن زياد عن الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قتل ابنه فغرمه عمر الدية مائة من الإبل ولم يورثه من الدية ولا

من سائر ماله شيئا وقال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقتل والد بولده لقتلتك وهذا عند مالك وغيره عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى الشعبي عن عمر وعلي وزيد قالوا لا يرث القاتل عمدا ولا خطأ شيئا وبن أبي ليلى عن علي مثله وعن مجاهد عن عمر مثله وذكر أبو بكر قال أخبرنا أبو بكر بن عياش عن مطرف عن الشعبي قال قال عمر لا يرث قاتل عمدا ولا خطأ وروى بن سيرين عن عبيدة قال لم يورث قاتل بعد صاحب البقرة وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه وشريك والحسن بن صالح ووكيع ويحيى بن آدم لا يرث القاتل عمدا ولا خطأ شيئا من المال ولا من الدية وهو قول شريح وطاوس وجابر بن زيد والشعبي وإبراهيم وقال مالك وبن أبي ذئب والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وأبو ثور وداود لا يرث قاتل العمد شيئا ويرث قاتل الخطأ من المال ولا يرث من الدية شيئا وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والزهري ومكحول وهو أحد قولي الشافعي وروي عن مجاهد القولان جميعا وقالت طائفة من البصريين يرث قاتل الخطأ من الدية ومن المال جميعا باب جامع العقل مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد

الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جرح العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس قال مالك وتفسير الجبار أنه لا دية فيه قال أبو عمر هكذا عند جماعة العلماء قال الشاعر وكم ملك نزعنا الملك منه وجبار بها دمه جبار وقال سليمان بن موسى الجبار الهدر وقال بن جريج الجبار في كلام أهل تهامة الهدر وأما قوله عليه السلام العجماء فهو كل حيوان لا ينطق من الدواب كلها والسباع وغيرها قال الشاعر يصف كلبا يكاد إذا أبصر الضيف مقبلا يكلمه من حبه وهو أعجم وقال حميد بن ثور فلم أر محزونا له مثل صوتها ولا عربيا شاقة صوت أعجما وجرح العجماء جنايتها وقد تقدم في كتاب الأقضية حكم المواشي وسائر الدواب تقع في الزرع والكرم ليلا ونهارا وما للعلماء في ذلك من التنازع فلا معنى لإعادته هنا وقال مالك القائد والسائق والراكب كلهم ضامنون لما أصابت الدابة إلا أن

ترمح الدابة من غير أن يفعل بها شيء ترمح له وقد قضى عمر بن الخطاب في الذي أجرى فرسه بالعقل قال مالك فالقائد والركب والسائق أحرى أن يغرموا من الذي أجرى فرسه قال أبو عمر على قول مالك هذا في الراكب والسائق والقائد جمهور العلماء وعليه جرى فتيا أئمة الأمصار في الفتيا إلا أنهم اختلفوا فيما أصابته برجلها فقال أبو حنيفة وأصحابه إذا ركب رجل دابة في طريق ضمن ما أصابت بيديها ورجليها أو كدمت أو خبطت إلا النفحة بالرجل والنفحة بالذنب فإنه لا يضمنها وكل ما ضمن فيه الراكب ضمن فيه القائد والسائق إلا أن الكفارة على الراكب وليس على السائق والقائد كفارة وقال الشافعي إذا كان الرجل راكبا على دابة فما أصابت بيديها ورجليها أو فيها أو ذنبها من نفس أو جرح فهو ضامن لأن عليه منعها في تلك الحال من كل ما يتلف به شيئا قال وكذلك إذا كان سائقا أو قائدا وكذلك الإبل المقطرة بالبعير لأنه قائد لها وقال الشافعي لا يصح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الرجل جبار لأن الحفاظ لم يحفظوه قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد طرق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرجل جبار وقال بن شبرمة وبن أبي ليلى يضمن ما أتلفت الدابة برجلها إذا كان عليها أو قادها أو ساقها كما يضمن ما أتلفت بغير رجلها كقول الشافعي سواء وقال الأوزاعي والليث بن سعد في هذا الحديث كقول مالك لا يضمن ما أصابت الدابة برجلها من غير صنعه ويضمن ما أصابت بيدها ومقدمها إذا كان راكبا عليها أو قائدا لها أو سائقا وذكر بن وهب عن يونس وبن أبي ذئب عن بن شهاب أنه سئل عن رجل

قاد هدية فأصابت طيرا فقتلته فقال إن كان يقودها أو يسوقها حتى أصابت الطير فقد وجب عليه جزاء ما قتلت وإن لم يكن يقودها ولا يسوقها فليس عليه جزاء ما أصابت وقال بن سيرين كانوا لا يضمنون من النفحة ويضمنون من رد العنان وقال شريح وحماد لا يضمن النفحة إلا أن ينخس قال أبو عمر هذا كقول مالك وقد روى سفيان بن حسين الواسطي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل جبار إلا أنه لم يروه عن الزهري إلا سفيان بن حسين الواسطي وقد أشبعنا هذا الباب في التمهيد وقال داود وأهل الظاهر لا ضمان على أحد في جرح العجماء برجل أو مقدم ولا على حال لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل جرحها جبارا إلا أن يحملها على ذلك أو يرسلها عليه فتكون حينئذ كالآلة ويلزمه ضمان ما أفسد بجناية نفسه ولا يضمن إلا القاصد إلى الإفساد دون السبب في ذلك إلا أن يجمعوا على أمر فيسلم له قال مالك والأمر عندنا في الذي يحفر البئر على الطريق أو يربط الدابة أو يصنع أشباه هذا على طريق المسلمين أن ما صنع من ذلك مما لا يجوز له أن يصنعه على طريق المسلمين فهو ضامن لما أصيب في ذلك من جرح أو غيره فما كان من ذلك عقله دون ثلث الدية فهو في ماله خاصة وما بلغ الثلث فصاعدا فهو على العاقلة وما صنع من ذلك مما يجوز له أن يصنعه على طريق المسلمين فلا ضمان عليه فيه ولا غرم ومن ذلك البئر يحفرها الرجل للمطر والدابة ينزل عنها الرجل للحاجة فيقفها على الطريق فليس على أحد في هذا غرم قال أبو عمر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال والبئر جبار يعني أن من وقع في البئر فدمه هدر وليس على حافرها فيه شيء وكذلك لو وقعت في البئر دابة لأحد إلا أن ذلك على ما قاله مالك رحمه

الله إذا حفرها في موضع له حفرها فيه ولم يكن بالحفر لها في ذلك الموضع متعديا وذلك أن يحفرها في ما يملكه من الأرض ولا ضرر فيه على غيره أو في ما لا ملك لأحد فيه ولا يضر بأحد ونحو هذا وقال بن القاسم عن مالك له أن يحدث في الطريق بئرا للمطر والمرحاض يحفره إلى جانب حائطه والميزاب والظلة ولا يضمن ما عطب بذلك قال وما حفره في الطريق مما لا يجوز له حفره ضمن ما أعطب به قال مالك وإن حفر بئرا في داره لسارق يرصده ليقع فيها أو وضع به حبالات أو شيئا مما يتلفه به فعطب به السارق فهو ضامن وكذلك إن عطب غير السارق وقال الليث من حفر بئرا في داره أو في طريق أو في رحبة له فوقع فيها إنسان فإنه لا يضمن ما حفر في داره أو في رحبة لا حق لأحد فيها قال فإن ربط بعيرا أو دابة على طريق فعقرت على رباطها وانفلتت فإن كان ذلك من شأنها معلوما فعسى أن يضمن وإن كان ذلك شيئا لم يكن منها في ماخلا فلا أرى عليه شيئا وقال الشافعي من وضع حجرا في أرض لا يملكها ضمن ما عطب به قال ولو حفر في صحراء أو في طريق واسع فعطب به إنسان فلا شيء عليه كما لو وضعه في ملكه وفي موضع آخر للمزني وقال الشافعي ولو أوقف دابته في موضع ليس له أن يوقفها فيه ضمن ولو أوقفها في ماله لم يضمن وقال أبو حنيفة وأصحابه من أوقف دابته في الطريق مربوطة أو غير مربوطة ضمن ما أصابت بأي وجه ما أصابت وقالوا يضمن كل ما كان العطب فيه من سببه وفي موضع يجوز له أن يحدثه فيه أو لا يجوز قالوا وليس يبرئه ما جاز إحداثه له من الضمان كراكب الدابة يضمن ما عطب بها وإن كان له أن يتركها ويسير عليها قال أبو عمر لم يختلفوا أنه يضمن في ما ليس له أن يحدثه وإنما اختلفوا في ماله أن يحدثه في غير ملكه

قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال النار جبار وقال يحيى بن معين أصله البئر ولكن معمر صحفه قال أبو عمر لم يأت بن معين على قوله هذا بدليل وليس هكذا ترد أحاديث الثقات وذكر وكيع عن عبد العزيز بن حصين عن يحيى بن يحيى الغساني قال أحرق رجل تبنا في مراح فخرجت شرارة من نار حتى أحرقت شيئا لجاره قال فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إلي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العجماء جبار وأرى أن النار جبار قال أبو عمر روي عن علي رضي الله عنه في فارسين اصطدما فمات أحدهما يضمن الحي للميت وروي عن إبراهيم وحماد وعطاء فيمن استعان صبيا بغير إذن أهله أو مملوكا بغير إذن مولاه ضمن وقال مالك في الرجل ينزل في البئر فيدركه رجل آخر في أثره فيجبذ الأسفل الأعلى فيخران في البئر فيهلكان جميعا أن على عاقلة الذي جبذه الدية قال أبو عمر ما أظن في هذا خلافا والله أعلم إلا ما قال بعض المتأخرين من أصحابنا وأصحاب الشافعي يضمن نصف الدية لأنه مات من فعله ومن سقوط الساقط عليه قال مالك في الصبي يأمره الرجل ينزل في البئر أو يرقى في النخلة فيهلك في ذلك أن الذي أمره ضامن لما أصابه من هلاك أو غيره قال أبو عمر قد روى بن القاسم عن مالك قال إذا حمل صبيا على دابة ليسقيها أو يمسكها فأصابت الدابة رجلا وطئته فقتلته فالدية على عاقلة الصبي ولا ترجع على عاقلة الرجل وهذا يدل على أنه لا يضمن الصبي لو هلك لأنه لو ضمنه لرجع عليه وقال الشافعي لو صاح بصبي أو معتوه فسقط من صيحته ضمن

وقاله عطاء وزاد وما أرى الكبير إلا كذلك وقال الثوري إذا أرسل رجل صبيا في حاجة فجنى الصبي فليس على المرسل شيء وهو على الصبي ولو أرسل مملوكا فجنى جناية فهي على المرسل وروى المعافي عن الثوري من أرسل أجيرا صغيرا في حاجة فأكله الذئب فلا شيء عليه وإن استعمل أجيرا في عمل شديد فمات منه فإن كان صغيرا ضمن وإن كان كبيرا فلا شيء عليه وقال الحسن بن حي لا أرى بأسا أن يستعمل الرجل مملوكا لغيره يقول اسقني ماء وناولني وضوءا والصبي كذلك وإن كان عنت في ذلك ضمن قال أبو عمر الذي أرى في هذا كله وما كان مثله أن العاقلة تحمله إن كان مقدارا تحمله العاقلة لأنه لا مباشرة فيه للفاعل ولم يكن فيه إلى ذهاب النفس قصد ولا عمد وإنما هو السبب والسبب مختلف فيه وقد مضى ما في هذا المعنى للعلماء والحمد لله كثيرا وأما مسألة الفارسين يصطدمان فيموتان فقال مالك والأوزاعي والحسن بن حي وأبو حنيفة وأصحابه على كل واحد منهما دية الآخر على عاقلته وقال بن خواز بنداد وكذلك عندنا السفينتان تصطدمان إذا لم يكن للنوتي صرف السفينة ولا الفارس صرف الفرس وقال عثمان البتي وزفر والشعبي في الفارسين إذا اصطدما فماتا على كل واحد منهما نصف دية صاحبه لأن كل واحد منهما مات من فعل نفسه وفعل صاحبه وروي عن مالك في السفينتين والفارسين على كل واحد منهما الضمان بقيمة ما أتلف لصاحبه كاملا قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أنه ليس على النساء والصبيان عقل يجب عليهم أن يعقلوه مع العاقلة فيما تعقله العاقلة من الديات وإنما يجب العقل على من بلغ الحلم من الرجال وقال مالك في عقل الموالي تلزمه العاقلة إن شاؤوا وإن أبوا كانوا أهل ديوان

أو مقطعين وقد تعاقل الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي زمان أبي بكر الصديق قبل أن يكون ديوان وإنما كان الديوان في زمان عمر بن الخطاب فليس لأحد أن يعقل عنه غير قومه ومواليه لأن الولاء لا ينتقل ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال الولاء لمن أعتق قال مالك والولاء نسب ثابت قال أبو عمر أما اختلاف العلماء في العواقل فقول مالك ما ذكره في موطئه وقال بن القاسم عنه الدية على العواقل على الغني قدره ومن دونه قدره حتى يصيب الرجل منهم درهم من مائة درهم وأكثر وحكي عنه أن ذلك يؤخذ من أعطياتهم وقال الثوري تعقل العاقلة الدية في ثلاث سنين أولها العام الذي أصيب فيه وتكون عنده الأعطية على الرجال وقال الشافعي العقل على ذوي الأنساب دون أهل الديوان والخلفاء على الأقرب فالأقرب من بني أبيه ثم من بني جده ثم من بني جد أبيه فإن عجزوا عن البعض حمل عنهم الموالي المعتقون فإن عجزوا عن بعض ولهم عواقل عقلتهم عواقلهم فإن لم يكن لهم ذو نسب ولا مولى أعلى من المولى حمل المولى من أسفل ويحمل من كثر ماله نصف دينار ومن كان دون ذلك ربع دينار لا يزاد على هذا ولا ينقص منه وقال أبو حنيفة وأصحابه الدية في قتل الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين من يوم يقضي بها والعاقلة أهل ديوانه فإن كان من أهل الديوان يؤخذ ذلك من أعطياتهم حتى يصيب الرجل من الدية منهم كلها أربعة دراهم أو ثلاثة دراهم فإن

أصابه أكثر من ذلك ضم إليها أقرب القبائل إليهم في النسب من أهل الديوان وأن كان القاتل ليس من أهل الديوان فرضت الدية على عاقلته الأقرب فالأقرب في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي فيؤخذ في كل سنة ثلث الدية عند رأس كل حول ويضم إليهم أقرب القبائل منهم في النسب حتى يصيب الرجل من الدية ثلاثة دراهم أو أربعة وقال محمد بن الحسن يعقل عن الحليف خلفاؤه ولا يعقل عنه قومه وقال عثمان البتي ليس أهل الديوان أولى بها من سائر العاقلة قال أبو عمر أجمع العلماء قديما وحديثا أن الدية على العاقلة لا تكون إلا في ثلاث سنين ولا تكون في أقل منها وأجمعوا أنها على البالغين من الرجال وأجمع أهل السير والعلم بالخبر أن الدية كانت في الجاهلية تحملها العاقلة فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام وكانوا يتعاقلون بالنظرة ثم جاء الإسلام فجرى الأمر على ذلك حتى جعل عمر الديوان واتفق الفقهاء على رواية ذلك والقول به وأجمعوا أنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في زمن أبي بكر ديوان وأن عمر جعل الديوان وجمع به الناس وجعل أهل كل جند يدا وجعل عليهم قتال من يليهم من العدو وحد الكوفي والشافعي في مقدار ما يحمل الواحد من العاقلة من الدية ما تقدم ذكره عنهما ولم يحد مالك في ذلك حدا وذلك عنده على حسب طاقة العاقلة وغناها وفقرها يحمل الواحد من ذلك ما لا يضر به وما يسهل من درهم إلى مائة وأزيد إذا سهل ذلك عليه واتفق جمهور أهل الحجاز على أن العاقلة القرابة من قبل الأب وهم العصبة دون أهل الديوان وقضى عمر بن الخطاب على علي بن أبي طالب أن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب دون ابنها الزبير وقضى بميراثهم للزبير رضي الله عنه وقضى على سلمة بن نعيم إذ قتل مسلما فظنه كافرا بالدية عليه وعلى قومه وقال الكوفيون القريب والبعيد سواء في من يقدم الدية من العاقلة من العصبة

وقال الشافعي الأقرب فالأقرب على منازلهم في التعصيب حتى ينتهي الأمر إلى الأقصى على ما قدمنا عنه وروى بن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله وقال لا يتولى مولى قوما إلا بإذنهم وقال صلى الله عليه وسلم مولى القوم منهم وقال صلى الله عليه وسلم الولاء كالنسب وأما قول محمد بن الحسن أن الحليف يعقل عن حليفه فاحتج له الطحاوي بحديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة ولقوله صلى الله عليه وسلم للمشرك الذي ربطه في سواري المسجد أحبسك بجريرة حلفائك وقد ذكرنا من معاني هذا الباب كثيرا فيما تقدم والحمد لله كثيرا وذكرنا مسائل منه اختلف فيها أصحاب مالك في كتاب اختلافهم قال مالك والأمر عندنا فيما أصيب من البهائم أن على من أصاب منها شيئا قدر ما نقص من ثمنها

قال أبو عمر قد تقدم هذا في كتاب الأقضية في باب مترجم بالقضاء في من أصاب شيئا من البهائم فلا معنى لتكراره قال مالك في الرجل يكون عليه القتل فيصيب حدا من الحدود أنه لا يؤخذ به وذلك أن القتل يأتي على ذلك كله إلا الفرية فإنها تثبت على من قيلت له يقال له ما لك لم تجلد من افترى عليك فأرى أن يجلد المقتول الحد من قبل أن يقتل ثم يقتل ولا أرى أن يقاد منه في شيء من الجراح إلا القتل لأن القتل يأتي على ذلك كله قال أبو عمر قول مالك هذا هو قول بن شهاب وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وحماد بن أبي سليمان وقد روي عن بن عباس أنه قال إذا اجتمعت الحدود والقتل سقطت كلها إلا القذف وقال معمر سئل بن شهاب عن رجل سرق ثم قتل فقال تدرأ الحدود كلها مع القتل إلا القذف قال أبو عمر قد قال مالك رحمه الله في غير الموطأ فيمن سرق ثم قتل يبدأ بما هو حق لله تعالى فيقطع في السرقة ثم يقتل في القصاص لأن القصاص يجوز فيه العفو ولا يجوز في قطع السرقة عفو قال ولو زنى وسرق وهو محصن رجم ولم يقطع قال أبو عمر كأنه يقول لما اجتمع حدان لله عز وجل ناب أحدهما عن الآخر وقد عده قوم من الفقهاء مناقضة لقوله إن حد الله لا يسقطه العفو فلم يسقط حق الله عز وجل في القطع ها هنا ولم يسقط في الاجتماع من القتل وقال بن شبرمة إذا قتل وزنى حد ثم قتل وقال الأوزاعي إذا قطع يد رجل ثم سرق قطعت يده في القصاص ثم قطعت رجله في السرقة قال وإن سرق ثم قطع يمنى رجل قطعت يده في السرقة وغرم دية المقطوع يده وإن كانت عليه حدود للناس ثم قتل أخذت حدود الناس منه ثم قتل وإن

كانت حدوده كلها لله عز وجل منها القتل قتل وترك ما سواه وقال الليث في المرتد يجني أن يقتل وتبطل كل جناية كانت منه وقال الشافعي إذا اجتمعت على رجل حدود وقتل بدى ء بحد القذف يجلد ثمانين جلدة ثم يجلد في الزنى ثم تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى لقطع الطريق وكانت يده اليمنى للسرقة وقطع الطريق معا ورجله لقطع الطريق مع يده ثم قتل قودا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يبدأ بالقصاص فيما دون النفس ثم يحد للقذف ثم إن شاء يحد للزنى أو السرقة ثم يحد للشراب أخرى وقال الشافعي إذا اجتمعت على رجل حدود وقتل فما كان للناس فحده وما كان لله عز وجل فدعه فإن القتل يمحو ذلك كله واختلفوا أيضا فيمن قطع يد رجل ثم قتله فروى بن القاسم عن مالك قال يقتل ولا تقطع يده وهو قول بن شبرمة وأبى يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة والشافعي إذا قطع يد رجل ثم قتله قبل البرء فللوالي أن يقطع يده ثم يقتله قال مالك الأمر عندنا أن القتيل إذا وجد بين ظهراني قوم في قرية أو غيرها لم يؤخذ به أقرب الناس إليه دارا ولا مكانا وذلك أنه قد يقتل القتيل ثم يلقى على باب قوم ليلطخوا به فليس يؤخذ أحد بمثل ذلك قال أبو عمر قد اختلف العلماء في هذه المسألة فذكر وكيع قال حدثني إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع قال وجد قتيل باليمن بين وادعة وأرحب فكتب عامل عمر إليه في ذلك فكتب عمر إليه أن قس ما بين الحيين فإلى أيهم كان أقرب فخذهم به وذكر أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم عن أشعث عن الشعبي قال قتل قتيل بين حيين من همدان بين وادعة وحيوان فبعث معهم عمر المغيرة بن شعبة فقال انطلق معهم فقس ما بين القريتين فأيهما كان أقرب فألحق بهم القتيل قال وحدثني عبد الرحيم عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر بن

محمد بن علي أن عليا كان إذا وجد القتيل ما بين قريتين قاس ما بينهما وروى بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت أبا عمرو الشيباني يقول سمعت بن مسعود يقول لا يخرجن أحد منكم إلى صحبه بليل ولا إلى أمر يكون في هذه السوق قال فخرج رجل منا إلى السوق فوجد قتيلا عند باب رجل فألزمه العقل وأما اختلاف الفقهاء فيها فإن مالكا والشافعي والليث بن سعد ذهبوا إلى أنه إذا وجد قتيل في محلة قوم أو فنائهم لم يستحق عليهم بوجوده حتى تكون الأسباب التي شرطوها في وجوب القسامة وقد اختلفوا فيها على ما نذكره عنهم في باب القسامة إن شاء الله تعالى وقد أوجب قوم من العلماء فيه القسامة منهم الزهري وغيره وجماعة من التابعين وقال سفيان الثوري إذا وجد القتيل في قوم به أثر كان عقله عليهم وإذا لم يكن به أثر لم يكن على العاقلة شيء إلا أن تقوم البينه على أحد قال سفيان وهذا مما اجتمع عندنا ذكره عبد الرزاق عن الثوري وهو قول أبي حنيفة وأصحابه اعتبروا إن كان بالقتيل أثر جعلوه على القبيلة أو لا يكون به أثر فلا يجعله على أحد ونذكر مذاهبهم وغيرهم في المعنى واضحة في باب القسامة إن شاء الله عز وجل وعن الثوري عن الحسن بن عمرو عن الفضيل بن عمرو عن إبراهيم قال إذا وجد القتيل في قوم فشاهدان يشهدان على أحد أنه قتله وإلا أقسموا خمسين يمينا أنهم ما قتلوه وغرموا الدية وعن معمر عن الزهري أنه كتب إليه سليمان بن هشام يسأله عن رجل وجد مقتولا في دار قوم فقالوا طرقنا ليسرقنا وقال أولياؤه بل كذبوا بل دعوه إلى منزلهم ثم قتلوه قال الزهري فكتب إليه يحلف أولياء المقتول خمسين يمينا إنهم لكاذبون ما جاء ليسرقهم وما دعوه إلا دعاء ثم قتلوه فإن حلفوا أعطوا القود وإن نكلوا حلف من أوليائه خمسون بالله لطرقنا ليسرقنا ثم عليهم الدية قال الزهري وقد قضى بذلك عثمان رضي الله عنه قال أبو عمر قد برأ الزهري في هذه المسألة أولياء الدم باليمين وهم المدعون وهذا خلاف ما رواه عن عراك بن مالك وسليمان بن يسار عن عمر رضي

الله عنه وموافقة منه لحديث الحارثين من الأنصار حويصة ومحيصة وعبد الرحمن في قتيلهم بخيبر ذكر بن جريج قال أخبرنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أنه في كتاب لعمر بن عبد العزيز قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا في القتيل يوجد بين ظهراني قوم أن الأيمان على المدعى عليهم فإن نكلوا حلف المدعون واستحقوا فإن نكل الفريقان جميعا كانت الدية نصفين نصف على المدعى عليهم ونصف يبطله أهل الدعوة إذا كرهوا أن يستحقوا بأيمانهم قال مالك في جماعة من الناس اقتتلوا فانكشفوا وبينهم قتيل أو جريح لا يدرى من فعل ذلك به إن أحسن ما سمع في ذلك أن فيه العقل وأن عقله على القوم الذين نازعوه وإن كان القتيل أو الجريح من غير الفريقين فعقله على الفريقين جميعا قال أبو عمر هذا يدل على أنه قد سمع في هذه المسألة اختلافا والاختلاف أن يسمع دعوى أولياء المقتول ثم يحكم فيه بالقسامة على كل مذهبه في ما توجبه القسامة من القود أو الدية على ما يأتي بعد إن شاء الله عز وجل وذكر أبو بكر قال حدثني محمد بن عدي عن أشعث عن الحسن في قوم تناضلوا وأصابوا إنسانا لا يدرى أيهم أصابه قال الدية عليهم كلهم قال وحدثني محمد بن بكر عن بن جريج عن عطاء قال أتى حجر عابر في إمارة مروان فأصاب بن نسطاس عم عامر بن عبد الله بن نسطاس لا يعلم من صاحبه الذي قتله فضرب مروان ديته على الناس قال أبو عمر جاء عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قضيا في قتيل الزحام بالدية في بيت المال ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن وهب بن عقبة العجلي عن يزيد بن مذكور الهمداني أن رجلا قتل يوم الجمعة في المسجد في الزحام فجعل علي ديته في بيت المال قال وأخبرنا الثوري عن الحكم عن الأسود أن رجلا قتل في الكعبة فسأل عمر عليا فقال من بيت المال

وذكر وكيع قال حدثني وهب بن عقبة ومسلم بن يزيد بن مذكور سمعاه من يزيد بن مذكور أن الناس ازدحموا في المسجد الجامع بالكوفة يوم الجمعة فأفرجوا عن قتيل فوداه علي بن أبي طالب من بيت المال قال وكيع وحدثني شعبة عن الحكم عن إبراهيم أن رجلا قتل في الطواف فاستشار عمر الناس فقال علي رضي الله عنه ديته على المسلمين أو قال من بيت المال وروى معمر عن الزهري قال من قتل في زحام فإن ديته على الناس على من حضر ذلك في جمعة أو غيرها قال أبو عمر ليس فيه شيء عند مالك والشافعي وإن وداه السلطان من بيت المال فحسن والله الموفق للصواب باب ما جاء في الغيلة والسحر مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه قتل غيلة وقال عمر لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا قال أبو عمر هذا الخبر عند أهل صنعاء موجود معروف ذكره عبد الرزاق من وجوه منها قال أخبرنا معمر قال أخبرنا زياد بن جبل عمن شهد ذلك قال كانت امرأة من صنعاء لها ربيب فغاب عنها زوجها وكان ربيبها عندها وكان لها خليل فقالت إن هذا الغلام فاضحنا فانظروا كيف تصنعون به فتمالؤوا عليه وهم سبعة مع المرأة قال قلت كيف تمالؤوا عليه قال لا أدري غير أن أحدهم أعطاه شفرة قال فقتلوه وألقوه في بئر بغمدان قال ففقد الغلام فخرجت امرأة أبيه تطوف على حمار وهي التي قتلته مع القوم وهي تقول اللهم لا تخف دم أصيل قال وخطب يعلى الناس فقال انظروا هل تحسون بهذا الغلام أو يذكر لكم

قال فمر رجل ببئر غمدان بعد أيام فإذا هو بذباب أخضر يطلع مرة من البئر ويهبط أخرى فأشرف على البئر فوجد ريحا أنكرها فأتى يعلى فقال ما أظن إلا قد قدرت لكم على صاحبكم وأخبره الخبر قال فخرج يعلى حتى وقف على البئر والناس معه قال فقال الرجل الذي قتله صديق المرأة دلوني بحبل فدلوه فأخذ الغلام فغيبه في سرب من البئر ثم قال ارفعوني فرفعوه وقال لم أقدر على شيء فقال القوم الريح الآن أشد منها حين جئنا فقال رجل آخر دلوني فلما أرادوا أن يدلوه أخذت الآخر رعدة فاستوثقوا منه ودلوا صاحبهم فلما هبط فيها استخرجه فرفعوه إليهم ثم خرج فاعترف الرجل خليل المرأة واعترفت المرأة واعترفوا كلهم فكتب فيهم يعلى إلى عمر فكتب إليه أن اقتلهم فلو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم قال فقتل السبعة قال وأخبرنا بن جريج قال أخبرني عبد الله بن أبي مليكة أن امرأة كانت باليمن لها سبعة أخلاء فقالت لا تستطيعون ذلك منها حتى تقتل بن بعلها فقالوا أمسكيه لنا عندك فأمسكته فقتلوه عندها وألقوه في بئر فدل عليه الذباب فاستخرجوه فاعترفوا بقتله فكتب يعلى بن أمية بشأنهم إلى عمر بن الخطاب فكتب عمر أن اقتل المرأة وإياهم فلو قتله أهل صنعاء أجمعون قتلتهم به وقال بن جريج أخبرني عمر أن حي بن يعلى أخبره أنه سمع يعلى يخبر هذا الخبر قال اسم المقتول أصيل وذكر معنى ما تقدم قال أبو عمر روى حديث مالك في هذا الباب سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب فلم يقل فيه قتلوه قتل غيلة وروى وكيع عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن عمر قتل سبعة من أهل صنعاء برجل وقال لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم ولم يذكر غيلة وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن يحيى عن سعيد بن المسيب قال رفع إلى عمر سبعة لم يقل فيه أنهم قتلوه قتل غيلة وكذلك رواية بن نمير عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال الثوري وأخبرنا منصور عن إبراهيم عن عمر مثله قال سفيان وبه نأخذ فلم يذكر فيه قتل غيلة غير مالك والله أعلم

والقصة وقعت بصنعاء وعالم صنعاء معمر ومن أخذ عنه قد ذكروا الخبر على غير قتل الغيلة قال أبو عمر اختلف الفقهاء في قتل الجماعة بالواحد فقال جماعة فقهاء الأمصار منهم الثوري والأوزاعي والليث ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وأحمد وإسحاق وأبو ثور تقتل الجماعة بالواحد إذا قتلوه كثرت الجماعة أو قلت إذا اشتركت في قتل الواحد ويروى ذلك عن عمر وعلي والمغيرة بن شعبة وبن عباس رضي الله عنهم قال بن عباس لو أن مائة قتلوا واحد قتلوا به وبه قال إبراهيم والشعبي وقتادة وأبو سلمة والحسن وسليمان بن موسى وقال داود لا تقتل الجماعة بالواحد ولا يقتل بنفس واحدة أكثر من واحد وهو قول بن الزبير ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عمرو بن دينار قال كان بن الزبير وعبد الملك لا يقتلان منهم إلا واحدا وما علمت أحدا يقتلهم جميعا إلا ما قالوا في عمر وروي ذلك عن معاذ بن جبل ذكر أبو بكر قال حدثني عبيد الله بن موسى عن حسن بن صالح عن سماك عن دهل بن كعب أن معاذا قال لعمر ليس لك أن تقتل نفسين بنفس واحدة وبه قال محمد بن سيرين وبن شهاب والزهري وحبيب بن أبي ثابت قال معمر عن الزهري لا يقتل الرجلان بالرجل ولا تقطع يدان بيد قال أبو عمر اضطرد قول الزهري وداود في أنه لا تقطع يدان بيد ولا يقتل رجلان برجل وكذلك اضطرد قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور في أنه تقطع باليد الواحدة يدان وأكثر إذا اشتركوا في قطع اليد الواحدة كما تقتل الجماعة بالواحد وإذا اقتلوه معا

وتناقض أبو حنيفة وأصحابه فقالوا لا تقطع يدان بيد وكذلك سائر الأعضاء وهو قول الثوري وهم يقولون إن الجماعة تقتل بالواحد ومن حجتهم أن النفس لا تتجزأ واليد وسائر الأعضاء تتجزأ وإنما قطع كل واحد منهم بعض العضو فمحال أن يقطع منه عضو كامل ولم يقطعه كاملا مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقتلت قال مالك الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك له غيره هو مثل الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه ولقد علموا لمن اشتره ما له في الآخرة من خلاق البقرة فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك هو نفسه قال أبو عمر قد روي هذا الخبر عن نافع عن حفصة وعن نافع عن بن عمر روى بن عيينة قال أخبرني من سمع نافعا يحدث عن حفصة أنها قتلت جارية لها سحرتها وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا عبد الله أو عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن جارية لحفصة سحرتها واعترفت بذلك فأمرت بها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فقتلها وأنكر ذلك عليها عثمان فقال بن عمر ما تنكر على أم المؤمنين من امرأة سحرتها واعترفت فسكت عثمان وعند مالك في هذا الباب عن عائشة خلاف لحفصة إلا أنه رماه بآخرة من كتابه فليس عند يحيى وطائفة معه من رواة الموطأ وأثبت حديث حفصة لأنه الذي يذهب إليه في قتل الساحر وحديث عائشة رواه مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها أعتقت جارية لها على دبر منها ثم أن عائشة مرضت بعد ذلك ما شاء الله فدخل عليها سندي فقال إنك مطبوبة فقالت من طبني فقال

امرأة من نعتها كذا وكذا وفي حجرها صبي قد بال فقالت عائشة ادع لي فلانة لجارية لها تخدمها فوجدوها في بيت جيران لها في حجرها صبي قد بال فقالت حتى أغسل بول الصبي فغسلته ثم جاءت فقالت لها عائشة سحرتني قالت نعم فقالت لم قالت أحببت العتق فقالت عائشة أحببت العتق فوالله لا تعتقن أبدا فأمرت عائشة بن أخيها أن يبيعها من الأعراب ممن يسيء ملكتها ثم قالت ابتع لي بثمنها رقبة حتى اعتقها ففعلت قالت عمرة فلبثت عائشة ما شاء الله عز وجل من الزمان ثم أنها رأت في النوم أن اغتسلي من ثلاث آبار يمر بعضها في بعض فإنك تشفين قالت عمرة فدخل على عائشة إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الرحمن بن سعد بن زرارة فذكرت لهما الذي رأت فانطلقا إلى قباء فوجدوا آبارا ثلاثا يمد بعضها بعضا فاستقوا من كل بئر منها ثلاث شخب حتى ملئ الشخب من جميعهن ثم أتوا به عائشة فاغتسلت به فشفيت قال أبو عمر في حديث عائشة هذا بيع المدبر وكان بعض أصحابنا يفتي به في بيع المدبر إذا تخلف عن مولاه وأحدث أحداثا قبيحة لا ترضى وفيه أن السحر حق وأنه يؤثر في الأجسام وإذا كان هذا لم يؤمن منه ذهاب النفس وفيه أن الغيب تدرك منه أشياء بدروب من التعليم فسبحان من علمه بلا تعلم ومن يعلم الغيب حقيقة لا كما يعلمه من يخطئ مرة ويصيب أخرى تخرصا وتظننا وفيه إثبات النشرة وأنها قد ينتفع بها وحسبك ما جاء منها في اغتسال العائن للمعين وفيه أن الساحر لا يقتل إذا كان عمله من السحر ما لا يقتل حدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حبان عن زيد بن أرقم قال سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى النبي صلى الله عليه وسلم لذلك أياما فأتاه جبريل فقال إن رجلا من اليهود عقد لك عقدا فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه فاستخرجها وجاء بها وجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة قال فقام النبي صلى الله عليه وسلم وكأنما نشط من

عقال فما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي ولا أراه في وجهة قط قال أبو عمر اليهودي لبيد بن الأعصم وحديثه فيه طول من رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها وأما حديث حفصة في قتل الساحر فهو مذهب عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر وقيس بن سعد وجندب رجل من الصحابة روى بن عيينة عن سالم بن الجعد عن بن دينار أن قيس بن سعد بن عبادة كان أميرا على مصر فكان سره يفشو فشق ذلك عليه وقال ما هذا فقيل له إن ها هنا رجلا ساحرا فبعث إليه فسأله فقال إنا لا نعلم ما في الكتاب حتى يفتح فإذا فتح علمنا ما فيه فأمر به قيس فقتل وسفيان عن أبي سعيد الأعور عن عكرمة عن بن عباس قال علم السحر في قرية من قرى مصر يقال لها الغرماء وسفيان عن عمار الدهني أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبة يمشي على الجبل ويدخل في است الحمار ويخرج من فيه فاشتمل له جندب على السيف فقتله قال أبو عمر قد ذكرنا خبر جندب هذا في قتله للساحر بين يدي الوليد من طرق فيها بيان شاف من كتاب الصحابة والحمد لله كثيرا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حد الساحر ضربه بالسيف إلا أنه حديث ليس بالقوي انفرد به إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا رواه بن عيينة عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن مرسلا ومنهم من يجعله عن الحسن عن جندب وحدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الملك قراءة مني عليه في شعبان سنة تسعين وثلاثمائة قال حدثني أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي في منزله بمكة سنة أربعين وثلاثمائة قال حدثني الحسن بن محمد بن الحسن بن الصياح الزعفراني قال حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار بأنه سمع بجالة قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية عمر الأحنف بن قيس فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة اقتلوا كل ساحر وساحرة وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة فقتلنا ثلاث

سواحر وجعلنا نفرق بين الرجل وبين حريمته في كتاب الله عز وجل وصنع طعاما كثيرا فدعى المجوس وعرض السيف على فخذه فألقوا وكر بغل أو بغلين من فضة وأكلوا بغير زمزمة ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر وروى معمر وبن عيينة وبن جريج عن عمرو بن دينار قال سمعت بجالة يحدث أبا الشعثاء وعمرو بن أوس عند صفة زمزم في إمارة مصعب بن الزبير قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية عمر الأحنف بن قيس فأتى كتاب عمر قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة وذكر تمام الخبر قال أبو عمر وقد قال جماعة من فقهاء الأمصار يقتل الساحر اتباعا والله أعلم لمن ذكرنا من الصحابة وبنحو ما نزع به مالك رحمه الله وأبت ذلك طائفة منهم الشافعي وداود فقالا لا يقتل الساحر إلا أن يقر أن من عمله مات المسحور فإن قال ذلك قتل به قودا قال الشافعي وإن قال عملي هذا قد أخطئ به القتل وأصيب وقد مات من عملي قوم كانت عليه الدية في ماله فإن قال مرض قوم من سحري ولم تمت أقسم أولياؤه لمات من ذلك العمل وكانت فيه الدية وقال داود لو قال الساحر أنا أتكلم بكلام أقتل به لم يجب قتله لأن الكلام لا يقتل به أحد أحدا كما لا يحيي به أحد أحدا وقد جاء بمحال خارج عن العادات وقد قيل إن السحر لا شيء في حقيقته منه وإنما هو تخيل يتخيل الإنسان الشيء على غير ما هو به واحتج قائل هذه المقالة يقول الله عز وجل يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى طه وبحديث هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخيل إليه أنه كان يأتي النساء حين سحره لبيد بن الأعصم

وفي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحره دليل واضح على أن قتل الساحر ليس بواجب وفي حديث زيد بن أرقم على ما ذكرناه بيان ذلك أيضا قال أبو عمر القول الأول أعلى من جهة الاتباع وأنه لا مخالف له من الصحابة إلا عائشة فإنها لم تر قتل الساحر ومن زعم أن الساحر يقلب الحيوان من صورة إلى صورة فيجعل الإنسان حمارا أو نحوه ويقدر على نقل الأجسام وهلاكها وتبديلها فإنه يرى قتل الساحر لأنه كافر بالأنبياء عليهم السلام يدعي مثل آياتهم ومعجزاتهم ولا يتهيأ مع هذا علم صحة النبوة إذ قد يحصل مثلها بالحيلة وأما من زعم أن السحر خدع ومخارق وتمويهات وتخيلات فلا يجب على أصله قتل الساحر إلا أن يقتل بفعله أحدا فيقتل به وقد ذكرنا حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من اقتبس بابا من علم النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر ما زاد زاد وما زاد زاد في غير موضع من كتابنا والحمد لله كثيرا وفي المبسوط روى بن نافع عن مالك في المرأة تقر أنها عقدت زوجها عن نفسها أو غيرها من النساء أنها تنكل ولا تقتل قال ولو سحر نفسه لم يقتل لذلك وأما من جهة النظر فدماء المؤمنين محظورة فلا تستباح إلا بيقين وبالله التوفيق باب ما يجب في العمد مالك عن عمر بن حسين مولى عائشة بنت قدامة أن عبد الملك بن مروان أقاد ولي رجل من رجل قتله بعصا فقتله وليه بعصا قال مالك والأمر المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الرجل إذا ضرب الرجل بعصا أو رماه بحجر أو ضربه عمدا فمات من ذلك فإن ذلك هو العمد وفيه القصاص

قال مالك فقتل العمد عندنا أن يعمد الرجل إلى الرجل فيضربه حتى تفيظ نفسه ومن العمد أيضا أن يضرب الرجل في النائرة تكون بينهما ثم ينصرف عنه وهو حي فينزى في ضربه فيموت فتكون في ذلك القسامة قال أبو عمر أما القود بعصا من القاتل فقد اختلف فيه قديما العلماء فجملة مذهب مالك في ما ذكره بن القاسم وبن وهب وأشهب وغيرهم عنه قال إن قتله بعصا أو بحجر أو بالنار أو بالتغريق قتل بمثله فإن لم يمت فلا يزال يكون عليه من جنس ما قتله به حتى يموت وإن زاد على فعل القاتل الأول إلا أن يكون في ذلك تعذيب وطول فيقتل بالسيف وبين أصحاب مالك في هذا الباب اختلاف في النار وغيرها وقد ذكرناه في كتاب اختلافهم وقال الشافعي إن ضربه بحجر فلم يقلع عنه حتى مات فعل به مثل ذلك وإن حبسه بلا طعام ولا شراب حتى مات حبس كذلك فإن لم يمت في تلك المدة قتل بالسيف قال وكذلك التغريق إذا ألقاه في مهواة بعيدة قال ولو قطع يديه ورجليه فمات فعل به الولي مثل ذلك فإن مات وإلا قتله بالسيف وقال بن شبرمة يضرب مثل ما ضربه ولا يضرب أكثر من ذلك وقد كانوا يكرهون المثلة ويقولون السيف يجزئ من ذلك كله وإن غمسه في الماء فمات غمس أبدا حتى يموت قال أبو حنيفة وأصحابه بأي وجه قتله لم يقتل إلا بالسيف وهو قول إبراهيم النخعي وعامر الشعبي والحسن البصري ورواه الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر الحجة لمالك والشافعي من جهة الأثر ما حدثناه سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع عن قتادة عن أنس أن يهوديا رضخ رأس امرأة بحجر فرضخ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه بحجر

أو قال بين حجرين وأما قول مالك الأمر المجتمع عليه الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الرجل إذا اضرب رجلا بعصا أو رماه بحجر فمات من ذلك فهو العمد وفيه القصاص فهذا منه نفي لشبه العمد والقتل عنده على وجهين عمد وخطأ لا ثالث لهما وقتيل الحجر والعصا عنده وغيرهما سواء إذا وقع العمد من الضارب بهما قال بن القاسم قال مالك الأمر شبه العمد باطل وإنما هو عمد وخطأ لم أجد في القرآن غير ذلك وهو الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه قال أبو عمر قد تابع مالكا على نفيه ودفعه لشبه العمد الليث بن سعد وما أعلم أحدا من فقهاء الأمصار على ذلك تابعهما قال مالك العمد ما عمد به إنسان آخر ولو ضربه بأصبعه فمات من ذلك دفع إلى ولي المقتول إلا أنه قد روي عن إبراهيم النخعي وحماد أنهما قالا الضرب بالحجر عمد وفيه القود وروي عن الشعبي وحماد في العصا مثل ذلك وقال الزهري الضرب بالعصا عمد إذا قتلت صاحبها قتل الضارب وعن عبيد بن عمير قال يعمد الرجل الآبد الشديد إلى الصخرة أو الخشبة فيشرخ بها رأس الرجل وأي عمد أعمد من هذا وعن عمر بن الخطاب أنه قال يعتمد أحدكم إلى أرضه فيضربه بمثل

آكلة اللحم لا يؤتى برجل فعل ذلك فقتل إلا أقدته منه رواه زيد بن جبير عن جزرة بن حميد عن عمر بن الخطاب سمعه يقول لا يضرب أحدكم أخاه بمثل آكلة اللحم ثم يرى ألا قود عليه والله لا آخذ رجلا فعل ذلك إلا أقدت منه ورواه حجاج بن أرطأة وإسرائيل وشريك عن زيد بن حبير وبعضهم يقول في حميد جميل والصواب عندهم حميل قال أبو عمر قد تقدم في باب دية العمد إذا قبلت من هذا الكتاب عن عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وأبي موسى والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أنهم أثبتوا شبه العمد وقضوا فيه بالدية المغلظة وإن كانوا اختلفوا في أسنان الإبل فيها ولا مخالف لهم من الصحابة ولا من التابعين في ما علمته إلا اختلافهم في صفة شبه العمد وعلى ذلك جمهور الفقهاء وسفيان الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وقال الأشجعي عن الثوري شبه العمد أن يضربه بعصا أو بحجر أو ببندقة فيموت ففيه الدية مغلظة ولا قود والعمد ما كان بسلاح وفيه القود قال والنفس تكون فيها العمد وشبه العمد والخطأ ولا يكون في الجراحات إلا خطأ أو عمد وقال أبو نعيم الفضل بن دكين عن الثوري قال إذا أخذا عودا أو عظما فجرح به بطن إنسان فمات فهذا شبه عمد ليس فيه قود وقال الأوزاعي في شبه العمد هو أن يضربه بعصا أو بسقط ضربة واحدة فيموت منها فتكون الدية في ماله فإن لم يكن له مال فعلى العاقلة قال وإن ثنى بالعصا ثم مات مكانه من الضربة الثانية فعليه القصاص فإن لم يمت من الضربة الثانية مكانه ثم مات فهو شبه العمد لا قصاص فيه وفيه الدية على الجاني قال والخطأ على العاقلة وقال أبو حنيفة شبه العمده كل ما عدا الحديد أو ليطة القصب أو النار قال فإن قتله بحديدة أو ليطة قصب أو بالنار فهو عمد وفيه القصاص

وما سوى ذلك شبه العمد وفيه الدية مغلظة على العاقلة وعليه الكفارة وليس التغليظ عنده إلا في أسنان الإبل خاصة دون عددها وقد تقدم مذهبه في دية شبه العمد في باب دية العمد إذا قبلت وليس فيما دون النفس عنده شبه عمد وبأي شيء ضربه فجرحه ولم يقتله فعليه القصاص إذا أمكن فإن لم يمكن ففيه الدية مغلظة إذا كانت من الإبل تسقط ما يجب وقال أبو يوسف ومحمد شبه العمد ما لا يقتل مثله كاللطمة الواحدة والضربة الواحدة بالسوط قالا ولو ذلك حتى صارت جملته ما يقتل كان عمدا وفيه القصاص بالسيف قالا وكذلك إذا عرفه بحيث لا يمكنه الخلاص منه وهو قول عثمان البتي إلا أن البتي يجعل دية شبه العمد في ماله وقال بن شبرمة ما كان من شبه العمد فإنه عليه في ماله يبدأ بماله فيؤخذ حتى لا يترك شيء فإن لم يتم ذلك كان ما بقي من الدية على عاقلته وقال الشافعي شبه العمد ما كان عمدا في الضرب خطأ في القتل وذلك مثل أن يضربه بعصا أو عمود خفيف أو بحجر لا يشرخ مثله أو بحد سيف لم يجرحه به وألقاه في نهر أو بحر قريب من البره وهو يحسن العوم أو ما الأغلب عليه أنه لا يموت من مثله فمات ففيه الدية مغلظة على العاقلة وقال أحمد بن حنبل دية شبه العمد على العاقلة في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها وكذلك قال أبو ثور وقد ذكرنا أقوالهم ومذاهبهم في أسنان الإبل وفي دية شبه العمد في باب دية العمد إذا قبلت والحمد لله كثيرا وأما قول مالك فقتل العمد عندنا أن يعمد الرجل إلى الرجل فيضربه حتى تفيض نفسه فهذا ما لا خلاف بين العلماء فيه وأما قوله ومن العمد أيضا أن يضرب الرجل في النائرة تكون بينهما ثم ينصرف عنه وهو حي فينزى في ضربه فيموت فتكون في ذلك القسامة فهذه من مسائل القسامة وتأتي في موضعها إن شاء الله

قال مالك الأمر عندنا أنه يقتل في العمد الرجال الأحرار بالرجل الحر الواحد والنساء بالمرأة كذلك والعبيد بالعبد كذلك قال أبو عمر قد مضت هذه المسألة في صدر باب ما جاء في الغيلة والسحر وقد مضى هنالك ما للعلماء من التنازع فيها والحمد لله كثيرا باب القصاص في القتل مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر أنه أتي بسكران قد قتل رجلا فكتب إليه معاوية أن اقتله به قال أبو عمر ما كانت المعصية التي ارتكبها بشرب الخمر لتزيل عنه القصاص وقد مضى اختلاف العلماء هل يقام عليه حد السكر مع القتل أم القتل يأتي على ذلك ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في السكران يسرق ويقتل قال تقام عليه الحدود كلها قال مالك أحسن ما سمعت في تأويل هذه الآية قول الله تبارك وتعالى الحر بالحر والعبد بالعبد البقرة فهؤلاء الذكور والأنثى بالأنثى البقرة أن القصاص يكون بين الإناث كما يكون بين الذكور والمرأة الحرة تقتل بالمرأة كما يقتل الحر بالحر والأمة تقتل بالأمة كما يقتل العبد بالعبد والقصاص يكون بين النساء كما يكون بين الرجال والقصاص أيضا يكون بين الرجال والنساء وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص المائدة فذكر الله تبارك وتعالى أن النفس بالنفس فنفس المرأة الحرة بنفس الرجل الحر وجرحها بجرحه قال أبو عمر أما قول الله عز وجل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى البقرة فأجمع العلماء على أن العبد يقتل بالحر وعلى أن الأنثى تقتل بالذكر

وكذلك أجمعوا على قتل الذكر بالأنثى إلا أن منهم من قال إن قتل أولياء المرأة الرجل بها أدوا نصف الدية إن شاؤوا وإلا أخذوا الدية ولا يقتل الذكر بالأنثي حتى يؤدوا نصف الدية روي هذا القول عن علي رضي الله عنه ولا يصح لأن الشعبي لم يلق عليا وقد روى الحكم عن علي وعبد الله قال إذا قتل الرجل المرأة متعمدا فهو بها قود وهذا يعارض قول الشعبي عن علي رضي الله عنه مما روي عنه وروي ذلك عن الحسن أيضا واختلف فيه عن عطاء وهو قول عثمان البتي وأما جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار فمتفقون على أن الرجل يقتل بالمرأة كما تقتل المرأة به لقول الله عز وجل النفس بالنفس المائدة ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكأفأ دماؤهم ولم يخص الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا ذكرا من أنثى وليس شيء من هذا مخالفة لكتاب الله عز وجل لأن المسلمين لا يجتمعون على تحريف التأويل لكتاب الله عز وجل بل الكتاب والسنة بينا مراد قول الله عز وجل من قوله الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى البقرة وإنما كان يكون ذلك خلافا لكتاب الله عز وجل لو قال أحد إنه لا يقتل حر بحر ولا تقتل أنثى بأنثى وهذا لا يقوله أحد لأنه خلاف ظاهر الآية ورد لها وقد روي عن بن عباس وغيره من أهل العلم بتأويل القرآن أن سبب نزول الآية كان لما كان عليه أهل الجاهلية إذا قتل الشريف منهم عبدا قالوا لا يقتل به إلا حرا وكان فيهم القود ولم تكن فيهم الدية فأنزل الله عز وجل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شيء البقرة يعني الدية فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسن ذلك تخفيف من ربكم ورحمة البقرة وأما قول عثمان البتي ومن روى عنه مثل قوله في أن المرأة لا يقتل بها الرجل حتى يؤدي أولياؤها نصف الدية لأن دية المرأة نصف دية الرجل فهذا خلاف النص والقياس والإجماع لأن علماء المسلمين مجمعون أن من قطعت يده فأخذ لها

أرشا أو فقئت عينه فأخذ لها ديتها أو رجله أو كان أشل أو أعور من غير أن يأخذ لذلك شيئا فقتل رجلا سالم الأعضاء أنه ليس لوليه أن يقتل الأعور ويأخذ منه نصف الدية من أجل أنه قتل ذا عينين وهو أعور وقتل ذا يدين وهو أشل وهذا يدل على أن النفس مكافئة للنفس ويكافى ء الطفل فيها الكبير ويقال لقائل ذلك إن كان الرجل لا تكافئه المرأة ولا يدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم فلم قتلت الرجل بها وهي لا تكافئه ثم أخذت نصف الدية والعلماء أجمعوا أن الدية لا تجتمع مع القصاص وأن الدية إذا قبلت حرم الدم وارتفع القصاص فليس قولك هذا بأصل ولا قياس قال أبو عمر احتجاج مالك بآية المائدة قوله عز وجل وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس المائدة دليل على أن مذهبه إن كان ما أنزل الله عز وجل في القرآن في شرائع الأنبياء عليهم السلام ولم ينزل في كتابنا أنه لهم خاصة ولا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه لهم دوننا ولم يشرع لنا خلافهم فهو شرع لنا لأن الله عز وجل قد أمر نبينا عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بهم إلا أن يشرع له منهاجا غير ما شرع لهم قال الله عز وجل أولئك الذين هدى الله فبهدهم اقتدة الأنعام قال مالك في الرجل يمسك الرجل للرجل فيضربه فيموت مكانه أنه إن أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله قتلا به جميعا وإن أمسكه وهو يرى أنه إنما يريد الضرب مما يضرب به الناس لا يرى أنه عمد لقتله فإنه يقتل القاتل ويعاقب الممسك أشد العقوبة ويسجن سنة لأنه أمسكه ولا يكون عليه القتل قال أبو عمر روى بن القاسم عن مالك معنى قوله هذا في الموطأ إلا أنه لم يزد على قوله إن أمسكه حتى يقتله قتلا به جميعا وقال بن جريج سمعت سليمان بن موسى يقول الإجماع عندنا في الممسك والقاتل أنهما شريكان في دمه يقتلان به وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد فيمن أمسك رجلا حتى قتله آخر

فالقود على القاتل دون الممسك ويعاقب الممسك وقال الليث إن أمسكه ليضربه فقتله قتل القاتل وعوقب الآخر وهو نحو قول مالك قال الليث ولو أمر غلامه أن يقتل رجلا فقتله قتلا به جميعا وذكر المزني عن الشافعي قال لو أمسك رجل رجلا لآخر فذبحه قتل به الرجل الذابح دون الممسك كما يحد الزاني دون الذي أمسك المرأة وقال أبو ثور مثل قول الشافعي قال أبو عمر الممسك معين وليس بقاتل وقد يحتمل قول عمر رضي الله عنه لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به الوجهين جميعا العون والمباشرة وقد أجمعوا أنه لو أعانه ولم يحضر قتله لم يقتل به وقد روى وكيع قال حدثني سفيان عن إسماعيل بن أمية ورواه معمر وبن جريج عن إسماعيل بن أمية قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل أمسك رجلا وقتله آخر أن يقتل القاتل ويحبس الممسك وقال وكيع حدثني جابر عن عامر عن علي رضي الله عنه أنه قضى أن يقتل القاتل ويحبس الممسك وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن عليا أتي برحلين قتل أحدهما وأمسك الآخر فقتل الذي قتل وقال للممسك أمسكته للموت وأنا أحبسك في السجن حتى تموت وروي ذلك عن علي من وجوه وقال به الحكم وحماد وقال شعبة سألت الحكم عن الرجل يمسك الرجل ويقتله الآخر قال يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت قال أبو عمر هي ثلاث مسائل متقاربات مسألة الممسك ومسألة الآمر غيره ومسألة الامر عبده فنذكرهما هنا وبالله توفيقنا قال مالك والشافعي والكوفي وأحمد وإسحاق وأبو ثور القتل على القاتل دون الآمر ويعاقب الآمر وهو قول عطاء والحكم وحماد وسليمان بن موسى

وقالت طائفة منهم إبراهيم يقتلان جميعا وهما شريكان وأما مسألة الرجل يأمر عبده بقتل رجل فيقتله فروي عن علي وأبي هريرة أنه يقتل السيد وبه قال أحمد وزاد ويضرب العبد ويسجن وقال الثوري والحكم وحماد يقتل العبد ويعزر السيد وهو قول الكوفي وقال قتادة يقتلان جميعا وقال الشافعي إن كان العبد فصيحا يعقل قتل العبد وعوقب السيد وإن كان أعجميا فعلى السيد القود وهذا كقول مالك سواء في رواية بن وهب عنه وقال سليمان بن موسى لا يقتل الآمر ولكن يغرم الدية ويحبس وقال الشافعي إذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل والمأمور يعلم أنه أمر بقتله ظلما كان على الآمر القود وفي المأمور قولان أحدهما أن عليه القود والآخر لا قود عليه وعليه نصف الدية والكفارة وقال شعبة سألت الحكم وحمادا عن الرجل يأمر الرجل فيقتل الرجل فقالا يقتل القاتل وحده وليس على الآمر قود وقال وكيع حدثني سفيان عن جابر عن عامر في رجل أمر عبده فقتل رجلا عمدا فقال يقتل العبد ووكيع عن علي بن صالح عن منصور عن إبراهيم في الرجل يأمر الرجل فيقتل قال هما شريكان قال وكيع هذا عندنا في الإثم وأما القود فهو على القاتل قال أبو عمر قد روي هذا منصوصا عن إبراهيم قال أبو بكر حدثني بن سعيد عن سفيان عن منصور قال سألت إبراهيم عن أمير أمر رجلا فقتل رجلا فقال هما شريكان في الإثم قال وحدثني يحيى بن سعيد عن أشعث عن الحسن في الرجل يأمر عبدا له بقتل الرجل قال يقتل السيد وقد روي عن علي وأبي هريرة مثل قول الحسن ذكره أبو بكر قال حدثني زيد بن الحباب عن حماد بن سلمة عن قتادة

عن خلاس عن علي في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا قال إنما هو بمنزلة سوطه أو سيفه وقال حدثني عمر عن بن جريج عن عطاء عن أبي هريرة في الرجل يأمر عبده فيقتل رجلا قال يقتل المولى قال مالك في الرجل يقتل الرجل عمدا أو يفقأ عينه عمدا فيقتل القاتل أو تفقأ عين الفاقى ء قبل أن يقتص منه أنه ليس عليه دية ولا قصاص وإنما كان حق الذي قتل أو فقئت عينه في الشيء بالذي ذهب وإنما ذلك بمنزلة الرجل يقتل الرجل عمدا ثم يموت القاتل فلا يكون لصاحب الدم إذا مات القاتل شيء دية ولا غيرها قال أبو عمر قول مالك هذا صحيح لأن ولي المقتول عمدا لا يملك نفس المقتول فيطلب بدلها من قاتله وإنما له حق استيفاء القصاص وكذلك الذي فقئت عينه عمدا فإذا ذهب ما يستحقه بالقصاص بطل الدم وهذا قول بن القاسم وروايته عن مالك أن ولي المقتول ليس مخيرا في القصاص أو أخذ الدية وإنما له القصاص فقط إلا أن يصطلحوا على شيء وأما رواية المدنيين عنه في تخيير ولي المقتول إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية فقياسه أن يكون له الدية إن شاء على القاتل الثاني وإن شاء قتله وروى بن القاسم عن مالك قال لو قتل رجل عمدا فجاء رجل فقتل القاتل عمدا قيل لأولياء المقتول الآخر أرضوا أولياء المقتول الأول وخذوا قاتل قاتلكم فاصنعوا به ما شئتم فإن أرضوا أولياء المقتول الأول وإلا دفع الثاني إلى أولياء المقتول الأول يصنعوا به ما أحبوا وقال الحسن بن حي إذا قتل القاتل الأول فلا حق لأولياء المقتول الأول على القاتل الثاني وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ولو قتله رجل عمدا وجب عليه القود قتل بحق أو بغير حق ولا شيء لولي المقتول الأول وهو قول عثمان البتي

وقال سفيان الثوري يقتل الذي قتله وبطل دم الأول وهو قول الحسن البصري كقول الشافعي فيها كرواية المدنيين عن مالك أن لأولياء المقتول على الأجنبي القاتل القصاص إلا أن يشاؤوا أخذ الدية وروى بن القاسم عن مالك فيمن فقأ عين رجل عمدا فذهبت عينه من السماء أو قطع يد رجل فشلت يده أو قطعت في سرقة أنه لا شيء للذي فقئت عينه ولا للذي قطعت يده من مال أو قصاص قال أبو عمر اختصار هذا الباب أن نقول لو قتل رجل رجلا فقتل قاتله في حرابة أو ردة أو مات فلا شيء لوليه ولو قطع رجل يد رجل فقطعت يده في سرقة أو ذهبت بآفة من الله عز وجل فلا حق للمجني عليه من مال ولا قصاص ووافق أبو حنيفة مالكا في النفس وخالفه في الأعضاء وقال الشافعي له الدية في الوجهين جميعا في النفس والأعضاء قال مالك فإن قطع رجل يد القاطع عمدا كان للمقطوع الأول القصاص على القاطع الثاني لأنه كان أحق بيده من نفسه وإن قطعها خطأ فعلى القاطع الثاني دية اليد ويكون ذلك للمقطوع الأول قال أبو عمر هذا إنما يخرج على رواية المدنيين عنه والله أعلم وقال أبو حنيفة وأصحابه لو قطع رجل يد رجل فوجب عليه القصاص فقطعت يده في سرقة أو في قصاص لآخر فللآخر عليه أرش يده وإن قطعها إنسان بغير حق لم يكن للمقطوع الأول شيء وهو عند الشافعي مخير إن شاء قطع الثاني وإن شاء أخذ الدية وروى قتادة وفرقة في رجل قتل رجلا عمدا فحبس القاتل للقود فجاء رجل فقتله عمدا قال لا يقاد منه لأنه قتل من وجب عليه القتل قال أبو عمر من قال هذا قاسه على من وجب القتل لله عز وجل عليه كالمرتد أو كالمحصن الزاني إذا حبس أحدهما للقتل أو الرجم فقتله رجل عمدا وهذا قياس فاسد لأن من وجب عليه حق لله عز وجل ليس لأحد فيه خيار وأما إذا وجب الحق للأولياء فلهم العفو والقصاص ولهم أيضا أخذ الدية عند جماعة من العلماء واختلفوا في الذي فقأ عين رجل عمدا فذهبت عينه تلك قبل أن يقتص منه

أو قطع يد رجل فذهبت تلك اليد منه هل للمجني عليه أن يأخذ عينه الأخرى أو يده الأخرى فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم لا تأخذ اليمنى باليسرى ولا اليسرى باليمنى لا في العين ولا في اليد ولا تؤخذ السن إلا بمثلها من الجاني وقال بن شبرمة تفقأ العين اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى وكذلك اليد وتؤخذ الثنية بالضرس والضرس بالثنية لأن الله عز وجل يقول والعين بالعين والسن بالسن المائدة وقال الحسن بن صالح بن حي إذا قطع أصبع من كف فلم يكن للقاطع من تلك الكف مثل تلك الأصبع قطع من تلك الكف أصبع مثلها تليها ولا تقطع أصبع كف بأصبع كف أخرى قال وكذلك تقلع السن التي تليها إذا لم تكن للقاطع سن مثلها وإن بلغ ذلك الأضراس قال وتؤخذ العين اليمنى باليسرى واليسرى باليمنى ولا تؤخذ اليد اليمنى باليسرى ولا اليسرى باليمنى قال أبو عمر أجمعوا على أن عين الفاقى ء إذا كانت صحيحة لم يكن للمفقئ عينه أن يأخذ غيرها فدل على أن قوله عز وجل والعين بالعين المائدة ما قابلها والله أعلم قال مالك ليس بين الحر والعبد قود في شيء من الجراح والعبد يقتل بالحر إذا قتله عمدا ولا يقتل الحر بالعبد وإن قتله عمدا وهو أحسن ما سمعت قال أبو عمر أما اختلافهم في القصاص بين العبيد والأحرار فاتفق مالك والليث على أن العبد يقتل بالحر وأن الحر لا يقتل بالعبد وخالفه الليث في القصاص في أعضاء العبد بالحر فقال إذا جنى العبد على الحر فيما دون النفس فالحر مخير إن شاء اقتص من العبد وإن شاء كانت الجناية في رقبة العبد على سيده وقد ناقض لأنه لا يوجب خيارا للرجل في جناية المرأة عليه في أعضائه وهي ناقصة عنه في الدية

واتفقا على أن الكافر يقتل بالمؤمن ولا يقتل به المؤمن ويقتل العبد بالحر ولا يقتل به الحر وقال الشافعي كل من جرى عليه القصاص في النفس جرى عليه في الجراح وليس بين الحر والعبد قصاص إلا أن يشاء الحر وقال أبو حنيفة وأصحابه لا قصاص بين الأحرار والعبيد إلا في النفس فإنه يقتل الحر بالعبد كما يقتل العبد بالحر ولا قصاص بينهما في شيء من الجراح والأعضاء وقال بن أبي ليلى القصاص بين الحر والعبد في النفس وفي كل ما يستطاع فيه القصاص من الأعضاء وهو قول داود واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم فلم يفرق بين حر وعبد قال أبو عمر قد قال الله عز وجل وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى النساء فأجمع العلماء أنه لا يدخل العبيد في هذه الآية وإنما أراد بها الأحرار فكذلك قوله عليه السلام المسلمون تتكافأ دماؤهم أريد به الأحرار دون العبيد والجمهور على ذلك وإذا لم يكن قصاص بين العبيد والأحرار في ما دون النفس فالنفس أحرى بذلك وقد قال الله عز وجل الحر بالحر والعبد بالعبد البقرة ولولا الإجماع في قتل الرجال بالنساء لكان ذلك حكم الأنثى بالأنثى واتفق أبو حنيفة وأصحابه والثوري وبن أبي ليلى وداود على أن الحر يقتل بالعبد كما يقتل العبد به وروي ذلك عن علي وبن مسعود رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وقتادة والحكم ذكر وكيع قال حدثني سفيان عن سهيل بن أبي صالح قال سألت سعيد بن المسيب عن الحر يقتل العبد عمدا قال اقتله به ولو اجتمع عليه أهل اليمن قتلتهم به

وقال مالك والليث والشافعي وبن شبرمة لا يقتل حر بعبد وبه قال أبو ثور وأحمد وإسحاق وهو قول الحسن وعطاء وعكرمة وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد والشعبي قال وكيع حدثني شعبة عن مغيرة عن الشعبي قال إذا قتل الرجل عبده عمدا لم يقتل به وكان الشعبي وسفيان الثوري يقولان يقتل الحر بعبد غيره ولا يقتل بعبده قال سفيان كما لو قتل ابنه لم يقتل به وأرى أن يعزر وقد ناقض أبو حنيفة ومن قال بقوله في آرائهم من قطع يد الحر بيد العبد وهو يقتله به والنفس أعظم حرمة فإذا لم يكافئه في اليد فأحرى ألا يكافئه في النفس واحتجاج أصحابه بحديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم في عبد لقوم قطع أذن عبد لقوم فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم قصاصا لا حجة فيه ولو تأمله المحتج لهم ما احتج به وكذلك حجتهم بحديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه لا تقوم لهم به حجه لأن أكثر أهل العلم يقولون إن الحسن لم يسمع من سمرة وأيضا فلو كان صحيحا عن الحسن ما كان خالفه فقد كان يفتي بأن لا يقتل الحر بالعبد حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني سعيد بن عامر عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل عبده قتلناه به قال ثم إن الحسن نسي هذا الحديث بعد ذلك فكان يقول لا يقتل حر بعبد أخبرنا عبد الله قال حدثني حمزة قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثني أبو عوانة عن قتادة عن الحسن عن سمرة

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه ورواه أبو عيسى الترمذي بإسناده مثله وقال سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال قد كان علي بن المديني يقول بهذا الحديث وأنا أذهب إليه قال وسماع الحسن من سمرة عندي صحيح ومن حجتهم أيضا أن قالوا لما كان أمان العبد كأمان الحر وتحريم دمه كتحريم دم الحر وجب أن يكون مكافئا له في القصاص فالجواب أن هذه عله قد أتت ببطلانها السنة لأن دم الذمي محرم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل مؤمن بكافر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعارض حديث سمرة وإن كان في إسناده من لا يحتج به لضعفه وسوء نقله فإنه مما يستظهر به حدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن أبي فروة عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل عبده عمدا فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ونفاه سنة ومحا اسمه من المسلمين ولم يقد منه قال أبو بكر وحدثني إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن أبي فروة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان لا يقتل المولى بعبده ولكن يضرب ويطال حبسه ويحرم سهمه وكانا لا يقتلان الحر بالعبد وأما حديث أمان العبد المسلم فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال أخبرنا قاسم بن أصبغ قال حدثني عبيد الله بن عبد الواحد قال حدثني محبوب بن

موسى قال حدثني أبو إسحاق الفزاري عن بن أبي أنيسة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال لما كان يوم الفتح خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسند ظهره إلى جدار الكعبة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويعقد عليهم أولاهم ويرد عليهم أقصاهم ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده باب العفو في قتل العمد مالك أنه أدرك من يرضى من أهل العلم يقولون في الرجل إذا أوصى أن يعفى عن قاتله إذا قتل عمدا إن ذلك جائز له وأنه أولى بدمه من غيره من أوليائه من بعده قال أبو عمر أكثر العلماء يقولون إن المقتول يجوز عفوه عن دمه العمد وإن قتل خطأ جاز له العفو عن الدية في ثلثه إن حملها الثلث وإلا فما حمل منها الثلث وأن ديته كسائر ماله يورث عنه وأن المقتول عمدا أولى بدمه من أوليائه ما دام حيا في العفو عنه كما قال مالك رحمه الله وممن قال إن للمقتول أن يعفو عن دمه ويجوز على أوليائه وورثته كقول مالك الحسن البصري وطاوس اليماني وقتادة والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابهم وهو أحد قولي الشافعي وقال بالعراق عفوه باطل لأن الله عز وجل جعل السلطان لوليه فله العفو والقصاص إن شاء أو الدية ولا يجوز ذلك إلا بموته وبه قال أبو ثور وداود وهو قول الشعبي ذكر أحمد بن حنبل قال حدثني هشيم قال أخبرنا محمد بن سالم عن الشعبي في الرجل يقتل الرجل فيعفو عن قاتله قبل موته قال لا يجوز عفوه وذلك لأوليائه قال أبو عمر قول مالك ومن تابعه في هذه المسألة صحيح وليس قول الشافعي في العراق بشيء لأن الولي لا يقوم إلا بما كان للمقتول القيام به ولولا

استحقاق المقتول بدم نفسه ما كان لوليه القيام فيه قال الله عز وجل فمن تصدق به فهو كفارة له المائدة ولم يختلف العلماء أن المتصدق ها هنا هو المقتول يتصدق بدمه على قاتله أي يعفو عنه واختلفوا في الضمير الذي في قوله كفارة له المائدة فقال بعضهم كفارة للمقتول وقال بعضهم كفارة للقاتل وقال زيد بن أسلم من استقيد منه أو عفي عنه أو أخذت منه الدية فهو كفارة له وروى بن عيينة عن عمران بن ظبيان عن عدي بن ثابت عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من تصدق بدم أو دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق وعن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن عبادة قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال صلى الله عليه وسلم بايعوني فقرأ عليهم الآية قال فمن عفى منكم فأجره على الله ومن أصابه من ذلك شيء فعوقب به فهو كفارة له ومن أصابه من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وقال سفيان بن عيينة العفو كفارة للجارح والمجروح قال سفيان كان يقال إن قتل فهي توبته وإن أعطى الدية فهي توبته وإن عفي عنه فهي توبته في الرجل عمدا قال أبو عمر هو قول زيد بن أسلم ومجاهد وفرقة واختلف فيه عن بن عباس والأشهر عنه وعن زيد وبن عمر أنه لا توبة له وأما الرواية عن السلف الذين قال مالك بقولهم في ذلك فحدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي قال حدثني

أبو بكر قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني سعيد عن قتادة أن عروة بن مسعود الثقفي دعا قومه إلى الله عز وجل فرماه رجل منهم بسهم فمات فعفى عنه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز عفوه وقال صلى الله عليه وسلم هو كصاحب ياسين وروى الثوري عن يونس عن الحسن في الذي يضرب بالسيف عمدا ثم يعفو قبل أن يموت قال ذلك جائز وليس في الثلث ومعمر وبن جريج عن بن طاوس عن أبيه قال إذا تصدق الرجل بدمه فهو جائز قلت في الثلث قال بل في ماله كله ورواه بن عيينة قال قلت لابن طاوس ما كان أبوك يقول في الرجل يتصدق بدمه على قاتله عند موته قال كان يقول هو جائز قلت خطأ كان أو عمدا قال خطأ كان أو عمدا قال واختلفوا في العفو عن الجراحات وما يؤول إليه إذا مات المجروح منها فقال مالك إذا عفى عن الجراحة فقط كان لأوليائه القود أو الدية ولو قال قد عفوت عن الجراحة وما تؤول إليه أو قال إن مت منها فقد عفوت صح عفوه ولم يتبع الجاني بشيء وهو قول زفر قال أبو يوسف ومحمد إذا عفا عن الجراحة ومات فلا حق له والعفو على الجراحة عفو لما يؤول إليه أمرها وقال الثوري إذا عفا عن الجراحة ومات لم يقتل ويؤخذ بما فضل من الدية وهو أحد قولي الشافعي كان الجراحة كانت موضحة فسقط بعفوه عنها نصف عشر الدية والآخر عفوه باطل وذلك إلى الولي وبه قال أبو ثور وداود وقال أبو حنيفة من قطعت يده فعفى ثم مات بطل العفو ووجبت الدية وقال الشافعي بمصر إذا قال قد عفوت عن الجراحة وعن ما يحدث منها من عقل وقود ثم مات منها فلا سبيل إلى القود وينظر إلى أرش الجناية فقال فيها قولان أحدهما أن عفوه جائز من ثلثه ويسقط عنه أرش الجراحة ويؤخذ بالباقي من الدية

والقول الثاني أنه يؤخذ بجميع الدية لأنها صارت نفسا وهذا قائل لا تجوز له وصية بحال واختاره المزني قال مالك في الرجل يعفو عن قتل العمد بعد أن يستحقه ويجب له إنه ليس على القاتل عقل يلزمه إلا أن يكون الذي عفا عنه اشترط ذلك عند العفو عنه قال أبو عمر للعلماء في هذه قولان أحدهما قول مالك وهو قول أبي حنيفة أنه لا دية عندهم في قتل العمد إلا باشتراطها والصلح عليها ومثل هذا رواية بن القاسم عن مالك وأما رواية أهل المدينة عنه فالحجة في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ولي المقتول بين خيرتين لم توجب له الدية إلا باختياره لها واشتراطه إياها والقول الآخر أنه من عفا فله الدية إلا أن يقول عفوت على غير شيء وهو قول الشافعي وجماعة قبله وهذا قول أحمد وإسحاق لأن الله عز وجل قد أوجب في مال القاتل الدية إذا عفا الولي لقوله عز وجل فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسن البقرة ولو كان للعاقل إذا عفا لم يكن له شيء لم يكن للولي ما يتبعه به بالمعروف ولا على القاتل ما يؤديه بإحسان قال مالك في القاتل عمدا إذا عفي عنه أنه يجلد مائة جلدة ويسجن سنة قال أبو عمر قد أبى من ذلك عطاء بن أبي رباح وطائفة قالوا لم يذكر الله عز وجل أن على من عفي عنه جلدا ولا عقوبة قال عطاء وما كان ربك نسيا مريم وقاله عمرو بن دينار وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور قال أبو ثور إلا أن يكون يعرف بالشر فيؤدبه الإمام على قدر ما يرى أنه يردعه وقال الليث وأهل المدينة كما قال مالك وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وجوه أنه ضرب حرا قتل عبدا مائة ونفاه عاما وذكر بن جريج عن إسماعيل بن أميمة قال سمعنا أن الذي يقتل عمدا ويعفا عنه يسجن سنة ويضرب مائة

قال بن جريج وقال بن شهاب لا قود بين الحر وبين المملوك ولكن العقوبة والنكال بالجلد الوجيع والسجن وغرم ما أصاب ويعتق رقبة ويغرب سنة وقد قضى بذلك عمر بن عبد العزيز فإن لم يجد الرقبة صام شهرين متتابعين قال مالك وإذا قتل الرجل عمدا وقامت على ذلك البينة وللمقتول بنون وبنات فعفا البنون وأبى البنات أن يعفون فعفو البنين جائز على البنات ولا أمر للبنات مع البنين في القيام بالدم والعفو عنه قال أبو عمر ذكر بن وهب في موطئه عن الليث بن سعد أنه قال يجوز عفو العصبة عن الدم ويبطل حق البنات قال ولا عفو للنساء ولا قسامة لهن يعني في العمد قال وهو قول مالك وذكر بن القاسم عنه أنه قال ليس للبنات ولا للأخوات من القصاص شيء إنما هو للرجال البنين والإخوة ويجوز عفو الرجال على النساء ولا يجوز عفو النساء على الرجال قال ملك وليس للأخوة من الأم عفو عن القصاص قال فإن عفا الرجل على أن يأخذ الدية فالدية على سائر الورثة على قدر مواريثهم وقد روي عن مالك أن عفو النساء جائز والأول تحصيل مذهبه وقد ذكرنا اختلافهم في هذه المسألة في كتاب اختلافهم وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل لكل وارث نصيبه من القصاص ويجوز عفوه على نفسه ولا يجوز على غيره في إبطال حقه من الدية والرجال والنساء في ذلك كله عندهم سواء وقال بن أبي ليلى القصاص لكل وارث إلا الزوج والزوجة وقال الشافعي لما لم يختلف العلماء في أن العقل موروث كالمال كان كل وارث وليا في ذلك زوجة كانت أو ابنة أو أختا ولا يخرج أحد منهم من ولاية الدم ولا يقتل إلا باجتماعهم وحتى يحضر الغائب منهم ويبلغ الطفل وأيهم عفا

عن القصاص كان على حقه من الدية وإن عفا على غير مال كان الباقون على حصصهم من الدية وقال أبو حنيفة وأصحابه من عفا من ورثة المقتول عن القصاص من رجل أو امرأة أو زوجة أو أم أو جدة أو من سواهن من النساء أو كان المقتول امرأة فعفا زوجها عن القاتل فلا سبيل إلى القصاص ولمن سوى العافي من الورثة حصته من الدية وقال أحمد ومن عفا من ولاة المقتول عن القصاص لم يكن إلى القصاص سبيل وإن كان العافي زوجا أو زوجة وقد روى الوليد بن يزيد عن الأوزاعي ما يوافق قول مالك خلاف الرواية الأولى عنه حكى العباس بن الوليد عن أبيه عن الأوزاعي أنه سئل عن القتيل إذا قامت البينة على قاتله هل للنساء اللاتي يرثنه عفو إن أراد الرجال قتله قال الأخذ بالقود والعفو إلى أوليائه من الرجال دون النساء وروى سفيان بن عيينة عن الأعمش عن زيد بن وهب أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلهما أو قتلها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعفا بعض إخوة المرأة فأعطى عمر لمن يعف منهم الدية باب القصاص في الجراح مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من كسر يدا أو رجلا عمدا أنه يقاد منه ولا يعقل قال أبو عمر أما اليد والذراع والرجل والساق فإذا قطعت اليد أو الرجل من المفصل عمدا فلا خلاف بين العلماء في أن القصاص واجب في ذلك وأما الساق والذراع ففيهما يقع الكسر وفي سائر أعضاء الجسد تنازع العلماء فذهب مالك وأصحابه إلى أن القصاص في ذلك وذكر أنه أمر مجتمع عليه عندهم ولم ير في كسر الفخذ قودا

ورواه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وهو رأي أبيه قال بن القاسم عن مالك عظام الجسد مثل العجز وما أشبهه كلها فيها القود إلا ما كان مخوفا عليه مثل الفخذ وما أشبهه قال وليس في الهاشمة ولا المنقلة ولا المأمومة قود قال وأما الذراعان والعضدان والساقان والقدمان ففي ذلك كله إذا كسر شيء منه القود قال أبو عمر قد تقدم القول في المأمومة وشجاج الرأس في موضعها من هذا الكتاب وقال الليث بن سعد والشافعي لا قصاص في عظم من العظام لم يكسر ولم يشنها شيئا ولا ضرسا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا قصاص في عظم ما خلا السن قال أبو عمر روي عن بن عباس أنه قال ليس في العظام قصاص وعن عطاء بن أبي رباح وعامر الشعبي والحسن البصري وبن شهاب الزهري وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز مثل ذلك وهو قول سفيان الثوري حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال إذا كسرت اليد أو الساق فليس على كاسرها قود ولكن عليه الدية قال عطاء قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنا لا نقيد من العظام قال وحدثني جرير عن حصين قال كتب عمر بن عبد العزيز ما كان من كسر في عظم فلا قصاص فيه قال وحدثني حفص عن أشعث عن الشعبي والحسن قالا ليس في عظم قصاص قال وحدثني حفص عن حجاج عن أبي مليكة عن بن عباس قال ليس في العظام قصاص قال وحدثني بن أدريس عن الشيباني عن الشعبي قال ليس في شيء من العظام قصاص إلا الوجه والرأس

قال وحدثنا شريك عن مغيرة عن إبراهيم قال لا قصاص في عظم قال أبو عمر في هذا الباب حديثان مرفوعان أحدهما صحيح لا مقال في إسناده وهو حديث أنس قصة ثنية الربيع حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالقصاص في السن وقال كتاب الله عز وجل القصاص قال أبو عمر هذا حديث مختصر وليس فيه حجة لأنه قد يحتمل أن تكون السن قلعت أو سقطت من ضربة فإذا كان كذلك فلا خلاف في القصاص قال الله عز وجل والسن بالسن المائدة وإنما الخلاف في السن تكسر هل فيها قصاص أم لا وحديث أنس هذا محفوظ في كسر السن والقصاص حدثني عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا عبد الله بن بكر السهمي قال حدثني حميد عن أنس أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فطلبوا إليها العفو فأبوا والأرش فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا إلا القصاص فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس كتاب الله القصاص ثم أرضى القوم فكفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره قال أبو عمر هذا الحديث حجة لمالك وهو حديث ثابت وإذا كان القصاص في السن إذا كسرت وهي عظم فسائر العظام كذلك إلا عظما اجتمعوا على أنه لا قصاص فيه لخوف ذهاب النفس منه أو لأنه لا يقدر على الوصول فيه إلى مثل الجناية بالسواء والله أعلم وأما الحديث الآخر الذي ينفي القصاص في العظام فحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهيد قال حدثنا

محمد بن منيع قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن دهثم بن قران عن نمران بن جارية عن أبيه أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف من غير المفصل فقطعها فاستعدى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية فقال يا رسول الله إني أريد القصاص فقال خذ الدية بارك الله لك فيها ولم يقض له بالقصاص قال أبو عمر ليس لهذا الحديث غير هذا الإسناد ودهثم بن قران العكلي ضعيف أعرابي ليس حديثه مما يحتج به ونمران بن جارية أعرابي أيضا وأبوه جارية بن ظفر مذكور في الصحابة قال مالك ولا يقاد من أحد حتى تبرأ جراح صاحبه فيقاد منه فإن جاء جرح المستقاد منه مثل جرح الأول حين يصح فهو القود وإن زاد جرح المستقاد منه أو مات فليس على المجروح الأول المستقيد شيء وإن برأ جرح المستقاد منه وشل المجروح الأول أو برأت جراحه وبها عيب أو نقص أو عثل فإن المستقاد منه لا يكسر الثانية ولا يقاد بجرحه قال ولكنه يعقل له بقدر ما نقص من يد الأول أو فسد منها والجراح في الجسد على مثل ذلك قال أبو عمر أما قوله لا يقاد من جرح حتى يبرأ فعلى هذا مذهب جمهور العلماء إلا أن الشافعي أجاز ذلك إذا رضي به المجروح وطلبه على إسقاط ما يؤول إليه جرحه من القتل والعيب وقد تقدمت هذه المسألة فلا معنى لإعادتها وأما قوله فإن زاد جرح المستقاد منه فليس على المستقيد شيء فقد اختلف العلماء في المقتص منه من الجراح يموت من ذلك فقال مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد لا شيء على المقتص له وروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما مثل ذلك وقالا الحق قتله لا دية له

وهو قول الحسن وبن سيرين وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وقال أبو حنيفة وبن أبي ليلى والثوري إذا اقتص من يد أو شجة فمات المقتص منه فديته على عاقلة المقتص له وهو قول حماد بن أبي سليمان وطاوس وعطاء وعمرو بن دينار والحارث العكلي وعامر الشعبي إلا أن الشعبي قال الدية هنا على العاقلة وكذلك قال الزهري وقال أبو حنيفة في ماله وقال عثمان البتي في الذي يقتله القصاص يدفع الذي اقتص له قدر تلك الجراحة وما بقي من ديته ففي مال المقتص فإن كان عبدا فما بقي من ثمنه ففي ماله وهو قول عبد الله بن مسعود وبه قال إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة قال أبو عمر قد أجمعوا على أن السارق لو مات من قطع يده أنه لا شيء فيه لأنه قطع بحق وكذلك المقتص منه في القياس وحجة أبي حنيفة أن إباحة الأخذ لا تسقط الضمان في المال كما لو رمى غرضا مباحا فأصاب إنسانا أو أدب امرأته بما يجب له فتولد منه موتها أنه لا يسقط الدية عنه وكذلك المقتص له قال مالك وإذا عمد الرجل إلى امرأته ففقأ عينها أو كسر يدها أو قطع إصبعها أو شبه ذلك متعمدا لذلك فإنها تقاد منه وأما الرجل يضرب امرأته بالحبل أو بالسوط فيصيبها من ضربه ما لم يرد ولم يتعمد فإنه يعقل ما أصاب منها على هذا الوجه ولا يقاد منه قال أبو عمر هذا قول جماعة العلماء ولم يختلف فيه أئمة الفتيا وقد ذكر مالك في باب عقل المرأة من الموطأ أنه سمع بن شهاب يقول مضت السنة أن الرجل إذا أصاب امرأته بجرح أن عليه عقل ذلك الجرح ولا يقاد منه ثم فسره بنحو ما فسره هنا

وقد روى معمر عن الزهري قال لا تقاد المرأة من زوجها في الأدب يقول لو ضربها فشجها ولكن إذا اعتدى عليها فقتلها كان القود قال أبو عمر هذه الرواية أيضا القصاص في الجراح بينهما إذا كان الأصل الأدب وأكثر أهل العلم في ذلك يرون الدية إذا تولدت الشجة من أدبه لأنه لم يكن له أن يبلغ بها ذلك في أدبه مالك أنه بلغه أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أقاد من كسر الفخذ وهذا تقدم القول فيه في هذا الباب والحمد لله كثيرا باب ما جاء في دية السائبة وجنايته مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه بعض الحجاج فقتل بن رجل من بني عائذ فجاء العائذي أبو المقتول إلى عمر بن الخطاب يطلب دية ابنه فقال عمر لا دية له فقال العائذي أرأيت لو قتله ابني فقال عمر إذا تخرجون ديته فقال هو إذا كالأرقم إن يترك يلقم وإن يقتل ينقم قال أبو عمر ليس هذا الحديث عند أكثر رواة الموطأ وسقط من رواية يحيى صفة قتله وقتله كان خطأ لا خلاف في ذلك بين العلماء لأن العاقلة لا تحمل إلا عقل الخطأ ولما لم يكن للمعتق سائبة عاقلة لم يوجب له عمر شيئا والعلماء مختلفون في ذلك

وأما أهل الظاهر وداود وأصحابه فإنهم لا عاقلة عندهم إلا العصبة خاصة دون الموالي ودون الخلفاء وغيرهم ومن قتل مؤمنا خطأ ولا عصبة له فلا شيء عندهم عليه غير الكفارة وأما سائر أهل العلم فمن قال إن ولاء السائبة للذي أعتقه جعل الدية على عاقلته وعصبته لأنهم يرثون عنه ولاءه ويرثون مواليه فهم عاقلته ومن قال ولاء السائبة لجماعة المسلمين يرى الدية في بيت مال المسلمين ومن قال إن للسائبة أن يوالي من شاء رأى أن الذي يواليه يقوم مقام معتقه وحكمه وحكم عصبته حكمه وقد ذكرنا في كتاب الولاء اختلاف العلماء في ولاء المعتق سائبة وهذه المسألة متعلقة بذلك الباب والله الموفق للصواب وقد روي عن عمر خلاف ما روى عنه سليمان بن يسار في هذا الخبر ذكر وكيع قال حدثني ربيعة بن عثمان التيمي عن سعد بن إبراهيم أن أبا موسى كتب إلى عمر أن الرجل يموت قبلنا وليس له رحم ولا ولاء قال فكتب إليه عمر إن ترك ذا رحم فالرحم وإلا فالولاء وإلا فبيت مال المسلمين يرثونه ويعقلون عنه وكيع قال حدثني سفيان عن مطرف عن الشعبي في الرجل يسلم وليس له مولى قال ميراثه للمسلمين وعقله عليهم قال وحدثني سفيان عن يونس عن الحسن مثله وذكر أبو بكر قال حدثني جرير عن منصور عن إبراهيم قال إذا أسلم الرجل على يدي الرجل فله ميراثه ويعقل عنه وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال في السائبة يعقل عنه المسلمون ويرثه المسلمون وليس مواليه منه في شيء قال وأخبرنا معمر عن جابر عن الشعبي قال المعتق سائبة يعقل عنه مولاه ويرثه مولاه وقال الحارث الأعور سألت عليا رضي الله عنه عن سائبة قتل رجلا عمدا قال يقتل به وإن قتل خطأ نظر هل عاقد أحدا فإن كان عاقدا أحدا أخذ

أهل عقده وإن لم يعاقد أحدا أدي عنه من بيت مال المسلمين وقال عبد الرزاق أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه بعض الحاج فكان يلعب هو ورجل من بني عائذ فقتل السائبة العائذي فجاء أبوه عمر بن الخطاب يطلب دم ابنه فأبى عمر أن يديه قال ليس له مال فقال العائذي أرأيت لو كان ابني قتله قال عمر إذن تخرجون ديته قال فهو إذن كلأرقم إن يترك يلقم وإن يقتل ينقم ففي رواية عبد الرزاق في قوله فكان يلعب هو ورجل من بني عائذ ما يدل على ما ذكرنا من قتل الخطأ قال وأخبرنا بن جريج قال زعم لي عطاء أن سائبة من سيب مكة أصاب إنسانا فجاء عمر بن الخطاب فقال ليس لك شيء فقال أرأيت لو شججته قال إذن آخذ له منك حقه قال ولا تأخذ لي منه قال لا قال هو إذن كالأرقم قال إن تتركوني ألقم وإن تقتلوني أنقم فقال عمر هو كالأرقم قال أبو عمر الأرقم الحية الذكر العادي على الناس إن تركه الذي يراه التقمه وإن قتله انتقم له الذي انتقم للفتى الشاب من الحية المقتولة التي وجدها على فراشه فغرز رمحه فيها ورفعها فجعلت تضطرب في رأس الرمح وخر الفتى ميتا في حديث مالك عن صيفي ويأتي في الجامع إن شاء الله عز وجل

كتاب القسامة باب تبدئة أهل الدم في القسامة مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم فأتي محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير بئر أو عين فأتى يهود فقال أنتم والله قتلتموه فقالوا والله ما قتلناه فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر كبر يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فكتبوا إنا والله ما قتلناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم فقالوا لا قال أفتحلف لكم يهود قالوا ليسوا بمسلمين فواده رسول الله صلى الله عليه وسلم من

عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار قال سهل لقد ركضتني منها ناقة حمراء قال مالك الفقير هو البئر قال أبو عمر اختلف في اسم أبي ليلى شيخ مالك هذا فقيل عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل وقيل اسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل بن أبي حثمة وقيل داود بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل وهكذا ذكره الكلاباذي أن عبد الله بن يوسف رواه عن مالك وتابعه يحيى عن مالك في قوله في حديثه هذا عن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه وهكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة وتابعه على ذلك بن وهب وبن بكير وليس في روايتهم ما يدل على سماع أبي ليلى من سهل بن أبي حثمة وقال بن القاسم وبن نافع ومطرف والشافعي وأبو مصعب عن مالك عن أبي ليلى عن سهل أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه وقال القعنبي وبشر بن عمر عن مالك عن أبي ليلى عن سهل أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه وقال عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي ليلى عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره هو ورجال من كبراء فروايته ورواية بن القاسم ومن ذكرنا معه ورواية القعنبي أيضا ومن تابعه يدل على سماع أبي ليلى من سهل بن أبي حثمه وقد قيل لم يسمع أبو ليلى من سهل وقيل سمع منه وقيل هو مجهول لم يرو عنه غير مالك وقيل روى عنه بن إسحاق ومالك مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أنه أخبره أن عبد

الله بن سهل الأنصاري ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما فقتل عبد الله بن سهل فقدم محيصة فأتى هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن ليتكلم لمكانه من أخيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر كبر فتكلم حويصة ومحيصة فذكرا شأن عبد الله بن سهل فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم قالوا يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالوا يا رسول الله كيف نقبل إيمان قوم كفار قال يحيى بن سعيد فزعم بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وداه من عنده قال أبو عمر لم يختلف الرواة عن مالك لهذا الحديث عن يحيى بن سعيد في إرساله عن بشير بن يسار وأنه ليس فيه لسهل بن أبي حثمة ذكر وإن كان غيره من رواة يحيى بن سعيد جعلوه عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة وذكر جماعة منهم سماع بشير بن يسار له من سهل بن أبي حثمة فإن مالكا في حفظه وإتقانه وعلمه بحديث أهل بلده قد أرسل هذا الحديث عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار لم يتجاوز به بشير بن يسار وما أظن البخاري والله أعلم ترك إخراج حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار هذا إلا لإرسال مالك له ولم يجعل من خالفه ورواه عن يحيى بن سعيد وأسنده حجة على مالك وخرجه من حديث سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ذكره عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار وهو مخالف لمعنى ما جاء به يحيى بن سعيد فيه من تبدئة الساعي المدعي بالأيمان وقد أخطأ جماعة من أهل العلم بالحديث سعيد بن عبيد في روايته هذه عن بشير بن يسار وذموا البخاري في تخريجه حديث سعيد بن عبيد وتركه حديث يحيى بن سعيد الذي فيه تبدئة المدعي بالأيمان وممن روى هذا الحديث مسندا عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة سفيان بن عيينة وحماد بن زيد وعباد بن العوام والليث بن سعد وبشير بن الفضل وقال فيه حماد بن زيد وعباد بن العوام عن يحيى بن سعيد عن بشير بن

يسار عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج فزاد فيه مع سهل بن أبي حثمة رافع بن خديج وقال فيه الليث عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال يحيى حسبت أنه قال ورافع بن خديج وكلهم رووه عن يحيى بن سعيد بمعنى ما رواه مالك في تبدئة الأنصار المدعين بالأيمان إلا سفيان بن عيينة فإنه اختلف عنه في ذلك فرواه عنه بن أبي عمر بسياقة مالك وقال في آخره لا أدري بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بيمين المدعين أو المدعى عليهم ورواه جماعة عن يحيى بن سعيد قال أخبرني بشير بن يسار سمع سهل بن أبي حثمة يقول وجد عبد الله بن سهل قتيلا بخيبر فذكر الحديث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار حويصة ومحيصة وعبد الرحمن تبرئكم يهود بخمسين يمينا أنهم لم يقتلوه فقالوا وكيف نرضى بأيمان قوم كفار قال فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه قالوا كيف نقسم على ما لم نر فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبدأ عليه السلام بقوله تبرئكم يهود قبل أن يقول فيقسم منكم وهذا معنى ما رواه سعيد بن عبيد عن بشير بن سهل في هذا الحديث ورواه سائر من رواه عن يحيى بن سعيد بمعنى ما رواه مالك من تبدئة المدعي بالإيمان وكذلك رواه الحميدي عن سفيان بن عيينة وهو أثبت الناس في بن عيينة وهو الصحيح ومن قال فيه عن بن عيينة تبدئة اليهود بالأيمان فقد أخطأ ولم يصب والصحيح في حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار تبدئة المدعين وهم الأنصار بالأيمان والله أعلم وكذلك رواه محمد بن إسحاق عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة وعن الزهري عن سهل بن أبي حثمة ذكر فيه تبدئة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار بالأيمان وقد ذكرنا في التمهيد الروايات بذلك كله بالأسانيد عن من ذكرنا فسياق كل واحد منهم بالحديث بمعنى ما وصفت عنه إلا رواية محمد بن إسحاق التي ذكرنا فنذكرها هنا لأنا لم نذكرها هناك

حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني عبيد الله بن عبد الواحد قال حدثني أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثني إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال حدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة وحدثني بشير بن يسار مولى بني حارثة عن سهل بن أبي حثمة قال أصيب عبد الله بن سهل بخيبر وكان خرج إليها في أصحاب لهم يتمارون منها تمرا فوجد في عين قد كسرت عنقه ثم طرح فيها فأخذوه فغيبوه ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له شأنه فتقدم إليه أخوه عبد الرحمن ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود وكان عبد الرحمن من أحدثهم سنا وكان صاحب الدم وكان ذا قدم في القوم فلما تكلم قبل ابني عمه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر فسكت فتكلم حويصة ومحيصة ثم تكلم هو بعد فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل صاحبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يمينا فيسلم إليكم فقالوا يا رسول الله ما كنا لنحلف على ما لا نعلم قال فيحلفون لكم بالله يعني اليهود خمسين يمينا ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا ثم يبرؤون من دمه قالوا يا رسول الله ما كنا لنقبل أيمان يهود ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بمائة ناقة قال سهل فوالله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها قال أبو عمر ففي هذه الآثار كلها من رواية مالك وغيره على ما ذكرنا في التمهيد تبدئة المدعين للدم بالأيمان في القسامة وإليها ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وهؤلاء أئمة أهل الحديث قال أحمد بن حنبل الذي أذهب إليه في القسامة حديث بشير بن يسار من رواية يحيى بن سعيد فقد وصله عنه حفاظ وهو أصح من حديث سعيد بن عبيد حكى هذا عنه أبو بكر الأثرم وحسبك بأحمد إمامة في الحديث وعلما بصحيحة من سقيمة وقد ذكرنا حديث يحيى بن سعيد من رواية حماد بن زيد وغيره عنه في التمهيد والحمد لله كثيرا وأما الآثار التي فيها أن اليهود بدأهم النبي عليه السلام بالإيمان فمنها ما رواه سعيد بن عبيد الطائي الكوفي عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة

أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن عبد الملك قال حدثني أحمد بن محمد بن زياد قال حدثني الحسن بن محمد بن الصباح وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قالوا كلهم حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي قال حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثني سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا منهم قتيلا فقالوا للذي وجدوه عندهم قتلتم صاحبنا فقالوا ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا قال فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا نبي الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أخانا قتيلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر وقال لهم تأتون بالبينة على من قتل فقالوا ما لنا بينة قال فيحلفون لكم قالوا ما نرضى أيمان يهود فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطل ذمه فوداه بمائة من إبل الصدقة وما حدثنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني الحسن بن علي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليهود وبدأ بهم أيحلف منكم خمسون رجلا فأبوا فقال للأنصار أتحلفوا فقالوا أنحلف على الغيب يا رسول الله فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على يهود لأنه وجد بين أظهرهم وحدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني الحسن بن علي بن راشد قال حدثني هشيم عن أبي حيان التيمي قال حدثني عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قال أصبح رجل من الأنصار مقتولا فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال لهم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم قالوا يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم يهود وقد يجسرون على أعظم من هذا قال فاختاروا منكم خمسين رجلا يحلفون فأبوا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده

قال أبو عمر هذا خلاف ما رواه حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج لأن في حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ الأنصار بالأيمان كما رواه مالك وجماعة عن يحيى بن سعيد وفي هذا الحديث عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الأنصار البينة فلما لم تكن لهم بينة أراد أيمان اليهود فلم يرضوا بأيمان اليهود فأراد أيمانهم ليقضي لهم بما شاء الله من دية أو قود فلم يفعلوا فوداه من عنده وهذه قصة لم يحكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لإباء المدعين من الأيمان ومن قبول أيمان اليهود وتبرع بأن جعل الدية من مال الله عز وجل لئلا يطل دم مسلم والله أعلم وما أعلم في شيء من الأحكام المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاضطراب والتضاد ما في هذه القصة فإن الآثار فيها متضادة متدافعة وهي قصة واحدة وفي مذاهب العلماء من الاختلاف في القسامة وما يوجبها والأيمان فيها ومن يبدؤوا بها وهل يجب بها القود أو لا يستحق بها غير الدية وفي من أثبتها وذهب فيها إلى بعض الوجوه التي ذكرنا ومن نفاها جملة ولم يرها ولهم في ذلك من التنازع ما يضيق بتهذيبه وتلخيص وجوبه كتاب فضلا عن أن يجمعع في باب وسنذكر منه هنا ما يكفي ويشفي إن شاء الله عز وجل وجملة ذلك أن من أثبت القسامة فريقان فطائفة منهم وهم مالك والشافعي والليث يعتبرون الشبهة للبينة واللوث واللطخ وما غلب على العقل والظن فهم يطلبون ما يتطرق به إلى حراسة الدماء ولم يطلب أحد منهم الشهادة القاطعة ولا العلم الصحيح البت وهؤلاء وأصحابهم يبدئون الذين يدعون الدم بالأيمان في دعوى الدم وطائفة أهل العراق والكوفيون وأكثر البصريين يوجبون القسامة والدية لوجود القتيل على أهل الموضع ما يعتبرون غير ذلك وكلهم يرى الأيمان على المدعى عليهم مع الدية دون المدعين وكلهم واحد وكل واحد من الفريقين ينزع بابا نشهد له بما ذهب إليه فنبدأ بقول مالك رحمه الله ثم نردفه بقول غيره بحول الله وعونه

قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا والذي سمعت ممن أرضى في القسامة والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ بالأيمان المدعون في القسامة فيحلفون وأن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين إما أن يقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي ولاة الدم بلوث من بينة وإن لم تكن قاطعة على الذي يدعى عليه الدم فهذا يوجب القسامة للمدعين الدم على من ادعوه عليه ولا تجب القسامة عندنا إلا بأحد هذين الوجهين قال مالك وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي لم يزل عليه عمل الناس أن المبدئين بالقسامة أهل الدم والذين يدعونه في العمد والخطأ قال مالك وقد بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارثيين في قتل صاحبهم الذي قتل بخيبر قال أبو عمر لم يختلف قول مالك ولا أصحابه أن قول المقتول قبل موته دمي عند فلان أنه لوث يوجب القسامة ولم يتابع مالكا على ذلك أحد من أئمة أهل العلم إلا الليث بن سعد فإنه تابعه فقال الذي توجبه القسامة أن يقول المقتول فلان قتلني أو يأتي من الصبيان والنساء والنصارى ومن يشبههم ممن لا يقطع بشهادته أنه رأى هذا حين قتل هذا فإن القسامة تكون مع ذلك واختلف أصحاب مالك فيما رووه عن مالك في معنى اللوث الموجب للقسامة فروى بن القاسم عن مالك أن الشاهد الواحد العدل لوث وروى عنه أشهب أن الواحد العدل لوث وإن لم يكن عدلا قال وقال لي مالك اللوث الأمر الذي ليس بقوي ولا قاطع واختلفوا في المرأة الواحدة هل تكون شهادتها لوثا توجب القسامة وكذلك اختلفوا في النساء والصبيان وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك في كتاب اختلاف أقوال مالك وأصحابه وقال الشافعي إذا مثل الطيب مثل السلب الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة حكمت بها وجعلت الدية على المدعى عليهم فإن قيل وما كان السبب الذي حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل كانت خيبر دار يهود محضة ولا يخالطهم غيرهم وكانت العداوة بين الأنصار وبينهم ظاهرة وخرج عبد الله بن سهل بعد العصر فوجد قتيلا قبل الليل فيكاد أن يغلب على من سمع هذا أنه لم يقتله إلا

بعض اليهود فإذا كانت دار يهود محضة أو قبيلة وكانوا أعداء المقتول فادعى الولي قتله عليهم فلهم القسامة قال وكذلك لو دخل نفر بيتا لم يكن معهم غيرهم أو كانوا في صحراء أو كان زحام فلا يفترقون إلا وقتيل بينهم أو وجد قتيل في ناحية ليس إلى جنبه عين ولا أثر إلا برجل مخضب بدمه في مقامه ذلك أو تأتي بينة متفرقة من المسلمين من نواح شتى لم يجتمعوا فيشهد كل واحد منهم على الانفراد أنه قتله فتتوطأ شهادتهم ولم يسمع بعضهم شهادة بعض ولم يكونوا ممن يعدل أو يشهد رجل عدل أنه قتله لأن كل شيء من هذا يغلب على حكم الحاكم أنه كما ادعى ولي المقتول قال الشافعي والأصل المجتمع عليه أن اليمين لا يستحق بها شيء وإنما هي لدفع الدعوى إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن في الأموال أن تؤخذ باليمين مع الشاهد وفي دعوى الدماء أن تستحق بها إذا كان معها ما يغلب على قلوب الحكام أنه ممكن غير مدفوع من الأموال التي وصفنا قال وللولي أن يقسم على الواحد والجماعة وكل ما أمكن أن يكون معهم وفي جملتهم وسواء كان بالقتيل جرح أو أثر أو لم يكن لأنه قد يقتل بما لا أثر له قال فإن أنكر المدعى عليه أن يكون فيهم لم يقسم الولي عليه إلا ببينة أنه كان فيهم أو إقرار منه بذلك قال ولا ينظر إلى دعوى الميت وقوله دمي عند فلان لأن السنة المجتمع عليها ألا يعطى أحد بدعواه شيئا دما ولا غيره قال ولورثة القتيل أن يقسموا وإن كانوا غيبا عن موضع القتيل لأنه ممكن أن يعرفوا ذلك باعتراف القاتل عندهم وبشهادة بينة لا يقبلها الحاكم من أهل الصدق عندهم وغير ذلك من وجوه ما يعلم ما غاب وينبغي للحاكم أن يقول لهم اتقوا الله عز وجل ولا تحلفوا إلا بعد الاستثبات واليقين على من تدعون الدم عليه وعليه أن يقبل أيمانهم متى حلفوا مسلمين كانوا أو كافرين على مسلمين وعلى كافرين لأن كلا ولي دمه ووارث ديته قال أبو عمر ليس أحد من أهل العلم يجيز لأحد أن يحلف على ما لم يعلم أو أن يشهد بما لم يعلم ولكنه يحلف على ما لم ير ولم يحضر إذا صح عنده

وعلمه بما يقع العلم بمثله فإذا صح ذلك عنده واستيقنه حلف عليه وإلا لم يحل وقال أبو حنيفة وأصحابه وأبو يوسف ومحمد إذا وجد قتيل في محلة وبه أثر وادعى الولي على أهل المحلة أنهم قتلوه أو على أحد منهم بعينه استحلف من أهل المحلة خمسون رجلا بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا يختارهم الولي فإن لم يبلغوا خمسين كررت عليهم الأيمان ثم يغرمون الدية وإن نكلوا عن اليمين حبسوا حتى يقروا أو يحلفوا وهو قول زفر وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف إذا أبوا أن يقسموا تركهم ولم يحبسهم وجعلت الدية على العاقلة في ثلاث سنين وقالوا جميعا إن ادعى الولي على رجل من غير أهل المحلة فقد أبرأ أهل المحلة ولا شيء عليهم وقول الثوري مثل قول أبي حنيفة في ذلك كله إلا أن بن المبارك روى عنه إذا ادعى الولي على رجل بعينه فقد أبرأ أهل المحلة غيره وقال بن شبرمة إذا ادعى الولي على رجل بعينه من أهل المحلة فقد أبرأ أهل المحلة وصار دمه هدرا إلا أن يقيم البينة على ذلك الرجل وقال عثمان البتي يستحلف من أهل المحلة خمسون رجلا ما قتلناه ولا علمنا قاتله ثم لا شيء عليهم غير ذلك إلا أن يقيم البينة على رجل بعينه أنه قتله قال أبو عمر قول عثمان البتي مخالف لما قضى به عمر رضي الله عنه من رواية الكوفيين وعن الثوري وغيره عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع أن عمر بن الخطاب أحلف الذين وجد القتيل عندهم وأغرمهم الدية فقال له الحارث بن الأزمع أيحلفون ويغرمون قال نعم وروى الحسن عن الأحنف عن عمر أنه اشترط على أهل الذمة إن قتل رجل من المسلمين فعليكم الدية قال أبو عمر اتفق مالك والليث والشافعي إذا وجد قتيل في محلة قوم أو في فنائهم لم يستحق عليهم بوجوده فيهم شيء ولم تجب فيهم قسامة بوجوده حتى تكون الأسباب التي شروطها في وجوب القسامة على ما قدمنا عنهم وهو قول أحمد وداود

قال مالك فإن حلف المدعون استحقوا دم صاحبهم وقتلوا من حلفوا عليه ولا يقتل في القسامة إلا واحد لا يقتل فيها اثنان يحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن قل عددهم أو نكل بعضهم ردت الأيمان عليهم إلا أن ينكل أحد من ولاة المقتول ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عنه فإن نكل أحد من أولئك فلا سبيل إلى الدم إذا نكل أحد منهم قال مالك وإنما ترد الأيمان على من بقي منهم إذا نكل أحد ممن لا يجوز له عفو فإن نكل أحد من ولاة الدم الذين يجوز لهم العفو عن الدم وإن كان واحدا فإن الأيمان لا ترد على من بقي من ولاة الدم إذا نكل أحد منهم عن الأيمان ولكن الأيمان إذا كان ذلك ترد على المدعى عليهم فيحلف منهم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن لم يبلغوا خمسين رجلا ردت الأيمان على من حلف منهم فإن لم يوجد أحد إلا الذي ادعى عليه حلف هو خمسين يمينا وبرئ قال أبو عمر قد تقدم في باب العفو اختلاف الفقهاء في من له العفو عن الدم والجمهور يرون أن كل وارث عندهم جائز للدية والمال مستحق للدم لأن الدية إنما تؤخذ عن الدم وعفو كل وارث عندهم جائز عن الدم فلا معنى لإعادة ذلك ها هنا وأما قوله فإن حلف المدعون استحقوا دم صاحبهم وقتلوا من حلفوا عليه فإن العلماء قد اختلفوا في ما يستحق بأيمان القسامة هل يستحق بها الدم أو الدية فالذي ذهب إليه مالك في ذلك قول عبد الله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وقال الزهري وبن أبي ذئب وبه قال أحمد بن حنبل وداود وقال إسحاق بن راهويه من قال بالقود في القسامة لا أعينه وأما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لا يقاد بالقسامة ولكن تجب بالقسامة الدية قال والذين يبدؤون عندنا بالأيمان في القسامة أولياء المقتول فإن نكلوا عادت الأيمان إلى أولياء الذين ادعي عليهم القتل وإن نقصوا عن خمسين ردت عليهم الأيمان

وأما قول مالك لا يقتل في القسامة إلا واحد ولا يقتل بها اثنان فقد اتفق على أنه لا يقتل بالقسامة إلا واحد لأن الذين يقولون إن الجماعة تقتل بالواحد إذا اجتمعوا على قتله عمدا لا يوجبون قودا بالقسامة وإنما يوجبون الدية والزهري وداود لا يقتلان اثنين بواحد كما لا تقطع عند الجميع يدان بيد وقد مضت هذه المسألة في موضعها ذكر وكيع عن حماد بن سلمة عن أبي مليكة أن بن الزبير وعمر بن عبد العزيز أقادا بالقسامة وروى معمر عن الزهري أنه كان يقول القسامة يقاد بها وبن أبي ذئب عن الزهري مثله وزاد ولا يقتل بالقسامة إلا واحد وقال الشافعي في المشهور من مذهبه وأبو حنيفة والثوري والحسن بن حي لا قود في القسامة ولا يستحق بها إلا الدية وهو قول جماعة أهل العراق وقد روي عن أبي بكر وعمر أنهما لم يقيدا بالقسامة وقد قيل إن أول من حكم بها عمر وأنه لا يصح فيها عن أبي بكر شيء لأنه من مراسيل الحسن وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد السلام بن حرب عن عمرو عن الحسن أن أبا بكر وعمر والخلفاء والجماعة الأولى لم يكونوا يقتلون بالقسامة قال وحدثني وكيع قال حدثني المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه القسامة توجب العقل ولا تشيط بالدم قال وحدثني محمد بن بشر قال حدثني سعيد قال حدثني أبو معشر عن إبراهيم قال القسامة تستحق بها الدية قال وحدثني عبد الرحيم عن الحسن بن عمرو عن فضيل عن إبراهيم قال القود بالقسامة جور وحدثني محمد بن بشر عن سعيد عن قتادة قال القسامة تستحق بها الدية ولا يقاد بها وقال الحسن القتل بالقسامة جاهلية وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال قلت لعبيد الله بن عمر

أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة قال لا قلت فأبو بكر قال لا قلت فعمر قال لا قلت فكيف تجترئون عليها فسكت قال فقلت ذلك لمالك فقال لا تضع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الختل لو ابتلي بها لأقاد بها وقال عبد الرزاق أخبرنا بن جريج قال أخبرني يونس بن يوسف قال قلت لسعيد بن المسيب أعجب من القسامة يأتي الرجل يسأل عن القاتل والمقتول لا يعرف القاتل من المقتول ثم يقسم قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة في قتيل خيبر ولو علم أن الناس يجترئون عليها ما قضى بها وأما قول مالك يحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن نكلوا أو نكل من يجوز له العفو منهم ردت الأيمان على المدعى عليهم فإن مالكا والشافعي وأصحابهما والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود يقولون يبدأ المدعون بالأيمان في القسامة إلا أن داود لا يقضي بالقسامة إلا أن يكون القوم يدعون على أهل مدينة كبيرة أو قرية كبيرة هم أعداء لهم يدعون أن وليهم قتل عمدا فلا يقضى بالقسامة في شيء غير ذلك ولا يقضى بها في دعوى قتل الخطأ ولا في شيء يشبه المعنى المذكور وأما اشتراط العداوة بين المقتول وأوليائه وبين القاتل وأهل موضعه فاشترطها الشافعي وأحمد وداود وليس ذلك في شرط مالك فيما يوجب القسامة حدثني عبيد بن محمد قال حدثني الحسن بن سلمة بن معلى قال حدثني بن الجارود قال حدثني إسحاق بن منصور قال قال لنا أحمد بن حنبل في الذي ذهب إليه في القسامة حديث بشير بن يسار إذا كان بين القوم عداوة وشحناء كما كان بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود فوجد فيها القتيل ادعى أولياؤه عليهم وأما فقهاء الكوفة والبصرة وكثير من أهل المدينة فإنهم يبدئون في القسامة المدعى عليهم بالأيمان فإن حلفوا بروا عند بعضهم وعند أكثرهم يحلفون ويغرمون الدية اتباعا لعمر رضي الله عنه وهو سلفهم في ذلك

وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال بن شهاب يقول سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون اليمين على المدعى عليهم إذا كانوا جماعة أو على المدعى عليه إذا كان واحدا وعلى أوليائه يحلف منهم خمسون رجلا إذا لم تكن بينة يؤخذ بها فإن نكل منهم رجل واحد ردت قسامتهم ووليها المدعون فيحلفون بمثل ذلك فإن حلف منهم خمسون استحقوا الدية وإن نقصت قسامتهم ورجع منهم واحد لم يعطوا الدية قال أبو عمر هذا خلاف ما تقدم عن بن شهاب أنه يوجب القود بالقسامة لأنه لم يوجب بها ها هنا إلا الدية وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليهود بدءا بهم قال يحلفون لكم خمسون رجلا فأبوا فقال للأنصار أتحلفون فقالوا لا نحلف على الغيب فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على اليهود لأنه وجد بين أظهرهم قال أبو عمر هذه حجة قاطعة للثوري وأبي حنيفة وسائر أهل الكوفة قال عبد الرزاق أخبرنا بن جريج قال أخبرنا الفضل عن الحسن أنه أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ باليهود فأبوا أن يحلفوا فرد القسامة على الأنصار وجعل العقل على اليهود قال وأخبرني معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن يحيى بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالأنصار وقال لهم احلفوا واستحقوا فأبوا أن يحلفوا فقال أيحلف لكم يهود ما يبالي اليهود أن يحلفوا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بمائة من الإبل قال أبو عمر قد تقدمت أحاديث مسندة في هذا الباب بالقولين جميعا وذلك يغني عن إعادتها وذكر أبو بكر قال حدثني أبو معاوية وشبابة بن سوار عن بن أبي ذئب عن الزهري قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة أن اليمين على المدعى عليهم قال أبو عمر هذا خلاف ما تقدم من رواية بن إسحاق عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال أبو بكر وحدثني أبو معاوية ومعن بن عيسى عن بن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه كان يرى القسامة على المدعى عليهم قال وحدثني محمد بن بكر عن بن جريج قال أخبرني عبد الله بن عمر أنه سمع أصحابا لهم يحدثون أن عمر بن عبد العزيز بدأ المدعى عليهم باليمين ثم ضمنهم العقل قال وأخبرنا أبو معاوية عن مطيع عن فضيل بن عمرو عن بن عباس أنه قضى بالقسامة على المدعى عليهم قال أبو عمر السنة المجتمع عليها أن البينة على المدعى واليمين على من أنكر يروى من أخبار الآحاد عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ وحدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قالا حدثني يحيى بن أبي بكر قال حدثني نافع بن عمر عن بن أبي مليكة قال كتبت إلى بن عباس في امرأتين أخرجت إحداهما يدها تشخب دما فقالت أصابتني هذه وأنكرت الأخرى قال فكتب إلى بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن اليمين على المدعى عليه وقال لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ادعها فاقرأ عليها إن الذين يشترون بعهد الله وأيمنهم ثمنا قليلا أولئك لا خلق لهم في الآخرة آل عمران فقرأت عليها فاعترفت فبلغه ذلك فسره وحدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال أخبرنا بن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه وحدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني عبيد الله بن عبد الواحد قال حدثني أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثني إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عبد الرحمن بن محمد بن قبطي أحد بني حارثة قال محمد بن إبراهيم وايم الله ما كان سهل

بأكثر علما منه ولكنه كان أسن منه إنه قال ما كان الشأن هكذا ولكن سهلا أوهم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار احلفوا على ما لا علم لكم به ولكنه كتب إلى يهود حين كلمته الأنصار أنه قد وجد قتيل بين أظهركم فدوه فكتبوا له يحلفون ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده قال أبو عمر ليس مثل هذا عند أهل العلم بشيء لأن شهادة العدل لا تدفع بالإنكار لها لأن الإنكار لها جهل بها وسهل قد شهد بما علم وحضر القصة وركدته منها ناقة حمراء قال مالك وإنما فرق بين القسامة في الدم والأيمان في الحقوق أن الرجل إذا داين الرجل استثبت عليه في حقه وأن الرجل إذا أراد قتل الرجل لم يقتله في جماعة من ا لناس وإنما يلتمس الخلوة قال فلو لم تكن القسامة إلا فيما تثبت فيه البينة ولو عمل فيها كما يعمل في الحقوق هلكت الدماء واجترأ الناس عليها إذا عرفوا القضاء فيها ولكن إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول يبدؤون بها فيها ليكف الناس عن الدم وليحذر القاتل أن يؤخذ في ذلك بقول المقتول قال أبو عمر السنة إذا ثبتت فهي عند جماعة العلماء عبادة يدنو العامل بها من رحمة ربه وينال المسلم بها درجة المؤمن المخلص والاعتلال لها ظن والظن لا يغني من الحق شيئا ألا ترى أن هذا الظن من مالك رحمه الله ليس بأصل عنده ولو كان أصلا عنده لقاس عليه أشباهه ويصدق الذي يدعي قطع الطريق على من زعم أنه سلبه وقتل وليه في طريق لأن قاطع الطريق يلتمس الخلوة وكذلك السارق يلتمس الخلوة ويستتر لما يفعله جهرة وليس يقول أحد من المسلمين أن مدعي السرقة أو القطع في الطريق يحلف على دعواه ويأخذ بيمينه ما ادعاه وقد أجمع علماء المسلمين أنه من سلب في الموضع الذي ليس فيه أحد أنه لا يصدق في دعواه على من ادعى عليه إلا أن أصحابنا يقولون إن المسلوبين إذا شهدوا على السالبين بعضهم لبعض قبلوا ولم يقبل أحد منهم لنفسه لما ادعى قال أبو عمر وكذلك لا يصدق على من ادعى عليه أنه سرق منه في الوضع الحالي

وقد يجترئ الناس على الأموال كما يجترئون على الدماء وهذا كله لا خلاف فيه بين العلماء وقوله إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول يبدؤون فيها ليكف الناس عن الدماء فقد خالفه فيه من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل البينة على الأنصار واليمين على اليهود وقد تقدمت رواية من روى ذلك من الثقات العدول الأثبات وقد أنكر العلماء أيضا على مالك رحمه الله قوله إن القسامة لا تجب إلا بقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي لوث يشهدون له وإن كان لا يؤخذ بهم حق لأن المقتول ووليه لم يدع على أحد وقال دمي عند فلان ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يأتون بلوث قالوا فقد جعل مالك سنة ما ليس له مدخل في السنة وكذلك أنكروا عليه أيضا في هذا الباب قوله الأمر المجتمع عليه عندنا والذي سمعت ممن أرضاه واجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ المدعون في الأيمان في القسامة وأنها تجب إلا بأحد أمرين إما أن يقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي ولاة الدم بلوث من بينة وإن لم تكن قاطعة قال فكيف قال اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث وبن شهاب يروي عن سليمان بن يسار وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن رجال من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ اليهود بالأيمان وسليمان بن يسار وأبو سلمة أثبت وأجل من بشير بن يسار وهذا الحديث وإن لم يكن من روايته فمن رواية عن بن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للجهيني الذي ادعى دم وليه على رجل من بني سعد بن ليث كان أجرى فرسه فوطى ء على أصبع الجهيني فنزى منها فمات فقال عمر للذي ادعى عليهم أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات فأبوا وتحرجوا فقال للمدعين احلفوا فأبوا فقضى بشطر الدية على السعديين قالوا فأي أئمة اجتمعت على ما قال ولم يروا فيما قال في ذلك ولا في قول

المقتول دمي عند فلان عن أحد من أئمة المدينة صاحب ولا تابع ولا أحد يعلم قوله مما يروى قوله وقد احتج أصحابنا لقوله دمي عند فلان بقتل بني إسرائيل إذ أحياه الله عز وجل فقال قتلني فلان فقبل قوله وهذه غفلة شديدة أو شعوذة لأن الذي ذبحت البقرة من أجله وضرب ببعضها كانت فيه آية لا سبيل إليها اليوم فلا تصح إلا لنبي أو بحضرة نبي وقتيل بني إسرائيل لم يقسم عليه أحد بيمين واحدة ولا بخمسين ومالك لا يعطي أحدا بقوله دمي عند فلان شيئا دون قسامة خمسين يمينا وقد أجمع المسلمون أنه لا يعطى مدعي الدم شيئا دون قسامة وأجمعوا أن شريعة المسلمين وسنتهم في الدماء والأموال لا يقضى فيها بالدعاوى المجردة وأجمع العلماء أن قول المقتول عند موته دمي عند فلان لو قال حينئذ ولي عليه مع هذا أو على غيره درهم فما فوقه لم يقبل قوله في الدرهم ولم يحلف على قوله أحد من ورثته فيستحقه فأي سنة في قول المقتول دمي عند فلان بل السنة المجتمع عليها بخلاف ذلك قال أبو عمر وقد أنكرت طائفة من العلماء الحكم بالقسامة ودفعوها جملة واحدة ولم يقضوا بشيء منها وممن أنكرها سالم بن عبد الله بن عمر وأبو قلابة الجرمي وعمر بن عبد العزيز ورواية عن قتادة وهو قول مسلم بن خالد الزنجي وفقهاء أهل مكة وإليه ذهب بن علية ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال حدثني مولى لأبي قلابة قال دخل عمر بن عبد العزيز على أبي قلابة وهو مريض فقال ناشدتك بالله يا أبا قلابة لا تشمت بنا المنافقين فتحدثوا حتى ذكروا القسامة فقال أبو قلابة يا أمير المؤمنين هؤلاء أشراف أهل الشام ووجهم عندك أرأيت أن لو شهدوا أن فلانا سرق بأرض كذا وهم عندك أكنت قاطعه قال لا قال فلو شهدوا أنه قد شرب خمرا بأرض كذا وهم عندك ها هنا أكنت حاده بقولهم قال لا قال فما

بالهم إذا شهدوا أنه قتله بأرض كذا وهم عندك أقدته قال فكتب عمر بن عبد العزيز في القسامة إن أقاموا شاهدي عدل أن فلانا قتله فأقده ولا تقبل شهادة واحد من الخمسين الذين أقسموا ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني إسماعيل بن علية عن حجاج بن أبي عثمان قال حدثني أبو رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا عليه فقال ما تقولون في القسامة فأضب القوم قالوا نقول القسامة القود بها حق قد أقاد بها الخلفاء فقال ما تقول يا أبا قلابة وتفتي للناس فقلت يا أمير المؤمنين عندك أشراف العرب ورؤوس الأجناد أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه زنى ولم يروه أكنت ترجمه قال لا قلت أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن أنه سرق ولم يروه أكنت تقطعه قال لا قال وحدثني بن علية عن يحيى عن أبي إسحاق قال سمعت سالم بن عبد الله يقول وقد تيسر قوم من بني ليث ليحلفوا في القسامة فقال سالم يا آل عباد الله لقوم يحلفون على ما يروه ولم يحضروه ولم يشهدوه ولو كان لي أو إلي من الأمر شيء لعاقبتهم أو لنكلتهم أو لجعلتهم نكالا وما قبلت لهم شهادة قال أبو عمر أما الذين دفعوا القسامة جملة وأنكروها ولم يقولوا بها فإنما ردوها بآرائهم لخلافها للسنة بخلاف هذه السنة المجتمع عليها عندهم البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه المنكر والاعتراض بهذا على رد القسامة فاسد لأن الذي سن البينة على المدعي واليمين على المنكر في الأموال هو الذي خص هذا المعنى في القسامة وبينه لأمته صلى الله عليه وسلم وكانت القسامة في الجاهلية خمسين يمينا على الدماء فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة بخلاف الأموال التي سن فيها يمينا واحدة والأصول لا يرد بعضها ببعض ولا يقاس بعضها على بعض بل يوضع كل واحد منها موضعه كالعرايا والمزابنة وكالمساقاة وكالقراض مع الإجارات ومثل هذا كثير وعلى المسلمين التسليم في كل ما سن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال دعاني عمر بن عبد العزيز

فقال إني أريد أن أدع القسامة يأتي رجل من أرض كذا وآخر من أرض كذا فيحلفون فقلت له ليس لك ذلك قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وأنت إن تركتها أوشك رجل أن يقتل عند بابك فيطل دمه وإن للناس في القسامة حياة وقد قال مالك في القوم يكون لهم العدد يتهمون بالدم فيرد ولاة المقتول الأيمان عليهم وهم نفر لهم عدد أنه يحلف كل إنسان منهم عن نفسه خمسين يمينا ولا تقطع الأيمان عليهم بقدر عددهم ولا يبرؤون دون أن يحلف كل إنسان عن نفسه خمسين يمينا قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال أبو عمر هذا هو الأصل في الدماء أنه لا يبرأ منها إلا بخمسين يمينا كما لا يستحق شيء منها عند من رأى أنها تستحق بها الدماء إلا بخمسين يمينا وقد ذكر مالك أن الذي وصفه هو عنده أحسن ما سمع وأما الشافعي والكوفيون فلا يحلف المدعى عليهم كلهم إلا خمسين يمينا كما يحلف المدعون وإن كان الكوفيون لا مدخل عندهم لليمين على المدعين وإنما عندهم أن أهل المحلة المدعى عليهم يحلفون ويغرمون بحديث بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى يهود خيبر في قصة سهل بن عبد الله الأنصاري أن قتيلا وجد بين أظهركم فدوه ولقول الأنصاري في حديث أبي سلمة وسليمان بن يسار فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على اليهود لأنه وجد بين أظهرهم ولحديث بن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة قوله إما أن تفدوا صاحبكم وإما أن تأذنوا بحرب ولقضاء عمر بن الخطاب بنحو ذلك إذ حلف الهمدانيين وأغرمهم الدية وقال الشافعي لا يحلف من المدعى عليهم إلا من قصد قصده بالدعوى فإن ادعوا على خمسين رجلا أنهم قتلوه وردوا عليهم الأيمان حلفوا عليهم خمسين يمينا كل واحد منهم يمينا واحدة وإن ادعوا على ستين رجلا أنهم قتلوه فعلى كل رجل يمين وإن استحق غرم الدية عن الدم صغار وكبار وحضور وغيب حلف من حضر من الغيب خمسين يمينا وأخذ حصته من الدية فإذا كبر الصغير أو قدم الغائب حلف من الأيمان بقدر حصته وأخذ حصته من الدية ولا يحلف من المدعين إلا الورثة رجالا كانوا أو نساء فإن امتنع الغائب والصغير من اليمين حلف المدعى عليهم خمسين يمينا وبرؤوا فإن نكلوا غرموا

قال وإن ادعوا على خمسين رجلا أنهم قتلوه حلفوا خمسين يمينا كل واحد منهم وهو قول سائر العلماء باب من تجوز قسامته في العمد من ولاة الدم قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أنه لا يحلف في القسامة في العمد أحد من النساء وإن لم يكن للمقتول ولاة إلا النساء فليس للنساء في قتل العمد قسامة ولا عفو قال أبو عمر قد تقدم القول في من له العفو من ولاة الدم وأما من له القسامة في قتل العمد من الأولياء فإن الشافعي وكل من رأى أن القسامة لا يقاد بها فإنهم يقولون إن كل وارث للمقتول يقسم مع الأولياء ويرثون الدية ومن لا يرى أن يقسم الأولياء وإنما يقسم المدعى عليهم ويغرمون وهو مذهب الكوفيين وخلافهم أبعد ويحيى على قول أحمد في قياسه كقول مالك وهو قول داود وأهل الظاهر قال مالك في الرجل يقتل عمدا أنه إذا قام عصبة المقتول أو مواليه فقالوا نحن نحلف ونستحق دم صاحبنا فذلك لهم قال مالك فإن أراد النساء أن يعفون عنه فليس ذلك لهن العصبة والموالي أولى بذلك منهن لأنهم هم الذين استحقوا الدم وحلفوا عليه قال أبو عمر هذه مسألة متعلقة بمسألة العفو وبالتي قبلها وقد تقدم القول فيها أن سائر العلماء يقولون إن كل وارث له العفو وهو ولي الدم والحجة لمالك أن العقل لما كان على العصبة دون من كان من الورثة كانوا أولى بالدم وبالعفو ممن لا يعقل لأن السنة المجتمع عليها وقضى بها عمر وعلي رضي الله عنهما وغيرهما أن المرأة ترث من دية زوجها وليس من

عاقلته فالقياس على هذا إن كان العقل لازما له كان وليا للدم وكان له العفو دون من ليس كذلك وحجة الشافعي والكوفيين أنها دية فكل من كان وارثا لها كان وليا لها وجاز له العفو عنه وعن نصيبه منها قال مالك وإن عفت العصبة أو الموالي بعد أن يستحقوا الدم وأبى النساء وقلن لا ندع قاتل صاحبنا فهن أحق وأولى بذلك لأن من أخذ القود أحق ممن تركه من النساء والعصبة إذا ثبت الدم ووجب القتل قال أبو عمر يمكن أن يحتج لقول مالك هذا بظاهر قول الله عز وجل ولكم في القصاص حيوة البقرة وفيه من الردع والزجر والتشديد ما فيه فكان القائم بذلك أولى ممن عفي عنه والله عز وجل أعلم وحجة سائر العلماء أن الولي له السلطان الذي جعله الله له في العفو والقود لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله بين خيرتين بين أن يعفو أو يقتص وإن شاء عفا على دية أو على غير دية وهذه مسألة قد أفردنا لها بابا وأوضحنا فيه معنى قول الله عز وجل فمن عفى له من أخيه شيء البقرة وذكرنا ما للعلماء من التنازع في ذلك والحمد لله كثيرا قال مالك لا يقسم في قتل العمد من المدعين إلا اثنان فصاعدا تردد الأيمان عليهما حتى يحلفا خمسين يمينا ثم قد استحقا الدم وذلك الأمر عندنا قال أبو عمر ظاهر الحديث يشهد لقول مالك هذا لأنه قال لأخي المقتول عبد الرحمن بن سهل ولا بني عمه حويصة ومحيصة تحلفون وتستحقون ولم يقل للأخ وحده تحلف ومعلوم أن الأخ يحجب ابني عمه عن ميراث أخيه وهذا رد على الشافعي في قوله لا يحلف إلا الورثة من الرجال والنساء وإن كان واحدا حلف خمسين يمينا وحكم له بالدية وأما الكوفيين فلا يحلف عندهم المدعون على ما ذكرنا عنهم بما لا معنى لتكراره

قال مالك وإذا ضرب النفر الرجل حتى يموت تحت أيديهم قتلوا به جميعا فإن هو مات بعد ضربهم كانت القسامة وإذا كانت القسامة لم تكن إلا على رجل واحد ولم يقتل غيره ولم نعلم قسامة كانت قط إلا على رجل واحد قال أبو عمر هذا قول أحمد بن حنبل قال لا تكون القسامة إلا على رجل واحد وهو يرى القود بالقسامة كما يرى مالك وقال المغيرة المخزومي يقسم على الجماعة في العمد ويقتلون بالقسامة كما يقتلون بالشهادة القاطعة قال المغيرة وكذلك كان في الزمن الأول إلى زمن معاوية ولأشهب وسحنون في هذا المعنى ما قد ذكرنا في كتاب اختلافهم وأما الشافعي والكوفيون فلا قود عندهم في القسامة وإنما تستحق بها الدية ويقسم عند الشافعي على الواحد وعلى الجماعة وتستحق الدية على الواحد في ماله في العمد وعلى الجماعة في أموالهم وأما عند الكوفيين فيحلف أهل المحلة ويغرمون وقالوا في الشهادة على القتل إنهم إذا شهدوا أنه ضربه بسيف فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القصاص وإن لم يقولوا مات منها وروى الربيع عن الشافعي مثل ذلك سواء وروى المزني عنه أنه لا يجعل قاتلا له حتى يقولوا إنه إذ ضربه نهر دمه ورأينا دمه سائلا وإلا لم يكن قاتلا ولا جارحا ولا يكلف الشافعي ولا الكوفيون الشهود أن يقولوا مات منها وأما القسامة فلا قسامة عندهم في غير ما شرطوه وذهبوا إليه على ما قد ذكرناه عنهم فيما مضى من هذا الكتاب ومالك والليث يقولان إذا شهد ولي أنه ضربه فبقي بعد الضرب مغمورا لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم ولم يفق حتى مات قتل به وإن أكل أو شرب وعاش ثم مات ففيه القسامة ويحلف المقسمون أنه مات من ذلك الضرب

باب القسامة في قتل الخطأ قال مالك القسامة في قتل الخطأ يقسم الذين يدعون الدم ويستحقونه بقسامتهم يحلفون خمسون يمينا تكون على قسم مواريثهم من الدية فإن كان في الإيمان كسور إذا قسمت بينهم نظر إلى الذي يكون عليه أكثر تلك الأيمان إذا قسمت فتجبر عليه تلك اليمين قال مالك فإن لم يكن للمقتول ورثة إلا النساء فإنهن يحلفن ويأخذن الدية فإن لم يكن له وارث إلا رجل واحد حلف خمسين يمينا وأخذ الدية وإنما يكون ذلك في قتل الخطأ ولا يكون في قتل العمد القول فيه عند كل من قال بتبدئة المدعين بالدم كقول مالك منهم الشافعي وأحمد إلا أن الشافعي قال تجبر اليمين المنكسرة على من سهمه قليل كما تجبر على صاحب السهم الكبير وعند مالك وبن القاسم تجبر على الذي تصيبه أكثر واتفقوا أن الدية تقسم بينهم على مواريثهم نساء كانوا أو رجالا وأن النساء يحلفن إن انفردن ويأخذن الدية على مواريثهن وقد اختلف أصحاب مالك إذا نكل المدعون لقتل الخطأ عن الأيمان هل ترد على المدعى عليهم أم لا على ما قد رسمناه عنهم في كتاب اختلافهم والله أعلم باب الميراث في القسامة قال مالك إذا قبل ولاة الدم الدية فهي موروثة على كتاب الله يرثها بنات الميت وأخواته قال أبو عمر ولا أعلم في هذا خلافا بين العلماء وهو إجماع من الصحابة والتابعين وسائر فقهاء المسلمين إلا طائفة من أهل الظاهر شذوا فجعلوا الدية للعصبة خاصة على ما كان يقوله عمر رضي الله تعالى عنه ثم انصرف عنه بما حدثه الضحاك بن سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فقضى به عمر والخلفاء بعده وأفتى به العلماء أئمة الفتوى في الأمصار من غير خلاف إلا ممن لا يستحي من سبيل المؤمنين عصمنا الله عز وجل ووفقنا لما يرضاه

ولا يصح فيه عن علي رضي الله عنه ما رواه أهل الظاهر والصحيح عنه توريث الإخوة للأم من الدية وقول مالك في هذا الباب هو قول سائر العلماء الشافعي وغيره وكان لفظ الشافعي في كتابه لفظ مالك في ذلك وأما المعنى فسواء وكذلك سائر العلماء باب القسامة في العبيد قال مالك الأمر عندنا في العبيد أنه إذا أصيب العبد عمدا أو خطأ ثم جاء سيده بشاهد حلف مع شاهده يمينا واحدة ثم كان له قيمة عبده وليس في العبيد قسامة في عمد ولا خطأ ولم أسمع أحدا من أهل العلم قال ذلك قال مالك فإن قتل العبد عمدا أو خطأ لم يكن على سيد العبد المقتول قسامة ولا يمين ولا يستحق سيده ذلك إلا ببينة عادلة أو بشاهد فيحلف مع شاهده قال مالك وهذا أحسن ما سمعت قال أبو عمر هذا القول من مالك شهادة أنه قد سمع الخلاف في قسامة العبيد وأنه قد استحسن ما وصف في ذلك واختصار اختلاف الفقهاء في القسامة في العبيد أن الأوزاعي قال إذا وجد العبد قتيلا في دار قوم فعليهم غرم دمه ولا قسامة فيه وقال بن شبرمة ليس في العبد قسامة إذا وجد قتيلا في قبيلة وهو كالدابة وقال أبو حنيفة ومحمد إذا وجد العبد قتيلا في قبيلة ففيه القسامة وعليهم قيمته في ثلاث سنين ولا يبلغ بها الدية واختلف قول أبي يوسف فمرة قال في عبد وجد قتيلا في دار قوم هو هدر لا شيء فيه من قسامة ولا قيمة ومرة قال تعقله العاقلة بلا قسامة ومرة قال تعقله العاقلة بالقسامة وقال زفر على رب الدار التي يوجد فيها العبد قتيلا القسامة والقيمة وروى الربيع عن الشافعي قال لسيد العبد القسامة في العبد قال أبو عمر قد اتفقوا على وجوب الكفارة على قاتل العبد المؤمن خطأ

وأجمعوا على أن لا كفارة على من قتل شيئا من البهائم أو أتلف شيئا من الأموال فكان العبد كالحر في ذلك أشبه منه بالسلعة فينبغي أن تكون القسامة كذلك وقيمته كدية الحر وأما من لم ير فيه قسامة فلأنه قال سلعة من السلع يستحق بما تستحق الأموال من اليمين والشاهد عند من رأى ذلك وقد تقدم القول في جراحه وفيما يصاب به مما ينقصه وبالله تعالى التوفيق لا شريك له كمل كتاب القسامة بحمد الله وعونه

كتاب الجامع حدثني الشيخ الفقيه الإمام الحافظ فخر الأئمة جمال الحفاظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السلفي الأصبهاني رضي الله عنه أصلا من لفظه قال كتب إلى أبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد الشاطبي من الأندلس قال أخبرنا أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الحافظ في كتابه من كتب الاستذكار قال كتاب الجامع من كتب الموطأ من الذي حدثني به أبو عثمان سعيد بن نصر قراءة منه علينا من أصل كتابه قال حدثني أبو محمد قاسم بن أصبغ ووهب بن مسرة قالا حدثني محمد بن وضاح قال حدثني يحيى بن يحيى عن مالك وحدثني أيضا أبو الفضل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن التاهوتي والبزار قراءة مني عليه عن وهب بن مسرة وبن أبي دليم عن بن وضاح عن يحيى عن مالك وحدثني به أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد عن أبوي عمر أحمد بن مطرف بن عبد الرحمن وأحمد بن سعيد بن حزم عن عبيد الله بن يحيى عن

يحيى عن مالك وعن وهب بن مسرة أيضا عن بن وضاح عن يحيى عن مالك باب الدعاء للمدينة وأهلها مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم ومدهم يعني أهل المدينة مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك بمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر قال أبو عمر أما دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس بالبركة لأهل المدينة في مكيالهم وصاعهم ومدهم فالمعنى فيه والله عز وجل أعلم صرف الدعاء بالبركة إلى ما يكال بالمكيال والصاع والمد من كل ما يكال وهذا من فصيح كلام العرب وأن يسمى الشيء باسم ما قرب منه ولو لم تكن البركة في كل ما يكال وكانت في المكيال لم تكن في ذلك منفعة ولا فائدة بل لو رفعت البركة من المكال فكانت في المكيال كانت مصيبة وهذا محال في معنى الحديث وقد جل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو بما لا فائدة فيه وفيه دليل على أن الإنفاق بالكيل أفضل منه بغير الكيل وقد روي مرفوعا كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه والفائدة في حديث أنس الدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة لأهل المدينة في طعامهم والندب إلى استعمال الكيل في كل ما يكال ويمكن فيه الكيل ويوزن

وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة وأما حديث أبي هريرة ففيه من المعاني اختصاص الرئيس في الخير والدين والعلم والسلطان بالهدية والطرفة رجاء دعائه بالبركة وبرا به وإكراما له وتبركا بدعوته وأما دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة فمجاب كله إن شاء الله عز وجل وإذا كانت الإجابة موجودة لغيره فما ظنك به صلى الله عليه وسلم وقد يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لنا يريد نفسه وأصحابه الذين آمنوا به وصدقوه واتبعوه على دينه في زمانه وتدرك بركه تلك الدعوة في قوله اللهم بارك لنا كل من كان حيا مولودا في مدته وكل من آمن به واتبعه من ساكني المدينة إن شاء الله عز وجل ومعلوم أنه لم يرد بدعائه طعام المنافقين ولم يدخله في دعوته تلك لأنه لم يقصدهم بذلك وقد ظن قوم أن هذا الحديث يدل على أن المدينة أفضل من مكة بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بمثل ما دعا به إبراهيم لمكة ومثله معه وليس كما ظنوا لأن دعاء إبراهيم لمكة لم تعرف فضيلة مكة به وحده بل كان فضلها قبل أن يدعو لها ودعاء إبراهيم عليه السلام قد علمناه بما نطق به القرآن في قوله عز وجل وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الأخر قال ومن كفر الآية البقرة وقد كانت مكة حرما آمنا بدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى حرم مكة ولم يحرمها الناس وقوله عليه السلام إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض وأجمع المسلمون على القول بأن مكة حرم الله وقالوا في المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقد دعا إبراهيم لمكة بنحو دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني الحسن بن إسماعيل قال حدثني عبد الملك بن بحر قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني سنيد قال حدثني إسماعيل بن علية عن أيوب عن سعيد بن جبير عن بن عباس في الحديث الطويل حين نزل إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه هاجر مكة ثم رجع إلى الشام ثم عاد إليها بعد مدة وقد ماتت أم إسماعيل وتزوج إسماعيل في جرهم فوجد امرأته في المرة الثانية ولم يجد إسماعيل فسألها عنه فقالت مر إلى الصيد فقال وما طعامكم قالت اللحم والماء فقال اللهم بارك لهم في لحمهم ومائهم قالها ثلاثا وحدثني محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني إسحاق بن أبي حسان قال حدثني هشام بن عمار قال حدثني حاتم بن إسماعيل قال حدثني حميد عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله عز وجل رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرت من آمن منهم بالله واليوم الأخر البقرة قال كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين دون غيرهم فقال الله عز وجل ومن كفر أيضا فإني أرزقه كما أرزق المؤمنين أأخلق خلقا لا أرزقهم أمتعهم قليلا ثم اضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير ثم قرأ بن عباس كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا الإسراء ذكر الفريابي قال حدثني قيس بن الربيع عن خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد في قوله عز وجل وارزق أهله من الثمرت قالا سأل الرزق لمن آمن قال أبو عمر ولو كان الدعاء للمدينة بالبركة دليلا على فضلها على مكة لكانت الشام واليمن أفضل من مكة لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالبركة لأهلها ولم يذكر في ذلك الحديث مكة وهذا لا يقوله مسلم أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني حسين بن الحسن عن بن عوف عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره البخاري قال حدثني علي بن المديني قال حدثني أزهر بن سعد

السمان عن بن عون عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفعه في كتاب البخاري أنه قال اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان لفظ البخاري وليس في حديث بن المثنى فأظنه قال في الثالثة فقال في نجدنا قال هنالك الزلازل الخ قال أبو عمر وفي هذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم لإخباره عن الشام وهي يومئذ دار كفر وكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل هذا حديث بن عمر في المواقيت وقت لأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا ومما يدل على فضل مكة على غيرها قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس فذكر منها حج البيت الحرام وقال صلى الله عليه وسلم الإلحاد فيه من الكبائر وجعل الله الكعبة البيت الحرام قبلة للمسلمين في صلاتهم وقال صلى الله عليه وسلم قبلتكم أحياء وأمواتا ورضي الله عز وجل من عباده بحط أوزارهم بأن يقصد القاصد البيت الحرام حاجا مرة في دهره وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال أخبرنا أحمد بن جعفر بن

حمدان قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عدي بن الخيار الزهري أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة يقول والله إنك لخير أرض الله عز وجل وأحب أرض الله عز وجل إلى الله عز وجل ولولا أني أخرجت منك ما خرجت وهكذا رواه صالح بن كيسان ويونس بن يزيد وعقيل بن خالد وعبد الرحمن بن خالد بن يزيد وعقيل بن خالد وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر كلهم عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عدي بن الخيار سمع النبي صلى الله عليه وسلم مثله وهو حديث لا يختلف أهل العلم بالحديث في صحته وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حين خروجه من مكة إلى المدينة اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلى فأسكني أحب البلاد إليك وهو حديث موضوع منكر لا يختلف أهل العلم في نكارته وضعفه وأنه موضوع وينسبون وضعه إلى محمد بن الحسن بن زبالة المدني وحملوا عليه فيه وتركوه وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن مسرور قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون بن سعيد قال حدثني عبد الله بن وهب قال حدثني مالك بن أنس أن آدم لما أهبط إلى الأرض بالهند قال يا رب هذه أحب الأرض إليك أن تعبد فيها قال بل مكة فسار آدم حتى أتى مكة فوجد عندها ملائكة يطوفون بالبيت ويعبدون الله عز وجل فقالوا مرحبا يا آدم يا أبا البشر إنا ننتظرك ها هنا منذ ألفي سنة فهذه حكاية مالك رحمه الله وقوله وخبره عن مكة وفي حديث هذا الباب من الآداب وجميل الأخلاق وإعطاء الصغير من الولدان التحفة والطرفة وما يسر به ويعجبه وينفعه وأنه أولى بذلك من الكبير لقلة صبره وشدة فرحه باليسير منه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الأطفال ويلاطفهم ويعجبه أن يسرهم وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة

حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أو قلابة قال حدثني أبو ربيعة قال حدثني جرير بن حازم عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بالباكورة دفعها إلى أصغر من يحضره من الولدان أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثني محمد بن بشار بندار قال حدثني سعيد بن عامر قال حدثني شعبة عن قتادة عن أنس قال إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاطفنا حتى أن كان ليقول لأخ لي صغير يا أبا عمير ما فعل النغير باب ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها مالك عن قطن بن وهب بن عمير بن الأجدع أن يحنس مولى الزبير بن العوام أخبره أنه كان جالسا عند عبد الله بن عمر في الفتنة فأتته مولاة له تسلم عليه فقالت إني أردت الخروج يا أبا عبد الرحمن اشتد علينا الزمان فقال لها عبد الله بن عمر اقعدي لكع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة قال أبو عمر إنما شكت مولاة بن عمر إليه حالها في معيشتها وعرضت له بالمسألة رجاء رفده فكره أن يفتخر عند جلسائه بالقيام بها فذكر لها عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكره وفهمت عنه فقعدت والله تعالى أعلم وقوله عليه السلام لا يصبر على لأوائها وشدتها الحديث خرج على فقراء المهاجرين الذين كانوا يلزمون رسول الله صلى الله عليه وسلم على شبع بطونهم وعلى أقل من

الشبع ومعلوم أن من أقام معه عليه السلام حتى يظهر أمر الله عز وجل جدير بأن ينال شفاعته وشهادته له يوم القيامة بمؤازرته والرضا بالدون من العيش لصحبته وللمدينة بهذا الحديث وما كان مثله فضل عظيم ولا خلاف بين علماء الأمة في فضلها وأنها أفضل بقاع الأرض إلا مكة فإنهم اختلفوا في الأفضل منهما على ما ذكرناه في باب الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الصلاة فلا وجه لإعادته مالك عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أقلني بيعتي فأبى فخرج الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها قال أبو عمر هذا الأعرابي كانت لبيعته رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام والهجرة لوطنه والمقام معه وهذا نوع من البيعات التي كان يأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس وقد ذكرنا وجوهها وشواهدها في التمهيد في باب محمد بن المنكدر وكان على الناس في ذلك الوقت فرضا إذا أسلموا أن ينتقلوا إلى المدينة إذ لم يكن للإسلام في ذلك الوقت دار غيرها ويقيم معهم لصرفهم فيما يحتاج إليه من غزو الكفار وحفظ المدينة ممن أرادها منهم ولإرسال من احتاج إلى إرساله في الدعاء إلى الإسلام وغير ذلك مما هو معلوم من سيرته صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عز وجل عليه مكة وكان بقاء من بقي في دار الكفر مسلما حراما عليه إذا قدر على الهجرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا بريء من كل مسلم مقيم في دار الشرك

وكذلك كان عليهم حراما رجوعهم من هجرتهم إلى أعرابيتهم ألا ترى إلى حديث بن مسعود قال آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهداه إذا علموا به والواشمة والمستوشمة للحسن ولاوي الصدقة والمرتد أعرابيا بعد هجرته ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وهذا الأعرابي كان ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المقام بالمدينة فلما لحقه من الوعك أراد الخروج عنها إلى وطنه ولم يكن والله أعلم ممن رسخ الإيمان في قلبه بل كان من الأعراب الذين قال الله عز وجل أنهم أجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله وقد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد والحمد لله وأما قوله عليه السلام إن المدينة كالكير تنفي خبثها فلا خبث أكثر دناءة ممن رغب بنفسه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صحبته وأما قوله عليه السلام وينصع طيبها فالناصع السالم الخالص الباقي على النار والنقي الطيب من الحديد قال النابغة الذبياني أتاك بقول هلهل النسخ كاذب ولم يأت بالحق الذي هو ناصع وقد ذكرنا في التمهيد حديث مجاشع بن مسعود قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه على الهجرة فقال عليه السلام قد مضت الهجرة لأهلها ولكن على الإسلام والجهاد والخير وحديث يعلى بن أمية قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي يوم الفتح فقلت يا

رسول الله بايع أبي على الهجرة فقال أبايعه على الجهاد وقد انقطعت الهجرة وقال عليه السلام لا هجرة بعد الفتح وإنما هو جهاد ونية مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد قال أبو عمر قوله عليه السلام أمرت بقرية تأكل القرى يريد أنه أمر بالهجرة إلى قرية يفتح الله عز وجل عليه منها القرى الكثيرة وكذلك فتح الله تعالى برحمته عليه وعلى أصحابه من المدينة وكان اسمها يثرب فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأما قوله تنفي الناس فكلام عموم معناه الخصوص لأنها لم تنف من الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حياته إلا من لا إيمان له ولا خير فيه ممن رغب بنفسه عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته وصحبته والدليل على أن ذلك كلام خرج على صحبته والمقام معه في حياته خروج الجلة من الصحابة عن المدينة بعد موته إلى العراق والشام وسائر بلدان الإسلام يعلمون الناس الدين والقرآن فكم منهم سكن حمص ودمشق وسائر ديار الشام وكم منهم سكن الكوفة والبصرة وغيرها وسائر ديار العراق وما وراءها ولم يختط من اختط الكوفة والبصرة وغيرها منهم إلا بإذن عمر بن الخطاب وسائر الصحابة رضي الله عنهم

مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيرا منه قال أبو عمر هذا الحديث قد وصله معن بن عيسى عن مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقد روي أيضا مسندا من حديث أبي هريرة ومن حديث جابر وقد ذكرنا ذلك في التمهيد وهذا عندنا على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله كان يعوض رسوله أبدا خيرا ممن يرغب عنه وأما بعد وفاته فقد خرج منها من لم يعوضها الله خيرا منه من أصحابه رضي الله عنهم وروى شعبة قال حدثني يحيى بن هانئ بن عروة المرادي قال سمعت نعيم بن دجاجة قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لا هجرة إلينا بعد النبي صلى الله عليه وسلم مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وتفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون قال أبو عمر هذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ومن الغيب الذي أخبر به قبل وقوعه فكان كما قال عليه السلام فتحت بعده تلك البلدان وتحمل إليها كثير من ساكني المدينة ممن كان معه في حياته صلى الله عليه وسلم وأما قوله عليه السلام يبسون فيروى بفتح الياء وكسر الباء وضمها أيضا وهذه رواية بن القاسم وبن بكير ويحيى من رواة الموطأ وقال بن القاسم عن مالك يبسون يدعون

وقال بن بكير معناه يسيرون من قوله عز وجل وبست الجبال بسا الواقعة ورواه بن وهب يبسون بضم الياء من الرباعي وفسره فقال يزينون لهم الخروج وكذلك رواه بن حبيب عن مطرف وفسره بنحو ذلك فقال يزينون لهم البلد الذي جاؤوا منه ويحببونه إليهم ويدعونهم إلى الرحيل إليه من المدينة وذلك مأخوذ من إلباس الحلوبة عند حلابها كي تدر باللبن وهو أن يجر يده على وجهها وصفحة عنقها أنه يزين ذلك عندها قال أبو عمر وأما قوله والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون فالخير ها هنا من طريق الفضل لأن سكنى المدينة للصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي الصلاة فيه خير من الصلاة فيما سواه من المساجد وأفضل بألف درجة إلا المسجد الحرام ولم يذكر في حديث سفيان بن أبي زهير هذا مكة وقد علم أنها ستفتح عليه كما تفتح الشام والعراق واليمن بعده لأن مكة ليست كغيرها لأن الهجرة على أهلها خاصة فرضا أن لا ينصرف أحد من مهاجريها إليها أبدا ولا يستوطنها ولا ينزلها إلا حاجا أو معتمرا وعلى ذلك انعقدت البيعة للأنصار إلا أن من لم يسلم من أهلها إلا يوم الفتح أو بعده ليس ممن وصفنا حكمه وقد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد مالك عن بن حماس عن عمه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب أو الذئب فيغذي على بعض سواري المسجد أو على المنبر فقالوا يا رسول الله فلمن تكون الثمار ذلك الزمان قال للعوافي الطير والسباع قال أبو عمر اختلف عن مالك في اسم بن حماس هذا فقيل يوسف بن يونس وقيل يونس بن يوسف وقيل إن يونس بن يوسف غير بن حماس هذا والله أعلم

وقد روى هذا الحديث جماعة عن مالك عن بن حماس هكذا غير منسوب ولا مسمى كما روى يحيى وقد ذكرنا من روى عن مالك كل ذلك من أصحابه رواة الموطأ في التمهيد وليس هذا الإسناد عندهم بالبين ولم يحتج به مالك في حكم دم ولا فرج ولا مال وذكر أنه كان فاضلا عابدا مجاب الدعوة وفي حديث هذا الباب إخبار عن غيب يكون فكان كما قال صلى الله عليه وسلم ومعنى يغذي أي يبول وقوله أو على المنبر شك من المحدث وأما قوله العوافي وتفسيره له بالطير والسباع فكان كما قال عند أهل العلم بلسان العرب ويشهد لذلك حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يحيي أرضا فتصيب منها عافية أو يشرب منها كبد إلا كتب الله عز وجل له بذلك أجرا والعافية واحد العوافي والعافي الطالب للحاجة وجمعه عوافي وعفاة قال الأعشي يطوف العفاة بأبوابه كطواف النصارى ببيت الوثن وقال إعرابي لخالد بن عبد الله بن يزيد القسري أيضا أخالد أني لم أزرك لحاجة سوى أنني عاف وأنت جواد أخالد بين الأجر والحمد حاجتي فأيهما تأتي فأنت عماد وقد ذكرنا في التمهيد حديثين حسنيين من حديث أبي ذر وحديث أبي هريرة في معنى حديث بن حماس هذا والحمد لله كثيرا مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز حين خرج من المدينة التفت إليها فبكى ثم قال يا مزاحم أتخشى أن نكون ممن نفت المدينة قال أبو عمر هذا إشفاق منه رضي الله عنه وقد خرج الفضلاء الجلة من

المدينة ولم يخافوا ما خافه عمر رضي الله عنه وما الخوف والإشفاق والتوبيخ للنفس إلا زيادة في صلاح العمل وليس في قول عمر هذا حجة على من ذهب إلى ما قلنا وتأولناه في أحاديث هذا الباب والله عز وجل الموفق للصواب وذكر أهل السير أن خروج عمر مع مزاحم مولاه من المدينة كان في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وذلك أن الحجاج كتب إلى الوليد أن عمر بن عبد العزيز بالمدينة كهف لأهل النفاق والعداوة والبغضاء لأمير المؤمنين فجاوبه الوليد إني أعزله فعزله وولى عثمان بن حيان المري وذلك في شهر رمضان المذكور فلما صار عمر بالسويداء قال لمزاحم يا مزاحم أخاف أن نكون ممن نفت المدينة وقال ميمون بن مهران ما رأيت ثلاثة مجتمعين خيرا من عمر بن عبد العزيز وابنه عبد الملك ومولاه مزاحم والله الموفق للصواب باب ما جاء في تحريم المدينة ملك عن عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة وأنا أحرم ما بين لابتيها هكذا روى مالك هذا الحديث مختصرا ورواه إسماعيل بن جعفر فذكر فيه معاني ولم يذكرها مالك ذكره سنيد قال حدثني إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمر ومولى المطلب بن حنطب أنه سمع أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة التمس لنا غلاما من غلمانكم يخدمني فخرج أبو طلحة يردفني وراءه فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل فكنت اسمعه يكثر أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال فلم أزل أخدمه حتى أقبلنا من خيبر وأقبل بصفية بنت حيي قد جاؤوا بها وأردفها خلفه وراءه على كسائها حتى إذا كنا بالصهباء صنع حيسا في نطع ثم أرسلني فدعوت رجالا

فأكلوا وكان ذلك بناؤه بها ثم أقبل حتى إذا بدا له أحد قال هذا جبل يحبنا ونحبه فلما أشرف على المدينة قال اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة اللهم بارك لهم في صاعهم ومدهم قال أبو عمر أما قوله صلى الله عليه وسلم في أحد جبل يحبنا ونحبه فأكثر العلماء يحملونه على المجاز والمعنى عندهم في ذلك كالمعنى في قول الله تعالى وسئل القرية يوسف يعني واسأل أهل القرية فكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد هذا جبل يحبنا ونحبه يعني الأنصار الساكنين قربة وكانوا يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحبهم لأنهم آووه ونصروه وأعانوه على إقامة دينه صلى الله عليه وسلم وقد قيل في المجاز أيضا وجه آخر وذلك أنه كان صلى الله عليه وسلم يفرح بأحد إذا طلع له استبشارا بالمدينة ومن فيها من أهله وذريته ويحب النظر إليهم ويبتهج للأوبة من سفره والنزول على أهله واحبته وقوله يحبنا أي لو كان ممن يصح منه الحب لأحبنا كما نحبه وقد زدنا هذا المعنى بيانا بشواهد في التمهيد وقد قيل إن محبته حقيقية كما يسبح كل شيء حقيقة ولكن لا يفهم ذلك الناس وغير نكير أن يصنع الله محبة رسوله في الجماد وفيما لا يعقل كعقل الآدميين كما وضع الله خشيته في الحجارة فأخبر في محكم كتابه بأن منها ما يهبط من خشية الله وكما وضع في الجذع محبة النبي صلى الله عليه وسلم حتى حن إليه حنين الناقة لولدها رواه أنس وجابر وغيره وقد ذكرناه من طرق في غير هذا الموضع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع فلما صنع له المنبر وخطب عليه حن الجذع حنين الناقة إليه فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه فسكن

ومثل هذا كثير قال الله عز وجل وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم الإسراء وأما قوله إن إبراهيم حرم فقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وحديث جابر وحديث رافع بن خديج وحديث سعد بن أبي وقاص كما روي من حديث أنس وقد ذكرناها بالأسانيد في التمهيد وروى بن عباس وأبو شريح الكعبي الخزاعي وأبو هريرة أن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني وهب بن جرير قال حدثني أبي قال سمعت يونس بن يزيد عن الزهري عن مسلم بن يزيد أحد بني سعد بن بكر أنه سمع أبا شريح بن عمرو الخزاعي ثم الكعبي يقول فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن الله حرم مكة لم يحرمها الناس وإنما أحلها لي ساعة من النهار أمس وأنها اليوم حرام كما حرمها أول مرة وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاءه فقال العباس إلا الإذخر فإنه لقبورهم وبيوتهم فقال إلا الإذخر قال أبو عمر هذا هو الصحيح والحقيقة لا المجاز ويشهد لذلك قول الله عز وجل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذى حرمها النمل وقد روي أنه حرمها على لسان إبراهيم وليس بالقوي وقال حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير

قال حدثني مصعب بن عبد الله قال حدثني عبد العزيز بن أبي حازم عن العلاء بن عبد الرحمن عن مسلم بن السائب عن عبد الرحمن مولى فكيهة قال قال أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن إبراهيم خليلك ونبيك وإنك حرمت مكة على لسان إبراهيم وأما قوله وإني أحرم ما بين لابتيها يعني المدينة فقد رواه أبو هريرة مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يقول لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها حرام قال أبو عمر اللابتان هما الحرتان واللابة الحرة وهي الأرض التي ألبست الحجار السود الجرد وجمع اللابة لا بات ولوب وكذلك فسره بن وهب وغيره قال بن وهب وهو قول مالك وقال بن وهب وهذا الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إنما هو في قتل الصيد قيل له فما حرم منها في قطع الشجر قال حد ذلك بريد في بريد بلغني ذلك عن عمر بن عبد العزيز وقال بن نافع اللابتان إحداهما التي ينزل فيها الحاج إذا رجعوا من مكة وهي بغربي المدينة والأخرى مما يليها من شرقي المدينة قال وما بين هاتين الحرتين حرام أن يصاد فيها وحش أو طير قال بن نافع وحرة أخرى مما يلي قبلة المدينة وحرة رابعة مما يلي دبر المدينة فما بين هذه الحرار في الدور كلها حرام أن يصاد فيها ومن فعل ذلك أثم ولم يكن عليه جزاء فيما صاد قال أبو عمر أجمع الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار وأتباعهم أن لا جزاء في صيد المدينة وشذت فرقة فقالت فيه الجزاء لأنه حرم نبي قياسا على مكة لأنها حرم إبراهيم عليه السلام

واتفق مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد بن حنبل وجمهور أهل العلم أن الصيد في حرم المدينة لا يجوز وعلى ذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر مالك عن يونس بن يوسف عن عطاء بن يسار عن أبي أيوب الأنصاري أنه وجد غلمانا قد ألجؤوا ثعلبا إلى زاوية فطردهم عنه قال مالك لا أعلم إلا أنه قال أفي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا مالك عن رجل قال دخل علي زيد بن ثابت وأنا بالأسواق قد اصطدت نهسا فأخذه من يدي فأرسله قال أبو عمر الأسواف موضع بناحية البقيع من المدينة وهو موضع صدقة زيد بن ثابت وماله والنهس طائر يقال إنه الصرد وقيل إنه يشبه الصرد وليس بالصرد وهو أصغر من الصرد مثل القطامي والباشق وقيل أنه اليمام والله أعلم ذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني إسماعيل بن أويس قال حدثني أبي عن شرحبيل بن سعد أنه خرج هو وعبد الرحمن بن حسان بن ثابت بحبالتين لهما إلى الأسواف صدقة زيد بن ثابت قال ونحن غلمان فصاد عبد الرحمن طائرا قال له النهس فشكله قال فدق زيد بن ثابت باب الحائط فناولني عبد الرحمن النهس فدخل زيد بن ثابت فرأى معي النهس فقال أصدتم هذا فقلت نعم فقال ناولنيها فنناولته إياه فحل شكاله وسوى ريشه ثم أرسله ثم تناول يدي فصك قفاي ثم قال يا خبيث أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصاد بين لابتي المدينة قال أبو عمر والرجل الذي لم يسمه مالك في حديث زيد بن ثابت يقولون هو شرحبيل بن سعد كان مالك لا يرضاه فلم يسمه والحديث محفوظ لشرحبيل بن سعد من وجوه ذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني نصر بن علي قال أخبرنا الأصمعي قال أخبرنا مالك عن رجل قال أصبت نهسا بالأسواف فأخذه زيد بن ثابت فأرسله

قال الأصمعي فحدثت به نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم فقال ذلك شرحبيل بن سعد أنا سمعته منه قال إسماعيل وحدثني مسدد قال حدثني حماد بن زيد عن عبد الله بن عمر عن شرحبيل بن سعد قال أصبت طائرا بالمدينة فرأني زيد بن ثابت فانتزعه مني فأرسله قال إسماعيل وحدثني علي بن المديني قال حدثني سفيان عن زياد بن سعد الخرساني قال سمعت شرحبيل بن سعد يقول أتانا زيد بن ثابت ونحن غلمان نلعب في حائط له ومعنا فخاخ ننصب بها فصاح بنا وطردنا وقال ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم صيدها يعني المدينة قال إسماعيل وحدثني إبراهيم بن عبد الله الهروي قال حدثني بن أبي الزناد عن شرحبيل بن سعد أن زيد بن ثابت وجده قد اصطاد طائرا يقال له نهس في الأسواف قال فأخذه مني فأرسله وضربني وقال يا عدو الله أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها يعني المدينة قال إسماعيل قال مالك تحريم الصيد ما بين لابتي المدينة وتحريم الشجر بريد في بريد ومن غير رواية مالك في تحريم المدينة روى سليمان بن بلال عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن زينب بنت كعب بن عجرة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتي المدينة وأنه حرم شجرها أن يعضد قالت زينب فكان أبو سعيد يضرب بنيه إذا صادوا فيها ويرسل الصيد وروى سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من وجدتموه يصيد في حدود المدينة أو يقطع من شجرها فخذوا سلبه وأخذ سعد سلب من فعل ذلك قال أبو عمر هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فهموا معنى تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة واستعملوا ذلك وأمروا به فأين المذهب عنهم بل الرشد كله في اتباعهم واتباع السنة التي نقلوها وفهموها وعملوا بها وقال مالك لا يقتل الجراد في حرم المدينة وكان يكره ما قتل الحلال من صيد المدينة

وقال أبو حنيفة وأصحابه صيد المدينة غير محرم وكذلك قطع شجرها واحتج الطحاوي لهم بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل دارهم فقال يا أبا عمير ما فعل النغير وأبو عمير أخ صغير لأنس وكان له نغر يلعب به وهذا لا حجة فيه لأنه يمكن أن يكون النعر صيد في غير حرم المدينة واحتج أيضا بحديث يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد عن عائشة قالت كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم ربض ولم يتزمزم كراهية أن يؤذيه وهذا الحديث أيضا معناه معنى حديث أبي عمر في النغير وأما حجة من احتج لسقوط التحريم لصيد المدينة بسقوط الجزاء في صيدها ففاسدة لأن الجزاء فيما ذكره العلماء لم يكن في صيد مكة إلا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ولم يكن على من كان من قبلنا جزاء في صيد مكة ونزعوا بقول الله تعالى يأيها الذين ءامنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد المائدة وقوله و لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا المادة باب ما جاء في وباء المدينة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال قالت فدخلت عليهما فقلت يا أبت كيف تجدك ويا بلال كيف تجدك قالت فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول كل امرءء مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته فيقول ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل قالت عائشة فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت وكان عامر بن فهيرة يقول قد رأيت الموت قبل ذوقه إن الجبان حتفه من فوقه هكذا ذكر مالك قول عامر بن فهيرة عن يحيى بن سعيد أن عائشة لم يختلف الرواة عنه في ذلك ولم يذكره في إسناده عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقد جوده مالك والله أعلم

ورواه سفيان بن عيينة ومحمد بن إسحاق وسعيد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وفيه قول أبي بكر وقول بلال وقول عامر بن فهيرة وزاد بن عيينة وبن إسحاق في رجز عامر بن فهيرة الثور يحمي جلده بروقه وذكروا أن الداخل عليهم والسائل لهم عن أحوالهم والقائل لكل واحد منهم كيف تجدك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عائشة ورواه سعيد بن عبد الرحمن عن هشام عن أبيه عن عائشة أنها قالت فدخلت عليهم تعني أبا بكر أباها وبلالا وعامر بن فهيرة في بيت فقلت يا أبت كيف تجدك يا بلال كيف تجدك يا عامر كيف تجدك كما قال مالك إلا ما زاد من ذكر عامر بن فهيرة في هذا الإسناد وقد ذكرنا أحاديثهم بأسانيدها وسياقة متونها في التمهيد وذكرنا بلالا وعامر بن فهيرة بما يجب وينبغي من ذكرهما في كتاب الصحابة وأما قوله إذخر وجليل فهما نبتان من الكلأ يكونان بمكة وأوديتها لا يكادا يوجدان بغيرها وشامة وطفيل جبلان بينهما وبين مكة نحو ثلاثين ميلا وقال بن عيينة وبن إسحاق في البيت الأول من بيتي بلال في هذا الحديث ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بفخ وحولي إذخر وجليل بفخ مكان بواد وقال الفاكهي في كتابه أخبار مكة فخ الوادي الذي بأصل الثنية البيضاء إلى بلدح قال أبو عمر هو قرب ذي طوى وقد قيل إنه وادي عرفان والأول أكثر وهو الذي عنى الشاعر النميري في قوله

مررن بفخ رائحات عشية يلبين للرحمن معتمرات وقال آخر ماذا بفخ من الإشراق والطيب ومن حوار تقيات رعابيب وقال بن عيينة في روايته لهذا الحديث عن هشام بإسناده وانقل حماها إلى خم أو الجحفة شك في ذلك وخم موضع قريب من الجحفة وفيه غدير يقال له غدير خم وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي من كنت مولاه فهذا علي مولاه وقال بن إسحاق في روايته لهذا الحديث بإسناده المذكور وانقل حماها إلى مهيعة ومهيعة في الجحفة وفي هذا الحديث بيان ما هو متعارف حتى الآن من تنكير البلدان على من لم يعرف هواء البلد ولم يشرب قبل من مائه وحدثني أبو عبد الله محمد بن عبد الملك قال حدثني أبو سعيد بن الأعرابي قال حدثني الزعفراني قال حدثني شبابه قال حدثني إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة عن علي رضي الله عنه قال لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحيز عن بدر وذكر تمام الخبر وفيه بيان ما عليه أكثر الناس من حنينهم إلى أوطانهم وتلهفهم على فراق بلدانهم التي كان مولدهم بها ومنشأهم فيها قال بن ميادة واسمه الرماح ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بحرة ليلى حيث ربتني أهلي بلاد بها نيطت علي تمائمي وقطعن عني حين أدركني عقلي وقد يروى هل أبيتن ليلة بوادي الخزاما حيث ربتني أهلي

وقال آخر أحب بلاد الله ما بين منيح إلي وسلمى أن تصوب سحابها بلاد بها حل الشباب تمائمي وأول أرض مس جلدي ترابها وفيه عيادة الجلة الأشراف السادة لعبيدهم ومواليهم وإخواهم وذلك تواضع منهم وكان بلال وعامر بن فهيرة عبدين لأبي بكر رضي الله عنه أعتقهما وفيه تمثل الصالحين والعلماء والفضلاء بالشعر وفي ذلك دليل على جواز إنشاد الشعر الرقيق الذي ليس خنى فيه ولا فحش وفيه رفع العيقرة بالشعر ورفع العقيرة هو الغناء الذي يسمونه غناء الركبان وغناء النصب والحداء وما أشبه ذلك والعقيرة صوت الإنشاد قاله صاحب العين روى بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه أنه أخبره أنه سمع عبد الله بن الأرقم رافعا عقيرته يتغنى قال عبد الله بن عتبة لا والله ما رأيت رجلا كان أخشى لله من عبد الله بن الأرقم وروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال عمر رضي الله عنه نعم زاد الراكب الغناء نصبا وروى بن وهب عن أسامة وعبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيهما زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال الغناء من زاد المسافر أو قال من زاد الراكب وروى بن شهاب عن عمر بن عبد العزيز أن محمد بن نوفل أخبره أنه رأى أسامة بن زيد بن حارثة واضعا إحدى رجليه على الأخرى يتغنى النصب وروى أبو عبيدة معمر بن المثنى قال حدثني رؤبة بن العجاج عن أبيه قال أنشدت أبا هريرة طاف الخيالان فهاجا تغنيا خيال خيال تكنى تكتما

قامت تريك خشية أن تصرما ساقا بخنداه وكعبا أضرما وكفلا مثل النقا أو أعظما فقال أبو هريرة قد كنا ننشد مثل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعاب علينا قال أبو عمر وقد أنشد كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيدته اللامية أولها بانت سعاد فقلبي اليوم متبول وفيها من التشبيب والمدح ضروب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع الشعر ويستحسن الحسن منه وقال عليه السلام إن من الشعر حكمة وروي أن عمر بن الخطاب أتى عبد الرحمن بن عوف زائرا فسمعه يتغنى وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما قضى وطرا منها جميل بن معمر وروينا أن سعيد بن المسيب مر في بعض أزقة المدينة فسمع الأخضر الجدي يتغنى في دار سعيد بن العاص يقول تضوع مسكا بطن نعمان إذ مشت به زينب في نسوة خفرات فوقف وقال هذا والله ما يلذ استمعاعه قال سعيد

وليست كأخرى أوسعت جيب درعها وأبدت بنان الكف بالجمرات وعلت فتيت المسك وحفا مرجلا على مثل بدر لاح في الظلمات وقامت ترائي يوم جمع فأفتنت برؤيتها من راح من عرفات قالوا فكانوا يرون أن هذا الشعر لسعيد بن المسيب قال أبو عمر البيت الذي سمعه سعيد من الأخضر الجدي هو من شعر النميري يعرف بذلك وهو ثقفي وإنما قيل له النميري نسبة إلى جده وهو محمد بن عبد الله بن نمير الثقفي كان يشبب بزينب أخت الحجاج وشعره هذا حسن ليس فيه شيء نذكره ها هنا لأنه من معنى الباب وما رأيته قط مجتمعا ولكن رأيته مفترقا يتمثل منه بالبيت والبيتين والأبيات وقد جمعته هنا وهو قوله تضوع مسكا بطن نعمان أن مشت به زينب في نسوة خفرات فأصبح ما بين الهويما فجذوة إلى الماء ماء الجدع في العشرات له أرج من مجمر الهند ساطع تطلع رياه من الكفرات ولم تر عيني مثل سرب لقيته خرجن من التنعيم مبتكرات تهادين ما بين المحصب من منى وأصبحن لا شعثاء ولا عطرات أعاذ الذي فوق السماوات عرشه أو أنس بالبطحاء مؤتجرات مررن بفخ ثم رحن عشية يلبين للرحمن معتمرات يخمرن أطراف البنا من النقا ويخرجن وسط الليل معتجرات تقسمن لي يوم نعمان أنني رأيت فؤادي عازم النظرات جلون وجوها لم يلحها سمائم حرور ولم يسعفن بالصرات فقلت يعافى الظباء تناولت تباع غصون الورد معتصرات ولما رأت ركب النميري أعرضت وكن من أن يلقينه حذرات فأدنين حتى جاوز الركب دونها حجاجا من الوشي والحبرات فكدت أشتياقا نحوها وصبابة تقطع نفسي دونها حسرات فراجعت نفسي والحفيظة بعد ما بللت رداء للعصب بالعبرات وأراد الحجاج أن يوقع به فاستجار بعبد الملك بن مروان فأجاره وقال له ما كان ركبك يا نميري فقال أربعة أحمرة عليها زيت وزبيب فضحك عبد الملك وقد ذكرنا في كتاب التمهيد ما للعلماء من الكراهة والإجازة في الغناء على أن جمهورهم يكرهون غناء الأعاجم ويجيزون غناء الأعراب وأثبتنا هنالك من ذلك بما فيه كفاية والحمد لله كثيرا

مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال قال أبو عمر الأنقاب الطرق والفجاج والواحد منها نقب ومن ذلك قول الله عز وجل فنقبوا في البلد هل من محيص ق أي جعلوا فيها طرقا ومسالك وفي هذا الحديث فضل كبير للمدينة أنه لا يدخلها الدجال وهو رأس كل فتنة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني جعفر بن محمد الصائغ قال حدثني محمد بن سابق قال حدثني إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم له أربعون ليلة يسيحها في الأرض اليوم منها كالسنة واليوم منها كالشهر واليوم منها كالجمعة ثم سائر أيامه كأيامكم هذه وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا فيقول للناس أنا ربكم وهو أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر ك ف ر مهجاة يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب يرد كل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة حرمهما الله عليه وقامت الملائكة بأبوابها وذكر الحديث بطوله باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة كذا عند يحيى ترجمة هذا الباب وعند بن بكير في إجلاء اليهود من المدينة وعند القعنبي في إجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز

يقول كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب قال أبو عمر أما قوله صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود ولعن الله اليهود الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فقد روي مسندا من وجوه من حديث أبي هريرة وحديث عائشة وغيرها وهو عند مالك وغيره عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة وروي عن عائشة من وجوه قد ذكرت ذلك كله في كتاب التمهيد منها حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم تذاكرن في مرضه كنيسة رأينها بأرض الحبشة وذكرن من حسنها وتصاويرها وكانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك قوم إذا مات الرجل الصالح عندهم بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله ومنها حديث حميد بن هلال عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي عليه أن يتخذ مسجدا قال أبو عمر لهذا الحديث والله أعلم ورواية عمر بن عبد العزيز له عن من رواه أمر في خلافته أن يجعل بنيان قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم محددا بركن واحد لئلا يستقبل القبر فيصلى إليه وقد احتج من كره الصلاة في المقبرة بهذا الحديث وبقوله عليه السلام إن شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد وبقوله صلى الله عليه وسلم صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا

وهذه الآثار قد عارضها قوله صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وقد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد وذكرنا منه في كتاب الصلاة من هذا الكتاب ما فيه كفاية والحمد لله كثيرا وأما قوله في حديث مالك في هذا الباب لا يبقين دينان بأرض العرب فروي مسندا من وجوه كثيرة ذكرنا في التمهيد منها حديث بن عباس وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن يحيى بن عمر قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده فتنازعوا عنده فقال لا ينبغي عندي التنازع ذروني وأمرهم بثلاث فقال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم والثالثة إما سكت عنها بن عباس وإما قالها فنسيتها يقوله سعيد بن جبير وقد ذكرنا في التمهيد حديث أبي عبيدة بن الجراح قال آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب وإن شرار الناس ناس يتخذون القبور مساجد مالك عن بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع دينان في جزيرة العرب قال مالك قال بن شهاب ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه الثلج واليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمع دينان في جزيرة العرب فأجلى يهود خيبر

قال مالك وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفدك فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم من الثمر ولا من الأرض شيء وأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر ونصف الأرض لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالحهم على نصف الثمر ونصف الأرض فأقام لهم عمر نصف الثمر ونصف الأرض قيمة من ذهب وورق وإبل وجبال وأقتاب ثم أعطاهم القيمة وأجلاهم منها قال أبو عمر روى حديث بن شهاب هذا معمر عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع بأرض العرب أو قال بأرض الحجاز دينان قال ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى وجد عليه الثبت قال الزهري فكذلك أجلاهم عمر فجعل الحديث معمر لابن شهاب عن سعيد بن المسيب ولم يجعل فيه من كلام بن شهاب إلا قوله فلذلك أجلاهم عمر وروى سعيد بن داود الزبيدي عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب أجلى يهود خيبر فقال له يهودي أتخرجنا وقد أقرنا محمد فقال لهم عمر أتراني نسيت قوله صلى الله عليه وسلم كأني بك قد قلصت بك ناقتك ليلة بعد ليلة فقال اليهودي إنما كان هزلة من أبي القاسم قال عمر كلا والذي نفسي بيده لتخرجن وأما جزيرة العرب فذكر أحمد بن المعذل حدثني يعقوب بن المهدل يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري قال قال المغيرة بن عبد الرحمن جزيرة العرب مكة والمدينة واليمن مدنها وقرياتها وقال مالك بن أنس جزيرة العرب مكة والمدينة واليمامة واليمن وقال الشافعي جزيرة العرب التي أخرج عمر رضي الله عنه اليهود والنصارى منها مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها فأما اليمن فليس من جزيرة العرب قال أحمد بن المعذل وقال معن بن عيسى عن مالك جزيرة العرب منبت العرب

وقد ذكرنا في التمهيد ما ذكره أبو عبيد عن أبي عبيدة وعن الأصمعي في جزيرة العرب وقال الواقدي عن أبي وجزة السعدي في ذلك واختصار ذلك أن الأصمعي قال جزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول وأما في العرض فمن جده وما والاها من ساحل البحر إلى أطرار الشام وقال أبو عبيدة جزيرة العرب ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول وأما في العرض فمن بئر يبرين إلى منقطع السماوة وفي هذا المعنى زيادة في التمهيد في باب إسماعيل بن أبي حكيم وقيل لبلاد العرب جزيرة لإحاطة البحر والأنهار بها من أقصاها إلى البصرة باب جامع ما جاء في أمر المدينة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه قال أبو عمر قد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب تحريم المدينة من هذا الكتاب مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أن أسلم مولى عمر بن الخطاب أخبره أنه زار عبد الله بن عياش المخزومي فرأى عنده نبيذا وهو بطريق مكة فقال له أسلم إن هذا الشراب يحبه عمر بن الخطاب فحمل عبد الله بن عياش قدحا عظيما فجاء به إلى عمر بن الخطاب فوضعه في يديه فقربه عمر إلى فيه ثم رفع رأسه فقال عمر إن هذا لشراب طيب فشرب

منه ثم ناوله رجلا عن يمينه فلما أدبر عبد الله ناداه عمر بن الخطاب فقال أأنت القائل لمكة خير من المدينة فقال عبد الله فقلت هي حرم الله وأمنه وفيها بيته فقال عمر لا أقول في بيت الله ولا في حرمه شيئا ثم قال عمر أأنت القائل لمكة خير من المدينة قال فقلت هي حرم الله وأمنه وفيها بيته فقال عمر لا أقول في حرم الله ولا في بيته شيئا ثم انصرف قال أبو عمر روى هذا الخبر بن بكير ويحيى بن يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم ورواه القعنبي عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم لم يذكر فيه يحيى بن سعيد وقد تابع كل واحد منهما طائفة من رواة الموطأ وأما النبيذ الذي قال فيه عمر إن هذا الشراب طيب فقد مضى في كتاب الأشربة من هذا الديوان ما يفسر الطيب وغير الطيب وكل شراب حلو لا يسكر الكثير منه فهو الطيب وما أسكر فهو الخبيث لا الطيب وأما مناولة عمر من عن يمينه فضلة شرابه فهي السنة وسيأتي ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وأما قول عمر لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أنت القائل لمكة خير من المدينة فقد ظن قوم أن ذلك حجة في تفضيل المدينة على مكة وأن ظاهر قول عمر هذا في تقريره وتوبيخه عبد الله بن عباس بذلك القول دليل على تفضيل عمر المدينة على مكة وهذا عندي ليس كما ظنوا وفي لفظ الحديث ما يدل على غير ما ظنوا من ذلك والله أعلم لأنه لم يقل من ذلك أنت القائل لمكة أفضل من المدينة وإنما قال له أنت القائل لمكة خير من المدينة وخاف منه عمر أن يمدح مكة ويزينها لمن هاجر منها فيدعوه ذلك إليها وخشي عبد الله بن عباس بن عمر في ذلك درته وسطوته ففزع إلى الفضل الذي لا ينكره عمر وجادله عما أراد منه فقال هي حرم الله وأمنه وفيها بيته يعني وليست كذلك المدينة وأقر له عمر أنه لا يقول في حرم الله عز وجل وأمنه ولا في بيته شيئا وأعاد عليه عمر قوله فأعاد عليه عبد الله بن عباس من قوله ما لم ينكره كأنه قال له لم أسألك عن التفضيل ولا الفضائل وسكت لما سمع منه من فضل مكة ما ليس بالمدينة ولم يحتج معه إلى ذلك خيرات المدينة ومعلوم أن خيرات المدينة كانت حينئذ أكثر من رطبها

وتمرها وحرثها ودروب العيش فيها أغزر لاجتماع الناس بها للمتاجر والمكاسب لأن الخير أكثر في البلاد الكبار وحيث الأئمة والسلطان فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا عندي معنى خبر عمر مع عبد الله بن عباس المخزومي والله تعالى أعلم ومن الدليل على أن لفظ خير ليس بمعنى أفضل ما روي أن عقيل بن أبي طالب وكان أحد الفصحاء لما أعطاه معاوية عطاء جزلا قال له من خير لك أنا أو أخوك فقال له أنت خير لي من أخي وأخي خير لنفسه منك ومعلوم أن أخاه علي بن أبي طالب كان عنده أفضل أهل زمانه ولكن معاوية كان خيرا له في دنياه وقد ذكر معاوية لابن عمر فقال كان أسود ممن كان قبله يعني الخلفاء قال وكانوا أفضل منه والدليل أيضا على صحة ما تأولناه على عمر في هذا الخبر ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني وأبو يحيى بن أبي ميسرة المكي بمكة قال حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني قال حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن سليمان بن عتيق قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في ما سواه من المساجد إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما فضله عليه بمائة صلاة وأما مالك رحمه الله فلم يختلف عنه أصحابه في أن المدينة أفضل من مكة ومن سائر البلاد وكان يقول مما خص الله عز وجل به المدينة من الخير أنها محفوفة بالشهداء وعلى أنقابها ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال وهي دار الهجرة والسنة وبها كان ينزل القرآن يعني الفرائض والأحكام وبها أخيار الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم واختارها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته فجعل بها قبره وبها أروضة من رياض الجنة قال أبو عمر في قول عبد الله بن عباس لعمر فيها حرم الله عز وجل وأمنه وفيها بيته ولم يقل هي حرم إبراهيم وترك عمر إنكار ذلك عليه دليل على صحة رواية من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمها الناس

باب ما جاء في الطاعون مالك عن بن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام قال بن عباس فقال عمر بن الخطاب ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام فاختلفوا فقال بعضهم قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه وقال بعضهم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوبإ فقال عمر ارتفعوا عني ثم قال ادع لي الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم فقال ارتفعوا عني ثم قال ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم فلم يختلف عليه منهم اثنان فقالوا نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء فنادى عمر في الناس إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه فقال أبو عبيدة أفرارا من قدر الله فقال عمر أو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله أرأيت لو كان لك إبل فهبطت واديا له عدوتان إحداهما مخصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان غائبا في بعض حاجته فقال إن عندي من هذا علما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا

سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه قال فحمد الله عمر ثم انصرف قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد ما يستدل به من ألفاظ هذا الحديث وما يمكن استنباطه منها ونذكر ها هنا ما في ظاهره الذي سبق وذكر وأما اختلاف المهاجرين والأنصار في القدوم على الوباء فلكل واحد منهم معنى صحيح في أصول السنن المجتمع عليها من الكتاب والسنة وملاك ذلك كله الإيمان بالقدر وأن ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه مع إباحة الأخذ بالحذر والحزم والفرار عن المهلكة الظاهرة وقد أحكمت السنة والحمد لله كثيرا ما قطع وجوه الاختلاف فلا يجوز لأحد أن يقدم على موضع طاعون لم يكن ساكنا فيه ولا يجوز له الفرار عنه إذا كان قد نزل في وطنه وموضع سكناه وقد ذكرنا في التمهيد خبرا عن الزهري قال أصاب الناس الطاعون بالجابية فقال عمرو بن العاص تفرقوا عنه فإنما هو بمنزلة نار فقام معاذ بن جبل فقال لقد كنت فينا وأنت أضل من حمار أهلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هو رحمة لهذه الأمة اللهم فاذكر معاذا في من تذكره في هذه الرحمة قال أبو عمر مات معاذ في طاعون عمواس بالشام سنة ثماني عشرة وروى شعبة عن يزيد بن جبير قال سمعت شرحبيل بن حسنة يحدث أن عمرو بن العاص قال وقد وقع الطاعون بالشام إنه رجس فتفرقوا عنه فقال شرحبيل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنها رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم فلا تفرقوا عنه قال أبو عمر أظن قوله ودعوة نبيكم قوله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون وقد ذكرنا هذا الخبر من حديث عائشة في كتاب الجنائز عند قوله صلى الله عليه وسلم والمطعون شهيد

وقالت عائشة يا رسول الله الطعن قد عرفنا فما الطاعون قال غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط قال أبو عمر وقد تخرج في الأيدي والأصابع وحيث شاء الله من البدن وروينا أن زيادا كتب إلى معاوية إني قد ضبطت العراق بيميني وشمالي فارغة فأخبر بذلك بن عمر فقال مروا العجائز يدعون الله عليه ففعلن فخرج بأصبعه طاعون فمات منه وروي من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف وروينا عن بن مسعود أنه قال الطاعون فتنة على المقيم وعلى الفار أما الفار فيقول فررت فنجوت وأما المقيم فيقول أقمت فمت وإنما فر من لم يجئ أجله وقام فمات من جاء أجله وروينا عن عمر من وجوه قد ذكرناها في التمهيد أنه ندم على انصرافه عن الطاعون لأنه قد كان نزل بالشام ودخلها يومئذ وروى هشام بن سعد عن عروة بن رويم عن قاسم عن عبد الله بن عمرو قال جئت عمر حين قدم من الشام فسمعته يقول اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ يعني حين رجع من أجل الوبإ قال عروة بن رويم وبلغنا أنه كتب إلى عامله بالشام إذا سمعت بالطاعون قد وقع عندكم فاكتب إلي أخرج إليه وقال خليفة بن خياط وفي سنة سبع عشرة خرج عمر بن الخطاب إلى الشام واستخلف على المدينة زيد بن ثابت وانصرف من سرغ وبها الطاعون وقال ضمرة عن بن شوذب عن أبي التياح يزيد بن حميد الضبعي قال قلت لمطرف بن الشخير ما تقول رحمك الله في الفرار من الطاعون قال هو القدر تخافونه وليس منه بد وقد ذكرنا أخبار هذا الباب كلها بالأسانيد في التمهيد وأخبارا غيرها في معناها والحمد لله كثيرا منها حديث سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله عز

وجل ألم تر إلى الذين خرجوا من ديرهم وهم ألوف حذر الموت البقرة قالوا كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون فماتوا فدعا الله نبي من الأنبياء أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم الله عز وجل وقال عمرو بن دينار في هذه الآية وقع الطاعون في قريتهم فخرج أناس وبقي أناس فمن خرج أكثر ممن بقي فنجا الذين خرجوا وهلك الذين أقاموا فلما كانت الثانية خرجوا بأجمعهم إلا قليلا فأماتهم الله ودوابهم ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم وقد توالدت ذريتهم وقال المدائني إنه قل ما فر أحد من الطاعون فسلم من الموت قال وهرب عمرو بن عبيد ورباط بن محمد بن رباط من الطاعون فقال إبراهيم بن علي القعنبي ولما استفز الموت كل مكذب صبرت ولم يصبر رباط ولا عمرو وقد أحسن أبو العتاهية في قوله كل يوافي به القضاء إلى الموت ويوفيه رزقه كملا كل فقد أمهله أمل يلهي ولكن خلفه الأجلا يا بؤس للغافل المطيع عن أي عظيم من أمره غفلا مالك عن محمد بن المنكدر وعن سالم بن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون فقال أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه قال مالك قال أبو النضر لا يخرجكم إلا فرار منه هكذا هذا الحديث في الموطأ عند أكثر الرواة مذكور فيه أبو النضر مع بن المنكدر وما خالف فيه أبو النصر من اللفظ

ورواه القعنبي وطائفة عن مالك عن محمد بن المنكدر عن عامر بن سعد أن أسامة بن زيد أخبره لم يذكر سعدا ولا ذكر أبا النضر في الإسناد ولا لفظه في الحديث وقد ذكرنا الاختلاف في إسناده في التمهيد ومن جعل الحديث لسعد عن أسامة ومن جعله لسعد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جعله لأسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم فأما من جعل الحديث لسعد عن أسامة فقد وهم واللن أعلم وقد روي لسعد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأسامة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعه عامر بن سعد عن أبيه ومن أسامة جميعا والأكثر الأغلب أنه لعامر بن سعد عن أسامة وهو الأصح إن شاء الله عز وجل وقد رواه إبراهيم بن سعد أيضا عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد أوضحنا ذلك كله في التمهيد وأما رواية أبي النضر لا يخرجكم إلا فرار منه فقد جعله جماعة من أهل العلم غلطا وإحالة للمعنى وقال جماعة من أهل العلم بالنحو وتصاريفه إن دخول إلا في هذا الموضع إنما هو لإيجاب بعض ما نفى بالجملة فكأنه قال تخرجوا منها يعني البلدة التي وقع الطاعون بها إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا والنصب ها هنا بمعنى الحال لا بمعنى الاستثناء والله عز وجل أعلم أي إذا كان خروجكم فرارا من الطاعون فلا تخرجوا منها وفي ذلك إباحة الخروج من موضع الطاعون إذا لم يكن الخروج قصدا إلى الفرار من الطاعون وقد روى بن وهب عن مالك عن أبي النضر حديثه فقال فيه كما قال في حديث بن المنكدر لا غير وقد ذكرنا من طرق هذا الحديث في التمهيد ما يشفي في لفظه وإسناده وما أعلم أحدا جاء بهذا اللفظ إلا أبا النضر على اختلاف فيه عنه مذكور كل ذلك في التمهيد والحمد لله كثيرا مالك عن أبن شهاب عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام فلما جاء سرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام فأخبره عبد

الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه فرجع عمر بن الخطاب من سرغ فهذا الحديث قد اقتضى معناه الحديث الذي قبله ولم يبق للقول فيه مدخل مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب إنما رجع بالناس من سرغ عن حديث عبد الرحمن بن عوف قال أبو عمر هذا الحديث بين أن رجوع عمر بن الخطاب من سرغ لم يكن من قول مشيخة الفتح وإنما كان لما حدثه به عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو الحق الذي يليق بعمر ونظرائه وما كان عمر مع الاختلاف ليؤثر رأيا على رأي بلا حجة وما كان لينقاد إلى غير السنة وإنما كانت مشورته لهم والله عز وجل أعلم ليجد عندهم علما من النبي صلى الله عليه وسلم فكثرا ما كان يفعل ذلك في كل ما كان ينزل به ومعروف عنه ومشهور عنه تفضيل أهل السوابق في الرأي وفي العطاء وفي المنزلة من مجلسه والقرب منه وكان لا يقيم لمشيخة الفتح وزنا إلا في العمالة والإمارة ومعاني الدنيا ويقول ما كنت لأدنس أهل بدر بالولاية وهذا كله يدل على صحة قول سالم أنه لم ينصرف عن الطاعون من سرغ إلا لحديث عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بغير ذلك والله تعالى أعلم مالك أنه قال بلغني أن عمر بن الخطاب قال لبيت بركبة أحب إلي من عشرة أبيات بالشام قال أبو عمر قال مالك يريد لطول الإعمار والبقاء ولشدة الوباء بالشام وهذا الكلام في الموطأ عند بعض رواته ومعناه عندي أن الشام كثيرة الأمراض والوباء والأسقام وأن ركبة أرض مصحة طيبة الهواء قليلة الأمراض والوباء لأن الأمراض تنقص من العمر أو تزيد في البقاء أو تؤخر الأجل وقال بن وضاح ركبة موضع بين الطائف ومكة في طريق العراق وقال غيره ركبة واد من أودية الطائف

وقد روي عن عمر أنه قال لأن أعمل عشر خطايا بركبة أحب إلي من أن أعمل واحدة بمكة وهذا يدل على فضل مكة وعلى أن الحسنات تضاعف فيها السيئات وقد رأى بعض العلماء الزيادة في دية الأنفس والجراح في البلد الحرام والشهر الحرام ورأوا أن لا يقتص ممن جنى جناية أو أصاب حدا ولحق بالحرم حتى يخرج من الحرام وأجمعوا أن من قتل في الحرم وكذلك من أتى حدا أقيم عليه في الحرم وقال الله عز وجل ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم الحج قيل الحرم وقيل المسجد الحرام

كتاب القدر باب النهي عن القول بالقدر مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تحاج آدم وموسى فحج آدم موسى قال له موسى أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة فقال له آدم أنت موسى الذي أعطاه الله علم كل شيء واصطفاه على الناس برسالته قال نعم قال أفتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق قال أبو عمر إلى هنا انتهى حديث مالك ورواه بن عيينة عن أبي الزناد بإسناده وزاد فيه قبل أن أخلق بأربعين سنة وكذلك قال طاوس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة من طرق شتى منها حديث محمد بن عمرو ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ورواه بن شهاب فاختلف عليه فيه فمن أصحابه من جعل فيه عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة ومنهم من رواه عنه عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ومنهم من يرويه عنه عن سعيد بن المسيب ورواه معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة وكلهم رفعوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي من حديث عمر بن الخطاب وهو حسن صحيح الألفاظ والسياقة

ورواه بن وهب قال أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى عليه السلام قال يا رب أرني أبانا آدم الذي أخرجنا من الجنة فأراه الله آدم فقال له أنت آدم قال نعم قال أنت الذي نفخ الله فيك من روحه وعلمك الأسماء كلها وأمر ملائكته فسجدوا لك قال نعم قال فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة قال له آدم من أنت قال أنا موسى قال أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه قال نعم قال فما وجدت في كتاب الله الذي أنزل عليك أن ذلك في كتاب الله قبل أن أخلق قال نعم قال أفتلومني في شيء سبق من الله فيه القضاء قبل قال عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى قال أبو عمر هذا الحديث عند جماعة أهل العلم بالحديث صحيح من جهة الإسناد وكلهم يرويه ويقر بصحته ويحتج به أهل الحديث والفقه وهم أهل السنة في إثبات قدم علم الله عز وجل ذكره وسواء منهم من قال خبر الواحد يوجب دون العلم ومن قال العمل والعلم كلهم يحتج به فيما ذكرنا لأنه خبر جاء مجيئا متواترا فاشيا وأما أهل البدع فينكرونه ويدفعونه ويعترضون فيه بدروب من القول كرهت ذكر ذلك لأن كتابنا هذا كتاب سنة واتباع لا كتاب جدال وابتداع وفي هذا الحديث دليل على أن الله عز وجل قد سبق في علمه ما يكون وأنه في كتاب مسطور جرى القلم فيه بما يكون إلى آخر الأبد وأن العباد لا يعملون إلا فيما قد علمه الله عز وجل وقضى به وقدره وقد روينا أن سلمان الفارسي سئل عن الإيمان بالقدر فقال إذا علم الرجل من قبل نفسه أن ما أصابه لن يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فذلك الإيمان بالقدر فروى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن يعلى بن مرة أن أصحاب علي رضي الله عنه قالوا إن هذا الرجل في حرب وإلى جنب عدو وإنا لا نأمن أن يغتال فليحرسه منا كل ليلة عشرة وكان علي إذا صلى العشاء لصق بقبلة المسجد فيصلي ما شاء الله عز وجل أن يصلي ثم ينصرف إلى أهله فصلى ذات ليلة ثم انصرف فرآهم فقال ما أجلسكم هنا هذه الساعة فقالوا أجلسنا نتحدث فقال لتخبرني فأخبروه فقال أمن أهل الأرض تحرسوني أم من أهل

السماء فقالوا نحن أهون على الله عز وجل من أن نحرسك من أهل السماء ولكن نحرسك من أهل الأرض قال فلا تفعلوا فإنه إذا قضي الأمر من السماء علمه أهل الأرض وإن العبد لا يجد طعم الإيمان حتى يوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وروينا أن الناس لما خاضوا في القدر بالبصرة اجتمع مسلم بن يسار ورفيع أبو العالية فقال أحدهما لصاحبه تعال ننظر في ما خاض الناس فيه من هذا الأمر فقعدا ونظرا فاتفق رأيهما أنه يكفي المؤمن من هذا الأمر أن يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له وأنه مجزي بعمله وروينا عن روح بن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين قال ما ينكر هؤلاء أن يكون الله عز وجل علم علما فجعله كتابا أخبرنا خلف بن قاسم قال أخبرنا الحسن بن رشيق قال حدثني محمد بن يحيى الفارسي قال سمعت الربيع بن سليمان يقول انحدر علينا الشافعي يوما من درجته وقوم يتجادلون في القدر فقال لهم إما أن تقوموا عنا وإما أن تجاورونا بخير ثم قال لأن يلقى الله عز وجل العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من هذه الأهواء قال وسمعت الربيع يقول قال الشافعي قال الله عز وجل في كتابه العزيز وما تشاءون إلا أن يشاء الله الإنسان فأعلم الله عز وجل خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن لا مشيئة لهم إلا أن يشاء الله عز وجل قال الربيع قال لي الشافعي لا تصل خلف القدري وإني أكره الصلاة خلفه وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني سليمان بن أبي شيخ قال حدثني عيينة بن المنهال قال قال بلال بن أبي بردة لمحمد بن واسع ما تقول في القضاء والقدر قال أيها الأمير إن الله تبارك وتعالى لا يسأل عباده يوم القيامة عن قضائه وقدره وإنما يسألهم عن أعمالهم وروينا أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الحسن البصري إن الله لا يطالب خلقه بما قضى عليهم ولكن يطالبهم بما نهاهم عنه وأمرهم به فطالب نفسك من حيث يطالبك ربك وأما قوله في الحديث عن آدم عليه السلام أفتلومني على أمر قد قدر علي فهو خصوص لآدم عليه السلام لأن ذلك إنما كان منه ومن موسى عليهما

السلام بعد أن ثبت على آدم وبعد أن تلقى من ربه كلمات فتاب عليه من ذنبه في أكل الشجرة وقد أجمع العلماء على أنه غير جائز لأحد أن يجعله حجة إذا أتى ما نهاه الله عنه وحرمه عليه أن يحتج بمثل هذا فيقول أتلومني على أن قتلت وقد سبق في علم الله أن أقتل وتلومني في أن أسرق أو أزني أو أظلم أو أجور وقد سبق ذلك علي في علم الله تعالى وقدره وهذا ما لا يسوغ لأحد أن يجعله حجة لنفسه والأمة مجتمعة على أنه جائز لوم من أتى ما يلام عليه من معاصي ربه وذمه على ذلك كما أنهم مجمعون على حمد من أطاع ربه وأتى من الأمور المحمودة ما يحمد عليه وقد روى بن وهب عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال إنما كان ذلك من آدم لموسى بعد أن تيب على آدم قال أبو عمر التقاء آدم وموسى يمكن أن يكون كما قال بن وهب يمكن أن يريه الله إياه وهو حي ويمكن أن يكونا التقت أرواحهما وعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يعلم به خبر السماء في غير ذلك وهذا ومثله مما لا يطاق فيه التكييف وإنما فيه التصديق والتسليم وبالله التوفيق مالك عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غفلين الأعراف فقال عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية وقال خلفت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى

يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار قال أبو عمر لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث وهو حديث منقطع لأن مسلم بن يسار هذا لم يلق عمر بن الخطب بينهما نعيم بن ربيعة هذا إن صح لأن الذي رواه عن زيد بن أنيسة فذكر فيه نعيم بن ربيعة ليس هو أحفظ من مالك ولا ممن يحتج به إذا خالفه مالك ومع ذلك فإن نعيم بن ربيعة ومسلم بن يسار جميعا مجهولان غير معروفين بحمل العلم ونقل الحديث وليس هو مسلم بن يسار البصري العابد وإنما هو رجل مدني مجهول حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال قرأت على يحيى بن معين حديث مالك هذا عن زيد بن أبي أنيسة فكتب بيده على مسلم بن يسار لا يعرف قال أبو عمر هذا الحديث وإن كان عليل الإسناد فإن معناه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة من حديث عمر بن الخطاب وغيره وممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه في القدر علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وبن عباس وبن عمر وأبو هريرة وسعيد الخدري وأبو سريحة الغفاري وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاصي وذو اللحية الكلابي وعمران بن حصين وعائشة وأنس بن مالك وسراقة بن جعشم وأبو موسى الأشعري وعبادة بن الصامت وقد ذكرنا ما استحسنا من طرق أحاديثهم في التمهيد ومن أحسنها حديث علي رواه منصور والأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وفي يده عود ينكت به فرفع رأسه وقال ما منكم من نفس منفوسة إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار فقالوا يا رسول الله فلم نعمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له وقرأ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى الليل وقد ذكرنا هذا الحديث ببعض أسانيده في التمهيد

ومثله حديث عمران بن حصين حدثني أحمد بن فتح وعبد الرحمن بن يحيى قالا أخبرنا حمزة بن محمد قال حدثني سليمان بن الحسن البصري بالبصرة قال حدثني عبيد الله بن معاذ قال حدثني أبي قال حدثني سليمان بن حيان قال حدثني عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين قال قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أهل الجنة من أهل النار قال نعم قال فما يعمل العاملون قال كل ميسر لما خلق له قال حمزة هذا حديث صحيح رواه جماعة من حديث يزيد الرشك منهم بن شعبة الحجاج وحماد بن زيد وعبد الوارث بن سعيد وحدثني إبراهيم بن شاكر قال حدثني عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثني سعيد بن خمير وسعيد بن عثمان قالا حدثني أحمد بن عبد الله بن صالح قال أخبرنا عثمان بن عمر قال أخبرنا عزرة بن ثابت عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدئلي قال قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى عليهم أو فيما يستقبلوك مما أتاهم به نبيهم واتخذت عليهم به الحجة قلت لا بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم وقال فهل يكون شيء من ذلك ظلما قال ففزعت من ذلك فزعا شديدا وقلت إنه ليس شيء إلا خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون فقال سددك الله إني والله ما سألتك إلا لأحرز عقلك إن رجلا من مزينة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون أشيء قضي عليهم ومضى عليهم أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم واتخذت عليهم به الحجة قال لا بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم قال فلم نعمل إذن فقال من خلقه الله لواحدة من المنزلتين فهو يستعمل لها وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها الشمس قال أبو عمر قال الله تعالى فالتقى الماء على أمر قد قدر القمر وقال وكان أمر الله قدرا مقدورا الأحزاب

وقال العلماء والحكماء قديما القدر سر الله فلا تنظروا فيه فلو شاء الله ألا يعصى ما عصاه أحد فالعباد أدق شأنا وأحقر من أن يعصوا الله إلا بما يريد وقد روي عن الحسن أنه قال لو شاء الله أن لا يعصى ما خلق إبليس وقال مطرف بن الشخير لو كان الخير في يد أحد ما استطاع أن يجعله في قلبه حتى يكون الله عز وجل هو الذي يجعله فيه قال وجدت بن آدم ملقى بين يدى الله والشيطان فإن اختاره الله إليه نجا وإن خلا بينه وبين الشيطان ذهب به ولقد أحسن القائل حيث قال ليس لله العظيم ند وهذه الأقدار لا ترد لهن وقت ولهن حد مؤخر بعض وبعض نقد وليس من هذا وهذا بد وليس محتوما لحي خلد وفي الحديث المرفوع إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا سلك في قلبه اليقين والتصديق وإذا أراد الله عز وجل بعبده شرا سلك في قلبه الريبة والتكذيب وقال الله عز وجل كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به الحجر وقال الله عز وجل فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا ويهدى من يشاء النحل وقال الله عز وجل إن هي الا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء الأعراف وقال الفضل الرقاشي لإياس بن معاوية يا أبا وائلة ما تقول في هذا الكلام الذي أكثر الناس فيه يعني القدر قال إن أقررت بالعلم خصمت وإن أنكرت كفرت وقال الأوزاعي رحمه الله هلك عبادنا وخيارنا في هذا الرأي يعني القدر وسمع بن عباس رجلين يختصمان في القدر فقال ما منكما إلا زائغ وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال أول ما تكلم به القدرية أن جاء رجل فقال كان من قدر الله عز وجل أن شررة طارت فأحرقت الكعبة فقال آخر ليس من قدر الله أن يحرق الكعبة

قال أبو عمر قد أكثر أهل الحديث من تخريج الآثار في هذا الباب وأكثر المتكلمون فيه من الكلام والجدال وأما أهل السنة فمجتمعون على الإيمان بالقدر على ما جاء في هذه الآثار ومثله من ذلك وعلى اعتقاد معانيها وترك المجادلة فيها حدثني محمد بن زكريا قال حدثني أحمد بن سعيد قال حدثني أحمد بن خالد قال مروان بن عبد الملك قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان عن محمد بن جحادة عن قتادة عن أبي السوار العدوي عن حسن بن علي قال رفع الكتاب وجف القلم وأمور تقضى في كتاب قد خلا قال وحدثني مروان بن عبد الملك قال حدثني أبو حاتم قال حدثني الأصمعي قال حدثني المعتمر بن سليمان عن أبيه قال أما والله لو كشف الغطاء لعلمت القدرية أن الله ليس بظلام للعبيد وروى حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد قال كان الحسن إذا قرأ هذه الآية هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهتكم النجم قال علم الله عز وجل كل نفس ما هي عاملة وإلى ما هي صائرة وروى أبو حاتم السجستاني عن الأصمعي قال سألت أعرابيا عن القدر فقال ذلك علم اختصمت فيه الظنون وتغالب فيه المختلفون والواجب علينا أن نرد ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق فيه من علمه قال أبو عمر أحسن ما رأيت رجزا في معنى القدر قول ذي النون إبراهيم الإخميني قدر ما شاء كيف شاء ولم يطلع على علم غيبه بشرا ويرى من العباد منفردا محتجبا في السماء ليس يرى ثم جرى بالذي قضى قلم أجراه في اللوح ربنا فجرى لا خير في كثرة الجدال ولا في من تعدى فأنكر القدر من يهده الله لن يضل ومن يضلل فلن يهتدي وقد خسرا دعوته للعباد شاملة وخص بالخير منهم نفرا قال أبو عمر قد اختلف العلماء في معنى قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الذريات وروي عن بن عباس إلا ليعبدوني قال ليقروا بالعبودية طوعا وكرها

وقال مجاهد وبن جريج إلا ليعرفوني وقال الضحاك بن مزاحم هي آية عظيمة عامة في المنطق خاصة في المؤمنين وقال الشافعي هي خاصة يعني أنه خلق الأنبياء والمؤمنين لعبادته قال والدليل على خصوصها قوله وما تشاءون إلا أن يشاء الله الإنسان فلن يكون بخلقه مشيئة إلا أن يشاء الله ومن أحسن ما قيل من النظم في قدم العمل وأن ما يكون من خلق الله فقد سبق العلم به وجف القلم به وأنه لا يكون في ملكه إلا ما يشاء لا شاء غيره قول الشافعي رضي الله عنه رويناه من طرق عن المزني وعن الربيع عنه أنه قال في أبيات له فما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت وإن لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت وفي العلم يجري الفتى والمسن على ذا مننت وهذا خذلت وهذا أعنت وذا لم تعن فمنهم شقي ومنهم سعيد ومنهم قبيح ومنهم حسن ومنهم فقير ومنهم غني وكل بأعماله مرتهن قال أبو عمر كل ما في هذه الأبيات معتقد أهل السنة ومذهبهم في القدر لا يختلفون فيه وهو أصل ما يبنون في ذلك عليه مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه قال أبو عمر هذا قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا من حديث أبي هريرة وحديث عمرو بن عوف المزني وقد ذكرنا ذلك في التمهيد حدثني عبد الرحمن بن مروان قال حدثني أحمد بن سليمان قال حدثني عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثني داود بن عمرو الضبي قال حدثني صالح بن موسى الطلحي قال حدثني عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد خلفت فيكم اثنتين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي قال أبو عمر الهدي كل الهدي في اتباع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي

المبنية لمراد كتاب الله إذا أشكل ظاهره أبانت السنة عن باطنه وعن مراد الله منه والجدال في ما تعتقده الأفئدة من الضلال مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني أنه قال أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون كل شيء بقدر قال طاوس وسمعت عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز هكذا روى يحيى هذا الحديث على الشك في تقديم إحدى اللفظتين وتابعه بن بكير وأبو مصعب ورواه بن وهب والقعنبي فلم يزيدا على قول طاوس أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون كل شيء بقدر ولم يذكرا حديث بن عمر المرفوع وأكثر رواة الموطأ يروونه كما روى يحيى وهو حديث غريب من حديث طاوس عن بن عمر لا أعلمه روي من غير هذا الوجه وهو صحيح قال الله عز وجل إنا كل شيء خلقه بقدر القمر وقال تعالى وما تشاءون إلا أن يشاء الله الإنسان فليس لأحد مشيئة تنفذ إلا أن يتقدمها مشيئة الله تعالى وإنما تجري العباد فيما سبق من علم الله عز وجل والقدر سر الله لا يدرك بجدال ولا يشفي منه مقال والحجاج مرتجة مغلقة لا يفتح شيء منها إلا بكسر شيء وقد تواترت الآثار عن السلف الصالح بالنهي عن الجدال فيه والاستسلام له والإيمان به أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال أخبرنا أحمد بن سعيد قال حدثني بن الأعرابي قال حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثني الحسن بن علي الحلواني قال أملى علي علي بن المديني قال سألت عبد الرحمن بن مهدي عن القدر فقال لي كل شيء بقدر والطاعة والمعصية بقدر وقد أعظم الفرية من قال إن المعاصي ليست بقدر قال علي قال لي عبد الرحمن بن مهدي العلم والقدر والكتاب سواء ثم عرضت كلام عبد الرحمن بن مهدي على يحيى بن سعيد القطان فقال لم يبق بعد هذا قليل ولا كثير

وقد روي من غير ما وجه عن بن مسعود أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا مالك عن زياد بن سعيد عن عمرو بن دينار أنه قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول في خطبته إن الله هو الهادي والفاتن قال أبو عمر هذا مأخوذ من قول الله تعالى يضل من يشاء ويهدى من يشاء الرعد وقوله عز وجل حاكيا عن نبيه نوح عليه السلام ولا ينفعكم نصحى إن أردت لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هود وقال تبارك اسمه ولو شاء لهدكم أجمعين الأنعام ولا يكون في ملك الله إلا ما يريد وما ربك بظلام للعبيد روينا عن عبد العزيز بن أبي رواد قال سمعت عطاء بن أبي رباح يقول كنت عند بن عباس فأتاه رجل فقال أرأيت من حرمني الهدى وأورثني الضلالة والردى أتراه احسن إلي أو ظلمني فقال بن عباس إن كان الهدى شيئا لك عنده فمنعكه فقد ظلمك وإن كان الهدى هدى الله يؤتيه من يشاء فما ظلمك شيئا ولا تجالسني بعده وقد روينا أن غيلان القدري وقف بربيعة فقال له يا أبا عثمان أرأيت الذي منعني الهدى ومنحني الردى أأحسن إلى أم أساء فقال له ربيعة إن كان منعك شيئا هو لك فقد ظلمك وإن كان فضله يؤتيه من يشاء فما ظلمك شيئا فهذا أخذه ربيعة من كلام بن عباس وقال غيلان لربيعة أنت الذي تزعم أن الله يحب أن يعصى قال وأنت تزعم أن الله يعصى قسرا مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك أنه قال كنت أسير مع عمر بن عبد العزيز فقال ما رأيك في هؤلاء القدرية فقلت رأيي أن تستتيبهم فإن تابوا وإلا عرضتهم على السيف فقال عمر بن عبد العزيز وذلك رأي قال مالك وذلك رأيي قال أبو عمر هو مذهب عمر بن عبد العزيز وقد زعم قوم أنه قتل غيلانا

القدري وصلبه وهذا جهل بعلم أيام الناس وإنما الصحيح أن عمر لما ناظره دعا عليه وقال ما أظنك تموت إلا مصلوبا فقتله هشام لعنه الله وصلبه لأنه خرج مع زيد بن علي بن حسين بن علي ومذهب مالك وأصحابه أن القدرية يستتابون قيل لمالك كيف يستتابون قال يقال لهم اتركوا ما أنتم ما أنتم عليه وانزعوا عنه وقال مالك لا يصلى عليهم ولا يسلم على أهل القدر ولا على أهل الأهواء كلهم ولا يصلى خلفهم ولا تقبل شهادتهم قال أبو عمر أما قوله لا يصلى خلفهم فإن الإمامة يتخير لها أهل الكمال في الدين من أهل التلاوة والفقه هذا في الإمام الراتب وأما قوله لا يصلى عليهم فإنه يريد لا يصلى عليهم أئمة الدين وأهل العلم لأن ذلك زجر لهم وخزي لهم لابتداعهم رجاء أن ينتهوا عن مذهبهم وكذلك ترك ابتداء السلام عليهم وأما أن تترك الصلاة عليهم جملة إذا ماتوا فلا بل السنة المجتمع عليها أن يصلى على كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله مبتدعا كان أو مرتكبا للكبائر ولا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار أئمة الفتوى يقول في ذلك بقول مالك وقد ذكرنا أقاويل العلماء في قبول شهادتهم في كتاب الشهادات وأن مالكا شذ عنهم في ذلك إلا أن أحمد بن حنبل قال ما تعجبني شهادة الجهمية ولا الرافضة ولا القدرية قال إسحاق وكذلك كل صاحب بدعة قال أبو عمر اتفق بن أبي ليلى وبن شبرمة وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري والحسن بن حي وعثمان التبي وداود والطبري وسائر من تكلم في الفقه إلا مالكا وطائفة من أصحابه على قبول شهادة أهل البدع القدرية وغيرهم إذا كانوا عدولا ولا يستحلون الزور ولا يشهد بعضهم على تصديق بعض في خبره ويمينه كما تصنع الخطابية قال الشافعي وشهادة من يرى إنفاذ الوعيد في دخول النار على الذنب إن لم يتب منه أولى بالقبول من شهادة من يستخف بالذنوب قال أبو عمر كل من يجيز شهادتهم لا يرى استتابتهم ولا عرضهم على السيف والله أعلم

باب جامع ما جاء في أهل القدر ليس في هذا الباب حديث في القدر إلا وقد مضى الكلام في معناه والحمد لله مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها وفي هذا الحديث دليل على كراهية اشتراط المرأة على زوجها أن يعقد لها على نفسه أن كل من ينكحها عليه طالق وأما سؤالها طلاق من جمعها معها عصبة رجل واحد فنص لا دليل وفيه إثبات القدر والإقرار بعدم العلم بقوله صلى الله عليه وسلم فإنما لها ما قدر لها وهذا نحو قوله تعالى قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولنا التوبة وذكر الصحفة في هذا الحديث كناية عن خير الزوج لتنفرد به وحدها مالك عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال قال معاوية بن أبي سفيان وهو على المنبر أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع الله ولا ينفع ذا الجد منه الجد من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ثم قال معاوية سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد قال أبو عمر هذا حديث صحيح وإن كان ظاهره من رواية مالك في الموطأ الانقطاع فقد روي عن مالك من سماع محمد بن كعب القرظي له من معاوية وروي من غير طريق مالك أيضا وقد ذكرنا من محمد بن كعب وطرفا من فضائله من طرق في التمهيد وظاهر حديث مالك هذا أن معاوية سمع الحديث كله من النبي صلى الله عليه وسلم

وروى أهل العراق من الطرق الصحاح أن معاوية كتب إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إلي بشيء حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يسلم من الصلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد إلى هنا انتهى حديث المغيرة بن شعبة وقد ذكرنا كثيرا من طرقه في التمهيد وليس في شيء منها من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فدل ذلك أن معاوية لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلا قوله من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فهذه الكلمات هي التي سمعها معاوية من النبي صلى الله عليه وسلم على أعواد منبره لا ما قبل هذه الكلمات من حديثه في هذا الباب والله أعلم وأما قوله ولا ينفع ذا الجد منه الجد فالرواية عندنا في الموطأ الجد بفتح الجيم وهو الأغلب عند أهل الحديث وهو الذي فسر أبو عبيد وغيره فإنه الحظ وهو الذي تسميه العامة البخت قال أبو عبيد معناه لا ينفع ذا الغنى عندك غناه وإنما ينفعه العمل بطاعتك واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم قمت على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء وإذا أصحاب الجد محبوسون يعني أصحاب الغنى وقد روي هذا الحديث بكسر الجيم وقد كان عبد الملك بن حبيب يقول لا يجوز فيه إلا الكسر وهو الاجتهاد قال والمعنى فيه أنه لا ينفع أحدا في طلب الرزق اجتهاده وإنما له ما قسم الله له منه وليس الرزق على قدر الاجتهاد ولكن الله يعطي من يشاء ويمنع لا إله إلا هو الحليم الكريم قال أبو عمر هذا أيضا وجه حسن محتمل غير مرفوع والله أعلم بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ذلك مالك أنه بلغه أنه كان يقال الحمد لله الذي خلق كل شيء كما

ينبغي الذي لا يعجل شيء أناه وقدره حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله مرمى هكذا رواية يحيى وطائفة من رواة الموطأ يعجل شيء أناه وقدره كأنه يقول الحمد لله الذي قضى بأن لا يتقدم شيء وقته وحينه الذي قدر فيه أو قدر له وآناء الشيء وقته وحينه بدليل قول الله عز وجل غير نظرين إنه الأحزاب أي وقته وحينه ورواه القعنبي الذي لا يعجل بشيء أناه وقدره وروته طائفة معه هكذا والمعنى فيه أن الله لا يعجل ما قضى بتأخيره ولا يؤخر ما قضي بتعجيله وكل على ما سبق في علمه والأناء والأناة في اللغة التأخير قال الشاعر وأنيت العشاء إلى سهيل أو الشعرى فطال بنا الأناء المعنى أنه لا يجري كل شيء إلا على ما قد سبق في علمه لا يتقدم شيء ولا يتأخر عن وقته الذي سبق القضاء به وقد اختلف العلماء في قول الله عز وجل يمحوا الله ما يشاء ويثبت الرعد اختلافا كثيرا ليس هذا موضع ذكره للخروج بذلك عما قصدنا له حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن مسعر عن علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد عن عبد الله بن مسعود قال قالت أم حبيبة اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم سألت الله عز وجل لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة ولو سألت الله أن

يعيذك من عذاب القبر أو عذاب النار كان خيرا لك أخبرنا عبد الوارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثني علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ البغدادي قال حدثني أبو عمر سهل بن موسى قال قال حدثني أحمد بن عبدة قال حدثني أبو توبة نعيم بن مورع بن توبة العنبري قال أخبرني محمد بن سلمة المخزومي عن أبيه عن جده عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عبد الرحمن ألا أعلمك عوذة كان إبراهيم يعوذ بها بنيه إسماعيل وإسحاق وأنا أعوذ بها الحسن والحسين قال قلت بلى يا رسول الله قال كفى بسمع الله داعيا لمن دعاه لا مرمى وراء الله لرام فرمى مالك أنه بلغه أنه كان يقال إن أحدا لن يموت حتى يستكمل رزقه فأجملوا في الطلب هذا حديث مسند معروف عند أهل العلم فمن طرقه ما حدثني قاسم بن محمد قال حدثني خالد بن سعد قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني عبيد بن عبد الرحمن بدمياط قال حدثني أبي قال حدثني عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحدكم لن يموت حتى يستوفي رزقه فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم وقد ذكرناه من وجوه في التمهيد بألفاظ مختلفة ومعنى واحد وأخذه أبو العتاهية رحمه الله فقال أقلب طرفي مرة بعد مرة لأعلم ما في الناس والقلب ينقلب فلم أر عزا كالقنوع لأهله وأن يجمل الإنسان ما عاش في الطلب

كتاب حسن الخلق باب ما جاء في حسن الخلق مالك أن معاذ بن جبل قال آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الغرز أن قال أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل هكذا رواية يحيى عن مالك أن معاذ بن جبل ورواه غير مالك أنه بلغه أن معاذ بن جبل وروته طائفة من رواة الموطأ عن مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل وقد ذكرنا في التمهيد من روى كل رواية منها ولا يؤخذ هذا الحديث بهذا اللفظ مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما المحفوظ أن رسول الله لما بعث معاذا إلى اليمن قال له يا معاذ اتق الله وخالق الناس بخلق حسن وقد روي عن معاذ أنه قال آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال لا يزال لسانك رطبا بذكر الله عز وجل وفي حديث آخر عن معاذ بن جبل أن آخر ما فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله أي شيء أنجا لابن آدم من عذاب الله قال أن يموت ولسانه رطب من ذكر الله عز وجل

وقد ذكرنا هذه الأحاديث كلها بأسانيدها في التمهيد مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي أنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها قال أبو عمر دين الله يسر والحنيفية سمحة وقال الله عز وجل يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر البقرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة وأما أخلاقه صلى الله عليه وسلم فلا يحصى الحسن منها كثرة ولو أفرد لها كتاب لقصر عنها ويكفي من ذلك قول الله عز وجل وإنك لعلى خلق عظيم القلم وقوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجهلين الأعراف وهذا الحديث قد رواه الفضيل بن عياض عن منصور عن الزهري بألفاظ أتم من ألفاظ مالك رحمه الله حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني الفضيل بن عياش عن منصور بن المعتمر عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله شيء فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك غضبا وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال

حدثني مسدد قال حدثني يزيد بن زريع قال حدثني معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في في سبيل الله ولا ضرب خادما ولا امرأة قط ولا خير في أمرين إلا كان أيسرهما أحب إليه ما لم يكن الإثم فإذا كان إثما كان أبعدهم منه وما انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن ينتهك من حرمات الله فيكون ينتقم لله وهذا الحديث يدل ويندب الأمراء وسائر الحكام والعلماء إلا أنه ينبغي لكل واحد منهم أن يتجافى عن الانتقام لنفسه تأسيا بنبيه صلى الله عليه وسلم ولا ينسى الفضل والأخذ به في العفو عن من ظلمه وقد أجمع العلماء على أن القاضي لا يقضي لنفسه وأجمع الجمهور من الفقهاء أن القاضي لا يقضي لمن لا تجوز له شهادته من بنيه وآبائه وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الأخذ برخصة الله أولى لذوي العلم والحجا من الأخذ بالشدة فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن ينتهى عن محارمه وتجتنب عزائمه وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثني سعيد بن أحمد بن عبد ربه وأحمد بن مطرف قالا حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثني يونس بن عبد الأعلى قال حدثني سفيان بن عيينة عن معمر قال إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة وأما التشديد فيحسنه كل أحد مالك عن بن شهاب عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه هكذا رواه يحيى بن شهاب في الموطأ عن علي بن حسين وتابعه زياد بن سعد وقد ذكرنا في التمهيد رواية من روى هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن علي بن حسين عن أبيه

وهو أيضا مع ذلك مرسل وذكرنا اختلاف أصحاب بن شهاب فيه عن بن شهاب وأحسن ذلك رواية الأوزاعي عن قرة بن حيوئيل عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد وقوله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه من كلام النبوة وحكمتها وهو جامع لمعان جمة من الخير وفي صحف إبراهيم عليه السلام من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وقيل للقمان الحكيم ألست عبد بني الحسحاس قال بلى قالوا فما بلغ بك ما نرى قال صدق الحديث وأداء الأمانة وتركي ما لا يعنيني وروى بن وهب قال حدثني سحبل بن محمد الأسلمي قال سمعت محمد بن عجلان إنما الكلام أربعة أن تذكر الله أو تقرأ القرآن أو تسل عن علم فتخبر به أو تتكلم في ما يعنيك من أمر دنياك مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة وأنا معه في البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس بن العشيرة ثم أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة فلم أنشب أن سمعت ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم معه فلما خرج الرجل قلت يارسول الله قلت فيه ما قلت ثم لم تنشب أن ضحكت معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره قال أبو عمر هذا الحديث عند طائفة من رواة الموطأ عن مالك عن يحيى بن سعيد أن بلغه عن عائشة ورواه جماعة كما رواه يحيى وقد روي عن عائشة من وجوه صحاح كلها مسندة منها حديث مجاهد عن

عائشة وحديث عبد الله بن دينار عن عروة عن عائشة وحديث بن المنكدر عن عروة عن عائشة وأحسنها عندي حديث بن المنكدر عن عروة عن عائشة حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو بكر عبد الله بن محمد بن الخصيب القاضي قال حدثني جعفر بن محمد الفريابي قال حدثني علي بن عبد الله المديني قال حدثني سفيان بن عيينة قال سمعت محمد بن المنكدر يقول حدثني عروة بن الزبير أنه سمع عائشة تقول استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له فبئس بن العشيرة أو بئس أخو العشيرة فلما دخل ألان له القول فلما خرج قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له القول فقال يا عائشة إن من شر الناس منزلة عند الله عز وجل يوم القيامة من ودعه الناس اتقاء فحشه قال بن المنكدر لا أدري أقال تركه الناس أو قال ودعه الناس قال سفيان فعجبت من حفظ بن المنكدر قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد أيضا حديث علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شرار الناس عند الله الذين يكرمون اتقاء شرهم وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شرار الناس الذين يتقون بغير سلطان بأسانيدهما وأخبرنا أحمد بن قاسم ويعيش بن سعيد ومحمد بن حكم قالوا حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدثني القعنبي عبد الله بن مسلمة قال حدثني عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير الناس من يرجى خيره ويؤمن شره وشر الناس من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار أنه قال إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء

قال أبو عمر يعني بعد موته والله أعلم حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن شاذان قال حدثني معاوية بن عمرو قال حدثني زائدة قال حدثني حميدة عن أنس قال مر بجنازة فقيل لها خير فتتابعت الألسن بالخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت قال ومر بجنازة فقيل لها شر وتتابعت الألسن بالشر فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت أنتم شهداء الله في الأرض وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن محمد قال حدثني أبو معمر قال حدثني عبد الوارث قال حدثني عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فذكر معنى ما تقدم وزاد من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار قال أبو عمر كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم لا يثنون على أحد إلا بالصدق ولا يمدحون إلا بالحق لا لشيء من أعراض الدنيا شهوة أو عصبية أو تقية ومن كان ثناؤه هكذا يصح فيه هذا الحديث وما كان مثله والله أعلم مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال بلغني أن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل الظامى ء بالهواجر وهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني أبو النضر قال حدثني الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله عن أبي أسامة عن عمرو مولى المطلب عن المطلب أن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار

حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني جعفر بن محمد الصائغ قال حدثني عفان قال حدثني حماد بن سلمة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أكملكم إيمانا أحسانكم أخلاقا إذا فقهوا حدثني خلف بن القاسم قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال حدثني عمرو بن عثمان الحمصي قال حدثني اليمان بن عدي عن زهير عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليدرك بحسن الخلق درجة الساهر بالليل الظامئ بالهواجر وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو مولى المطلب عن المطلب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم وذكرت في التمهيد في باب يحيى بن سعيد أحاديث في هذا المعنى حسانا كلها في حسن الخلق أيضا حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أثقل شيء في الميزان خلق حسن وقد ذكرته أيضا في التمهيد مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة قالوا بلى قال إصلاح ذات البين وإياكم والبغضة فإنها هي الحالقة وهذا الحديث قد روي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق حسان قد ذكرتها في التمهيد منها ما حدثنا سلمة بن سعيد قال حدثني علي بن عمر قال حدثني محمد بن القاسم قال حدثني أبو كريب قال حدثني حسين بن علي الجعفي عن بن

عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصيام والصدقة إصلاح ذات البين وإياكم والبغضة فإنها الحالقة قال أبو الدرداء أما إني لا أقول حالقة الشعر ولكنها حالقة الدين مالك أنه قد بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثت لأتمم حسن الأخلاق وهذا حديث مسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثناه سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري قال حدثني عبد العزيز بن محمد عن بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق وقد ذكرته في التمهيد من حديث معاذ بن جبل وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر كذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في الحياء مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء هكذا قال يحيى في هذا الحديث زيد بن طلحة وقال القعنبي وبن القاسم وبن بكير يزيد بن طلحة وهو الصواب وكذلك رواه وكيع وغيره عن مالك قالوا فيه يزيد إلا أن وكيعا قال في هذا الحديث يزيد بن طلحة عن أبيه وأنكره بن معين وغيره عليه لأنه ليس في الموطأ عن أبيه

وقد روي عن وكيع أيضا كما في الموطأ وقد ذكرنا شواهد ما قلناه في التمهيد وهو يزيد بن طلحة بن ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف قرشي مطلبي وهذا الحديث مسند من وجوه قد ذكرتها في التمهيد منها ما حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو بكر محمد بن الحسن بن صالح السبيعي الحلبي بدمشق قال حدثنا أبو عمر عبد الله بن محمد بن يحيى الأودي قال حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني عن معن بن الوليد عن ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء من لا حياء له لا دين له وبإسناده عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زينوا الإسلام بخصلتين قلنا وما هما قال الحياء والسماحة في الله لا في غيره مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الأيمان هكذا هذا الحديث عند جماعة رواة مالك في الموطأ وغيره لم يزيدوا شيئا في لفظه ولا اختلفوا في إسناده وأخطأ في إسناده جويرية عن مالك بما قد ذكرناه في كتاب التمهيد وكذلك رواه بن عيينة وغيره عن بن شهاب كما في الموطأ وقد زاد فيه عبد العزيز بن أبي سلمة وغيره ألفاظا حسانا حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا علي بن فارس بن شجاع البغدادي أبو العباس بمصر قال حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح قال حدثنا بشر بن الوليد الكندي قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن الزهري عن سالم

عن بن عمر قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يعاتب أخاه في الحياء يقول إنك تستحي حتى إنه قد أضر بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الإيمان ومعنى هذا الحديث والله أعلم أن الحياء لما كان يمنع من كثير من الفحش والفواحش ويحمل على كثير من أعمال البر والخير صار كالأيمان مضارعا لأنه يساويه في بعض معانيه لأن الأيمان شأنه منع صاحبه من كل ما حرم عليه إذا صاحبه التوفيق فهو مقيد بالإيمان يردعه عن الكذب والفجور والآثام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن والفتك القتل بعد الأمان والغدر بعد التأمين فلما كان الحياء والإيمان سببين إلى فعل الخير جعل الحياء شعبة من الأيمان لأنه يمنع مثل الإيمان من ارتكاب ما لا يحل وما يعد من الفحش والفواحش وإن كان الحياء غريزة والإيمان فعل المؤمن الموفق له وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان رواه عبد الله بن دينار وسهيل بن أبي صالح جميعا عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا طرق أسانيدها في التمهيد وللإيمان أصول وفروع فمن أصوله الإقرار باللسان مع اعتقاد القلب بما نطق به اللسان من الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن كل ما جاء به عن ربه حق من البعث بعد الموت والإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله وكل ما أحكمه الله في كتابه ونقلته الكافة عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الفرائض بعد هذا فكل عمل صالح فهو من فروع الإيمان فبر الوالدين من الإيمان وأداء الأمانة من الإيمان وحسن العهد من الإيمان وحسن الجوار من الإيمان وتوقير الكبير من الأيمان ورحمة الصغير حتى إطعام الطعام وإفشاء السلام من الإيمان

فهذه الفروع من ترك شيئا منها لم يكن ناقص الإيمان بتركها كما يكون ناقص الإيمان بارتكاب الكبائر وترك عمل الفرائض وإن كان مقرى بها وتلخيص هذا يطول ولا سبيل إلى إيراده في هذا الموضع وقد ذكرنا من ذلك في التمهيد ما فيه شفاء والحمد لله كثيرا وهذا كله يدل على أن الإيمان قول وعمل كما قال جمهور أهل العلم بالفقه والحديث وقد ذكرنا لهم ولسائر فرق الإسلام من التنازع في معنى الإيمان والإسلام أيضا وما نزعت به كل فرقة في ما ذهبت إليه من ذلك وفي باب بن شهاب عن سالم من كتاب التمهيد وذكرنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الآثار المرفوعة في معنى الإيمان عن السلف أيضا ما وصل إلينا من ذلك في الباب المذكور في التمهيد والحمد لله حدثني أحمد بن فتح قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن خالد قال حدثني عبيد الكشوري بصنعاء قال حدثني سلمة بن شبيب قال أحمد بن خالد وحدثنا عيسى بن محمد الكشوري قال حدثني محمد بن يزيد قالا سمعنا عبد الرزاق يقول سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا سفيان الثوري ومعمر بن راشد ومالك بن أنس وبن جريج وسفيان بن عيينة وعبيد الله بن عمر والأوزاعي يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقلنا لعبد الرزاق فما تقول أنت قال أقول كما قالوا وإن لم أقل ذلك فقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين قال عبد الرزاق وكان معمر ومالك وبن جريج وسفيان الثوري يكرهون أن يقولوا أنا مستكمل الإيمان على إيمان جبريل وميكائيل وقد ذكرنا في التمهيد حديث مبارك بن حسان قال قلت لعطاء بن أبي رباح إن في المسجد عمر بن ذر ومسلم التحات وسالم الأفطس يقولون من زنى وسرق وشرب الخمر وقذف المحصنات وأكل الربا وعمل المعاصي أنه مؤمن كإيمان البر التقي الذي لم يعص الله فقال عطاء أبلغهم ما حدثني أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل القاتل حين يقتل وهو مؤمن ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن

قال فذكرت ذلك لسالم الأفطس وأصحابه فقالوا وأين حديث أبي الدرداء وإن زنى وإن سرق فذكرت ذلك لعطاء فقال كان هذا ثم نزلت الأحكام والحدود بعد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إيمان لمن لا أمانة له وقال لا يفتك مؤمن قال أبو عمر حديث أبي الدرداء حديث حسن روي عنه من وجوه منها ما قرأته على أبي عثمان سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني الحسن بن موسى الأشيب قال حدثني حماد بن سلمة عن الجريري عن محمد بن سعد بن مالك أن أبا الدرداء كان إذا قرأ هذه الآية ولمن خاف مقام ربه جنتان الرحمن قال وإن زنى وإن سرق وقال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قال قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قال قلت وإن زنى وإن سرق قال نعم وإن رغم أنف أبي الدرداء قال حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب قال سأل هشام بن عبد الملك الزهري قال حدثني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإن زنى وإن سرق فقال الزهري أين يذهب بك يا أمير المؤمنين كان هذا قبل الأمر والنهي قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد حديث أبي بكرة وحديث أبي هريرة عن

النبي صلى الله عليه وسلم الحياء من الإيمان كحديث بن عمر وقد ذكرنا حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحياء خير كله وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني أحمد بن زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي ببيت المقدس قال حدثني محمد بن حماد الطهراني قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان الحياء في شيء قط إلا زانه ولا كان الفحش في شيء قط إلا شانه وأخبرنا أحمد بن محمد قال أخبرنا أحمد بن الفضل قال حدثني الحسن بن علي العدوي قال حدثني خراش قال حدثني أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما ينزع الله من العبد الحياء فيصير ممقوتا ثم ينزع الله منه الأمانة فيصير خائنا مخونا ثم ينزع منه الرحمة فيصير فظا غليظا ويخلع ربقة الإسلام من عنقه فيصير شيطانا لعينا قال أبو عمر هذا إسناد ضعيف وخراش هذا مجهول والحديث بهذا اللفظ لا يعرف إلا من هذا الوجه والقطعة التي بهذا الإسناد كلها لا يشتغل أهل العلم بها منكرة عندهم موضعة والله أعلم وقد روي هذا الحديث من قول سلمان الفارسي من رواية زاذان عنه قال إذا أراد الله بعبد شرا أو هلكة نزع منه الحياء فلم تلقه إلا مقيتا ممقتا وإذا كان كذلك نزعت منه الرحمة فلم تلقه إلا فظا غليظا فإذا كان كذلك نزعت منه الأمانة فلم تلقه إلا خائنا مخونا فإذا كان كذلك نزعت ربقة الإسلام من عنقه فكان لعينا ملعونا باب ما جاء في الغضب مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن

رجلا أتى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تغضب هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته ومن رواه عن مالك عن بن شهاب عن حميد عن أبي هريرة أو عن حميد عن أبيه فقد أخطأ وقد ذكرنا من روى ذلك في التمهيد ورواه بن عيينة عن بن شهاب عن حميد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي هذا الحديث من غير رواية بن شهاب مسندا من حديث أبي هريرة ومن حديث بن عم الأحنف بن قيس ومن حديث أبي سعيد الخدري وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناها في التمهيد ومعنى هذا الحديث عندي والله أعلم أنه أراد علمني ما ينفعني بكلمات قليلة لئلا أنسى إن أكثرت علي فأجابه بلفظ يسير جامع ولو أراد علمني كلمات من الذكر ما أجابه بمثل ذلك الجواب وإنما أراد علمني بكلمات قليلة ما يكون نافعا لي وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني محمد بن زكريا المقدسي ببيت المقدس قال حدثني مضر بن محمد قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني أبو إسماعيل المؤدب عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله أوصني بعمل أعمله قال لا تغضب وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون بن سعيد قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ما يبعدني من غضب الله قال لا تغضب

وروينا عن محمد بن جحادة قال كان الشعبي من أولع الناس بهذا البيت ليس الأحلام في حين الرضا إنما الأحلام في حال الغضب وقال غيره لا يعرف الحلم إلا ساعة الغضب وقال أبو العتاهية أقلب طرفي مرة بعد مرة لأعلم ما في الناس والقلب ينقلب فلم أر كنزا كالقنوع لأهله وأن يجمل الإنسان ما عاش في الطلب ولم أر فضلا صح إلا على التقى ولم أر عقلا تم إلا على أدب ولم أر في الأعداء حين خبرتهم عدوا يفعل أعدى من الغضب وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عفان قال حدثني خالد قال حدثني ضرار بن مرة أبو سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل قال لما رأى يحيى أن عيسى مفارقه قال له أوصني قال لا تغضب قال لا أستطيع قال لا تقتني مالا قال عسى مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب وقد ذكرنا في التمهيد الاختلاف على مالك وعلى بن شهاب في إسناد هذا الحديث وأوضحنا أن الصحيح فيه ما في الموطأ وفيه دليل على أن مجاهدة النفس في صرفها عن هواها أشد محاولة وأصعب مراما وأفضل من مجاهدة العدو والله أعلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل للذي يملك نفسه عند الغضب من القوة والشدة ما ليس للذي يغلب الناس ويصرعهم وقوله عليه السلام يريد الذي يصرع الناسع ويكثر ذلك منه كما يقال للرجل الكثير النوم نومة وللكثير الحفظ حفظة وقيل للذي يكثر الضحك ضحكة وللذي يضحك الناس منه ضحكة بالتخفيف

باب ما جاء في المهاجرة مالك عن بن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام قال أبو عمر يروى في هذا الحديث يهجر ويهاجر والمهاجرة تكون منهما والنهي مقصود به إليهما والأعراض أن يميل عنه بوجهه ويصغر خده ويوليه دبره قال الشاعر إذا أبصرتني أعرضت عني كأن الشمس من قبلي تدور وفي الحديث رخصة في هجر المسلم لأخيه ما دون الثلاث كأنه والله أعلم ترك للقائه حتى تزول عنه ثورة غضبه أو نحو هذا والفضل في ذلك للمبتدأ بالسلام وقد ذكرنا في التمهيد حديثا مسندا من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أولى الناس بالله عز وجل من بدأهم بالسلام وهذا يحتمل من المهاجرين ومن غيرهم وذكرنا هناك أيضا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد فقد باء بالإثم زاد أحمد وخرج المسلم من الهجرة مالك عن بن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال قال مالك لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك كذا قال يحيى يهاجر وسائر الرواة يقولون يهجر قال أبو عمر قوله لا تباغضوا نهي معناه الندب إلى رياضة النفس على التحاب لأن المحبة والبغضة لا يكاد المرء يغلب فيهما نفسه لقول الله تعالى لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم الأنفال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وقد تقدم حديث أبي الدرداء أن البغضة خالقة للدين لأنها تبعث على الغيبة وستر المحاسن وإظهار المساوئ وربما آلت إلى أكثر من ذلك ولا معصوم إلا من عصمه الله تعالى وأما قوله فلا تحاسدوا فليس على ظاهره وإنما معناه لا يحسد أحدكم أخاه على نعمة أتاه الله وليسأل الله من فضله وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسد في الخير فقال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به ليله ورجل آتاه الله علما أو قال حكمة فهو يقضي بها ويعلمها هكذا حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل والنهار وقد ذكرنا الحديثين بأسانيدهما في التمهيد وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال

إذا حسدتم فلا تبغوا وإذا ظننتم فلا تحققوا وإذا تطيرتم فامضوا وعلى الله فتوكلوا ويقال إن الحسد لا يكاد يسلم منه أحد فمن لم يحمله حسده على البغي لم يضره حسده وروينا عن الحسن البصري أنه قال ليس أحد من ولد آدم إلا وقد خلق معه الحسد فمن لم يجاوزه إلى الظلم والبغي لم يتبعه منه شيء وقد أشبعنا هذا المعنى بالآثار عن السلف في ذم الحسد وفضل من لم يحسد الناس في باب الزهري عن أنس في التمهيد وأما قوله ولا تدابروا فقد مضى تفسيره لمالك وغيره في هذا الباب وأما قوله ولا يحل لمسلم أن يهجر أو يهاجر أخاه فهو عندي مخصوص أيضا بحديث كعب بن مالك إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهجروه ويقطعوا الكلام عنه والسلام عليه لما أحدثه في تخلفه عن غزوة تبوك وهو قادر على الغزو وقد جعل بعض أهل العلم حديث كعب هذا أصلا في هجران أهل البدع ومن أحدث في الدين ما لم يرض والذي عندي أن من خشي من مجالسته ومكالمته الضرر في الدين أو في الدنيا والزيادة في العداوة والبغضاء فهجرانه والبعد عنه خير من قربه لأنه يحفظ عليك زلاتك ويماريك في صوابك ولا تسلم من سوء عاقبة خلطته ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية وذكر بن وهب عن مالك أنه قال إذا أسلم عليه فقد قطع الهجرة وقال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل إذا سلم عليه هل يجزئه من ذلك سلامه قال ينظر إلى ما كان عليه قبل المصارمة فلا يخرجه من الهجران إلا بالعودة إلى ما كان عليه ولا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار قال أبو عمر قد روي عن مالك أيضا هذا المعنى والآثار المرفوعة تشهد لما رواه بن وهب وقد تقدمت مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا قال أبو عمر روى عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث لا يسلم منهن أحد الطيرة والظن والحسد قيل وما المخرج منهن يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ وروينا عن سفيان الثوري أنه قال الظن ظنان ظن فيه إثم وظن ليس فيه إثم فالظن الذي فيه الإثم ما يتكلم به والظن الذي لا إثم فيه ما لم يتكلم وروى أشهب عن نافع بن عمر عن بن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب قال لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءا وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرا وأما قوله ولا تجسسوا ولا تحسسوا فقيل معنى التجسس ومعنى التحسس سواء أو قريب من السواء وروى بن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل ولا تجسسوا الحجرات قال خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله عز وجل وروى هشيم عن مجاهد عن الشعبي قال فقد عمر بن الخطاب رجلا في الصلاة فانطلق هو وعبد الرحمن بن عوف فنظرا إليه وامرأته تناوله قدحا فيه شيء فقال عمر هذا الذي حبسه عنا فقال له عبد الرحمن وما يدريك ما في القدح قال عمر أتخاف أن يكون هذا من التجسس قال عبد الرحمن بل هو التجسس قال فما التوبة من هذا قال أن لا يكون في قلبك عليه من هذا المجلس شيء أبدا وروى الأعمش عن زيد بن وهب قال أتي بن مسعود فقيل له هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبد الله إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذه به وروينا من حديث معاوية أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم

وقال أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية فنفعه الله بها ومن حديث المقدام بن معدي كرب وحديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الأمير إذا ابتغي الريبة في الناس أفسدهم وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد مالك عن عطاء بن أبي مسلم عبد الله الخرساني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء قال أبو عمر في المصافحة أحاديث حسان ذكرنا كثيرا منها في التمهيد منها ما حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني أبو طالب محمد بن زكريا المقدسي قال حدثني جعفر بن محمد بن حماد قال حدثني آدم بن أبي إياس قال حدثني سليمان بن حيان قال حدثني الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا وروينا عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا إذا التقوا تصافحوا وقال الأسود وعلقمة من تمام التحية المصافحة وسئل الحسن البصري عن المصافحة فقال تزيد في المودة وروى بن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة وكان سحنون يروي هذه الرواية ويذهب إليها وقد روي عن مالك خلاف ذلك من جواز المصافحة وهو الذي عليه معنى الموطأ وعلى جواز المصافحة جماعة العلماء من السلف والخلف ما أعلم بينهم في ذلك خلافا إلا ما وصفت لك ولا يصح عن مالك إلا كراهة الالتزام والمعانقة فإنه لم يعرف ذلك من عمل الناس عندهم وأما المصافحة فلا وأما الغل فهو العداوة والحقد وأما قوله عليه السلام تهادوا تحابوا فقد روي مسندا حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال

حدثني محمد بن بكر الحضرمي قال حدثني ضمام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا ورواه يحيى بن معين عن أبي بكر عن ضمام بإسناده مثله وقد ذكرنا في التمهيد آثارا في هذا المعنى كثيرة جدا وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة كان يهدي إلى أصحابه وغيرهم وكان يقبل الهدية ويثيب عليها وقال صلى الله عليه وسلم لو أهدي إلي كراع لقبلت ولو دعيت إلى ذراع لأجبت فالهدية بما وصفنا سنة إلا أنها غير واجبة لأن العلة فيها استجلاب المودة وسل سخيمة الصدر ووجده وحقده وغلة لتعود العداوة محبة والبغضة مودة وهذا مما تكاد الفطرة تشهد به لأن النفوس جبلت عليه مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا أنظروا هذين حتى يصطلحا مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه قال تعرض أعمال الناس كل جمعة مرتين يوم الأثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يفيئا أو اركوا هذين حتى يفيئا

قال أبو عمر حديث سهيل مسند صحيح حسن وفيه فضل كبير ليوم الاثنين والخميس لما يفتح الله فيهما من الرحمة لعباده والمغفرة لذنوبهم وقد ذكرنا في كتاب الصيام ما جاء في أبواب الجنة وعدتها وذكرنا في كتاب الصلاة الآثار الدالة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنا مخلوقة بعد وفي قول الله عز وجل إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء وإجماع علماء المسلمين على أنه محكم لا يجوز النسخ عليه على ما يغني عن الاستدلال بأخبار الآحاد في معناه وفيه تعظيم ذنب المهاجرة والعداوة والشحناء لأهل الإيمان وهم الذين يأمنهم الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم المصدقون بوعد الله ووعيده المجتنبون لكبائر الإثم والفواحش والعبد المسلم من وصفنا حاله ومن سلم المسلمون من لسانه ويده فهؤلاء لا يحل لأحد أن يهجرهم ولا أن يبغضهم بل محبتهم دين وموالاتهم زيادة في الإيمان واليقين وفي هذا الحديث دليل على أن الذنوب بين العباد إذا تساقطوها وغفرها بعضهم لبعض أو خرج بعضهم لبعض عما لزمه منها سقطت المطالبة من الله عز وجل بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حتى يصطلحا فإذا اصطلحا غفر لهما وأما حديث مسلم بن أبي مريم وهو موقوف عند جمهور رواة الموطأ وقد رواه بن وهب عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا وهو الصحيح لأنه لا يقال مثله بالرأي ولا يدرك بالقياس وقد ذكرنا الطرق عن بن وهب بما وصفنا في التمهيد والقول في معناه كالقول في حديث سهيل وأما قوله فيه أو اركوا هذين حتى يفيئا فقيل اركوا معناه اتركوا وقيل معناه أخروا هذين يقال وخر وأنظر هذا وأرج هذا وأرك هذا كل ذلك بمعنى واحد

وأما قوله حتى يفيئا فمعناه حتى يرجعا إلى ما عليه أهل المؤاخاة والمصافاة من الأخلاء والأولياء على ما كانا عليه من قبل أن يتهاجرا والفيء الرجوع والمراجعة قال الله عز وجل فقتلوا التى تبغى حتى تفيء إلى أمر الله الحجرات وقال في الذين يألون من نسائهم فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم البقرة أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من وطء أزواجهم وحنثوا أنفسهم في أيمانهم

كتاب اللباس باب ما جاء في لبس الثياب للجمال بها مالك عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار قال جابر فبينا أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هلم إلى الظل قال فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إلى غرارة لنا فالتمست فيها شيئا فوجدت فيها جرو قثاء فكسرته ثم قربته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أين لكم هذا قال فقلت خرجنا به يا رسول الله من المدينة قال جابر وعندنا صاحب لنا نجهزه يذهب يرعى ظهرنا قال فجهزته ثم أدبر يذهب في الظهر وعليه بردان له قد خلقا قال فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال أما له ثوبان غير هذين فقلت بلى يا رسول الله له ثوبان في العيبة كسوته إياهما قال فادعه فمره فليلبسهما قال فدعوته فلبسهما ثم ولى يذهب قال فقال رسو الله ما له ضرب الله عنقه أليس هذا خيرا له قال فسمعه الرجل فقال يا رسول الله في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله قال الرجل قال فقتل في سبيل الله قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد الشواهد على سماع زيد بن أسلم من جابر وذكرنا ما في هذا الحديث من معاني الآداب منها أن من السنة التجمل بالثياب لمن قدر عليها

حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال حدثني محمد بن العباس الحلبي قال حدثني علي بن عبد الحميد الغضائري قال حدثني سفيان بن وكيع قال حدثني أبي عن أشعث عن بكر المزني عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني مسلم قال حدثني شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قشف الهيئة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك مال قال نعم قال من أي المال قال من كل المال من الخيل والإبل والرقيق قال فإذا أتاك الله مالا فلير عليك مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب قال أبو عمر القارئ ها هنا العابد الزاهد المتقشف والقراء عندهم العباد والعلماء ولهذا كان يقال للخوارج قبل خروجهم القراء لما كانوا فيه من العبادة والاجتهاد ومن ذلك أيضا قولهم من لم يتفيأ لم يحسن يتقرأ أي يتعبد ويزهد في الدنيا فقول عمر رضي الله عنه في هذا الحديث يدل على أن الزهد في الدنيا والعبادة ليس بلباس الخشن الوسخ من الثياب فإن الله تعالى جميل يحب الجمال وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني يحيى بن حماد قال حدثني شعبة قال حدثني أبان بن تغلب عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان فقال رجل يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال الكبر من بطر الحق وغمط الناس

حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أحمد بن الحسن بن إسحاق ويحيى بن الربيع بن محمد وحدثني وهب بن محمد بن محمود وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أبو الزنباع روح بن الفرج القطان قال حدثني سعيد بن كثير بن عفير وعبد العزيز بن يحيى المدني قالا حدثني مالك بن أنس عن بن شهاب عن إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصاري عن ثابت بن قيس بن شماس أنه قال يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال فيم قال إن الله ينهانا أن نحب أن نحمد بما لم نفعل وأجدني أحب الحمد ونهانا الله عز وجل عن الخيلاء وأنا امرؤ أحب الجمال ونهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا امرؤ جهر الصوت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا ثابت بن قيس أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة زاد في حديث عبد العزيز قال مالك فقتل يوم اليمامة وروينا أن عمر بن الخطاب رأى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبا غسيلا فقال له أجديد ثوبك هذا أم غسيل فقال له غسيل يا رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبس جديدا وعش حميدا وتموت شهيدا ويعطك الله قرة عين في الدنيا والآخرة مالك عن أيوب بن أبي تميمة عن بن سيرين قال قال عمر بن الخطاب إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم جمع رجل عليه ثيابه قال أبو عمر هذا الخبر عن عمر إنما جاء في الصلاة رواه معمر عن أيوب عن بن سيرين قال قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أيصلي الرجل في الثوب الواحد قال أو كلكم يجد ثوبين حتى إذا كان في زمن عمر قام إليه رجل فقال أأصلي في ثوب واحد فقال عمر إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم جمع رجل عليه ثيابه فصلى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء في سراويل وقميص قال وأحسبه قال في تبان ورداء في تبان وقميص في تبان وقباء

ورواه سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن بن سيرين أن عمر بن الخطاب قال إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم قال حدثنا أحمد بن دحيم قال حدثني عبد الله بن سعيد قال حدثني أحمد بن إبراهيم قالا حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني أبو عبيد الله قال حدثنا سفيان فذكره وروى معمر عن أيوب عن نافع قال رآني بن عمر أصلي في ثوب واحد فقال ألم أكسك ثوبين فقلت بلى قال أرأيت لو أرسلتك إلى فلان أكنت ذاهبا في هذا الثوب فقلت لا فقال الله حق من تزين له أو قال من تزينت له قال الخليل بن أحمد التبان شبه السراويل صغير تذكره العرب قال أبو عمر قول عمر رضي الله عنه إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم وأن مخرجه على أحد الثياب في الصلاة فإنه كلام جامع في الإنفاق وفي التجمل أيضا في الصلاة وغيرها وروينا عن الحسن البصري من وجوه قال اختلف أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود في الصلاة في الثوب الواحد فقال أبي لا بأس به قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثوب الواحد فالصلاة في الثوب الواحد جائزة وقال بن مسعود إنما كان ذلك إذ كان الناس لا يجدون الثياب فأما إذا وجدوها فالصلاة في ثوبين فقام عمر على المنبر فقال القول ما قال أبي ولم يأل بن مسعود قال أبو عمر قد أوضحنا هذا المعنى في كتاب الصلاة والحمد لله كثيرا وأما قوله جمع امرؤ عليه ثيابه فهذا اللفظ الخبر والمراد به الأمر كأنه قال وسعوا على أنفسكم إذا وسع الله عليكم وأجمعوا عليكم ثيابكم في الصلاة والعيدين والجمعة ونحو ذلك من المحافل ومجتمع الناس ومثل هذا قول الخطيب الواعظ فاتقى عبد ربه ونصح لنفسه أي فليتق عبد ربه ولينصح لنفسه والله أعلم

باب ما جاء في لبس الثياب المصبغة والذهب مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق والمصبوغ بالزعفران وسمعت مالكا يقول وأنا أكره أن يلبس الغلمان شيئا من الذهب لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تختم الذهب قال مالك فأنا أكرهه للرجال الكبير منهم والصغير قال مالك في الملاحف المعصفرة في البيوت للرجال وفي الأفنية قال لا أعلم من ذلك شيئا حراما وغير ذلك من اللباس أحب إلي قال أبو عمر أما لبس الثياب المصبوغة بالمعصفر والمصبوغة بالزعفران فقد اختلف السلف في لباسها للرجال فكره ذلك قوم ولم ير آخرون بذلك بأسا وممن كان يلبس المعصفر ولا يرى به بأسا عبد الله بن عمر والبراء بن عازب وطلحة بن عبيد الله وأبو جعفر محمد بن علي وإبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وأبو وائل شقيق بن سلمة وزر بن حبيش وعلي بن حسين ونافع بن جبير بن مطعم وذلك كله في كتاب أبي بكر بن أبي شيبة بالأسانيد عنه وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يزيد بن هارون عن هشام عن محمد بن سيرين قال كان المعصفر لباس العرب ولا أعلم شيئا هدمه في الإسلام وكان لا يرى به بأسا قال وحدثني أبو أسامة عن بن عون عن محمد بن سيرين أنه كان لا يرى بأسا بلباس الرجل الثوب المصبوغ بالعصفر والزعفران وهذا كله قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم في لباس المعصفر حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني شريك عن أبي إسحاق

عن البراء قال ما رأيت أجمل من رسول الله صلى الله عليه وسلم مترجلا في حلة حمراء وكره بعض العراقيين لباس الزعفران للرجال لحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يتزعفر الرجل وأما الذين كرهوا المعصفر للرجال فمنهم الحسن البصري وعطاء وطاوس ومجاهد والزهري وروي ذلك عن بن عباس مرفوعا وموقوفا وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منها ما حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني موسى بن معاوية وحدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير الحضرمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال رآنى النبي صلى الله عليه وسلم وعلي ثوب معصفر فقال ألقها فإنها ثياب الكفار وبه عن وكيع عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن حنين قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول نهاكم عن لبس المعصفرة وحدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو خالد الأحمر عن حجاج عن أبي بكر بن حفص عن أبي حنين عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تلبسوا ثوبا أحمر متوردا وبه عن أبي بكر قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني محمد بن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية إذأخر

فالتفت إلي وعلي ريطة مضرجة بالعصفر فقال ما هذا فعرفت ما كره فأتيت أهلي وهم يسجرون تنورهم فقذفتها فيه ثم أتيته من الغد فقال يا عبد الله ما فعلت الريطة فأخبرته فقال ألا كسوتها بعض أهلك فإنه لا بأس بذلك للنساء وبه عن أبي بكر قال حدثني علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل عن بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المفدم قال يزيد قلت للحسن ما المفدم قال المشبع بالعصفر قال أبو عمر هو الحسن بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف أبو عبد الحميد بن سهل وبه عن أبي بكر قال حدثني محمد بن عبد الله الأسدي عن عبيد الله بن عبد الرحمن قال حدثني عمي عن أبي هريرة عن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعصفر وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن أيوب عن تميم الخزاعي قال حدثتنا عجوز لنا قالت كنت أرى بن عمر إذا رأى على رجل ثوبا معصفرا ضربه وقال ذروا هذه البراقات للنساء وبه عن أبي بكر قال حدثني وكيع عن فضيل عن نافع أن بن عمر رأى على بن له معصفرا فنهاه وبه عن أبي بكر قال حدثني بن علية عن ليث عن عطاء عن بن طاوس ومجاهد أنهم كانوا يكرهون التضريج فما فوقه للرجال وبه عن أبي بكر قال حدثني عبد الأعلى عن معمر عن الزهري أنه كان يكره المعصفرة للرجال قال أبو عمر اختلف في لباس المعصفر عن بن عمر وأكثر أهل المدينة يرخصون فيه كما قال مالك ولم يكرهه عمر بن الخطاب ولا أنكره على طلحة بن عبيد الله إلا في الإحرام والله أعلم

وما أظن عامة المسلمين من الرجال تركوا لباس المعصفر إلا على الأصل الذي ذكرنا من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم وأما التختم بالذهب فلا أعلم أحدا من أئمة الفتوى أجاز ذلك للرجال وكلهم يكرهونه لذكور الصبيان لأن الآباء متعبدون فيهم والأصل في ذلك نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تختم الرجال رواه مالك عن نافع عن إبراهيم عن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لبس القسي والمعصفر وعن تختم الذهب وعن قراءة القرآن في الركوع وقد ذكرنا في التمهيد الاختلاف على نافع وعلى إبراهيم بن عبد الله بن حنين في إسناد هذا الحديث وذكرنا طرقه عن علي من غير هذا الإسناد وذكرنا الاختلاف في لفظه عن رواته عن علي رضي الله عنه فإن بعض رواته يقول فيه عن علي نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول نهاكم وكل ذلك مذكور في التمهيد وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن التختم بالذهب من وجوه غير حديث علي رضي الله عنه منها حديث عائشة رضي الله عنها وحديث البراء حدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني علي بن مسهر عن الشيباني عن أشعث بن أبي الشعثاء عن معاوية بن سويد عن البراء قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحرير والذهب هذان حرام على ذكور أمتي حلال لإناثهم وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد

فإن قيل إن السلف قد اختلفوا في التختم في الذهب وليس في اتفاق فقهاء الأمصار حجة مع الاختلاف عن من قبلهم قيل الحجة في ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى الرجال عن لباس الحرير والذهب ومعلوم أن التختم من اللباس وقد جاء عنه نص النهي عن التختم بالذهب وأجمعوا أنه للنساء مباح فلم يبق إلا الرجال ولما كان على الآباء فرضا منع أبنائهم مما حرم الله عليهم من أكل الخنزير والخمر والدم فكذلك سائر المحرمات وسائر المكروهات وممن روي عنه كراهة التختم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وبن عباس وعائشة وأم سلمة كرهتاه للرجال وسعيد بن جبير وإبراهيم ومحمد بن علي بن حسين والحسن وبن سيرين وروينا الرخصة في التختم بالفضة للرجل عن البراء بن عازب وهو عندي مرفوع عنه بما روينا في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن التختم بالذهب وحذيفة بن اليمان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وجابر بن سمرة وعبد الله بن يزيد الخطمي وأبي أسيد وأنس بن مالك وإبراهيم التيمي كل هؤلاء روي عنهم في كتاب بن أبي شيبة أنهم كانوا يختتمون بالذهب وفي الأسانيد عنهم ضعف والحجة في السنة لا في ما خالفها وبالله التوفيق حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن إدريس عن يزيد بن أبي زياد عن أبي سعيد عن أبي الكنود قال أصبت عظيما من عظمائهم يوم مهران فأصبت عليه خاتم ذهب فلبسته قرآه علي بن مسعود فتناوله فوضعه بين ضرسين من أضراسه فكسره ثم رمى به إلي ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن خاتم الذهب وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني علي بن مسهر عن يزيد عن الحسن بن سهل عن بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب

باب ما جاء في لبس الخز مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت عائشة تلبسه قال أبو عمر لبس الخز جماعة من الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين فمن الصحابة بن عباس وأبو قتادة وعبد الله بن أبي أوفى وأبو هريرة وعبد الله بن الزبير والحسين بن علي وذكر وكيع عن إسماعيل عن حكيم بن جبير عن خيثمة أن ثلاثة عشر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يلبسون الخز وعن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال كان لأبي بكر مطرف خز سداؤه حرير فكان يلبسه ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي ليلى والأحنف بن قيس وقيس بن أبي حازم وشبيل بن عوف وشريح والشعبي وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وعلي بن الحسين وابنه أبو جعفر محمد بن علي بن حسين وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وعمر بن عبد العزيز أيام إمارته وهذا كله من كتاب أبي بكر بن أبي شيبة بالأسانيد عنه واختلف عن سعد بن أبي وقاص في لبس الخز فروي عنه أنه كان يلبسه وروي عنه أنه كرهه وكان مالك بن أنس ربما لبس الخز ذكره عنه جماعة من أصحابه أنه كان يلبس الخز وأما الذين كانوا يكرهون لباس الخز منهم سالم بن عبد الله والحسن ومحمد بن سيرين وكان سعيد بن المسيب لا يلبسه ولا ينهى عنه وذكر أبو بكر قال حدثني وكيع عن عيينة بن عبد الرحمن عن علي بن زيد قال جلست إلى سعيد بن المسيب وعلي جبة خز فأخذ بكم جبتي فقال

ما أجود جبتك هذه قلت وما تعني وقد أفسدوها علي قال ومن أفسدها قلت سالم فقال إذا صلح قلبك فالبس ما بدا لك قال فذكرت قوله للحسن فقال إن من صلاح القلب ترك الخز وقال أبو بكر حدثني يزيد بن هارون عن بن عون عن محمد قال كانوا يلبسون الخز ويكرهونه ويرجون رحمة الله عز وجل قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء أن ما كان سداؤه ولحمته حرير لا يجوز لباسه للرجال وكان عبد الله بن عمر يكره قليل الحرير وكثيره وكان لا يلبس الخز وسنذكر هذا المعنى في باب لبس الثياب من هذا الكتاب عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة عطارد إنما يلبس هذه من لا خلاق لهم إن شاء الله عز وجل باب ما يكره للنساء لبسه من الثياب مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت دخلت حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وعلى حفصة خمار رقيق فشقته عائشة وكستها خمارا كثيفا مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وريحها يوجد من مسير خمسمائة سنة

قال أبو عمر المعنى في هذين الحديثين سواء فكل ثوب يصف ولا يستر فلا يجوز لباسه بحال إلا مع ثوب يستر ولا يصف فإن المكتسية به عارية كما قال أبو هريرة وهو محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة من غير رواية مسلم بن أبي مريم وقد رواه عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعلم أحدا رواه مسندا عن مالك غيره إلا رواية جاءت عن بن بكير عن مالك قد ذكرتها في التمهيد حدثني خلف بن قاسم وعلي بن إبراهيم قالا حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني العباس بن محمد البصري قال حدثني أحمد بن صالح البصري قال قرأت على عبد الله بن نافع عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني الحسن بن الحضر قال حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفان من أهل النار قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا كذا أما قوله كاسيات عاريات فمعناه كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة إذ لا تسترهن تلك الثياب وقوله مائلات يعني عن الحق مميلات يعني لأزواجهن إلى أهوائهن وقوله لا يدخلن الجنة إلى آخر قوله مقيد عندي بقول الله عز وجل إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء وقوله قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف الأنفال وقوله فأغفر للذين تابوا غافر مالك عن يحيى بن سعيد عن بن شهاب أن رسول الله قام من الليل فنظر في أفق السماء فقال ماذا فتح الليلة من الخزائن وماذا وقع من الفتن

كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة أيقظوا صواحب الحجر هذا الحديث يروى مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفهمه يحيى بن سعيد من رواية مالك ولا من رواية غيره عنه وقد ذكرنا الاختلاف على يحيى بن سعيد فيه في التمهيد وقد جوده معمر عن بن شهاب حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن المبارك وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة أن النبي استيقظ ليلة فقال سبحان الله ماذا أنزل الله عز وجل من الفتن وماذا فتح من الخزائن وهذا لفظ بن المبارك وقال عبد الرزاق بإسناده عن أم سلمة قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وهو يقول لا إله إلا الله ماذا فتح الله من الخزائن لا إله إلا الله ماذا أنزل الله من الفتنة ثم اتفقا فقالا من يوقظ صواحب الحجر رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة وقال عبد الرزاق يا رب كاسيات في الدنيا عاريات يوم القيامة في هذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر عن غيب وقع بعده وذلك أنه فتح الله على أمته بلدان المشرق والمغرب من ديار الكفر ودرت به الأرزاق وعظمت الخيرات وذلك كله من خزائن رحمة الله ووقع من الفتن بعده منذ قتل عثمان رضي الله عنه إلى يومنا هذا ما لا يحيط بعلمه إلا هو ولن يزال الهرج إلى قيام الساعة والله أعلم وأما قوله أيقظوا صواحب الحجر فالحجر جمع حجرة وهي بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم أمر أن يوقظن في تلك الليلة لئلا يكن من الغافلين في ليلة فيها آية من آيات الله عز وجل ولعلها كانت ليلة القدر التي يفرق فيها كل أمر حكيم أو غيرها فقد كانت فيها آية

ومن سنته صلى الله عليه وسلم عند الآيات ذكر الله والصلاة باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبة مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يجر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة وذكره عن عبد الله بن دينار وحده عن بن عمر مسندا أيضا وذكره عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلى من يجر إزاره بطرا قال أبو عمر في هذا الحديث أن من يجر إزاره أو ثوبه خيلاء أو لم يجره بطرا لم يلحقه الوعيد المذكور فيه والخيلاء الاختيال وهو التكبر والتبختر والزهو وكل ذلك أشر وبطر وازدراء على الناس واحتقار لهم والله لا يحب كل مختال فخور ولا يحب المستكبرين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ركانة قال لا يدخل شيء من الكبر الجنة وقد ذكرنا في التمهيد من حديث بن المبارك عن موسى بن عقبة عن سالم عن إبيه أن أبا بكر الصديق قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين سمع هذا الحديث يا رسول الله إن أحد شقي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست تصنع ذلك خيلاء ورواه سفيان بن عيينة عن موسى بن عقبة وعن سالم بن عبد الله عن أبيه قال لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار ما ذكر قال أبو بكر يا رسول الله إن

إزاري يسترخي من أحد شقي أحيانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست منهم يا أبا بكر مالك عن نافع وعبد الله بن دنيار وزيد بن أسلم كلهم يخبره عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله يوم القيامة إلى من يجر ثوبه خيلاء وقد كان بن عمر يكره أن يجر الرجل ثوبه على كل حال خيلاء كان ذلك أو بطرا أو غير خيلاء ولا بطرا وقد ذكرنا الآثار عنه بذلك في التمهيد والحجة لابن عمر حديث مالك في هذا الباب عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال سألت أبا سعيد الخدري عن الإزار فقال أنا أخبرك بعلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ما أسفل من ذلك ففي النار ما أسفل من ذلك ففي النار لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد حديث بن عمر أنه قال ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص يعني أن ما تحت الكعبين من القميص فهو في النار وكما قال في الإزار عن عمر بن الخطاب أنه كان يكره فضول الثياب ويقول فضول الثياب في النار وسئل سالم بن عبد الله عما جاء في إسبال الإزار ذلك في الإزار خاصة فقال بل هو في القميص والإزار والرداء والعمامة وعن نافع أنه سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسفل من الكعبين ففي النار من الثياب ذلك فقال وما ذنب الثياب بل هو من القدمين قال أبو عمر قد كانت العرب تمدح تشمير الإزار

وقال متمم بن نويرة في رثائه لأخيه مالك بن نويرة تراه كنصل السيف يهتز للندى وليس على الكعبين من ثوبه فضل وقال العجير السلولي وكنت إذا داع دعا لمضوفة أشمر حتى ينصف الساق مئزري وقد زدنا معاني هذا الباب بيانا بالآثار والأشعار في التمهيد وأجمع العلماء على أن تشمير الثياب للرجال لا للنساء باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبها مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع مولى بن عمر عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت حين ذكر الإزار فالمرأة يا رسول الله قال ترخيه شبرا قالت أم سلمة إذا ينكشف عنها قال فذراعا لا تزيد عليه قال أبو عمر عجبت من بن وضاح كان يقول لا تزيد عليه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد روينا هذا الحديث من وجوه كثيرة قد ذكرتها في التمهيد فيها كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم فذراعا لا تزيد عليه واختلف في إسناد هذا الحديث على نافع على ما ذكرناه في التمهيد ولم يختلفوا عليه في لفظه إلا أن بعضهم يقول فيه إذن ينكشف قدمها ومنهم من يقول إذن تخرج أقدامهن قال فذراع لا تزيد عليه

وقد ذكر القعنبي وغيره عن مالك في هذا الباب من الموطأ حديث مالك عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة فقالت إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت أم سلمة قال رسول الله يطهره ما بعده وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في كتاب الصلاة وهذان الحديثان يدلان على أن نساء العرب لم يكن يلبسن الخفين ولو لبسن الخفين ما احتجن إلى إطالة الذيول وإن كان منهن من يلبس الخفين في السفر لا في الحضر وهذا هو المعروف عند السلف في زي الحرائر ولباسهن إطالة الذيول ألم تسمع إلى قول عبد الرحمن بن حسان بن ثابت كتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جر الذيول وقد روي أن أول امرأة جرت ذيلها هاجر أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام ذكر سنيد قال حدثني بن عليه عن أيوب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال أول امرأة جرت ذيلها أم إسماعيل لما قربت من سارة أرخت ذيلها لتقفي أثرها قال ومن هذا أخذت نساء العرب جر الذيول قال بن عباس وأول من سعى بين الصفا والمروة أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في الانتعال مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمشين أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا قال أبو عمر هذا نهي أدب وإرشاد والله تعالى أعلم وإجماعهم أنه إذا مشى في نعل واحدة لم يحرم عليه النعل وليس عاصيا عند الجمهور وإذا كان بالنهي عالما

وأما أهل الظاهر فقالوا هو عاص إذا كان بالنهي عالما وقد مضى في باب النهي عن أكل ذي ناب من السباع الأصل ما يكون من النهي نهي تحريم وما يكون منه على وجه الأدب والندب والاستحسان فلا وجه لإعادته وقد روى جابر بن عبد الله في هذا الباب مثل ما رواه أبو هريرة أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أبو الوليد الطيالسي قال حدثني زهير قال حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلح شسعه ولا يمش في خف واحدة ولا يأكل بشماله وحديث أبي هريرة وحديث جابر هذان صحيحان ثابتان وقد روي عن عائشة رضي الله عنها معارضة لحديث أبي هريرة في هذا الباب ثم لم يلتفت أهل العلم إلى ذلك لأن السنن لا تعارض بالرأي فإن قيل لم تعارض أبا هريرة برأيها وإنما ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما انقطع شسع نعله فمشى في نعل واحد قيل لم يرو هذا والله أعلم إلا مندل بن علي عن ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ومندل وليث ضعيفان لا حجة في ما نقلا منفردين فكيف إذا عارض نقلهما نقل الثقات الأئمة وبالله التوفيق ذكر أبو بكر قال حدثني بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة كانت تمشي في خف واحدة وتقول لأخيفن أبا هريرة وهذا هو الصحيح لا حديث مندل عن ليث وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه مشى في النعل الواحدة وهذا يحتمل أن يكون يسيرا وهو يصلح الأخرى وأن يكون لم يبلغه ما رواه أبو هريرة وجابر فما من الصحابة إلا من غاب عنه بعض السنن وكانت عند غيره منهم على أن حديث علي لا يثبت لأنه إنما يرويه زياد بن أبي يزيد عن رجل من

مزينة عن علي أنه رآه يمشي في نعل واحدة وهو يصلح شسعه وكذلك رواية ليث عن نافع عن بن عمر مثله سواء وهو ليث بن أبي سليم ضعيف ليس بحجة وقد ذكرنا في التمهيد من حديث بن عون عن بن سيرين قال كانوا يكرهون أن يمشي الرجل في النعل الواحدة ويقولون ولا خطوة واحدة وروى عيسى بن دينار عن بن القاسم عن مالك أنه سئل عن الذي ينقطع شسع نعله وهو في أرض حارة هل يمشي في الأخرى حتى يصلحها قال لا ولكن ليخلعهما جميعا أو ليقف مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال ولتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع قال أبو عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في أمره كله في طعامه وشرابه ولباسه وانتعاله ووضوئه وغير ذلك من شأنه والمعنى والله أعلم في الابتداء باليمنى في الانتعال يفضل اليمنى على اليسرى بالإكرام لها لبقاء زينتها من اللباس عليها شيئا ما فتكون أول ما تكسى الخف والنعل وآخر ما ينزع ذلك منها قد قيل هذا والله عز وجل أعلم بما أراد نبيه صلى الله عليه وسلم بتفضيل اليمنى على اليسرى وحسبنا التبرك باتباعه في جميع أفعاله فإنه مهدي موفق صلى الله عليه وسلم ومن تفضيله اليمن أن جعلها للأكل والشرب وجعل اليسرى للاستنجاء وقد ذكرنا في التمهيد حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا لبستم وإذا توضأتم فابدأوا بميامنكم

وقد روينا عن جماعة من السلف أنهم كانوا يبدؤون في الانتعال باليمنى وإذا خلعوا بدءوا باليسرى وذلك لصحة الحديث المذكور في هذا الباب عندهم والله أعلم مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار أن رجلا نزع نعليه فقال لم خلعت نعليك لعلك تأولت هذه الآية فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى طه قال ثم قال كعب للرجل أتدري ما كانت نعلا موسى قال مالك لا أدري ما أجابه الرجل فقال كعب كانتا من جلد حمار ميت قال أبو عمر قد تابع كعبا على قوله أن نعلي موسى كانتا حين كلمه ربه من جلد حمار غير ذكي طائفة من أهل العلم منهم عكرمة وقتادة وروي ذلك عن علي بن أبي طالب من طريق منقطع ضعيف وروي أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كانت نعلا موسى من جلد حمار غير ذكي يوم كلمه الله عز وجل قال أبو عمر حميد الأعرج هذا ليس هو حميد بن قيس المكي الأعرج المقرئ شيخ مالك وإنما هو حميد بن عطاء الأعرج الكوفي ضعيف الحديث كلهم يضعفه وأكثر أحاديثه مناكير وعبد الله بن الحارث هذا هو المكتب الزبيدي الكوفي لم يسمع من بن مسعود شيئا وإنما يروي عن أبي كثير الزبيدي زهير بن الأقمر وكان الحسن البصري ومجاهد يقولان لم تكن نعلا موسى من جلد حمار ميت وإنما أراد الله أن يباشر بقدميه بركة الأرض المقدسة والمقدسة المطهرة المباركة ذكر بن جريج عن مجاهد أنه قيل له أكانت نعلا موسى من جلد حمار أو ميتة قال لا ولكن أمر أن يباشر بقدميه بركة الأرض قال مجاهد في قوله إنك بالواد المقدس طوى طه قال طيء الأرض حافيا والوادي المقدس قالوا قدس مرتين بورك مرتين قال بن جريج وقال الحسن كانتا من جلد بقر وإنما أراد أن يباشر بقدميه بركة الأرض وكان قد قدس مرتين

وقال بن أبي نجيح في قول الله عز وجل فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى طه يقول أفض بقدميك إلى بركة الأرض وقد حدثني عبد الله بن سعيد وهو السختياني قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن فراس وحدثني سعيد بن عثمان قال حدثني أحمد بن دحيم قالا حدثني محمد بن إبراهيم بن الفضل الديلي قال حدثني أبو عبد الله المخزومي قال حدثني سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن أبي قلابة قال قال كعب الأحبار إنما أمر الله عز وجل موسى أن يخلع نعليه لأنهما كانتا من جلد حمار ميت وأراد أن يباشر الوادي المقدس بقدميه قال أبو عمر هذه الرواية عن كعب جمعت المعنيين معا باب ما جاء في لبس الثياب مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين عن الملامسة وعن المنابذة وعن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه قال أبو عمر قد مضى تفسير معنى الملامسة والمنابذة في كتاب البيوع وأما قوله أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وأن يشتمل بالثوب الواحد على أحد شقيه فهذا عند العلماء هو تفسير معنى اللبسة الصماء التي جاء الحديث في النهي عنها حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال أخبرنا كثير بن هشام قال حدثني

جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين الصماء وهي أن يلتحف الرجل في الثوب الواحد أو يحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس بين فرجه وبين السماء ستر قال أبو عمر سيأتي تفسير الصماء وما قال في ذلك أهل اللغة والفقهاء في باب النهي عن الأكل بالشمال فهناك ذكر مالك حديثه عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في لبسه الصماء مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر يا رسول الله أكسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أكسكها لتلبسها فكساها عمر أخا له مشركا بمكة قال أبو عمر لا يختلفون أن الحلة عند العرب ثوبان اثنان أكثرهما من البرود اليمنية وأما قوله سيراء فقيل هي البرود التي يخالطها الحرير حكي ذلك عن الخليل وروينا عن بن شهاب قال السير المضلع بالقز وهذا مذهب من لم يجز لباس ثوب خالطه حرير أو كان فيه شيء من الحرير سداء أو لحمة وسنذكر من ذهب إلى هذا من العلماء وقيل الحلة السيراء هي الحرير الصافي ليس فيه غير الحرير وهذا هو الذي تدل عليه الآثار وهو الصحيح في صفة هذه الحلة

رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر أن عمر قال يا رسول الله إني مررت بعطارد أو لبيد وهو يعرض حلة حرير فلو اشتريتها للجمعة و للوفود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ورواه الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه فقال فيه حلة من إستبرق والإستبرق الحرير الغليظ وقيل الديباج الغليظ وفي حديث سالم أيضا أن الرجل البائع المذكور للحلة المذكورة عطارد أو لبيد ورواه محمد بن سيرين عن بن عمر عن عمر أنه خرج يريد النبي صلى الله عليه وسلم فمر بالسوق فرأى عطاردا يقيم حلة حرير يعني أقامها للبيع قال أبو عمر أجمع العلماء على أن لباس الحرير حلال للنساء وأن الثوب إذا كان حريرا كله سداه ولحمته لا يجوز لباسه للرجال حدثني محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن أبي الرجال وحدثني علي بن إبراهيم بن حمويه قراءة مني عليه قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني أبو بكر يموت بن المزرع بن يموت البصري قراءة عليه قالا حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الصيرفي قال حدثني يزيد بن زريع وبشر بن المفضل ويحيى بن سعيد وعبد الوهاب بن عبد المجيد وأبو معاوية الضرير وحماد بن مسعدة زاد محمد بن إبراهيم في حديثه ومعتمر بن سليمان كلهم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل لإناث أمتي لباس الحرير والذهب وحرم على ذكورها وروى تحريم لباس الحرير على الرجال عن النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين والبراء بن عازب وعبد الله بن الزبير وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وعقبة بن عامر وأبو أمامة وأبو هريرة وقد ذكرنا كثيرا من أحاديثهم في التمهيد

وأجمع العلماء على أن ملك الحرير للرجال جائز حلال وإنما حرم عليهم لباسه واختلفوا في استعمال الرجال له في غير اللباس كالبسط والارتفاق وشبهه ورخصت طائفة من العلماء للرجال لباس ما فيه العلم من الحرير الأصبع والأصبعين والثلاثة وحجتهم في ذلك حديث عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أهل البصرة مع عتبة بن فرقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير وقال لا تلبسوا منه إلا كذا أو كذا وأشار بالسبابة والوسطى وبعض رواته يقول فيه وأشار بالسبابة والإبهام قالوا فعلمنا أنها الأعلام وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في التمهيد وكانت عائشة ترخص في العلم من الحرير للرجال وكذلك أسماء بنت أبي بكر وأنكرت على عبد الله بن عمر تحريم قليله وكثيره حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن المغيرة بن زياد عن أبي عمر مولى أسماء قال رأيت بن عمر اشترى عمامة لها علم فدعا بالجلمين فقصه فدخلت علي أسماء فذكرت ذلك لها فقالت بؤسا لعبد الله يا جارية هاتي جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيب والفرج بالديباج قال أبو عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس تلك الجبة في الحرب وربما لبسها للعدو حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن أبي عمر عن أسماء بنت أبي بكر أنها أخرجت جبة مزررة بالديباج فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس هذه إذ لقي العدو وقال عطاء بن أبي رباح لا بأس بلبس الحرير في الحرب إذا كان جبة أو سلاحا

وقال هشام بن عروة كان أبي له يلمق من ديباج يلبسه في الحرب وقال أبو بكر حدثني ريحان بن سعيد عن مرزوق عن بن عمرو قال قال أبو فرقد رأيت على تحافيف أبي موسى الديباج والحرير وقد رخص فيه للتداوي من الجرب والحكة حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع ومحمد بن بشر قالا حدثنا سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك أنبأهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للزبير بن العوام ولعبد الرحمن بن عوف في لباس قميص الحرير من حكة كانت بهما وكره مالك لباس الحرير في الحرب ولم يرخص فيه للحكة والجرب ولم تثبت عنده الرخصة في ذلك هذا تحصيل مذهبه وقد روي عنه الرخصة فيه للحكة وبه قال بن حبيب وكان بن محيريز وعكرمة وبن سيرين يكرهون شيئا من لباس الحرير في الحرب وقال بن محيريز كراهته في الحرب أشد لما يرجو من الشهادة وروي عن عمر بن الخطاب كراهية لباسه في الحرب وقد ذكرته في التمهيد بأكثر من هذا وأما الخبر عن بن عمر في كراهة قليل الحرير وكثيره فحدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني إبراهيم بن عرعرة قال حدثني معاذ بن معاذ قال حدثني بن عون عن الحسن قال دخلنا على بن عمر وهو بالبطحاء فقال رجل يا أبا عبد الرحمن ثيابنا هذه قد خالطها الحرير وهو قليل فقال اتركوا قليلة وكثيره وكان الحسن يكره كثيره وقليله قال أبو عمر تابع الحسن في ذلك بن عمر كراهة وكان بن عمر كثير التشدد وأما بن عباس فقال إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوب الذي هو حرير كله

حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني النفيلي وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثني يحيى بن يحيى قال أخبرنا زهير أبو خيثمة قال حدثني خصيف عن عكرمة عن بن عباس قال إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير فأما القلم من الحرير وسدا الثوب فليس به بأس قال أبو عمر قول بن عباس تفسير أحاديث هذا الباب وعليه جمهور السلف والخلف من العلماء وأما نصوص أقوال الفقهاء في هذا الباب فروى بن وهب وبن القاسم عن مالك قال أكره لباس الخز لأن سداه حرير قال مالك وذكر لبس الخز فقال قوم يكرهون لباس الخز ويلبسون قلانس الخز فعجبا من اختلاف رأيهم قال مالك وإنما كره لباس الخز لأن سداه حرير قال أبو عمر هذا كله خلاف ما في موطئه عن عائشة أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت تلبسه وقد روي عن مالك أنه لبس الخز وما أضنه الصحيح عنه والله أعلم والصحيح عنه ما ذكره الدولابي عن الزبير بن بكار قال حدثني مطرف بن عبد الله قال كان مالك بن أنس يلبس الثياب العجمية ويستجيدها وقد ذكرنا جماعة ممن لبس الخز من السلف الصالح فيما تقدم من كتابنا هذا وذلك كله يشهد لما قاله بن عباس في الحرير الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجال والدليل على ذلك أيضا أن عبد الله بن الزبير كان يلبس الخز ويحرم لباس الحرير والصرف الخالص وروى شعبة عن أبي ذبيان خليفة بن كعب قال سمعت عبد الله بن الزبير يخطب فقال سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وقال أبو نعيم وهب بن كيسان رأيت سعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله وأبا هريرة وأنس بن مالك يلبسون الخز

وروى عمار بن أبي عمار قال قدمت على مروان مطارف خز فكساها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأني أنظر إلى أبي هريرة وعليه منها مطرف أغير وكأني أنظر إلى طرف الإبريسم فيه وقال بسر بن سعيد رأيت على سعد بن أبي وقاص جبة شامية قيامها قز ورأيت على زيد بن ثابت خمائص معلمة وهذا كله يدل على أن الخز الذي كانوا يلبسونه كان فيه الحرير وروي عن بن عمر أن الخز الذي كانوا يلبسونه لم يكن فيه حرير وكان مالك رحمه الله يعجبه مذهب بن عمر وورعه ولذلك كان يكره لباس الخز والله أعلم ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني معتمر بن سليمان عن حميد قال سئل أنس عن الحرير قال أعوذ بالله من شره كنا نسمع أن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وحدثني أبو معاوية عن سعيد عن قتادة عن داود السراج عن أبي سعيد الخدري قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة قال وحدثني معمر عن يونس عن الحسن أنه كان يكره قليل الحرير وكثيره وهذا كله حجة لمالك ومن تبعه وأما الشافعي رحمه الله فأباح لباس قباء محشو بقز لأن القز باطن فكأن الملبوس عنده المكروه من الحرير ما كان ظاهرا والله أعلم لأن الأصل في الكراهة الواردة في الشبهة بزي الأعاجم والشهرة بذلك والله أعلم ومثل هذا حديث صفوان بن عبد الله بن صفوان أن سعد بن أبي وقاص استأذن على بن عباس وعليه مطرف خز شطره حرير فقال له في ذلك فقال إنما يلي جلده منه الخز وقال أبو حنيفة لا بأس بلبس ما كان سداؤه حريرا ولحمته غير حرير قال أكره ما كان لحمته حريرا وسداه غير حرير وقال محمد بن الحسن لا بأس بلباس الخز ما لم يكن فيه شهرة فإن كان فيه شهرة فلا خير فيه وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عباد بن العوام عن حصين قال

كتب عمر بن عبد العزيز لا تلبس من الحرير إلا كما كان سداه قطنا أو كتانا قال أبو عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لباس الحرير فقال هو حرام على ذكور أمتي حلال على إناثهم وأجمع السلف والخلف من العلماء على أنه إذا كان الثوب حريرا كله فإنه لا يجوز للرجال لباسه ولبس الخز جماعة من جلة السلف وكان الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم لا يلبسون الخز لأنه بعيد من الزهد داعية إلى الزهو مضارع لزي العجم واختلف أئمة الفتوى من فقهاء الأمصار في لباس الخز وأعلام الحرير على نحو اختلاف الصحابة رضي الله عنهم وكلهم مجمعون على أن ثوب الحرير إذا لم يخالطه غيره فلا يجوز للرجال لبسه على ما قدمنا ذكره عنهم وما عدا ذلك من الثياب التي يتزين بها ويتجمل بلباسها فغير حرام شيء منها إلا أن من ترك المباح منها تواضعا لله وزهدا في الدنيا واستسهل الخشونة في مطعمه وملبسه رضى بالدون من ذلك فتلك منزلة أخرى وأما الحرام فلا يطلق إلا على ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبت من الرزق الأعراف قال رجل للحسن البصري يا أبا سعيد إنا قد أرضى الله علينا ووسع الله علينا فتناول من كسوة وطيب ما لو شئنا اكتفينا بدونه فما تقول قال أيها الرجل إن الله تعالى قد أدب أهل الأيمان فأحسن أدبهم قال لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما ءاته الله الطلاق وأن الله ما عذب قوما أعطاهم الدنيا فشكروه ولا عذر قوما ذوى عنهم الدنيا فعصوه وقال بكر بن عبد الله المزني البسوا ثياب الملوك وأشعروا قلوبكم الخشية وقد كان القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق يلبس الخز وكان سالم بن عبد الله بن عمر يلبس الصوف وكانا يتجالسان في المسجد لا ينكر واحد منهما على صاحبه لباسه وقد كره العلماء من اللباس الشهرتين وذلك الإفراط في البذاذة وفي الإسراف والغلو وقد روينا عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال إن قوما جعلوا خشوعهم

في لباسهم وكبرهم في صدورهم وشهروا أنفسهم بلباس هذا الصوف حتى إن أحدهم بما يلبس من هذه الصوف أشد كبرا من صاحب المطرف بمطرفه وقال رجل لإبراهيم النخعي ما ألبس من الثياب فقال ما لا يشهرك عند العلماء ولا يحقرك عند السفهاء وقال محمود الوراق تصوف فازدهى بالصوف جهلا وبعض الناس يلبسه مجانه يريد مهابة ويجن كبرا وليس الكبر من شكل المهابه ولهلال بن عبد الله الرقي وكان من العلماء أجد الثياب إذا اكتسيت بها زين الرجال بها تهاب وتكرم ودع التواضع في اللباس تحريا فالله يعلم ما تكن وتكتم فدني ثوبك لا يزيدك زلفة عند الإله وأنت عبد مجرم وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن تخشى الإله وتتقي ما يحرم وفي هذا الحديث معان ظاهرة وقد ذكرتها وذكرت الشواهد عليها في التمهيدمنها جواز الهدية والصلة للأقارب وإن كانوا كفارا لقوله فكساها أخا له مشركا بمكة مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه قال قال أنس بن مالك رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المدينة وقد رفع بين كتفيه برقع ثلاث لبد بعضها فوق بعض قال أبو عمر كان هذا من عمر رضي الله عنه زهدا في الدنيا ورضي بالدون منها كانت تلك حاله في نفسه وكان يبيح لغيره ما أباح الله لهم فقال إذا وسع عليكم فأوسعوا على أنفسكم جمع امرؤ عليه ثيابه وإنما يحمل الزهد في الدنيا لمن قدر عليها وكان عمر في خلافته أشد زهدا منه قبل أن يلي الخلافة وكذلك كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله وكان أبو بكر رضي الله عنه قبله على نحو ذلك وكان يلبس الثياب حتى عرف به ولذلك قالت غطفان في الردة ما كنا نبايع صاحب الكساء

وكان علي رضي الله عنه مخشوشنا في لباسه ومطعمه على طريقة عمر كان قميصه إلى نصف ساقه وكمه إلى أطراف أصابع يديه وكلم في ذلك فقال هو أخشع للقلب وأبعد من الكبر وأحرى أن يقتدي به المؤمن وكان سلمان وأبو ذر في غاية من الزهد في الدنيا والرضا باليسير منها والروايات عن عمر وعلي وسلمان وأبي ذر بما وصفنا كثيرة جدا وروي من حديث مالك بن دينار عن نافع عن بن عمر أنه رأى أباه يرمي جمرة العقبة وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة بعضها من أدم وروي عن الحسن عن أنس عن عمر مثله وفي كتابه إلى عتبة بن فرقد وهو أمير له بالبصرة تمعددوا واخشوشنوا وأقطعوا الركب أي تشبهوا بأبيكم معد وليكن طعامكم ولباسكم خشنا وخلقا وقوله وأقطعوا الركب ليثبوا على الخيل من الأرض وقد ذكرنا هذا الخبر عن عمر رضي الله عنه من طرق في التمهيد قال أبو عمر روى حاتم بن عثمان المعافري قال سمعت مالك بن أنس يقول حياة الثوب طيه وعينه بسطه ذكره سليمان بن سالم عن داود بن يحيى عن حاتم

كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ولا بالجعد القطط ولا بالبسط بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله عز وجل على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر رواه عن ربيعة كما رواه مالك جماعة منهم الأوزاعي ويحيى بن سعيد الأنصاري وعمارة بن غزية وأنس بن عياض وسعيد بن أبي هلال وسليمان بن بلال وعبد العزيز بن أبي سلمة وأما قوله ليس بالطويل البائن فإنه ليس بالمشرف في الطول والمتفاوت في الشطاط الذي يكاد يضطرب من طوله وذلك عيب في الرجال والنساء يقول فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك

والأمهق الأبيض الذي بياضه لا إشراق فيه كأنه البرص لا يخالطه شيء من الحمرة وذلك أيضا عيب والآدم الأسمر والأدمة السمرة والجعد القطط الذي شعره من شدة الجعودة كالمحترق يشبه شعور أهل الحبشة والسبط المرسل الشعر الذي ليس في شعره شيء من التكسر فهو جعد رجل كأنه دهره قد رجل شعره بالمشط أما قوله بعثه الله على رأس أربعين سنة فقد ذكرنا في التمهيد من تابع أنس بن مالك على ذلك من الصحابة وغيرهم ومن خالفهم فيه وذكرنا الأسانيد هناك عن ربيعة وعن كل من رواه عن أنس كروايته وممن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين كما قال أنس وأبو هريرة وقباث بن أشيم ومحمد بن جبير بن مطعم وعروة بن الزبير وعطاء الخرساني وكذلك روى هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس وممن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس ثلاث وأربعين بن عباس من رواية هشام الدستوائي عن عكرمة عن بن عباس وسعيد بن المسيب رواه حماد بن زيد ويزيد بن هارون وجرير بن عبد الحميد كلهم عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال أنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وأربعين هذه رواية عبيد الله بن عمر القواريري عن حماد بن زيد وافق يزيد بن هارون وجريرا في ذلك وخالفه محمد بن الفضل عارم عن حماد بن زيد على ما نذكره بعد إن شاء الله عز وجل وقد ذكرنا الأسانيد بكل ما في هذا الباب عن من ذكرنا عنه فيه شيئا في التمهيد وأما مكثه بمكة ففي قول أنس من رواية ربيعة ومن رواية أبي غالب أنه مكث بمكة عشر سنين وكذلك روى أبو سلمة عن عائشة وبن عباس وهو قول عروة والشعبي والحسن وبن شهاب وعطاء الخرساني

وكان عروة ينكر قول من قال أقام بمكة ثلاث عشرة وروى عكرمة وأبو حمزة وكريب وعمرو بن دينار كلهم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد أن بعث ثلاث عشرة سنة وهو الصحيح عن بن عباس وهو قول سعيد بن المسيب وأبي جعفر محمد بن علي ويشهد له قول أبي قيس صرمة بن أبي أنس ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى صديقا مواتيا في أبيات قد ذكرتها في كتاب الصحابة قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء بالسير والآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل إذ ساقه الحبشة إلى مكة يغزون البيت وقد ذكرنا كثيرا من أخباره وسيره في صدر كتاب الصحابة والحمد الله كثيرا واختلف في سنة يوم مات صلى الله عليه وسلم فروى ربيعة وأبو غالب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن ستين سنة وهو قول عروة وروى حميد عن أنس قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن خمس وستين سنة ذكره أحمد بن زهير عن المثنى بن معاذ عن بشر بن المفضل عن حميد عن أنس وروى أبو مسلم المستملي عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أنس مثله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن خمس وستين سنة ورواه غير أبي مسلم عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن دغفل بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو بن خمس وستين سنة حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني عبد الرحمن بن عمر قال حدثني أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال حدثني عبيد الله بن عمر قال حدثني معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن دغفل بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن خمس وستين سنة

قال أبو عمر يقولون دغفل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف للحسن منه سماع في ما ذكروا والله أعلم وذكر البخاري عن أحمد صاحب له عن أبي غسان محمد بن عمرو الرازي زنيج عن حكام بن سلم عن عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وستين سنة وأبو بكر وهو بن ثلاث وستين وعمر وهو بن ثلاث وستين قال البخاري وهذا أصح عندي من حديث ربيعة قال أبو عمر اختلف على بن عباس في هذا المعنى أكثر من الاختلاف على أنس وروى شعبة عن يونس بن عبيد وروى الثوري عن خالد الحذاء كلاهما عن عمار مولى بني هاشم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن خمس وستين وروى حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن بن عباس مثله وروى الحسن بن صالح عن المنهال عن سعيد بن جبير عن بن عباس مثله وروى علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن عباس مثله وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومحمد بن سيرين وأبو حمزة وأبو حصين ومقسم وعمرو بن دينار وأبو طهمان كلهم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن ثلاث وستين وروى شعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن جرير أنه سمع معاوية يقول توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وستين وروى موسى بن عقبة ويونس بن يزيد عن بن شهاب قال أخبرني عروة عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وستين زاد يونس قال بن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب عن عائشة بمثل ذلك قال أبو عمر هذا أصح ما في هذا الباب إن شاء الله عز وجل من جهة

الإسناد على أني أعجب من رواية هشام بن عروة وعمرو بن دينار عن عروة قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو بن ستين سنة فكيف هذا والزهري يروي عنه عن عائشة أنه توفى وهو بن ثلاث وستين قال أبو عمر يتفق على ثلاث وستين كل من قال نبئ النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن أربعين وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وكل من قال بعث على رأس ثلاث وأربعين وأقام بمكة عشرا وقد ذكرنا الأسانيد عن هؤلاء كلهم في التمهيد ومنها ما ذكره يعقوب بن أبي شيبة قال حدثني عارم بن الفضل قال حدثني حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وستين أنزل عليه القرآن وهو بن آربعين وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا هكذا روى كريب مولى بن عباس وأبو حمزة وعمرو بن دينار وهذا لفظ كريب عن بن عباس قال أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن أربعين سنة فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا وتوفي وهو بن ثلاث وستين سنة وأما شيبه فأكثر الروايات عنه على نحو حديث ربيعة عن أنس في تقليل شيبه وأن ذلك كان منه في عنفقته وقد روي أنه كان يخضب وليس بقوي ولا صحيح أنه خضب لأنه لم يبلغ من الشيب ما يخضب له حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح إملاء قال حدثني يوسف بن عدي قال حدثني الوليد بن كثير عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سألت أو سئل أنس هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يدرك الخضاب ولكن خضب أبو بكر وعمر حدثني خلف بن قاسم قال حدثني عبد الرحمن بن عمر قال حدثني أبو زرعة قال حدثني علي بن عياش قال حدثني حريز بن عثمان قال قلت لعبد

الله بن بسر أرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم قلت أشيخا كان قال كان في عنفقته شعرات بيض ومن أحسن شيء في صفته صلى الله عليه وسلم ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني محمد بن سعيد الأصبهاني قال حدثني عيسى بن يونس وحدثني عبد الوارث وسعيد قالا حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني يوسف بن عدي وزهير بن عباد وبن أبي شيبة قالوا حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن عبد الله مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد من ولد علي قال كان علي رضي الله عنه إذا نعت النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد وكان ربعة من القوم ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم وكان في الوجه تدوير أبيض مشرب بحمرة أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاش والكتد أجرد ذو مسربة شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب وإذا التفت التفت معا بين كتفيه خاتم النبوة أجود الناس كفا وأجرأ الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفى الناس بذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قوله الممغط هو الطويل المديد فيما ذكر أهل اللغة وقال الخليل الفرس المطهم التام الخلق وقال أبو عبيد المشاش رؤوس العظام وقال الخليل الكتد ما بين الثبج إلى منتصف الكاهل من الظهر والمسربة شعرات تتصل من الصدر إلى السرة حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني الحسن بن موسى الأشيب قال حدثني حماد بن سلمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضخم الرأس عظيم العينين أهدب الأشفار مشرب العينين من حمرة كث اللحية أزهر اللون شثن الكفين والقدمين إذا مشى تكفى كأنما يمشي في صبب وإذا التفت التفت معا

قال أبو بكر وحدثني شريك عن عبد الملك بن عمير عن نافع بن جبير بن مطعم عن علي رضي الله عنه أنه وصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان عظيم القامة أبيض مشربا حمرة عظيم اللحية ضخم الكرابيس شثن الكفين والقدمين طويل المسربة كثير شعر الرأس رجله يتكفأ في مشيه كأنما ينحدر في صبب لا طويل ولا قصير لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر وقد أتينا من أوصافه ونعته والخبر عن هيئته في صدر كتاب الصحابة بما فيه شفاء وإشراف على المراد من ذلك والحمد لله كثيرا باب ما جاء في صفة عيسى بن مريم عليه السلام والدجال مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أراني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها فهي تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالكعبة فسألت من هذا قيل هذا المسيح بن مريم ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمني كأنها عنبة طافية فسألت من هذا فقيل لي هذا المسيح الدجال قال أبو عمر لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث ولا في لفظه وكذلك رواه أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه بن شهاب عن سالم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم أطوف بالكعبة فذكر نحوه في صفة المسيح بن مريم وقال ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين كأن عينيه عنبة طافية قلت من هذا قال الدجال وإذا أقرب الناس شبها به بن قطن رجل من خزاعة

وفي حديث جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الدجال قصير أفحج جعد أعور مطموس العين وفي حديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس حديث الجساسة في صفة الدجال أعظم إنسان رأيناه خلقا وأشده وثاقا وفي حديث الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس في ذلك فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض وهذه كلها آثار ثابتة صحاح من جهة الإسناد والنقل والآثار مختلفة في نتوء عينه وفي أي عينيه هي العوراء ولم يختلف في أنه أعور والعنبة الطافية الممتلئة المنتفخة التي طفت على وجهه وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الدجال كما رآه في منامه ورؤياه ورؤيا الأنبياء مثله وحي ووصف عيسى بأنه آدم والأدمة لون العرب وهي السمرة في الرجال وقد تقول العرب للأبيض من الإبل الآدم والآدم من الظباء عندهم هو لون التراب واللمة واللمة هي أكمل من الوفرة والوفرة ما بلغت الأذنين من شعر الرأس وروى مجاهد عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة المسيح أنه أحمر جعد عريض الصدر والأحمر عند العرب الأبيض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت إلى الأحمر والأسود وقال عكرمة في قول الله عز وجل وما جعلنا الرءيا التى أرينك إلا فتنة للناس الإسراء قال أري إبراهيم وموسى وعيسى فذكر أن عيسى رجل أبيض نحيف مبطن كأنه عروة بن مسعود وقد ذكرنا الآثار التي أشرنا إليها ها هنا في التمهيد بإسانيدها ومتونها وذكرنا من أخبار عيسى بن مريم عليه السلام هناك في رفعه وكيف كان الأمر في ذلك

ومعنى توفيه واختلاف العلماء فيه وقتله للدجال بباب لد بعد نزوله عند البيضاء بدمشق أخبارا حسنا وفي هذا كفاية والحمد لله كثيرا وأهل السنة مصدقون بنزول عيسى في الآثار الثابتة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل الآحاد العدول وقوله صلى الله عليه وسلم ليهلن بن مريم بفج الروحاء حاجا أو معنمرا أو ليثنيهما ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ينزل عيسى بن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير وتكون الدعوة لله رب العالمين حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني روح بن عبادة قال حدثني سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إن الدجال خارج وهو أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة وإنه يبرئ الأكمة والأبرص ويحيى الموتى ويقول للناس أنا ربكم فمن قال أنت ربي فقد فتن ومن قال ربي الله حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنته ولا فتنة عليه فيلبث في الأرض ما شاء الله ثم يجيء عيسى بن مريم من جهة المغرب مصدقا لمحمد وعلى ملته فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة ففي حديث سمرة هذا أعور العين الشمال وفي حديث بن عمر أعور العين اليمنى فالله أعلم وقد روى محمد بن عبيد الطنافسي قال حدثني مجالد بن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري قال عين الدجال كأنها كوكب دري يقولون أنه لم يرو محمد بن عبيد عن مجالد إلا هذا الحديث باب ما جاء في السنة في الفطرة مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة

قال خمس من الفطرة تقليم الأظفاره وقص الشارب ونتف الإبطة وحلق العانة والاختتان قال أبو عمر لم يختلف الرواة عن مالك في الموطأ في توقيف هذا الحديث على أبي هريرة وروى بشر بن عمر عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث محفوظ من حديث أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من رواية الثقات الأئمة منها حديث بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يقول خمس من الفطرة الختان والاستحداد وتقليم الأظافر وقص الشارب ونتف الإبط قال أبو عمر الاستخداد حلق العانة وقد ذكرناه من طرق في التمهيد ومثله لا يقال بالرأي وقد روى أن قص الشارب والاختتان مما ابتلى به إبراهيم وقد ذكرنا في التمهيد أقوال العلماء وتأويل القرآن في معنى قوله عز وجل وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمت فأتمهن البقرة وهذا الحديث يفسر قوله صلى الله عليه وسلم أحفوا الشارب وبان بحديث هذا الباب أن المراد من الإحفاء هو قص الشارب قال مالك في هذا الباب من الموطأ يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار ولا يجزه فيمثل بنفسه وذكر بن عبد الحكم عن مالك أنه قال ليس إحفاء الشارب حلقه وأرى أن يؤدب من حلق شاربه وروى أشهب عن مالك قال حلقه من البدع

وقال بن القاسم عن مالك حلق الشارب عندي مثلة قال قال مالك وتفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشارب إنما هو الإطار وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني يحيى بن إبراهيم قال حدثني أصبغ بن الفرج قال حدثني عيسى بن يونس عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه قال السنة في الشارب الإطار وروى هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن بن عباس أنه قال من السنة قص الأظفار والأخذ من الشارب وحلق العانة ونتف الإبط وأخذ العارضين قال أبو عمر خالف أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم مالكا في إحفاء الشوارب وسنذكر أقوالهم عند قوله صلى الله عليه وسلم أحفوا الشوارب في باب السنة في الشعر من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ولا خلاف بين العلماء في قص الأظفار ونتف الإبط وحلقه لمن صعب عليه النتف ولا في الاختتان أن كل ذلك عندهم سنة مسنونة مجتمع عليها مندوب إليها إلا الختان فإن بعضهم جعله فرضا واحتج بأن إبراهيم اختتن وأن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم ولا حجة فيما احتج به لأن من ملة إبراهيم سنة وفريضة وكل يتبع على وجهه ولا وقت مالك ولا جمهور العلماء في قص الأظفار ولا في حلق العانة وقتا لا يتعداه وحسبه إذا طال ظفره وشعره قطع ذلك وألقاه عنه وقد ذكرنا في التمهيد حديث أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وحلق العانة وتقليم الأظفار ونتف الآباط في كل أربعين يوما وقال به قوم وهو حديث ليس بالقوي انفرد به جعفر بن سليمان الضبعي عن أبي عمران الجوني عن أنس لا يعرف إلا من هذا الوجه

وليس جعفر بن سليمان بحجة عندهم فيما انفرد به لسوء حفظه وكثرة غلطه وإن كان رجلا صالحا وأكثر الرواة لهذا الحديث إنما يذكرون فيه حلق العانة خاصة دون تقليم الأظفار وقص الشارب وأما الاختتان فذكر مالك في هذا الباب من الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال كان إبراهيم صلى الله عليه وسلم أول الناس ضيف الضيف وأول الناس اختتن وأول الناس قص الشارب وأول الناس رأى الشيب فقال يا رب ما هذا فقال الله تبارك وتعالى وقار يا إبراهيم فقال رب زدني وقارا قال أبو عمر كانت العرب تختتن في زمن إسماعيل ودليل ذلك في حديث بن شهاب عن عبيد الله عن بن عباس عن أبي سفيان بن حرب في حديث هرقل وكانت اليهود تختتن وذلك من شرعهم أيضا وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه سمعه يقول اختتن إبراهيم بالقدوم وهو بن مائة وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة وهو في أول هذا الباب عند القعنبي وجماعة من رواة الموطأ موقوفا على أبي هريرة ورواه الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اختتن إبراهيم وهو بن عشرين ومائة سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة ورواه قوم كما رواه مالك مرفوعا عن أبي هريرة ومنهم من أوقفه على سعيد بن المسيب وهو حديث مرفوع مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة

ومن حديث المغيرة بن عبد الرحمن الخزاعي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى يونس عن بن شهاب قال كان الرجل إذا أسلم يؤمر بالختان وإن كان كبيرا وكان عطاء يقول لا يتم إسلامه حتى يختتن ورأى مالك والشافعي وأبو حنيفة للكبير أن يختتن إذا أسلم واستحبوه للنساء وقال بن القاسم قال مالك من الفطرة ختان الرجال والنساء وقال النساء في قص الأظفار وحلق العانة كالرجال وقال سفيان بن عيينة قال لي سفيان الثوري أيحفظ في الختان وقتا قلت لا وقلت له أتعرف أنت فيه وقتا قال لا وروي عن بن عباس وجابر بن زيد وعكرمة أن الأقلف لا تؤكل ذبيحته ولا تجوز شهادته قال أبو عمر جمهور أهل العلم لا يرون بأكل ذبيحته بأسا إذا وقعت بها الزكاة كاملة وروي عن الحسن أنه كان يرخص للشيخ الكبير أن لا يختتن واختلف محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وسحنون في الشيخ الكبير يسلم فقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم إذا ضعف وخاف على نفسه كان له ترك الختان وقال سحنون لا يترك الختان وإن خاف على نفسه واختلفوا في الذي يولد مختونا فقالت طائفة يجرى عليه الموسي وإن كان فيه ما يقطع قطع وقال آخرون قد كفى الله فيه المؤنة وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد والحمد لله كثيرا باب النهي عن الأكل بالشمال مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله السلمي أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله أو يمشي في نعل واحدة وأن يشتمل الصماء وأن يحتبي في ثوب واحد كاشفا عن فرجه قال أبو عمر الأكل بالشمال يأتي القول فيه بعد في هذا الباب وقد مضى القول في المشي في نعل واحدة وأما اشتمال الصماء فقد فسرها أهل اللغة وفسرها الفقهاء وأتى في الآثار تفسيرها وهو أعلى ما في ذلك قال أبو عبيد قال الأصمعي اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوبه فيجلل به جسده كله ولا يرفع منه جانبا يحرج منه يده وربما اضطجع فيه على تلك الحال قال أبو عبيد كأنه يذهب إلى أنه لا يدري لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه وأن يدفعه بيده فلا يقدر على ذلك لإدخاله يديه جميعا في ثيابه فهذا كلام العرب قال وأما تفسير الفقهاء فإنهم يقولون هو أن يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه ويضعه على منكبيه فيبدو منه فرجه قال أبو عبيد والفقهاء أعلم بالتاويل في هذا وذلك أصح معنى في الكلام وقال الأخفش الاشتمال أن يلتف الرجل بردائه أو بكسائه من رأسه إلى قدمه يرد طرف الثوب الأيمن على منكبه الأيسر فهذا هو الاشتمال فإن هو لم يرد طرفه الأيمن على منكبه الأيسر وتركه مرسلا إلى الأرض فذلك السدل الذي نهي عنه قال وقد روي في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل وقد سدل ثوبه فعطفه عليه حتى صار مشتملا قال فإن لم يكن على الرجل إلا ثوب واحد فاشتمل به فرفع الثوب عن يساره حتى ألقاه عن منكبه فقد انكشف شقه الأيسر كله

وهذا هو اشتمال الصماء الذي نهي عنه فإن هو أخذ طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى فألقاه على منكبه الأيمن وألقى طرف الثوب الأيمن من تحت يده اليمنى على منكبه الأيسر فهذا التوشح الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى في ثوب واحد متوشحا به صلى الله عليه وسلم قال وأما الاضطباع فإنه للمحرم وذلك أنه يكون مرتديا بالرداء أو مشتملا فينكشف منكبه الأيمن حتى يصير الثوب تحت إبطيه وهذا معنى الحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طاف وسعى مضطبعا ببرد أخضر وقد روي عن عمر بن عبد العزيز مثله قال والارتداء أن يأخذ بطرفي الثوب فيلقيهما على صدره ومنكبيه وسائر الثوب خلفه وقال بن وهب اشتمال الصماء أن يرمي بطرفي الثوب جميعا على شقة الأيسر وقد كان مالك أجازها على ثوب ثم كرهها وفي سماع بن القاسم عن مالك قال سئل مالك عن الصماء كيف هي قال يشتمل الرداء ثم يلقي الثوب على منكبيه ويخرج يده اليسرى من تحت الثوب وليس عليه إزار قيل له أرأيت إن لبس الثوب هكذا وعليه إزار قال لا بأس بذلك قال بن القاسم ثم كرهه بعد ذلك وإن كان عليه إزار قال بن القاسم وترك ذلك أحب إلي للحديث ولست أراه ضيقا إذا كان عليه إزار قال مالك والاضطباع أن يرتدي الرجل فيخرج ثوبه من تحت يده اليمنى قال بن القاسم وأراه من ناحية الصماء قال أبو عمر قد ذكرنا ما جاء في الآثار المرفوعة من تفسير الصماء في التمهيد في باب أبي الزبير والأصل في ذلك النهي عن كل لبسه ينكشف الرجل فيها حتى يبدو فرجه فإنه

لا يحل لأحد كشف فرجه في موضع ينظر إليه آدمي إلا حليلته امرأته أو أمته وهذا أمر مجتمع عليه وقد جاء منصوصا في حديث أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصماء ونهى أن يلتحف الرجل أو يحتبي في ثوب واحد ليس على عورته منه شيء وفي بعضها كاشفا عن فرجه وأما اشتقاق اللفظة في اللغة فإنما قيل لتلك اللبسة الصماء لأنها لبسة لا انفتاح فيها كأن لفظها مأخوذ من الصم ومنه قيل لمن لا يسمع أصم لأنه لا انفتاح في سمعه ومنه قيل للفريضة التي لا تتفق سهامها صماء لأنه لا انفتاح فيها قال أبو عمر الاسم الشرعي أولى في هذا القول من اللغوي مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله قال أبو عمر قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الله فوهم فيه ولم يتابعه أحد من أصحاب مالك عليه والصواب فيه عبيد الله بن عبد الله بن عمر لأن عبد الله بن عمر له بنون منهم عبد الله ومنهم عبيد الله والد أبي بكر هذا وقال بن بكير في هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن بن عمر ولم يتابعه أحد أيضا على قوله فيه عن أبيه وإنما الحديث لابن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله عن جده عبد الله بن عمر وقد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث على مالك وعلى بن شهاب وذكرنا أولاد عبد الله بن عمر وبنيهم كل ذلك في التمهيد والحمد لله وفي هذا الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكل باليمين وفي حديث جابر قبله النهي عن الأكل بالشمال والشرب بها

ومعلوم أن الأمر بالشيء نهي عن ضده وهذا تأكيد منه صلى الله عليه وسلم في النهي عن الأكل بالشمال والشرب بها فمن أكل بشماله أو شرب بشماله وهو عالم بالنهي ولا عذر له ولا علة تمنعه فقد عصى الله ورسوله ومن عصى الله ورسوله فقد غوى وكذلك الاستنجاء باليمين والله أعلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء باليمين وأمر بالاستنجاء باليسرى والسنة في ذلك كله مجتمع عليها حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني إسحاق بن إسماعيل الأيلي العثماني قال حدثني سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن جده عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وهكذا روى الحميدي وعلي بن المديني ومسدد وبن المقرئ وغيرهم عن بن عيينة وحدثني عبد الرحمن بن يحيى وأحمد بن فتح قالا حدثني حمزة بن محمد قال أخبرنا القاسم بن الليث قال أخبرنا هشام بن عمار قال حدثني هقل بن زياد قال حدثني هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمنيه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويأخذ بشماله ويعطي بشماله قال أبو عمر حمل قوم هذا الحديث وما كان مثله على المجاز في أكل الشيطان وشربه قالوا المعنى فيه أن الأكل بالشمال يحبه الشيطان كما قيل في الخمر زينة الشيطان وفي الاقتعاط بالعمامة عمة الشيطان أي أن الشيطان يرضاها ويزينها وكذلك يدعو إلى الأكل بالشمال ويزينه ليواقع المرء ما نهي عنه وهذا عندي ليس بشيء ولا معنى بحمل شيء من الكلام على المجاز إذا أمكنت فيه الحقيقة بوجه ما وفي هذا الحديث نص بأن الشيطان يأكل ويشرب

ومن الدليل أيضا على أن من الشياطين من يأكلون ويشربون قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الاستنجاء إن ذلك زاد إخوانكم من الجن وفي حديث آخر إن طعام الجن ما لم يذكر اسم الله عليه وما لم يغسل من الأيدي والصحاف وشرابهم الجدف وهو الرغوة والزبد وهذه الأشياء لا تدرك بقياس ولا اعتبار ولا يصح فيها تكييف وقد قيل إن أكل الشيطان تشمم واسترواح لا مضغ ولا بلع وإنما المضغ والبلع لذوي الجثث فيكون شمه واسترواحه من قبل الشمال وقد أوردنا في معنى الجن والشياطين والإخبار عنهم وأن لهم حياة وأجساما وأنها تختلف صفاتهم في كتاب التمهيد ما فيه كفاية وحسبك بما في القرآن من تكليفهم وطاعتهم وعصيانهم وأن منهم الصالحين ومنهم دون ذلك المؤمن والكافر وأنهم يسترقون السمع وفي سورة الأحقاف وسورة قل أوحي إلي الجن وسورة الرحمن ما فيه شفاء وبيان وروينا عن وهب بن منبه أنه سئل عن الجن وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون فقال هم أجناس فأما خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون ويموتون ومنهم السعالى والغول والقطوب وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده عن وهب في التمهيد باب ما جاء في المساكين مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان قالوا فما المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن الناس له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس

مالك عن زيد بن أسلم عن بن بجيد الأنصاري ثم الحارثي عن جدته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ردوا المسكين ولو بظلف محرق قال أبو عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ردوا المسكين فبان بذلك أنه أراد السائل الطواف وقال في الحديث الذي قبله ليس المسكين بالطواف فدل على أنه أراد ليس الطواف بالمسكين حقا إنما المسكين حقا المسكين الذي تبلغ به المسكنة والفقر والضعف والحياء مبلغا يقعده عن التطواف والسؤال ولا يفطن له متصدق عليه ولا يجد شيئا يبلغ به كما قال الله عز وجل ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب البقرة أي ليس فعل ذلك وإن كان برا يبلغ به الأمر ولكن البر من آمن بالله واليوم الأخر والملائكة والكتب والنبين وءاتى المال على حبه البقرة وقوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر أي ليس كل البر لأن الفطر في السفر بر أيضا فقال يحيى في روايته في هذا الحديث فما المسكين وتابعه جماعة من رواه الموطأ وقال غيرهم فمن المسكين وهذا أبين في من يعقل وأشهر في كلام العرب قال أبو عمر قال الله عز وجل إنما الصدقت للفقراء والمسكين التوبة واختلف العلماء وأهل اللغة أيضا في الفقير والمسكين فقال منهم قائلون الفقير أحسن حالا من المسكين قالوا والفقير الذي له بعض ما يقيمه ويكفيه والمسكين الذي لا شيء له وممن قال هذا يعقوب بن السكيت وبن قتيبة وهو قول يونس بن حبيب وذهبت إليه طائفة من أهل الفقه والحديث

واستشهد بعض قائلي هذه المقالة بقول الراعي أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد فذكروا أنه كان يدعي الفقر وله الحلوبة يومئذ وقال آخرون المسكين أحسن حالا من الفقير واحتجوا بقول الله عز وجل أما السفينة فكانت لمسكين يعملون في البحر الكهف فأخبر أن المسكين كان يملك سفينة أو بعض سفينة تعمل في البحر وقال الله عز وجل للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيمهم لا يسئلون الناس إلحافا البقرة وزعموا أن بيت الراعي لا حجة فيه لأنه إذ صار فقيرا لم يكن له حلوبة لقوله كانت حلوبته وقالوا الفقير معناه في كلام العرب المفقر ويريدون الذي نزعت فقرة من ظهره من شدة الفقر وأنشدوا قول الشاعر لما رأى لبد النسور تطايرت رفع القوادم كالفقير الأعزل قيل أي لم يطق الطيران فصار بمنزلة من انقطع ظهره ولصق بالأرض قالوا وهذا هو الشديد المسكنة والمسكين حقا واستدلوا بقول الله عز وجل أو مسكينا ذا متربة البلد أي قد لصق بالتراب من شدة الفقر وهذا يدل على أن ثم مسكينا ليس ذا متربة وقال صلى الله عليه وسلم إني أعوذ بك من الفقر المدقع وهو الذي يقضي بصاحبه إلى الدقعاء وهي التراب وهذا مثل قول الله تعالى أو مسكينا ذا متربة البلد وممن ذهب إلى أن المسكين أحسن حالا من الفقير الأصمعي وأبو جعفر أحمد بن عبيد

وهو قول الكوفيين من الفقهاء فيما ذكر الطحاوي عنهم وهو أحد قولي الشافعي وللشافعي قول آخر أن الفقير والمسكين سواء لا فرق بينهما في المعنى وإن افترقا في الاسم وإلى هذا ذهب بن القسم حدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال أخبرنا سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني أشهل بن حاتم عن بن عون عن محمد بن سيرين قال قال عمر رضي الله عنه ليس الفقير الذي لا مال له ولكن الفقير الأخلق الكسب وأما حديثه عن زيد بن أسلم عن بن بجيد فابن بجيد اسمه عبد الرحمن بن بجيد بن قيظي الأنصاري أحد بني حارثة وهو الذي رد على سهل بن حثمة حديثه في القسامة وقال بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث والله ما كان سهل بأكثر علما منه ولكنه أسن منه وقد ذكرنا خبره في باب القسامة من هذا الكتاب وذكرنا جدته في كتاب النساء من كتاب الصحابة وهي أيضا جدة عمرو بن سعد بن معاذ والله أعلم وليس في حديث بن نجيد عن جدته أكثر من الحث على الصدقة بالقليل والكثير وقد مضى هذا المعنى في مواضع من هذا الكتاب مشروحا ومنه قوله صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة وروى هذا الحديث سعيد المقبري عن بن نجيد حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني أحمد بن خالد قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني الحجاج بن منهال قال حدثني حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن نجيد عن جدته أم نجيد قالت قلت يا رسول الله إنه يأتيني السائل فأتوهد له بعض ما عندي فقال ضعي في يد المسكين ولو ظلفا محرقا

باب ما جاء في معى الكافر مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل المسلم في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء قال أبو عمر أما حديث أبي هريرة هذا وما كان مثله فليس فيه إلا مدح المؤمن بقلة رغبته في الدنيا وزهده فيها بأخذ القليل منها في قوته وأكله وشربه ولبسه وكسبه وأنه يأكل ليحيى لا ليسمن كما جاء عن الحكماء روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما ملأ بن آدم وعاء شرا من بطنه حسب بن آدم أكلات يقمن صلبه ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه وقد كانت العرب تمتدح بقلة الأكل وذلك معروف في أشعارها فكيف بأهل الإيمان وأما من عظمت الدنيا في عينه من كافر وسفيه فإنما همته في شبع بطنه ولذة فرجه وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن حق المؤمن شأنه يأكل في معى واحد وهذا مجاز دال على المدح في القليل من الأكل والقناعة فيه والاكتفاء به مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى فشربه ثم أخرى فشربه حتى شرب حلاب سبع شياه ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يشرب في معى واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء

قال أبو عمر هذا الحديث ليس على ظاهره لأن المشاهدة تدفعه والمعاينة ترده والخبر يشهد بأن الكافر يسلم وأكله كما كان وشربه وقد نزه الله رسوله عن أن يخبر بخبر فيؤخذ المخبر عنه على خلاف ذلك هذا ما لا يشك فيه المؤمن وكنه صلى الله عليه وسلم أخبر عن ذلك الضيف بخبر كان على ما أخبر لا شك فيه كأنه قال هذا الضيف إذ كان كافرا أكل في سبعة أمعاء فلما أسلم بورك له في إسلامه فأكل في معى واحد يريد أنه كان أكله عنده قبل أن يسلم سبعة أمثال ما أكل عنده لما أسلم إما لبركة التسمية التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشبعه الله عز وجل بحلاب تلك الشاة وما وضع له فيها من البركة ما يكون له برهانا وآية ليرسخ الإيمان في نفسه وذلك والله أعلم لما علم الله تعالى من قلة الطعام يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتكون آية لذلك الرجل فأراه الله في نفسه آية في إيمانه ليزداد يقينا ونحو هذا مما يعلم من آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا في بركة الطعام الذي أكل منه العدد الكثير فشبعوا وهو قوت واحد أو اثنين وآياته وعلاماته في مثل ذلك كثيرة قد ذكرنا منها في مواضع من التمهيد ما يشفي الناظر ويزيد في يقين المؤمن والحمد لله كثيرا وهذا كله يدل على أن لفظ هذا الحديث خرج مخرج العموم ومعناه الخصوص وهو موجود في لغة العرب قال الله عز وجل الذين قال لهم الناس آل عمران ومعلوم أن الناس كلهم قد جمعوا لكم آل عمران وقد قيل إن المخبر القائل ذلك القول كان رجلا واحدا وقد يسمع السامع قولا فيتناوله على العموم ولم يرد به المخبر إلا الخصوص كما قال صلى الله عليه وسلم إنما الربا في النسيئة وهذا كان منه جوابا لسائل سأله عن ذهب وفضة أو ما كان مثلهما مما حرم فيه الربا من جنسين مطعومين فأجابه أنه لا ربا إلا في النسيئة يعني في ما سألت عنه وقد روي في هذا الباب حديث فيه دلالة على أنه أريد بذلك رجل بعينه حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني زيد بن الحباب قال

حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني عبيد الله بن سلمان الأغر عن عطاء بن يسار عن جهجاه الغفاري أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فلما سلم قال ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلم يبق في المسجد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيري وكنت رجلا عظيما طوالا لا يقدم علي أحد فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فحلب لي عنزا فأتيت عليها ثم حلب لي أخرى فأتيت عليها حتى حلب لي سبعة أعنز فأتيت عليها ثم أتيت بثومه فأتيت عليها فقالت أم أيمن أجاع الله من أجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه يا أم أيمن أكل رزقه ورزقنا على الله عز وجل وذكر الحديث وفيه أنه أسلم ثم ذهب به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته وتركه أصحابه لطول جسمه وعظمه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبت له عنز واحدة فشربها فروي قال فرويت فشبعت فقالت أم أيمن يا رسول الله أليس هذا ضيفنا فقال بلى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه أكل في معى مؤمن الليلة وأكل في معى كافر والكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معى واحد يريد ذلك الرجل بعينه والله أعلم باب النهي عن الشراب في آنية الفضة والنفخ في الشراب مالك عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم قال أبو عمر لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث إلا بن وهب وطائفة قالوا فيه عن مالك عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر الصديق والأكثر يقولون كما قال يحيى عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وهو الصواب وكذلك رواه عبيد الله بن عمر

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي يشرب أو يأكل في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم واختلف فيه على نافع اختلافا كثيرا ذكرناه في التمهيد والصحيح عنه في إسناده ما رواه مالك وعبيد الله ومن رواه عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ فيه واختلف في المعنى المقصود إليه بهذا الحديث فقالت طائفة من العلماء إنما عنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله هذا المشركين والكفار من ملوك الفرس والروم وغيرهم الذين يشربون في آنية الفضة فأخبر عنهم وحذرنا أن نفعل فعلهم ونتشبه بهم وقال آخرون بل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عن الشرب في آنية الفضة فمن شرب فيها بعد علمه بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقد استوجب الوعيد المذكور في الحديث إلا أن يعفو الله عنه فإنه تبارك اسمه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وأجمع العلماء على أنه لا يجوز لمسلم أن يشرب ولا يأكل في آنية الفضة وآنية الذهب عندهم كذلك أو أشد لأنه قد جاء فيها مثل ما جاء في آنية الفضة وقد تقدم من رواية عبيد الله بن عمر تسوية رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وروى شعبة عن الحكم عن بن أبي ليلى عن حذيفة أنه استسقى فأتاه دهقان بإناء فضة فرماه به وقال إني لم أرمه به إلا أني نهيته فلم ينته وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير والديباج وعن الشرب في آنية الذهب والفضة وقال هي لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة ورواه مجاهد عن بن أبي ليلى عن حذيفة مثله وروى شعبة وأبو إسحاق الشيباني عن أشعث بن أبي الشعثاء عن معاوية بن سويد عن مقرن عن البراء بن عازب قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية

الفضة وقال من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد واختلف العلماء في جواز اتخاذ أواني الفضة بعد إجماعهم على أنه لا يجوز استعمالها لشرب ولا غيره فقالت طائفة يجوز اتخاذها كما يجوز اتخاذ الحرير والديباج ولكنها لا يستعمل شيء منها وتزكي إن اتخذت وقال الجمهور من العلماء إنه لا يجوز اتخاذها ولا استعمالها ومن اتخذها كان عاصيا باتخاذها قال أبو عمر معلوم أن من اتخذها لا يسلم من بيعها أو استعمالها لأنها ليست مأكولة ولا مشروبة فلا فائدة فيها غير استعماله فكذلك لا يجوز اتخاذها عند جماعة الفقهاء وجمهور العلماء وكلهم مجمعون على إيجاب الزكاة فيها على متخذها إذا بلغت النصاب من الذهب أو الفضة أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني عبد الحميد بن أحمد قال حدثني الخضر بن داود قال حدثني أبو بكر الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل وقيل له رجل دعا رجلا إلى طعام فدخل فرأى آنية فضة فقال لا يدخل إذا رآها وغلظ فيها وفي كسبها واستعمالها وذكر حديث حذيفة المذكور وحديث أم سلمة حديث هذا الباب وحديث البراء أيضا قال أبو عمر اختلف العلماء في الإناء المفضض على ما قد ذكرناه عنهم في التمهيد وأما قوله إنما يجرجر في بطنه نار جهنم فالجرجرة ها هنا صوت الماء في حلق الشارب أو في الإناء المقصود به صوت جرع الشارب إذا شرب وهي كلمة مستعارة مأخوذة من جرجرة العجل من الإبل وهي هديره وصوت يسمع من حلقه يردده قال امرؤ القيس إذا سافه العود النباطي جرجرا

أي رغا لبعد الطريق وضعوبته وقال الراجز يصف فحلا وهو إذا جرجر عند الهب جرجر في حنجرة كالحب وهامة كالمرجل المنكب مالك عن أيوب بن حبيب مولى سعد بن أبي وقاص عن أبي المثنى الجهني أنه قال كنت عند مروان بن الحكم فدخل عليه أبو سعيد الخدري فقال له مروان بن الحكم أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النفخ في الشراب فقال له أبو سعيد نعم فقال له رجل يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبن القدح عن فيك ثم تنفس قال فإني أرى القذاة فيه قال فأهرقها قال أبو عمر هكذا يقول مالك في شيخه هذا أيوب بن حبيب الجمحي من أنفسهم قال مصعب الزبيري هو أيوب بن حبيب بن أيوب بن علقمة بن ربيعة بن الأعور واسم الأعور خلف بن عمرو بن وهب بن حذافة بن جمح قتل بقديد قال أبو عمر روي عن أيوب بن حبيب مالك وفليح بن سليمان وعباد بن إسحاق وهو عندهم ثقة وأما أبو المثنى الجهني فلا يوقف له على اسم وهو عندهم ثقة من تابعي أهل المدينة روى عنه أيوب بن حبيب ومحمد بن أبي يحيى الأسلمي وفي هذا الحديث الرخصة في الشرب بنفس واحد وكذلك قال مالك رحمة الله

روى عيسى بن دينار عن بن القاسم عن مالك أنه رأى في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي قال له إني لا أروى من نفس واحد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فأبن القدح عن فيك قال مالك فكأني أرى في ذلك رخصة أن يشرب من نفس واحد قال مالك ولا أرى بأسا بالشرب من نفس واحد وأرى فيه رخصة لموضع الحديث إني لا أروى من نفس واحد قال أبو عمر يريد مالك رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما لم ينه الرجل الذي قال له إني لا أروى من نفس واحد أن يشرب في نفس واحد بل قال له كلاما معناه فإن كنت لا تروى من نفس واحد فأبن القدح عن فيك وهذا إباحة منه للشرب من نفس واحد أو كالإباحة وقد رويت عن السلف آثار منها كراهة الشرب في نفس واحد منهم بن عباس وطاوس وعكرمة وقالوا الشرب من نفس واحد شرب الشيطان وقد ذكرنا الآثار عنهم بذلك في التمهيد وروى عن سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز أنهم قالوا لا بأس بالشرب في نفس واحد وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك وقال ميمون بن مهران رآني عمر بن عبد العزيز وأنا أشرب فجعلت أقطع شرابي وأتنفس فقال إنما نهي أن يتنفس في الإناء فإذا لم تتنفس في الإناء فاشربه إن شئت بنفس واحد قال أبو عمر قول عمر بن عبد العزيز هذا هو تفسير هذا الباب وتهذيب معناه وروى عقيل عن بن شهاب قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الطعام والشراب ولم أر أحدا أشد في ذلك من عمر بن عبد العزيز وكذلك رواه يونس عن بن شهاب سواء وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني جعفر بن محمد قال حدثني محمد بن سابق قال حدثني شيبان وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال أخبرنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي جميعا عن يحيى بن أبي كثير عن عبد

الله بن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو عيسى عبد الرحمن بن إسماعيل الأسواني قال حدثني أحمد بن محمد بن سلام قال حدثني مجاهد بن موسى قال حدثني سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن بن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفخ في الإناء أو يتنفس فيه حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني يونس بن عبد الأعلى قال حدثني أنس بن عياض عن الحارث بن عبد الرحمن الدوسي عن عمه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه ولكن إذا أراد أن يتنفس فليؤخره عنه ثم يتنفس وقد ذكرنا وجوها محتملة لمعنى كراهية التنفس في الإناء في التمهيد باب ما جاء في شرب الرجل وهو قائم مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان كانوا يشربون قياما مالك عن بن شهاب أن عائشة أم المؤمنين وسعد بن أبي وقاص كانا لا يريان بشرب الإنسان وهو قائم بأسا مالك عن أبي جعفر القارئ أنه قال رأيت عبد الله بن عمر يشرب قائما مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه كان يشرب قائما

قال أبو عمر إنما رسم مالك هذا الباب وذكر فيه عن عمر وعلي وعثمان وسعد وعائشة وبن عمر وبن الزبير أنهم كانوا يشربون قياما لما سمع فيه من الكراهية والله أعلم ولم يصح عنده الحظر وصحت عنده الاباحة فذكرها في باب أفرد لها من كتابه هذا وهي الأكثر عند العلماء وعليها جماعة الفقهاء ومن الكراهة في ذلك ما ذكره وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس بن مالك قال نهى رسول لله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائما وهذا الحديث رواه معمر عن قتادة عن أنس بن مالك قوله قال سألت أنسا عن الشرب قائما فكرهه وروى وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري قال زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا شرب قائما وكرهه الحسن البصري ذكره أبو بكر عن هشيم عن منصور عن الحسن وقد روي عنه خلاف ذلك ذكره أبو بكر قال حدثني أبو الأحوص عن عبد الله بن شريك عن بشر بن غالب قال رأيت الحسن يشرب وهو قائم وعن وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال إنما أكره الشرب قائما لداء يأخذ في البطن وأما الإباحة في الشرب قائما والرخصة في ذلك فمن ذلك حديث الشعبي عن بن عباس قال ناولت رسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة من زمزم فشربها وهو قائم حدثناه سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن عيينة وحفص عن عاصم الأحوال عن الشعبي عن بن عباس فذكره

وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عاصم الأحول عن الشعبي عن بن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بدلو من زمزم فنزع له فشربه وهو قائم حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إبراهيم بن إسحاق النيسابري قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال كنا نشرب ونحن قيام ونأكل ونحن نمشي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه أبو اليزيد بن عطاء عن بن عمر مثله سواء ومنها حديث علي بن أبي طالب حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني يحيى بن سعيد عن مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال أتي علي بماء فشرب قائما وقال إن ناسا يكرهون هذا وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائما وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرب قائما من حديث أم سليم وحديث كبشة جدة عبد الرحمن بن أبي عمرة وروي عن بن عمر من وجوه أنه كان يشرب قائما وروي عن أبي هريرة الوجهان جميعا الكراهة والإباحة وكان طاوس ومجاهد وسعيد بن جبير يشربون قياما قال أبو عمر الأصل الإباحة حتى يرد النهي من وجه لا معارض له فإذا تعارضت الآثار سقطت والأصل ثابت في الإباحة حتى يصح الأمر أو النهي بما لا مدفع فيه وبالله التوفيق

باب السنة في الشرب ومناولته عن اليمين مالك عن بن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء من البئر وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر الصديق فشرب فثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن قال أبو عمر لم يختلف على مالك ولا على بن شهاب في هذا الحديث أن عن يمينه الأعرابي وعن يساره أبا بكر وبعضهم يقول فيه عن بن شهاب وعن يمينه رجل من أهل البادية وأهل البادية هم الأعراب وزاد بعض الرواة رواة بن شهاب فيه أن عمر كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم نأول أبا بكر يا رسول الله فلم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الأيمن فالأيمن وممن قال ذلك بن عيينة أخبرنا محمد بن عبد الملك قال أخبرنا أحمد بن محمد بن زياد قال حدثني الحسن بن محمد بن الصباح وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قالا أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري سمعه من أنس بن مالك قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا بن عشر سنين وتوفي وأنا بن عشرين سنة وكن أمهاتي يحثثنني على خدمته ودخل علينا في دارنا فحلبنا له من شاة داجن لنا وشيب له من بئر في الدار وأبو بكر عن شماله وأعرابي عن يمينه وكان عمر ناحية فقال عمر يا رسول الله أعط أبا بكر فأعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن قال أبو عمر روى هذا الحديث محمد بن الوليد البسري عن عبد الرحمن بن

مهدي عن مالك عن الزهري عن أنس فذكر فيه ألفاظ بن عيينة كلها من أولها إلى آخرها وقال في آخره الأيمن فالأيمن فمضت سنة فزاد على بن عيينة أيضا ولم يروه أحد عن مالك كذلك إلا ما ذكره البسري عن بن مهدي عنه ومحمد بن الوليد معروف بحمل العلم صدوق ولا أعلم أحدا طعن عليه في نقله ولعله قد حفظ عن بن مهدي ما قاله مالك فإن مالكا ربما اختصر الحديث وربما جاء به بتمامه مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام اتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا قال فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث كل من رواه عن أبي حازم كما رواه مالك وأخطأ فيه عبد العزيز بن أبي حازم قال وعن يساره أبو بكر فغلط وإنما ذلك في حديث بن شهاب عن أنس وهما حديثان في قصتين متغايرتين وفي مكانين وفي وقتين حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني حفص بن حمزة قال حدثني إسماعيل بن جعفر قال أخبرني أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن وغلام عن يمينه والأشياخ أمامه وعن يساره فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال للغلام يا غلام أتأذن أن أسقي الأشياخ قال ما أحب أن أوثر بفضل شربتك على نفسي أحدا من الناس فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الأشياخ قال أبو عمر الغلام المذكور في هذا الحديث بن عباس والأشياخ أحدهم

خالد بن الوليد وهذا ما لا خلاف فيه وقد نقل من طرق منها ما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني علي بن زيد بن جدعان عن عمرو بن حرملة عن بن عباس قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالتي ميمونة ومعنا خالد بن الوليد فقالت ميمونة ألا نقدم إليك يا رسول الله شيئا أهدته لنا أم عفيف قال بلى فأتته بضباب مشوية فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث مرات ولم يأكل منها وأمرنا أن نأكل منها ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فيه لبن فشرب وأنا عن يمينه وخالد عن يساره فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرب لك يا غلام وإن شئت آثرت بها خالدا فقلت ما كنت لأوثر بسؤر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأبدلنا به ما هو خير منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإني لا أعلم شيئا يجزئ من الطعام والشراب غيره ورواه إسماعيل بن علية عن عبد الله بن زيد بإسناده إلا أنه قال فيه عمرو بن حرملة أو قال بن أبي حرملة عن بن عباس قال دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة فجاءتنا بإناء فيه لبن فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عن يمينه وخالد عن شماله فقال لي الشربة لك وإن شئت أثرت بها خالدا فقلت ما كنت لأوثر بسؤرك أحدا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن هكذا رواه بن علية ولم يذكر في قصة الضباب ذكر أبو عيسى الترمذي قال حدثني أحمد بن منيع قال حدثني إسماعيل بن علية ورواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن عمرو بن حرملة عن بن عباس مثله قال أبو داود كذلك قال لي شعبة وغيره بقول عمرو بن حرملة قال أبو عمر بن عيينة جوده وأقامه وأني به بتمامه والصواب في اسم الرجل عمر بن حرملة لا عمرو ولا بن أبي عمر ولا بن حرمل

وقد ذكرنا ما في هذا الحديث من معاني الآداب والسنن في التمهيد والحمد لله باب جامع ما جاء في الطعام والشراب مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول قال أبو طلحة لأم سليم لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء فقالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت يدي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آرسلك أبو طلحة فقلت نعم قال للطعام فقلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا قال فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم قال فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فآدمته ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة بالدخول فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة بالدخول فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلا أو ثمانون رجلا قال أبو عمر وفي حديث قبول مواساة الصديق وقبول صدقته وهديته وأكل طعامه وفيه دليل على أن الصلة والهدية ليست بصدقة ولو كانت صدقة ما أكلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة وقال إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا آل محمد

وفيه أن خبز الشعير عندهم من رفيع الطعام الذي يتهادى ويدعى له الجلة الفضلاء وكان في أول الإسلام أكثر طعامهم التمر وفيه أن الأنبياء تزوى عنهم الدنيا حتى ليدركون القوت ويبلغ بهم الجهد إلى شدة الجوع حتى يضعف منهم الصوت من غير صيام كما وصف في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن الرجل إذا دعي إلى طعام جاز له أن يدعو جلساءه وجاز لهم الإقبال معه إليه وإن لم ينذرهم صاحب الطعام وذلك إذا علم الداعي لهم أن الطعام يحملهم وأن ذلك يسر صاحب الطعام ويرضاه وإلا فلا وقد قال مالك لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى طعام أن يحمل معه غيره لأنه لا يدري هل يسر بذلك صاحب الطعام أم لا إلا أن يقول له صاحب الطعام ادع من لقيت فإن قال له ذلك كان له أن يحمل معه غيره وفيه أن من أخلاق المؤمن الأكتراث إذا نزل به ضيف وليس معه ما يكرمه به لأن الضيافة من أخلاق الكرام وفيه من فضل فطنة أم سليم بحسن جوابها زوجها حين شكا إليها كثرة من حل به من الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلة طعامه فقالت له الله ورسوله أعلم أي أنه لم يأت بهم إلا وسيطعمهم وفيه الخروج إلى الطريق لمن قصد إكراما له إذا كان أهلا لذلك لأنه من البر والكرامة وفيه أن صاحب الدار لا يستأذن في داره وأن من دخل معه استغنى عن الإذن وفيه أنه لا حرج على الصديق أن يأمر في دار صديقه بما شاء مما يعلم أنه يسر به ولا يسؤه ذلك ألا ترى أنه اشترط عليهم أن يفتوا الخبز وقال لأم سليم هات ما عندك ولقد أحسن القائل في هذا المعنى مفتخرا بذلك يستأنس الضيف في أبياتنا أبدا فليس يعرف خلق أينا الضيف وفيه دليل أيضا على أن الثريد أعظم بركة من غيره ولذلك اشترط به رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم وفيه أن الإنسان لا يدخل عليه بيته إلا معه أو بإذنه ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن لعشرة ثم ائذن لعشرة ثم ائذن لعشرة حتى استوفى جميعهم عشرة عشرة وكانوا سبعين أو ثمانين رجلا

وفيه العلم الواضح من أعلام النبوة والبرهان الساطع من براهينها أن يكون العدد الكبير يأكلون حتى يشبعوا من الطعام اليسير وكم له من مثلها صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرنا منه كثيرا في مواضع من كتابنا كتاب التمهيد والحمد لله كثيرا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال طعام الاثنين كافي الثلاثة وطعام الثلاثة كافي الأربعة وهذا الحديث يدل على أن الكفاية ليست بالشبع والاستبطان كما أنها ليست بالغنى قال أبو حازم رحمه الله إذا كان ما يكفيك لا يغنيك فليس شيء يغنيك وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن القوم كانوا لا يشبعون كل الشبع وكانوا لا يقدمون الطعام إلى أنفسهم حتى يشتهوه فإذا قدموا أخذوا منه حاجتهم ورفعوه وفي أنفسهم بقية من شهوته وهذا عند أهل الطب والحكمة أفضل ما يستدام به صحة الأجسام وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما ملأ بن آدم وعاء شرا من بطن حسب بن آدم أكلات يقمن صلبه ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أغلقوا الباب وأوكوا السقاء وأكفئوا الإناء أو خمروا الإناء وأطفئوا المصباح فإن الشيطان لا يفتح غلقا ولا يحل وكاء ولا يكشف إناء وإن الفويسقة تضرم على الناس بينهم

قال أبو عمر هكذا قال يحيى تضرم على الناس بينهم وتابعه بن وهب وبن القاسم وقال بن بكير بيوتهم وقال القعنبي بينهم أو بيوتهم وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل وتلك سنة مأمور بها رفقا بالناس لشياطين الإنس والجن وأما قوله إن الشيطان لا يفتح غلقا ولا يحل وكاء فذلك إعلام منه وإخبار عن نعم الله عز وجل على عبادة من الإنس إذ لم يعط قوة على قوة فتح باب ولا حل وكاء ولا كشف إناء وأنه قد حرم هذه الأشياء وإن كان قد أعطي ما هو أكثر منها من التخلل والولوج حيث لا يلج الإنس وقوله أوكوا السقاء معناه أيضا قريب مما وصفنا في غلق الباب والسقاء القربة وقد تكون القلة والخابية وما كان مثلهما في ذلك المعنى وقوله أكفؤوا الإناء معناه اقلبوه على فيه أو خمروه شك المحدث والمعنى في ذلك أن الشياطين تجول بالبيوت والدور بالليل وفيهم مردة تؤذي بدروب من الأذى وذلك معروف في أفعالهم في كتاب العلماء ومعلوم بالمشاهدات في أزمنة شتى وهم لنا أعداء وحسبك بفعل العدو قال الله تعالى أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو الكهف والكلمة من قوله أكفئوا الإناء ثلاثية مهموزة يقال كفأت الإناء أكفؤه فهو مكفوء إذا قلبته قال بن هرمة عندي لهذا الزمان آنية أملأها مرة وأكفؤها وقوله أطفئوا المصباح مهموز أيضا قال الله تعالى كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله المائدة وقال بن هرمة برزت في غايتي وشايعني موقد نار الوغى ومطفئها وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطفاء المصباح رفقا بأمته وحياطة عليهم وأدبا لهم

وقال صلى الله عليه وسلم لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون رواه الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه من طرق في التمهيد وقوله الفويسقة يعني الفأرة سماها بذلك لأذاها الناس وكل من يؤذي المسلمين ما اكتسبوا فهو فاسق خارج عن طاعة الله عز وجل وقال صلى الله عليه وسلم خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم فذكر منهن الفأرة وقوله تضرم على الناس أي تشعل النار على الناس قال بن وهب وغيره ربما جعلت الفتيلة موقودة حتى تجعلها في السقف فتحرق البيت وقد ذكرت في التمهيد حديث أبي سعيد الخدري أنه قيل له لم قيل للفأرة الفويسقة قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وقد أخذت فتيلة لتحرق بها البيت وحديث بن عباس قال جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فأتت بها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم فقال إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل هذه على هذا فتحرقكم ومن حديث عطاء بن يسار عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم نباح الكلاب أو نهاق الحمير بالليل فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنهن يرون ما لا ترون وأقلوا الخروج إذا هدأت الرجل فإن الله تعالى يبث من خلقه في ليله ما شاء وأجيفوا الأبواب واذكروا اسم الله عليها فإن الشيطان لا يفتح بابا أجيف وذكر اسم الله عليه وغطوا الجرار وأكفئوا الآنية وأوكوا القرب قال أبو عمر قد أتي في هذا الحديث شرط التسمية في الباب إذا أجيف

وجاء في غيره أيضا مثله في تغطية الإناء أو قلبه إن الشيطان لا يعترضه إذا سمى الله تعالى عليه عند ذلك الفعل به وهذه زيادة على ما جاء في حديث أبي الزبير عن جابر وقد ذكرنا حديث عطاء بن يسار عن جابر بذلك بإسناده في التمهيد وذكرنا هناك أيضا حديث القعقاع بن حكيم عن جابر بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل بها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء قال الليث بن سعد وهو أحد رواة هذا الحديث والإعاجم يتقون ذلك في كانون الأول وفي حديث عطاء بن أبي رباح عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم خمروا الآنية وأوكوا الأسقية وأجيفوا الأبواب وكفوا صبيانكم عند المساء فإن للجن انتشارا وخطفة وقد ذكرنا هذا الخبر وما كان مثله بإسناده في التمهيد وذكرنا هناك أيضا خبر اختطاف الجن للذي ضرب عمر بن الخطاب الأجل لامرأته حين فقدته وقد روى بن وهب عن حيوة بن شريح وبن لهيعة عن عقيل عن بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جنح الليل فاحبسوا أولادكم فإن الله يبث من خلقه بالليل ما لا يبث بالنهار قال عقيل يتقى على المرأة أن تتوضأ عند ذلك قال بن شهاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا سمعتم النداء وأحدكم على فراشه أو أين ما كان فاهدءوا ساعة فإن الشياطين إذا سمعت النداء اجتمعوا وعشوا حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني يحيى بن سعيد عن بن جريج عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أطفئ مصباحك واذكر اسم الله وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله قال أبو عمر روينا عن بن عباس رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال بسم الله فقد ذكر الله ومن قال الحمد لله فقد شكر الله ومن قال الله أكبر فقد عظم الله ومن قال لا إله إلا الله فقد وحد الله ومن قال

لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم فقد سلم واستسلم وكان له بها كنز في الجنة مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة وضيافته ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه قال أبو عمر قد أتينا في التمهيد بما فيه شفاء من الآثار المرفوعة وأقوال السلف رحمهم الله في فضل الصمت وأنه منجاة لقوله صلى الله عليه وسلم من صمت نجا إلا أن الكلام بالخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإدمان الذكر وتلاوة القرآن أفضل من الصمت لأن الكلام بذلك غنيمة والصمت سلامة والغنيمة فوق السلامة وذكرنا هناك ما للعلماء في معنى قول الله تعالى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ق وأما الذي يكتب على المؤمن من كلامه فمن أحسن ما قيل في ذلك ما رواه النضر بن عباس عن هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس قال يكتب عن الإنسان كل ما يتكلم به من خير أو شر وما سوى ذلك فلا يكتب وقال أبو حاتم الرازي حدثني الأنصاري قال حدثني هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس قوله تعالى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ق قال لا يكتب إلا الخير والشر وأما قوله يا غلام اسق الماء واسرج الفرس فلا يكتب وأما قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره فإن الله تعالى قد أوصى بالجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه وقد ذكرنا في التمهيد من حديث سعيد بن أبي سعيد أيضا عن أبي شريح الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لا يؤمن جار حتى يأمن جاره بوائقه وذكر مالك عن أبي حازم بن دينار أنه قال كان أهل الجاهلية أبر بالجار منكم وهذا قائلهم يقول ناري ونار الجار واحدة وإليه قبلي ينزل القدر ما ضر جار ألا أجاوره ألا يكون لبابه ستر أعمى إذا ما جارتي برزت حتى يواري جارتي الخدر وأما قوله من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه فالمعنى أن المؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر ينبغي أن تكون هذه أخلاقه قول الخير أو الصمت وبر الجار وإكرام الضيف فهذه حلية المؤمن وشيمته وخلقه وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده وروى بن وهب والوليد بن مسلم وقتيبة بن سعيد عن بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في من لا يضيف قال أبو عمر أجمع العلماء على مدح مكرم الضيف والثناء عليه بذلك وحمده وأن الضيافة من سنن المرسلين وأن إبراهيم أول من ضيف الضيف صلى الله عليه وسلم

واختلفوا في وجوب الضيافة فكان الليث بن سعد يوجبها قال بن وهب وسمعت الليث يقول الضيافة حق واجب قال أبو عمر يحتمل أن يكون الليث أراد أن الضيافة واجبة في أخلاق الكرام ولكن قد حكى بن وهب وغيره عنه إيجابها ليلة واحد فأجاز للعبد المأذون له أن يضيف مما بيده وقال به القوم واحتجوا بحديث شعبة عن منصور عن الشعبي عن المقدام بن معد يكرب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم فإن أصبح بفنائه فإنه دين له إن شاء قضاه وإن شاء تركه واحتجوا بأحاديث مرفوعة في مثل هذا المعنى قد ذكرتها في التمهيد وحديث الليث في ذلك هو حجة لما ذهب إليه حدثني محمد بن خليفة قال حدثني محمد بن الحسن قال حدثني موسى بن هارون قال حدثني قتيبة بن سعيد قال حدثني الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فنمر بقوم ولا يقرونا فماذا ترى فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي قال أبو عمر وهذا يحتمل أن يكون في أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة ثم أتى الله تعالى بالخير والسعة فصارت الضيافة جائزة وكرما مندوبا إليها محمودا فاعلها عليها وقال مالك ليس على أهل الحضر ضيافة وقال سحنون إنما الضيافة على أهل البادية وأما أهل الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر قال أبو عمر روى إبراهيم بن عبد الله بن همام بن أخي عبد الرزاق عن عمه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر

وهذا عندهم حديث موضوع وضعه بن أخي عبد الرزاق والله أعلم وهو متروك الحديث وحدثناه عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثني الحسن بن إسماعيل قال حدثني بكر بن العلاء القسري القاضي قال حدثني أبو مسلم الكجي قال حدثني إبراهيم بن عبد الله بن أخي عبد الرزاق فذكره كما ذكرنا سواء وقال مالك ليس للعبد المأذون له أن يضيف أحدا ولا يهب ولا يعير ولا يدعو أحدا إلى طعام إلا بإذن سيده وهو قول الشافعي والحسن بن حي في العبد المأذون له وقال الشافعي الضيافة على أهل البادية والحاضرة والضيافة حق واجب في مكارم الأخلاق قال أبو عمر حديث مالك في هذا الباب عن سعيد عن أبي شريح الكعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم دال على أن الضيافة ليست بواحبة فرضا لأن الجائزة في لسان العرب العطية والمنحة والصلة وذلك لا يكون إلا على اختيار لا عن وجوب وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه مع إجماعهم على أن إكرام الجار وصلته وعطيته ليست بفرض دليل على أن الضيافة أيضا ليست بفرض وروى أبو إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر بن الخطاب سمعه يقول إن إكرام الضيف يوم وليلة وضيافته ثلاثة أيام فإن أصابه بعد ذلك مرض أو مطر فهو دين عليه وكان عبد الله بن عمر يقبل الضيافة ثلاثا ثم يقول لنافع أنفق فإنا لا نأكل الصدقة ويقول احبسوا عنا صدقتكم وسئل الأوزاعي عن من أطعم ضيفه خبز الشعير وعنده خبز البر أو أطعمه الخبز بالزيت وعنده اللحم فقال هذا ممن لا يؤمن بالله واليوم الآخر قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه أي لا يقيم على ضيافته أكثر من ثلاث والثواء الإقامة

قال كثير أريد الثواء عندها وأظنها إذا ما أطلنا عندها المكث ملت وقال الحارث بن حلزة أأذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء وقوله حتى يحرجهم أي حتى يضيق عليهم ويضيق نفسه والحرج الضيق في لغة القرآن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يمشي بطريق إذ أشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب وخرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له فقالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا فقال في كل ذات كبد رطبة أجر قال أبو عمر النص في هذا الحديث أن في الإحسان إلى البهائم المملوكات وغير المملوكات أجرا عظيما يكفر الله به السيئات والدليل أن في الإساءة إليها وزرا بقدر ذلك لأن الإحسان إليها إذا كان فيه الأجر ففي الإساءة إليها لا محالة الوزر وهذا الحديث عندي يعارض ما روي عنه صلى الله عليه وسلم في قتل الكلاب

وسيأتي القول في ذلك من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وقد روى موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم عن أخيه عن أبيه سراقة بن جعشم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله أرأيت الضالة ترد على حوض إبلي هل لي فيها من أجر إن سقيتها قال نعم في الكبد الحرى أجر مالك عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاثمائة قال وأنا فيهم قال فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك كله فكان مزودي تمر قال فكان يقوتناه كل يوم قليلا قليلا حتى فني ولم تصبنا إلا تمرة تمرة فقلت وما تغني تمرة فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت قال ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظرب فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما ولم تصبهما قال مالك الظرب الجبيل قال أبو عمر قال صاحب العين الظرب بكسر الظاء والجمع الظراب وهو ما كان من الحجارة أصله ثابت في جبل أو أرض خزنة وكان طرفه الثاني محددا فإن كان خلفه الجبل كذلك سمي ظربا والجمع ظراب قال أبو عمر روى هذا الحديث عن جابر جماعة من ثقات التابعين ومعانيهم متقاربة فإذا كان بعضهم يزيد على بعض فيه معنى ليس عند غيرهم منهم عمرو بن دينار وأبو الزبير وعبيد الله بن مقسم وطلحة بن نافع وأبو سفيان وقد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد ورواه بن جريج مختصرا مستوعبا قال حدثني عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الأنصاري يقول غزونا جيش الخبط وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح فجعنا جوعا شديدا فألقى لنا البحر حوتا لم نر مثله يقال له

العنبر فأكلنا منه نصف شهر وأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فكان يمر الراكب تحته قال أبو عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل السرايا والعساكر إلى أرض العدو وتلك سنة مسنونة مجتمع عليها لا تحتاج إلى استدلال ولا استنباط من أخبار الآحاد في هذا الحديث ما يدل على أن المسلمين إذا نزلت بهم ضرورة يخاف منها تلف النفوس ويرجى بالمواساة بقاؤها حينا انتظار الفرج فواجب حينئذ المواساة وأن يشارك المرء رفيقه وجاره فيما بيده من القوت إلا ترى إلى حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال اجمعوا أزوادكم قال فجعل الرجل يجيء بالحفنة من التمر والحفنة من السويق وطرحوا الأنطعة والأكسية فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده ثم قال كلوا فأكلنا وشبعنا وأخذنا في مزاودنا فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله من قالها غير شاك دخل الجنة وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وقال بعض العلماء جمع الأوزاد في السفر سنة وأن يخرج القوم إذا خرجوا في سفر بنفقتهم جميعا فإن ذلك أطيب لنفوسهم وأحسن لأخلاقهم وأحرى أن يبارك لهم قال أبو عمر فجمع أبي عبيدة لأزواد الجيش الذي كان أميرا عليه مأخوذ من السنة المذكورة في حديث أبي هريرة وغيره وقد استدل بعض الفقهاء بحديث أبي هريرة هذا وفعل أبي عبيدة في الأمر بإخراج الأزواد وجمعها والمواساة على التساوي فيها فإنه جائز للإمام عند قلة الطعام وإرتفاع السعر وعدم القوت أن يأمر من عنده طعام يفضل عن قوته بإخراجه للبيع ورأى أن إجباره على ذلك من الواجب لما فيه من توفيق الناس وصلاح حالهم وإحيائهم والإبقاء عليهم وقد كان عمر بن الخطاب رحمه الله يجعل مع كل أهل بيت مثل عددهم عام الرمادة ويقول لن يهلك امرؤ عن نصف قوته

وهذا كله في معنى الأزواد الذي أتت السنة به لما فيه من مصلحة العامة وإدخال الرفق عليهم وقد قال مالك لا يجوز احتكار الطعام في سواحل المسلمين لأن ذلك يضر بهم ويزيد في غلاء سعرهم ومن أضر بالناس حيل بينه وبين ذلك وقال أيضا لا يخرج الطعام من سوق بلد إلى غيره إذا كان ذلك يضر بأهله فإن لم يضر بهم فلا بأس أن يشتريه كل من احتاج إليه وهذا كله من قوله خلاف قوله لا يجبر الناس على إخراج الطعام في الغلاء ولا يجوز التسعير على أهل الأسواق وذلك ظلم ولكن من انحط من السعر قيل له ألحق وإلا فاخرج وقد أوضحنا هذه المعاني في كتاب البيوع وفي هذا الحديث جواز أكل دواب البحر ميتة وغير ميتة بخلاف قول الكوفيين أنه لا يجوز أكل شيء من دواب البحر إلا السمك ما لم يكن طافيا فإن كان السمك طافيا لم يؤكل أيضا وهذه المسألة قد أوضحناها في كتاب الطهارة عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتتة وفي كتاب الصيد أيضا فلا معنى لإعادتها وقد احتج بهذا الحديث من أجاز أكل لحم الصيد إذا أنتن وكذلك كل ما ذكي لأنه معلوم أن الحوت والميتة كلها إذا بقيت أياما أنتنت وقد أكل أبو عبيدة وأصحابه من ذلك الحوت ثماني عشرة ليلة فلا شك أنهم كانوا يأكلونه بعد أن أصل وأنتن والذكي لا يضره نتنه من جهة الحرام وأنه كره لرائحته وقال جماعة من أهل العلم لا يؤكل إذا أنتن لأنه حينئذ من الخبائث ورجس من الأرجاس وإن كان مذكي واحتجوا بحديث أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حدثناه سعيد بن سيد قال حدثني عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني محمد بن عبد الملك بن أيمن

وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني موسى بن معاوية قال حدثني معن بن عيسى عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا الصيد وإن وجدتموه بعد ثلاث ما لم ينتن وذكروا أن جيش أبي عبيدة كانوا جياعا مضطرين تحل لهم الميتة فلذلك أكلوا ذلك الحوت وقد أتينا بما عورضوا به في كتاب الطهارة وأتينا بما للعلماء في أكل الصيد إذا بات عن صائده أو غاب عنه مصرعه في كتاب الصيد والحمد لله كثيرا مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن سعد بن معاذ عن جدته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن لجارتها ولو كراع شاة محرقا قال أبو عمر يا نساء ها هنا رفع لا يجوز غير ذلك والمؤمنات أيضا رفع والمعنى فيه يا أيتها النساء المؤمنات وقد يجوز عند أهل العربية في المؤمنات النصب وأما إضافة النساء إلى المؤمنات فلا يجوز قال أبو عمر الذين أجازوا يا نساء المؤمنات من باب إضافة الشيء إلى نفسه مثل قولك المسجد الجامع وحسن الوجه وقولهم أقوى من قول من وبالله التوفيق وفي هذا الحديث الحض على فعل قليل الخير وكثيره قال الله عز وجل فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الزلزلة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي تميمة الهجيمي لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تضع من دلوك في إناء المستقي

ولقد أحسن القائل افعل الخير ما استطعت وإن كان قليلا فلن تطيق بكله ومتى تفعل القليل من الخير إذا كنت تاركا لأقله وقد تصدقت عائشة رضي الله عنها بحبتي عنب وقالت كم فيها من مثقال ذرة وفي هذا الحديث الحض على بر الجار وصلته ورفده والآثار في حسن الجوار كثيرة جدا وقد أوضحنا معاني هذا الباب في التمهيد مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود نهوا عن أكل الشحم فباعوه فأكلوا ثمنه قال أبو عمر هذا الحديث مسند من حديث عمر بن الخطاب وحديث بن عباس وحديث أبي هريرة وحديث جابر وقد ذكرتها في التمهيد وقيل إن بن عباس إنما يرويه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل إنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عمرو بن دينار قال أخبرني طاوس أنه سمع بن عباس يقول بلغ عمر بن الخطاب أن سمرة باع خمرا فقال قاتل الله سمرة ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها قال أبو عمر قوله فجملوها أي أذابوها وقد جاء هذا مفسرا في حديث أبي هريرة مذكورا في التمهيد

وأما رواية من روى سماع بن عباس لهذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني مسدد بن مسرهد أن بشر بن المفضل وخالد بن عبد الله حدثاه المعنى عن خالد الحذاء عن بركة أبي الوليد عن بن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا عند الركن قال فرفع بصره إلى السماء فضحك فقال لعن الله اليهود ثلاثا إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها إن الله تعالى إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ولم يقل عن خالد بن عبد الله رأيت وقال قاتل قال أبو عمر معنى قوله صلى الله عليه وسلم إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه يريد ثمن ما يباع منه للأكل وما لا منفعة فيه للأكل وأما الحمر الأهلية وما كان مثلها مما لا يجوز أكله ويجوز الانتفاع به فجائز بيعه لغير الأكل وأكل ثمنه وسيأتي القول في الزيت تقع فيه الميتة وما للعلماء في ذلك من المذاهب في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى مالك أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول يا بني إسرائيل عليكم بالماء القراح والبقل البري وخبز الشعير وإياكم وخبز البر فإنكم لن تقوموا بشكره قال أبو عمر الماء القراح هو الصافي الذي لا يشوبه شيء لم يمزج بعسل ولا زيت ولا تمر ولا غير ذلك مما تصنع منه الأشربة قال أبو عمر ما جاء من الآثار في أن قول العبد على طعامه الحمد لله شكر تلك النعمة يعارض خبر عيسى هذا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر أنه قال أفضل الشكر الحمد لله وكان عيسى عليه السلام أشد الأنبياء زهدا في الدنيا وإن كانوا كلهم زهادا فيها وما بعث نبي قط إلا بالزهد في الدنيا والنهي عن الرغبة فيها

حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني شريك عن عاصم و الأعمش عن أبي صالح رفعه إلى النبي عليه السلام قال لأصحابه اتخذوا المساجد مساكن واتخذوا البيوت منازل وانجوا من الدنيا بسلام وكلوا من بقل البرية وزاد الأعمش فيه واشربوا من الماء القراح قال وحدثني جرير عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال كان عيسى عليه السلام لا يرفع غداء لعشاء ولا عشاء لغداء وكان يقول إن مع كل يوم رزقه وكان يلبس الشعر ويأكل الشجر وينام حيث أمسى وروينا أن عيسى عليه السلام قال له الحواريون يا عيسى بن مريم ما تأكل قال خبز الشعير قالوا وما تلبس قال الصوف قالوا وما تفترش قال الأرض قالوا كل هذا شديد قال لن تنالوا ملكوت السماوات والأرض حتى تصيبوا هذا على لذة أو قال على شهوة وروى أبو معاوية عن هشام بن حسان عن الحسن قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الصفة فقال كيف أصبحتم قالوا بخير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير أم إذا غدا على أحدكم بجفنه وريح عليه بأخرى وستر أحدكم بيته كما تستر الكعبة قالوا يا رسول الله نصيب ذلك ونحن على ديننا قال نعم قالوا فنحن يومئذ خير نتصدق ونعتق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنتم اليوم خير إنكم إذا أصبتم ذلك تحاسدتم وتباغضتم وتقاطعتم قال أبو عمر من الدليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصد أصحابه ويردعهم على خواطر حب الدنيا وما يعرض في القلوب من تمنيها ويزهدهم فيها ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سألته ابنته فاطمة رضي الله عنها خادما يخدمها مما أفاء الله عليه تصونها عن الطحين ومؤنة البيت فقال لها ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك تسبحين الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدينه ثلاثا وثلاثين وتهللينه أربعا وثلاثين

ومثل ذلك حديث عقبة بن عامر قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال إيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم فقلنا يا رسول الله كلنا نحب ذلك فقال أفلا أدلكم على ما هو خير من ذلك يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آية من كتاب الله خير له من ناقة وآيتين خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه والله ما الفقر أخشي عليكم ولكني أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا فتتنافسون فيها كما تنافس من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم والآثار في هذا المعنى كثيرة عنه صلى الله عليه وسلم جدا ومن فهم ووفق فالقليل يكفيه مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد فيه أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب فسألهما فقالا أخرجنا الجوع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أخرجني الجوع فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري فأمر لهم بشعير عنده يعمل وقام يذبح لهم شاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نكب عن ذات الدر فذبح لهم شاة واستعذب لهم ماء فعلق في نخلة ثم أتوا بذلك الطعام فأكلوا منه وشربوا من ذلك الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسألن عن نعيم هذا اليوم قال أبو عمر قد روي هذا الحديث مسندا من طرق كثيرة عن أبي هريرة وقد ذكرناها في التمهيد وأتمها وأكملها ما حدثني أبو محمد قاسم بن محمد قراءة مني عليه قال حدثني خالد بن سعد قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ بمكة قال حدثني يحيى بن أبي بكير قال حدثني شيبان بن عبد الرحمن عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد فأتاه أبو بكر فقال ما أخرجك يا أبا بكر فقال خرجت للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والنظر في وجهه قال فلم

يلبث أن جاء عمر فقال ما أخرجك يا عمر قال الجوع قال وأنا قد وجدت بعض الذي تجد انطلقوا بنا إلى أبي الهيثم بن التيهان وكان كثير النخل والشاء ولم يكن له خدم فأتوه فلم يجدوه ووجدوا امرأته فقالوا أين صاحبك فقالت ذهب ليستعذب لنا الماء من قناة بني فلان ما لبث أن جاء بقربته يزغبها فوضعها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يلتزمه ويفديه بأبيه وأمه فانطلق بهم إلى ظل وبسط لهم بساطا ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه بين أيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تنقيت لنا من رطبه فقال أردت أن تتخيروا من رطبه وبسره فأكلوا ثم شربوا من الماء فلما فرغوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي أنتم عنه هذا ظل بارد والرطب البارد عليه الماء البارد ثم انطلق يصنع لهم طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تذبح ذات در قال فذبح لهم عناقا فأكلوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك من خادم قال لا قال فإذا أتانا شيء أو قال سبي فأتنا قال فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسان ليس لهما ثالث فأتاه أبو الهيثم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ أحدهما فقال يا رسول الله خر لي أنت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المستشار مؤتمن خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به معروفا فأتى به امرأته فحدثها بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ما أنت ببالغ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه حتى تعتقه قال هو عتيق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا ومن يوق بطانة الشر فقد وقي قال أبو عمر في حديث مالك وفي هذا الحديث ما كان القوم عليه في أول الإسلام من ضيق الحال وشظف العيش وما زال الأنبياء والصالحون يجوعون مرة ويشبعون أخرى وقد تكلمنا على ما في هذا الحديث من معاني الآداب وغيرها في التمهيد وقال عبد الله بن رواحة في هذه القصة يمدح أبا الهيثم بن التيهان فلم أر كالإسلام عزا لأهله ولا مثل أضياف الأراشي معشرا نبي وصديق وفاروق أمة وخير بني حواء فرعا وعنصرا فوافق للميقات قدر قضية وكان قضاء الله قدرا مقدرا إلى رجل نجد يباري بجوده شموس الضحى جودا ومجدا ومفخرا

وفارس خلق الله في كل غارة إذا لبس القوم الحديد المسمرا ففدى وحيى ثم أدنى قراهم فلم يقرهم إلا سمينا معمرا وروينا عن مجاهد أنه قال في قول الله تعالى ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم التكاثر قال كل شيء من لذة الدنيا مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب كان يأكل خبزا بسمن فدعا رجلا من أهل البادية فجعل يأكل ويتبع باللقمة وضر الصحفة فقال عمر كأنك مقفر فقال والله ما أكلت سمنا ولا رأيت أكلا به منذ كذا وكذا فقال عمر لا آكل السمن حتى يحيا الناس من أول ما يحيون قال أبو عمر وروي يحيى الناس من أول ما يحيون وهذا الحديث قد رواه غير مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان قال كان بين يدي عمر صحفة فيها خبز مفتوت بسمن فجاء رجل كالبدوي فقال كل فجعل يتبع وضر الدسم باللقمة في جنوب الصحفة فقال عمر كأنك مقفر ثم ذكره إلى آخره سواء قال أبو عمر في هذا الخبر تواضع عمر ومؤاكلته الضعفاء من أهل البادية وغيرهم وهذه القصة كانت والله أعلم عام الرمادة فإنها كانت شدة شديدة ومسغبة عامة وكان ذلك عامين أو ثلاثة منع أهل الحجاز فيها غيث السماء فساءت بهم الحال وقيل لها أعوام الرمادة لأن الأرض كانت قد اغبرت من شدة الجدب وكان الغبار يرتفع بين السماء والأرض كالرماد ومن قال عام الرمادة أشار إلى أشدها وروي عن ثابت عن أنس قال تقرقر بطن عمر وكان يأكل الزيت عام الرمادة وكان قد حرم على نفسه السمن قال فنقر بطنه بإصبعه وقال قرقر ما شئت أن تقرقر إنه ليس لك عندنا غير هذا حتى يحيا الناس رواه عبيد الله بن نمير عن عبد الله بن عمر عن ثابت عن أنس وروى حسين الجعفي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن عبد

الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال إني لآكل مع عمر من خبز وزيت وهو يقول أما والله لتصبرن أيها البطن على الخبز والزيت ما دام السمن يباع بالأواقي وأما وضر الصحفة فهو ما يتعلق بها من ودك الطعام والمقفر هو كالمرمل والمرمل الذي لا زاد له ولا قوت معه وقوله حتى يحيا الناس فالرواية بضم الياء والمعنى قد يصيب الناس الحياء بالمطر ويعانوا ويخصبوا والحياء هو الخصب والغيث تقول العرب قد أحيا القوم إذا أصابهم الحياء بالمطر والخصب وصاروا من أهله وكان عمر رضي الله عنه يكره أن يأكل شيئا لا يدرك الناس مثله لئلا يستأثر عن رعيته ويؤثر نفسه عليهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استرعاه الله رعية فلم يحطهم بالنصيحة وحسن الرعاية لم يرح رائحة الجنة حدثني أحمد قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الله بن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى قال كتب عمر إلى أبي موسى أما بعد فإن أسعد الرعاة عند الله من سعدت به رعيته وإن أشقى الرعاة عند الله من شقيت به رعيته فإياك أن تزيغ فتزيغ عمالك ويكون مثلك مثل البهيمة نظرت إلى خضرة من الأرض فرعت فيها تبتغي بذلك السمن وإنما حتفها في سمنها والسلام وقال عمر لو ماتت شاة ضائعة بالفرات لقلت إن الله عز وجل سائلي عنها مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير المؤمنين يطرح له صاع من تمر فيأكله حتى يأكل حشفه قال أبو عمر هذا الخبر يدل على اقتصاره على أكل التمر دون غيره وعلى أنه كان جائعا وعلى أنه كان مخشوشنا في طعامه لا ينتقيه ولا يقول باللين منه

والحشف رديء التمر المسوس اليابس وللعرب مثل تضربه في من باع شيئا رديئا وكال كيل سوء قالت أحشفا وسوء كيلة وروى أحمد بن حنبل قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال قالت حفصة بنت عمر لعمر يا أمير المؤمنين لو لبست ثوبا هو ألين من ثوبك وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك فقد وسع الله عليك من الرزق وأكثر من الخير قال إني سأخاصمك إلى نفسك أما تذكرين ما كان يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة العيش فما زال يذكرها حتى أبكاها وذكر أبا بكر ثم قال والله لئن استطعت لأشاركهما بمثل عيشهما الشديد لعلي أدرك معهما الرخاء مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال سئل عمر بن الخطاب عن الجراد فقال وددت أن عندي قفعة نأكل منه قال أبو عمر قالوا القفعة عندهم ظرف يعمل من الحلفاء وشبهها مستطيل كالذي يحمل عندنا فيه التراب والزبل على الدواب والقفة عندهم التي لها منها غطاء وأما عندنا فالقفه مدورة لا غطاء لها ونحن في غنى عن إعلام أهل بلدنا بها وفي هذا الخبر أكل عمر الجراد وهو أمر مجتمع على جواز أكله لمن شاء واختلف العلماء هل يحتاج إلى ذكاة أم لا فقال مالك لا يأكل حتى يذكى وذكاته عنده قتله كيف أمكن من الدوس أو قطع الرؤوس أو الطرح في النار ونحو ذلك مما يعالج به موته إذ لا حلق له ولا لبة فيذكى فيها بنحر أو ذبح وقال الشافعي والكوفي وسائر أهل العلم الجراد لا يحتاج إلى ذكاة وحكمه عندهم حكم الحيتان يؤكل الحي منه والميت ما لم ينتن مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن حميد بن مالك بن خثيم أنه قال كنت جالسا مع أبي هريرة بأرضه بالعقيق فأتاه قوم من أهل المدينة

على دواب فنزلوا عنده قال حميد فقال أبو هريرة ادهب إلى أمي فقل إن ابنك يقرئك السلام ويقول أطعمينا شيئا قال فوضعت ثلاثة أقراص في صحفة وشيئا من زيت وملح ثم وضعتها على رأسي وحملتها إليهم فلما وضعتها بين أيديهم كبر أبو هريرة وقال الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين الماء والتمر فلم يصب القوم من الطعام شيئا فلما انصرفوا قال يا بن أخي أحسن إلى غنمك وامسح الرعام عنها وأطب مراحها وصل في ناحيتها فإنها من دواب الجنة والذي نفسي بيده ليوشك أن يأتي على الناس زمان تكون الثلة من الغنم أحب إلى صاحبها من دار مروان قال أبو عمر في هذا الخبر ما كانوا عليه من إتحاف الضيف النازل بهم والقادم عليهم والداخل إليهم بما يسر من الطعام وهذا عند الجميع منهم كان معهودا بالسنة المعمول بها والمقدم إليهم بالخيار إن قدر على الأكل أكل وإلا فلا حرج ومن حسن الآداب أن يأكل منه ما قدر عليه لتطيب بذلك نفس الذي قدمه إليه وأما قوله أحسن إلى غنمك فالإحسان إليها ارتياد الراعي الحائط لها المتبع بها مواضع الكلأ وجيد المرعى وقوله امسح الرعام فالرعام ما يسيل من أنوفها من المخاط وقوله أطب مراحها يريد بالكنس وإبعاد الطين وإزاحة الوسخ عنه والمراح الموضع الذي تأوي إليه ليلا أو نهارا وقوله صل في ناحيتها فمأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم صلوا في مراح الغنم وهذا أمر معناه الإباحة عند الجميع لأن المساجد أولى من مراح الغنم بالصلاة وفي إباحة الصلاة في مراحها دليل على إباحة بولها وبعرها وقد ذكرنا اختلاف العلماء في ذلك وفي معنى النهي عن الصلاة في أعطان الإبل في كتاب الصلاة

تقول العرب مراح الغنم وعطن الإبل ومرابض البقر كل ذلك في الموضع الذي تأوي إليه وقد قيل إن عطن الإبل موضع انصرافها ومناخها عند السقي والثلة من الغنم قيل المئة ونحوها ودار مروان بن الحكم أشرف دار بالمدينة كانت ولذلك ضربت بها العرب المثل قال الشاعر ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مروانا وفي هذا الخبر دليل على أن الحديث بالحدثان مباح إذا صح عند المخبر به بأي وجه كان ودليل أيضا على أن المدن تكثر فيها الفتن والتقاتل على الدنيا حتى تفسد وتهلك ويكون الفرار منها إلى القفار والشعاب بقطائع الغنم كما قال صلى الله عليه وسلم يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام ومعه ربيبه عمر بن سلمة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سم الله وكل مما يليك قال أبو عمر هذا الحديث ظاهره الانقطاع في الموطأ وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سم الله وكل مما يليك وهذا عندنا حديث مسند متصل لأن أبا نعيم سمعه من عمر بن أبي سلمة وقد أدرك أبو نعيم وهب بن كيسان هذا جماعة من الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله فكيف لا يدرك عمر بن أبي سلمة قال يحيى بن معين وهب بن كيسان أكبر من الزهري وقد سمع من بن عمر وبن الزبير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة ابن الصلاح تقي الدين عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح

     مقدمة ابن الصلاح  تقي الدين عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح  يعد هذا الكتاب أشهر كتاب في علم مصطلح الحديث على الإطلاق ذكر في...