الدعاء

اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الاثنين، 29 أغسطس 2022

ج11.الاستذكار المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

 

11. الاستذكار
المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

حدثني أحمد بن فتح وخلف بن قاسم قالا حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثني أبو العلاء محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي وحدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني سفيان بن عيينة عن الوليد بن كثير عن أبي نعيم وهب بن كيسان سمعه من عمر بن أبي سلمة قال كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك وقد ذكرنا هذا الحديث عن عمر بن أبي سلمة من طريق أبي نعيم وغيره عنه من وجوه في التمهيد مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت القاسم بن محمد يقول جاء رجل إلى عبد الله بن عباس فقال له إن لي يتيما وله إبل أفأشرب من لبن إبله فقال بن عباس إن كنت تبغي ضالة إبله وتهنأ جرباها وتلط حوضها وتسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب قال أبو عمر يحيى بن سعيد أحسن سياقه لهذا الخبر من الزهري رواه معمر وغيره عن الزهري عن القاسم بن محمد قال جاء رجل إلى بن عباس فقال إن في حجري يتامى وأموالهم عندي وهو يستأذنه أن يشرب من ألبانها وأن يصيب منها فقال ألست تلط حوضها وتبتغي ضالتها وتهنأ جرباها قال بلى قال فأصب من رسلها يعني لبنها ورواه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم ويحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن بن عباس فذكره قال وزاد عبد الرحمن فاشرب من فضل الدر

قال سفيان وحدثني بن نجيح قال قال لي القاسم بن محمد ما سمعت فتيا أحسن من فتيا بن عباس هذه في اليتيم إلا أن يكون حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال سفيان عن عمرو عن الحسن قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال في حجري يتيم وله مال أفآكل من ماله قال نعم بالمعروف غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله قال أفأضربه قال مما كنت منه ضاربا ولدك واختلف أهل العلم في ما يحل لوالي اليتيم من ماله بعد إجماعهم أن أكل مال اليتيم ظلما من الكبائر قال الله عز وجل إن الذين يأكلون أمول اليتمى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا النساء وقال تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده الإسرء وقال واتبلوا اليتمى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمولهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف النساء فقيل الغني لا يحل له أكل شيء من مال اليتيم وقيل بل له أن يأكل منه بمقدار قيامه عليه وخدمته له وانتفاع اليتيم به في حسن نظره له وهذا يشبه قول بن عباس المذكور وقد قيل يستقرض من ماله فإن أيسر رده وقال بهذه الأقوال جماعة من علماء السلف وليس هذا موضع تقصي القول في ذلك وأما قوله في حديث مالك تبغي ضالتها يعني تطلب ما ضل منها وما شرد حتى تصرفه وقوله تهنأ جرباها فالهنأ طلاء القطران يعني تطلي جرباها بالقطران قال دريد بن الصمة في الخنساء ونظر إليها وهي تهنأ الجربى من إبلها ما إن رأيت ولا سمعت به كاليوم هانئ أينق جرب متبدلا تبدو محاسنه يصنع الهنأ مواضع الثقب

وقال إبراهيم بن هرمة لست بذي قلة مؤثلة أقط ألبانها وأسلؤها لكني قد علمت ذو إبل أحسبها للقرى وأهنأها وقوله وتلط حوضها وقد روي وتلوط حوضها أي تصلح الحوض وتسد المواضع التي يخرج منها الماء قال الشاعر وليطت حياض الموت وسط العشائر وقوله وتسقيها يوم وردها يعني يوم ترد الماء لتشرب وقوله غير مضر بنسل يعني لا يكون شريكا مضرا بالأولاد ينهاه عن السرف لأنه إذا سرف أضر بفصلانها والحلب بتحريك اللام اللبن نفسه والحلب بتسكين اللام مصدر حلب مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يؤتى أبدا بطعام ولا شراب حتى الدواء فيطعمه أو يشربه إلا قال الحمد لله الذي هدانا وأطعمنا وسقانا إلى آخر الحديث فالحمد لله على الأكل والشرب مع التسمية سنة مسنونة التسمية أولا والحمد لله آخرا والدعاء كثير لا يكاد يحصى وخيره ما كان الداعي بنية ويقين بالإجابة ويكفي من ذلك قوله في أول الطعام بسم الله الرحمن الرحيم وفي آخره الحمد لله رب العالمين اللهم بارك لنا في ما رزقتنا وقنا عذاب النار

سئل مالك هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها فقال مالك ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال قال وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله أو مع أخيها على مثل ذلك ويكره للمرأة أن تخلو مع الرجل ليس بينه وبينها حرمة قال أبو عمر في كتاب الله تعالى شفاء من هذا المعنى قال الله عز وجل وقل للمؤمنت يغضضن من أبصرهن النور كما قال قل للمؤمنين يغضوا من أبصرهم النور وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخلون رجل بامرأة ليس منها بذي محرم ولا تسافر امرأة بريدا فما فوقه إلا مع ذي محرم وقال جرير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري وقال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه لك النظرة الأولى وليس لك الأخرى وهذا تفسير حديث جرير أنه أمره أن يصرف بصره عن النظرة الثانية لأن النظرة الأولى غلب عليها بالفجاءة ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته وزمنه خير من زمننا هذا وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذات محرم نظر شهوة يرددها وقال عاصم الأحول قلت للشعبي الرجل ينظر إلى المرأة لا يرى منها محرما قال ليس لك أن تنقبها بعينك قال أبو عمر فأين المجالسة والمؤاكلة من هذا

وقال مجاهد في قول الله عز وجل يا أيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمنكم النور قال عبيدكم المملوكون والذين لم يبلغوا الحلم منكم النور قال الذين لم يحتلموا من أحراركم وقال بن جريج قلت لعطاء وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا قال واجب على الناس جميعا أن يستأذنوا أحرارا كانوا أو عبيدا وقال سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن السلمي قال ليستئذنكم الذين ملكت أيمنكم قال النساء ما عنى بها إلا النساء قال سفيان نحن نقول عنى بها الرجال إذا بلغوا الحلم استأذنوا وقال أبو إسحاق الفزاري قلت للأوزاعي ما حد الطفل الذي يستأذن قال بن أربع سنين قال لا يدخل على المرأة حتى يستأذن قال أبو عمر قد جاءت رخصة في المملوك الوغد وفي معاني من هذا الباب تركت ذكرها لأني لم أر من الصواب إلا أن يكون المملوك من غير أولى الإربة فيكون حكمه حكم الأطفال الذين لا يفطنون لعورات النساء وكم من المماليك الأوغاد أتى منهم الفساد باب ما جاء في أكل اللحم مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر قال أبو عمر هذا يدل على أن الخمرة من ابتلى بها قل ما يقلع عنها ولا يتوب منها وأما اللحم فسيد الإدام وهو غاية التنعم والرفاهية ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وقد ذكرناه في التمهيد أنه قال سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوليمة ولو بشاة وقال لا تقطعوا اللحم بالسكين على الخوان فإنه من فعل الأعاجم وكان صلى الله عليه وسلم يأكل اللحم وكان يعجبه لحم الذراع

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أطيب اللحم لحم الطير وقال سفينة أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى وكان عمر رضي الله عنه مخشوشنا في أكله ولباسه وكذلك في كتابه إلى أهل البصرة إياكم والتنعم وزي العجم واخشوشنوا وكان حريصا على أن تكون رعيته تقتدي به في الزهد في الدنيا والرضا بخشونة العيش وقد روي عنه أنه قال في بعض خطبه على المنبر ولا تأكلوا البيض فإنما البيضة لقمة فإذا تركت صارت دجاجة ثمن درهم مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أدرك جابر بن عبد الله ومعه حمال لحم فقال ما هذا فقال يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم فاشتريت بدرهم لحما فقال عمر أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو بن عمه أين تذهب عنكم هذه الآية اذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها الأحقاف قال أبو عمر روي هذا الخبر عن عمر من وجوه منها ما ذكره سنيد قال حدثني معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه قال أبصر عمر بن الخطاب جابر بن عبد الله قد علق لحما بيده فقال ما هذا قال قرمنا إليه قال وكلما اشتهى أحدكم شيئا أكله ألا يطوي بطنه لجاره وضيفه أين تذهب عنكم هذه الآية أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها الأحقاف قال سنيد وحدثني جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو قال دخل عتبة بن فرقد على عمر في السحر وهو يكرم كعكا شاميا ويتفرق لبنها فقال يا أمير المؤمنين لو أمرت بطعام من لبن فصنع لك قال يا بن فرقد ألست أقدر أحياء العرب على طعام واحد قال عتبة نعم ما أجد أقدر على ذلك منك قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذم قوما فقال أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم الأحقاف قال بن جريج وقتادة بلغنا عن عمر أنه قال لو شئت كنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا ولكني أستبقي طيباتي

قال أبو عمر هذا طريق الزهد في الدنيا وقد رضي الله ذلك من عباده إذا كانت رغبة في الآخرة وإيثارا لها وإن كان قد أباح الطيبات وهي الحلال وقال عز وجل اليوم أحل لكم الطيبت المائدة وقال قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبت من الرزق الأعراف فأكل اللحم المباح حلال ومن السنة والشريعة ذبح الغنم ونحر البدن والأكل منها وإطعام القانع والمعتر فأكل ما حل من اللحم وغيره مباح وأكل ما حرم لا يحل خشنا كان أو غير خشن إلا أن من يترك الدنيا حبا في الآخرة نال في الآخرة أعلى درجة وما التوفيق إلا بالله قال أبو عمر ظاهرة الآية يدل على أنها في الكفار قال عز وجل ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا الأحقاف ولكن فعل عمر وقوله فعل أهل الزهد وقولهم روينا عن عمر رضي الله عنه أنه قدم عليه ناس من أهل العراق منهم جرير بن عبد الله البجلي فأتاهم بجفنة قد صنعت بخبز وزيت وقال لهم كلوا فأكلا أكلا ضعيفا فقال لهم عمر قد أرى أكلكم أنكم تريدون الحلو والحامض والحار والبارد كل ذلك قذفا في البطون وروى سفيان بن عيينة عن أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قدم ناس من أهل العراق على عمر فرآهم يأكلون أكلا ضعيفا فقال يا أهل العراق لو شئت أن يدهن لكم لفعلت لكنا نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا أما سمعتم الله تعالى يقول أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم الأحقاف ذكره أبو بكر وغيره عن بن عيينة وروى بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن موسى بن سعد عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب كان يقول والله ما نفي بلذات الدنيا أن نأمر بصغار الماعز فتسمت لنا ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسقية حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا وشربنا هذا ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا لأنا سمعنا الله يقول لقوم أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا الأحقاف وأخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني جعفر قال حدثني جرير بن أبي حازم قال حدثني الحسن أن عمر قال إني والله لو شئت لكنت من ألينكم طعاما وأرقكم عيشا إني والله ما أجهل كذا أو كذا ولكني سمعت الله تعالى عير

قوما بأمر فعلوه فقال أذهبتم طيبتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها الأحقاف قال أبو عمر في الآية الجزاء بعذاب الهون على الكفر والفسق لا على أكل اللحم والحلال بين والحرام بين والزهد في الدنيا من أرفع الأعمال إذا كان على علم وسنة والله المستعان وقد ذكر الدولابي في كتابه في فضائل مالك قال قال الزبير بن بكار حدثني إسماعيل بن أبي أويس قال كان لمالك في لحمه كل يوم درهمان وكان يأمر طباخه كل جمعة يعمل له ولعياله طعاما كثيرا قال وكان له طباخ يقال له سلمة قال وحدثني مطرف بن عبد الله قال كان مالك رحمه الله لو لم يجد درهمين يبتاع بهما لحما كل يوم إلا أن يبيع في ذلك بعض متاعه لفعل قال وكانت تلك وصفته في لحمه باب ما جاء في لبس الخاتم مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتما من ذهب ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبذه وقال لا ألبسه أبدا قال فنبذ الناس خواتيمهم قال أبو عمر أما خاتم الذهب فقد مضى القول فيه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التختم بالذهب وأنه كان يتختم به ثم نبذه ونهى عن التختم به فالتختم به منسوخ والمنسوخ لا يحل استعماله حدثني يعيش بن سعيد وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن غالب التمتام قال حدثني عمرو بن مرزوق قال حدثني شعبة قال حدثني قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب

وممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن التختم بالذهب عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم قال أبو عمر هذا للرجال دون النساء ولا خلاف بين العلماء أن التختم بالذهب جائز للنساء وقد جاء في كراهيته للنساء حديث شاذ منكر ذكرته في التمهيد كما أنه قد روى بن شهاب الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم نبذه ونبذ الناس خواتمهم ورواه جماعة من أصحاب بن شهاب عنه كذلك وهذا عند أهل العلم وهم وغلط وشذوذ من الرواية وأما الذي نبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الذهب على ما في حديث بن عمر حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد عن يحيى بن سعيد قال حدثني عبيد الله بن عمر قال حدثني نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي كفه فأتخذه الناس فرمى به وأتخذ خاتما من ورق وقد روى ثابت البناني وعبد العزيز بن صهيب وقتادة عن أنس خلاف ما رواه بن شهاب عن أنس فبان وهم بن شهاب في ذلك وقد ذكرنا طرق الأحاديث بذلك عن أنس بن مالك في التمهيد ومنها ما حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو إسماعيل الترمذي قال حدثني أبو الجماهر محمد بن عثمان التنوخي قال حدثني سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى العجم فقيل له إنه لا ينفذ كتابك إلا بخاتم فاتخذ خاتما من فضة منه ونقش فيه محمد رسول الله قال ثم لبسه أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبسه عمر بعد أبي بكر ثم لبسه عثمان رضي الله عنه فسقط من عثمان في بئر بالمدينة

وقد روى هذا المعنى بن عمر أيضا حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو مسلم الكجي قال حدثني أبو عاصم عن المغيرة بن زياد عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب ففشت خواتم الذهب في أصحابه فرمى به واتخذ خاتما من ورق ونقش فيه محمد رسول الله وكان في يده حتى مات وفي يد أبي بكر حتى مات وفي يد عمر حتى مات وفي يد عثمان ست سنين فلما كثرت عليه الكتب دفعه إلى رجل من الأنصار ليختم به فأتى قليبا لعثمان ليغتسل فسقط بها فالتمس فلم يوجد فاتخذ خاتما من ورق ونقش فيه محمد رسول الله وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني حامد بن يحيى قال حدثني سفيان عن أيوب بن موسى عن نافع عن بن عمر قال اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ثم رمى به واتخذ خاتما من فضة فصه منه ونقش فيه محمد رسول الله ونهى أن ينقش عليه أحد وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس وقد ذكرنا في باب عبد الله بن دينار من التمهيد الأحاديث الواردة المسندة المرفوعة وعن الخلفاء الراشدين في إباحة التختم بالفضة وكراهة التختم بالذهب والحديد والشبه ومن شذ فرخص في ذلك من ذلك أو نختم بشيء منه ومن تختم باليمين ومن تختم في اليسار ما يغني عن كل كتاب في معناه إن شاء الله عز وجل مالك عن صدقة بن يسار أنه قال سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فقال البسه وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك قال أبو عمر معناه عندي والله عز وجل أعلم الإنكار على أهل الشام لما ذهبوا إليه من كراهة الخاتم لغير ذي سلطان وقد رووا فيه أثرا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ريحانة ذكرنا إسناده في التمهيد عن أبي ريحانة سمع النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن عشر خصال عن الوشر والنتف والوشم وعن مكامعة الرجل الرجل

وعن مكامعة المرأة المرأة يعني المباشرة وعن ثياب تكف بالديباج من أعلاها لا أسفلها كما تصنع الأعاجم وعن النهبة وعن أن سيركب بجلود الأنمار وعن الخاتم إلا لذي سلطان هكذا قال لم يذكر العاشرة حدثني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثني الخضر بن داود قال حدثني أبو بكر الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن لبس الخاتم فقال أهل الشام يكرهونه لغير ذي سلطان ويروون فيه الكراهية عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تختم قوم قال أبو بكر وحدثني أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل بحديث أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره خلالا ذكر منها الخاتم إلا لذي سلطان فلما بلغ هذا الموضع تبسم كالمتعجب ثم قال يا أهل الشام قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد بعض من كان لا يتختم من العلماء وبعض من كان يتختم منهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد تختم وفيه الأسوة الحسنة وحديث أبي ريحانة لا تجد بمثل إسناده حجة وحديث مالك في هذا الباب عن صدقة بن يسار عن سعيد بن المسيب رواه بن عيينة عن صدقة بن يسار على غير هذا المعنى حدثني عبد الله بن سعيد قال حدثني أحمد بن إبراهيم الدئلي قال حدثني أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال حدثني سفيان بن عيينة عن صدقة بن يسار قال قلت لسعيد بن المسيب الخاتم يكون فيه ذكر الله ألبسه على الجنابة وأدخل به الخلاء قال البسه بأمري وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك ورواية بن جريج له عن صدقة بن يسار نحو رواية بن عيينة ذكره أبو بكر قال حدثني عيسى بن يونس عن بن جريج عن صدقة بن يسار قال قلت لسعيد بن المسيب ما أكتب في خاتمي قال اكتب فيه ذكر الله وقال أمرني به سعيد بن المسيب وممن أجاز في الخاتم نقش ذكر الله عز وجل الحسن وعطاء ومجاهد والحسن والحسين وأبو جعفر محمد بن علي بن حسين ومسروق إلا أن عطاء كان يكره أن يكتب الآية كلها في الخاتم ولا يرى بالخاتم فيه بأسا

وكره إبراهيم والشعبي أن ينقش في الخاتم ذكر الله والآية التامة وقال الحسن لا بأس أن ينقش فيه الآية التامة وكره بن سيرين أن يكون في الخاتم ذكر الله وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني دحيم عن شعيب بن إسحاق عن أبي خلدة قال قلت لأبي العالية أدخل الخلاء وعلي خاتم فيه اسم الله قال لا وأمره هين خذه من شمالك واجعله في يمينك أو في فيك وذكر بن القاسم عن مالك أنه قال لا بأس بلبس الخاتم فيه ذكر الله يلبسه في الشمال ويستنجي به وقال أرجو أن يكون خفيفا وقال بن وهب عنه لم أزل أسمع أن الحديد مكروه التختم به وأما أبو حنيفة وأصحابه فكرهوا التختم بالحديد وبما سوى الفضة إلا الذهب خاصة للنساء وقد ذكرنا في التمهيد من كان يتختم باليمين ومن كان يتختم في الشمال باب ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العنق مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري أخبره أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره قال فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا قال عبد الله بن أبي بكر حسبت أنه قال والناس في مقيلهم لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت قال مالك أرى ذلك من العين هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جمهور الرواة ورواه روح بن عبادة عن مالك بإسناده فقال فيه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا مولاه قال أبو عمر هو زيد بن حارثة ولم يسم الرسول في هذا الحديث عن مالك

غير روح بن عبادة والله أعلم وقال والناس في موضع مبيتهم وفصل مالك معنى الحديث أنه من العين وهو عند جماعة من أهل العلم كما قال مالك لا يجوز أن يعلق على الصحيح شيء من بني آدم ولا من البهائم بشيء من العلائق خوف نزول العين لهذا الحديث وما كان مثله ورخصوا فيه بعد نزول البلاء ومنهم من كرهه على كل حال قال مالك لا بأس بتعليق الكتب التي فيها اسم الله تعالى على أعناق المرضى وكره من ذلك ما أريد به مدافعة العين وقال إسحاق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل ما يكره من المعاليق قال كل شيء يعلق فهو مكروه واحتج بالحديث من تعلق شيئا وكل إليه قال إسحاق بن منصور وقال لي إسحاق بن راهويه كما قال أحمد بن حنبل إلا أن يفعله بعد نزول البلاء فهو حينئذ مباح كما قالت عائشة رضي الله عنها قال أبو عمر احتج من كره ذلك جملة بحديث عقبة بن عامر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا ودع الله له وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وذكر بن وهب قال حدثني جرير بن حازم أنه سمع الحسن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلق شيئا وكل به قال بن وهب وأخبرني عمرو بن الحارث أن بكير الأشج حدثه أن أمه حدثته أنها سمعت عائشة تكره ما يعلق النساء على أنفسهن وعلى صبيانهن قال أخبرنا بن لهيعة عن بكير عن القاسم عن عائشة قالت ما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة وقال بن مسعود الرقى والتمائم والتولة شرك فقالت له امرأته ما التولة قال التهييج وأما الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قلدوا الخيل ولا تقلدوها الأوتار

فقال وكيع معناه لا تركبوها في الفتن فمن ركب فرسا في فتنة لم ينشب أن يتعلق به وتر يطلب به وقال غيره كره تقليد الأوتار لئلا تخنق الدابة أو البهيمة في خشبة أو شجرة فتقتلها وإذا كان ذلك خيطا انقطع سريعا

الكتاب العين باب الوضوء من العين مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر قال وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد قال فقال له عامر بن ربيعة ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء قال فوعك سهل مكانه واشتد وعكه فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أن سهلا وعك وأنه غير رائح معك يا رسول الله فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت إن العين حق توضأ له فتوضأ له عامر فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس قال أبو عمر ليس في حديث مالك هذا في غسل العين عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من قوله اغتسل له وإنما فيه كيفية غسل العائن من فعل عامر بن ربيعة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف له كيفية الغسل إذ أمره به وقد روى هذا الحديث معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف يعني حديث مالك إلا أنه أتم سياقة قال فيه فدعا عامرا

فقال سبحان الله علام يقتل أحدكم أخاه وإذا رأى شيئا منه يعجبه فليدع له بالبركة قال ثم أمره فغسل وجهه وظهر عقبيه ومرفقيه وغسل صدره وداخلة إزاره وركبتيه وأطراف قدميه ظاهرهما في الإناء ثم أمره فصبه على رأسه وكفأ الإناء من خلفه قال وأمره فحسا منه حسوات قال فقام مع الركب قال جعفر بن برقان للزهري ما كنا نعد هذا حقا قال بل هي السنة قال أبو عمر المخبأة المخدرة المكنونة التي لا تراها العيون ولا تبرز للشمس قال عبد الله بن قيس الرقيات ذكرتني المخبآت لدى الحج ر ينازعنني سجوف الحجال ولبط صرع الأرض ولبط وليج سواء أي سقط إلى الأرض وقال بن وهب ولبط وعك وفي تغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عامر بن ربيعة دليل على أن من كان منه شيء أو بسببه لم يقصده جائز عتابه وتأديبه عليه وفي قوله صلى الله عليه وسلم يقتل أحدكم أخاه دليل على أن العين قد يأتي منها القتل والموت إذا دنا الأجل وقوله صلى الله عليه وسلم ألا بركت يدل على أن من أعجبه شيء فقال تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه ونحو هذا لم يضره إن شاء الله وقد تقصينا ما في ألفاظ حديثي هذا الباب من المعاني في التمهيد وأما داخل إزاره فإن الأزار ها هنا هو المئزر عندنا فما التصق منه بخصر المؤتزر فهو داخلة الإزار وفيه أن العائن يؤمر بالوضوء وبالغسل للمعين وأنها نشرة ينتفع بها وأحسن شيء في وضوء العائن وغسله ما وصفه بن شهاب وهو رواية الحديث

أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني محمد بن عزيز قال حدثني سلامة بن روح قال حدثني عقيل عن بن شهاب أنه أخبره أن الغسل الذي أدركنا علماءنا يصفونه أن يؤتى الرجل الذي يعين صاحبه بالقدح فيه الماء فيمسك له مرتفعا من الأرض فيدخل فيه يده اليمنى فيغرف من الماء ويصب على وجهه صبة واحدة في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيمضمض ثم يمجه في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيغترف قبضة على ظهر كفه اليمنى صبة واحدة في القدح وهو ثان يده على عقبه ثم يفعل مثل ذلك في مرفق يده اليسرى ويفعل مثل ذلك في طرف قدمه اليمنى من عند أصول أصابعه واليسرى كذلك ثم يدخل يده اليسرى فيصب على كتفه اليمنى ثم يفعل مثل ذلك في اليسرى ثم يغمس داخله إزاره اليمنى في الماء ثم يقوم الذي في يده القدح حتى يصبه على رأس المعين من ورائه ثم يكفأ القدح على ظهر الأرض وراءه وقد ذكره بن أبي ذئب عن بن شهاب بخلاف شيء من معانيه وذكرته في التمهيد وذكرت هناك أحاديث في معنى النشرة وما أشبهها في معاني العين ومعاني الأخذة وبعض من امتحن بها من السلف ومن أجاز النشرة منهم ومن كرهها أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن جامع قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني مسلم بن إبراهيم قال حدثني وهيب قال أخبرنا بن طاوس عن أبيه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العين حق ولو كان شيء سبق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغتسلوا حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني بن أبي عدي عن شعبة عن حصين عن هلال بن يساف عن سحيم بن نوفل قال كنا عند عبد الله يعني بن مسعود فجاءت أمه رجلا فقالت له ما يجلسك إن فلانا قد لقع فرسك لقعة فلم يأكل ولم يشرب ولم يرث منذ كذا وهو يدور كأنه في فلك فالتمس له راقيا قال عبد الله لا تلتمس له راقيا ولكن ابزق في منخره الأيمن ثلاثا وفي منخره الأيسر ثلاثا وقل بسم الله لا بأس أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي أنه

لا يذهب الكرب إلا أنت قال فأتاه الرجل فصنع ثم قال ما رجعت حتى أكل وشرب ومشى وراث أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني مؤمل قال حدثني سفيان عن حصين عن هلال بن يساف عن سحيم بن نوفل قال كنا عند عبد الله نعرض المصاحف فجاءت جارية أعرابية إلى رجل منا فقالت إن فلانا لقع مهرك بعينه وهو يدور في فلك لا يأكل ولا يشرب ولا يروث ولا يبول فالتمس له راقيا فقال عبد الله لا تلتمس له راقيا ولكن ائته فانفخ في منخره الأيمن أربعا وفي منخره الأيسر ثلاثا وقل لا بأس أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت فقام الرجل فانطلق فما برحنا حتى رجع فقال لعبد الله فعلت الذي أمرتني فما برحت حتى أكل وشرب وراث وبال قال أبو عمر وذكر الحديثين الطبري عن بن المثنى وعن بن بشار أيضا ففي الحديث الأول النفث وفي الآخر مكان النفث النفخ وفيه أربعا في المنخر الأيمن وفي الأيسر ثلاثا وفي الأول ثلاثا ثلاثا باب الرقية من العين مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما ما لي أراهما ضارعين فقالت حاضنتهما يا رسول الله إنه تسرع إليهما العين ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استرقوا لهما فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين قال أبو عمر هكذا رواه أصحاب مالك في الموطأ عن مالك عن حميد بن قيس لم يذكروا غيره ورواه بن وهب في جامعه فقال حدثني مالك عن حميد بن قيس عن عكرمة بن خالد قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء وهو مع ذلك منقطع

ويستند من حديث أسماء بنت عميس ومن حديث جابر أيضا ومن طرق صحاح نذكرها بعد إن شاء الله عز وجل وقوله ضارعين أي ضعيفين ضئيلين ناحلين وللضراعة وجوه في اللغة وفي هذا الحديث دليل على أن العين حق يتأذى بها وأن الرقي تنفع منها إذا قدر الله ذلك فالشفاء بيده سبحانه لا شريك له وسبيل الرقي سبيل سائر العلاج والطب وفي قوله لو سبق شيء القدر لسبقته العين دليل على أن الصحة والسقم قد علمهما الله تعالى وما علم فلا بد من كونه على ما علمه لا يتجاوز وقته ولكن النفس تسكن إلى العلاج والطب والرقى وكل سبب من أسباب قدر الله وعلمه والحاضنة والحضانة معروفة وقد تكون الحاضنة ها هنا أمهما أسماء بنت عميس وكانت تحت جعفر بن أبي طالب ومعه هاجرت إلى أرض الحبشة وولدت له هناك عبد الله بن جعفر ومحمد بن جعفر وعون بن جعفر وهلك عنها بموته فخلف عليها بعده أبو بكر الصديق فولدت منه محمد بن أبي بكر ثم هلك عنها فتزوجها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى بن علي وقد ذكرنا خبرها في كتاب النساء من كتاب الصحابة حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عمرو بن دينار قال أخبرني عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة عن أسماء بنت عميس أنها قالت يا رسول الله إن ابني جعفر تصيبهما العين أفأسترقي لهما قال نعم لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثني إبراهيم بن علي بن غالب قال حدثني محمد بن الربيع بن سليمان قال حدثني يوسف بن سعيد بن مسلم قال حدثني حجاج عن بن جريج قال أخبرني عطاء عن أسماء بنت عميس أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى بنيها بني جعفر فقال ما لي أرى أجسامهم ضارعة قالت يا نبي الله إن العين تسرع إليهم أفأرقيهم قال وبماذا فعرضت عليه كلاما ليس به بأس فقال ارقيهم به وبهذا الإسناد عن حجاج عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم أرخص لبني عمرو بن حزم في رقية الحمة

قال وقال لأسماء بنت عميس ما شأن أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم الحاجة قالت لا ولكن تسرع إليهم العين أفأرقيهم قال وبماذا قالت فعرضت عليه فقال ارقيهم حدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن المفسر قال حدثني أحمد بن علي بن سعيد قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني حجاج عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم الحاجة قالت لا ولكن العين تسرع إليهم أفأرقيهم قال بماذا فعرضت عليه كلاما قال لا بأس به فأرقيهم وهكذا رواه روح بن عبادة عن بن جريج بإسناد واحد عن أبي الزبير عن جابر كما رواه يحيى بن معين عن حجاج عن بن جريج ورواه يوسف بن سعيد عن حجاج عن بن جريج في الإسنادين وأما حديث روح بن عبادة فحدثناه عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثني قاسم قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني روح بن عبادة فذكره مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عروة بن الزبير حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت صبي يبكي فذكروا له أن به العين قال عروة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تسترقون له من العين وهذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته مرسل كما ترى وكذلك رواه أكثر من رواه عن يحيى بن سعيد ورواه أبو معاوية عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عروة عن أم سلمة حدثناه إبراهيم بن شاكر قال حدثني محمد بن أحمد قال حدثني محمد بن أيوب قال حدثني أحمد بن عمرو البزار قال حدثني أبو كريب قال حدثني أبو معاوية عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير

عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وفي البيت صبي يبكي فذكر الحديث قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين العلماء في جواز الرقية من العين أو الحمة وهي لدغة العقرب وما كان مثلها إذا كانت الرقية بأسماء الله عز وجل ومما يجوز الرقي به وكان ذلك بعد نزول الوجع والبلاء وظهور العلة والداء وإن كان ترك الرقى عندهم أفضل وأعلا لما فيه من الاستيقان بأن العبد ما أصابه لم يكن ليخطئه وأنه لا يعد شيء وقته وأن الأيام التي قضى الله بالصحة فيها لم يسقم فيها من سبق في علم الله صحته حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني جعفر بن محمد قال حدثني عفان قال حدثني حماد بن سلمة قال حدثني عاصم عن زر عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عرضت علي الأمم فرأيت أمتي فأعجبتني كثرتهم قد ملؤوا السهل والجبل قال يا محمد إن مع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة فقال يانبي الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال اللهم اجعله منهم ثم قام آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة حدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسين بن جعفر الزيات قال حدثني يوسف بن يزيد قال حدثني العباس بن طالوت قال حدثني أبو عوانة عن حصين عن الشعبي عن بريدة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رقية إلا من عين أو حمة قال أبو عمر وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من علق التمائم أو عقد الرقى فهو على شعبة من الشرك وذلك كله أن يعلق كتابا في عنقه أو يرقي نفسه أو غيره لئلا ينزل به من الأدواء وكل ما أتى عن علي وحذيفة وعقبة بن

عامر وسعيد بن جبير وغيرهم من كراهة تعليق القرآن وسائر التمائم والرقى معناه ما ذكرنا روى بن وهب عن يونس عن بن شهاب قال بلغني عن رجال من أهل العلم أنهم كانوا يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الرقى حين قدم المدينة وكانت الرقى في ذلك الزمان فيها كثير من كلام الشرك فلما قدم المدينة لدغ رجل من أصحابه فقال يا رسول الله قد كان آل حزم يرقون من الحمة فلما نهيت عن الرقى تركوها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع لي عمارة بن حزم ولم يكن له ولد وكان قد شهد بدرا فدعي له فقال أعرض علي رقيتك فعرضها عليه فلم ير بها بأسا وأذن لهم بها قال بن وهب حدثني بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أرقي من العقرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى وكانت عند آل عمرو بن حزم رقية يرقون بها من العقرب فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فعرضوها عليه وقالوا إنك نهيت عن الرقى فقال من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل باب ما جاء في أجر المريض مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين فقال انظرا ماذا يقول لعواده فإن هو إذا جاؤوه حمد الله وأثنى عليه رفعا ذلك إلى الله عز وجل وهو أعلم فيقول لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة وإن أنا شفيته أن أبدل له لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه وأن أكفر عنه سيئاته قال أبو عمر هذا حديث أسنده عباد بن كثير وكان رجلا فاضلا

حدثني أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثني محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال حدثني بن وضاح قال حدثني إبراهيم بن موسى قال حدثني عبد الله بن الوليد عن عباد بن كثير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب الله العبد بالبلاء بعث الله له ملكين فقال انظرا ماذا يقول لعواده فإن قال لهم خيرا فأنا أبدله بلحمه خيرا من لحمه وبدمه خيرا من دمه وإن أنا توفيته فله الجنة وإن أنا أطلقته من وثاقي فليستأنف العمل وقد روي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بإسناد جيد أيضا وحدثني أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثني وهب بن مسرة قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يبتلى في جسده إلا أمر الحفظة فقال اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح ما كان مشدودا في وثاقي والأحاديث في أجر المريض كثيرة جدا مالك عن يزيد بن حصيفة عن عروة بن الزبير أنه قال سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب المؤمن من مصيبة حتى الشوكة إلا قص بها أو كفر من خطاياه لا يدري يزيد أيهما قال عروة وهذا حديث مسند صحيح عام في أن المرض كفارة وأن الأحاديث في معناه كثيرة منها ما حدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني إسحاق بن محمد الفروي قال حدثني عبيد الله بن عمر عن بن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مصيبة تصيب المؤمن إلا أجر فيها حتى الشوكة تصيبه حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني مضر بن محمد

الأسدي قال حدثني عبد الرحمن بن عمرو الخزاعي قال قرأت على معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يمرض مؤمن ولا مؤمنة ولا مسلم ولا مسلمة إلا حط الله به خطيئته حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد عن أسامة بن زيد قال حدثني محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أصاب المؤمن من وصب ولا نصب ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من خطاياه وقد ذكرنا في التمهيد حديث شعبة عن جامع بن شداد عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال إن الوجع لا يكتب به الأجر ولكن تكفر به الخطيئة مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة أنه قال سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يصب منه وهذا يقتضي المصائب في المال وفي الجسم أيضا وكل ذلك أجر ومحطة للوزر وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء والحمد لله كثيرا مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلا جاءه الموت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل هنيئا له مات ولم يبتل بمرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك وما يدريك لو أن الله ابتلاه بمرض يكفر به من سيئاته قال أبو عمر هذا في معنى ما تقدم في الباب ولا يكاد يوجد فيه حديث بهذا اللفظ وأما المعنى فكثير والحمد لله جدا أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني سليمان بن الأشعث قال حدثني عبد الله بن محمد النفيلي قال حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني رجل من أهل الشام يقال له أبو منظور عن عمه قال حدثني عمي عن عامر الرامي أخي الخضر أنه سمع

رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره يقول إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم أعفاه الله عز وجل منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه ولا لم أرسلوه حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني زكريا بن يحيى الناقد ببغداد قال حدثني أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس المستملي قال حدثني محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال أخبرنا بن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى المؤمن أخلصه الله عز وجل كما يخلص الكير الخبث باب التعوذ والرقية في المرض مالك عن زيد بن خصيفة أن عمرو بن عبد الله بن كعب السلمي أخبره أن نافع بن جبير أخبره عن عثمان بن أبي العاص أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عثمان وبي وجع قد كاد يهلكني قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امسحه بيمينك سبع مرات وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد قال فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم وهذا حديث مسند صحيح لا مدخل للقول في إسناده ولا في متنه وقد رواه بن شهاب عن نافع بن جبير وهذا مما فات مالكا من حديث بن شهاب أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال أخبرنا أحمد بن داود قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب قال أخبرني نافع بن جبير بن مطعم عن عثمان بن أبي العاصي الثقفي أنه اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده مذ أسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي يؤلم من جسدك وقل باسم الله ثلاث مرات وقل سبع مرات أعوذ بالله عز وجل وقدرته من شر ما أجد وأحاذر

مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث قالت فلما اشتد وجعه كنت أنا أقرأ عليه وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة مالك في الموطأ وغير الموطأ بإسناده وبعضهم قال ويتفل في مكان ينفث ومنهم من يقول فيه ب قل هو الله أحد الإخلاص والمعوذتين وقد ذكرنا كثيرا من طرقه وألفاظه في التمهيد ورواه وكيع عن مالك فاختصره ولم يزد عليه قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفث في الرقية وليس في الحديث أكثر من معنى النفث والتفل وتعيين المعوذتين والتفل ما فيه بصاق يرميه الراقي بريح فمه وقيل التفل البصاق نفسه والنفث ما لا بصاق فيه وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي قال حدثني محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسن بن الخضر قال حدثني أحمد بن شعيب النسائي قالا حدثني إسحاق بن إبراهيم بن راهويه قال حدثني وكيع قال حدثني مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث في الرقية وكذلك رواه زيد بن أبي الزرقاء عن مالك بإسناده بلفظ وكيع ذكرناه في التمهيد قال أبو عمر قد كره التفل والنفث في الرقية جماعة منهم إبراهيم النخعي والضحاك وعكرمة والحكم وحماد

وقال إبراهيم كانوا يكرهون النفث في الرقى وقال الضحاك لأبي الهزهاز ارق ولا تنفث وقال شعبة عن الحكم وحماد أنهما كرها التفل في الرقى قال أبو عمر ولا حجة مع من كره ذلك إذ قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفث في الرقى وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم يد محمد بن حاطب وهو صبي وكان قد اخترقت يده فجعل ينفث عليها وتفل صلى الله عليه وسلم في عيني حبيب بن فديك وهما مبيضتان لا يبصر بهما شيئا فنفث في عينيه فبرأ وفي حديث يعلى بن مرة نفث على صبي رفعته إليه امرأة وكانت عائشة ترقي وتنفث وقال بن سيرين ما أعلم به بأسا وكان الأسود يكره النفث في الرقية ولا يرى بالنفخ بأسا وروى المقرئ عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن قال حدثني سعيد بن أبي أيوب قال حدثني عقيل عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد النوم جمع يديه ونفث فيهما وقرأ قل هو الله أحد الإخلاص قل أعوذ برب الفلق الفلق وقل أعوذ برب الناس الناس ثم يمسح بهما وجهه وسائر جسده قال سعيد وقال عقيل رأيت بن شهاب يفعل ذلك مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر ارقيها بكتاب الله قال أبو عمر كان مالك يكره رقية أهل الكتاب وذلك والله عز وجل أعلم بأنه لا يدري أيرقون بكتاب الله تعالى أو بما يضاهي السحر من الرقى المكروهة

وذكر سنيد في كتابه الكبير قال حدثني جرير ومحمد بن سليمان عن الركين بن الربيع بن عميلة عن قاسم بن حسان عن عبد الرحمن بن حرملة عن بن مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال تختم الذهب وجر الإزار وتغيير الشيب والصفرة وعزل الماء عن محله والرقى إلا بالمعوذات وإفساد الصبي غير محرمة وعقد التمائم والتبهرج بزينة غير محلها والضرب بالكعاب قال سنيد تغيير الشيب نتفه والصفرة يعني الخلوق وعزل الماء عن محله يعني الفرج والرحم وإفساد الصبي غير محرمة يعني الغيلة وذكر حديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه يعني تكسره الغيلة وتطرحه عن الفرس ويصرعه قال أبو عمر قوله في هذا الخبر أنه نهى عن إفساد الصبي غير محرمة يعني أنه هم بأن ينهى عن الغيلة ولم ينه عنها لأنه بلغه أن فارس والروم تفعل ذلك فلا يضر أولادهم قال بن وهب سألت مالكا عن المرأة التي ترقي بالجريدة والملح وعن الذي يكتب الكتب للإنسان ليعلقه عليه من الوجع ويعقد في الخيط الذي يربط به الكتاب سبع عقد والذي يكتب خاتم سليمان في الكتاب فكره مالك ذلك كله وقال هذا لم يكن من أمر الناس القديم وكان العقد في ذلك أشد كراهية وكان يكره العقد جدا قال أبو عمر أظن هذا والله عز وجل أعلم لقول الله تعالى ومن شر النفثت في العقد الفلق وذلك عند أهل العلم ضرب من السحر روى بن جريج عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار عن عكرمة في قوله تعالى ومن شر النفثت في العقد الفلق قال السحر قال وأخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة في قوله عز وجل ومن شر حاسد إذا حسد الفلق قال الليل في النهار قال وأوله ترسل فيه عفاريت الجن فلا يشفى مصاب في تلك الساعة

وأجاز الشافعي رقية أهل الكتاب إذا كان ذلك من كتاب الله عز وجل لحديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن أبي بكر الصديق بذلك رواه جماعة عن يحيى بن سعيد هكذا عن عمرة عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها وهي تشتكي الحديث باب تعالج المريض مالك عن زيد بن أسلم أن رجلا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه جرح فاحتقن الجرح الدم وأن الرجل دعا رجلين من بني أنمار فنظرا إليه فزعما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما أيكم أطب فقالا أوفي الطب خير يا رسول الله فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء قال أبو عمر رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن زيد بن أسلم حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن زيد بن أسلم أن رجلا أصابه جرح فاحتقن الدم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له رجلين من بني أنمار فقال أيكما أطب فقال الرجل يا رسول الله أو في الطب خير فقال له إن الذي أنزل الداء أنزل الدواء وقال أبو بكر حدثني سفيان بن عيينة قال حدثني عمرو بن دينار عن هلال بن يساف قال جرح رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوا له الطبيب فقالوا يا رسول الله هل يغني عنه الطبيب قال نعم لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء أو دواء أو أنزل الدواء الذي أنزل الداء

من طرق شتى من حديث أسامة بن شريك وحديث أبي الدرداء وحديث أبي سعيد الخدري وحديث أبي هريرة وحديث بن عباس وحديث أنس وحديث جابر وحديث بن مسعود وقد ذكرناها كلها بأسانيدها في التمهيد وفي حديث بن مسعود وأبي سعيد ما أنزل الله داء إلا وأنزل معه دواء علمه من علمه وجهله من جهله وقال بن مسعود في حديثه فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر وحدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن علي قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان بن عيينة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال شهدت الأعاريب يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم هل علينا من حرج أن نتداوى فقال تداووا عباد الله فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء وقال مرة شفاء إلا الهرم وذكر تمام الحديث وفي هذا الحديث إباحة التداوي وإباحة معالجة الأطباء وجواز الطب والتطبب وقد ذكرنا في التمهيد اختلاف السلف والخلف من العلماء في كراهة التداوي والعلاج وأتينا بما نزع به كل فريق منهم هنالك والحمد لله مالك عن يحيى بن سعيد قال بلغني أن سعد بن زوارة اكتوى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذبحة فمات قال أبو عمر هكذا وقع في رواية يحيى عن مالك سعد بن زرارة وإنما هو أسعد بن زرارة أبو أمامة وقد ذكرناه بما ينبغي من ذكره في كتاب الصحابة

وأما سعد بن زرارة جد عمرة بنت عبد الرحمن فهو أخو أبي أمامة أسعد بن زرارة مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر اكتوى من اللقوة ورقي من العقرب قال أبو عمر حديث أسعد بن زرارة قد روي عن بن شهاب بإسنادين أحدهما ما رواه معمر عن بن شهاب عن أنس ولم يروه عن بن شهاب عن أنس أحد والله أعلم غير معمر وهو عند أهل العلم بالحديث والله أعلم مما أخطأ فيه معمر بالبصرة فيما أملاه من حفظه هناك والآخر رواه بن جريج ويونس بن يزيد عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وهو أولى عندهم بالصواب في الإسناد والله أعلم وأما حديث عمر المذكور فحدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال حدثني حميد بن مسعدة قال حدثني يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة قال وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديبلي قال حدثني محمد بن علي بن زيد الصائغ قال حدثني سعيد بن يعقوب الطالقاني قال حدثني يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوصة قال أبو عمر هكذا قال وإنما المعروف من الشوكة والشوكة الذبحة وأما الشوصة فهي ذات الجنب وقد يكتوى منها أيضا حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثني إبراهيم بن علي قال حدثني محمد بن الربيع بن سليمان الأزدي قال حدثني يوسف بن سعيد قال حدثني حجاج بن محمد قال حدثني بن جريج عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد أبا أمامة أسعد بن زرارة وكان رأس

النقباء ليلة العقبة أخذته الشوكة بالمدينة قبل بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم بئس الميت هذا ليهود يقولون ألا دفع عنه ولا أملك له ولا لنفسي شيئا فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكوي من الشوكة طوق عنقه فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات وكذلك رواه بن وهب عن يونس وبن سمعان عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف فذكر مثله قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الكي من حديث عمران بن حصين وهو حديث صحيح وقد ذكرنا طرقة في التمهيد منها ما حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن الخليل قال حدثني أبو النضر قال حدثني سليمان بن المغيرة عن سعيد الجريري عن مطرف بن الشخير عن عمران بن حصين قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الكي قال فما زال البلاء بي حتى اكتويت فما أفلحت ولا أنجحت قال عمران وكان يسلم علي فلما اكتويت فقدت ذلك ثم راجعه بعد ذلك السلام قال أبو عمر قد عارض حديث عمران حديث جابر وحديث أنس فأما حديث جابر فرواه سفيان الثوري والليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ مرتين وفي رواية الثوري في أكحله مرتين وقد ذكرنا الأسانيد عنهما في التمهيد وأما حديث أنس فرواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال كويت من ذات الجنب فشهدني أبو طلحة وأنس بن النضر وأبو طلحة كواني ورواه عمران القطان عن قتادة عن أنس قال كواني أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فما نهينا عنه وقد ذكرت طرق هذين الحديثين في التمهيد ومما يعارض حديث النهي عن الكي ويصحح حديث الإباحة في ذلك

حديث بن عمر وبن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن كان الشفاء ففي ثلاث أو قال الشفاء في ثلاث في شربة عسل أو كية نار أو شرطة محجم وبعض رواته يزيد فيه وما أحب أن أكتوي وحديث بن عباس من رواية سعيد بن جبير وحديث بن عمر من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر وقد ذكرتهما في التمهيد وقد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي في أمر ما أو في علة ما أو نهى عنه نهي أدب وإرشاد إلى التوكل على الله والثقة به فلا شاف سواه ولا شيء إلا ما شاء ومن الدليل على ذلك حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما توكل من استرقى أو اكتوى وقد ذكرته بإسناده في التمهيد يريد والله أعلم لم يتوكل حق التوكل لأن من لم يسترق ولم يكتو أشد توكلا وإخلاصا للتوكل منه ويفسر هذا قوله صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في التمهيد ومن هذا المعنى ما رواه محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده أن رجلا من العرب شاور عمر بن الخطاب في أن يكوي ابنه فقال له عمر لا تقرب ابنك النار فإن له أجلا لا يعدوه ومن ذلك أيضا حديث الشعبي عن جابر حدثني سعيد حدثنا قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن نمير قال حدثني مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال

اشتكى رجل منا شكوى شديدة فقال الأطباء لا يبرأ إلا بالكي فأراد أهله أن يكووه وقال بعضهم لا حتى نستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمروه فقال لا يبرأ الرجل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا صاحب بني فلان قالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا لو كوي قال الناس إنما أبرأه الكي قال أبو عمر قد اكتوى جماعة من السلف الصالح قال قيس بن أبي حازم دخلنا على خباب نعوده وقد اكتوى سبعة في بطنه وقال قيس أيضا عن جرير أقسم على عمر لأكتوين واكتوى بن عمر واسترقى وكوى أبو طلحة أنس بن مالك من اللقوة أيضا وكوى بن عمر ابنا له وهو محرم وكوى الحسن بن علي بختية له قد قال سنامها على جنبها وأمر أن يقطع وتكوى قال أبو عمر رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقرب بالمعوذتين وكان يمسح الموضع بماء فيه ملح وكان الأسود يرقى من العقرب بالحميرية باب الغسل بالماء من الحمى مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبي بكر كانت إذا أتيت بالمرأة وقد حمت تدعو لها أخذت الماء فصبته بينها وبين جيبها وقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نبردها بالماء مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء

قال أبو عمر قد أسند حديث هشام بن عروة عن أبيه من أصحاب مالك بن وهب ومعن بن عيسى وروياه عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وكذلك رواه عبد الله بن نمير وزهير بن معاوية ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وعن بن وهب وطائفة معهم من رواة مالك عن مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء وقد ذكرت الرواية عنهم بذلك في التمهيد وأما معنى الحديث فقد فسرته فاطمة بنت المنذر في روايتها له عن أسماء بأنها كانت تصب الماء بين المرأة المحمومة وبين جيبها كأنها كانت تصبه بين طوق قميصها وعنقها حتى يصل إلى جسدها وذكر بن وهب في صفة الغسل للحمى حديثا في جامعه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل شكى إليه الحمى اغتسل ثلاثة أيام قبل طلوع الشمس كل يوم وقل بسم الله وبالله اذهبي يا أم ملدم فإن لم تذهب فاغتسل سبعا قال أبو عمر من فعل شيئا مما في هذين الحديثين أو غيرهما مع اليقين الثابت لم تلبث الحمى أن تقلع إن شاء الله تعالى وقد روى بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بماء زمزم رواه أبو جمرة عنه وروى مقسم عن بن عباس أنه كان إذا حم بل ثوبه ثم لبسه ثم قال إنها من فيح جهنم فأبردوها بالماء قال أبو عمر تأويل بن عباس حسن أيضا إن شاء الله عز وجل

وقد ذكرت إسناد الحديثين عن بن عباس في التمهيد وروى مقسم عن بن عباس أنه كان إذا حم بل ثوبه ثم لبسه ثم قال إنها من فيح جهنم فأبردوها بالماء قال أبو عمر تأويل بن عباس حسن أيضا إن شاء الله عز وجل وقد ذكرت إسناد الحديثين عن بن عباس في التمهيد باب عيادة المريض مالك أنه بلغه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا عاد الرجل المريض خاض الرحمة حتى إذا قعد عنده قرت فيه أو نحو هذا قال أبو عمر حديث جابر هذا محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أهل المدينة وفي فضل العيادة آثار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم سوى حديث جابر هذا رواها عنه جماعة من الصحابة منهم علي وبن عباس وأبو أيوب وأبو موسى وعائشة وأنس وأبو سعيد الخدري وثوبان وذكرنا منها في التمهيد حديث جابر خاصة من طرق منها ما حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن محمد بن ناصح قال حدثني أحمد بن علي بن سعيد القاضي قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني هشيم قال حدثني عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عاد مريضا لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس فإذا جلس انغمس فيها وكذلك رواه بن أبي شيبة عن هشيم بإسناده ولفظه سواء ورواه الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال حتى إذا قعد استقر فيها وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو معاوية عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال عاد أبو موسى الحسن بن علي وكان شاكيا فقال له علي أعائدا جئت أم شامتا قال بل عائدا فقال علي أما إذا جئت عائدا فإني

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في مخرفة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة وإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان ممسيا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وهذا حديث حسن صحيح ثابت الإسناد شريف المعنى رفيع والحمد لله كثيرا باب الطيرة والعدوى مالك أنه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بن عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى ولا هام ولا صفر ولا يحل الممرض على المصح وليحلل المصح حيث شاء فقالوا يا رسول الله وما ذاك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه أذى قال أبو عمر هكذا رواه يحيى وتابعه قوم من رواة الموطأ

ورواه القعنبي والتنيسي وأبو مصعب وزياد بن يونس وبن بكير عن مالك أنه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بن عطية الأشجعي عن أبي هريرة فزادوا في الإسناد عن أبي هريرة إلا أن بن بكير قال فيه عن بن عطية الأشجعي وقد قيل إن بن عطية اسمه عبد الله ويكنى أبا عطية وقيل إنه مجهول لا يعرف إلا في هذا الحديث قال أبو عمر لم يأت إلا بحديث معروف محفوظ من حديث أبي هريرة وقد روى حديثه هذا بشر بن عمر عن مالك فقال فيه عن بن عطية أو عن أبي عطية حدثني خلف بن قاسم قال حدثني محمد بن عبد الله قال حدثني يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثني أبو هشام الرفاعي قال حدثني بشر بن عمر الزهراني قال حدثني مالك أنه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبي عطية أو بن عطية شك بشر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طيرة ولا هام ولا يعدي سقيم صحيحا وليحل المصح حيث شاء وقد روى هذا الحديث عن أبي هريرة جماعة منهم محمد بن سيرين وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله وروى أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله لا عدوى ولا هام ولا طيرة سعد بن أبي وقاص وبن عباس وجابر وقد ذكرت أحاديثهم كلها في التمهيد وذكرت ما للعلماء في معنى الطيرة والفأل ومعنى الهام والصفر وما جاء في ذلك عن السلف من الأخبار وعن العرب من المذاهب والأشعار في موضعين من التمهيد أحدهما هذا البلاغ والآخر حديث بن شهاب عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر وقد ذكرنا هناك من ذلك طرقا ونذكر ها هنا من حديث أبي هريرة ولو طريقا واحدا أما قوله لا عدوى فمعناه أنه لا يعدي شيء شيئا ولا يعدي سقيم صحيحا والله يفعل ما يشاء لا شيء إلا ما شاء وكانت العرب أو أكثرها تقول بالعدوى والطيرة ومنهم من كان لا يصدق بذلك وينكره ولكل طائفة منهم في مذهبه أشعار وقد ذكرت منها في التمهيد ما يكفي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى إعلاما منه أن ما اعتقد من ذلك من اعتقده منهم كان باطلا

وأنشد الشافعي للحطيئة يمدح أبا موسى الأشعري لا يزجر الطير شيخا إن عرضن له ولا يفيض على قسم بأزلام قال الشافعي يعنى أنه سلك طريق الإسلام في التوكل على الله تعالى وترك زجر الطير قال الشافعي وقال بعض الشعراء يمدح نفسه ولا أنا ممن يزجر الطير همه أصاح غراب أم تعرض ثعلب وللشافعي رحمه الله كلام في السائح من الطير والبارح ذكره حين سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أقروا الطير على وكناتها ويروى على مكانتها وقد ذكرناه في غير هذا الموضع وأما قوله لا هام فإنهم اختلفوا أيضا في ذلك فقالوا أو من قال منهم إن الرجل إذا قتل خرج من رأسه طائر يزفو فلا يسكت حتى يقتل قاتله وقال شاعرهم فإن تك هامة بالمرء تزفو وقد أزفيت بالمروين هامة يريد مرو الروذ ومرو الشلنجات وقال بعضهم عظام القتيل تصير هامة فكانت تطير وكانوا يسمون ذلك الطائر الصداء قال لبيد يرثي أخاه فليس الناس بعدك في نفير وما هم غير أصداء وهام

وقال أبو دؤاد الإيادي سلت الموت والمنون عليهم فلهم في صداء المقابر هام فأكذبهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا عدوى ولا هام ونهى عن اعتقاد ذلك وأما قوله ولا صفر فقال بن وهب هو من الصفار يكون بالإنسان حتى يقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتل الصفار أحدا وقال آخرون هو شهر صفر كانوا يحلونه عاما ويحرمونه عاما وذكر بن القاسم عن مالك مثل ذلك قال وقال مالك الهام الطير الذي يقال له الهامة وقد ذكرنا في التمهيد ما قاله أبو عبيد وغيره في ذلك كله وأما الممرض فالذي إبله مراض والمصح الذي إبله صحاح وأما قوله إنه أذى فقال أبو عبيد معنى الأذى عندي المأثم وروى بن وهب عن بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال يكره أن يدخل المريض على الصحيح وليس به إلا قول الناس وأما حديث أبي هريرة فنذكره من حديث بن شهاب من بعض طرقه لأنه عند بن شهاب عن سنان بن أبي سنان عن أبي هريرة وعن أبي سلمة عن أبي هريرة وعن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وعند معمر منها حديثان وليس عند مالك عن بن شهاب منها شيء روى عبد الرزاق عن معمر وروى بن وهب عن يونس كلاهما عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا هامة ولا صفر فقام أعرابي فقال يا رسول الله إن الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيرد عليها البعير الجرب فتجرب كلها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أعدى الأول

وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال كان أبو هريرة يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ثم حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يورد ممرض على مصح الحديثين كليهما ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله لا عدوى فأقام على أن لا يورد ممرض على مصح قال فقال الحارث بن أبي ذباب وهو بن عم أبي هريرة قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا حديثا آخر قد سكت عنه كنت تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى فأبى أبو هريرة أن يحدث بذلك وقال لا يورد ممرض على مصح فما رآه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة ورطن بالحبشية ثم قال للحارث أتدري ما قلت قال لا قال أبو هريرة إني أقول أبيت أبيت قال أبو سلمة فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين ورواه الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله سواء إلى آخره

كتاب الشعر باب السنة في الشعر مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى قال أبو عمر قد روي هذا الحديث عن مالك عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك وهم ممن رواه وقد ذكرناه في التمهيد والصواب ما رواه يحيى وغيره في الموطأ عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما الإحفاء فهو عند أهل اللغة الاستئصال بالحلق والإعفاء عندهم ترك الشعر لا يحلقه وقد اختلف العلماء في حلق الشارب فكان مالك يقول السنة قص الشارب وهو أخذ الشعر من الإطار وهو طرف الشفة العليا وأصل الإطار في اللغة جوانب الفم المحدقة به وكل شيء يحدق بالشيء ويحيط به فهو إطار له والحجة لمالك فيما ذهب إليه من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم خمس من الفطرة فذكر منها قص الشارب وقد تقدم في بابه من هذا الكتاب

ومن الحجة له أيضا حديث زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يأخذ من شاربه شيئا فليس منا وحديث عبد الله بن بسر قال كان شارب رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيال شفته وحديث المغيرة بن شعبة قال ضفت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر لي بجنب فشوي وأخذ من شاربي على سواك وهذا كله لا يكون معه حلق ولا استئصال وقد ذكرت هذه الأحاديث بأسانيدها في باب أبي بكر بن نافع في التمهيد وقد ذكرناها في باب سعيد بن أبي سعيد أيضا وقال مالك في الموطأ يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار فلا يجزه ولا يمثل بنفسه وقال بن القاسم عنه إحفاء الشارب عندي مثله وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه ويقول تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم إحفاء الشارب إنما هو الإطار وقال بن عبد الحكم عنه ليس إحفاء الشارب حلقه وأرى أن يؤدب من حلق شاربه وقال أشهب عن مالك في حلق الشارب هذه بدع وأرى أن يوجع ضربا من فعله وقال مالك كان عمر بن الخطاب إذا كربه أمر نفخ وفتل شاربه وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال السنة في الشارب الإطار واحتج بعض أصحابنا المتأخرين بأن الشارب لا يقع إلا على ما يباشر به شرب الماء من الشفة وهو الإطار فذلك الذي يحفى وذكر بن وهب عن الليث قال لا أحب لأحد أن يحلق شاربه ولكن يقصره على طرف الشارب وأكره أن يكون طويل الشاربين

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إحفاء الشارب وحلقه واستئصاله أفضل من تقصيره ومن قصه وقال أبو بكر الأثرم رأيت أحمد بن حنبل يحفي شاربه إحفاء شديدا وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشارب فقال يحفى كما قال نبي الله صلى الله عليه وسلم احفوا الشارب قال أبو عمر حجة من ذهب إلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم احفوا الشارب والشارب معروف وهو ما عليه الشعر من الشفه العليا تحت الأنف حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن قاسم قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني هارون بن عبد الله قال حدثني معن بن عيسى وروح بن عبادة وعبد الله بن نافع قالوا حدثنا مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى قال أبو عمر من حجتهم أيضا حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال جزوا الشوارب واتركوا اللحى وروى عكرمة عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجز شاربه وهذا قد خولف فيه راويه فقيل فيه يقص شاربه حدثنا سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يحيى بن آدم قال حدثني حسين بن صالح عن سماك عن عكرمة عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من شاربه وكان إبراهيم خليل الله عليه السلام يقص من شاربه قالوا وأما ما روي عن عمر أنه كان ربما فتل شاربه إذا اهتم فهذا لا حجة فيه لأنه لا بد للمرء أن يترك شاربه حتى يكون فيه الشعر ثم يحلقه بعد ورووا عن عبد الله بن عمر أنه كان يحفي شاربه حتى كأنه ينتفه وقال بعضهم في حديث بن عمر حتى يرى بياض الجلد وعن أبي هريرة وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي أسيد

الساعدي ورافع بن خديج وسهل بن سعد أنهم كانوا يحفون شواربهم وأما قوله واعفوا اللحى فقال أبو عبيد يعني وفروا اللحى لتكثر يقال فيه عفا الشعر إذا كثر وقد عفوت الشعر وعفيته لغتان وقال بن الأنباري وغيره عفا القوم إذا كثروا وعفوا إذا قلوا وهو من الأضداد ويقال عفوته أعفوه وعفيته أعفيه قال أبو عمر روى أصبغ عن بن القاسم قال سمعت مالكا يقول لا بأس أن يأخذ ما تطاير من اللحية وشذ وقال فقيل لمالك فإذا طالت جدا فإن من اللحى ما تطول قال أرى أن يؤخذ منها وتقصير وقد ذكر أبو عيسى الترمذي في المصنف قال حدثني هناد بن السري قال حدثني عمرو بن هارون عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها وأخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا بن الأعرابي قال حدثني سفيان عن بن طاوس عن أبيه أنه كان يكره أن يشرب بنفس واحد وكان يأمرنا أن نأخذ من باطن اللحية وروى سفيان عن بن عجلان عن نافع عن بن عمر أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة وعن عطاء وقتادة مثله سواء وروى عبيد الله بن عمر عن نافع أن بن عمر كان إذا قصر من لحيته في حج أو عمرة يقبض عليها ويأخذ من طرفها ما خرج من القبضة وكان قتادة يفعله وكان محمد بن كعب القرظي يرى للحاج أن يأخذ من الشارب واللحية وكان قتادة يأخذ من عارضيه وكان الحسن يأخذ من لحيته وكان بن سيرين لا يرى بذلك بأسا وروى سفيان عن منصور عن إبراهيم قال كانوا يأخذون من جوانب اللحية

قال أبو عمر قد صح عن بن عمر ما ذكرناه عنه في الأخذ من اللحية وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى وهو أعلم بما روى مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج وهو على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساءهم قال أبو عمر قد ذكرنا ما في هذا الحديث من المعاني والوجوه التي يمكن استنباطها من ألفاظه في التمهيد وأما الظاهر من معناه فهو النهي عن أن تصل المرأة شعرها بشعر غيرها وفي هذا المعنى جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله الواصلة والمستوصلة والواصلة هي الفاعلة والمستوصلة الطالبة أن يفعل ذلك بها حدثني أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثني عبيد الله بن محمد قال حدثني البغوي قال حدثني علي بن الجعد قال حدثني شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت الحسن بن مسلم بن يناق يحدث عن صفية بنت شيبة عن عائشة قالت تزوجت صبية من الأنصار فمرضت وتمرط شعرها فأرادوا أن يصلوا فيه فسئل النبي صلى الله عليه وسلم فلعن الواصلة والمستوصلة وروي عن بن سيرين أنه سأله رجل فقال إن أمي كانت تمشط النساء

أترى لي أن آكل من مالها وأرثه عنها فقال إن كانت لا تصل فلا بأس قال أبو عمر فإذا كان هذا لضرورة فلا يحل فكيف به من غير ضرورة ولهذا الحديث طرق قد ذكرت بعضها في التمهيد وفي هذا الحديث تقريع وتوبيخ من معاوية لأهل المدينة وقد احتج به بعض من لا يرى عمل أهل المدينة حجة لأن ظاهرة أن أهل المدينة لم يغيروا ذلك المنكر أو جهلوه مالك عن زياد بن سعد عن بن شهاب أنه سمعه يقول سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد ذلك قال أبو عمر هكذا رواه جماعة الرواة عن مالك إلا حماد بن خالد الخياط فإنه رواه عن مالك عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس فأخطأ فيه والصواب فيه من رواية مالك الإرسال كما في الموطأ وأما من غير رواية مالك فصوابه عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس لا من حديث بن شهاب الزهري عن أنس وقد ذكرنا حديث حماد بن خالد وحديث بن عباس أيضا من طرق في التمهيد منها ما حدثني أحمد بن فتح قال حدثني محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري بمصر قال حدثني الحسين بن محمد الضحاك قال حدثني أبو مروان العثماني قال حدثني إبراهيم بن سعد عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس قال سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني محمد بن جعفر الوركاني قال حدثني إبراهيم بن سعد عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال كان أهل الكتاب يسدلون شعورهم وكان المشركون يفرقون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم

يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد ورواه الليث بن سعد وعبد الله بن وهب جميعا عن يونس بن يزيد عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس مثله ورواه بن عيينة ومعمر عن بن شهاب عن عبيد الله لم يذكر بن عباس وقال محمد بن يحيى النيسابوري الصحيح المحفوظ في هذا الحديث ما رواه يونس وإبراهيم بن سعد قال أبو عمر روى عيسى عن بن القاسم عن مالك قال رأيت عامر بن عبد الله بن الزبير وربيعة بن أبي عبد الرحمن وهشام بن عروة يفرقون شعورهم وكانت لهشام جمة على كتفيه وذكر بن وهب عن أسامة بن زيد الليثي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا انصرف يوم الجمعة أقام على باب المسجد حرسا يجزون كل من لم يفرق شعره وقد ذكرنا في التمهيد من كانت له لمة ومن كانت له وفرة ومن فرق من الصحابة والتابعين ومن حلق منهم وجئنا فيما جاء عنهم في ذلك بالآثار وأشبعنا هذا المعنى هناك والحمد لله كثيرا وقد ذكرنا هناك أيضا حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اخضبوا وافرقوا وخالفوا اليهود وقد كان مالك رحمه الله يفرق شعره زمانا من عمره وفي هذا الباب قال مالك ليس على الرجل ينظر إلى شعر امرأة ابنه أو شعر أم امرأته بأس قال أبو عمر لا أعلم في هذا خلافا وأجمعوا أنه لا يجوز أن ينظر أحد إلى ذات محرم منه نظر شهوة وأن ذلك حرام عليه والله يعلم المفسد من المصلح ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره الإخصاء ويقول فيه تمام الخلق قال أبو عمر يعني أن في ترك الخصاء تمام الخلق

ويروى نماء الخلق واختلف أهل العلم بتأويل القرآن في معنى قوله تعالى ولأمرنهم فليغيرن خلق الله النساء فقال بن عمر وأنس بن مالك وطائفة هو الخصاء وروي ذلك عن بن عباس وهو قول عكرمة وأبي صالح ونحو ذلك قول الحسن لأنه قال هو الوشم وروي ذلك عن بن مسعود وقال مجاهد وغيره في قوله تعالى فليغيرن خلق الله قال دين الله وروي ذلك عن بن عباس أيضا وعن إبراهيم وجماعة واستشهد بعضهم بقول الله عز وجل فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله الروم وقد اختلف أهل العلم والفقهاء في الضحية بالخصاء والموجوء من الأنعام وأكثرهم على إجازته إذا كان سمينا وقالوا خصي فحل الغنم يزيد في سمنه وكره جماعة من فقهاء الحجازيين والكوفيين شراء الخصي من الصقالبة وغيرهم وقالوا لو لم يشتروا منهم لم يخصوا ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة وتغيير لخلق الله عز وجل وكذلك سائر أعضائهم وجوارحهم في غير حد ولا قود مالك عن صفوان بن سليم أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين إذا اتقى وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام قال أبو عمر هكذا رواية مالك لم يختلف عليه رواه الموطأ في ذلك عنه وقد رواه سفيان بن عيينة عن صفوان بن سليم فأسنده

حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني صفوان بن سليم عن امرأة يقال لها أنيسة عن أم سعد بنت مرة الفهري عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين وأشار بإصبعيه قال أبو عمر وهذه فضيلة عظيمة إلى كل من ضم يتيما إلى مائدته وأنفق عليه من طوله فإذا كان مع ذلك من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا نال ذلك وحسبك بها فضيلة وقربة من منزل النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وليس بين السبابة والوسطى في الطول ولا في اللصوق كثير وإن كان نسبة ذلك من سعة الجنة كثيرا وأما قوله في هذا الحديث له أو لغيره فالمعنى والله أعلم من قرابته كان اليتيم أو من غير قرابته وهذا الحديث الذي قبله في الخصي ليسا من معنى هذا الباب في شيء وهما عند يحيى فيه كما ترى والله عز وجل الموفق للصواب وعند بن وهب والقعنبي وجماعة من رواة مالك عن مالك عن ثور بن زيد عن أبي الغيث سالم مولى بن مطيع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الساعي على الأرملة واليتيم كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يقوم الليل ويصوم النهار وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه الساعي على الأرملة والمسكين ولا يذكر اليتيم باب إصلاح الشعر مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي جمة أفأرجلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وأكرمها فكان أبو قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكرمها هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع الرواة فيما علمت والله عز وجل أعلم

وقد روته طائفة منهم عمر بن علي المقدمي عن يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن أبي قتادة قال كانت لي جمة وكنت كل يوم أدهنها مرة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم جمتك وأحسن إليها فكنت أدهنها في كل يوم مرتين ذكره البزار قال حدثني أحمد بن ثابت قال حدثني عمر بن علي المقدمي قال حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن المنكدر عن أبي قتادة فذكره وروى بن وهب عن أبي الزناد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان له شعر فليكرمه وروى خالد بن إلياس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا الشعر قال أبو عمر حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن إدريس عن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة قال مازح النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة فقال لأجزن جمتك فقال يا رسول الله لك مكانها اثنان فدعها فقال له بعد ذلك أكرمها فكان يتخذ لها المسك وروى بن جريج عن عطاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخذ شعرا فليحسن إليه أو ليحلقه وروى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ثائرا الرأس فقال إما أن تحسن إلى شعرك وإما أن تحلقه ورأى رجلا ثائر اللحية فقال لم يشوه أحدكم بنفسه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديثان معارضان لهذا في ظاهرهما أحدهما حدثناه سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني هشام قال حدثنا الحسن عن عبد الله بن مغفل قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا

والآخر حديث بن بريدة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الإرفاه حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني جعفر بن محمد الصائغ قال حدثني سعيد بن سليمان قال حدثني بن المبارك عن كهمس بن الحسن عن بن بريدة فذكره قال كهمس قلت لابن بريدة ما الإرفاه قال الترجل كل يوم وهذا يحتمل أن يكون في من شعره سبط لا يحتاج أن يرجله في كل وقت وأما المشعث السمج فلا والله أعلم مالك عن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن اخرج كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته ففعل الرجل ثم رجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان قال أبو عمر روى بن وهب عن مسلم بن خالد أنه أخبره عن إسماعيل بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يرى الشعث وقد يتصل معنى حديث عطاء بن يسار هذا من حديث جابر رواه الأوزاعي قال حدثني حسان بن عطية قال حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرا في منزلنا فرأى رجلا شعثا فقال أما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه ورأى رجلا عليه ثياب وسخة فقال أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه وقد ذكرناه من طرق عن الأوزاعي في كتاب التمهيد وأما التشبيه بالشيطان فلما يقع في القلب من قبح صورته وقد قال عز وجل في شجرة الزقوم طلعها كأنه رؤوس الشيطين الصافات على هذا المعنى والله أعلم

باب ما جاء في صبغ الشعر مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال وكان جليسا لهم وكان أبيض اللحية والرأس قال فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما قال فقال له القوم هذا أحسن فقال إن أمي عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى البارحة جاريتها نخيلة فأقسمت على لأصبغن وأخبرتني أن أبا بكر الصديق كان يصبغ قال مالك في صبغ الشعر بالسواد لم أسمع في ذلك شيئا معلوما وغير ذلك من الصبغ أحب إلي قال وترك الصبغ كله واسع إن شاء الله ليس على الناس فيه ضيق قال مالك في هذا الحديث بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصبغ ولو صبغ رسول الله لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود قال أبو عمر إن نخيلة بالخاء المنقوطة يرويه يحيى وكذلك رواه بن القاسم وطائفة من رواة الموطأ ورواه بن بكير ومطرف نحيلة بالحاء غير المنقوطة والله أعلم قال أبو عمر ما قاله مالك واستدل به استدلال حسن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خضب لأخبرت بذلك عائشة عبد الرحمن بن الأسود لأنه الأرفع والأعلى في الحجة وفيما كان يفعله أفضل الأسوة ومما يعضد ذلك ويؤيده حديث ربيعة عن أنس من رواية مالك وغيره قوله لم يكن في رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون شعرة بيضاء وذكر البخاري عن بن بكير عن الليث عن خالد بن إسماعيل عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن عبد الرحمن قال سمعت أنسا يصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان ربعة من القوم ليس بالطويل وذكر الحديث إلى قوله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء

قال ربيعة رأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر فسألت عنه فقيل لي احمر من الطيب ورواه موسى بن أنس عن أبيه قال لم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم من الشيب ما يخضب حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني علي بن الجعد قال حدثني زهير بن معاوية عن حميد الطويل قال سئل أنس عن الخضاب قال خضب أبو بكر بالحناء والكتم وخضب عمر بالحناء قيل له فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء وأسر حميد إلى رجل على يمينه فقال كن سبع عشرة شعرة قال أحمد بن زهير وحدثني أبي قال حدثني معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال سألت سعيد بن المسيب أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لم يبلغ ذلك قال أبو عمر قد قال قوم من أهل العلم بالأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خضب ورووا في ذلك آثارا منها ما رواه بن إسحاق قال حدثني سعيد المقبري عن عبيد بن جريج قال قلت لابن عمر يا أبا عبد الرحمن إني رأيتك تصفر لحيتك فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصفر بالورس فأنا أحب أن أصفر به كما كان يصنع وروى حماد بن سلمة ويحيى بن سعيد القطان كل واحد منهم عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر رأيتك تصفر لحيتك فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته وقال عطاء رأيت بن عمر ورأيت لحيته صفراء وقال عبد الله بن همام قلت لأبي الدرداء أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب فقال يا بن أخي ما بلغ منه الشيب ما يخضب ولكنه كان منه ها هنا شعرات بيض وكان يغسلها بالحناء والسدر وقال عثمان بن موهب رأيت شعر النبي صلى الله عليه وسلم أخرجته إلى أم سلمة فرأيته مخضوبا بالحناء والكتم

وقيل لمحمد بن علي أكان علي يخضب قال قد خضب من هو خير منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجاء بن حيوة لا يغير شيبة فشهد عنده أربعة أن النبي صلى الله عليه وسلم غير شيبة قال فغير في بعض المياه وقد ذكرت أسانيد هذه الأخبار كلها في التمهيد من كتاب أحمد بن زهير وأما قول مالك في الصبغ بالسواد أن غيره من الصبغ أحب إليه فهو كذلك لأنه قد كره الصبغ بالسواد أهل العلم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح إذ أتى بأبي قحافة ورأسه كأنه ثغامة غيروا شعره وجنبوه السواد ولم يختلف العلماء في جواز الصبغ بالحناء والكتم وما أشبههما وإن كانوا قد اختلفوا في الأفضل من تغيير شيب اللحية بالحناء ومن تركها بيضاء فكان مالك رحمه الله لا يغير شيبه حدثني أحمد بن عبد الله ومحمد بن علي قالا حدثني أبي قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني يحيى بن إبراهيم قال حدثني محمد بن يحيى قال رأيت الليث بن سعد يخضب بالحناء ورأيت مالك بن أنس لا يغير الشيب وكان نقي البشرة ناصع بياض الشيب حسن اللحية لا يأخذ منها من غير أن يدعها تطول قال يحيى ورأيت عثمان بن كنانة ومحمد بن إبراهيم وعبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن نافع وعبد الله بن وهب وأشهب بن عبد العزيز لا يغيرون الشيب قال ولم يكن شيب بن وهب وبن القاسم وأشهب بالكثير أخبرنا خلف بن قاسم قال حدثني أبو بكر أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن بمكة في المسجد الحرام قال حدثني أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون قال قال بعض ولاة المدينة بمالك بن أنس ألا تخضب يا أبا عبد الله فقال له مالك لم يبق عليك من العدل إلا أن أخضب وحدثني خلف قال حدثني قاسم قال حدثني أبو بشر الدولابي قال حدثني أبو بكر بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني إسحاق بن عيسى قال

رأيت مالك بن أنس لا يخضب فسألته عن تركه الخضاب قال بلغني أن عليا كان لا يخضب وقال سفيان بن عيينة كان عمرو بن دينار وأبو الزبير وبن أبي نجيح لا يخضبون وكان علي بن أبي طالب والسائب بن يزيد وجابر بن زيد ومجاهد وسعيد بن جبير لا يخضبون كلهم أبيض الرأس واللحية قال أبو عمر كان الشافعي رحمه الله يخضب وكان الشيب قد سبق إليه وعجل عليه فتوفي وهو بن أربع وخمسين ذكره الربيع بن سليمان كان الشافعي يخضب لحيته حمراء قانية وروى الشافعي وغيره عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا بكر خضب بالحناء والكتم وعن سفيان أيضا عن الزهري عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ومن حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم وروى محمد بن كناسة قال حدثني هشام بن عروة عن أخيه عثمان بن عروة عن أبيه عن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ورواه وهب عن هشام بن عروة عن عثمان بن عروة عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وقال يحيى بن معين إنما هو عن عروة بن الزبير مرسلا وممن خضب من الصحابة والتابعين بالحناء والكتم وكانت لحيته قانية أبو بكر وعمر وأنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى والحسن بن علي ومحمد بن الحنفية وجماعة

وقد ذكرناهم في التمهيد قال أبو جعفر الأنصاري رأيت أبا بكر ولحيته ورأسه كأنهما حمر القطا وقال قيس بن أبي حازم كان أبو بكر يخرج إلينا ولحيته كأنها ضرام عرفج من الحناء والكتم وكان عثمان بن عفان ومعاوية والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وسلمة بن الأكوع وقيس بن أبي حازم وأبو العالية وجماعة قد ذكرناهم في التمهيد يصفرون لحاهم وأما الخضاب بالسواد فحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن عليه عن الليث عن أبي الزبير عن جابر قال جيء بأبي قحافة يوم الفتح إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكأن رأسه ثغامة فقال اذهبوا به إلى بعض نسائه فليغيرنه وجنبوه السواد وقال عطاء ما رأيت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب بالسواد ما كانوا يخضبون إلا بالحناء والكتم وهذه الصفرة حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني يحيى بن آدم قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب قال سمعت سعيد بن جبير وسئل عن الخضاب بالوشمة فقال يكسو الله عز وجل في وجهه نورا ثم يطفئه بالسواد وممن كره الخضاب بالسواد مجاهد وعطاء وطاووس ومكحول والشعبي وروي ذلك عن أبي هريرة وقد خضب بالسواد الحسن والحسين ومحمد بنو علي بن أبي طالب وقال عبد الأعلى سألت بن الحنفية عن الخضاب بالوشمة فقال هو خضابنا أهل البيت وقال محمد بن إسحاق كان أبو جعفر بن علي بن حسين يخضب بالحناء والوشمة ثلثين بالحناء وثلثا وشمة وخضب بالسواد نافع بن جبير وموسى بن طلحة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعقبة بن عامر

وكان عقبة بن عامر ينشد في ذلك أسود أعلاها وتأبي أصولها ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصل وكان الحسين بن علي يقول في ذلك نسود أعلاها وتأبي أصولها فليت ما يسود منها هو الأصل وكان هشيم يخضب بالسواد فأتاه رجل فسأله عن قول الله عز وجل وجاءكم النذير فاطر فقال له قد قيل له إنه الشيب فقال له السائل فما تقول في من جاءه نذير من ربه فسود وجهه فترك هشيم الخضاب بالسواد باب ما يؤمر به من التعوذ مالك عن يحيى بن سعيد قال بلغني أن خالد بن الوليد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أروع في منامي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعاقبة وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وهذا الحديث محفوظ من رواية أهل المدينة مرسلا ومسندا حدثني أبو محمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن محمد بن يحيى بن حبان أن خالد بن الوليد كان يروع أو يروق من الليل فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتعوذ بكلمات الله التامة من غضب الله وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وذكره أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن الوليد بن الوليد بن المغيرة المخزومي شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث نفس يجده وأنه قال له إذا أتيت فراشك فقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وكذلك رواه بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوليد بن

الوليد أخي خالد لا في خالد قال كان الوليد بن الوليد بن المغيرة يروع في منامه ثم ذكر مثل حديث مالك سواء وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وليس في هذا الحديث ما يحتاج إلى شرح وفيه التعوذ بكلمات الله وفيه الاستعاذة ولا تكون بمخلوق وكلمات الله من الله وليس من الله شيء مخلوق وتفسير قوله وأن يحضرون فإن أهل المعاني قالوا معناه وأن يصيبني أحد بسوء وكذلك قال أهل التفسير في قول الله عز وجل أعوذ بك من همزت الشيطين وأعوذ بك رب أن يحضرون المؤمنون قالوا يصيبوني بسوء ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه الحشوش محتضرة أي يصاب الناس فيها وقد قيل إن هذا أيضا قول الله عز وجل كل شرب محتضر القمر أي يصيب منه صاحبه مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال له جبريل أفلا أعلمك كلمات تقولهن إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى فقال جبريل فقل أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها وشر ما ذرأ في الأرض وشر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن قال أبو عمر هذا الحديث قد رواه قوم عن يحيى بن سعيد مسندا حدثني عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني حمزة بن محمد بن علي قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري قال حدثني سعيد بن أبي مريم قال حدثني محمد بن جعفر قال حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عياش الشامي عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن

وهو مع جبريل وأنا معه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وجعل العفريت يدنو ويزداد قربا فقال جبريل ألا أعلمك كلمات تقولهن فيكب العفريت لوجهه وتطفأ شعلته قل أعوذ بوجه الله الكريم وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل إلا طارق يطرق بخير يا رحمن فكب العفريت لوجهه وطفئت شعلته وقد روى عبد الرحمن بن خنبش عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى قال حدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني عفان قال حدثني جعفر بن سليمان قال حدثني أبو التياح قال سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قادته الشياطين قال جاءت الشياطين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية وتحدرت عليه من الجبال وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرعب منه قال جعفر أحسبه قال وجعل يتأخر فجاء جبريل وقال يا محمد قل قال ما أقول قال قل أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن قال فطفئت شعلة الشيطان وهزمهم الله تعالى مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رجلا من أسلم قال ما نمت هذه الليلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي شيء فقال لدغتني عقرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك هذا حديث مسند متصل وفيه دليل على أن كلمات الله غير مخلوقة لأنه لا يستعاذ بمخلوق والقرآن كلامه جل جلاله

مالك عن سمي مولى أبي بكر عن القعقاع بن حكيم أن كعب الأحبار قال لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حمارا فقيل له وما هن فقال أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وبرأ وذرأ قال أبو عمر هذا يدل على أن من السحر ما يغلب الأعيان أحيانا والله أعلم وهذا معنى قول كعب لجعلتني يهود حمارا وفي ما تقدم من الأحاديث في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يشهد لقول كعب في تعوذه وأن من الدعاء والاستعاذة والرقى ما يصرف السوء والبلاء والحمد لله كثيرا باب ما جاء في المتحابين في الله مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون لجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي قال أبو عمر قوله المتحابون لجلالي أي المتحابون في ومن أجلي إجلالا ومحبة وابتغاء مرضاتي والمعنى في ذلك أن يكون العمل لله عز وجل خالصا لا يكون لشيء من عرض الدنيا إنه يحبه لله عز وجل مؤمن به مخلص له ويحبه لدعائه إلى الخير ولفعله الخير وتعليمه الدين والدين جماع الخير كله فإذا أحبه لذلك فقد أحب الله عز وجل قال الله عز وجل قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله آل عمران

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة أن رجلا سأله فقال يا رسول الله مال المرء يحب القوم ولما يلحق بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث البراء بن عازب أنه قال أوثق عرى الإسلام الحب في الله عز وجل والبغض في الله عز وجل ومن حديث بن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله بن مسعود أتدري أي عرى الإسلام أوثق قلت الله ورسوله أعلم قال الولاية في الله عز وجل والحب فيه والبغض فيه ومن حديث بن مسعود أيضا قال أوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء أن قل لفلان الزاهد أما زهدك في الدنيا فتعجلت به راحة نفسك وأما انقطاعك إلي فقد تعززت بي فماذا عملت فيما لي عليك فقال يا رب وما لك علي قال هل واليت في وليا أو عاديت في عدوا وقال عليه السلام حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق وروي عن مسروق أنه قال حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة وقال بريدة الأسلمي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال والله إنه لعهد النبي الأمي إلي إنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق وقال جابر بن عبد الله ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي

قال أبو عمر فمن الحب في الله عز وجل حب أولياء الله عز وجل وهو حب الأتقياء الأولياء منهم المعلمون لدين الله عز وجل العاملون به وروى ثابت البناني عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تحاب رجلان في الله عز وجل إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه وروى ثابت البناني أيضا عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرسل الله عز وجل على مدرجته ملكا فلما أتى عليه قال له أين تريد قال أريد أخا لي في هذه القرية قال هل له عليك من نعمة تربها قال لا ولكنني أحببته في الله عز وجل قال فإني رسول الله إليك إنه قد أحبك كما أحببته فيه ومن حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لله عز وجل عباد ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمنازلهم أو بمكانهم من الله عز وجل قالوا يا نبي الله من هم وما أعمالهم لعلنا نحبهم قال قوم تحابوا لروح الله عز وجل من غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها والله إن وجوههم نور وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس ثم قرأ ألآ إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون يونس وهذه الآثار كلها قد ذكرنا أسانيدها كلها في التمهيد وروينا عن قتادة عن مسلم بن يسار قال مرضت مرضة فلم يكن في عملي شيء أوثق في نفسي من قوم كنت أحبهم في الله عز وجل وعن ثابت البناني عن مسلم بن يسار قال ما في عملي شيء إلا وأنا أخاف أن يكون قد دخله ما يفسده إلا الحب في الله عز وجل حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال حدثني أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال حدثني الهيثم بن خارجة قال حدثني إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو وعبد الرحمن بن ميسرة عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تبارك وتعالى المتحابون لجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي مالك عن خبيب بن عبد الرحمن الأنصاري عن حفص بن

عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه قال أبو عمر هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جمهور الرواة على الشك في أبي هريرة وأبي سعيد ورواه مصعب الزبيري وأبو قرة موسى بن طارق عن مالك عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة وأبي سعيد معا عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه زكريا بن يحيى الوقار عن بن وهب وعبد الرحمن بن القاسم ويوسف بن عمرو بن يزيد ثلاثتهم عن مالك عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أبا هريرة وهذا خطأ من الوقار لم يتابع عليه ولم يكن من أهل الحديث وقد ذكرنا الروايات عنهم بذلك في التمهيد والمحفوظ المعروف عن بن وهب وبن القاسم روايتهما لهذا الحديث عن مالك كما رواه يحيى وجمهور الرواة على الشك في أبي هريرة وأبي سعيد والصحيح عندي فيه والله عز وجل أعلم أنه عن أبي هريرة لا عن أبي سعيد لأنه كذلك رواه عبيد الله بن عمر وكان إماما في الحديث عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة رواه عنه بن المبارك وحماد بن زيد ويحيى القطان كذلك وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وظل الله عز وجل في هذا الموضع رحمته والله عز وجل أعلم وجنته وقيل ظل الله عز وجل ظل عرش الله قال الله عز وجل أكلها دآئم وظلها الرعد وقال عز وجل إن المتقين في ظلل وعيون المرسلات وقال تعالى وظل ممدود الواقعة ومن كان في ظل الله عز وجل سلم من هول الموقف وشدته وما يلحق الناس فيه من القلق والضيق والعرق على ما في حديث المقداد بن الأسود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم

ويدخل في قوله عليه السلام إمام عادل كل من حكم بين اثنين فما فوقهما من رعية أو أهل وذرية كما قال صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الحديث وقال صلى الله عليه وسلم المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين وهم الذين يعدلون في أهليهم وما ملكت أيمانهم وما ولوا وقال علي رضي الله عنه في خطبته يوم الجمعة على المنبر أيها الرعاء إن لرعيتكم عليكم حقوقا الحكم بالعدل والقسم بالسوية وما من حسنة أحب إلى الله عز وجل من حكم إمام عادل قال أبو عمر في فضل الإمام العادل وفضل الشاب الناسك وفضل المشي إلى المسجد والصلاة فيه وانتظار الصلاة بعد الصلاة وفي المتحابين في الله عز وجل وفي العين الباكية من خشية الله عز وجل وفي فضل الصدقة في السر والعلانية وفي فضل العفاف والتارك شهوته خوفا من الله عز وجل وحبا منه وتصديقا بوعيده ووعده آثار كثيرة يطول الكتاب بذكرها وفي محكم القرآن من ذلك كله بيان شاف وبالله عز وجل التوفيق مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله العبد قال لجبريل قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض الله العبد قال مالك لا أحسبه إلا أنه قال في البغض مثل ذلك قال أبو عمر هكذا رواه جماعة من الرواة عن مالك فيما علمت

ورواه عبد العزيز بن المختار ومعمر وحماد بن سلمة عن سهيل بإسناده وقالوا في آخره وإذا أبغض العبد فقال مثل ذلك ولم يشكوا وروى عبد العزيز بن أبي سلمة عن سهيل بإسناده فلم يذكر فيه البغض أصلا وروى هذا الحديث نافع مولى بن عمر عن أبي هريرة بمثل ذلك لم يذكر البغض ورواه حجاج وروح بن عبادة وغيرهما عن بن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قال الله عز وجل إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت سيجعل لهم الرحمن ودا مريم فقال أهل العلم بتأويل القرآن منهم بن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير يحبهم يحببهم إلى الناس وقالوا في قول الله عز وجل وألقيت عليك محبة منى طه حببتك إلى عبادي وقال الربيع بن أنس إذا أحب الله عز وجل عبدا ألقى له مودة في قلوب أهل السماء ثم ألقى مودة في قلوب أهل الأرض وقال كعب الأحبار والله ما استقر لعبد ثناء في أهل الأرض حتى يستقر ثناء في أهل السماء وقال عبد الله بن مسعود لا تسل أحدا عن وده لك وانظر ما في نفسك له فإن في نفسه مثل ذلك إن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وقد ذكرنا آثار هذا الباب بالأسانيد في التمهيد وروي عن أبي الدرداء أنه قال إياكم ومن تبغضه قلوبكم أخذه منصور الفقيه الشافعي فقال شاهدي ما في مضمري من صدق ودي مضمرك فما أريد وصفه قلبك عني يخبرك وقيل أنها لداود بن منصور وهي أصح والله أعلم ومن حديث هذا المعنى قول صالح بن عبد العزيز لا أسأل الناس عما في ضمائرهم ما في ضميري لهم من داء يلقين مالك عن أبي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني أنه قال

دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه وصدروا عن قوله فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله لأحبك لله فقال آلله فقلت آلله فقال آلله فقلت آلله فقال الله فقلت آلله قال فأخذه بجبوة ردائي فجبذني إليه وقال أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في قال أبو عمر قد مضى في المتحابين في الله ما فيه كفاية والحمد لله أخبرنا عبد الرحمن بن عمر فيما كتب به إلي قال حدثني بن الأعرابي قال حدثني عبد الصمد بن أبي يزيد قال سمعت أحمد بن أبي الحواري قال حدثني أحمد بن يونس الحذاء قال سئل أبو حمزة النيسابوري عن المتحابين في الله عز وجل من هم فقال العاملون بطاعة الله المتعاونون على أمر الله وإن تفرقت دورهم وأبدانهم قال أحمد فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال قد يعملون بطاعة الله ويتعاونون على أمره ولا يكونون إخوانا في الله حتى يتزاوروا ويتباذلوا فقال أحمد صدق الله قال أبو عمر معنى التباذل أن يبذل كل واحد منهما ماله لأخيه متى احتاج وفي هذا الحديث لقاء أبي إدريس الخولاني لمعاذ بن جبل وسماعه منه وهو حديث صحيح الإسناد لا مطعن فيه لأحد وقد عده بعض من لم تتسع روايته ولا عظمت عنايته بهذا الشأن غلطا من أبي حازم أو ممن دونه واحتج بما رواه معمر و بن عيينة عن الزهري عن أبي إدريس قال أدركت عبادة بن الصامت وأبا الدرداء وشداد بن أوس ووعيت عنهم وفاتني معاذ بن جبل وقد صح عن أبي إدريس من طرق شتى صحاح كلها لقاؤه لمعاذ بن جبل وقد ذكرناه في التمهيد ولا خلاف أن أبا إدريس الخولاني ولد عام حنين وأن معاذ بن جبل توفي سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة في طاعون عمواس بغير نكير أن يسمع منه وهو غلام وولي أبو إدريس قضاء دمشق من فضالة بن عبيد دون واسطة وكان فضالة قاضيا بعد أبي الدرداء

وقال الوليد بن مسلم أدرك أبو إدريس معاذ بن جبل وهو بن عشر سنين قال أبو عمر يحتمل قول الزهري عن أبي إدريس فاتني معاذ في معنى كذا أو في حديث كذا أو في طول مجالسته كمجالسته لأبي الدرداء وقد أدرك أبو إدريس جماعة من الصحابة غير من ذكر الزهري كما أدرك الذين أدرك الزهري وقد ذكرت الشواهد على ما قلت من ذلك في التمهيد والحمد لله كثيرا مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول القصد والتؤدة حسن السمت جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة قال أبو عمر القصد ها هنا الاقتصاد في النفقة وفي معناه جاء الحديث ما عال من اقتصد وأما التودة التأني والاستثبات في الأمر وأما حسن السمت فالوقار والحياء وسلوك طريقة الفضلاء وقد روي حديث بن عباس هذا مسندا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني مضر بن محمد قال حدثني أبو خيثمة مصعب بن يزيد وسعيد بن جعفر الثقفي قالا حدثني زهير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السمت الصالح والهدى الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة قال أبو عمر رواه عبد الملك بن حسين النخعي عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة والصواب فيه ما قاله زهير بن معاوية والله أعلم وكان زهير حافظا وليس عبد الملك بن حسين بمشهور بحمل العلم حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن بكر بن داسة قال حدثني أبو داود قال حدثني النفيلي قال حدثني زهير قال حدثني

قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه قال قال لنا عبد الله بن عباس إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إن الهدى الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة وروى عبد الجبار بن سعيد المساحقي قال سمعت بن أنس يقول قال بن عباس حسن السمت والتؤدة ونقاء الثوب وإظهار المروءة وحسن الهيئة جزء من بضعة وأربعين جزءا من النبوة قال أبو عمر والصواب عن مالك ما في الموطأ

كتاب الرؤيا باب ما جاء في الرؤيا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع الرواة في ما علمت وقد رواه شعبة عن قتادة عن أنس عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وروى عفان بن مسلم عن عبد العزيز بن المختار عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا المؤمن جزء من ستة وعشرين جزءا من النبوة هكذا جاء هذا الحديث جزء من ستة وعشرين جزءا وإسناده عن عفان في التمهيد وروى حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين العقيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا جزء من أربعين جزءا من النبوة هكذا قال من أربعين وإسناده في التمهيد

وقد روي في حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بن جريج عن بن أبي حسين عن عكرمة عن بن عباس وروي عن عبادة أيضا مرفوعا جزء من أربعة وأربعين جزءا من النبوة وروي عن بن عباس مرفوعا أيضا جزء من خمسين جزءا من النبوة وقال حدثنيه العباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كله مذكور في التمهيد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك قال أبو عمر أكثر الروايات عن أبي هريرة في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة هكذا رواه سعيد بن المسيب وأبو سلمة وأبو صالح السمان ومحمد بن سيرين عن أبي هريرة كما رواه الأعرج جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة واختلف في ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاصي فروي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم جزء من ستة وأربعين جزءا وروي عنه جزء من تسعة وأربعين وفي حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة رواه الليث بن سعد عن بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري وروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سماك عن عكرمة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رؤيا المسلم جزء من سبعين جزءا من النبوة وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث وغيرها في باب إسحاق من التمهيد واختلاف ألفاظ الرواة من الصحابة وغيرهم في الأجزاء المذكورة من النبوة والحمد لله كثيرا

وقد تكلمنا على معانيها هناك بما فيه بلاغ وشفاء إن شاء الله تعالى وتكلمنا فيما يتوجه عليه وجوه الوحي وأنواعه فالرؤيا نوع من أنواعه ولا خلاف بين العلماء أن رؤيا الأنبياء وحي بدليل قوله عز وجل حاكيا عن إبراهيم وابنه صلوات الله عليهما إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يأبت افعل ما تؤمر الصافات يعني ما أمرك الله به في منامك وهذا واضح والحمد لله كثيرا حدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن المفسر قال حدثني أحمد بن علي قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني يحيى بن صالح عن سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى أحدكم الرؤيا تعجبه فليذكرها وليفسرها وإذا رأى الرؤيا تسوؤه فلا يذكرها ولا يفسرها مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن زفر بن صعصعة عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا ويقول ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة قال أبو عمر لا أعلم لزفر بن صعصعة ولا لأبيه غير هذا الحديث ولا أعلمه روى عنه غير إسحاق بن أبي طلحة والله أعلم وهكذا قال يحيى وأكثر رواة الموطأ في هذا الحديث عن مالك عن إسحاق عن زفر بن صعصعة عن أبيه ومن رواة مالك من لا يقول فيه عن أبيه ويجعله لزفر بن صعصعة عن أبي هريرة والأكثر يقول فيه عن أبيه وهذا الحديث يدل على شرف علم الرؤيا وفضلها لأنه لم يكن صلى الله عليه وسلم يقول إذا انصرف من صلاة الغداة هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا إلا ليقصها عليه ويعبرها ليتعلم أصحابه كيف الكلام في تأويلها وذلك دليل على فضل عبارة الرؤيا وشرف علمها وحسبك بيوسف صلى الله عليه وسلم وما أعطاه الله منها وفي أنبياء الله أسوة حسنة صلوات الله عليهم

مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يبقى بعدي من النبوة إلا المبشرات فقالوا وما المبشرات يا رسول الله قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال أبو عمر لم يختلف على مالك في إرسال هذا الحديث ولا أعلمه مسندا متصلا في رواية عطاء بن يسار ومعناه مسند صحيح من حديث بن عباس وغيره وإنما أعرف لعطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في تأويل قول الله عز وجل لهم البشرى في الحيوة الدنيا يونس قال هي الرؤيا الصالحة رواه الأعمش وعبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء ورواه وكيع وأبو معاوية وعلي بن مسهر وغيرهم عن الأعمش وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عمرو بن دينار عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر قال سألت أبا الدرداء عن قول الله عز وجل لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفى الآخرة يونس قال ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها غيرك إلا رجل واحد وهي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له قال سفيان ثم لقيت عبد العزيز بن رفيع فحدثنيه عن أبي صالح عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سفيان ثم لقيت محمد بن المنكدر فحدثنيه عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر وروي من حديث جابر بن عبد الله وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاصي وطلحة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أبي الدرداء ومعناه

وعلى ذلك أكثر أهل التفسير ومن ذلك ما ذكر مالك في آخر هذا الباب عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفى الآخرة يونس فقال هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له وأما حديث بن عباس فحديثه إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال حدثني محمد بن العباس الحلبي قال حدثني علي بن عبد الحميد الغضائري قال حدثني محمد بن أبي عمر العبدي وحدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثني بن عيينة عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة في مرضه والناس صفوف خلف أبي بكر فقال أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له قال أبو عمر هذا الحديث في معنى قول الله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين الأحزاب وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم وأنا العاقب الذي لا نبي بعدي مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال سمعت أبا قتادة بن ربعي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة

من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله قال أبو سلمة إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل فلما سمعت هذا الحديث فما كنت أباليها قال أبو عمر في هذا الحديث نص في معنى الرؤيا ودليل فالنص منها أن من رأى في منامه ما يكره فنفث عن يساره ثلاث مرات وتعوذ بالله من شر ما رأى لم تضره تلك الرؤيا والدليل منه أن كل ما يكره من أنواع الرؤيا فهو حلم وليس برؤيا بل هي أضغاث لا تضره إذا استعاذ بالله الذي رآها من شرها ونفث كما أتى في الحديث والله أعلم حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أحمد بن محمد بن يزيد الحلبي القاضي قال حدثني محمد بن جعفر بن يحيى قال حدثني هشام بن عمار قال حدثني يحيى بن حمزة قال حدثني يزيد بن عبيدة قال حدثني مسلم بن مشكم عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا ثلاثة منها أهاويل الشيطان ليحزن بن آدم ومنها ما يهم به في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قال قلت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني مضر بن محمد الكوفي قال حدثني إبراهيم بن عثمان المصيصي قال حدثني مخلد بن حسين عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة والرؤيا ثلاثة فالرؤيا الحسنة من الله والرؤيا من تحزين الشيطان والرؤيا ما يحدث به الإنسان نفسه فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث به وليقم فليصل قال أبو هريرة وأحب القيد وأكره الغل القيد في النوم ثبات في الدين قال أبو عمر قد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد والحمد لله

باب ما جاء في النرد مالك عن موسى بن ميسرة عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله قال أبو عمر قد روي هذا الحديث عن سعيد بن أبي هند عن نافع مولى بن عمر وأسامة بن زيد وعبد الله بن سعيد ابنه وقد اختلف فيه على سعيد وعلى موسى بن ميسرة أيضا على ما قد ذكرناه في التمهيد مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكانا فيها وعندهم نرد فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري وأنكرت ذلك عليهم مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا وجد أحدا من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها قال أبو عمر إنكار عائشة لهذا لا يكون إلا لعلم عندها لا رأيها وكذلك عبد الله بن عمر لا يكسر النرد ويضرب اللاعب إلا وقد بلغه فيها النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مبين عن الله تعالى ما يحل وما لا يحل وما يكره وما يستحب قال يحيى سمعت مالكا يقول لا خير في الشطرنج وغيرها وسمعته يكره اللعب بها ويعدها من الباطل ويتلو هذه الآية فماذا بعد الحق إلا الضلل يونس قال أبو عمر النرد قطع ملونة تكون من خشب البقس وغيره مثل الأبنوس وشبهه وتكون من العاج ومن غير ذلك يقال لهما الطبل ويعرف أيضا بالكعاب وتعرف بالأرن وتعرف بالنردشير حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثنا يحيى بن يحيى قال حدثنا الليث بن سعد عن بن إلهاد عن موسى بن ميسرة عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن أبي موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده النرد فقال

عصى الله ورسوله من ضرب بكعابها يلعب بها وروى سفيان الثوري عن علقمة عن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير وقد ذكرنا طرق هذا الحديث عن الثوري في التمهيد وذكر بن وهب قال حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال دخل عبد الله بن عمر داره فإذا أناس يلعبون فيها بالنرد فصاح بن عمر وقال ما لداري يلعبون فيها بالأرن قال وكانت النرد تدعى في الجاهلية بالأرن قال بن وهب وحدثني جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة عن علي بن الأقمر عن مسروق بن الأجدع عن بن مسعود قال إياكم وهذه الكعاب الموشومات اللائي يزحزحن فإنهن من الميسر وقال عثمان بن أبي سليمان أول من قدم بالنرد إلى مكة أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة فوضعها بفناء الكعبة فلعب بها وعلمها قال أبو عمر رويت الكراهة في اللعب بالنرد عن عثمان بن عفان وبن مسعود وبن عمر وعائشة وأبي موسى وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وجماعة كلهم يكره اللعب بها من جهة القمار وروى شعبة عن عبد ربه قال سمعت سعيد بن المسيب وسئل عن النرد فقال إذا لم يكن قمارا فلا بأس به وروي عن عبد الله بن المغفل وعن الشعبي وعكرمة أنهم كانوا يلعبون بالنرد وهذا لا يجوز أن يضاف إليهم إلا على غير سبيل القمار ولنهي الله عز وجل عن الميسر ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله وكل من خالف السنة والحق فلا حجة في قوله ولا عمله بل هو محجوج مخصوم بها وجماعة الفقهاء يكرهون اللعب بالنرد ويحرمون القمار بها وبغيرها

وقال الحسن النرد من ميسر العجم وأما الشطرنج فأجمع العلماء أن اللعب بها قمار لا يجوز وأخذ المال وأكله قمارا بها لا يحل وأجمع مالك وأصحابه على أنه لا يجوز اللعب بالنرد ولا بالشطرنج وقالوا لا تجوز شهادة المدمن المواظب على لعب الشطرنج وقال أبو حنيفة وأصحابه يكره اللعب بالشطرنج وبالنرد وبالأربعة عشر وبكل اللهو وقالوا فإن لم يظهر من اللاعب بها كبيرة وكانت محاسنه أكثر من مساوئه قبلت شهادته قال الشافعي أكره اللعب بالنرد للخبر واللعب بالشطرنج والحمام بغير قمار وإن كرهناه أخف حالا من اللعب بالنرد وقال أصحاب الشافعي لا تسقط عندنا في مذهبه شهادة اللاعب بالنرد وبالشطرنج إذا كان عدلا في جميع أحواله لم يظهر منه سفه ولا ريبة ولا علمت منه كبيرة إلا أن يلعب بها قمارا فإن لعب بها قمارا وكان بذلك معروفا سفه بها نفسه وسقطت عدالته لأكله المال بالباطل وقال إسحاق بن راهويه إذا لعب بالنرد أو بالشطرنج على غير معنى القمار يريد به التعليم والمكايدة فهو مكروه لا يبلغ ذلك إسقاط شهادته وأما الليث بن سعد فذكر بن وهب عنه أنه قال الشطرنج شر من النرد ولا خير فيها ولا تجوز شهادة اللاعب بها وقال بن شهاب هي من الباطل ولا أحبها وقد روي عنه أنه قال لا بأس باللعب بها ما لم يكن قمارا وقد روي عن جماعة من العلماء أنهم أجازوا اللعب بالشطرنج على غير قمار وأنهم لعبوا بها على غير قمار وقد ذكرناهم في التمهيد وأما القمار فلا يجوز عند أحد منهم في شيء من الأشياء وأكل المال به باطل على كل حال قال الله عز وجل ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالبطل النساء وقد روي عن مجاهد وطاوس وعطاء وإبراهيم النخعي أنهم قالوا كل شيء من القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز

كتاب السلام باب العمل في السلام مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يسلم الراكب على الماشي وإذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم قال أبو عمر قد روي هذا المعنى بإسناد متصل من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا أن من أهل العلم من ينكره ويضعف إسناده حدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال حدثني عبد الأعلى بن حماد قال حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال حدثني سعيد بن خالد قال حدثني عبد الله بن الفضل عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزئ من الجماعة إذا مرت أن يسلم أحدهم ويجزئ من القعود أن يرد أحدهم وقد روي من حديث زيد بن أسلم بهذا اللفظ حدثنيه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني يوسف بن عدي قال حدثني عيسى بن يونس عن بن جريج عن زيد بن أسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر القوم على المجلس فسلم منهم رجل أجزأ ذلك عنهم وإذا رد من أهل المجلس رجل أجزأ ذلك عنهم قال أبو عمر معنى قوله في الابتداء أجزأ ذلك عنهم يعني أجزأ ذلك من

السنة المندوب إليها كما يقال من أتى الوليمة وهو صائم أجزأه التبرك والدعاء وإنما قلنا هذا لإجماع العلماء على أن الابتداء بالسلام سنة وأن الرد فرض لقول الله عز وجل وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها النساء وأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب فقال مالك والشافعي وأصحابهما وهو قول أهل المدينة إذا سلم رجل على جماعة من الرجال فرد عليه واحد منهم أجزأ هو عنهم وشبهه الشافعي بصلاة الجماعة والتفقه في دين الله وغسل الموتى ودفنهم والصلاة عليهم والخروج إلى أرض العدو لدعائهم إلى الإسلام وقتالهم عليه قال فهذه فروض كلها على الكفاية لا يحل الاجتماع على تضييعها ومنه تشميت العاطس قال أبو عمر حديث زيد بن أسلم هذا يدل على أن هذا الفرض لا يتعين على كل الجماعة الذين سلم عليهم وأنه إذا قام برد التحية واحد منهم أجزأ عنهم وقال الطحاوي كان أبو يوسف ينكر الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا رد السلام بعض القوم أجزأ عن جميعهم وقال لا يجزئ إلا أن يردوا جميعا وقال الطحاوي رد السلام من الفرائض المتعينة على كل إنسان بنفسه لا ينوبه فيها عنه غيره لا من الفروض التي على الكفاية التي إذا قام بها أحدهم سقط الفرض عنهم قال أبو عمر ليس مع الطحاوي بما قال أثر يحتج به مرسل ولا مسند وقد جاء الحديث برد السلام مما دل أنه من الفروض التي على الكفاية فالمصير إليه أولى من الرأي وبالله التوفيق قال أبو عمر الدليل على أن الابتداء بالسلام سنة وفضيلة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ابتدأ قوما بالسلام فضلهم بعشر حسنات وقوله عليه السلام في المتهاجرين خيرهما الذي يبدأ بالسلام والدليل على أن رد السلام فريضة قول الله عز وجل فحيوا بأحسن منها أو ردوها النساء

والسنة أن يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني روح بن عبادة قال حدثني بن جريج قال أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والماشيان جميعا أيهما بدأ بالسلام فهو أفضل حدثني أحمد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثني الحارث قال حدثني روح بن عبادة قال حدثني بن جريج قال أخبرني زياد بن سعد أن ثابتا مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير مالك عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه قال كنت جالسا عند عبد الله بن عباس فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم زاد شيئا مع ذلك أيضا قال بن عباس وهو يومئذ قد ذهب بصره من هذا قالوا هذا اليماني الذي يغشاك فعرفوه إياه قال فقال بن عباس إن السلام انتهى إلى البركة قال أبو عمر قول بن عباس هذا أخذه من قول الله تعالى رحمت الله وبركته عليكم أهل البيت هود روى الأعمش عن مجاهد عن بن عباس قال انتهوا في السلام حيث انتهت الملائكة يا أهل البيت الصالحين رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت وروى بن جريج عن عطاء أن بن عباس أتاهم يوما في مجلس فسلم عليهم فقال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقلت وعليك السلام ورحمة الله وبركاته وعفوه ومغفرته فقال من هذا فقلت عطاء فقال انتهى السلام وبركاته ثم تلا رحمت الله وبركته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد هود سئل مالك هل يسلم على المرأة فقال أما المتجالة فلا أكره ذلك وأما الشابة فلا أحب ذلك

قال أبو عمر اختلف السلف والخلف في السلام على النساء فقال منهم قائلون لا يسلم الرجال على النساء إذا لم يكن منهم ذوات محرم وممن قال ذلك الكوفيين قالوا لما يسقط عنهن الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في الصلاة سقط عنهن رد السلام فلا يسلم عليهن وقال آخرون جائز أن يسلم الرجل على المرأة المتجالة دون الشابة التي يخشى من ردها الفتنة قال أبو عمر قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم على النساء وفيه الأسوة الحسنة حدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن أنه سمعها تقول مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا باب ما جاء في السلام على اليهودي والنصراني مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول السام عليكم فقل عليك هكذا رواه يحيى بلفظ الواحد من غير واحد وتابعه طائفة من الرواة عن مالك على ذلك وقال القعنبي عليكم بلفظ الجماعة من غير واو أيضا وكذلك رواه الدراوردي عن عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه وعليكم بالواو وكذلك قال قتادة عن أنس وعليكم بالواو

قال أبو داود وكذلك رواية عائشة وأبي عبد الرحمن الجهني وأبي بصرة الغفاري قال أبو عمر روى شعبة عن قتادة أنه سمعه يحدث عن أنس أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم فقال قولوا وعليكم وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني بن نمير عبد الله عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الرحمن الجهني قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم وروى جماعة من الأئمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى حديث أبي عبد الرحمن الجهني سواء وعلى ذلك جمهور العلماء وقد أجاز قوم أن يبدؤوا بالسلام ونزعوا بأشياء قد ذكرتها والقائلين بها في التمهيد وقال آخرون الرد على أهل الذمة وعلاك السلام أو وعلاكم السلام أي ارتفع عنكم السلام وقالت فرقة يرد عليهم وعليكم السلام بكسر السين يعني الحجارة وهذا كله ليس بشيء ولا يجوز أن يلتفت إليه ولا يعرج عليه وفي السنة الأسوة الحسنة وما سواها فلا معنى له ولا عمل عليه وقد حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني سليمان بن حرب قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن بن أبي مليكة عن عائشة أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك فقال النبي عليه السلام وعليكم فقالت عائشة رضي الله عنها السام عليكم ولعنة الله وغضبه يا أخوة

القردة والخنازير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة عليك بالحلم وإياك والجهل قالت يا رسول الله أما سمعت ما قالوا قال سمعت فقال أما سمعت ما رددت عليهم فاستجيب لنا فيهم ولم يستجب لهم فينا قال أبو عمر السام الموت بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام والسام الموت باب جامع السلام مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل نفر ثلاثة فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد فلما وقفا على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فأدبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه قال أبو عمر في هذا الحديث من معاني السلام أن القادم على القوم والآتي إليهم يبدؤهم بالسلام يسلم عليهم كما يصنع المار والماشي على القاعد والراكب على الماشي ألا ترى إلى قوله فلما وقفا على مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلما ولم يقل رد السلام في الحديث اكتفاء بمعرفة الناس بذلك وفي هذا الحديث معان من آداب مجالسة العالم والتحلق إليه والتخطي في حلقته إلى فرجة إن كانت فيها أو الجلوس حيث انتهى بالطلب المجلس وغير ذلك ومعنى استحياء الله من عبده المطيع مجازاته عن جميل فعله برحمته له

وعفوه عنه وغير ذلك وإيوائه لمن أوى الله وإعراضه عن من أعرض عنه فلم يوجب له حسنة ولا محا عنه سيئة فلا يعرض عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وحلقته من غير عذر إلا من في قلبه مرض ونفاق وقد ذكرت ذلك كله مبسوطا في التمهيد والحمد لله كثيرا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب وسلم عليه رجل فرد عليه السلام ثم سأل عمر الرجل كيف أنت فقال أحمد إليك الله فقال عمر ذلك الذي أردت منك قال أبو عمر في هذا الخبر ما يدل على أن السنة المعمول بها في المجاوبة للسائل عن الحال حمد الله والثناء عليه فإن المسؤول عن حاله لا ينفك من نعمة الله ظاهرة وباطنة من صحة جسم وصرف بلاء وكشف كربة وتفريج غم ورزق يرزقه وخير يمنحه ذكر ذلك أو نسيه فإذا سئل عن ذلك فليحمد ربه فله الحمد كله على كل حال لا إله إلا هو الكبير المتعال مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل بن أبي بن كعب أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق قال فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يوما فاستتبعني إلى السوق فقلت له وما تصنع في السوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق قال وأقول اجلس بنا ها هنا نتحدث قال فقال لي عبد الله بن عمر يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا قال أبو عمر في هذا الخبر ولفعل بن عمر هذا أصل كبير في السنة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا محمد بن رمح قال حدثنا الليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير

قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث يذكره بإسناده وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا عاصم بن علي قال حدثنا قيس بن الربيع عن المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله حدثني بشيء يوجب الجنة قال بذل الطعام وإفشاء السلام وحدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني إبراهيم بن عبد الله العبسي الكوفي قال حدثني وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني مضر بن محمد قال حدثني إسحاق بن عمر بن سليط قال حدثني حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة السلام بالمعرفة مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلا سلم على عبد الله بن عمر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته والغاديات والرائحات فقال له عبد الله بن عمر وعليك ألفا ثم كأنه كره ذلك قال أبو عمر هذا الخبر كان باب العمل في السلام أولى به لقول بن عباس انتهى السلام إلى البركة

وقد ذكرنا هذا المعنى موجودا هناك مجودا والحمد لله كثيرا مالك أنه بلغه إذا دخل البيت غير المسكون يقال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين قال أبو عمر قد روي عن جماعة من السلف العلماء بتأويل القرآن قالوا إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين روينا ذلك عن بن عباس وعلقمة وإبراهيم النخعي وعكرمة ومجاهد وأبي مالك وعطاء وبعضهم يقول السلام علينا من ربنا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وكان عطاء يزيد أيضا والسلام على أهل البيت ورحمة الله والذي ذكره مالك مجتمع عليه في من دخل بيتا ليس فيه أحد وقال أبو مالك وكذلك إذا دخلت بيتا ليس فيه مسلم وإنما فيه أهل الذمة قلت مثل ذلك السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وقالوا إذا دخلت المسجد وليس فيه أحد فقل مثل ذلك وإذا دخلت مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقل السلام على رسول الله وإن شئت قلت السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وقال بن جريج قوله عز وجل فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية النور قال على أهليكم قال وقال مجاهد في قوله فسلموا على أنفسكم قال بعضكم على بعض قال بن جريج وسئل عطاء أحق على الرجل إذا دخل على أهله أن يسلم قال نعم يسلم عليهم وقاله عمرو بن دينار وقالوا جميعا إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة قال بن جريج وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله مباركة طيبة

قال وما رأيت إلا يوجبه قال بن جريج وأخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإن لم يذكر اسم الله عند طعامه قال قد أدركتم العشاء

كتاب الاستئذان باب الاستئذان مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال يا رسول الله أستأذن على أمي فقال نعم قال الرجل إني معها في البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها فقال الرجل إني خادمها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة قال لا قال فاستأذن عليها قال أبو عمر لا أعلم هذا الحديث يتصل بهذا اللفظ مسندا بوجه من الوجوه وهو من صحاح المراسيل وقد رواه زياد بن سعد عن صفوان بن سليم كما رواه مالك حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني الحسن بن إسماعيل قال حدثني عبد الملك بن بحر قال حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثني سنيد بن داود قال حدثني حجاج قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني زياد عن صفوان مولى لبني زهرة أنه أخبره عن عطاء بن يسار أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أأستأذن على أمي قال نعم قال إنها ليس لها خادم غيري أفأستأذن عليها كلما دخلت قال أتحب أن تراها عريانة قال الرجل لا قال فاستأذن قال بن جريج وأخبرني الزهري قال سمعت هذيل بن شرحبيل الأزدي الأعمى أنه سمع بن مسعود يقول عليكم إذن على أمهاتكم قال بن جريج وسمعت عطاء يخبر عن بن عباس أنه قال له أستأذن على

أختي يتيمة في حجري معي في البيت قال نعم فرددت عليه ليرخص لي فأبى وقال أتحب أن تراها عريانة قلت لا قال فاستأذن فراجعته أيضا فقال أتحب أن تطيع الله قلت نعم قال فاستأذن فقال لي سعيد بن جبير إنك لتردد عليه قال أردت أن يرخص لي قال بن جريج وأخبرني بن طاوس عن أبيه قال ما من امرأة أكره لي أن أرى عريتها من ذات محرم وكان يتشدد في ذلك وقال بن جريج قلت لعطاء أواجب على الرجل أن يستأذن على أمه وذات قرابته قال نعم قلت بأي وجبت قال قوله عز وجل وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا النور حدثني عبد الرحمن قال حدثني علي قال حدثني أحمد قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب قال يستأذن الرجل على أمه وإنما أنزلت وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم في ذلك قال أبو عمر كان الشعبي وطاوس والضحاك يكرهون أن ينظر الرجل إلى شعر أمه وذات محرمة وروي عن جماعة من جلة العلماء أنهم كانوا يفلون أمهاتهم وممن روي ذلك عنهم محمد بن الحنفية وأبو جعفر محمد بن علي بن حسين ومورق العجلي وطلق بن حبيب وعلى مذهب هؤلاء فتوى جماعة علماء الأمصار في النظر إلى شعر الأم وإلى شعور ذوات المحارم من النساء وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد مالك عن الثقة عنده عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى الأشعري أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستئذان ثلاث فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع هكذا قال مالك في إسناد حديثه هذا عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى الأشعري وهذا وهم ممن رواه هكذا

وكذلك رواه بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن المستأذن ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع وهذا لا معنى له لأن أبا سعيد الخدري لم يرو هذا الحديث قط عن أبي موسى الأشعري وإنما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهد بذلك لأبي موسى وقد خرج بعض الرواة له مخرجا كأنه قال عن أبي سعيد الخدري عن قصة أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى لنا مثل هذا المعنى في كتاب الحج في حديث عمير بن سلمة الضمري عن البهزي في الحمار الوحشي وإنما الراوية له عن النبي صلى الله عليه وسلم عمير بن سلمة والبهزي هو صائد للحمار لأن عميرا روى الحديث عن قصة البهزي وكذلك قول من قال في هذا الحديث عن أبي سعيد عن أبي موسى وإنما هي قصة أبي موسى رواها أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها أبو موسى وغيره حدثني أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثني أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثني محمد بن جرير قال حدثني سفيان بن وكيع قال حدثني عبد الأعلى عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال استأذن أبو موسى على عمر فقال السلام عليكم أأدخل فقال عمر واحدة ثم مكث ساعة ثم قال السلام عليكم أأدخل فقال عمر اثنتان ثم مكث ساعة فقال السلام عليكم أأدخل فقال عمر ثلاث ثم رجع فقال عمر للبواب ما صنع قال رجع قال علي به فلما جاءه قال ما هذا الذي صنعت قال السنة فقال والله لتأتيني على هذا ببرهان أو لأفعلن بك قال فأتانا ونحن جماعة من الأنصار فقال يا معشر الأنصار ألستم أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع فجعل القوم يمازحونه قال أبو سعيد ثم رفعت رأسي إليه فقلت ما أصابك في هذا من العقوبة فأنا شريكك فأتيت عمر فأخبرته فقال ما كنت علمت بهذا قال أبو عمر في هذا الحديث من قول عمر واحدة اثنتان ثلاث دليل على أن عمر كان يعلم أن الاستئذان ثلاث

وقد روي في ذلك أيضا عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم الاستئذان ثلاث فدل ذلك على أن الذي جهله عمر من دعوى أبي موسى قوله فإن أذن لك وإلا فارجع هذا لا غير والله أعلم وقد روى أبو زميل الحنفي عن بن عباس قال استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا فأذن لي أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن جعفر قال حدثني شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال أحمد بن حنبل وحدثني يزيد بن هارون قال حدثني داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال استأذن أبو موسى على عمر ثلاث مرات فلم يأذن له فرجع فلقيه عمر فقال ما شأنك رجعت فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من استأذن ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع فقال لتأتيني على هذا بالبينة أو لأفعلن وأفعلن فأتى مجلس قومه فناشدهم فقلت أنا معك فشهدت له فخلى عنه وهذا لفظ حديث داود بن أبي هند وحدثني عبد الله قال حدثني أحمد قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن سعيد الجريري عن أبي سعيد الخدري قال سلم عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري على عمر بن الخطاب ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع فأرسل عمر في أثره لم رجعت قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع قال أبو عمر مثل هذا الحديث المختصر أوهم من جعله عن أبي سعيد عن أبي موسى وقد بان بما روينا أنه ليس كذلك إنما هو لأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم شهد به لأبي موسى ورواه كما رواه أبو موسى وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم

أن أبا موسى الأشعري جاء يستأذن على عمر بن الخطاب فاستأذن ثلاثا ثم رجع فأرسل عمر بن الخطاب في أثره فقال ما لك لم تدخل فقال أبو موسى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع فقال عمر ومن يعلم هذا لئن لم تأتني بمن يعلم ذلك لأفعلن بك كذا وكذا فخرج أبو موسى حتى جاء مجلسا في المسجد يقال له مجلس الأنصار فقال إني أخبرت عمر بن الخطاب أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع فقال لئن لم تأتني بمن يعلم هذا لأفعلن بك كذا وكذا فإن كان سمع ذلك أحد منكم فليقم معي فقالوا لأبي سعيد الخدري قم معه وكان أبو سعيد أصغرهم فقام معه فأخبر بذلك عمر بن الخطاب فقال عمر بن الخطاب لأبي موسى أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد تقدم إسناد هذا الحديث متصلا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم أبي بن كعب وأبو سعيد الخدري ومن أسانيد هذا الحديث ما حدثناه عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون بن سعيد قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج أن بسر بن سعيد حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول كنا في مجلس أبي بن كعب فأتى أبو موسى مغضبا حتى وقف فقال أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع قال أبي وما ذاك قال استأذنت على عمر أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئت اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئته أمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت فقال قد سمعناك ونحن يومئذ على شغل فلو استأذنت حتى يؤذن لك قال استأذنتك كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك على هذا فقال أبي والله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا الذي بجنبك قم يا أبا سعيد فقمت حتى أتيت عمر فقلت قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا

قال بن وهب وقال مالك الاستئذان ثلاث لا أحب أن يزيد أحد عليها إلا من علم أنه لم يسمع فلا أرى بأسا أن يزيد إذا استيقن أنه لم يسمع قال وقال مالك الاستئناس فيما نرى والله أعلم الاستئذان قال أبو عمر يريد قول الله عز وجل لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها النور وقد قرئت حتى تستأذنوا وتسلموا روي ذلك عن بن عباس وقد روي عنه أنه كان يقرؤها كما كان أبي يقرؤها وبن مسعود يقرآنها حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا قال عكرمة تعلمها بن عباس من أبي وكان يقرؤها كذلك وقال هشيم عن مغيرة عن إبراهيم هي في مصحف عبد الله كذلك وروى شعبة وهشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال أوهم الكاتب إنما هي حتى تستأذنوا وتسلموا حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني أبو داود عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى أنه أتى عمر فاستأذن ثلاثا قال يستأذن أبو موسى يستأذن الأشعري يستأذن عبد الله بن قيس فلم يؤذن له فرجع فبعث إليه عمر فقال ما ردك فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن أحدكم ثلاثا فإن أذن له وإلا فليرجع فقال ائتني ببينة على هذا فقال هذا أبي فانطلقنا إلى عمر فقال نعم يا عمر لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر لا أكون عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد ذكرنا حديث الاستئناس هذا من طرق كثيرة في التمهيد وفي ألفاظه اختلاف متباين لكن المعنى المبتغى فيها لم يختلفوا فيه وهو أن الاستئذان ثلاث فإن أذن له وإلا فليرجع معناه إن شاء الله والله أعلم لا أنه واجب عليه أن يرجع وإنما فائدة الحديث أنه ليس عليه أن يستأذن أكثر من ثلاث وقد قال بعض أهل العلم إن الاستئذان ثلاث مأخوذ من قول الله عز وجل يأيها الذين ءامنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمنكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلث مرت النور

قال يريد ثلاث دفعات قال فورد القرآن في المماليك والصبيان وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أجمعين قال أبو عمر ما ذكره هذا القائل وإن كان له وجه فإنه غير معروف عن العلماء في تفسير الآية التي نزع بها والذي عليه جمهور أهل العلم في قوله عز وجل في هذه الآية ثلث مرت أي في ثلاث أوقات ويدل على صحة هذا القول مساق الآية وتمامها فيها من قبل صلوة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلوة العشاء ثلث عورت لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوفون عليكم بعضكم النور وللكلام في هذه الآية في معنى العورات موضع غير هذا وقد زعم قوم أن في قصة أبي موسى الأشعري مع عمر في الاستئذان دليل على أن عمر كان لا يقبل خبر الواحد العدل حتى يقع إليه ما ينضم إليه العلم الظاهر به كالشاهدين قال أبو عمر ليس كما زعموا لأنه معروف عن عمر من وجوه متواترة قبوله لخبر الواحد العدل ومحال أن يقبل خبر الواحد العدل وهو يدين برده ألا ترى أنه قبل خبر الضحاك بن سفيان وحده في ما جهله من ميراث المرأة من دية زوجها وكان يذهب إلى أنه لا يرث الدية إلا من يقوم بها من العاقلة حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها وقبل أيضا خبر حمل بن مالك بن النابغة الهذلي الأعرابي أن في الجنين غرة عبدا أو وليدة وقد كان أشكل عليه القضاء في الجنين حتى أخبره حمل بن مالك بذلك وكانت قصته نزلت به في امرأتيه وقبل خبر عبد الرحمن بن عوف في الجزية وفي الطاعون ولا يشك ذو لب أن أبا موسى عند عمر أشهر وأولى بالعدالة من الأعرابي الهذلي المذكور وقد صح عن عمر في حديث السقيفة أنه قال إني قائل مقالة قد قدر لي أن أقولها فمن وعاها وحفظها فليحدث بها فكيف يأمر من سمع قوله أن يحدث به وينهى عن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم نصر الله عبدا سمع مقالتي

فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها فندب السامع لحديثه أن يؤديه كما سمعه ودعا له إذا فعل ذلك ولا وجه للتبليغ إلا القبول وإلا لم يكن للتبليغ فائدة وحسبك به فضيلة ولا يظن بعمر أنه لا يقبل خبر الواحد العدل إلا من قل نظره وفهمه وغلب عليه الجهل وأما قوله في حديث ربيعة لأبي موسى أما إني لم أتهمك ولكنني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مما حمله عليه اجتهاده وقد أوضحنا هذا المعنى وسائر ما في الحديث من المعاني في التمهيد والحمد لله وإذا كان عمر مع لزومه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وطول مجالسته وقيامه وقعوده معه يخفى عليه مثل هذا من حديث الاستئذان ودية الجنين وميراث المرأة من دية زوجها وغير ذلك مما قد ذكرناه في غير موضع من كتابنا فكيف يجوز لأحد أن يقول في شيء من السنن فهذا لا يخفى على إمام ومعلم هذا لا يقوله إلا من لا تحصيل له ولا يشتغل بقوله لأن العلم لا يحيط بجميعه أحد ولا عيب على من فاته الأقل إذا كان عنده الأكثر وبالله التوفيق باب التشميت في العطاس مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن عطس فشمته ثم إن عطس فشمته ثم إن عطس فشمته ثم إن عطس فقل إنك مضنوك قال عبد الله بن أبي بكر لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا عطس فقيل له يرحمك الله قال يرحمنا الله وإياكم ويغفر لنا ولكم قال أبو عمر أما حديث مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه فلم تختلف الرواية عن مالك في إرساله

وقد روي مسندا من حديث سلمة بن الأكوع عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه من طرق في التمهيد منها ما حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بندار قال حدثني يحيى بن سعيد عن عكرمة بن عمار قال حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمته ثم عطس فشمته ثم عطس فقال له في الثالثة إنك مزكوم وروي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يشمت المسلم إذا عطس ثلاث مرات وإن زاد فهو زكام رواه بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن سعيد المقبري عن أبي هريرة وقد ذكرناه في التمهيد وذكرنا الاختلاف على بن عجلان فيه وأما كيفية تشميت العاطس فأحسن ما روي فيه حديث عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وإذا قال الحمد لله فليقل له أخوه يرحمك الله فإذا قيل له ذلك فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم وقد ذكرناه من طرق في التمهيد ومثله سواء من حديث عائشة وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد أيضا ومن أحسن ذلك أيضا حديث سالم بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس أحدكم فليحمد الله وليقل له من عنده يرحمك الله وليرد يغفر الله لنا ولكم ومن حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد ذكرناهما في التمهيد بأسانيدهما وطرقهما وأما اختلاف الفقهاء في كيفية تشميت العاطس

فقال مالك لا بأس أن يقول العاطس لمن شمته يهديكم الله ويصلح بالكم وإن شاء الله قال يغفر الله لنا ولكم كل ذلك جائز وهو قول الشافعي أي ذلك قال فحسن وقال أصحاب أبي حنيفة يقول يغفر الله لكم ولا يقول يهديكم الله ويصلح بالكم ورووا عن إبراهيم النخعي أنه قال يهديكم الله ويصلح بالكم شيء قالته الخوارج لأنهم لا يستغفرون للناس واختار الطحاوي قوله يهديكم الله ويصلح بالكم لأنه أحسن من تحيته لأن حال من هدي وأصلح باله فوق المغفور له قال أبو عمر ليس ما اختاره الطحاوي بأحسن من غيره وقد حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أحمد بن محمد المكي قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني أبو نعيم قال حدثني سفيان عن حكيم بن الديلم عن أبي بردة عن أبي موسى قال كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم الله فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم قال أبو عمر انفرد به حكيم بن الديلم وهو ثقة مأمون وقد أشبعنا آداب هذا الباب بالآثار في التمهيد وقد أجمع العلماء على أن من عطس فلم يحمد الله لم يجب على جليسه تشميته وفي ذلك آثار قد ذكرناها ويقال سمت العاطس وشمته قال الخليل تسميت العاطس لغة في تشميته وروي عن ثعلب أنه سئل عن معنى التشميت والتسميت فقال أما التشميت فمعناه أبعد الله عنك الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك وأما التسميت فمعناه جعلك الله على سمت حسن ونحو هذا وقال أهل الظاهر تشميت العاطس واجب متعين على كل جليس سامع تحميد العاطس

وقالت طائفة من الفقهاء هو واجب على الكفاية كرد السلام وقال آخرون هو ندب وإرشاد وأدب وليس منه شيء واجب باب ما جاء في الصور والتماثيل مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن رافع بن إسحاق مولى الشفاء أخبره قال دخلت أنا وعبد الله بن أبي طلحة على أبي سعيد الخدري نعوده فقال لنا أبو سعيد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تماثيل أو تصاوير شك إسحاق لا يدري أيتهما قال أبو سعيد قال أبو عمر قيل في هذا الحديث أن معناه ملائكة الوحي وقيل ملائكة الوحي وغير ملائكة الوحي وكأن قائل هذا استدل بالكرام الحافظين الكاتبين أنهم يدخلون مع المرء حيث ما دخل مالك عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده قال فوجد عنده سهل بن حنيف فدعا أبو طلحة إنسانا فنزع نمطا من تحته فقال له سهل بن حنيف لم تنزعه قال لأن فيه تصاوير وقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد علمت فقال سهل ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما كان رقما في ثوب قال بلى ولكنه أطيب لنفسي قال أبو عمر هذا الحديث يدل على فساد تأويل من تأول في الحديث الأول ما ذكرنا لأن أبا طلحة وسهل بن حنيف حملاه على العموم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ولا مدخل لملائكة الوحي بعده صلى الله عليه وسلم في بيت أبي طلحة ولا غيره والله أعلم وهذا الحديث منقطع غير متصل لأن عبيد الله بن عبد الله لم يدرك سهل بن حنيف ولا أبا طلحة ولا حفظ له عنهما ولا عن أحدهما سماع ولا له سن يدركها به والله أعلم ولا خلاف أن سهل بن حنيف مات سنة ثمان وثلاثين بعد شهود صفين وصلى عليه علي رضي الله عنه فكبر عليه ستا

وكذلك كان يفعل بالبدريين وأما أبو طلحة فاختلف في وقت وفاته اختلافا متباينا فقيل توفي سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه وذكر أبو زرعة قال سمعت أبا نعيم يحدث عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال سرد أبو طلحة الصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة وقد ذكرنا الشواهد على هذا القول في بابه من كتاب الصحابة وهو أصح إن شاء الله تعالى والصحيح في هذا الحديث أن بين عبيد الله وبين أبي طلحة وسهل بن حنيف فيه بن عباس كذا رواه الزهري من رواية بن أبي ذئب وغيره حدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن أبي الخصيب قال حدثني عبد الله بن الحسن بن أبي شعيب قال حدثني يحيى بن عبد الله البابلي قال حدثني أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب العامري عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس عن أبي طلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه تصاوير قال أبو عمر هذا يدل على أن أبا النضر وهم في إسناد هذا الحديث والله أعلم حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو الطاهر محمد بن أحمد القاضي الذهلي قال حدثني أبو مسلم الكشي قال حدثني أبو عاصم عن بن أبي ذئب عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس عن أبي طلحة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة

قال أبو عمر كان هذا الحديث غير حديث أبي النضر فهو أشبه بمعنى حديث أبي سعيد الخدري وما شاع في ذلك من التأويل ساغ في هذا وليس حديث أبي النضر كذلك فيما تدل عليه معاني ألفاظه وقد تابع بن أبي ذئب على هذا الإسناد والمتن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو الطاهر الذهلي محمد بن أحمد بن عبد الله بن نضر بن بجير قال حدثني أبو مسلم الكشي قال حدثني عبد الله بن رجاء قال حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس عن أبي طلحة الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة قال أبو عمر رواه الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله قال حدثني أبو طلحة الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة فوهم فيه الأوزاعي إذ قال عن عبيد الله قال حدثني أبو طلحة وقد ذكرنا الإسناد عن الأوزاعي في التمهيد وليس في حديث بن شهاب هذا استثناء ما كان رقما في ثوب وذلك موجود في حديث أبي النضر فكأنهما حديثان والله أعلم مالك عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية وقالت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بال هذه النمرقة قالت اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ثم قال إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة

قال أبو عمر هذا الحديث من أصح ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وهو مخالف لحديث أبي النضر في قوله إلا ما كان رقما في ثوب لأن هذا قد صرح بأن الصورة في الثوب لا يجوز اتخاذها ولا استعمال الثوب الذي هي فيه وذكر فيه من الوعيد ما ترى وهو غاية في تحريم عمل الصور في الثياب وغيرها ولم يخص منها ما يوطأ ويتوسد مما يمتهن وينصب هذا ما يوجبه ظاهر هذا الحديث وهو أشد حديث روي في هذا الباب وهو أحسنها إسنادا وأصحها نقلا وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت كان على بابي درنوق فيه الخيل ذوات الأجنحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألقوا هذا وقد ذكرنا إسناده في التمهيد أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني بكر بن محمد بن العلاء قال حدثني الحسن بن المثني قال حدثني أبي قال حدثني معاذ بن هشام قال وحدثني أبي عن قتادة عن نضر بن أنس أن رجلا أتى عبد الله بن عباس إني رجل من أهل العراق أصور هذه التصاوير فقال بن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صور صورة يكلف يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ وأما اختلاف العلماء في هذا الباب فعلى حسب اختلاف الآثار فيه وتأويلها فكان بن شهاب فيما ذكر عنه معمر وغيره يكره التصاوير في الثياب وغيرها ما نصب منها وما بسط على ظاهر حديثه هذا عن القاسم عن عائشة وقالت طائفة إنما يكره من التصاوير ما كان في حيطان البيوت وأما ما كان رقما في ثوب فلا على حديث سهل بن حنيف وسواء كان الثوب منصوبا أو مبسوطا وممن قال بذلك القاسم بن محمد وهو خلاف ظاهر حديث عائشة المتقدم ذكره من روايته عنها ذكر بن أبي شيبة عن أزهر عن بن عون قال دخلت على القاسم بن محمد وهو في بيته بأعلى مكة ورأيت في بيته حجلة فيها تصاوير السندس والعنقاء

وقال آخرون لا يجوز استعمال شيء من الثياب التي فيها الصور إذا كان الثوب ينصب أو يلبس وإنما يجوز من ذلك ما كان يوطأ وذكروا ما رواه وكيع عن أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت سترت سهوة لي بستر فيه تصاوير فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم هتكه فجعلته مسندتين فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على إحداهما فقالوا ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره من ذلك ما كان سترا منصوبا ولم يكره ما اتكئ عليه من ذلك ويوطأ قال أبو عمر يحتمل أن يكون الستر لما هتكه تهتكت صوره فلم يبق منه صورة تامة وكذلك اتكأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تكون حينئذ في هذا الحديث حجة على بن شهاب إلا أن جماعة من السلف قد ذهبوا هذا المذهب فيما يوطأ ويمتهن بالاتكاء وشبهه أنه لا بأس به وأنه خلاف المنصوب ذكر بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن الجعد عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص أن أباها جاء من فارس بوسائد فيها تماثيل فكنا نبسطها وعن بن فضيل عن ليث قال رأيت سالم بن عبد الله متكئا على وسادة حمراء فيها تماثيل فقلت له في ذلك فقال إنما يكره هذا لمن ينصبه ويصنعه وعن بن المبارك عن هشام بن عروة أن أباه كان يتكئ على المرافق التي فيها التماثيل الطير والرجال وعن بن علية عن سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين قال كانوا لا يرون بأسا بما وطى ء وبسط من التصاوير وكان بن سيرين لا يرى بذلك بأسا وكان عكرمة يقول في التصاوير في الوسائد والبسط التي توطأ هو أذل لها قال وكانوا يكرهون ما نصب من التماثيل ولا يرون بأسا بما وطأته الأقدام وعن سعيد بن جبير وعكرمة بن خالد وعطاء بن أبي رباح أنهم كانوا لا يرون بأسا بما يوطأ ويبسط من الصور قال أبو عمر هذا المذهب أوسط المذاهب في هذا الباب

وقد قال قوم ما قطع رأسه فليس بصورة وروي ذلك عن بن عباس وقالت به طائفة واحتج بعضهم بحديث بن المبارك عن يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد عن أبي هريرة أنه حدثه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جبريل أتاني البارحة فلم يمنعه أن يدخل علي إلا أنه كان في البيت حجال وستر فيه تماثيل وكلب فأمر بالتمثال أن تقطع رأسه وبالستر أن يشق ويجعل منه وسادتان تؤطآن وبالكلب أن يخرج قال أبو عمر ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يكره من الصور إلا ما له ظل مما له روح من تمثال النحاس والجواهر كلها والطين وكل ما إذا صور كان له ظل وذهب غيرهم من أهل العلم إلى أن المكروه من الصور ما كان له روح من كل حيوان من أي شيء صنع كان له ظل أو لم يكن وحجتهم في ذلك حديث بن شهاب عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما خلقتم وقد حدثني أحمد بن قاسم قال حدثني قاسم قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني هوذة بن خليفة قال حدثني عوف عن سعيد بن أبي الحسن سمع بن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صور صورة فإن الله معذبه يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ قال أبو عمر لا أعلم أحدا كره صور الشجر إلا مجاهدا فإن بن أبي شيبة ذكر عن عبد السلام عن ليث عن مجاهد أنه كان يكره أن يصور الشجر المثمر باب ما جاء في أكل الضب مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن سليمان بن يسار أنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة بنت

الحارث فإذا ضباب فيها بيض ومعه عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد فقال من أين لكم هذا فقالت أهدته لي أختي هزيلة بنت الحارث فقال لعبد الله بن عباس وخالد بن الوليد كلا فقالا أولا تأكل أنت يا رسول الله فقال إني تحضرني من الله حاضرة قالت ميمونة أنسقيك يا رسول الله من لبن عندنا فقال نعم فلما شرب قال من أين لكم هذا فقالت أهدته لي أختي هزيلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيتك جاريتك التي كنت استأمرتيني في عتقها أعطيها أختك وصلي بها رحمك ترعى عليها فإنه خير لك قال أبو عمر قد ذكرنا اختلاف ألفاظ رواة الموطأ في ألفاظ هذا الحديث في التمهيد ولم يختلفوا في إسناده وكلهم يرسله عن سليمان بن يسار وما في هذا الحديث من أكل الضب فسيأتي في الحديثين اللذين بعد في هذا الباب إن شاء الله عز وجل وأما قوله عليه السلام فإنه تحضرني من الله حاضرة فهو عندي مفسر لما ذكره بن شهاب في حديثه المذكور بعد هذا قوله صلى الله عليه وسلم إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه وقد روي عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قذر الضب ولم يأكله وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده في التمهيد وأصح ما يروى من المسند في معنى حديث هذا الباب ما حدثنا قاسم بن محمد قال حدثني خالد بن سعد قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني إبراهيم بن مرزوق قال حدثني وهب بن جرير قال حدثني شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال أهدت خالتي أم حفيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقطا وسمنا وأضبا قال فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط والسمن ولم يأكل من الأضب وأكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراما لم يؤكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر وفي هذا الحديث دليل واضح على أن الصدقة على ذي الرحم القريبة أفضل من العتق لقوله صلى الله عليه وسلم أرأيت وكذلك يرويه جماعة من رواة الموطأ جاريتك التي استأمرتني في عتقها أعطيها أختك وصلي بها رحمك فأنه خير لك

وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثنا يعلى قال حدثني محمد بن إسحاق عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ميمونة قالت كانت لي جارية فأعتقتها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فأخبرته بعتقها فقال آجرك الله أما أنك لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك ورواه أسد بن موسى قال حدثني أبو معاوية محمد بن خازم عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ميمونة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم خادما فأعطاها خادما فأعتقتها فقال ما فعلت الخادم قلت يا رسول الله أعتقتها فقال أما أنك لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك قال أبو عمر فهذان إسنادان عند محمد بن إسحاق لهذا الحديث فإن لم يكن كذلك فرواية يعلى بن عبيد أولى بالصواب من رواية أبي معاوية لشهادة حديث مالك له بذلك ولأن أبا معاوية كثير الخطأ جدا فيما يرويه عن المدنيين وعن غير الأعمش قال وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني أحمد بن سعيد قال حدثني محمد بن إبراهيم الديلي قال حدثني عبد الحميد بن صبيح قال حدثني سفيان بن عيينة عن بن طاوس عن أبيه أن ميمونة أعتقت جارية لها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أفلا أعطيتيها أختك الأعرابية قال أبو عمر وهذه الأخت الأعرابية هي هذيلة أم حفيد المذكورة في حديث مالك والله أعلم وأخوات ميمونة لأبيها وأمها لبابة الكبرى ولبابة الصغرى وعصماء وغراء وهذيلة أم حفيد بنات الحارث بن حزن الهلالي وأمهن هند بنت عوف الكنانية وقيل الحميرية وأخواتهن لأمهن أسماء وسلمى وسلامة الخثعميات وهن تسع أخوات منهن ست لأب وأم وثلاث لأم مالك عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد بن المغيرة أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت

ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه فقيل هو ضب يا رسول الله فرفع يده فقلت أحرام هو يا رسول الله فقال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر قال أبو عمر الضب دويبة معروفة بأرض اليمن وأرض نجد ولم يكن بأرض الحجاز ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه وقد يحتمل قوله لم يكن مأكولا بأرض قومي فأكثر أهل الحجاز لا يأكلونه وقد نقل أهل الأخبار أن مدنيا سأل أعرابيا من اليمن فقال أتأكلون الضب قال نعم قال واليربوع قال نعم قال والقنفذ قال نعم قال والورل قال نعم قال أفتأكلون أم حبين قال لا قلت فليهني أم حبين العافية قال أبو عمر مما يدل على أن الضب يوجد في بعض دون بعض قول بعض العرب بلاد يكون الخيم أظلال أهلها إذا حضروا بالقيظ والضب نونها وقال بعض بني تميم لكسرى كان أعقل من تميم ليالي فر من أرض الضباب وأما خلق الضب فكما قال شاعرهم له كف إنسان وخلق غطاءة وكالقرد والخنزير في المسخ والعصب وقد ذكرنا في التمهيد من شواهد هذا المعنى أكثر من هذا والحمد لله وذكرنا هناك اختلاف الناس في أكل الضب ومن كره أكله من العلماء بحديث حصين عن زيد بن وهب عن ثابت بن وديعة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش فأصبنا ضبابا قال فشويت منها ضبا وأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه بين يديه قال فأخذ عودا فعد به أصابعه ثم قال إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض ولا أدري أي الدواب هي قال فلم يأكل منه ولم ينه قال أبو عمر قد ذكرت هذا الحديث من طرق في التمهيد وذكرت

خلاف الأعمش لحصين في إسناده وذكرت ما يعضده وما يخالفه مثل حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن القردة والخنازير أهي من الذين مسخوا قال إن الله تعالى لم يهلك قوما ولم يمسخ قوما فجعل لهم نسلا ولا عاقبة ولكنهم من شيء كان قبل ذلك رواه مسعر عن علقمة بن مرثد عن المغيرة اليشكري عن المعرور بن سويد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه من طرق في التمهيد والمحنوذ المشوي في التنور وشبهه يقال حنيذ ومحنوذ كما يقال قتيل ومقتول قال الله تعالى ف جاء بعجل حنيذ هود أي مشوي مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلا نادى رسول الله فقال يا رسول الله ما ترى في الضب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لست بآكله ولا بمحرمه قال أبو عمر الفقه في هذا الباب ما قاله بن عباس مما قد ذكرناه في هذا الباب وحدثنا أيضا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا كثير بن هشام قال حدثني جعفر بن برقان قال حدثني يزيد بن الأصم قال ذكر الضب عند بن عباس فقال بعض جلسائه أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يحله ولم يحرمه فقال بن عباس بئس ما تقولون إنما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محلا ومحرما جاءت أم حفيد تزور أختها ميمونة بنت الحارث ومعها طعام فيه لحم ضب فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أغسق يعني أظلم فقرب إليه الطعام فكرهت ميمونة أن يأكل النبي صلى الله عليه وسلم من طعام لا يعلم ما هو فقالت يا رسول الله إن فيه لحم ضب فأمسك رسول الله وأمسكت ميمونة وأكل من كان عنده

قال بن عباس فلو كان حراما لنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكله باب ما جاء في أمر الكلاب مالك عن يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبره أنه سمع سفيان بن أبي زهير وهو رجل من أزد شنوءة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث ناسا معه عند باب المسجد فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اقتنى كلبا لا يغنى عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط قال أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إي ورب هذا المسجد مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقتنى كلبا إلا كلبا ضاريا أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان قال أبو عمر وقد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث وفي لفظه في التمهيد وفي حديث بن عمر هذا وحديث سفيان بن أبي زهير إباحة اتخاذ الكلاب للصيد والزرع والماشية دون ما عدا ذلك ويدخل عندي في معنى الصيد والزرع والماشية جواز اتخاذ الكلاب في البادية جملة لأن الأغلب من أمرها الزرع والماشية والصيد تجد ذلك في البادية والحاضرة والله أعلم وروي من حديث يونس عن الحسن عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اتخذ كلبا ليس كلب صيد ولا ماشية ولا حرث نقص من أجره كل يوم قيراط

قال أبو عمر الحرث يدخل فيه الكرم والزرع ولم يختلف العلماء في تأويل قول الله عز وجل وداود وسليمن إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم الأنبياء أنه كان كرما وفي معنى الزرع والكرم والغنم عندي منافع البادية كلها من الطارق وغيره والله أعلم وقد سئل هشام بن عروة عن اتخاذ الكلاب للدار فقال لا بأس به إذا كان موضع الدار مخوفا وأجاز مالك اقتناء الكلاب للزرع والصيد والماشية وكان بن عمر لا يجيز اتخاذ الكلب إلا للصيد والماشية خاصة ووقف عندما سمع ولم يبلغه ما روى أبو هريرة وسفيان بن أبي زهير وبن مغفل وغيرهم في ذلك وفي هذا الحديث دليل على أن اتخاذ الكلاب ليس بمحرم وإن كان ذلك الاتخاذ لغير الزرع والضرع والصيد لأن قوله من اتخذ كلبا أو اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا ولا اتخذه للصيد نقص من أجره كل يوم قيراط يدل على الإباحة لا على التحريم لأن المحرمات لا يقال فيها من فعل هذا نقص من عمله أو من أجره كذا بل ينهى عنه لئلا يواقع المطيع شيئا منها وإنما يدل ذلك اللفظ على الكراهة لا على التحريم والله أعلم وأما نقصان الأجر فإن ذلك والله أعلم لما يقع من التفريط في غسل الإناء من ولوغ الكلاب لمن له اتخاذها ومن التقصير عن القيام لما يجب عليه في ذلك من عدد الغسلات وقد يكون لما جاء في الحديث بأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب وقد مضى القول في ذلك وقد يكون في التقصير في الإحسان إلى الكلب لأنه قانع ناظر إلى يد متخذه ففي الإحسان إليه أجر كما قال صلى الله عليه وسلم في كل ذي كبد رطبة أجر وفي الإساءة إليه بتضييقة وزر

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض هذا والهر يفترس ويطلب رزقه والكلب ليس كذلك وقد يكون لما قال الحسن وغيره روى حماد بن يزيد عن واصل مولى أبي عيينة قال سأل الحسن رجل فقال يا أبا سعيد أرأيت ما ذكر في الكلب أنه ينقص من أجر أهله كل يوم قيراط قال فذكر ذلك فقيل له مم ذلك يا أبا سعيد قال لترويعه المسلم وذكر بن سعد عن الأصمعي قال قال أبو جعفر المنصور لعمرو بن عبيد ما بلغك في الكلب قال بلغني أنه من اقتنى كلبا لغير زرع ولا حراسة نقص من أجره كل يوم قيراط قال ولم قال هكذا جاء الحديث قال خذها بحقها وإنما ذلك لأنه ينبح الضيف ويروع السائل مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب قال أبو عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب يدل على أنها لا تؤكل لأن ما يجوز أكله لم يجز قتله إذا كان مقدورا عليه ولا يؤكل حتى يذبح أو ينحر وإن كان صيدا ممتنعا حل بالتسمية رميه وقتله كيف أمكن مادام ممتنعا ألا ترى إلى ما جاء عن عمر وعثمان رضي الله عنهما لما ظهر في المدينة اللعب بالحمام والمهارشة بين الكلاب أنهما كانا يأمران بقتل الكلاب وذبح الحمام ففرق بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل قال الحسن بن أبي الحسن سمعت عثمان يقول في خطبته اقتلوا الكلاب واذبحوا الحمام

وقد اختلفت الآثار في قتل الكلاب واختلف العلماء في ذلك أيضا فذهب جماعة من أهل العلم منهم عبد الله بن عمر ومالك بن أنس أن الأمر بقتل الكلاب كلها إلا ما ورد الحديث في إباحة اتخاذه منها للصيد والماشية قال مالك وللزرع أيضا ومن حجتهم حديث بن شهاب عن سالم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا صوته يأمر بقتل الكلاب وكانت الكلاب تقتل إلا كلب صيد أو ماشية وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب وأرسل في أقطار المدينة لتقتل وروى حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب حتى إن المرأة لتدخل بالكلب فما تخرج حتى يقتل وروى شعبة عن أبي التياح عن مطرف بن عبد الله عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ورخص في كلب الزرع والصيد وجاء الأمر بقتلها عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وروى حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن بن عمر دخل أرضا له فرأى كلبا فهم أن يقع بقيم أرضه فقال إنه كلب عابر دخل الآن قال فأخذ المسحاة وقال حرشوه علي فقتله وقال جماعة من أهل العلم الأمر بقتل الكلاب منسوخ إلا في الأسود البهيم فإنه يقتل ومن حجتهم ما حدثنا سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثني أبو شهاب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم قال فدخل ما عدا الأسود البهيم في أن لا يقتل

وقال بعض من ذهب هذا المذهب الأسود البهيم من الكلاب أكثر أذى وأبعدها من تعلم ما ينفع ورووا أن الكلب البهيم الأسود شيطان أي بعيد من الخير والمنافع قريب من الضر والأذى وهذا شأن الشياطين من الإنس والجن وروي عن الحسن وإبراهيم أنهما كانا يكرهان صيد الكلب الأسود فقالت طائفة إنه يقطع الصلاة وقد ذكرنا الحديث بذلك في كتاب الصلاة وبينا أن ذلك منسوخ أيضا وروى إسماعيل المكي عن أبي رجاء العطاردي قال سمعت بن عباس يقول السود من الكلاب الجن والبقع الحن وأنشد بعضهم في الجن والحن قال الشاعر إن تكتبوا الزمنى فإني لزمن في ظاهري داء ودائي مستكن أبيت أهوى في شياطين ترن مختلف نجارهم جن وحن وقال صاحب العين الحن حي من الجن منهم الكلاب البهم يقال منه كلب جني قال أبو عمر وذهب كثير من العلماء إلى أن لا يقتل من الكلاب أسود ولا غير أسود إلا أن يكون عقورا مؤذيا وقالوا الأمر بقتل الكلاب منسوخ يقول صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا فدخل في نهيه ذلك الكلاب وغيرها وقال صلى الله عليه وسلم خمس من الدواب يقتلن في الحل والحرم فذكر منها الكلب العقور فخص العقور دون غيره

فقد قيل إن الكلب العقور ها هنا الأسد وما أشبهه من عقاره سباع الوحش واحتجوا بالحديث الصحيح في الكلب الذي كان يلهث عطشا فسقاه الرجل فشكر الله له ذلك وغفر له بذلك وقال في كل كبد رطبة أجر حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو خالد الأحمر عن هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها قال أبو عمر وليس هذه حال من يجب قتله لأن المأمور بقتله مأجور قاتله ومأجور المعين على قتله وإذا كان في الإحسان إلى الكلب أجر ففي الإساءة إليه وزر والإساءة إليه أعظم من قتله وليس في قوله صلى الله عليه وسلم الكلب الأسود البهيم شيطان ما يدل على قتله لأن شياطين الجن والإنس لم يؤمر بقتلهم وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانه وقالوا إن قتل الكلاب منسوخ بسورة المائدة وقوله عز وجل وما علمتم من الجوارح مكلبين المائدة وليس هذا عندي بالبين لأن كلب الصيد لم يؤمر بقتله بل أبيح لنا بالنص اتخاذه وما أبيح لنا اتخاذه لم يجز قتله وقد أوضحنا هذا المعنى في مواضع من التمهيد والحمد لله كثيرا باب ما جاء في أمر الغنم مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل

والفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم قال أبو عمر أما قوله عليه السلام رأس الكفر نحو المشرق فمعناه أن كفر أهل المشرق وهم ذلك الوقت فارس وما وراءهم من العجم وكلهم لا كتاب له ولا شريعة ومن كان كذلك فكفره أشد الكفر لأنه لا يقر بنبي ولا برسول ولا كتاب له ولا شريعة ولا يدين بدين يرضاه الله عز وجل وأما قوله والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر فإنه أراد الأعراب أهل الجفاء والتكبر وهم أهل الخيل والإبل وكلهم أو جلهم فداد متكبر على متجبر هذا معنى الفداد عند أهل العلم واللغة وإن كان أهل اللغة قد اختلفوا في العبارة في الفدادين واشتقاق الاسم فيهم على ما ذكرناه في التمهيد عنهم وأحسن ذلك ما قاله أبو عبيد قال الفداد ذو المال الكثير المختال ذو الخيلاء قال ومنه الحديث أن الأرض إذا دفن فيها الإنسان قالت له ربما مشيت على فدادا قال أبو عمر الحديث في ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول بن آدم ما غرك بي لقد كنت تمشي حولي فدادا في حديث قد ذكرته بإسناده وتمامه في التمهيد وقال مالك الفدادون أهل الجبل من أهل الوبر وهم أهل الخيل والإبل قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث قيس بن عاصم أنه قال أهل الإبل أهل الجفاء روى وهب بن منبه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من لزم البادية جفا وقد ذكرته بإسناده وتمامه في التمهيد وفي كتاب جامع بيان العلم

وأما قوله عليه السلام والسكنية في أهل الغنم فالسكينة مأخوذة من السكون والوقار والله أعلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ثوب الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والسكينة اسم يمدح به ويذم بضده مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن قال أبو عمر رواه بعض شيوخنا شعب الجبال فصحف وإنما هو شعف الجبال واحدتها شعفة وهي رؤوس الجبال وأعاليها وأما الفتن فكثيرة في الأهل والمال وما يلقاه المؤمن ممن يحسره ويؤذيه حتى يفتنه عن دينه أو ممن يراه يفوقه في المال والجاه والحال فتكون فتنة له وقد ذكرنا في التمهيد آثارا في معاني الفتن كثيرة وفي هذا الحديث دليل على تغيير الأزمنة وعلى فضل العزلة وقد ذكرت من فضل اعتزال الناس والبعد عن شرورهم وما ندب إليه وحض عليه من ذلك أهل العلم ما فيه كفاية في التمهيد والحمد لله ذكر عن عبد الله بن مسعود أنه مر به رجل يحبس طائرا فقال وددت أني حيث صيد هذا الطائر لا يكلمني أحد ولا أكلمه وقال عمر بن الخطاب اليأس غنى والطمع فقر حاضر وفي العزلة راحة من خلطاء السوء

وقال أبو الدرداء نعم صومعة الرجل المسلم بيته يكف فيه بصره ونفسه وإياكم والمجالس في الأسواق فإنها تلغي وتلهي وقال طلحة بن عبيد الله أقل لعيب الرجل لزومه بيته وقال حذيفة وددت أني وجدت من يقوم لي في مالي فدخلت في بيتي وأغلقت علي بابي فلم يدخل علي أحد ولم أخرج إلى أحد حتى ألقى الله عز وجل وقال بن لهيعة عن يسار بن عبد الرحمن قال لي بكير بن الأشج ما فعل خالك قلت لزم البيت منذ كذا وكذا فقال له إن رجالا من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم وهذا الباب قد أشبعناه بالآثار المرفوعة عن الصحابة من سائر السلف في التمهيد والحمد لله ولقد أحسن منصور الفقيه حيث يقول ليس هذا زمان قولك ما الحك م على من يقول أنت حرام وألحقي بائنا بأهلك أو أن ت عتيق محرر يا غلام ومتى تنكح المصابة في العد دة عن شبهة وكيف الكلام في حرام أصاب سن غزال فتولى وللغزال بغام إنما ذا زمان كد إلى الموت وقوت مبلغ والسلام مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم فلا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه قال أبو عمر هذا الحديث يقضي بأن اللبن يسمى طعاما وكل مطعوم في اللغة العربية فهو طعام واللبن طعام يغني عن الطعام والشراب وليس شيء سواه يغني في ذلك سواه

وقد مضى هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ما تقدم من هذا الكتاب وهذا الحديث في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه إلا أن العلماء اختلفوا فيما يأكله الإنسان من الثمار المعلقة في الأشجار للمسافر وسائر المارين من مال الصديق وغيره وأكثرهم يجيز أكل مال الصديق إذا كان تافها لا يتشاح في مثله وإن كان ذلك بغير إذنه ما لم يكن يجب فعله واللبن في الضرع يشبه الطعام المخزون تحت الأقفال فقد شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بذلك في قوله فتكسر خزانته وما أعلم بين أهل العلم خلافا أنه لا يجوز كسر قفل مسلم ولا ذمي لأخذ شيء من ماله بغير إذنه والله أعلم وليس الثمر المعلق عند أكثرهم كذلك والآثار كثيرة حسان مذكورة وردت في ذلك منها حديث الليث بن سعد عن بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلق فقال من أصاب منه ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من دخل حائطا فأكل منه فلا يتخذ خبنة وروى قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن له فليحتلب وليشرب وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثة فإن أجابه أحد فليستأذنه وإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل وهذه الآثار يحتمل أن تكون في من احتاج وجاع أو في مال الصديق إذا كان تافها لا يتشاح وذكر بن المبارك قال أخبرنا عاصم الأحول عن أبي زينب قال صحبت عبد الرحمن بن سمرة وأنس بن مالك وأبا برزة في سفر فكانوا يصيبون من الثمر

وقال أبو داود الطيالسي عن يزيد بن إبراهيم التستري قال سمعت الحسن يقول يأكل ولا يفسد ولا يحمل وعن عمر بن الخطاب مثل ذلك في أموال أهل الذمة وغيرهم وأما مالك رحمه الله فذكر بن وهب عنه أنه سمعه يقول في الرجل يدخل الحائط فيجد الثمر ساقطا قال لا يأكل منه إلا أن يعلم أن صاحبه طيب النفس به أو يكون محتاجا إلى ذلك فأرجو أن لا يكون به بأس ولا يكون عليه شيء إن شاء الله تعالى قال وسمعت مالكا يقول في المسافر ينزل بالذمي أنه لا يأخذ من ماله شيئا إلا بإذنه وعن طيب نفس منه فقيل لمالك أرأيت الضيافة التي جعلت عليهم ثلاثة أيام فقال كان يومئذ يخفف عنهم بذلك وذكر الحارث بن مسكين قال سمعت أشهب بن عبد العزيز يقول خرجنا مرابطين إلى الإسكندرية فمررنا بجنان الليث بن سعد فدخلنا فأكلنا من الثمر فلما أن رجعت دعتني نفسي إلى أن أستحل ذلك من الليث فدخلت إليه فقلت يا أبا الحارث إنا خرجنا مرابطين ومررنا بجنانك فأكلنا من الثمر وأحببنا أن تجعلنا في حل فقال الليث يا بن أخي لقد نسكت نسكا أعجميا أما سمعت الله عز وجل يقول أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا النور فلا بأس أن يأكل الرجل من مال أخيه الشيء التافه الذي يسره بذلك وأكثر ذلك فيما كان ثمرا معلقا غير المدخرات ومن المدخرات ما لا يتشاح في مثله ويعلم أن صاحبه تطيب به نفسه حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثي محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني محمد بن جعفر قال حدثني شعبة عن أبي بشر قال سمعت عباد بن شرحبيل رجل منا من بني غبر قال أصابتنا مجاعة فأتيت المدينة فدخلت حائطا من حيطانها فأخذت سنبلا ففركته وأكلت منه وحملت في ثوبي فجاءني صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما علمته إذ كان جاهلا ولا أطعمته إذا كان جائعا قال فرد علي الثوب وأمر لي بوسق أو نصف وسق قال أبو عمر يحتمل أن يكون ضربه له لأنه أخذ فوق ما سد جوعه وما حمل في غير بطنه

مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من نبي إلا قد رعى غنما قيل وأنت يا رسول الله قال وأنا قال أبو عمر هذا يدل على فضل الغنم وفضل اكتسابها ورعيها والقيام بها تبركا بأنبياء الله عز وجل صلوات الله عليهم وحسبك بما ذكره الله عز وجل في كتابه لموسى فقال عز وجل وما تلك بيمينك يموسى قال هي عصاى أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمى طه والهش تحريك ورق الشجر بالعود ليسقط إلى الغنم فتأكلها وهذا الحديث قد روي مسندا إلا أنه اختلف فيه على أبي سلمة بن عبد الرحمن على ما قد ذكرناه في التمهيد والحمد لله كثيرا حدثني يعيش بن سعيد قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن غالب قال حدثني بشر بن آدم قال حدثني إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال مررنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بثمر الأراك فقال عليكم بأسوده فإني كنت أجتنيه إذ كنت أرعى الغنم قالوا يا رسول الله وكنت ترعى الغنم قال نعم وما من نبي إلا وقد رعى الغنم وفي هذا الحديث إباحة الإخبار عن الماضين من الأنبياء في قياس ذلك والله أعلم ذلك الإخبار عن الأمم الماضية والقرون السالفة وعلم أيام الناس ومن أول ما ذكر في هذا الباب ما قد ذكره مالك في هذا الكتاب في باب جامع الطعام والشراب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن حميد بن مالك بن خثيم عن أبي هريرة موقوفا ورواه الدراوردي بإسناد حسن أيضا عن محمد بن عجلان عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة أنه مر عليه وهو يرعى غنما له فقال له أبو هريرة إلى أين تريد قال أريد غنما لي قال امسح رغامها وأطب مراحها وصل في حاشية مراحها فإنها من دواب الجنة وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك وللدراوردي بهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المدينة ليست بأرض مطر

أ باب البدء بالأكل قبل الصلاة مالك عن نافع أن بن عمر كان يقرب إليه عشاؤه فيسمع قراءة الإمام وهو في بيته فلا يعجل عن طعامه حتى يقضي حاجته منه قال أبو عمر هذا الحديث كتاب الصلاة كان أولى به وفعل بن عمر هذا مأخوذ من السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء وهذا والله أعلم لما يخشى على من كانت هذه حاله من شغل باله بالأكل ويدخل عليه في صلاته السهو وما يشغله عن الخشوع والذكر وفيه دليل على سعة وقت المغرب وإن كان المستحب تعجيلها حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا سويد بن نصر قال حدثني عبد الله بن المبارك عن معمر عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرب العشاء ونودي بالصلاة فابدؤوا بالعشاء أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا يحيى بن حبيب قال حدثني حماد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرب العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء قال أبو عمر هذا الأمر على الندب لا على الإيجاب بدليل حديث الزهري عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين ثم قام فصلى ولم يتوضأ

ب باب ما جاء في الفأرة تقع في السمن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الفأرة تقع في السمن فقال انزعوها وما حولها فاطرحوه قال أبو عمر ليس في حديث مالك هذا في الفأرة أنها ماتت وهو محفوظ فيه ومعلوم عند الجميع وفي قوله ألقوها دليل على موتها قال أبو عمر اضطرب مالك في إسناد هذا الحديث في الموطأ وفي غيره فرواه عنه جماعة كثيرة يطول ذكرهم كما رواه يحيى بن يحيى صاحبنا عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورواه القعنبي وطائفة كثيرة أيضا عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا ميمونة ورواه بن بكير وأبو مصعب عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا بن عباس ولا ميمونة وقد ذكرنا في التمهيد كل من تابع يحيى على ما ذكرنا ومن تابع القعنبي على ما ذكرنا وسميناهم هنالك والحمد لله ورواه يحيى القطان وجويرية عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله عن بن عباس أن ميمونة استفتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وهذا اضطراب شديد وقد اختلف في إسناده أيضا أصحاب بن شهاب على بن شهاب وفي لفظه أيضا وعند معمر فيه عن بن شهاب إسنادان أحدهما عن الزهري عن عبيد الله

عن بن عباس والثاني عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ذلك كله في التمهيد وزاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مائعا فلا تقربوه وقال فيه عبد الواحد بن زياد عن معمر بهذا الإسناد وإن كان مائعا أو قال ذائبا لم يؤكل ولكن انتفعوا به واستصبحوا وقد ذكرنا الأسانيد بكل ما ذكرنا في التمهيد وفي هذا الحديث من الفقه معان كثيرة وقد تقصيناها في التمهيد منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم للسمن الجامد الملاصق للفأرة بحكم الفأرة الميتة بتحريم الله عز وجل الميتة على عباده فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإلقاء الفأرة وإلقاء ما مسها واتصل بها من السمن الجامد وأجمع العلماء على أن أكل الفأرة الميتة وما باشرها من السمن الجامد حرام لا يحل أكل شيء من ذلك واختلفوا في السمن المائع الذائب والزيت المائع والخل والعسل والمري وسائر المائعات فقال جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار لا يؤكل شيء من ذلك كله إذا مات فيه شيء من الحيوان الذي له دم سائل كالفأرة والعصفور والدجاجة والوزغة وسائر الحيوان المأكول بالذكاة وما يؤكل من الحيوان أصلا فهو بذلك عندهم أحرى وشذت طائفة عن الجماعة منهم داود فقالوا لا يؤكل الجامد المتصل بالفأرة من السمن ويؤكل غير ذلك كله من مائع وجامد إذا لم تظهر فيه النجاسة الواقعة فيه ولم تغير شيئا منه وحكموا هنا للمائعات حكم الماء ومن أهل البدع أيضا من أجاز أكل الجامد وغير الجامد إذا وقعت فيه الفأرة وردوا الحديث كردهم لسائر أخبار الآحاد العدول عصمنا الله برحمته من الخذلان ويلزم داود ومن قال بقوله أن لا يتعدى الفأرة كما لا يتعدى السمن وأظنه قاله أو قاله بعض أصحابه ويلزمهم أيضا أن لا يعتبروا إلقاءها في السمن الجامد

حتى تكون هي التي وقعت بنفسها فماتت لأن الحديث إنما ورد في فأرة وقع في سمن ليس فيه ألقيت وكفى بقول يؤول برد أصله إلى هذا فسادا وقبحا فهذا ما كان في أكل المائع إذا وقعت فيه الميتة والحيوان فمات واختلف الفقهاء في الزيت تموت فيه الفأرة أو تقع فيه ميتة هل يستصبح به أو ينتفع منه في الأكل وغير الأكل أم لا فقال منهم قائلون لا يستصبح به ولا يباع ولا ينتفع بشيء منه كما لا يؤكل وممن قال ذلك الحسن بن صالح وأحمد بن حنبل ومن حجة من قال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم وإن كان مائعا فلا تقربوه كذا قال فيه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقوله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود أو قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها يعيبهم بذلك واحتج أحمد أيضا بحديث عبد الله بن عكيم قال أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب قال فحكم ما وقعت فيه الميتة حكم الميتة وقال آخرون يجوز الاستصباح بالزيت تقع فيه الميتة وينتفع به في الصابون وشبهه ولا يباع ولا يؤكل فإنه لا يجوز بيعه ولا أكله وممن قال ذلك مالك والشافعي وأصحابهما والثوري وروي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر إجازة الاستصباح به قال علي رضي الله عنه استنفع به للسراج ولا تأكله وروى الثوري ومعمر عن أيوب السختياني عن نافع ورواه بن عيينة عن أيوب بن موسى عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن

فأرة وقعت في أفراق زيت لآل عبد الله بن عمر فأمرهم بن عمر أن يستصبحوا به ويدهنوا به الأدم ومن حجة هؤلاء أيضا إلى ما تقدم ذكره قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر إن الذي حرم شربها حرم بيعها وقال آخرون ينتفع بالزيت الذي تقع فيه الفأرة والميتة كلها بالبيع وبكل شيء ما عدا الأكل فإنه لا يؤكل قالوا وجائز أن يبيعه ويبين وكل ما جاز الانتفاع به جاز بيعه والبيع من الانتفاع وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد ويروى عن أبي موسى الأشعري قال لا تأكلوه وبيعوه لمن تبيعونه ولا تبيعوه من المسلمين قال أبو عمر قوله لا تبيعوه من المسلمين ليس بشيء وذكر بن وهب عن بن لهيعة وحيوة بن شريح عن خالد بن أبي عمران أنه قال سألت القاسم وسالما عن الزيت تموت فيه الفأرة هل يصلح أن يؤكل قالا لا قلت أفأبيعه قالا نعم ثم كلوا ثمنه وبينوا لمن يشتريه ما وقع فيه ومن حجتهما رواه عبد الواحد بن زياد عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفأرة تقع في السمن قال إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فستصبحوا به وانتفعوا به قالوا والبيع من الانتفاع قال ويحتمل ما رواه عبد الرزاق في هذا الحديث قوله وإن كان مائعا فلا تقربوه أي للأكل قال أبو عمر هذا تعسف في التأويل وبعد من الصواب بل قوله وإن كان مائعا فاستصبحوا به وانتفعوا يريد أن ينتفع به في الاستصباح لا غيره ولو أراد غير الاستصباح لذكره على أن عبد الرزاق أثبت في معمر من عبد الواحد بن زياد وهو الحجة عليه وعلى مثله فيه

ومن حجة أبي حنيفة أيضا ومن قال بقوله في جواز البيع في الزيت المنجوس أن قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها إنما خرج عليهم شحوم الميتة وشحوم الميتة نجسة الذات فلا يحل بيعها ولا أكلها ولا الانتفاع بشيء منها والزيت الذي تقع فيه الميتة إنما نجس بالجوار كالثوب الذي يصيبه الدم ولذلك رأى غسله من رآه من أهل العلم وذكروا حديث يزيد بن أبي حبيب عن عطاء عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح بمكة يقول إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل له يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تدهن بها السفن والجلود ويستصبح بها الناس فقال هي حرام ثم قال قاتل الله اليهود لما حرم عليهم الشحم جملوه فباعوه وأكلوا ثمنه يحذر أمته أن يفعلوا مثل ذلك وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في التمهيد قالوا فعلى هذا خرج قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود في بيع الشحوم وأكل ثمنها وفي بيع الخمر وأكل ثمنها لأنها نجسة الذات مثل شحوم الميتة والدم وليس الزيت تقع فيه الميتة كذلك لأنه إنما نجس بالمجاورة وليس بنجس الذات فلذلك جاز بيعه إذا بين بعيبه وجاز أكل ثمنه لأنه مما ينتفع به للاستصباح وغيره باب ما يتقى من الشؤم مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن يعني الشؤم مالك عن بن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر

عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشؤم في الدار والمرأة والفرس قال أبو عمر قطع في هذا الحديث بالشؤم لأنه قد يكون في هذه الثلاث ولم يقطع في ذلك بحديث أبي حازم وقد روى هذا الحديث معمر عن بن شهاب بإسناده وزاد فيه وقالت أم سلمة والسيف فلا أدري من قول بن شهاب ذلك عن أم سلمة أم من قول بن عمر عنها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعارض حديث بن عمر في الشؤم فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لا طيرة رواه بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا طيرة وخيرها الفأل قيل يا رسول الله وما الفأل قال الكلمة الصالحة وقد ذكرت إسناده في التمهيد وروى زهير بن معاوية عن عتبة بن حميد عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس أنه سمع أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طيرة والطيرة على من تطير وإن تكن في شيء ففي المرأة والدار والفرس وذكرت هناك أيضا إسناد حديث حكيم بن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شؤم وقد يكون اليمن في الدار والفرس والمرأة وحديث قتادة عن أبي حسان أن عائشة أنكرت على أبي هريرة حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الطيرة في المرأة والدار والدابة فأقسمت أنه ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قط وإنما كان أهل الجاهلية يقرونه ثم قرأت ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتب من قبل أن نبرأها الحديد قال أبو عمر أهل العلم لا يرون الإنكار علما ولا النفي شهادة ولا خبرا وقد مضى في معنى قوله عليه السلام لا عدوى ما هو زيادة في هذا الباب والله الموفق للصواب

مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة قال أبو عمر قوله ذميمة يعني مذمومة يقول دعوها وأنتم لها ذامون كارهون لما وقع في نفوسكم من شؤمها فهذا الحديث قد روي مسندا ومرسلا من حديث أنس والمسند رواه عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قد ذكرناه في التمهيد وروى معمر وبن عيينة عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي أن امرأة من الأنصار قالت يا رسول الله إنا سكنا دارا وعددنا كثير فهلكنا وكان لنا مال ونشب فافتقرنا وذات بيننا حسن فاختلفنا وساءت أخلاقنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها ذميمة قال أبو عمر هذا عندي والله أعلم قول قاله صلى الله عليه وسلم لقوم علم منهم أن الطيرة والشؤم قد غلب عليهم وثبت في نفوسهم لأن إزاحة ما وقر في النفوس عسير ولذلك قال لهم دعوها ذميمة يريد إذا وقع بنفوسكم منها ما لا يكاد أن يزول منها وهذا عندي من معنى قوله صلى الله عليه وسلم إنما الطيرة على من تطير أي على من اعتقدها وصحت في نفسه لزمته ولم تكن تخطئه ولقد أحسن القائل ولست أبالي حين أغدو مسافرا أصاح غراب أم تعرض ثعلب والنشب المال قال أبو العتاهية وليس الغنى نشب في يد ولكن غنى النفس عين الغنى باب ما يكره من الأسماء مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله قال للقحة تحلب من

يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك فقال له الرجل مرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك فقال حرب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمك فقال يعيش فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم احلب قال أبو عمر قد روي هذا الحديث مسندا حدثنا عبد الرحمن قال حدثني علي قال حدثني أحمد قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال حدثني بن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير عن يعيش الغفاري قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم يوما بناقة فقال من يحلبها فقام رجل فقال ما اسمك قال مره قال اقعد ثم قام آخر فقال ما اسمك قال حرب قال اقعد ثم قام رجل فقال ما اسمك فقال يعيش قال احلبها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معاوية أنه قال شر الأسماء حرب ومرة وقد ذكرناه في التمهيد قال أبو عمر هذا عندي والله أعلم من باب الفأل الحسن فإنه صلى الله عليه وسلم كان يطلبه ويعجبه وليس من باب الطيرة في شيء لأنه محال أن ينهى عن الطيرة ويأتها بل هو باب الفأل فإنه كان صلى الله عليه وسلم يتفاءل بالاسم الحسن وقد روى حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توجه لحاجة يحب أن يسمع يا نجيح يا راشد يا مبارك وقال بن عون عن بن سيرين كانوا يستحبون الفأل ويكرهون الطيرة قال بن عون ومثل ذلك أن يكون باغيا طالبا فتسمع يا واجد أو تكون مربضا فتسمع يا سالم حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى عن هشام وشعبة عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل قيل وما الفأل قال الكلمة الحسنة

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني حسين بن حريث قال حدثني أوس بن عبد الله بن بريدة عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتطير ولكن كان يتفاءل فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني أسلم فلقي النبي صلى الله عليه وسلم ليلا فقال له نبي الله من أنت قال أنا بريدة قال فالتفت إلى أبي بكر وقال له يا أبا بكر برد أمرنا وصلح ثم قال ممن قلت من أسلم قال لأبي بكر سلمنا قال ثم ممن قال من بني سهم قال خرج سهمك قال أحمد بن زهير قال لنا أبو عمار حسين بن حريث سمعت أوسا يحدث بهذا الحديث بعد ذلك عن أخيه سهل بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن بريدة فأعدت عليه ثلاثا من حدثك قال سهل أخي مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال لرجل ما اسمك فقال جمرة فقال بن من فقال بن شهاب قال ممن قال من الحرقة قال أين مسكنك قال بحرة النار قال بأيها قال بذات لظى قال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا قال فكان كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أبو عمر لا أدري ما أقول في هذا إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون بعدي محدثون فإن يكن فعمر وقال علي رضي الله عنه ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر وقد وافق ظنه ورأيه نزول تحريم الخمر وكذلك آية فداء الأسرى وآية الحجاب ومقام إبراهيم وقد يوجد هذا في من دون عمر من الذكاء وحسن الظن حتى لا يكاد يخطئه ظنه

وفي الأشعار في مدح من هذه صفته كثير وقد ذكرنا أكثره في كتاب بهجة المجالس والحمد لله كثيرا وقوله في هذا الخبر عندي شيء اتفق له والله عز وجل أعلم في احتراق أهل المخبر وكأنه من نحو قوله صلى الله عليه وسلم البلاء موكل بالمنطق أخذه الشاعر فقال إن البلاء موكل بالمنطق فصادف قوله قدرا سبق في علم الله عز وجل باب ما جاء في الحجامة وأجرة الحجام مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه هذا حديث لا خلاف في صحته وقد أفصح بأن أجرة الحجام تطيب له على علمه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعطي أحدا إلا ما يحل كسبه ويطيب أكله سواء كان عوضا من علمه أو غير عوض ولا يجوز في أخلاقه وسنته وشريعته أن يعطي عوضا على شيء من الباطل وقد قال صلى الله عليه وسلم من السنة قص الشارب وقال صلى الله عليه وسلم احفوا الشارب وأعفوا اللحى وهذا كله يدل على أن كسب الحجام طيب لا بأس به وأن حديث أبي

جحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الدم ليس من كسب الحجام في شيء وأنه لا وجه لكراهة أبي جحيفة لكسب الحجام من أجل ذلك وهو حديث ثابت عن أبي جحيفة رواه شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه اشترى غلاما حجاما فكسر محاجمه أو أمر بها فكسرت قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم قال أبو عمر نهيه عندنا عن ثمن الدم كنهيه عن الخمر والخنزير وثمن الميتة وثمن الكلب وليس من كسب الحجام في شيء بدليل حديث أنس المذكور وقد روى رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كسب الحجام خبيث وثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وهو إسناد حسن إلا أنه لا يخلو من أن يكون على سبيل التنزه وذلك والله أعلم لما فيه من جهل العوض لأنها صناعه كانت عندهم دناءة حتى قالوا الناس كلهم أكفاء إلا حائك وحجام ولم يكن في العرب من يتخذها صناعة مكسب وإنما كان يفعل ذلك بعضهم لبعض كإماطة الأذى وأخذ القمل من الرؤوس ونحو ذلك أو يكون منسوخا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الحجام أجرة على حجامته إياه وفقه هذا الباب ما قاله بن عباس رضي الله عنه روى ذلك خالد الحذاء عن عكرمة ومحمد بن سيرين عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره وفي حديث عكرمة قال بن عباس ولو علمه خبيثا لم يعطه وفي حديث بن سيرين قال بن عباس ولو كان به بأس لم يعطه وقد ذكرنا الأسانيد عن خالد بذلك كله في التمهيد مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان دواء يبلغ الداء فإن الحجامة تبلغه

قال أبو عمر روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مخالفا للفظه من وجوه منها حديث أبي هريرة وحديث أنس وحديث سمرة بن جندب وحديث بن عباس فحديث أبي هريرة رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة تبلغه ورواه صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان شيء يقع من الداء فإن الحجامة تنفع من الداء فاحتجموا صبيحة سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين وحديث أنس رواه حميد وغيره عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمثل ما تداويتم به الحجامة وحديث سمرة رواه عبد الملك بن عمير عن حصين بن أبي الحر عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير ما تداويتم به الحجامة وحديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشفاء في ثلاث في شربة عسل أو شرطة محجم أو كية نار وروي من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن يكن في شيء من أدويتكم هذه خير ففي شرطة محجم أو لدغة نار أو شربة عسل وما أحب أن أكتوي وقد ذكرت أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد وفي إباحة الحجامة والتداوي بها إباحة التداوي بكل ما يرجى نفعه مما يؤلم ومما لا يؤلم وحسبك بلدغة النار والكي وقد قطع عروة ساقه معالجة وتداويا وخوفا أن يسري الداء إلى أكثر مما سرى وقد ذكرنا في التمهيد آثارا كثيرة في فضل الحجامة والحمد لله كثيرا مالك عن بن شهاب عن بن محيصة الأنصاري أحد بني حارثة

أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجازة الحجام فنهاه عنها فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال اعلفه نضاحك يعني رقيقك وقال بن بكير ناضحك ورقيقك وقال بن القاسم النضاح الرقيق ويكون في الإبل وقال عبد الملك بن حبيب النضاح الذين يسقون النخيل واحده الناضح من الغلمان والإبل وإنما يفترقون في الكثير والكثير من ناضح الإبل نواضح ومن الغلمان نضاح وقال يحيى في هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن بن محيصة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا غلط فاحش وقال بن وهب ومطرف وبن بكير وبن نافع والقعنبي عن مالك عن بن شهاب عن بن محيصة عن أبيه وهو مع هذا كله مرسل وهو حرام بن سعد بن محيصة واتفق معمر وبن أبي ذئب وبن عيينة ويونس بن يزيد فقالوا فيه عن بن شهاب عن بن محيصة عن أبيه كما قال أكثر الرواة عن مالك وقال فيه الليث عن بن محيصة أن أباه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فأبى أن يأذن له فلم يزل به حتى قال أطعمه رقيقك واعلفه ناضحك وقال فيه بن عيينة عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة أن محيصة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وقال فيه بن إسحاق عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه عن جدة محيصة أنه كان له غلام حجام يقال له أبو طيبة لم يسمه من أصحاب بن شهاب غير بن إسحاق وقد ذكرنا في التمهيد من غير طريق بن شهاب ما يعضد رواية بن إسحاق أن الغلام الحجام اسمه نافع أبو طيبة

وقال الخليل الناضح الجمل الذي يستقى عليه الماء قال أبو عمر إنما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة أكل إجارة غلامه الحجام لأنه يعمل في أكثر أمره بغير سوم والله أعلم فيعطى ما لا يرضى أو يطلب ما لا يرضى به الذي عمل له فيشبه الأجرة المعلومة هذا أو ما شاء الله مما هو أعلم به والذي عليه مدار هذا الباب ما قاله بن عباس قال حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن شاذان قال حدثني هوذة بن خليفة قال حدثني عوف عن محمد أن بن عباس سئل عن كسب الحجام فقال قد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراما لم يعطه حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن بن عباس أنه سئل عن كسب الحجام وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراما لم يعطه وقد ردنا هذا المعنى بيانا في التمهيد باب ما جاء في المشرق مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق ويقول ها إن الفتنة ها هنا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان قال أبو عمر إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم إلى ناحية المشرق بالفتنة لأن الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين هي قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وهي كانت سبب وقعة الجمل وحروب صفين كانت في ناحية المشرق ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق قال أبو عمر روينا عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال أول الفتن قتل عثمان وآخرها الدجال

ومعلوم أن أكثر البدع إنما ظهرت وابتدأت من المشرق وإن كان الذين اقتتلوا بالجمل وصفين منهم كثير من أهل الحجاز والشام فإن الفتنة وقعت في ناحية المشرق فكانت سببا إلى افتراق كلمة المسلمين ومذاهبهم وفساد نيات كثير منهم إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة والله أعلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ذلك لعلمه بوقوعه ويحزن له ولو ذكرنا الآثار والشواهد بما وصفنا لخرجنا بذلك عما إليه في هذا الكتاب قصدنا وبالله التوفيق مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أراد الخروج إلى العراق فقال له كعب الأحبار لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين فإن بها تسعة أعشار السحر وبها فسقة الجن وبها الداء العضال قال أبو عمر سئل مالك عن الداء العضال فقال الهلاك في الدين وأما السحر فمنسوب إلى أرض بابل وهي من العراق وتنسب أيضا إلى مصر وأما فسقة الجن فهذا لا يعرف إلا بتوقيف ممن يجب التسليم له وذلك معدوم في هذه القصة ولأهل الكوفة والبصرة روايات رواها علماؤهم في فضائلها ذكر أبو بكر بن أبي شيبة وغيره كثيرا منها ولم تختط الكوفة ولا البصرة إلا برأي عمر رضي الله عنه ونزلها جماعة من كبار الصحابة وكان بها العلماء والعباد والفضلاء وأهل الأدب والفقهاء وأهل العلم وهذا أشهر وأغرب من أن يحتاج إلى استشهاد لأنه علم ظاهر وعلم فسقة الجن علم باطن وكل آية تعرف لناحيتها فضلا تنشره إذا سئلت عنه وتطلب العيب لمن عابها ومن طلب عيبا وجده والفاضل حيث كان فهو فاضل والمفضول الساقط حيث كان من البلدان لا تصلحه بلدة لأن الأرض لا تقدس صاحبها وإنما يقدس المرء عمله وإن من مدح بلدة وذم أخرى يحتاج إلى توقيف ممن يجب التسليم له على أنه لا مدح ولا ذم لبلدة إلا على الأغلب من أحوال أهلها وأما على العموم فلا

وقد عم البلاء والفتن اليوم في كل جهة من جهات الدنيا باب ما جاء في قتل الحيات وما يقال في ذلك مالك عن نافع عن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي في البيوت قال أبو عمر روى هذا الحديث بن وهب عن مالك عن نافع عن بن عمر عن أبي لبابة والصحيح فيه ما رواه يحيى وأكثر الرواة لأن نافعا قد سمعه من أبي لبابة مع بن عمر كما سمع حديث الصرف مع بن عمر من أبي سعيد الخدري وقد أوضحنا ذلك من آثاره المتواترة في التمهيد منها ما حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع أنه أخبره أنه سمع أبا لبابة يحدث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل الجنان قال أبو عمر إلى هنا انتهى حديث القطان لم يقل التي في البيوت وقاله جماعة عن عبد الله بن عمر مثل ذلك ورواه أيوب عن نافع عن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي في البيوت كما قال مالك وغيره إلا أن مالكا قال الحيات وقد قال مالك الجنان في حديثه عن نافع عن سائبة وسيأتي بعد إن شاء الله والجنان الحيات قال الخليل الجنان الحية وقال نفطويه الجنان الحيات وأنشد للخطفى جد جرير واسمه حذيفة يرفعن بالليل إذا ما أسدفا أعناق جنان وهاما رجفا وعنقاء باقي الرسيم خيطفا

قال وبهذه الأبيات سمي الخطفا وقال غيره تبدل حالا بعد حال عهدتها تناوح جنان بهن وخيل قال بن أبي ليلى الجنان الذين لا يتعرضون للناس والخيل الذين يتخيلون للناس ويؤذونهم وروي عن بن عباس أنه قال الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل وقد روي هذا عن بن عمر أيضا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن بن عمر كان يقتل الحيات كلها ويقول إن الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل كما حدثه أبو لبابة البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت قال فوجد بن عمر بعد ذلك حية في داره فأمر بها فأخرجت إلى البقيع وروى بن وهب عن أسامة بن زيد الليثي عن نافع أن أبا أمامة مر بعبد الله بن عمر وهو عند الأطم الذي عند دار عمر بن الخطاب يرصد حية فقال أبو لبابة يا أبا عبد الرحمن إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتل عوامر البيوت فانتهى عبد الله بن عمر عن ذلك ثم وجد ذلك حية في بيته فأمر بها فطرحت ببطحان قال نافع فرأيتها بعد ذلك في بيته قال بن وهب عوامر البيوت تتمثل بمثل حية دقيقة في المدينة بالبيوت وغيرها ففيها جاء النهي عن قتلها حتى تنذر وأما التي في الصحاري فلا تنذر وتقتل على كل حال مالك عن نافع عن سائبة مولاة لعائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان في البيوت إلا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء

هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك عن نافع عن سائبة مرسلا لم يذكر عائشة ورواه جماعة عن مالك كما رواه يحيى مرسلا وليس هذا الحديث عند القعنبي ولا بن بكير ولا بن وهب ولا بن القاسم لا مرسلا ولا غير مرسل إلا أن القعنبي وحده ذكر هذا اللفظ في حديث مالك عن نافع عن أبي لبابة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا أن يكون ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء ولم يتابع القعنبي أحد من رواة مالك على هذا اللفظ في حديث مالك عن نافع عن أبي لبابة وإنما هو لفظ حديث نافع عن سائبة وقد رواه جماعة من أصحاب نافع عن نافع عن سائبة عن عائشة مسندا قال حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن نمير قال حدثني عبيد الله بن عمر عن سائبة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء فمن تركهن فليس منا ورواه الليث عن نافع عن سائبة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويقتلان أولاد النساء في بطون أمهاتهم قلت لنافع ما ذو الطفيتين قال ذو الخطين في ظهره وقال النضر بن شميل الأبتر من الحيات صنف أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحيات ما سالمناهن مذ حاربناهن ومن تركهن خيفة فليس منا فقوله صلى الله عليه وسلم من تركهن فليس منا خارج على ما عدا ذوات البيوت فلا يقتل من ذوات البيوت إلا الأبتر وذو الطفيتين كما تقتل حيات الصحاري وعلى هذا يصح ترتيب الأحاديث وتهذيبها حدثني خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن جعفر بن الورد ويعقوب بن المبارك أبو يوسف قالا حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف

قال حدثني سعيد بن أبي مريم قال حدثني محمد بن جعفر قال أخبرني محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما سلمناهن منذ عاديناهن ومن ترك منهن شيئا خيفة فليس منا قال يحيى بن أيوب سئل أحمد بن صالح عن تفسير ما سالمناهن منذ عاديناهن فقيل له متى كانت العداوة قال حين أخرج آدم من الجنة قال الله عز وجل اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو طه مالك عن صيفي مولى بن أفلح عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال دخلت على أبي سعيد الخدري فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى قضى صلاته فسمعت تحريكا تحت سرير في بيته فإذا حية فقمت لأقتلها فأشار أبو سعيد أن اجلس فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال أترى هذا البيت فقلت نعم قال إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فبينا هو به إذا أتاه الفتى إلى يستأذنه فقال يا رسول الله ائذن لي أحدث بأهلي عهدا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة فانطلق الفتى إلى أهله فوجد امرأته قائمة بين البابين فأهوى إليها بالرمح ليطعنها وأدركته غيرة فقالت لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه فركز فيها رمحه ثم خرج بها فنصبه في الدار فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى ميتا فما يدري أيهما كان أسرع موتا الفتى أم الحية فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان قال أبو عمر قد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث وفي ألفاظه وفي ولاء صيفي في التمهيد لأن مالكا يقول فيه مولى بن أفلح وأفلح هو مولى أبي أيوب الأنصاري وقال بن عجلان فيه عن صيفي مولى الأنصار كذا قال فيه الليث وغيره عن بن عجلان

وقال فيه بن عيينة عن بن عجلان عن صيفي مولى أبي السائب ولم يقم إسناده بن عيينة والقول عندي في ذلك ما قاله مالك والله أعلم وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد وقد روي هذا الحديث بغير هذا الإسناد رواه حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن غالب وزكريا بن يحيى الناقد قالا حدثنا خالد بن خداش قال حدثني حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن فتى من الأنصار كان حديث عهد بعرس وأنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فرجع من الطريق فإذا هو بامرأته قائمة بالحجرة فمد إليها الرمح فقالت ادخل فانظر ما في البيت فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه فانتظمها برمحه وركز الرمح في الدار فانتفضت الحية وماتت ومات الرجل قال فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه قد نزل بالمدينة جن مسلمون أو قال إن لهذه البيوت عوامر شك خالد فإذا رأيتم منها شيئا فتعوذوا فإن عاد فاقتلوه وقال زكريا بن يحيى في حديثه فإذا رأيتم منها شيئا فتعوذوا وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني بن مسرور قال حدثني أحمد بن أبي سليمان قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال سمعت مالكا يقول في الحية توجد في المسجد إنها تقتل ولا يتقدم إليها وأما ذوات البيوت فإنها يتقدم إليها ثلاثا ثم تقتل قال مالك قد سمعت ذلك قال أبو عمر قال بعض أهل العلم لا تؤذن الحيات ولا يناشدن ولا يحرج عليهن إلا بالمدينة خاصة لهذا الحديث وما كان مثله وممن قال ذلك عبد الله بن نافع وقال آخرون المدينة وغيرها سواء لأن إسلام الجن وأنه لا يحل قتل من أسلم من إنسي ولا جني وكما نزل من مسلمي الجن بالمدينة من تركها منهم كذلك ينزلون غير المدينة والله أعلم

قال مالك أحب إلي أن تنذر عوامر البيوت بالمدينة وغيرها ثلاثة أيام ولا ينذرن بالصحاري قال أبو عمر روينا عن عائشة من حديث بن أبي مليكه وغيره عنها أنها قتلت حية بالمدينة فأريت في المنام أن قائلا يقول لها لقد قتلت مسلما قالت لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لها ما دخل عليك إلا وعليك ثيابك وكان يجيء ليسمع القرآن فأصبحت فازعة فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلت في سبيل الله أو في الرقاب وذكر سنيد قال حدثني محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أن حية طافت بالبيت سبعا قال فجاء عبد الله بن عمرو بن العاص فقال أيها الجان إنك قد قضيت طوافك بالبيت ولا نأمن عليك بعض سفهائنا فاذهب قال فحفر الحصباء ببطنه ثم ذهب مصعدا في السماء قال فجعلنا ننظر إلى بريق بطنه وهو ذاهب في السماء روى عباد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن سعد بن أبي وقاص وقال بينا أنا بعبادان إذ جاءني رسول زوجتي فقال أجب فلانة فاستنكرت ذلك فدخلت فقلت مه فقالت إن هذه الحية وأشارت إليها كنت أراها في البادية إذا خلوت ثم مكثت لا أراها حتى رأيتها الآن وهي هي أعرفها بعينها قال فخطب سعد خطبة حمد الله وأثنى عليه ثم قال إنك قد آذيتيني وإني لأقسم بالله إن رأيتك بعد هذا لأقتلنك فخرجت الحية وانسابت من باب البيت ومن باب الدار فأرسل وراءها سعد إنسانا فقال انظر أين تذهب فتبعتها حتى جاءت المسجد وجاءت منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقيت عليه ثم صعدت إلى السماء حتى غابت وقد ذكرنا كثيرا من معاني هذا الباب بالأسانيد في التمهيد من ذلك ما حدثني أحمد بن عمر قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني بحر بن نصر قال حدثني بن وهب قال حدثني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجن على ثلاثة أثلاث فثلث لهم أجنحة يطيرون في الهواء وثلث حيات وكلاب وثلث يحلون ويظعنون وهذا إسناد جيد رواته أئمة ثقات وهو خير من إسناد حديث أبي الدرداء وقد ذكرناه في التمهيد

قال أبو عمر ما يحل ويظعن الغول والسعلاة وهو ضرب من ضروب الجن وفرع منهم يتصور في القفار والطرق ليلا ونهارا فتفزع المسافر وتتلون ألوانا في صور شتى منها قبيحة ومنها حسنة قال الفضل بن زهير فما تدوم على حال تكون بها كما تغول في أثوابها الغول وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه إذا تغولت الغيلان فأذنوا بالصلاة وقد ذكرت إسناده في التمهيد والحمد لله العلي المجيد باب ما يؤمر به من الكلام في السفر مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع رجله في الغرز وهو يريد السفر يقول باسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر اللهم أني أعوذ بك من وعثاء السفر ومن كآبة المنقلب ومن سوء المنظر في المال والأهل قال أبو عمر الغرز لا يكون إلا في الرحال على الجمال وهو بمنزلة الركاب من السروج من جمل وغيره وأما قوله ازو لنا الأرض فمعناه اطو لنا الأرض وقرب لنا البعد وسهل لنا الوعر وأصل الانزواء الانضمام والانقباض

ووعثاء السفر شدته وصعوبته ومعنى كآبة المنقلب أي لا ينقلب الرجل في سفره ولا ينصرف من وجهته إلى أمر يكتئب منه ويحزن له وسوء المنظر ما يسوءك النظر إليه وأن تقف عليه في أهلك ومالك وهذا الحديث يستند من وجوه كثيرة من حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن سرجس وحديث البراء وحديث عبد الله بن عمر وغيرهم حدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن الورد قال حدثني أحمد بن حماد بن مسلم قال حدثني سعيد بن أبي مريم ويحيى بن عبد الله بن بكير قالا حدثنا حماد بن زيد عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر قال اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة على الأهل اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال ومن الحور بعد الكون ومن دعوة المظلوم وحدثني خلف قال حدثني بن الورد قال حدثني عبد الرحمن بن معاوية العتبي قال حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني حماد بن زيد عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء وزاد وسئل عاصم عن الحور بعد الكون فقال صار بعد ما كان قال أبو عمر يريد رجع عما كان عليه من الخير وحدثني أحمد بن فتح قال حدثني حمزة بن محمد ومحمد بن عبد الله النيسابوري قالا حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني زكريا بن يحيى قال حدثني جرير عن مطرف عن أبي إسحاق عن البراء قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى سفر قال اللهم بلاغا يبلغ خيرا ومغفرة ورضوانا بيدك الخير إنك على كل شيء قدير اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم هون علينا السفر واطو لنا الأرض اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب

وقد ذكرنا بالأسانيد عن الصحابة في هذا الحديث في التمهيد مالك عن الثقة عنده عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن سعد بن أبي وقاص عن خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نزل منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل هكذا قال يحيى عن مالك عن الثقة عنده وقال القعنبي وبن بكير وبن القاسم عن مالك أنه بلغه عن يعقوب والمعنى سواء إلا أن مالكا رحمه الله كان لا يروي إلا عن ثقة وقد روى هذا الحديث عن يعقوب بن الأشج جماعة منهم الحارث بن يعقوب وبن عجلان ويزيد بن أبي حبيب وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد على أنه قد اختلف فيه على بن عجلان وليس في هذا الحديث معنى أكثر من ظاهره إلا أن كلمات الله غير مخلوقة ولو كانت مخلوقة ما استعيذ بها والله أعلم وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال أدركت الناس منذ سبعين سنة وكان قد أدرك طائفة من الصحابة وكبار التابعين يقولون الله عز وجل الخالق وما سواه مخلوق إلا القرآن فإنه كلام الله منه خرج وإليه يعود باب ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أنه كان

يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيطان يهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم قال أبو عمر كأن مالكا رحمه الله يجعل الحديث الثاني في هذا الباب تفسيرا للأول والمعنى أن الجماعة وأقلها ثلاثة لا يهم بهم الشيطان ويبعد عنهم وإنما سمي الواحد شيطانا والاثنان شيطانان لأن الشيطان في أصل اللغة هو البعيد من الخير من قولهم نوى شطون أي بائنة بعيدة فالمسافر وحده يبعد عن خير الرفيق وعونه والأنس به وتمريضه ودفع وسوسة النفس بحديثه ولا يؤمن على المسافر وحده أن يضطر إلى المشي بالليل فتعرضه الشياطين المردة هازلين ومتلاعبين ومفزعين وقد بلغنا ذلك عن جماعة المسافرين إذا سافروا منفردين وكذلك الاثنان لأنه إذا مر أحدهما في حاجتهما بقي الآخر وحده فإن شردت دابته أو نفرت أو عرض له في نفسه أو حاله شيء لم يجد من يعينه ولا من يكفيه ولا من يخبر بما يطرقه فكأنه قد سافر وحده وإذا كانوا ثلاثة ارتفعت العلة المخوفة في الأغلب لأنه لا يخرج الواحد مرة في الحاجة ويبقى الاثنان ثم يخرج الآخر مرة أخرى ويبقى الاثنان يكون هذا دأبا في الأغلب في أمورهم وإن خرج الاثنان لم يطل مكث الواحد وحده هذا ونحوه والله أعلم بما أراد رسوله بقوله ذلك صلى الله عليه وسلم وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حرملة وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان يهم بالواحد وبالاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم فوصله وأسنده وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وقد روي عن عمر بن الخطاب من وجوه قد ذكرتها في التمهيد أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد واختلف فيه على عبد الملك بن عمير اختلافا كثيرا قال أبو عمر أبعد ها هنا بمعنى بعيد والله أعلم

وقد ذكرنا هناك حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب بليل أبدا وقد عرضت لعبد الله بن عمر قصة شنعاء في سفر سافره وحده فرأى رجلا خارجا من قبر يتأجج نارا في عنقه سلسلة يناديه يا عبد الله اسقني ماءا إذ خرج رجل بإثره من القبر فقال يا عبد الله لا تسقه فإنه كافر ثم جبذه بالسلسلة فأدخله القبر ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر الرجل وحده وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده وتمامه في التمهيد مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها هكذا رواه يحيى وجماعة الرواة عن مالك عن سعيد عن أبي هريرة ورواه بشر بن عمر عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وهذا الحديث قد صرح بأنه لا يجوز لامرأة أن تسافر المدة المذكورة فيه إلا مع ذي محرم منها وأجمعت الأمة أنها تسافر مع زوجها حيث شاءت من قصير المسافة وطويلها وإن لم يكن محرم منها وقد جاء في الحديث من أخبار الآحاد العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة إلا مع زوجها أو ذي محرم منها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر مع بعض أزواجه واختلفت ألفاظ الأحاديث المسندة في هذا الباب

فرواه مالك وبن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه وكذلك رواه شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة مسيرة يوم وليلة ورواه بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم لم يقل يوما ولا غيره ولا قال في الإسناد عن أبيه ورواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم واختلف عليه فيه فمنهم من قال عنه لا تسافر امرأة بريدا إلا مع ذي محرم ومنهم من قال يوما ومنهم من قال يومين ومنهم من قال ثلاثة والألفاظ عنهم في هذا الحديث مضطربة جدا ورواه عبد الملك بن عمير عن قزعة مولى زياد عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تسافر المرأة مسيرة ليلتين إلا مع زوج أو ذي محرم ورواه عبد الملك بن ميسرة عن قزعة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة فوق يومين إلا مع زوجها أو ذي محرم منها ورواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر امرأة سفرا ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها وبعض أصحاب الأعمش يقول فيه بإسناده هذا فوق ثلاث ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم ورواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله واختلف الفقهاء في المحرم من المرأة هل تكون من السبيل التي شرطها الله عز وجل في الحج بقوله ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا آل عمران

فقال قوم المحرم من المرأة من السبيل فإذا لم يكن معها زوج أو ذو محرم فليست ممن استطاعت سبيلا لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها عن السفر إلا معه وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك وجوازه في كتاب الحج واختلف العلماء أيضا في المسافة التي يقصر فيها المسافر الصلاة فقال قوم بريدا وقال آخرون يوما وقال آخرون يوما وليلة وقالت طائفة يومين وقالت طائفة ثلاثة أيام على حسب ما روى كل واحد منهم في هذا الباب وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب الصلاة فأغنى عن إعادتها ها هنا ومذهب الكوفيين أن الصلاة لا تقصر في المسافة أقل من ثلاثة أيام وحجتهم عن الثلاثة الأيام مجتمع عليها للمسافر في قصر الصلاة قالوا ولا يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سافر أقل من ثلاث فقصر الصلاة وإنما قصر الصلاة بذي الحليفة في توجهه إلى مكة والأصل في الصلاة التمام فالواجب إلا تقصر إلا بيقين ولا يقين مع الاختلاف وقد أجمعوا أن من سافر ثلاثة أيام فله أن يقصر وما أجمعوا عليه فهو اليقين الذي يجب أن يدان به وأما ألفاظ الأحاديث واختلافهما فذلك عندي والله أعلم لا يصح حمله إلا على أجوبة السائلين فأدى كل واحد منهم معنى ما أجيب به عن سؤاله كأنه سأل فقال يا رسول الله هل تسافر امرأة بريدا بغير محرم فقال لا فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تسافر امرأة بريدا إلا مع ذي محرم وكذلك السائل عن مسيرة يوم وليلة وعن ثلاثة أيام فأدى كل واحد منهم معنى ما سمع مما أجيب به عما سأل عنه والذي جمع معاني آثار هذا الحديث على اختلاف ألفاظه أن تكون المرأة تمنع من كل سفر يخشى عليها فيه الفتنة إلا مع ذي محرم أو زوج قصيرا كان السفر أو طويلا والله أعلم

باب ما يؤمر به من العمل في السفر مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن خالد بن معدان يرفعه إن الله تبارك وتعالى رفيق يحب الرفق ويرضى به ويعين عليه ما لا يعين على العنف فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فأنزلوها منازلها فإن كانت الأرض جدبة فانجوا عليها بنقيها وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار وإياكم والتعريس على الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الحيات قال أبو عمر هذا الحديث منقطع في الموطأ عند جميع الرواة وقد روي مسندا من طرق في التمهيد ونذكر ها هنا بعضها إن شاء الله تعالى وأما قوله إن الله رفيق يحب الرفق فقد روي من حديث الحسن عن عبد الله بن مغفل ومن حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف وقد ذكرت الأسانيد للحديثين بذلك في التمهيد وذكرت حديث مالك عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل رفيق يحب الرفق في الأمر كله وهذا عموم يدخل فيه الرفق بالدواب في الأسفار وغيرها وخص المسافر في هذا الحديث بالذكر فأمر أن يمشي مهلا رويدا ويكثر

النزول إذا كانت الأرض مخصة لترعى دابته الكلأ وتنال من الحشيش والماء وهذا إنما هو في الأسفار البعيدة ما لم تضم الضرورة إلا أن يجد في السفر فإذا كانت جدبة وكان عام السنة فالسنة للمسافر أن يسرع في السفر ويسعى في الخروج عن بلاد الجدب وبدابته رمق رمق يقيه من النقي والنقي الشحم والقوة حتى يحصل في بلد الخصب وأما قوله فإن الأرض تطوى بالليل فمعناه والله أعلم أن الدابة إذا استراحت نهارا كان مشيها بالليل ضعف مشيها بالنهار ولهذا المعنى ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الدلجة والله أعلم وروى الليث بن سعد عن عقيل عن بن شهاب عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه اللهم اطو له البعد وهون عليه السفر رواه أسامة بن زيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل ليودعه فكان من دعائه اللهم اطو له البعد وهون عليه السفر وأما اتصال معنى الحديث المرسل لمالك عن بن عبيد عن خالد بن معدان في هذا الباب فمحفوظ من حديث بن عباس وحديث أبي هريرة حدثني عبد الله بن محمد أخبرنا خلف بن سعيد حدثني أحمد بن خالد حدثني علي بن عبد العزيز حدثني محمد بن أبي نعيم الواسطي حدثني هشيم حدثني عبد الله بن جعفر بن نجيح المدني عن أبي الحويرث عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كانت الأرض مخصبة فاقصدوا في السير وأعطوا الركاب حقها فإن الله رفيق يحب الرفق وإذا كانت الأرض مجدبة فانجوا عنها وعليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل وإياكم والتعريس على ظهر الطريق فإنه مأوى الحيات ومدرجة السباع وحدثني عبد الوارث بن سفيان حدثني قاسم بن أصبغ حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني خالد بن عبد الله قال حدثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافرتم في

الخصب فأعطوا الإبل حقها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فأسرعوا عليها السير وإن أعرستم فاجتنبوا الطريق فإنه مأوى الهوام بالليل مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله قال أبو عمر يقولون إن مالكا انفرد بهذا الحديث لم يروه عن سمي غيره ولا رواه عن أبي صالح غير سمي وقد وجدته لسهيل عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة ولابن سمعان عن زيد بن أسلم عن جمهان عن أبي هريرة وروى عبيد الله بن المنتاب عن سليمان بن إسحاق الطلحي عن هارون الفروي عن عبد الملك بن الماجشون قال قال مالك ما لأهل العراق يسألوني عن حديث السفر قطعة من العذاب فقيل له إنه لم يروه أحد غيرك فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت به قال أبو عمر قد روي عن مالك في هذا الحديث إسنادان غير إسناد الموطأ وكلاهما خطأ أحدهما رواه أبو عاصم رواد بن الجراح عن مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة والآخر رواه عتيق بن يعقوب عن مالك عن أبي النضر عن أبي صالح عن أبي هريرة ولا يصح عن مالك عن سمي إلا إسناده على ما في موطئه وقد رواه خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر الوركاني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة

وليس بمعروف لمالك عن سهيل وإنما هو له عن سمي وقد رواه الدراوردي عن سهيل حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي حدثني أبي حدثني عثمان بن عبد الرحمن حدثني إبراهيم بن قاسم حدثني أبو المصعب أحمد بن أبي بكر الزهري حدثني عبد العزيز الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السفر قطعة من العذاب فإذا فرغ أحدكم من مخرجه أو من سفره فليعجل في الكرة إلى أهله وإذا عرستم فتجنبوا الطريق فإنه مأوى الهوام والدواب قال أبو عمر حديث مالك عن سمي صحيح وحديث الدراوردي عن سهيل أيضا صحيح وليس سمي بأروى عن أبي صالح من ابنه سهيل عنه وإن كان سمي أحفظ وأقل خطأ من سهيل وقد روي عن مالك أيضا حديث النبي صلى الله عليه وسلم سافروا تصحوا حدثنا خلف بن قاسم حدثني أبو محمد أحمد بن محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني واسم أبي إياس ناجية بن حمزة قال حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف حدثنا الحسن بن إسماعيل حدثنا أبو جعفر أحمد بن إسماعيل بن القاسم الحافظ وأبو الحسن علي بن أحمد بن إسحاق المعدل والفضل بن عبيد الله الهاشمي قال حدثني محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني قال حدثني أبو علقمة الفروي وهو عبد الله بن عيسى المدني الأصم قال حدثني مطرف بن عبد الله عن مالك بن أنس عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سافروا تصحوا وتغنموا قال أبو عمر هذا أيضا من حديث أبي حازم عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سافروا تصحوا وترزقوا وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سافروا تصحوا واغزوا تستغنموا وقد ذكرنا الأسانيد في ذلك كله في التمهيد وليس حديث سمي عندي بمعارض لهذا بل ذلك العذاب وهو التعب والمشقة كالدواء المر الشنيع المعقب للصحة ولذلك قيل السفر مصحة والله أعلم

باب الأمر بالرفق بالمملوك مالك أنه بلغه أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق قال أبو عمر ليس هذا الحديث متصلا ويسند عن أبي هريرة من طرق محفوظة من رواية مالك وغيره ورواية مالك ذكرها أبو داود قال حدثني أحمد بن حفص بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني إبراهيم بن طهمان عن مالك بن أنس عن بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق قال أبو داود هكذا رواه مالك عن بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة وخالفوه فرووه عن بن عجلان عن بكير بن الأشج عن عجلان أبي محمد عن أبي هريرة قال أبو عمر هو كما قال أبو داود وممن خالف مالكا في ذلك وهيب بن خالد وسفيان بن عيينة وسليمان بن بلال والليث بن سعد وسعيد بن أبي أيوب وعبد العزيز الدراوردي وقد ذكرنا أحاديثهم بالأسانيد عنهم في التمهيد كلهم يرويه عن محمد بن عجلان عن بكير بن الأشج عن عجلان أبي محمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق ولم يقل أحد في هذا الحديث بالمعروف إلا مالك وحده حدثني أحمد بن فتح قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثني عبد الله بن علي النيسابوري قال حدثني أحمد بن حفص بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني إبراهيم بن طهمان عن مالك بن أنس عن بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق قال أبو عمر قد جعل قوم من أهل العلم في هذا الحديث بالمعروف معارضا

لقوله صلى الله عليه وسلم أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون وهذا الحديث قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ذر الغفاري ومن حديث عبادة بن الصامت ومن حديث بن عباس وقد ذكرناها في التمهيد قالوا فقوله صلى الله عليه وسلم بالمعروف في حديث مالك يعارض رواية من روى عنهم أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون لأن المعروف أن العبد لا يساوي سيده في مطعم ولا ملبس وحسبه أن يكسوه ويطعمه مما يعرف لمثله من المطعم والملبس وعلى هذا مذهب جماعة الفقهاء والحجة لهم ما حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني عمر بن محمد الجمحي بمكة قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثنا القعنبي قال حدثني داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صنع لأحدكم خادمه طعاما وقد ولي حره ودخانه فليقعده معه فليأكل فإن كان الطعام قليلا فليضع منه في يده أكلة أو أكلتين قال داود يعني لقمة أو لقمتين قال أبو عمر هذا يدل على أن قوله صلى الله عليه وسلم أطعموهم مما تأكلون على الندب لا على الوجوب فمن فعل ذلك فقد أحسن وحمد له ذلك من فعله لأنه إذا لم يناوله من الطعام الذي صنع له وولى حره ودخانه إلا لقمة أو لقمتين فلم يساوه معه في الطعام وكذلك الملبس ومما يدل على أن نفقة المماليك واجبة على ساداتهم ما حدثني أحمد بن فتح قال حدثني إسحاق بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن خالد قال حدثني علي بن عبد العزيز وحدثناه عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أسيد قال حدثني بن جامع قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني أبو النعمان عارم بن الفضل قال حدثني حماد بن زيد قال حدثني عاصم بن بهدله عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الصدقة ما أبقى غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول

ثم أتبع الحديث بقول امرأتك أنفق علي أو طلقني ويقول مملوكك أنفق علي أو بعني ويقول ولدك أنفق علي إلى من تكلني قال أبو عمر هذا بين في نفقات الزوجات والمماليك والبنين الصغار والبنات ولا خلاف بين العلماء في وجوب النفقات جملة على ما ذكرنا وتلخيص ما يجب في ذلك على الغني من النفقة والفقير مذكور في الباب التالي والحمد لله مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كان يذهب إلى العوالي كل يوم سبت فإذا وجد عبدا في عمل لا يطيقه وضع عنه منه قال أبو عمر هذا هو الواجب على كل من استرعاه الله رعية أن يأمر فيها بالمعروف وينهى عن المنكر ومن المنكر الذي يلزم السلطان تغييره أن يكلف العبد من العمل ما لا يطيق روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من استرعاه الله رعية فلم يحطها بالنصيحة لم يرح رائحة الجنة ولم يفعل عمر من ذلك إلا ما امتثل فيه بسنة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق وكذلك عمر كان يفعل بالدواب إذا رأى عليها ما يشق بها من الحمولة أمر بالتخفيف عنها ومن هذا الباب أيضا السفن الجارية في البحر واجب على السلطان أن يتفقد أمرها فإن حملت ما لا يطيق معه القيام بحمله عند الهول ويضعف عنه أمر ربها في التخفيف من شحنتها حتى تستقبل ويطيب جريها ويكون مع ذلك السلامة في الأغلب من حالها وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتسع جدا ومن طلب العلم لله فهمه الله تعالى

مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع عثمان بن عفان وهو يخطب وهو يقول لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها ذلك كسبت بفرجها ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنه إذا لم يجد سرق وعفوا إذ أعفكم الله وعليكم من المطاعم بما طاب منها قال أبو عمر هذا كلام صحيح واضح المعنى موافق للسنة والقول في شرحه تكلف والله الموفق باب ما جاء في المملوك وهيئته مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين قال أبو عمر هذا يدل على أن من كان عليه فرضان فقال بهما وأداهما كان أفضل ممن كان عليه واحد وأداه وكذلك سائر ما زاد من الفرائض والله أعلم وهذا يدخل فيه الزكاة والحج وبر الوالدين وغير ذلك مما يطول ذكره وفيه دليل أيضا على فضل الصبر على مضض الرق وذلته والقيام به مع ذلك بحق السيد ولهذا وما كان مثله كان العتق للرقاب من أفضل العمل وأوجبها لجسيم الثواب مالك أنه بلغه أن أمة كانت لعبد الله بن عمر بن الخطاب رآها عمر بن الخطاب وقد تهيأت بهيئة الحرائر فدخل على ابنته حفصة فقال ألم أر جارية أخيك تجوس الناس وقد تهيأت بهيئة الحرائر وأنكر ذلك عمر قال أبو عمر قد روي عن عمر أنه ضرب أمة بالدرة رآها تهيأت بهيئة الحرائر ونهى عن ذلك

والعلماء مجمعون على أن الله عز وجل لم يرد بما أمر به النساء من الاحتجاب وأن يدنين عليهن من جلابيبهن الإماء وإنما أراد بذلك الحرائر وأجمعوا أن الأمة ليس منها عورة إلا ما من الرجل إلا أن منهم من كره عرضها للبيع أن يرى منها فخذا أو بطنا أو صدرا وكره أن ينكشف شيء من ذلك منها في صلاتها ومنهم من لم يكره النظر إليها إلا ما يكره من الرجل وهو القبل والدبر وأجاز النظر إلى ما سوى ذلك منها عند ابتياعها وقال هي سلعة من السلع لا حرمة لها وإنما كره عمر للإماء والله أعلم أن يتهيأن بهيئة الحرائر لئلا يظن أنهن حرائر فيضاف إليهن التبرج والمشي وينسب ذلك منهن إلى ما وقع الظن عليهن فيأثم بذلك الظان ومعلوم أن الإماء ينصرفن في خدمة ساداتهن فيكثر خروجهن لذلك وتطوافهن وقوله تجوس الناس معناه تجول في أزقة المدينة مقبلة ومدبرة وهذا من قول الله عز وجل فجاسوا خلل الديار الإسراء

كتاب البيعة باب ما جاء في البيعة مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر قال كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما استطعتم وفي هذا الباب أيضا مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر كان كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأقر لك بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما استطعت قال أبو عمر أما قوله صلى الله عليه وسلم فيما استطعتم وقوله بن عمر رضي الله عنهما عن نفسه في بيعته لعبد الملك فيما استطعت وذلك كله مقيد بقول الله عز وجل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها البقرة وقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم التغابن وأصل البيعة حديث عبادة حدثني سعيد بن نصر وأحمد بن محمد قالا حدثنا وهب بن مسرة وقاسم بن أصبغ قالا حدثنا بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة

قال حدثني عبد الله بن إدريس عن يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكرة وعلى أثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول الحق أينما كنا وعلى أن لا نخاف في الله لومة لائم قال أبو عمر فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أشار إليها عبد الله بن عمر في كتابه إلى عبد الملك بن مروان في قوله وأقر لك بالسمع والطاعة على سنة الله ورسوله فيما استطعت وعلى هذا كانت بيعة الخلفاء بعده صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا كثيرا من معاني البيعة عند ذكرنا حديث عبادة هذا في كتاب الجهاد من هذا الكتاب لرواية مالك له هناك عن يحيى بن سعيد وذكرنا أكثر من ذلك في كتاب التمهيد في باب عبد الله بن دينار وباب محمد بن المنكدر ذكر سنيد قال حدثني مبشر الحلبي عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج عن أبي المعيقيب قال شهدت أبا بكر الصديق يبايع الناس بعد نبي الله صلى الله عليه وسلم فتجتمع عنده العصابة فيقول لهم أتبايعون على السمع والطاعة لله ولكتابه ثم للأمير فيقولون نعم قال فتعلمت شرطه هذا وأنا كالمحتلم أو فوقه فلما خلا من عنده أتيته فابتدأته فقلت أبايعك على السمع والطاعة لله ولكتابه ثم للأمير فصعد في البصر ورأيته أعجبه قال حدثني معتمر بن سليمان عن عاصم الأحول عن عمر أو عمرو بن عطية قال أتيت عمر بن الخطاب وأنا غلام فبايعته على كتاب الله وعلى سنة رسوله هي لنا وهي علينا فضحك وبايعني وروى أبو داود الطيالسي وغيره عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أنس قال قدمت على عمر بعد هلاك أبي بكر فقلت ارفع يدك أبايعك على ما بايعت عليه صاحبيك من قبل أعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فبايعته على السمع والطاعة فيما استطعت

وذكر بن أبي شيبة قال حدثني عباد بن العوام عن أشعث بن سوار عن أبيه قال سمعت موسى بن طلحة قال بعث في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأنا في الأسارى فانطلقت فدخلت فسلمت فقال أتبايع وتدخل فيما دخل فيه الناس قلت نعم فقال هكذا وقد يده فبسطها فبايعته ثم قال ارجع إلى أهلك ومالك فلما رآني الناس قد خرجت جعلوا يدخلون فيبايعون قال أبو عمر كان هذا يوم الجمل بعد الوقعة والمبايعون يومئذ كانوا أصحاب عائشة والزبير وطلحة وأما مد اليد والمصافحة في البيعة فذلك من السنة المسنونة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون بعده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء وفي هذا الباب مالك عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة بايعنه على الإسلام فقلن يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما استطعتن وأطقتن قالت فقلن الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة قال أبو عمر قوله في هذا الباب هلم نبايعك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أصافح النساء دليل على أن من شرط البيعة للرجال المصافحة وقد تقدم هذا في بيعة أبي بكر وعمر وسائر الخلفاء وقد ذكرنا الوجوه التي كانت عليها البيعة في صدر الإسلام في صدر كتاب الجامع من كتابنا هذا مستوعبة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه مرة على بيعة النساء وبايعهم على الحرب مرارا منها بيعة الرضوان والبيعة التي كانت بمكة قبل الهجرة

وقد بينا ذلك كله فيما سلف من كتابنا هذا والحمد لله كثيرا وقال بن جريج وغيره في قوله عز وجل ولا يأتين ببهتن يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف الممتحنه كانت المرأة في الجاهلية تلد الجارية فتأخذ الغلام مكانها وتقول لزوجها هو ولدك وأما قوله في حديث بن المنكدر هذا في بيعة النساء ولا نعصيك في معروف فقيل المعروف كل ما أمرهم به صلى الله عليه وسلم فأنه لا يأمر أبدا إلا بالمعروف ولا ينهاهم إلا عن المنكر قال الله عز وجل يأمرهم بالمعروف وينههم عن المنكر ويحل لهم الطيبت الأعراف وقيل المعروف ها هنا حرج النساء على ألا ينحن على موتاهن روي ذلك عن أم سلمة ومن رواية من يرفعه وروي مثله عن أم عطية قالت أخذ علينا في البيعة ألا ننوح وقال بن عباس اشترط عليهن ألا ينحن نياحة الجاهلية ولا يخلون بالرجال في البيوت وقال الحسن كان في ما أخذ عليهن ألا يتحدثن مع الرجال إلا أن يكون محرما فإن الرجل قد تلاطفه المرأة بالكلام فيمني في فخذه وقال عبد الله بن بسر ترون يدي هذه صافحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بايعته وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر أنهما بايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين فلما رآهما بسط يده وتبسم وبايعهما وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث وما كان مثلها في معنى الباب في التمهيد والحمد لله كثيرا وقد روى بن وهب وإبراهيم بن طهمان وسعيد بن داود كلهم عن مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة في بيعة النساء قالت ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يد امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته قال اذهبي فقد بايعتك وروى حجاج عن بن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بهذه الآية يأيها النبى إذا

جاءك المؤمنت يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا الممتحنة ولا قالت عائشة فمن أقر من المؤمنات بهذا فقد أقر بالمحنة وإذا أقررن بذلك قال لهن انطلقن فقد بايعتكن قالت عائشة لا والله ما مست امرأة قط يده غير أنه يبايعهن بالكلام قال أبو عمر هذا يرد ما روي عن إبراهيم وقيس بن أبي حازم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصافح النساء إلا وعلى يده ثوب

كتاب الكلام باب ما يكره من الكلام مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهم قال أبو عمر قد أوضحنا معنى هذا الحديث بالآثار وما يوجبه النظر على الأصول المجتمع عليها في التمهيد وطال فيه القول هناك واختصار ذلك من الآثار ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن محمد البرتي القاضي ببغداد قال حدثني أبو معمر عبد الله بن عمرو قال حدثني عبد الوارث بن سعيد عن الحسين المعلم عن بن بريدة قال حدثني يحيى بن يعمر أن أبا الأسود الديلي أخبره عن أبي ذر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو بالكفر إلا ردت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك وحدثني أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثني عبيد الله بن محمد قال حدثني عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال حدثني بن الجعد قال حدثني شعبة عن عبد الله بن دينار قال سمعت بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الرجل لأخيه يا كافر أو أنت كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال وإلا رجعت إلى الأول قال أبو عمر باء بها أي احتمل وزرها ومعناه أن الكافر إذا قيل له يا كافر فهو حامل وزر كفره ولا حرج على قائل ذلك له وكذلك القول للفاسق يا فاسق

وإذا قيل للمؤمن يا كافر فقد باء قائل ذلك بوزر الكلمة واحتمل إثما مبينا وبهتانا عظيما إلا أنه لا يكفر بذلك لأن الكفر لا يكون إلا بترك ما يكون به الإيمان وفائدة هذا الحديث النهي عن تكفير المؤمن وتفسيقه قال الله عز وجل ولا تنابزوا بالألقب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمن الحجرات فقال جماعة من المفسرين في هذه الآية هو قول الرجل لأخيه يا كافر يا فاسق وممن قال بذلك عكرمة والحسن وقتادة وهو معنى قول مجاهد لأنه قال هو الرجل يدعى بالكفر وهو مسلم وقد فسر بن حبيب هذا الباب عن مطرف عن مالك تفسيرا حسنا لا تدفعه الأصول قال إنما هو في من قاله على اعتقاد التكفير بالنية والبصيرة وهم الخوارج لا أراه أراد بذلك إلا الخوارج الذين يكفرون أهل الإيمان بالذنوب ومن ذهب مذهبهم ورأى رأيهم فأما من قاله على وجه استعظام ما يرتكب الرجل من المعصية وما يظهره من الفواحش والتشديد بذلك النهي والزجر والترجع فليس من معنى الحديث في شيء مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعت الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم قال أبو عمر هذا الحديث معناه لا أعلم خلافا فيه بين أهل العلم أن الرجل يقول ذلك القول احتقارا للناس وازدراء بهم وإعجابا بنفسه وأما إذا قال ذلك تأسفا وتحزنا وخوفا عليهم لقبح ما يرى من أعمالهم فليس ممن عني بهذا الحديث والله أعلم قال أبو الدرداء إن تفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس كلهم في ذات الله عز وجل ثم يعود إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا قال ضمرة بن ربيعة عن صدقة بن يزيد عن صالح بن خالد قال إذا أردت أن تعمل من الخير شيئا فأنزل الناس منزلة البقر إلا أنك لا تحقرهم

قال أبو عمر يقول أنزلهم منزلة من لا يميز ولا يحصل ولا تحتقرهم وقال مسلم بن يسار إذا لبست ثوبا فظننت أنك فيه أفضل منك في غيره بئس الثوب هو لك قال مسلم وكفى بالمسلم من الشر أن يرى أنه أفضل من أخيه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقل أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر هكذا رواه جمهور الرواة عن مالك يا خيبة الدهر ورواه سعيد بن هشام الصوفي عن مالك بإسناده فقال فيه لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر وفي بعض النسخ عن عبيد الله بن يحيى عن أبيه في هذا الحديث لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الدهر هو الله والجماعة يروون فإن الله هو الدهر قال أبو عمر رواية الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كما نقله مالك عن أبي الزناد عنه وكذلك رواه بن سيرين وخلاس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر وهو معنى حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل استقرضت عبدي فلم يقرضني وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني يقول وادهراه وادهراه وأنا الدهر وأنا الدهر وأما بن شهاب فروى هذا الحديث عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وعن أبي سلمة عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يسب بن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار وفي روايته عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يؤذيني بن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار

قال أبو عمر من أهل العلم من يروي حديث بن شهاب هذا وأنا الدهر بالرفع فيكون بمعنى حديث مالك وما كان مثله ومنهم من يرويه بنصب الدهر على الصرف كأنه قال أنا الدهر كله بيدي الأمر أقلب الليل والنهار وما فيهما وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد قال أبو عمر المعنى عند جماعة العلماء في هذا الحديث أنه ورد نهيا عن ما كان أهل الجاهلية يقولونه من ذم الدهر وسبه لما ينزل من المصائب في الأموال والأنفس وكانوا يضيفون ذلك إلى الدهر ويسبونه ويذمونه بذلك على أنه الفاعل ذلك بهم وإذا وقع سبهم على من فعل ذلك بهم وقع على الله عز وجل فجاء النهي عن ذلك تنزيها لله تعالى وإجلالا له لما فيه من مضارعة سب الله وذمه تعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا قال امرؤ القيس ألا إنما ذا الدهر يوم وليلة وليس على شيء قويم بمستمر وقد ذكرنا كثيرا من أشعارهم في التمهيد بهذا المعنى وهو شيء لم يكن يسلم منه أحد ولم ينه عنه إلا من عصمه الله عز وجل بتوفيقه ويسره للعمل بعلمه بل هو كثير جار في الإسلام كما كان في الجاهلية يذم الدهر مرة ويذم الزمان تارة وتذم الليالي والأيام مرة وتذم الدنيا أيضا وكل ذلك لا يجوز على معنى ما وصفنا وبالله التوفيق إلا أن أهل الإيمان إذا ذموا الدهر والزمان لم يقصدوا بذلك إلا الدهر على قبيح ما يرى منهم كما قال حكيم من شعرائهم يذم الناس كلهم الزمانا وما لزماننا عيب سوانا نذم زماننا والعيب فينا ولو نطق الزمان بنا هجانا وإن الذي لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضا عيانا وربما كان ذمهم للدهر على معنى الاعتبار بما تأتي به المقادير في الليل والنهار كما قال أبو العتاهية سل القصر أودى أهله أين أهله أكلهم عنه تبدد شمله أكلهم قضت يد الدهر جمعه وأفتاه قص الدهر يوما وقتله أخي أرى الدهر نبلا مصيبة إذا ما رمانا الدهر لم تخط نبله فلم أر مثل الدهر في طول عدوه ولا مثل ريب الدهر يؤمن ختله

وقال أيضا إن الزمان يغريني بأمانه ويذيقني المكروه من حدثانه فأنا النذير من الزمان لكل من أمسى وأصبح واثقا بزمانه وقال إن الفتى من الفناء قريب إن الزمان إذا رمى لمصيب إن الزمان لأهله لمؤدب لو كان فيهم ينفع التأديب صفة الزمان حكيمة وبليغة إن الزمان لشاعر وخطيب ولقد رأيتك للزمان مجربا لو كان يحكم رأيك التجريب ولقد يكلمك بالسن غريمة وأراك لست تجيب لو كنت تفهم ما بك قوله لعراك منه تعجم ونحيب كيف اغتررت بصرف دهرك يا أخي كيف اغتررت به وأنت لبيب ولقد حسبت الدهر بك حفيا وأنت مجرب وأريب وقال منصور الفقيه يا حسن الظن بالليالي أما تراها كيف تفعل يضحك هذا وذاك يبكي تنصر هذا وذاك يخزل ذاك معافى وذاك مبتلى وذاك تولى وذاك تعزل أم أنت عن ما تراه من ذا وذاك من فعلها بمعزل والمراد بهذا من منصور وغيره أن ذلك يقع من الليل والنهار ومثل ذلك قوله أيضا للدهر إقبال وإدبار وكل حال بعدها حال وآمن الأيام في غفلة وليس للأيام إغفال وقد أنشدنا في باب أبي الزناد من كتاب التمهيد أشعارا كثيرة من أشعار الجاهلية وأشعارا أيضا كثيرة إسلامية فيها ذم الزمان وذم الدنيا وذم الدهر إلا أن المؤمن الموحد العالم بالتوحيد ينزه الله سبحانه وتعالى عن كل سوء ينوي ذلك ويعتقده فإن جرى على لسانه شيء على عادة الناس استغفر الله وراجع الحق وراض نفسه عن العودة إليه كما قال بعض الفضلاء العقلاء يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدا وأنت والد سوء تأكل الولدا أستغفر الله بل ذا كله قدر رضيت بالله ربا واحدا صمدا لا شيء يبقى سوى خير تقدمه ما دام ملك لإنسان ولا خلدا وقال سليمان بن قبة العدوي وكان مؤمنا صالحا

أيا دهر أعملت فينا أذكاك ووليتنا بعد وجه ففاكا جعلت الشرار علينا رؤوسا وأجلست سفلتنا مستواكا فيا دهر إن كنت عاديتنا فها قد صنعت بنا ما كفاكا وقال المساور بن هند بليت وعلمي في البلاد مكانه وأفنا شبابي الدهر وهو جديد والأشعار في هذا أكثر من أن يحيط بها كتاب لو أفرد لها وأكثر ما يعني المسلم إذا ذم دهره ودنياه وزمانه ختل الزمان وأهله وسلطانه والأصل في هذا المعنى في الإسلام وأهله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله أو آوى إلى الله وأما أهل الجاهلية فإنهم كانوا منهم دهرية زنادقة لا يعقلون ولا يعرفون الله ولا يؤمنون وفي قريش منهم قوم وصفهم أهل الأخبار كرهت ذكرهم وقد حكى الله تعالى عنهم أو عن بعضهم قولهم ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون الجاثية قال أبو عمر معنى ما ذكرنا قال أئمة العلماء أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثني محمد بن إسحاق القاضي قال حدثني أحمد بن مسعود الزبيدي بمصر قال حدثني أبو القاسم يحيى بن محمد بن يحيى بن أخي حرملة قال حدثني عمي حرملة بن يحيى قال قال الشافعي في قول الله عز وجل وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون الجاثية وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الله عز وجل هو الدهر قال الشافعي تأويل ذلك والله أعلم أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر وتذمه عند المصائب التي تنزل بهم من موت أو هدم أو ذهاب مال أو غير ذلك من المصائب وتقول أصابتنا قوارع الدهر وأبادهم الدهر وأنا عليهم الدهر والليل والنهار يفعل ذلك بهم فيذمون الدهر بذلك ويسبونه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر على أنه الذي يفعل بكم ذلك فإنكم إذا سببتم فاعل ذلك وقع سبكم على الله عز وجل فهو الفاعل بذلك كله وهو فاعل الأشياء ولا شيء إلا ما شاء الله العلي العظيم مالك عن يحيى بن سعيد أن عيسى بن مريم لقي خنزيرا بالطريق

فقال له انفذ بسلام فقيل له تقول هذا لخنزير فقال عيسى إني أخاف أن أعود لساني بالنطق بالسوء قال أبو عمر إنما قيل ذلك لعيسى لأن الخنزير كثير الأذى لبني آدم في أموالهم من زروعهم وكرومهم وكذلك نقول لعيسى تقول لخنزير خيرا فقال أكره أن أعود لساني النطق بالسوء ولقد أحسن القائل حيث يقول تعود الخير فخير عادة تدعو إلى الغبطة والسعادة وقال منصور الفقيه عليك السكوت فإن لم يكن من القول بد فقل أحسنه فربما فارقت بالذي تقول أماكنها الألسنة وقال آخر لسان الفتى سبع عليك مراقب فإن لم يدع مرعى به فهو آكله باب ما يؤمر به من التحفظ في الكلام مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه قال أبو عمر لم يختلف رواة الموطأ عن مالك في إسناد هذا الحديث عن محمد بن عمرو عن أبيه لم يقولوا عن جده ورواه جماعة كثيرة قد بينتهم في التمهيد عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص عن بلال بن الحارث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأولى والأصح إن شاء الله عز وجل ولا أعلم خلافا أن الكلمة المذكورة في هذا الحديث من رضوان الله ومن سخط الله والمعنى في ذلك مما يرضى الله ومما يسخطه أنها المقولة عند

السلطان بالخير فيرضي الله أو بالشر والباطل فيسخط الله وذلك أيضا منصوص عليه في الحديث حدثنا سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني محمد بن بشر قال حدثني محمد بن عمرو قال حدثني أبي عن أبيه عن علقمة بن وقاص قال مر به رجل له شرف فقال له علقمة إن لك رحما وإن لك حقا وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء وتتكلم عندهم بما شاء الله أن تتكلم وإني سمعت بلال بن الحارث المزني صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه فقال علقمة فانظر ويحك ماذا تقول وماذا تكلم فرب كلام منعنى أن أتكلم به ما سمعت من بلال بن الحارث قال أبو عمر رواه سفيان بن عيينة وسعيد بن عامر وأبو معاوية وجماعة هكذا وقد فسر بن عيينة هذا الحديث بمعنى ما أصف لك قال هي الكلمة عند السلطان الظالم ليرده بها عن ظلمة في إراقة دم أو أخذ مال لمسلم أو ليصرفه عن معصية الله عز وجل أو يعز ضعيفا لا يستطيع بلوغ حاجته عنده ونحو ذلك مما يرضي الله به وكذلك الكلمة في عونه على الإثم والجور مما يسخط الله به حدثني أحمد بن فتح قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثني محمد بن يحيى بن الحسين قال حدثني عبيد الله بن محمد العيشي قال حدثني حماد بن سلمة عن أبي غالب عن أبي أمامة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الجمرة أي الجهاد أفضل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال كلمة حق عند ذي سلطان جائر وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني محمد بن جعفر

قال حدثني شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه وروي عن عائشة وأبي الدرداء بمعنى واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رفع حاجة ضعيف لا يستطيع رفعها إلى السلطان ثبت الله قدميه على الصراط وقد ذكرت إسنادي هذين الحديثين وآثارا كثيرة في معنى هذا الباب في التمهيد مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان أنه أخبره أن أبا هريرة قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها في الجنة قال أبو عمر هذه الكلمة عند السلطان على ما تقدم في الحديث قبل هذا وقد أسند هذا الحديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرته في التمهيد من حديث البزار عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن عبد الصمد بن النعمان عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليتكلم بالكلمة فذكره باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا أو قال إن بعض البيان لسحر قال أبو عمر هكذا رواه يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم مرسلا وما أظن أرسله عن مالك غيره وأحسبه سقط له ذكر بن عمر من كتابه بأن جماعة أصحاب

مالك رووه عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه الثوري وبن عيينة عن زهير بن محمد عن زيد بن أسلم عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن في روايتهم فخطبا أو خطب أحدهما ورواه القطان عن مالك حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن بن عمر قال قدم رجلان فخطبا فعجب الناس من بيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله إن من البيان لسحرا من حديث عمار بن ياسر وغيره والرجلان اللذان قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبا أو خطب أحدهما لا أعلم خلافا أنهما عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر إلا أنهما كان معهما قيس بن عاصم فلم يتكلم يومئذ وروى حماد بن زيد عن محمد بن الزبير قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو أخبرني عن الزبرقان فقال هو مطاع في ناديه شديد العارضة مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان هو والله يا رسول الله يعلم أني أفضل منه فقال عمرو إنه لزمر المروءة ضيق العطن أحمق الأب لئيم الخال يا رسول الله صدقت في الأولى وما كذبت في الأخرى أرضاني فقلت أحسن ما علمت وأسخطني فقلت أسوأ ما علمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا هكذا في رواية حماد بن زيد لهذا الخبر أن قيس بن عاصم كان معهما كذلك روي من حديث الحكم بن عتيبة عن مقسم عن بن عباس ما ذكرته في التمهيد وذكر المدائني هذا الخبر فلم يذكر فيه إلا الرجلين الزبرقان وعمرو بن الأهتم ويشهد لهذا حديث مالك قدم رجلان فقال المدائني في خبره مطاع في أدانية لم يقل في ناديه وكذلك في حديث بن عباس واختلف العلماء في المعنى المقصود بهذا اللفظ قوله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا هل هو على معنى الذم أو على معنى المدح

فقالت طائفة من أصحاب مالك هو على معنى الذم وأضافوا ذلك أيضا إلى مالك واستدلوا بإدخاله لهذا الحديث تحت ترجمة الباب بما يكره من الكلام واحتجوا على ما ذهبوا إليه من ذلك بتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم لذلك البيان بالسحر والسحر مذموم قليلة وكثيرة وذلك والله أعلم لما فيه من البلاغة والتفيهق من تصوير الباطل في صورة الحق وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثرثارين المتفيهقين أنهم أبغض الخلق إلى الله تعالى وقال آخرون وهم الأكثر عددا إنه كلام أريد به المدح قالوا والبيان ممدوح بدليل قول الله عز وجل خلق الإنسن علمه البيان الرحمن وبدليل ما في الحديث قوله فعجب الناس لبيانهما والإعجاب لا يقع إلا بما يحسن ويطيب سماعه لا بما يقبح ويذم قالوا وشبيهه بالسحر مدح له لأن معنى السحر الاستمالة وكل ما استمالك فقد سحرك فكأنه غلب على القلوب بحسن كلامه فأعجب الناس به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرهم بفضل البلاغة لبلاغته وفصاحته صلى الله عليه وسلم وكان قد أوتي جوامع الكلم فأعجبه ذلك القول فشبهه بالسحر لغلبة السحر على القلوب واستمالته لها وقد روي أن عمر بن عبد العزيز كلمة رجل في حاجة بكلام أعجبه فقال هذا السحر الحلال ومن ها هنا والله أعلم أخذ بن الرومي قوله وحديثها السحر الحلال لو أنها لم تجن قتل المسلم المتحرز إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ود المحدث أنها لم توجز شرك العقول ونزهة ما مثلها للسامعين وعقله المستوفز وأنشدني يوسف بن هارون في قصيدة له نطقت بسحر بعدها غير أنه من السحر لم يختلف في حلاله حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني محمد بن يزيد قال حدثني بن إدريس عن مالك بن مغول قال كان زيد بن إياس يقول للشعبي يا مبطل الحاجات يعني أنه يشغل جلساءه

عن حوائجهم بحسن حديثه من بلاغة الشعبي ما حدثني أحمد بن محمد قال حدثني أحمد بن سعيد قال حدثني أبو الحسن محمد بن عبد الله بن سعيد المهراني قال حدثني يزيد بن محمد المهلبي قال حدثني العتبي عن من حدثه قال كان الشعبي إن سمع حديثا ورده فكأنه زاد فيه من تحسينه بلفظه فسمع يوما حديثا وقد سمع جليسا له يقال له رزين فرده الشعبي وحسنه فقال له رزين أتق الله يا أبا عمر وليس هكذا الحديث فقال له الشعبي يا رزين ما كان أحوجك إلى محدرج شديد الجلد لين المهزة عظيم الثمرة أخذ ما بين مغرز عتق إلى عجب ذنب فيوضع منك في مثل ذلك فيكثر له رقصاتك من غير جدل فلم يدر ما قال له فقال وما ذاك يا أبا عمرو فقال شيء لنا فيه أدب ولك فيه أدب قال أبو عمر ما زالت العرب تمدح البيان والفصاحة في أشعارها وأخبارها فمن ذلك قول حسان بن ثابت في بن عباس إذ قال لم يترك مقالا لقائل بمنتظمات لا ترى بينها فصلا كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع لذي إربة في القول جدا ولا هزلا في أبيات قد ذكرتها في التمهيد ولحسان أيضا في بن عباس صموت إذا ما الصمت زين أهله وفتاق أبكار الكلام المختم وعى ما وعى القرآن من كل حكمة ونيطت لها لآداب باللحم والدم وأنشد لعدي ثعلب بن الحارث التيمي وقال إنه لم يسمع في مدح الكلام أحسن من هذين البيتين كان كلام الناس جمع عنده فيأخذ من أطرافه يتخير فلم يرض الأكل بكر ثقيله تكاد بيانا من دم الجوف تقطر وقال بكر بن سوادة في خالد بن صفوان عليم بتنزيل الكلام ملقن ذكور لما سداه أول أولا ترى خطباء الناس يوم ارتجاله كأنهم الكروان عاين أجدلا وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد والحمد لله كثيرا مالك أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقول لا تكثروا الكلام

بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد فإنما الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية قال أبو عمر هذا عندي أفضل كلام قيل في معناه أو من أفضل الكلام قيل أجمعه للخير وأدلك عليه ولقد أحسن القائل ارحم الناس جميعا فهم أبناء جنسك ابغ للناس من الخير كما تبغي لنفسك وقد حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن محمد بن يعقوب قال قال عيسى بن مريم لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ولا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد فإن الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية قال أبو عمر هو عندي والله أعلم محمد بن يعقوب بن عيينة بن المغيرة بن الأحسر قال حدثني أحمد قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الله بن موسى قال حدثني شيبان عن آدم بن علي قال سمعت أخا بلال مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الناس ثلاثة فسالم وغانم وظالم لنفسه قال فالسالم الساكت والغانم الذي يأمر بالخير وينهى عن المنكر والظالم لنفسه الناطق بالخنا والمعين على الظلم قال أبو بكر وحدثني سعيد بن عبد الله بن الربيع بن خيثم عن نسير بن ذعلوق عن بكر بن مساعد كان الربيع بن خيثم يقول لا خير في الكلام إلا في تسع تسبيح الله وتكبير الله وتحميد الله وسؤالك الخير وتعوذك من الشر وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر وقراءتك القرآن وروينا عن سيبويه أنه قال رأيت الخليل بن أحمد في المنام فقال لي أرأيت ما كنا فيه فإنني لم أنتفع بشيء منه إنما انتفعت بقولي سبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله وأمر بمعروف ونهي عن منكر

مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت ترسل بعض أهلها بعد العتمة فتقول ألا تريحون الكتاب قال أبو عمر الكتاب ها هنا الكرام الكاتبون وهم الحفظة الرقباء قال الله عز وجل كراما كتبين الانفطار قال الله عز وجل ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ق وكانت عائشة رضي الله عنها ذهبت إلى أن النوم راحة للحفظة لأنه لا يكتب على النائم شيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاث فذكر منهم النائم حتى يستيقظ وروى أبو برزة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النوم قبل صلاة العشاء وعن الحديث بعدها وكره صلى الله عليه وسلم السمر إلا لمصلي أو مسافر وكان عمر بن الخطاب يشدد في ذلك وقال مجاهد لا يجوز السمر بعد العشاء إلا لمصلي أو مسافر أو مذاكر بعلم باب ما جاء في الغيبة مالك عن الوليد بن عبد الله بن عبد الله بن صياد أن المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي أخبره أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الغيبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع قال يا رسول الله وإن كان حقا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قلت باطلا فذلك البهتان قال أبو عمر هكذا قال يحيى بن حويطب وإنما هو بن حنطب كذلك قال فيه جماعة من رواة الموطأ وكذلك هو عند سائر العلماء وهو المطلب بن عبد الله بن حويطب المخزومي تابعي مدني ثقة إلا أن عامة أحاديثه مراسيل ويرسل أيضا عن من يلقه من الصحابة وقيل إن سماعة من جابر صحيح ومن عائشة على اختلاف وأما أبو هريرة وبن عمر وأبو موسى وأم سلمة وأبو قتادة فلم يسمع منهم في ما يقولون عنهم وهو يرسل عنهم وأما الوليد بن عبد الله بن صياد فلا أعلم أحدا روى عنه غير مالك

وحديثه هذا في الغيبة محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رواه عنه شعبة والدراوردي وبن عيينة وغيرهم حدثني يونس بن عبد الله قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني جعفر بن محمد الفريابي قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني محمد بن جعفر قال حدثني شعبة قال سمعت العلاء بن عبد الرحمن يحدث عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكر أخاك بما يكره قال أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته قال أبو عمر هذا الحديث مخرج في التفسير في المسند في قول الله عز وجل ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا الحجرات ويقتضي معنى الغيبة ومعنى البهتان وإن كان البهتان عندهم المواجهة بالقبيح وروي عن الحسن البصري أن رجلا سأله فقال له يا أبا سعيد إني اغتبت فلانا وإني أريد أن أستحله فقال أما يكفيك أن اغتبته حتى تريد أن تبهته وقال محمد بن سيرين ظلم لأخيك المسلم أن تقول أسوأ ما تعلم فيه حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن عوف قال حدثني أبو اليمان قال حدثني بن أبي حسين قال حدثني نوفل بن مساحق عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن من أربى الربى الاستطالة في عرض المسلم بغير حق حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أحمد بن أسامة بن عبد الرحمن بن أبي السمح قال حدثني أبي قال حدثني هارون بن سعيد قال حدثني عبد الله بن وهب قال حدثني عبد الرحمن بن زيد قال محمد بن المنكدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يخرج من هذا البيت فمر برجلين أعرفهما وأعرف أنسابهما فقال عليكم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين قلت فما ذنبهما قال ذنبهما أنهما يأكلان لحوم الناس قال أبو عمر يصحح هذا قوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت

وحدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني علي بن محمد قال حدثني أحمد بن داود قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب عن بن لهيعة قال أخبرني سليمان بن كيسان قال كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر عنده رجل بفضل أو صلاح قال كيف هو عنده إذا ذكر إخوانه فإن قالوا إنه ينتقصهم وينال منهم قال عمر ليس هو كما يقولون وإن قالوا إنه يذكر منهم جميلا وخيرا ويحسن الثناء عليهم قال هو كما تقولون إن شاء الله وعن عمر بن الخطاب قال من أدى الأمانة وكف عن أعراض المسلمين فهو الرجل فقد استثنى من هذا الباب من لا غيبة فيه من الفساق المعلنين المجاهرين وأهل البدع المضلين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له وقد روي عنه عليه السلام أنه قال المجالس بالأمانة إلا مجلس سفك فيه دم حرام أو فرج حرام أو مال بغير حقه وقال معاوية ما بقي من العبادة إلا الوقعة في أهل الريبة لأنهم ليس لهم غيبة وأصل هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم في الأحمق المطاع عيينة بن الحصين الفزاري بئس بن العشيرة قال أبو عمر لقد أحسن الشاعر في قوله وأخلاق ذي الفضل معروفة ببذل الجميل وكف الأذى وقال آخر احذر الغيبة فهي ال فسق لا رخصة فيه إنما المغتاب كالآكل من لحم أخيه وقد زدنا هذا المعنى بيانا في كتاب التمهيد

وقد أفردنا للغيبة بابا كاملا أوردنا فيه ما جاء عن الحكماء والعلماء والشعراء من النظم والنثر في كتابنا كتاب بهجة المجالس وأنس المجالس والحمد لله كثيرا باب ما جاء فيما يخاف من اللسان مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة فقال رجل يا رسول الله لا تخبرنا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مثل مقالته الأولى فقال له الرجل لا تخبرنا يا رسول الله فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أيضا فقال الرجل لا تخبرنا يا رسول الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أيضا ثم ذهب الرجل يقول مثل مقالته الأولى فأسكته رجل إلى جنبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة ما بين لحييه وما بين رجليه ما بين لحييه وما بين رجليه ما بين لحييه وما بين رجليه قال أبو عمر هكذا قال يحيى في هذا الحديث عن مالك لا تخبرنا على لفظ النهي ثلاث مرات فأعاد الكلام أربع مرات وتابعه بن القاسم وطائفة من رواة الموطأ على قوله لا تخبرنا على النهي إلا أن إعادة الكلام عند بن القاسم ثلاث مرات وقال القعنبي فيه ألا تخبرنا على لفظ العرض والإغراء والحث وأعاد الكلام ثلاث مرات وكلهم قال فيه ما بين لحييه وما بين رجليه ثلاث مرات وما أظن تكرير الكلام في رواية من رواه على لفظ النهي إلا حرصا من القائل أن يستخرج ذلك المبهم الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله من وقاه الله شر اثنين ولم يذكرهما ولو شاء لقال من وقاه الله شر لسانه وفرجه ولكنه لما أبهم ذلك وأجمله أراد القائل بقوله لا تخبرنا بأيهما فقلنا نذكرهما أو نعلمهما بعضنا أو نحو هذا والله أعلم

وأما من رواه ألا تخبرنا يا رسول الله فيدل أيضا على أنه لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إخبارهم بها ليعلم كيف فهمهم لها وهو معنى متقارب وإن اختلف اللفظ فيه وليس عند بن بكير هذا الحديث في شيء من الموطأ ولا عنده من الأربعة الأبواب إلا باب واحد ترجمته باب ما يكره من الكلام أورد فيه الأحاديث المذكورة في هذه الأبواب الأربعة إلا هذا الحديث فإنه ليس عنده ولم يختلف على مالك في إرسال هذا الحديث وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه من وجوه من حديث سهل بن سعد ومن حديث أبي موسى ومن حديث أبي هريرة ومن حديث جابر رواه معقل بن عبيد الله عن عمرو بن دينار عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة وحديث سهل بن سعد رواه عمر بن علي المقدمي عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يتكفل لي بما بين رجليه وما بين لحييه أضمن له الجنة ورواه محمد بن عجلان عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من وقاه الله شر اثنين دخل الجنة شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه وقد ذكرت أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد وفي هذا الحديث دليل على أن أكبر الكبائر وإنما هي من الفم والفرج وما بين اللحيين الفم وما بين الرجلين الفرج ومن الفم ما يتولد من اللسان وهو كلمة الكفر وقذف المحصنات وأخذ أعراض المسلمين ومن الفم أيضا شرب الخمر وأكل الربا وأكل مال اليتيم ظلما ومن الفرج الزنى واللواط ومن اتقى ما يأتي من اللسان والفرج فأحرى أن يتقي القتل والله أعلم والكبائر كثيرة إلا أن الذي يعتمد عليه فيها ما جاء منصوصا عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله تعالى مراده من قوله تعالى ذكره إن تجتنبوا كبآئر ما تنهون عنه النساء

فمن ذلك حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا وهو خلقك وأن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك وأن تزاني حليلة جارك وقد روي عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أكبر الكبائر الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ومنها حديث بن عمر أنه سئل عن الكبائر فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هن تسع الشرك بالله وقذف المحصنات وقتل النفس المؤمنة والفرار من الزحف والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين والإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا وحديث عبد الله بن عمرو بن العاصي روي عنه من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعضها زيادة ألفاظ على بعض ويجمعها كلها الكبائر الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله وشرب الخمر وعقوق الوالدين واليمين الغموس التي يقتطع بها حق مال امرئ مسلم وهو كاذب وفي بعضها عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن الكبائر أن يسب الرجل والديه يعني يتسبب لهما وهذا عندي داخل في عقوقهما وحديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه قتل النفس وشهادة الزور والشرك وعقوق الوالدين وحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه لم يذكر شهادة الزور وحديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فيه الزنى والسرقة وشرب الخمر ثم قال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالوا بلى قال شهادة الزور

وحديث خريم بن فاتك قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح يوما فلما انصرف قام قائما فقال عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثم تلا فاجتنبوا الرجس من الأوثن واجتنبوا قول الزور الحج وروى وائل بن ربيعة عن بن مسعود أنه سمعه يقول عدلت شهادة الزور بالشرك بالله ثم قرأ فاجتنبوا الرجس من الأوثن واجتنبوا قول الزور وروى محارب بن دثار عن بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول شاهد الزور لا تزول قدماه حتى تجب له النار وفي حديث بن عمر وبن مسعود وبن عباس وحديث أبي أيوب الأنصاري وحديث عبد الله بن أنس فيها كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم الفرار من الزحف وفي حديث أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنع بن السبيل يعني ما يرد رمقه ويحبس عليه نفسه من جوع أو عطش وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر أنها السبع الموبقات الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والزنى وأكل الربا وأكل مال اليتيم وشهادة الزور وقذف المحصنات وأجمع العلماء المسلمين أن الجور في الحكم من الكبائر للوعيد الوارد فيه قال الله عز وجل وأما القسطون فكانوا لجهنم حطبا الجن والقاسط الجائر والمقسط العادل وقال الله عز وجل ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الكفرون المائدة يعني أهل الكتاب ثم قال فأولئك هم الفسقون المائدة فأولئك هم الظلمون المائدة والأحاديث في الإمام الجائر كثيرة والوعيد فيها شديد

وروي عن بن عباس أن الإضرار في الوصية من الكبائر وذلك والله أعلم لأن الوعيد أتى منوطا بذكر ذلك في القرآن قال الله عز وجل غير مضار وصية من الله والله عليم حليم تلك حدود الله النساء ثم الوعيد الوعيد بإثر ذلك في من تعدى حدود الله ومنهم من يرفع حديث بن عباس في الإضرار بالوصية إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد والحمد لله وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من مرسل الحسن وغيره إن أكبر الكبائر أن تقاتل أهل صفقتك وتبدد سنتك وتفارق أمتك فسره أبو عبيد بأن قال يعاهده ثم يغدره فيقتله أو يقاتله أو يرجع أعرابيا بعد هجرته أو يلحق بالمشركين وتجتمع من هذه الأحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن كتاب الله تعالى عدد الكبائر سبع عشرة كبيرة وذلك أتم وأعم من حديث هذا الباب فيما بين لحييه ورجليه لقول الله عز وجل إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئائكم وندخلكم مدخلا كريما النساء والمدخل الكريم الجنة ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه فقال له عمر مه غفر الله لك فقال أبو بكر إن هذا أوردني الموارد قال أبو عمر إذا كان أبو بكر وموضعه من الدين والفضل والسابقة أعلى المواضع يخاف من لسانه ويقول إنه يورده موارد يخشى منها على نفسه فما ظنك بغيره وعلى قدر علم الإنسان يكون خوفه ووجله وإشفاقه إنما يخشى الله من عباده العلمؤا فاطر ولمن خاف مقام ربه جنتان الرحمن روينا عن بن مسعود أنه قال المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس تحت جبل يخاف أن يقع عليه فيدق عنقه والفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على الفم فصرفه بيده وروينا عن أسد بن موسى عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل أنه قال يا رسول الله أي الأعمال

أفضل فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانه ووضع عليه أصبعه فاسترجع معاذ وقال يا رسول الله نؤاخذ بما نقول كله ويكتب علينا قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم منكب معاذ وقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم وقد روى الدراوردي خبر مالك هذا عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن أبي بكر مثله وزاد فيه ليس شيء من الجسد إلا وهو يشكو اللسان إلى الله تعالى وهذا اللفظ قد روي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه حدثنا خلف بن قاسم حدثنا يعقوب بن المبارك حدثنا إسحاق بن أحمد البغدادي حدثنا يعقوب بن إبراهيم المروزي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا حماد بن زيد عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اتق الله فينا فإنك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا ومن حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صمت نجا قال عبد الله بن مسعود أكثر الناس ذنوبا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل وروينا عن سلمان الفارسي وعبد الله بن مسعود أنهما قالا ما شيء أحق بطول سبحان الله من لسان وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد ولقد أحسن امرؤ القيس في قوله إذا المرء لم يخزن عليه لسانه فليس على شيء سواه بحازن وقال الشاعر امرؤ القيس رأيت اللسان على أهله إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا

وقال منصور الفقيه خرس إذا سألوا وإن قالوا عيي أو جبان فالعي ليس بقاتل ولربما قتل اللسان وقد أفردنا لهذا المعنى بابا تقصينا فيه ما للحكماء والشعراء ومن النظم والنثر في كتاب بهجة المجالس والحمد لله وذكرنا في التمهيد حديث أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اكفلوا لي ست خصال أكفل لكم الجنة من حدث فلا يكذب ومن وعد فلا يخلف ومن اؤتمن فلا يخن املكوا ألسنتكم وكفوا أيديكم واحفظوا فروجكم وهذا الحديث من أحسن ما جاء في معنى هذا الباب والحمد لله باب ما جاء في مناجاة اثنين دون واحد مالك عن عبد الله بن دينار قال كنت أنا وعبد الله بن عمر عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق فجاء رجل يريد أن يناجيه وليس مع عبد الله بن عمر أحد غيري وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه فدعا عبد الله بن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة فقال لي وللرجل الذي دعاه استأخرا شيئا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يتناجى اثنان دون واحد قال أبو عمر معنى قوله استأخرا شيئا أي تأخرا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد قال أبو عمر هكذا يجب على كل من علم شيئا أن يعمل به ويستعمله ألا ترى اجتهاد بن عمر في استعمال ما روي حتى دعا الرجل الرابع ليقف عندما سمع

ورحم الله الشعبي حيث يقول كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به والمعنى في هذا الحديث قد بان في حديث بن مسعود لأن ذلك يحزن الثالث المنفرد وأما حديث بن عمر فليس فيه فإن ذلك يحزنه لا من رواية نافع ولا من رواية عبد الله بن دينار وقد رواه عن نافع أيوب وعبيد الله بن عمر كما رواه مالك وكذلك رواه أبو صالح السمان عن بن عمر وكذلك رواه القاسم بن محمد عن بن عمر ليس في حديث واحد منهم فإن ذلك يحزنه وإنما هو في حديث بن مسعود حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن حدثنا جعفر بن محمد المستعاض قال حدثنا منجاب بن الحارث قال حدثنا بن مسهر عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر فإن ذلك يحزنه حدثنا أحمد بن قاسم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير وأبو الأحوص عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس إن ذلك يحزنه وحدثنا أحمد بن محمد حدثنا جعفر حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه وحدثنا أحمد بن قاسم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا أبو كامل قال حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث فقلنا لابن عمر فإن كانوا أربعة قال لا بأس بذلك قال أبو عمر ظاهر الأحاديث يدل على النهي إنما ورد في ثلاثة أن لا يتناجى منهم اثنان دون الثالث وأما إذا كثر الناس فلا بأس أن يتناجى منهم اثنان وأكثر وقد روى يزيد بن هارون قال أخبرنا شريك عن منصور عن أبي حازم عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه ويسوؤه حتى تختلطوا بالناس

وهذا حديث حسن وفيه عن بن عمر من قوله فإن ذلك يحزنه ما ليس في غيره عنه وقد قيل إن ذلك إنما يكره في السفر وحيث لا يعرف المتناجيان ولا يوثق ويخشى الغدر منهما وحجة من قال ذلك ما حدثنا أحمد بن قاسم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا عثمان بن سعيد عن بن لهيعة وحدثنا الفريابي حدثنا محمد بن مصفى قال حدثنا عثمان بن سعيد عن بن لهيعة وحدثنا أحمد حدثنا محمد حدثنا جعفر الفريابي حدثني بن لهيعة قال أخبرنا بن هبيرة عن أبي سالم الجيشاني واسمه سفيان بن هانئ عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة أن يتناجى اثنان دون صاحبهما قال أبو عمر قد استعمل بن عمر هذا الحديث في السوق بالمدينة على ما حكى عبد الله بن دينار ولا أراه سمع حديث السفر وسمع الحديث دون ذلك فحمله على عمومه وظاهره والله أعلم باب ما جاء في الصدق والكذب مالك عن صفوان بن سليم أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكذب امرأتي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في الكذب فقال الرجل يا رسول الله أعدها وأقول لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا جناح عليك قال أبو عمر لا أعلم هذا الحديث بهذا اللفظ يستند إلى النبي صلى الله عليه وسلم من وجه من الوجوه وقد رواه سفيان بن عيينة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن صفوان عن سليم عن عطاء بن يسار قال قال رجل يا رسول الله هل علي جناح أن أكذب امرأتي قال لا يحب الله الكذب فقال يا رسول الله استصلحها وأستطيب نفسها فقال لا جناح عليك

قال بن عيينة وأخبرني بن أبي حسين قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلح الكذب إلا في ثلاث يصلح الرجل بين اثنين والحرب خدعة والرجل يستصلح امرأته قال أبو عمر إذا كان للرجل أن يكذب في الإصلاح بين اثنين فإصلاحه بينه وبين امرأته أولى بذلك ما لم يقصد بذلك ظلما وكذلك غير امرأته من صديق قد آخاه في الله يخشى فساده وأن يحرم الانتفاع به في دينه وماله وقد روى شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل الكذب يكتب على بن آدم إلا ثلاثا كذب الرجل امرأته ليرضيها ورجل كذب ليصلح بين اثنين ورجل كذب في خديعة الحرب قال أبو عمر حسبك في هذا الباب بحديث بن شهاب وقد رواه مالك ومعمر وشعيب وعقيل وغيرهم عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس بالكذاب من قال خيرا ليصلح بين الناس وأما حديث مالك فرواه الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب عن مالك بن أنس عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس بالكذاب الذي يمشي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقوله وقد احتج بن عيينة في إباحة الكذب فيما ليس فيه مضرة على أحد إذا قصد به الخير ونواه لقول الله تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه السلام بل فعله كبيرهم هذا الأنبياء وبفعل يوسف إذ جعل الصاع في رحل أخيه ثم نادى مناديه أيتها العير إنكم لسرقون يوسف وقد أتينا من الأحاديث عن السلف في هذا الباب بما فيه شفاء وسكون للنفس في الاقتداء في التمهيد والحمد لله مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول عليكم بالصدق

فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وأياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ألا ترى أنه يقال صدق وبر وكذب وفجر قال أبو عمر هذا المعنى يروى عن بن مسعود مسندا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وأخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو داود قال وحدثنا مسدد قال حدثني عبد الله بن داود قالا حدثنا الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب فيتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن إذا حدث صدق وإذا وعد نجز وإذا اؤتمن وفي والمنافق إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ومن حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يعرف المؤمن بوقاره ولين كلامه وصدق حديثه قال الشاعر ما أقبح الكذب المذموم قائله وأحسن الصدق عند الله والناس وقد أفردنا في كتاب بهجة المجالس بابا في مدح الصدق والأمانة وذم الكذب والخيانة أتينا فيه من النظم ما فيه كفاية والحمد لله حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن

سعيد عن بهز بن حكيم قال أخبرني أبي عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل للذي يحدث الناس فيكذب ليضحك به القول ويل له ثم ويل له مالك أنه بلغه أنه قيل للقمان ما بلغ بك ما نرى يريدون الفضل فقال لقمان صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني قال أبو عمر ثلاث وأي ثلاث ما أجمعها للخير قال الله تعالى يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين التوبة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا دين لمن لا أمانة له وأول ما يرفع من هذه الأمة الأمانة وقال من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقال بشر بن بكر رأيت الأوزاعي مع جماعة من العلماء في المنام في الجنة فقلت وأين مالك بن أنس فقيل رفع قلت بماذا قال بصدقه قال منصور الفقيه الصدق أولى ما به دان امرؤ فاجعله دينا ودع النفاق فما رأي ت منافقا إلا مهينا مالك بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول لا يزال العبد يكذب وتنكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه كله فيكتب عند الله من الكاذبين يحيى مالك عن صفوان بن سليم أنه قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانا فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن بخيلا فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن كذابا فقال لا قال أبو عمر لا أحفظ هذا الحديث مسندا من وجه ثابت وهو حديث حسن مرسل ومعناه أن المؤمن لا يكون كذابا والكذاب في لسان العرب من غلب عليه

الكذب ومن شأنه الكذب في ما أبيح له وفي ما لم يبح وهو أكثر من الكاذب لأن الكاذب يكون لمرة واحدة والكذاب لا يكون إلا للمبالغة والتكرار وليست هذه صفة المؤمن وأما قوله إن المؤمن قد يكون بخيلا وقد يكون جبانا فهذا معلوم بالمشاهدة معروف بالأخبار والمعاينة ولكن ليس البخل ولا الجبن من صفات الأنبياء ولا الجلة من الفضلاء لأن الكرم والسخاء من رفيع الخصال وكذلك النجدة والشجاعة وقوة النفس على المدافعة إذا كان ذلك في الحق ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا وقد ذكرت في التمهيد بإسناده عن الثوري عن منصور عن إبراهيم أنه ذكر عنده البخل فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق قال إبراهيم وسمعت علقمة والأسود يقولان قال عبد الله وأي داء أدوى من البخل قال أبو عمر قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان أبو حنيفة لا يجيز شهادة البخيل فقيل له في ذلك فقال إنه يحمله النقص على أن يأخذ فوق حقه قال وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما استقصى كريم قط وأما الكذب والتشدد فيه موجود في الآثار المرفوعة عن السلف أيضا مثل ذلك وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة رجل في كذبة كذبها لا ندري على الله كذب أو في غير ذلك وقد حدثنا خلف بن أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا يونس بن وهب قال أخبرني محمد بن مسلم عن أيوب عن بن سيرين عن عائشة قالت ما كان شيء أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب وما أطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد بشيء من الكذب وإن قل فتخرج له من نفسه حتى يحدث توبة

وفي التمهيد في هذا المعنى زيادات باب ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا وأن تناصحوا من ولاة الله أمركم ويسخط لكم قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال هكذا روى يحيى هذا الحديث مرسلا وتابعه القعنبي وبن وهب وبن القاسم ومعن بن موسى ومحمد بن المبارك الصوري ورواه بن بكير وأبو المصعب ومصعب الزبيري وعبد الله بن يوسف التنيسي وبن عفير وأكثر الرواة عن مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مسندا وكذلك رواه جماعة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مسندا وعند مالك فيه إسناد آخر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وهو غريب قد ذكرته في التمهيد من طرق عنه قال أبو عمر في هذا الحديث الأمر بالإخلاص في العبادة والتوحيد والحض على الاعتصام بحبل الله وقد اختلف في معنى حبل فقيل القرآن وقيل الجماعة والخلافة والمعنى في ذلك متداخل لأن كتاب الله يأمرنا بالائتلاف وينهى عن الفرقة والاختلاف وقد ذكرنا في التمهيد من قال من العلماء بالقولين جميعا وقد روي عن بن مسعود القولان جميعا روى منصور عن أبي وائل عن بن مسعود في قوله واعتصموا بحبل الله جميعا آل عمران قال حبل الله هو الصراط المستقيم كتاب الله وروى أبو حصين عن الشعبي عن ثابت بن قطبة قال قال عبد الله بن مسعود في خطبته أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنها حبل الله الذي أمر وأن تكرهون في الجماعة خير مما يحبون في الفرقة

قال أبو عمر هذا التأويل أظهر في معنى حديث هذا الباب والله أعلم قال بن المبارك رحمه الله إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا لولا الخلافة لم تؤمن لنا سبل وكان أضعفنا نهبا لأقوانا في أبيات قد ذكرتها في التمهيد وفي حديث زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من ورائهم وقد روى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم جبير بن مطعم وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك كما رواه زيد بن ثابت وقد ذكرنا أحاديثهم من طرق في كتاب بيان العلم وفضله وفي كتاب التمهيد أيضا في معنى قوله ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم أي لا يكون القلب المعتقد لهن غليلا وفي هذا الباب حديث عجيب بمعنى حديث سهيل رواه الحارث الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرته بطوله في التمهيد وروى بن عباس وأبو ذر وأبو هريرة بمعنى واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات على ذلك فميتته جاهلية ومن حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من نزع يدا من طاعة ومات ولا طاعة عليه كانت ميتته ضلالة ولا حجة له ومن حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الجماعة رحمة والفرقة عذاب والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا وقد ذكرت كثيرا منها في التمهيد وتكلمت بما أحضرني في معانيها

وأما مناصحة ولاة الأمر فلم يختلف العلماء في وجوبها إذا كان السلطان يسمعها ويقبلها ولما رأى العلماء أنهم لا يقبلون نصيحا ولا يريدون من جلسائهم إلا ما وافق هواهم زاد البعد عنهم والفرار منهم قال حذيفة بن اليمان إذا كان والي القوم خيرا منهم لم يزالوا في عليا وإذا كان وإليهم شرا منهم لم يزدادوا إلا سفالا حدثنا بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الحميد قال حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا يحيى بن يمان قال حدثنا سفيان عن قيس بن وهب عن أنس بن مالك قال كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوننا عن سب الأمراء وبه عن يحيى بن يمان عن إسرائيل عن أبي إسحاق قال ما سب قوم أميرهم إلا حرموا خيرهم وقد أشبعنا معنى الطاعة والنصيحة للولاة وكيف العمل في ذلك عند العلماء وما يجب للإمام على الرعية من ذلك ويجب عليه ويلزمه لهم بالآثار المرفوعة وأقاويل السلف في التمهيد والحمد لله وأما قوله ويكره لكم قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال فالمعنى في قيل وقال والله أعلم الخوض في أحاديث الناس التي لا فائدة فيها وإنما جلها الغلط وحشو وغيبة وما لا يكتب فيه حسنة ولا سلم القائل والمستمع فيه من سيئة قال الشاعر ومن لا يملك الشفتين يسحق بسوء اللفظ من قيل وقال وقال أبو العتاهية عليك ما يعنيك من كل ما ترى وبالصمت إلا عن جميل تقوله تزود من الدنيا بزاد من التقي فكل بها ضيف وشيك رحيله وأما قوله وإضاعة المال فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال أحدهما أن المال أريد به ملك اليمين من العبيد والإماء والدواب وسائر الحيوان الذي في ملكه أن يحسن إليه ولا يضيعهم فيضيعون وهو قول السري بن إسماعيل عن الشعبي واحتج من ذهب هذا المذهب بحديث أنس وأم سلمة أن عامة وصية رسول

الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة كانت قوله الله الله الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم والقول الثاني إضاعة المال ترك إصلاحه والنظر فيه وتنميته وكسبه واحتج من قال بهذا القول فيس بن عاصم المنقري لبنيه حين حضرته الوفاة يا بني عليكم بكسب المال واصطناعه فإن فيه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم ويقول عمرو بن العاصي في خطبته حيث قال يا معشر الناس إياكم وخلالا أربعة تدعو إلى النصب بعد الراحة وإلى الضيق بعد السعة وإلى المذلة بعد العز إياكم وكثرة العيال وإخفاض الحال والتضييع للمال والقيل والقال في غير درك ولا نوال والقول الثالث إضاعة المال إنفاقه في غير حقه من الباطل والإسراف والمعاصي وهذا هو الصواب عند ذوي الدين والألباب روى بن وهب قال حدثنا إبراهيم بن نشيط قال سألت عمر مولى عفرة عن الإسراف ما هو فقال كل شيء أنفقته في غير طاعة الله وفي غير ما أباحه الله فهو إسراف وإضاعة للمال وروى أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يعلى بن عبيد عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير أنه سأله رجل عن إضاعة المال فقال أن يرزقك الله رزقا فتنفقه في ما حرم الله عليك وهكذا قال مالك رحمه الله وأما قوله وكثرة السؤال ففيه قولان أحدهما كثرة السؤال عن المسائل النوازل المعضلات في معاني الديانات والآخر كثرة السؤال في الاستكثار من المال والكسب بالسؤال وأما الوجه الأول فقد أوضحناه بالآثار في كتاب العلم وسيأتي معنى السؤال للمال في موضعه من هذا الكتاب بعد إن شاء الله تعالى وقد روى بن وهب وبن القاسم وأشهب بمعنى واحد عن مالك أنه قال أما نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال فلا أدري أهو الذي أنهاكم عنه من كثرة المسائل فقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرة المسائل وعابها أم هو مسألتك الناس قال أبو عمر كان أبي بن كعب وزيد بن ثابت وجماعة من السلف يكرهون السؤال في العلم عن ما لم ينزل ويقولون إن النازلة إذا نزلت المسؤول عنها

وكانوا يجعلون الكلام في ما لم ينزل تكلفا ويتلو بعضهم قل مآ أسئلكم عليه من أجر ومآ أنا من المتكلفين ص حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال سمعت مالك بن أنس يقول أدركت أهل هذا البلد وما عندهم علم غير الكتاب والسنة فإذا نزلت نازلة جمع لها الأمير من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه من شيء أنفذه وأنتم تكثرون من المسائل وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها قال أبو عمر من نزل النوازل من الفقهاء وأجاب فيها كأبي حنيفة وربيعة وعثمان البتي ومن جرى مجراهم ممن استعمل الرأي قالوا رأينا لمن بعدنا خير من رأيهم لأنفسهم وقد روي هذا عن الحسن رحمه الله وأما صعاب المسائل وما عسى ألا ينزل فهو باب إلى النظر وإلى التكسب وإلى التحفظ من الخصم ومخادعته فهذا مكروه عند جميعهم حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إبراهيم بن موسى قال حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن عبد الله بن سعد عن الصنابحي عن معاوية بن أبي سفيان قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات قال الأوزاعي يعني صعاب المسائل وحدثنا أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني نصر بن مرزوق قال حدثني أسيد بن موسى قال حدثني شريك عن ليث عن طاوس عن بن عمر قال لا تسألوا عما لم يكن فإني سمعت عمر يلعن من سأل عما لم يكن قال أبو عمر هذا باب قد أوضحناه وبسطناه بالآثار عن السلف في كتاب بيان العلم وفضله بما فيه شفاء للناظر فيه والحمد لله وأما قوله الثاني فكأنه أقرب إلى معنى إضاعة المال وهو سؤال الناس أموالهم والتكسب بالمسألة فهذا مكروه عند جماعة العلماء وسنبين ذلك في ما بعد إن شاء الله

ومما يدل على أن السؤال في المال أقرب وأشبه لمعنى الحديث ما رواه المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا هشيم قال أخبرنا غير واحد منهم منهم مغيرة عن الشعبي عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة أن معاوية كتب إلى المغيرة اكتب لي بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه المغيرة إنني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند انصرافه من الصلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات وكان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع وهات وعقوق الأمهات ووأد البنات مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه قال أبو عمر هذا الحديث ليس للقول فيه مدخل لأن معناه لا يشكل على سامعه وقد روى الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون عبدا لله أمينا ومن حديث الحسن وقتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار يوم القيامة وقد ذكرنا أسانيدهما في التمهيد ومن هذا المعنى قول الشاعر إن شر الناس من يشكرني حين يلقاني وإن غبت شتم

باب ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إذا كثر الخبث قال أبو عمر هذا الحديث لا يعرف لأم سلمة بهذا اللفظ وإنما يحفظ هذا اللفظ لزينب بنت جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما نذكره هنا إن شاء الله وقد سئل بن وهب عن قوله في هذا الحديث إذا كثر الخبث فقال أولاد الزنى وأما حديث أم سلمة فيقرب من هذا الحديث بغير لفظه فمن ذلك ما رواه منذر الثوري عن الحسن بن محمد قال حدثتني امرأة من الأنصار قالت دخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فبينا أنا عندها إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم بكلام لم أفهمه فسألت أم سلمة بعد خروجه فقالت إن الفساد إذا فشا في الأرض ولم يتناه عنه أرسل الله بأسه على أهل الأرض قالت قلت يا رسول الله وفيهم الصالحون قال نعم وفيهم الصالحون يصيبهم ما أصابهم ويقبضهم الله إلى رحمته ورضوانه ومغفرته ومن ذلك ما رواه أبو يونس حاتم بن أبي صغيرة قال حدثني مهاجر بن القبطية أنه سمع أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخسفن بجيش يغزون هذا البيت بعيدا من الأرض فقال رجل وإن كان فيهم الكاره يا رسول الله قال نعم ويبعث كل رجل منهم على نيته وروى علقمة بن مرثد عن المعرور بن سويد عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده فقلت يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون قال بلى قلت فكيف بأولئك قال يصيبهما ما أصابهم ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان فهذا ما وجدته لأم سلمة في هذا الباب

وقد ذكرت الأسانيد بذلك في التمهيد وأما حديث زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم فرواه بن شهاب عن عروة بن الزبير أنه حدثه أن زينب بنت أبي سلمة حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن زينب بنت جحش قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوم محمرا وجهه وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق بيده وعقد عشرا قالت فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث هكذا رواه عقيل وصالح بن كيسان وشعيب بن أبي حمزة وسليمان بن كثير وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن الوليد الزبيدي كلهم عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه بن عيينة عن الزهري فزاد في إسناده امرأة رابعة قال في إسناده عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن حبيبة بنت أم حبيبة عن زينب بنت جحش وقال محمد بن يحيى المحفوظ عندنا ما قال عقيل ومن تابعه وأخطأ بن عيينة في زيادته فيه المرأة الرابعة قال أبو عمر قد اختلف في هذا الإسناد عن بن عيينة وقد ذكرنا الأسانيد كلها بذلك في التمهيد وقد روى أنس وغيره في هذا الباب نحو رواية زينب وأم سلمة حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن محمد الحضيبي القاضي قال حدثنا محمد بن نصر بن منصور أبو جعفر الصائغ قال حدثني محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس بن مالك قال ذكر خسف قبل المشرق فقالوا يا رسول الله إنه يخسف بأرض فيها مسلمون قال نعم إذا أكثر أهلها الخبث وروى بن المبارك عن يونس عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أصاب الله قوما ببلاء عم به من بين أظهرهم ثم يبعثون على أعمالهم

وروى الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول على المنبر مثل المنتهك لحدود الله والمدهن فيها والقائم بها مثل ثلاثة نفر اصطحبوا في سفينة فجعل أحدهم يحفرها فقال الآخر إنما تريد أن تغرقنا وقال الآخر دعه فإنما يحفر في نصيبه وموضعه وذكر الحديث أخبرنا خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي حدثنا نصر بن مرزوق قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا قذعة بن سويد قال حدثنا سيف بن سليمان عن عدي بن عدي عن أبيه عن مولاه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يعذب العامة بذنوب الخاصة حتى تكون العامة تستطيع أن تغير على الخاصة فإذا لم تغير العامة على الخاصة عذب الله العامة والخاصة قال أسد وحدثنا الفرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء قال لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانا صعبا فلا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ثم يدعو عليهم خياركم فلا يستجاب لهم وقد ذكرت في التمهيد كثيرا من الآثار المرفوعة وغير المرفوعة في هذا المعنى مما يقتضي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن الإنكار بالقلب يكفي إذا لم يقدر على غير ذلك مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول كان يقال إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة ولكن إذا عمل المنكر جهارا استحقوا العقوبة كلهم قال أبو عمر هذا المعنى ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه والتابعين وهذا الحديث قد رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن رجل عن عمر بن عبد العزيز وممكن أن يكون الرجل إسماعيل بن أبي حكيم ذكره أسد بن موسى عن محمد بن مسلم الطائفي عن يحيى بن سعيد وروى وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقابه

ذكره بن أبي شيبة عن وكيع وذكره أسد بن موسى قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيرون عليه فلا يغيرون إلا أصابهم الله بعذاب قبل أن يموتوا قال أبو عمر هذا واضح في أنه لا يلزم التغيير إلا من القوة والعزة والمنعة وأنه لا يستحق العقوبة إلا من هذه حاله وأما من ضعف عن ذلك فالفرض عليه التغيير بقلبه والإنكار والكراهة قال عبد الله بن مسعود بحسب المؤمن إذا رأى منكرا لا يستطيع له تغييرا أن الله يعلم من قلبه أنه له كاره وروى الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر شيئا فقد بريء ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع فأبعده الله قيل يا رسول الله أفلا نقتلهم قال لا ما صلوا وقد ذكرت أسانيد هذه الأحاديث وكثيرا منها مثلها في التمهيد قال أبو عمر يقولون من رضي بالفعل فكأنه فعله قال الحسن رحمه الله إنما عقر الناقة رجل واحد فعمهم الله بالعقوبة لأنهم عموا فعله بالرضى ومن أحسن ما روي في ذلك حديث بن عميرة الكندي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن القوم ليصنعون المنكر فيكون من حضرهم لمن غاب عنهم يعني إذا أنكر ولم يرض ويكون من غاب عنهم كمن حضرهم إذا رضي فعلهم هذا معنى الحديث دون لفظه كتبته من حفظي حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا جعفر بن مكرم قال حدثنا قريش بن أنس عن بن عون عن الحسن عن الأحنف أنه كان جالسا عند معاوية فقال يا أبا بحر ألا نتكلم قال إني أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت وحدثنا أحمد قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا علي بن سهل

وسهل بن موسى واللفظ له قالا حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال سمعت بلال بن سعيد يقول إن الخطيئة إذا أخفيت لن تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة باب ما جاء في التقى مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال سمعت عمر بن الخطاب وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته وهو يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله أو ليعذبنك قال أبو عمر قال الله تعالى خير الزاد التقوى البقرة يريد دار الآخرة والتقوى اسم جامع لطاعة الله والعمل بها في ما أمر به أو نهى عنه فإذا انتهى المؤمن عن ما نهاه الله وعمل بما أمره الله فقد أطاع الله واتقاه ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب الطلاق يجعل له من أمره يسرا الطلاق والتقى اسم أيضا لخشية الله و إنما يخشى الله من عباده العلمؤا فاطر فمن خشي الله واتقاه وانتهى عن ما نهاه وقام بما افترض عليه فهو العالم بشهادة الله له بذلك وحسبك وأما قوله بخ بخ أمير المؤمنين فهو توبيخ منه لنفسه وتوبيخ النفس وتقريعها عبادة كما أن الرضى عنها هلكة وقوله لتتقين الله أو ليعذبنك الله يعني إن شاء وهو مقيد بقول الله تعالى فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء البقرة قال مالك وبلغني أن القاسم بن محمد كان يقول أدركت الناس وما يعجبون بالقول قال مالك يريد بذلك العمل إنما ينظر إلى عمله ولا ينظر إلى قوله قال أبو عمر روينا عن الحسن أنه قال إذا سمعت من الرجل كلاما حسنا

فرويدا به فإن وافق قوله فعله فذلك وإلا فإنما يذري على نفسه وقال المأمون نحن إلى أن نوعظ بالأعمال أحوج منا إلى أن نوعظ بالأقوال قال أبو عمر يكفي من هذا كله قول الله تعالى يأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون الصف باب القول إذا سمعت الرعد مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثم يقول إن هذا لوعيد لأهل الأرض شديد هكذا رواه يحيى لم يجاوز به عامرا ورواه غيره من رواة الموطأ فقالوا فيه مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال أبو عمر جمهور أهل العلم من أهل الفقه والحديث يقولون الرعد ملك يزجر السحاب وقد يجوز أن يكون زجره لها تسبيحا لقول الله تعالى ويسبح الرعد بحمده الرعد والرعد لا يعلمه الناس إلا بذلك الصوت وجائز أن يكون ذلك تسبيحه قال الله تعالى وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم الإسراء وقد قال أهل العلم بتأويل القرآن في قوله تعالى يجبال أوبى معه سبأ أي سبحي معه وروى بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أخبرنا عن الرعد ما هو قال ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء قالوا فما هذا الصوت الذي يسمع قال زجره السحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر قالوا صدقت وروي عن علي رضي الله عنه قال الرعد ملك والبرق مخارق من حديد

وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي أن كعبا أرسل إليه يسأله عن الرعد فقال هو ملك يزجر السحاب كما يزجر الحادي أو قال الراعي الخبيث الإبل إذا شذت سحابة ضمها أو يفضي إلى الأرض صعق من يبصره وعن الضحاك عن بن عباس قال الرعد ملك من الملائكة يزجر السحاب اسمه الرعد وهو الذي تسمعون صوته وعن عكرمة قال الرعد ملك يزجر السحاب يزجرها الله به كالحادي بالإبل وعن مجاهد قال الرعد ملك يزجر السحاب وعن السدي عن أصحابه قالوا الرعد ملك يقال له الرعد يأمره الله بما يريد أن يمطر وذكر عبد الرزاق عن معمر قال سألت الزهري عن الرعد فقال الله أعلم قال عبد الرزاق وحدثني أبي أن وهب بن منبه سئل عن الرعد فقال الله أعلم أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمرو بن حرب عن سفيان بن عيينة قال قلت لعبد الله بن طاوس ما كان أبوك يقول إذا سمع الرعد قال كان يقول سبحان من سبحت له سبحانه ورواه زمعة بن صالح عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس أنه كان إذا سمع الرعد يقول سبحان من سبحت له وروى بن علية عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن بن عباس مثله قال أبو عمر فهذا ما لسلف المسلمين من الصحابة والتابعين في الرعد وقد جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا به أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن علي بن حرب قال حدثنا سنان بن حاتم قال حدثنا عبد الواحد بن زياد عن أبي مطرف عن سالم عن بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والبرق قال اللهم لا تقتلنا غضبا ولا تقتلنا نقمة وعافنا قبل ذلك قال أحمد بن شعيب وحدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد الواحد بن

زياد عن الحجاج عن أبي مطرف انه سمع سالم بن عبد الله بن عمر يحدث عن أبيه قال كان رسول الله إذا سمع الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر الصديق فيسألنه ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لهن عائشة أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركنا فهو صدقة هكذا روي هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة كلاهما جعل الحديث لعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه يونس عن بن شهاب عن عروة عن عائشة كلاهما جعل الحديث لعائشة عن النبي عليه السلام ورواه معمر وعقيل وعبيد الله بن عمر وأسامة بن زيد عن بن شهاب عن عروة عن عائشة عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب عندهم وقد رواه إسحاق بن محمد الفروي عن مالك كذلك وليس هذا الحديث عند بن عيينة إلا عن معمر عن الزهري وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عن هؤلاء كلهم في التمهيد واختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم إنا لا نورث ما تركناه فهو صدقة فقال قوم من أهل البصرة منهم بن علية هذا مما خص به نبينا صلى الله عليه وسلم زيادة في فضله كما خص بما خص به من نكاح فوق الأربع بالموهوبة من غير صداق إلى أشياء خصه الله بها زيادة في فضائله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون بل ذلك للأنبياء كلهم لا يورثون وما تركوا فهو صدقة واحتجوا بما ذكره أبو الحسن الدارقطني قال حدثنا أبو عمر محمد بن

يوسف بن يعقوب قال حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني قال حدثنا عبد الله بن أبي أمية النحاس قال قرئ على مالك بن أنس عن بن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال سمعت عمر بن الخطاب يقول حدثنا أبو بكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنا معشر الأنبياء ما تركنا فهو صدقة وبما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي وهذا الحديث رواه مالك في الموطأ عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقتسم ورثتي دنانير ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة هكذا قال يحيى دنانير وغيره من رواة الموطأ يقولون لا يقتسم ورثتي دينارا وهذا الحديث ذكره مالك في هذا الباب بعد حديثه عن بن شهاب المذكور قال أبو عمر فعلى هذين القولين جماعة علماء السلف إلا الروافض وهم لا يعدون خلافا لشذوذهم فيما ذهبوا إليه في هذا الباب عن سبيل المؤمنين ولا حجة لهم في قول الله تعالى وورث سليمن داود النمل وقوله يرثني ويرث من آل يعقوب لأن سليمان إنما ورث من داود النبوة والعلم والحكمة كذلك قال جماعة العلماء بتأويل القرآن وكذلك قالوا في قوله تعالى يرثنى ويرث من ءال يعقوب إلا الحسن فإنه قال يرثني ويرث من آل يعقوب النبوة والحكمة وكيف يسوغ لمسلم أن يظن أن أبا بكر رضي الله عنه منع فاطمة ميراثها من أبيها صلى الله عليه وسلم ومعلوم عند جماعة العلماء أن أبا بكر رضي الله عنه كان يعطي الأحمر والأسود ويسوي بين الناس في العطاء ولم يستأثر لنفسه بشيء ويستحيل في العقل أن يمنع فاطمة ويرده على سائر المسلمين وقد أمر بنيه أن يردوا ما زاد في ماله منذ ولي

أمر المسلمين إلى بيت المال وقال إنما كان لنا من أموالهم ما لبسنا على ظهورنا وما أكلنا من طعامهم وروى أبو ضمرة أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر لما حضرته الوفاة قال لعائشة ليس عند آل أبي بكر شيء غير هذه اللقحة والغلام الصغير كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا فإذا مت فادفعيه إلى عمر فلما مات دفعته إلى عمر فقال عمر رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده قال أبو عمر لم ير أبو بكر مما يخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني النضير وفدك وسهمه بخيبر وغير ذلك مما أفاء الله عليه إلا أن يليه بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه فينفق منه على عيال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذ منه لهم كل عام قوت العام ويجعل ما فضل في الكراع والسلاح كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل وفي هذه الولاية تخاصم إليه علي والعباس ليليها كل واحد منهما بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يليها به وروى حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن أبي بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعول وأنفق على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق قال أبو عمر الأحاديث في هذا الباب كثيرة في تركة النبي صلى الله عليه وسلم وفي ما تخاصم فيه العباس وعلي وفي ظواهرهما اختلاف وتدافع وقد ذكرتها على ما وصل إلي منها في التمهيد والذي ذكرت في هذا الكتاب كاف مقنع والله الموفق للصواب

كتاب جهنم باب ما جاء في صفة جهنم مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزأ من نار جهنم فقالوا يا رسول الله إن كانت لكافية قال إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزأ مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال أترونها حمراء كناركم هذه لهي أسود من القار والقار الزفت قال أبو عمر حديث مالك عن عمه موقوف على أبي هريرة ومعناه مرفوع لأنه لا يدرك مثله بالرأي ولا يكون إلا توقيفا وفيه قوله أسود من القار وهي لغة مهجورة واللغة الفصيحة أشد سوادا من القار وأشد بياضا وليس في هذا الباب مدخل للقول والنظر وإنما فيه التسليم والوقوف عند التوقيف وبالله التوفيق وقد جاء عن بن مسعود وبن عباس وأنس في صفة جهنم ما يعلم أنه لم يقولوا ذلك إلا بما علموه وما وقفوا عليه روى الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال إن ناركم هذه ليست مثل نار جهنم لا ينتفع بها أحد أو أنها لما نزلت ضرب بها البحر ضربتين ولولا ذلك لم ينتفع أحد بها

وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وقد روى إسرائيل عن عمار الذهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال إن ناركم هذه جزء من سبعين من النار قد ضرب بها البحر حين أنزلت سبع مرار ولولا ذلك ما انتفع بها وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يعلى بن عبيد وعبد الله بن نمير قالا حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن نفيع بن الحارث عن أنس بن مالك قال إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها وإنها لتدعو الله ألا يعيدها بتلك النار أبدا قال وحدثنا زيد بن الحباب عن محمد بن مسلم عن ميسرة عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سأل رجلا من اليهود لم ير في اليهود مثله عن النار الكبرى فقال البحر يبعث الله الريح الدبور على البحور فتعود نارا فهي النار الكبرى قال أبو عمر محمد بن مسلم الطائفي وميسرة بن عمار الأشجعي ثقتان لا بأس بهما جميعا

كتاب الصدقة باب الترغيب في الصدقة مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي الحباب سعيد بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا كان إنما يضعها في كف الرحمن يربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل هكذا روى يحيى هذا الحديث مرسلا وتابعه أكثر الرواة للموطأ على إرساله وممن تابعه بن وهب وبن القاسم وأبو المصعب ومطرف ورواه بن بكير ومعن بن عيسى مسندا عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي الحباب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه بن عجلان وكان ثقة عن أبي الحباب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن بن عجلان عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب فيضعها في حق ولا يقبل الله إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء إلا طيب

إلا كان كأنما وضعها في يد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه وفصيله حتى إن اللقمة أو التمرة لتأتي يوم القيامة مثل الجبل العظيم قال سفيان ألم تعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وقال يمحق الله الربوا ويربى الصدقت البقرة قال أبو عمر كان بن عيينة كثيرا ما يفسر الحديث بالقرآن وكان عالما بتأويل القرآن والحديث ومعنى ما قاله بن عيينة موجود عن بن مسعود قال إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل وتلا وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون الشورى وروى معمر عن أيوب عن القاسم بن محمد عن أبي هريرة قال إن الله يقبل الصدقة إذا كانت من طيب ويأخذها بيمينه وذكر معنى حديث مالك عن يحيى بن سعيد في هذا الباب وأما قوله يأخذها بيمينه فهذا مجاز وحسن عبارة عن قبول الله تعالى للصدقة ومعنى أخذ الله لها قبوله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء وليس كمثله شيء وهو السميع العليم وفي هذا الحديث إن الله لا يقبل من الصدقة إلا الطيب والطيب الحلال بهذا جاء القرآن فقال كلوا من الطيبت واعملوا صلحا المؤمنون وقال كلوا مما في الأرض حللا طيبا البقرة وفي فضل الصدقة آثار كثيرة قد ذكرنا ما حضرنا ذكره في التمهيد منها ما حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن بجير القاضي قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا سليمان بن عبد الرحمن قال حدثنا الحكم بن يعلى قال حدثنا عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الصدقة لتطفى ء عن أهلها حر القبور

وقال صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة رواه عدي بن حاتم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس فلما أنزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون آل عمران قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون آل عمران وإن أحب أموالي إلى بيرحاء وأنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت فيه وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث أكثر رواة الموطأ عن مالك كلهم قال فيه فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه وكذلك رواه علي بن عبد العزيز عن القعنبي عن مالك ورواه إسماعيل بن إسحاق عن القعنبي فقال فيه فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقاربه وبني عمه ولم يختلف العلماء أن الأقارب وبني العم ها هنا هم أقارب أبي طلحة لا أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيره

وقد روي ذلك منصوصا من رواية الثقاة أيضا حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا بشر بن الوليد قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال لما نزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون آل عمران جاء أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر قال وكانت دار بن جعفر والدار التي تليها إلى قصر بن جدلية حوائط لأبي طلحة وقد كان قصر بني جديلة حائطا لأبي طلحة يقال له بيرحاء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من مائها ويأكل من تمرها فجاء أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال إن الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلى بيرحاء فهي لله ولرسوله أرجو بره وزخره اجعلها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ بذلك يا أبا طلحة مال رابح قد قبلناه منك ورددناه عليك فاجعله في الأقربين فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه فكان منهم أبي بن كعب وحسان بن ثابت قال فباع حسان نصيبه من معاوية فقيل له يا حسان تبيع صدقة أبي طلحة فقال ألا أبتع صاعا من تمر بصاع من دراهم وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا أبي عن تمامة عن أنس وحميد الطويل عن أنس وهذا لفظ أبي قال أنس كانت لأبي طلحة أرض فجعلها لله تعالى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له اجعلها في أقاربك فجعلها لحسان وأبي قال أنس وكانا أقرب إليه مني أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود قال وبلغني عن محمد بن عبد الله الأنصاري أنه قال أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل بن الأسود بن حزام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وحسان بن ثابت بن المنذر بن حزام يجتمع مع أبي طلحة وحسان في حزام قال وأبي بن كعب بن قيس بن عتيك بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار قال الأنصاري بين أبي طلحة وأبي ستة آباء قال وعمرو بن مالك يجمع حسانا وأبيا وأبا طلحة

قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد ما بد إلينا من وجوه معاني حديث أنس في قصة أبي طلحة وتقصينا ذلك هناك ونذكر ها هنا طرفا فمن ذلك أنه جائز أن يضيف إلى الرجل الفاضل حب المال وجائز أن يضيف ذلك إلى نفسه وقد قال أبو بكر لعائشة ما أجد أحب إلي غنى منك ولا أعز علي فقرا منك وفيه إباحة دخول جنات الأصدقاء والإخوان الأصفياء والأكل من ثمارها والشرب من مائها بغير إذنهم وذلك كله إذا علم أن نفس صاحبها تطيب بذلك ولم يكن ممن يتشاح الناس فيه وكان تافها وقيل إن كسب العقار من شأن الأبرار وأن اكتساب ذلك بالهبة وغير الهبة مباح حلال أخذ الناس فيه وكان تائها لا باد لهم وفيه دليل على أنه يستعذب الماء للفضلاء الجلة العلماء وفيه أن من أخرج شيئا من ماله فجائز جعله حيث أراه الله من سبل الخير وجائز أن يشاور فيه ويصدر عنه برأي من يثق برأيه في ذلك وليس ذلك وجه معلوم لا يتعدى كما قال من قال معنى قول الرجل لله وفي سبيل الله كذا دون كذا وفيه دليل على أن الصدقة على الأقارب الفضلاء من أعمال البر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشهد إلا بالأفضل من الأعمال وقد قالوا الصدقة على الأقارب صدقة وصلة وقد فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على الأقارب على العتق بدليل حديث بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن ميمونة قالت كانت لي جارية فأعتقتها فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال آجرك الله لو أعطيتها إخوانك كان أعظم لأجرك حدثنا عبد الله قال حدثنا حمزة قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن بن إسحاق عن بكير بن الأشج فذكره وروى سفيان بن عيينة قال حدثنا محمد بن المنكدر قال لما نزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون آل عمران قال زيد بن حارثة اللهم إنك تعلم أنه ليس مال أحب إلي من فرسي هذا وكان له فرس يقال له سبل فجاء به النبي

صلى الله عليه وسلم فقال هذا في سبيل الله فقال لأسامة اقبضه فكأن زيدا وجد من ذلك في نفسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد قبلها منك وروى حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد بن المنكدر مثله مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعطوا السائل وإن جاء على فرس قال أبو عمر لا أعلم في هذا الحديث خلافا وقد روي معناه من حديث حسين بن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه من الفقه الحض على إعطاء السائل وهذا عندي مرتب على ما قد مضى في هذا الكتاب من الأحاديث المسندة الصحاح في كراهة السؤال لمن معه ما يعد به وما يعيشه وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوى يعني قويا على الخدمة والاكتساب بهما وإذا كان السائل لا يقدر على التصرف في السؤال إلا بدابة تحمل راحلته ولم يكن له معيشة ولا حرفة فجائز له السؤال والله أعلم على ظاهر هذا الحديث على أنه حديث ليس مما تقطع به الحجة وقد اختلف الفقهاء في من تحل له الصدقة المفروضة ورأوا أو رأى أكثرهم أن من لم يكن له في داره فضل على سكناه ولا في خادمه فضل عن من يقوم بخدمته وكذلك الدابة إذا احتاج إليها وليس له مال غيرها أنه فقير تحل له الصدقة وقد ذكرنا اختلافهم في هذا المعنى في ما سلف من كتابنا هذا والحمد لله والحديث الذي ذكرناه حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا وكيع عن سفيان عن مصعب عن يحيى بن أبي يحيى عن فاطمة بنت حسين عن أبيها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل حق وإن جاء على فرس

وقد روي أيضا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن السؤال يكذبون ما أفلح من ردهم وهذه أحاديث ليست بالقوية وقد ذكرنا أسانيدها في التمهيد مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن معاذ الأشهلي الأنصاري عن جدته أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن إن تهدي لجارتها ولو كراع شاة محرقا قال أبو عمر الرواية المشهورة في هذا الحديث يا نساء المؤمنات على نصب النداء وجر المؤمنات على معنى قول النحويين مسجد الجامع وحسن الوجه كأنه إضافة الشيء إلى بعضه وهذا الذي اختاره العلماء الخشني وغيره رحمه الله وقد أنكر قوم هذا المعنى لم يتسعوا في العربية هذا الاتساع وأنكروا هذه الرواية ورووها بالرفع كأنه قال يا أيها النساء المؤمنات قال صاحب العين الكراع من الإنسان والدواب وسائر المواشي هو ما دون الكعب وفي هذا الحديث الحض على الصلة والهدية إلى الجار بقليل الشيء وكثيره وفي ذلك دليل على أن التأكيد في بره وحفظه فكل من أمرت بإلطافه وصلته فقد نهيت عن أذاه والإضرار به ولا ينبغي لأحد أن يحقر من المعروف وسائر عمل الخير قليلا ولا تافها لأن الله يقبل اليسير ويضاعفه ويربيه كما يربى الإنسان فلوه ولقد أحسن محمود الوراق قوله لو قد رأيت الصغير من فعل الخي ثوابا عجبت من كبره أو قد رأيت الكبير من عمل الشر جزاء أشفقت من حذره مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن مسكينا سألها وهي

صائمة وليس في بيتها إلا رغيف فقالت لمولاة لها أعطيه إياه فقالت ليس لك ما تفطرين عليه فقالت أعطيه إياه قالت ففعلت قالت فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا شاة وكفنها فدعتني عائشة أم المؤمنين فقالت كلي من هذا هذا خير من قرصك قال أبو عمر هذا من المال الرابح والفعل الزاكي عند الله يعجل منه ما يشاء ولا ينقص ذلك فما يذخر عنه من ترك شيئا لله لم يجد فقره وعائشة رضي الله عنها في فعلها هذا من الذين أثنى الله عليهم بأنهم يؤثرون على أنفسهم مع ما هم فيه من الخصاصة وأن من فعل ذلك فقد وقي شح نفسه وأفلح فلا حاجة لإحسان بعده وفي هذا المعنى ما حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن أسد قال حدثنا محمد بن مسروق العسال قال حدثنا القيروان قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا الحسن بن الحسن المروذي قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثنا محمد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن نافع أن بن عمر اشتكى أو اشتهى عنبا فاشترى له عنقودا بدرهم فجاء مسكين فقال أعطوه إياه فخالف إنسان فاشتراه بدرهم ثم جاء به إلى بن عمر فجاء المسكين يسأل فقال أعطوه إياه ثم خالف إنسان فاشتراه بدرهم ثم جاء به فأراد السائل أن يرجع فمنع ولو علم بن عمر أنه ذلك العنقود ما ذاقه وأما قوله شاة وكففها فإن العرب أو بعض وجوههم كان هذا من طعامهم يأتون إلى الشاة أو الخروف فإذا سلخوه غطوه كله بعجين دقيق البر وكفنوه فيه ثم علقوه في التنور فلا يخرج من ودكه شيء إلا في ذلك الكفن وذلك من طيب الطعام عندهم قال مالك بلغني أن مسكينا استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها عنب فقالت لإنسان خذ حبة فأعطه إياها فجعل ينظر إليها ويعجب فقالت عائشة أتعجب كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة قال أبو عمر قد جاء مثل هذا عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص

ذكر حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي أمامة الدارمي أن سائلا أتى عبد الرحمن بن عوف وبين يديه طبق عليه عنب فأعطاه عنبة فقال أين تقع هذه منه قال فيها مثاقيل ذر كثيرة وحماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عطاء بن فروخ أن سعد بن مالك أتاه سائل وبين يديه طبق عليه تمر فأعطاه تمرة فقبض يده فقال سعد إن الله يقبل منها مثقال الذرة والخردلة وكم في هذه من مثاقيل الذرة قال أبو عمر قال الله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الزلزلة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة ومن اعتاد الصدقة تصدق مرة بالكثير ومرة باليسير ألا ترى أن عائشة في الحديث قبل هذا آثرت السائل بفطرها كله وفي هذا الحديث أعطته حبة عنب وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للهجيمي لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي وقد مضى هذا المعنى بأوضح من هذا في ما تقدم من هذا الكتاب وبالله التوفيق باب ما جاء في التعفف عن المسألة مالك عن بن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده ثم قال ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنيه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر

وفي هذا الحديث من الفقه إعطاء السائل مرتين من مال واحد وفيه حجة لمن قال يعطى الفقير باسم الفقر وباسم بن السبيل من مال واحد فكذلك سائر سهام الصدقات وقياسه عندهم الوصايا يجيزون لمن أوصى لهم بشيء وإذا قبضه أن يعطي مع المساكين إن كان ذلك الشيء لا يخرجه عن حد المسكنة وكذلك سائر أنواع الوصايا وأبى من ذلك بن القاسم وطائفة من الكوفيين وفيه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من السخاء والكرم لأنه كان كثيرا ما يعطي من سهمه وصميم ماله وفيه الاعتذار إلى السائل إذا لم يجد ما يعطيه وفيه الحض على الاستغناء عن الناس بالصبر والتوكل على الله وانتظار رزق الله وذلك أفضل ما أعطيه المؤمن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة قال أبو عمر رواه أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال اليد العليا المتعففة وقد ذكرنا إسناده في التمهيد ورواية مالك أولى بالصواب بدليل حديث طارق المحاربي رواه يزيد بن زياد عن أبي الجعد عن جامع بن شداد عن طارق المحاربي قال قدمت المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر يخطب الناس ويقول يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وروى سفيان بن عيينة عن بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة

أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندي دينار قال أنفقه على نفسك فقال عندي آخر فقال أنفقه على ولدك قال عندي آخر قال أنفقه على زوجتك قال عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال عندي آخر قال أنت أعلم قال أبو عمر قد مضى في باب الوصية حديث سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم إنك لن تنفق نفقة إلا أجرت فيها حتى ما تضعه في في امرأتك وهذا كله تفسير معنى وابدأ بمن تعول وأن الأجر في من تعول أفضل لأن عمل الفرض أفضل من التطوع روى سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن الشعبي قال إن من النفقة التي تضاعف سبعمائة ضعف نفقة الرجل على أهله وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا المعطية رواه جماعة من الصحابة من طرق شتى ذكرناها في التمهيد منها ما رواه بن وهب عن بن لهيعة وحيوة بن شريح عن محمد بن عجلان قال سمعت القعقاع بن حكيم يحدث عن عبد الله بن عمر أن عبد العزيز بن مروان كتب إليه أن ارفع إلى حاجتك فكتب إليه عبد الله بن عمر يقول إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وإني لا أحسب اليد العليا إلا المعطية ولا السفلى إلا السائلة وإني غير سائلك شيئا ولا راد رزقا ساقه الله إلي منك والسلام قال أبو عمر هذا أصل في قبول جوائز السلطان من غير سؤال وكان بن عمر يقبل جوائز عبد العزيز بن مروان وهدايا المختار وحسبك به علما وورعا وقد ذكرنا ما من النفقات فرض وما منها سنة وما منها تطوع وندب في التمهيد وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم لا يفتح إنسان على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر وفي حديث مالك معان مستنبطة قد ذكرتها في التمهيد وهي واضحة لمن تدبرها مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب بعطاء فرده عمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لم رددته فقال يا رسول الله أليس أخبرتنا أن خيرا لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عن المسألة فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله فقال عمر بن الخطاب أما والذي نفسي بيده لا أسأل أحدا شيئا ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته قال أبو عمر هذا قول الفقه والعلم الصحيح ما لم يعلم الشيء حراما بعينه يمكن استحقاقه من يد من هو في يده ولم يبن له من السنة والعلم ما بان لعمر بن الخطاب من فحوى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بعيد من الصواب وأما السؤال فمكروه على كل حال لا يجوز لمن له ما يعد ويعيشه إذا كان طعاما بمثل ذلك في غده وما بعده وقد روي حديث عمر هذا مسندا من وجوه صحاح منها حديث بن شهاب عن سالم عن أبيه ومنها حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر وقد ذكرناها في التمهيد ومن طرقها ما رواه بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر العطاء فيقول يا رسول الله أعطيه من هو أفقر إليه مني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خذه فتموله أو تصدق به وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك

قال سالم فمن أجل ذلك كان بن عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه وقد روى هذا الحديث عن بن شهاب جماعة منهم معمر والزبيري وشعيب بن أبي حمزة ورواه بن عيينة عن معمر عن الزهري بإسناده ومعناه إلا أن منهم من لم يذكر كلام سالم ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الهدية رزق من رزق الله فمن أهدي له شيء فليقبله ولا يرده وليكافئ عليه ومن حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من عرض له شيء من الرزق من غير أن يسأله فليقبله فإنما هو رزق ساقه الله إليه والآثار المرفوعة في هذا كثيرة قد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد وقال أبو الدرداء أيضا إذا أعطاك أخوك شيئا فاقبله منه فإن كان لك فيه حاجة فاستمتع به وإن كنت غنيا فتصدق به ولا تنفس عن أخيك أن يأجره الله فيك وعن أبي الدرداء أيضا أنه قال إن أحدكم يقول اللهم ارزقني وقد علم أن الله لا يخلق له دينارا ولا درهما وإنما يرزق بعضكم من بعض فإذا أعطي أحدكم شيئا فليقبله وإن كان غنيا فليضعه في أهل الحاجة من إخوانه وإن كان فقيرا فليستعن به على حاجته ولا يرد على الله رزقا رزقه وقد ذكرنا أسانيد هذه الأخبار في التمهيد والحمد لله مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه هكذا رواه يحيى ليأخذ أحدكم وتابعه أكثر رواة الموطأ على ذلك فقالت منهم طائفة لأن يأخذ منهم معن بن عيسى وبن نافع

وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة من وجوه منها حديث بن شهاب عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه وغيره من مسند هذا الباب في التمهيد ومن أحسنها ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حفص بن عمر النمري قال حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة الفزاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء اتقى على وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بد قال أبو عمر هذا حديث صحيح ثابت وهو أصل عند العلماء في سؤال السلطان خاصة وقبول جوائزه وأعطيته على كل حال ما لم يعلمه حراما بعينه وعموم هذا الحديث يقتضي جميع السلاطين والأمراء بدليل قوله صلى الله عليه وسلم سيكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها الحديث وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا عبد الله بن أبي حسان قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقبل جوائز الأمراء وروى الأعمش وغيره عن حبيب بن أبي ثابت قال رأيت هدايا المختار تأتي بن عباس وبن عمر فيقبلانها قال أبو عمر قبل جوائز الأمراء جمهور العلماء منهم عامر الشعبي والحسن البصري وإبراهيم النخعي وبن شهاب الزهري والقاسم بن مخيمرة والحسن بن محمد بن الحنفية وثابت البناني ويزيد الرقاشي وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس وسفيان الثوري وبن عيينة والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي وأبو يوسف ومحمد وكان يحيى بن سعيد الأنصاري في ديوان الوليد وكان جماعة من العلماء يأخذون من بني أمية العطاء

وكان سفيان الثوري يقول جوائز السلطان أحب إلي من صلة الإخوان لأن الإخوان يمنون وكان يحتج بقول بن مسعود ذلك المهنى وعليك المأثم وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا الأعرابي قال حدثنا عباس الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول حدثني عبيد الله بن ثور بن أبي الخلال العتكي قال حدثنا الخلال بن ثور عن عبد المجيد بن وهب عن أبي الخلال قال سألت عثمان بن عفان عن جائزة السلطان قال لحم ظبي ذكي قال أبو عمر روينا عن الحسن بن أبي الحسن من وجوه أنه كان يقول لا يرد جوائزهم إلا أحمق أو مرائي قال أبو عمر ما أعلم أحدا لم يقبل جوائز السلطان من علماء التابعين إلا سعيد بن المسيب وبن سيرين وقد ذكرنا كثيرا من الآثار عنهم في التمهيد وقد أفرد لها أحمد بن خالد رحمه الله وكان أعلم رجل بالأندلس جمع علم الأصول والفروع كتابا جمع فيه ما انتهى من ذلك إليه وزدنا فيه آثارا لم يروها والله أعلم وأما سؤال الناس فمكروه غير جائز لم نجد عنه بدا حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا علي بن محمد حدثنا أحمد قال حدثنا سحنون قال حدثنا بن وهب قال أخبرني الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع أباه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم ومن حديث شعبة عن بسطام بن مسلم عن عبد الله بن خليفة عن عائذ بن عمرو أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه فلما وضع رجله على إسكفة الباب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما في السؤال ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئا وحديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم من تكفل لي ألا يسأل الناس شيئا أتكفل له الجنة

وحديث قبيصة بن المخارق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المسألة لا تحل إلا في ثلاث رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أضاقته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه قد أصابت فلان الفاقة فحلت له المسألة فسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك وما سواهن من المسائل يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار وغيرها في معناها في التمهيد والحمد لله مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله لنا شيئا نأكله وجعلوا يذكرون من حاجتهم فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلا يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا أجد ما أعطيك فتولى الرجل عنه وهو مغضب وهو يقول لعمري إنك لتعطي من شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليغضب علي أن لا أجد ما أعطيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا قال الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية قال مالك والأوقية أربعون درهما قال مالك فرجعت ولم أسأله فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير وزبيب فقسم لنا منه حتى أغنانا الله عز وجل هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة عن مالك عن زيد عن عطاء عن رجل من بني أسد وقد رواه عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وعن بن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري حديث في هذا المعنى بغير هذا اللفظ وقد تقدم ذكره

ولا أعلم خلافا بين العلماء في كراهة السؤال لمن له أوقية أو عدلها وقد اختلفوا في المقدار الذي تحرم به الصدقة المفروضة على من ملكه وقد ذكرنا هذا المعنى في كتاب الزكاة والحمد لله وأما السؤال فمكروه غير جائز عند جميعهم لمن يجد منه بدا وروينا عن عبد الله بن عباس أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما أوصاه به إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ولقد أحسن بعض الأعراب في قوله علام سؤال الناس والرزق واسع وأنت صحيح لم تخنك الأصابع وللعيش أوكار وفي الأرض مذهب عريض وباب الرزق في الأرض واسع فكن طالبا للرزق من رازق الغنى وخل سؤال الناس فالله صانع وقال عبيد بن الأبرص من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب وقال مسلم بن الوليد أقول لمأفون البديهة طائر مع الحرص لم يغنم ولم يتمول سل الناس إني سائل الله وحده وصائن عرضي عن فلان وعن خل وقد أتينا من أشعار الشعراء في هذا المعنى مع أقاويل العلماء في كتاب بهجة المجالس بما فيه شفاء والحمد لله وأما قوله في الحديث للقحة خير من أوقية فاللقحة الناقة اللبون وقال أحيحة بن الجلاح تبوع للحليلة حيث كانت فما يعتاد لقحته الفصيل وقال الأصمعي لقاح الإبل أن تحمل سنة مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمعه يقول ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع عبد إلا رفعه الله قال مالك لا أدري أيرفع هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا

قال أبو عمر هذا حديث محفوظ مسند صحيح عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناها من طرق شتى كثيرة عن العلاء بإسناده كما وصفنا ومثله لا يقال بالرأي ومعنى قوله ما نقصت صدقة من مال أي لا تنقص الصدقة المال لأنه مال مبارك فيه إذا أديت زكاته وتطوع منه صاحبه لأن الصدقة تضاعف إلى سبعمائة ضعف ويجدها صاحبها وقت الحاجة إليها كجبل أحد مضاعفة أضعافا كثيرة فأي نقصان مع هذا وحدثنا يونس بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا علي بن جعفر بن محمد البغدادي قال حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي قال حدثنا أبو الربيع وحدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري قال حدثنا محمد بن جعفر بن محمد عن عاصم بن علي قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله اللفظ لحديث إسماعيل بن جعفر وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا القاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما نقصت صدقة من مال ولا عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله عزا ولا تواضع رجل إلا رفعه الله وليس في هذا الحديث موضع للقول ولا مدخل للتفسير والشرح والحمد لله باب ما يكره من الصدقة مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحل الصدقة لآل محمد إنما هي أوساخ الناس

قال أبو عمر هذا المعنى يستند من حديث مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث الحديث الطويل ولا أعلم رواه وأسنده عن مالك إلا جويرية بن أسماء وسعيد بن داود بن أبي زنبر الزنبري وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس وهذا عندنا الصدقة المفروضة لأن عبد المطلب بن ربيعة والفضل بن عباس أرادا أن يستعملهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة فنهاهما علي رضي الله عنه عن سؤال رسول الله فلم يقبلا منه وردا عليه قوله وأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال لهما إن الصدقة أوساخ الناس لا تنبغي لآل محمد وأمر لهما بما أراده من الخمس والحديث مذكور بتمامه في التمهيد وقد ذكرنا اختلاف العلماء في آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة في غير هذا الموضع وهو اختلاف متباين ونذكر منه ها هنا ما عليه أئمة الفتيا قال أبو عمر قال مالك رحمه الله لا تحل الصدقة لآل محمد ولا بأس أن تعطى مواليهم وإنما تحرم على آل محمد الصدقة المفروضة دون التطوع ولم يذكر من آل محمد عنده وقد اختلف أصحابه على ما قد ذكرناه في كتاب اختلافهم فقال الثوري رحمه الله لا يأخذ موالي بني هاشم الصدقة ولم يفرق بين النفل والفرض وقال أبو حنيفة وأصحابه ذوو القربى الذين تحرم عليهم الصدقة فهم بنو هاشم آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وولد الحارث بن عبد المطلب وولد عبد المطلب جميعا ومواليهم وإنما تحرم عليهم الصدقة الواجبة فأما التطوع فلا هذا ما ذكره الطحاوي عنهم في مختصره في كتاب الاختلاف وذكر الطبري في تهذيب الآثار قال قال أبو حنيفة الصدقة حلال لبني هاشم وقال أبو يوسف لا تحل لهم الصدقة من غيرهم وتحل لبعضهم من بعض

وقال الشافعي تحرم صدقة الفرض على بني هاشم وبني عبد المطلب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم في سهم ذي القربى وتحل صدقة التطوع عليهم وعلى كل أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر روى أبو رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ومولى القوم منهم وفي هذا الحديث عندي نظر وقد روى أبو حيان التميمي عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم أنه قيل له من آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة قال آل علي وآل جعفر وآل عباس وآل عقيل قال أبو عمر قول من قال هم بنو هاشم من بني عبد المطلب بن هاشم وأسد بن هاشم وسائر بني هاشم أولى وحجة من قال هذا القول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم وقد قيل إنهم قريش كلهم وهذا قول ضعيف وأما قوله أوساخ الناس فقد بان في حديث مالك في هذا الباب مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال قال عبد الله بن الأرقم ادللني على بعير من المطايا أستحمل عليه أمير المؤمنين فقلت نعم جملا من الصدقة فقال عبد الله بن الأرقم أتحب أن رجلا بادنا في يوم حار غسل لك ما تحت إزاره ورفغيه ثم أعطاكه فشربته قال فغضبت وقلت يغفر الله لك أتقول لي مثل هذا فقال عبد الله بن الأرقم إنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم وخرج قوله أوساخ الناس مخرج المثل السائر المضروب في كراهة الصدقة لمن وجد عنها غنى ومعناه يقتضي وجهين يعضدهما الأصول أحدهما أن الأوساخ التي ضرب بها المثل هي على الغني حرام لأن الكلام خرج على الصدقة المفروضة وهي لا تحل للأغنياء

والوجه الآخر أن الصدقة كلها مكروهة لكل من يجد عنها بدا بقوته على الاكتساب والتخوف في طلب الرزق وإن كان فقيرا فقد أوضحنا المعنى الذي يحرم الصدقة على السائل فيما تقدم قال أبو عمر وفي هذا عندي حجة لمن قال في الماء المستعمل إنه ماء الذنوب كراهة له لأنها تنجسه مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بني عبد الأشهل على الصدقة فلما قدم سأله إبلا من الصدقة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه وكان مما يعرف به الغضب في وجهه أن تحمر عيناه ثم قال إن الرجل ليسألني ما لا يصلح لي ولا له فإن منعته كرهت المنع وإن أعطيته أعطيته ما لا يصلح لي ولا له فقال الرجل يا رسول الله لا أسألك منها شيئا أبدا قال أبو عمر هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته فيما علمت رواه أحمد بن منصور البلخي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أنس وقد ذكرناه في التمهيد والصحيح ما في الموطأ والقول في معناه بين لأن الأشهل الأنصاري سأله عن الصدقة ما استحقه بعمالته عليها وكان غنيا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن يعرف حد الغنى عند نفسه فسأل ما يظنه حلالا له فأتاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بان له به علم ما يحل له من الصدقة الواجبة فكف عن ذلك

كتاب العلم باب ما جاء في طلب العلم مالك أنه بلغه أن لقمان الحكيم أوصى ابنه فقال يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الله الأرض الميتة بوابل السماء قال أبو عمر قد أفردنا لفضائل العلم جزءا كاملا في كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله فمن أراد الشفاء من هذا طالعه هناك فاشتفى وبالله التوفيق وروينا عن أسد بن موسى عن بكر بن خنيس عن ضرار بن عمرو عن محمد بن سيرين قال إن قوما تركوا طلب العلم ومجالسة العلماء وأخذوا في الصلاة والصيام حتى يبس جلد أحدهم على عظمه ثم خالفوا السنة فهلكوا وسفكوا دماء المسلمين فوالذي لا إله غيره ما عمل أحد عملا على جهل إلا كان يفسد أكثر مما يصلح

كتاب دعوة المظلوم باب ما يتقى من دعوة المظلوم مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى فقال يا هني اضمم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة وإياي ونعم بن عوف ونعم بن عفان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه فيقول يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم إنها لبلادهم ومياههم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا قال أبو عمر أما دعوة المظلوم فقد ثبت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنها لا ترد وكذلك في ما يروى من صحف إبراهيم فأما الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فذلك فمنه ما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن زكريا بن إسحاق قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن بن عباس عن معاذ بن جبل وربما قال وكيع عن بن عباس

أن معاذ بن جبل قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب وقال وحدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة أن رجلا أتى معاذا فقال أوصني قال إياك ودعوة المظلوم وقال أبو بكر في المصنف حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه وذكر سنيد قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا أبو معشر فذكر بإسناده مثله وعن علي رضي الله عنه قال ثلاثة لا ترد دعوتهم إمام عادل في رعيته والوالد لولده والمظلوم لظالمه قال أبو الدرداء دعوة المظلوم تصعد إلى السماء فتفتح لها أبواب السماء وعن أبي الدرداء أيضا إياكم ودعوة المظلوم وبكاء اليتيم فإنهما يسريان بالليل والناس نيام ولقد أحسن القائل نامت جفونك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم وقال عون بن عبد الله أربع دعوات لا يحجبن عن الله دعوة والد راض وإمام مقصد ودعوة المظلوم ودعوة رجل دعا لأخيه بظهر الغيب قال أبو عمر كذلك أسانيد هذه الأحاديث في كتاب أبي بكر وغيره في الدعاء وفي هذا الحديث ما كان عمر عليه من التقى وخوف الله وإيثار طاعة الله

وإنه كان لا يخاف أحدا في الله ألا ترى أنه لم يداهن عثمان ولا عبد الرحمن لموضعهما من الغنى وآثر المساكين والضعفاء والصريمة تصغير صرمة وهي القطعة الصغيرة من الماشية وفعل عمر هذا أصله السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حمى إلا لله ولرسوله يعني إبل الصدقة ورأى عمر مواساة الضعفاء من ذلك الحمى لأن ذلك أيسر عليه من الذهب والورق كما قال وفي هذا الحديث دليل على أن عثمان وعبد الرحمن بن عوف كانا من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وقدموا المدينة لا شيء لهم فتجروا فبارك الله لهم روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر العاشر في السائب والنعم وهو اسم جل الإبل والبقر والغنم وقوله اضمم جناحك يقول لا تستطل على أحد لمكانك مني واتق دعوة المظلوم

كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم مالك عن بن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب هكذا رواه يحيى مرسلا ولم يقل فيه عن أبيه وتابعه على ذلك أكثر الرواة للموطأ وممن تابعه على ذلك القعنبي وبن بكير وبن القاسم وعبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس وأسنده عن مالك فقال فيه عن بن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه معن بن عيسى وعبد الله بن نافع وأبو مصعب ومحمد بن المبارك الصوري ومحمد بن عبد الرحيم وبن شدوس الصنعاني وإبراهيم بن طهمان وحبيب كاتبه ومحمد بن حرب وأبو حذافة وكان القعنبي يحدث به عن مالك مرسلا وعن سفيان بن عيينة مسندا عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث مالك سواء

ولم يختلف عن بن شهاب أنه رواه عن محمد بن جبير عن أبيه وقد روي عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه رواه هكذا حماد بن سلمة عن جعفر بن أبي وحشية عن نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا محمد وأنا أحمد والحاشر والعاقب وقد روى هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة وأبو موسى وقد ذكرنا ذلك عنهم في التمهيد أخبرنا علي بن إبراهيم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا العباس بن محمد بن العباس البصري قال حدثنا أحمد بن صالح قال قرأت على عبد الله بن نافع قال حدثني مالك عن بن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لي خمسة أسماء وأنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب والعاقب الذي ليس بعده أحد وكذلك رواه أصحاب بن شهاب عن محمد بن جبير عن أبيه مسندا كما رواه هؤلاء ومعنى قوله يحشر الناس على قدمي أي قدامي وأمامي كأنهم يجتمعون إليه وينضمون حوله ويكونون أمامه ووراءة يوم القيامة قال الخليل حشرتهم السنة إذا ضمتهم من النواحي وقد قيل على قدمي على سابقتي من قوله تعالى وبشر الذين ءامنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم يونس والقدم السابقة بإخلاص الصدقة والطاعة قال حسان بن ثابت الأنصاري لنا القدم العليا إليك وخلفنا لأولنا في طاعة الله تابع وقال ذو الرمة لكم قدم لا ينكر الناس أنها مع الحسب العادي طمت على البحر

وأما العاقب فقد جاء عنه في هذا الحديث وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي قال أبو عبيد سألت سفيان بن عيينة عن العاقب فقال لي آخر الأنبياء وكذلك كل شيء خلف بعد شيء فهو عاقب قال أبو عمر هذا يشهد له كتاب الله تعالى في قوله ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين الأحزاب وذكر بن وهب عن مالك قال ختم الله به الأنبياء وختم بمسجده هذه المساجد قال أبو عمر قال عباس بن أنس السلمي يا خاتم النبأ إنك مرسل بالحق كل هدى السبيل هداكا إن الإله ثنى عليك محبة في خلقه ومحمدا سماكا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا أبو رجاء المعلالي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال أحسن بيت قيل فيما قالوا قول عبد المطلب أو قول أبي طالب وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد قال أبو عمر قد قيل إن أصدق بيت قاله شاعر فما حملت من ناقة فوق رحلها أبر وأوفى ذمة من محمد وهذا البيت في شعر لأبي إياس الديلي يمدح به النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت أبا إياس في كتاب الصحابة والحمد لله حدثنا محمد بن عبد الملك قراءة مني عليه قال حدثني أبو سعيد بن الأعرابي قال حدثنا أبو الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال حدثنا سعيد بن سليم قال حدثنا منصور بن الأسود عن ليث عن الربيع عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أولهم خروجا وأنا قائدهم إذا وفدوا وأنا خطيبهم إذا أنصتوا وأنا مستشفعهم إذا حبسوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا الكرامة والمفاتيح يومئذ

بيدي ولواء الحمد بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي يطوف علي ألف خادم كأنهن بيض مكنون أو لؤلؤ منثور حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا بن الأعرابي قال حدثنا الزعفراني قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا المختار بن فلفل قال حدثنا أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا اكثر الأنبياء أتباعا يوم القيامة يجيء النبي وليس معه مصدق غير رجل واحد وأنا أول شافع وأول مشفع صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما =

قلت المدون تم بحمد الله وفضله ثم قلت: اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة ابن الصلاح تقي الدين عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح

     مقدمة ابن الصلاح  تقي الدين عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح  يعد هذا الكتاب أشهر كتاب في علم مصطلح الحديث على الإطلاق ذكر في...