الدعاء

اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الأحد، 28 أغسطس 2022

ج7.وج8.الاستذكار المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

 

7. الاستذكار
المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

وروى عن جابر بن زيد والحسن وسعيد بن جبير مثل ذلك وروي مثل قول الكوفيين عن إبراهيم النخعي وعكرمة والشعبي قالوا لا يحصن الحر المسلم بيهودية ولا نصرانية ولا بأمة وقد روي عن إبراهيم أن اليهودية والنصرانية والأمة لا تحصن المسلم وهو يحصنهن وقد روي عن الحسن أن الأمة لا تحصن الحر وأن الكافرة تحصن المسلم خالف بين الكافرة والأمة وقال مجاهد وطائفة إذا نكح العبد الحرة أحصنته وإذا نكح الحر الأمة أحصنها وقال عطاء بن أبي رباح نكاح الكتابية إحصان وليس نكاح الأمة بإحصان قال أبو عمر عن التابعين في هذا الباب ضروب من الأضطراب وفي احتجاج أتباع الفقهاء لمذاهبهم في هذا الباب تشعيب وسنذكر عيونا في كتاب الحدود فهو أولى إن شاء الله تعالى وهو الموفق باب نكاح المتعة مالك عن بن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسانية قال أبو عمر هكذا قال مالك في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وتابعه على ذلك أكثر أصحاب بن شهاب منهم معمر ويونس وخالفهم بن عيينة وغيره عن بن شهاب بإسناده في هذا الحديث فقالوا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر وجاز في روايتهم إخراج نكاح المتعة عن يوم خيبر وردوا النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية خاصة إلى يوم خيبر

ولا يمكن مثل ذلك في رواية مالك وإنما جاء ذلك من قبل بن شهاب ولا خلاف بين أهل السير وأهل العلم بالأثر أن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية إنما كان يوم خيبر وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة ففيه اختلاف واضطراب كثير فمن ذلك أن إسحاق بن راشد روى هذا الحديث عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن نكاح المتعة ولم يتابع إسحاق بن راشد على هذه الرواية عن بن شهاب وقد تابعه يونس على إسقاط الحسن بن محمد من الإسناد وعند الزهري في هذا الحديث أيضا إسناد آخر رواه عنه جماعة من أصحابه قال أخبرني الربيع بن سبرة عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة يوم الفتح رواه بن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد عنده في الإسناد الأول وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه وأسانيد أحاديث هذا الباب كلها في التمهيد وقال آخرون إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة عام حجة الوداع ذكر أبو داود قال حدثني مسدد قال حدثني عبد الرزاق عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء فقال رجل يقال له ربيع بن سبرة أشهد على أبي أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عنها في حجة الوداع وذهب أبو داود إلى أن هذا أصح ما روي في ذلك وذكر عبد الرزاق هذا الحديث عن معمر عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه أن رسول الله حرم متعة النساء لم يزد على هذا ولم يذكر وقتا ولا زمنا ورواه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة بأتم ألفاظ وذكر فيه أن ذلك كان في حجة الوداع

وقد ذكرنا عنه بإسناده وتمام ألفاظه في التمهيد من طرق عن عبد العزيز بن عمر بإسناده هذا عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال خرجنا حجاجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فذكر الحديث قال فلما طفنا بالبيت وبين الصفا والمروة وحللنا قلنا يا رسول الله إن العزبة قد شقت علينا فقال النبي صلى الله عليه وسلم تمتعوا من هذه النسوان قال والاستمتاع عندنا التزويج قال فأتيناهن فأبين أن ينكحننا إلا أن نجعل بيننا وبينهن أجلا فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اجعلوا بينكم وبينهن أجلا فخرجت أنا وصاحب لي بن عم وكان أسن مني وأنا أشب منه وعلي بردة وبرده أمثل من بردي قال فأتينا امرأة من بني عامر فعرضنا عليها النكاح فنظرت إلي وإليه وقالت ببرد كبرد والشباب أحب إلي قال فتزوجتها فكان الأجل بيني وبينها عشرا وبعض رواة هذا الحديث يقول فيه فتزوجتها ثلاثا ببردي ثم انقضوا قال فبت معها تلك الليلة ثم غدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بين الركن والمقام يخطب فسمعته يقول إنا كنا أذنا لكم في الاستمتاع من هذه النساء فمن كان تزوج امرأة إلى أجل فليخل سبيلها وليعطها ما سمى لها فإن الله عز وجل قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة وكان الحسن البصري يقول هذه القصة كانت في عمرة القضاء ذكره عبد الرزاق عن معمر عن عمرو عن الحسن قال ما حلت المتعة قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء ما حلت قبلها ولا بعدها وهذ ا المعنى إنما يوجد من حديث بن لهيعة عن الربيع بن سبرة عن أبيه وقد روي في المتعة والنهي عنها من حديث سهل بن سعد وسلمة بن الأكوع وبن مسعود وغيرهم ففي حديث سهل بن سعد قال إنما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لغربة كانت بالناس شديدة ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم

وفي حديث سلمة بن الأكوع قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها وفي حديث بن مسعود رواه بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن بن مسعود قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شباب أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم نهانا عنها يعني عن المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية فهذا ما في هذا الباب من المسند وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث وسائر أحاديث هذا الباب في التمهيد والحمد لله وأما الصحابة فإن الأكثر منهم على النهي عنها وتحريمها روى مالك بن أنس وغيره عن نافع عن بن عمر قال عمر متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج قال أبو عمر متعة النساء معلومة وقد أوضحنا معنى قوله ومتعة الحج في كتاب الحج ومعنى قوله كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ثم نهى عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى بن جريج وعمرو بن دينار عن عطاء قال سمعت جابر بن عبد الله يقول تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ونصف خلافة عمر ثم نهى عمر الناس عنها في شأن عمرو بن حريث هذا اللفظ حديث بن جريج وحديث عمرو بمعناه قال بن جريج وأخبرني عطاء أن بن عباس كان يراها حلالا حتى الأن ويقول فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن قال وقال بن عباس في حرف أي إلى أجل مسمى وقال عطاء واستمتع معاوية وعمرو بن حريث فنهاهما عمر

قال عطاء وسمعت بن عباس يقول يرحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولولا نهى عمر عنها ما احتاج إلى الزنى إلا شقي قال أبو عمر أصحاب بن عباس من أهل مكة واليمن كلهم يرون المتعة حلالا على مذهب بن عباس وحرمها سائر الناس وقد ذكرنا الآثار عمن أجازها في التمهيد قال معمر قال الزهري ازداد الناس لها مقتا حين قال الشاعر يا صاح هل لك في فتيا بن عباس قال أبو عمر هما بيتان قال المحدث لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتيا بن عباس في بضة رخصته الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مرجع الناس وروى الليث بن سعد عن بكير بن الأشج عن عمار مولى الشريد قال سألت بن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح قال لا سفاح هي ولا نكاح قلت فما هي قال المتعة كما قال الله تعالى قلت هل عليها عدة قال نعم حيضة قلت يتوارثان قال لا قال أبو عمر لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق وليس هذا من حكم الزوجة عند أحد من المسلمين وقد حرم الله عز وجل الفروج إلا بنكاح صحيح أو ملك يمين وليست المتعة نكاحا صحيحا ولا ملك يمين وقد نزعت عائشة والقاسم بن محمد وغيرهما في تحريمها ونسخها لقوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون المؤمنون وأما قوله تعالى فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة النساء فروى عن علي رضي الله عنه قال نسخ صوم شهر رمضان كل صوم ونسخت الزكاة كل صدقة ونسخ الطلاق والعدة والميراث المتعة ونسخت الضحية كل ذبح

وعن بن مسعود قال المتعة منسوخة نسخها الطلاق والعدة والميراث وروي من حديث أبي هريرة عن النبي عليه السلام مثله وروى الثوري عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال نسخها الميراث وفي تأويل فما استمتعتم به منهن النساء قول ثان روي معناه عن جماعة منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه والحسن بن أبي الحسن رحمه الله قال هو النكاح الحلال فإذا عقد النكاح ولم يدخل فقد استمتع بالعقدة فإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها نصف الصداق وإن دخل بها فلها الصداق كله لأنه قد استمتع بها المتعة الكاملة قالوا وقوله تعالى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة النساء مثل قوله تعالى فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا النساء ومثل قوله تعالى إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح البقرة وهو أن تترك المرأة أو يترك لها وقد روي عن بن عباس أنه انصرف عن المتعة وأنه قال نسخ المتعة يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن الطلاق وروي أنه قال الاستمتاع هو النكاح وهي كلها آثار كلها ضعيفة لم ينقلها أحد يحتج به والآثار عنه بإجازة المتعة أصح ولكن العلماء خالفوه فيها قديما وحديثا حتى قال بن الزبير لو متع بن عباس لرجمته وقال بن أبي ذئب سمعت بن الزبير يخطب فقال في خطبته إن الذئب يكنى أبا جعدة آلا وإن المتعة هي الزنى وقال هشام بن الغاز سمعت مكحولا يقول في الرجل يتزوج المرأة إلى أجل قال هو الزنى وعبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه سئل عن المتعة فقال حرام فقيل له إن بن عباس يفتي بها فقال فهلا تزمزم بها في زمن عمر ذكره أبو بكر قال حدثني عبده عن عبيد الله قال وحدثني أبن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه قال في المتعة لا نعلمها إلا السفاح

وروى الحجاج بن أرطأة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال قلت لأبن عباس هل ترى ما صنعت وبما أفتيت سارت بفتياك الركبان وقالت فيها الشعراء فقال إنا لله وإنا إليه راجعون لا والله ما أحللت منها إلا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير يعني عند الاضطرار والله أعلم قال أبو عمر اتفق أئمة علماء الأمصار من أهل الرأي والآثار منهم مالك وأصحابه من أهل المدينة وسفيان وأبو حنيفة من أهل الكوفة والشافعي ومن سلك سبيله من أهل الحديث والفقه والنظر والليث بن سعد في أهل مصر والمغرب والأوزاعي في أهل الشام وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود والطبري على تحريم نكاح المتعة لصحة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم عنها واختلفوا في معنى منها وهو الرجل يتزوج المرأة عشرة أيام أو شهرا أو أياما معلومات وأجلا معلوما فقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي والأوزاعي هذا نكاح المتعة وهو باطل يفسخ قبل الدخول وبعده وقال زفر إن تزوجها عشرة أيام أو نحوها أو شهرا فالنكاح ثابت والشرط باطل وقالوا كلهم إلا الأوزاعي إذا نكح المرأة نكاحا صحيحا ولكنه نوى في حين عقده عليها ألا يمكث معها إلا شهرا أو مدة معلومة فإنه لا بأس به ولا تضره في ذلك نيته إذا لم يكن شرط ذلك في نكاحه قال مالك وليس على الرجل إذا نكح أن ينوي حبس امرأته إن وافقته وألا يطلقها وقال الأوزاعي لو تزوجها بغير شرط ولكنه نوى أن لا يحبسها إلا شهرا أو نحوه فيطلقها فهي متعة ولا خير فيه قال أبو عمر في حديث بن مسعود بيان أن المتعة نكاح إلى أجل وهذا يقتضي الشرط الظاهر وإذا سلم العقد منه صح وبالله التوفيق وأما الحمر الأهلية فلا خلاف اليوم بين علماء المسلمين أنه لا يجوز أكلها لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وعلى ذلك جماعة السلف إلا بن عباس وعائشة فيما روي عنهما أنهما كانا لا يريان بأكلها بأسا ويتأولان قول الله عز وجل قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما

على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير الأنعام وهذه الآية قد أوضحنا فيما تقدم من كتابنا ما للعلماء في تأويلها وأنها آية مكية نزل بعدها قرآن كثير بتحريم وتحليل وبين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فنهى عن أكل لحوم الحمر والسباع وقد مضى القول في أكل السباع في بابه من هذا الكتاب والحمد لله وقد روي عن بن عباس عن النبي عليه السلام من رواية الثقات النهي عن أكل لحوم الحمر والسباع وكل ذي مخلب من الطير رواه الثوري عن الأعمش عن مجاهد عن بن عباس ورواه سعيد بن أبي عروبة عن علي بن الحكم عن ميمون بن مهران عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن النبي عليه السلام وهو الذي تحمل إضافته إلى بن عباس لموافقته جماعة الناس في لحوم الحمر وليس أحد بحجة على السنة لأن على الكل فيها الطاعة والاتباع وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية من وجوه كثيرة صحاح من حديث علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله والبراء بن عازب وعبد الله بن أبي أوفى وأنس بن مالك وزاهر الأسلمي رضي الله عنهم وقد ذكرناها بأسانيدها في التمهيد وفي حديث أنس أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى يوم خيبر أن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية

وفي حديث جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر وأذن في لحوم الخيل قال أبو عمر في هذا الحديث أوضح الدليل على أن النهى عن أكل الحمر الأهلية عبادة وشريعة لا لعلة الحاجة إليها لأنه معلوم أن الحاجة إلى الخيل في العرف أوكد وأشد وأن الخيل أرفع حالا وأكثر جمالا فكيف يؤذن للضرورة في أكلها وينهى عن الحمر هذا من المحال الذي لا يستقيم وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في أكل لحوم الخيل ومن كرهها منهم ومن أباحها فيما تقدم من كتاب الذبائح والصيد والحمد لله وأما حديث مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه فخرج عمر بن الخطاب فزعا يجر رداءه فقال هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت يحيى فإنه كان هذا القول منه قبل نهيه عنها على أنه يحتمل قوله هذا وجهين أحدهما أن يكون تغليظا على نحو ما ذكرنا من قوله في نكاح السر ليرتدع الناس وينزجروا عن سوء مذاهبهم وقبيح تأويلاتهم والآخر أن يكون تقدمه بإقامة الحجة من الكتاب والسنة على تحريم نكاح المتعة لأنه لا ميراث فيه ولا طلاق ولا عدة وأنه ليس بنكاح وهو سفاح فإذا قامت حجة بذلك على من أقامها عليه ثم واقع ذلك رجمه كما يرجم الزاني وهذا وجه ضعيف لا يصح إلا على من وطى ء حراما عنده لا لم يتأول فيه سنة ولا قرآنا والله أعلم وأما ربيعة بن أمية هذا فهو أخو صفوان بن أمية الجمحي جلده عمر بن الخطاب في الخمر فلحق بالروم فتنصر فلما ولي عثمان بن عفان بعث إليه أبا الأعور السلمي يقول له راجع الإسلام فإنه يغسل ما قبله وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما راجعه إلا بقول النابغة

حياك ود فإننا لا يحل لنا لهو النساء وإن الدين قد عزم ذكر هذا الخبر مصعب الزبيري والزبير بن بكار والعدوي وغيرهم أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن عثمان بن ثابت قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال ربيعه الذي جلده عمر في الخمر هو بن أمية بن خلف الجمحي وهو الذي كان ينادي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته في خطبته في حجة الوداع إذا قال النبي عليه السلام أي يوم هذا نادى بأي يوم هذا وكان رجلا صيتا ثم إن عمر حده بعد في الخمر قال أبو عمر الخبر من رواية عمر منقطع وقد رويناه متصلا حدثناه أحمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن يونس عن بقي بن مخلد عن بن إدريس عن يحيى بن سعيد عن نافع عن بن عمر قال قال عمر لو تقدمت فيها لرجمت يعني المتعه باب نكاح العبيد مالك أنه سمع ربيعه بن أبي عبد الرحمن يقول ينكح العبد أربع نسوة قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال أبو عمر استحسان مالك لما قاله ربيعة في هذا الباب وأنه أحسن ما سمع عنده بيان أنه قد سمع الاختلاف فيه فيما يوافق قول ربيعة وقول مالك في هذا الباب ما رواه بن وهب عن بن لهيعة عن خالد بن أبي عمران قال سالت سالما والقاسم عن العبد كم يتزوج قال أربعا وذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن عيينة عن ربيعة عن مجاهد قال يتزوج العبد أربعا وقال عطاء اثنتين وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال ينكح العبد أربعا قال وحدثني بن جريج قال قلت لعطاء أينكح العبد أربعا بإذن سيده فكأنه لم يكره ذلك

قال وحدثني بن عيينة عن بن أبي نجيح عن عطاء قال يتزوج العبد اثنتين قال وقال مجاهد يتزوج أربعا قال أبو عمر من أجاز للعبد إن يتزوج أربعا وحجته ظاهر قول الله عز وجل فانكحوا ما طاب لكم من النساء النساء يعني ما حل لكم مثنى وثلاث ورباع النساء ولم يخص عبدا من حر وهو قول داود وهو المشهور عن مالك وتحصيل مذهبه على ما في موطئه وكذلك روى عنه بن القاسم وأشهب إلا أن أشهب قال عنه إنا لنقول ذلك وما ندري ما هو وذكر بن المواز أن بن وهب روى ذلك عن مالك إن العبد لا يتزوج إلا اثنتين قال وهو قول الليث قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والليث بن سعد لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين وبه قال أحمد وإسحاق وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف في العبد لا ينكح أكثر من اثنتين ولا أعلم لهم مخالفا من ا لصحابة ذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة عن عمر بن الخطاب قال ينكح العبد اثنتين وروي مثل ذلك عن عمر من وجوه ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن بن سيرين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل الناس كم يحل للعبد أن ينكح فقال عبد الرحمن بن عوف اثنتان فصمت عمر قال وقال بعضهم فقال له عمر وافقت الذي في نفسي وذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن أبي زائدة عن بن عوف عن محمد بن

سيرين قال قال عمر من يعلم ما يحل للمملوك من النساء فقال رجل أنا قال كم قال امرأتان فسكت عمر قال وحدثني حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا كان يقول لا ينكح العبد فوق اثنتين قال وحدثني المحاربي عن ليث عن الحكم قال أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المملوك لا يجمع من النساء أربعا قال أبو عمر و هو قول الشعبي وعطاء وبن سيرين والحسن والحكم وإبراهيم وقتادة والحجة لهذا القول القياس الصحيح على طلاقه وحدوده وكل من قال حده نصف حد الحر وطلاقه تطليقتان وإيلاؤه شهران ونحو ذلك من أحكامه فغير بعيد أن يقال تناقض في قوله ينكح أربعا والله أعلم قال مالك والعبد مخالف للمحلل إن أذن له سيده ثبث نكاحه وإن لم يأذن له سيده فرق بينهما والمحلل يفرق بينهما على كل حال إذا أريد بالنكاح التحليل قال أبو عمر وأما نكاح المحلل فقد مضى القول بما للعلماء فيه من الاختلاف ومعاني أقوالهم فيما تقدم في هذا الكتاب وأما نكاح العبد بغير إذن سيدة فجملة مذهب مالك وأصحابه فيه أنه نكاح موقوف على إجازة السيد فإن شاء أجازه وإن شاء فسخه وهو قول ليث والكوفيين إلا أنهم اختلفوا من ذلك فيما نذكره عنهم هنا إن شاء الله قال مالك إن أجاز المولى نكاح عبده جاز وإن طلقها العبد قبل أن يجيز مولاه نكاحه ذلك ثلاثا لم تحل له إلا بعد زوج قال وكل عبد ينكح بغير إذن سيده فالطلاق بإذن السيد فإن نكح بإذن سيده فالطلاق إليه ليس إلى سيده منه شيء قال ولو أن عبدا نكح بغير إذن سيده وعلم السيد بذلك فأنكره ثم قال قد أجزته في نكاحه ذلك كان جائزا قال ولو كان بيعا فقد أجزت بعد أن أنكر لم يلزم البيع قال وقال مالك في الأمة تتزوج بغير إذن مولاها نكاحها باطل أجازه

مولاها أو لم يجزه لأن العبد يعقد على نفسه إذا أذن له سيده والأمة لا تلي عقد النكاح على نفسها ولا على غيرها وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا بلغ السيد نكاح عبده وأجازه جاز وإن طلقها العبد قبل أن يجيز المولى لم يقع طلاقه وكانت مشاركة للنكاح وقال الثوري يجوز نكاح العبد إذا أجازه المولى قال وأحب إلي أن يستأنف وحكاه عن إبراهيم وقال الشافعي والأوزاعي وداود بن علي لا تجوز إجازة المولى ولم يجزه لأن العقدة الفاسدة لا يصح إجازتها فإن أراد النكاح استأنفه على سنته وقد أجمع العلماء على أنه لا يجوز نكاح العبد بغير إذن سيده وقد كان بن عمر يعد العبد بذلك زانيا ويحده وذكر عبد الرزاق عن بن عمر عن نافع عن بن عمر وعن معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر أنه أخذ عبدا له نكح بغير إذنه فضربه الحد وفرق بينهما وأبطل صداقه قال وأخبرنا بن جريج عن موسى بن عقبة أنه أخبره عن نافع عن بن عمر انه كان يرى نكاح العبد بغير إذن سيده زنا ويرى عليه الحد ويعاقب الذين أنكحوهما قال وأخبرنا بن جريج عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد نكح بغير إذن سيده فهو عاهر وعن عمر بن الخطاب هو نكاح حرام فإن نكح بغير إذن سيده فالطلاق بيد من يستحل الفرج قال أبو عمر على هذا مذهب جماعة الفقهاء بالأمصار بالحجاز والعراق ولكن الاختلاف بين السلف في ذلك فالجمهور على أن السيد إذا أذن للعبد في النكاح فالطلاق بيد العبد

روي ذلك عن عمر من وجوه وعن علي وعبد الرحمن بن عوف وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وبن سيرين وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وبن شهاب ومكحول وشريح وسعيد بن جبير وغيرهم ولم يختلف عن بن عباس أن الطلاق بيد السيد وتابعة على ذلك جابر بن زيد وفرقة وهو عند العلماء شذوذ لا يعول عليه وأظن بن عباس تأول في ذلك قول الله عز وجل ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء النحل قال أبو عمر قد روي عن جماعة من السلف أن للسيد أن يجيز نكاح عبده المنعقد بغير إذنه ولم يذكروا قربا ولا بعدا وروى وكيع عن سفيان عن هشام عن الحسن وعن مغيرة عن إبراهيم قال إذا تزوج العبد بغير إذن سيده ثم أذن المولى فهو جائز وشعبة عن إبراهيم والحسن مثله وشعبة عن الحكم قال إن أجازه المولى جاز قال وقال حماد يستأنف النكاح ومعمر عن قتادة عن الحسن قال إن شاء السيد فرق بينهما وإن شاء أقرهما على نكاحهما وذكر أبو بكر قال حدثني عبدة بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن في العبد يتزوج بغير إذن سيده قالا إن شاء سيده أجاز النكاح وإن شاء رده وفي هذا الباب قال مالك في العبد إذا ملكته امرأته والزوج يملك امرأته إن ملك كل واحد منهما صاحبه يكون فسخا بغير طلاق وإن تراجعا بنكاح بعد لم تكن تلك الفرقة طلاقا قال مالك والعبد إذا أعتقته امرأته إذا ملكته وهي في عدة منه لم يتراجعا إلا بنكاح جديد قال أبو عمر أما المسألة الأولى في المرأة تملك زوجها فقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري في ذلك كقول مالك إن ملكها له يبطل النكاح بينهما وليس ذلك بطلاق

ومعنى قولهم ليس ذلك بطلاق وإنما هو فسخ النكاح فإنهم يؤيدون ذلك أنه إذا نكحها وهو حر أو عبد لغيرها فإنها تكون عنده على عصمة مبتدأة كاملة ولا تحرم عليه إلا بثلاث تطليقات كسائر المبتدآت بالنكاح وقال الأوزاعي إذا وجبت الفرقة بينهما بملكها له فهو طلاق وقالت به فرقة منهم قتادة فعلى قول الأوزاعي يكون عنده على طلقتين إن طلقها طلقتين حرمت عليه وقال الليث بن سعد إذا ملكت المرأة زوجها فإنه يباع عليها ولا يترك مملوكا لها وقد كان يطأها قبل ذلك قال أبو عمر أجمع علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ولم يختلف في ذلك من بعدهم من الفقهاء أن المرأة لا يحل لها أن يطأها من تملكه وأنها غير داخلة في قول الله عز وجل والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين المؤمنون وان هذه الآية عني بها الرجال دون النساء ولكنها لو أعتقته بعد ملكها له جاز له أن يتزوجها كما يجوز لغيره عند الجمهور وقد روي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة والشعبي والنخعي أنها لو أعتقته حين ملكته كانا على نكاحهما ولا يقول بهذا أحد من فقهاء الأمصار وأنها أيضا بملكها له يفسد نكاحهما على ما تقدم والذي عليه العمل عندهم ما قاله مالك أنها لو أعتقته بعد ملكها له لم يتراجعا إلا بنكاح جديد واضح ولو كانت في عدة منه حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني بن جريج قال حدثني أبو الزبير عن جابر أنه سمعه يقول جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية نكحت عبدها فانتهرها وهم أن يرجمها وقال لا يحل لك مسلم بعده وعن معمر عن قتادة قال تسرت امرأة غلامها فذكر ذلك لعمر فسألها ما حملها على ذلك فقالت كنت أراه يحل لي بملك يميني كما تحل للرجل المرأة بملك اليمين فاستشار عمر في رجمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا تأولت كتاب الله عز وجل على غير تأويله لا رجم عليها فقال عمر لا جرم والله لا أحلك لحر بعده أبدا عاقبها بذلك ودرأ الحد عنها وأمر العبد ألا يقربها

وعن أبي بكر بن عبد الله أنه سمع أباه يقول حضرت عمر بن عبد العزيز جاءته امرأة من الأعراب بغلام لها رومي فقالت إني استسررته فمنعني بنو عمي عن ذلك وإنما أنا بمنزله الرجل تكون له الوليدة فيطؤها فإنه عنى بني عمي فقال عمر أتزوجت قبله قالت نعم قال عمر أما والله لولا منزلتك من الجهالة لرجمتك بالحجارة ولكن اذهبوا به فبيعوه ممن يخرج به إلى غير بلدها قال أبو عمر وأما الزوج يملك امرأته فلا خلاف بين العلماء في بطلان نكاحها على ما تقدم من اختلافهم هل ذلك فسخ نكاح أو طلاق ولكنه يطؤها بملك يمينه ولا يحتاج إلى استبرائها من مائه عند جميعهم فإن أعتقها بعد ابتياعه لها لم تحل له إلا بنكاح وصداق ولو ورث أو اشترى بعضها فإن معمرا روى عن الزهري قال حرمت عليه حتى يستخلصها فإن أصابها فحملت فهي من أمهات أولاده وتقوم لشركائه قال معمر وقال قتادة لم تزدد منه إلا قربا وتكون عنده على حالها قال أبو عمر قول بن شهاب هو قول مالك لأنه لما ملك بعضها انفسخ نكاحهما ولم يحل له وطؤها لأنه لا يملك جميعها فإن وطئها لحقه ولدها وقومت عليه لشركائه وأما قول قتادة فإنه يقول إنه لا ينفسخ النكاح إلا بملك جميعها ويطؤها بنكاحه ولا يزيد ملك اليمين منها إلا قوة قال أبو عمر ولو أن عبدا تزوج بإذن مولاه على صداق معلوم فضمنه السيد ثم إنه دفع فيه عنده في ذلك إلى زوجته فملكته بمهرها كان النكاح مفسوخا فإن كان دخل بها فلا شيء على السيد وإن كان لم يدخل بها فلا شيء لها عند مالك والشافعي وأبي حنيفة وقال الثوري والليث لها نصف المهر باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله مالك عن بن شهاب أنه بلغه أن نساء كن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

يسلمن بأرضهن وهن غير مهاجرات وأزواجهن حين أسلمن كفار منهن بنت الوليد بن المغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم آمانا لصفوان بن أمية ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وأن يقدم عليه فإن رضي أمرا قبله وإلا سيره شهرين فلما قدم صفوان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه ناداه على رؤوس الناس فقال يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك فإن رضيت أمرا قبلته وإلا سيرتني شهرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل أبا وهب فقال لا والله لا أنزل حتى تبين لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل لك تسير أربعة أشهر فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن بحنين فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعيره أداة وسلاحا عنده فقال صفوان أطوعا أم كرها فقال بل طوعا فأعاره الأداة والسلاح التي عنده ثم خرج صفوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح وعن بن شهاب أنه قال كان بين إسلام صفوان وبين إسلام امرأته نحو من شهر قال بن شهاب ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله ورسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها وعن بن شهاب أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن فدعته إلى الإسلام فأسلم وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثب إليه فرحا وما عليه رداء حتى بايعه فثبتا على نكاحهما ذلك قال مالك وإذا أسلم الرجل قبل امرأته وقعت الفرقة بينهما إذا عرض عليها

الإسلام فلم تسلم لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ولا تمسكوا بعصم الكوافر الممتحنة قال أبو عمر قد تكلمنا على هذين الحديثين وعلى حسب ألفاظهما في التمهيد وهي تنصرف في أبواب من هذا الكتاب وأما مسألة الكافر والوثني والكتابي تسلم امرأته قبله أو يسلم قبلها ومسألة الحربية تخرج إلينا مسلمة فأما الكافر تسلم امرأته ففي حديث بن شهاب في هذا الباب بيان السنة في ذلك وأنه أحق بامرأته ما كانت في عدة منه وإليه ذهب مالك والشافعي وأصحابهما في الوثني تسلم زوجته الوثنية أنه إن أسلم في عدتها فهو أحق بها كما كان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل أحق بزوجتيهما لما أسلما في عدتهما على حديث مالك عن بن شهاب المذكور في هذا الباب وكذلك رواه معمر عن الزهري كما رواه عنه مالك سواء بمعنى واحد وروى معمر أيضا عن أيوب عن عكرمة بن خالد أن عكرمة بن أبي جهل فر يوم الفتح فركبت إليه امرأته فردته فأسلم وكانت قد أسلمت قبل ذلك فأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم على نكاحهما واختلف مالك والشافعي في الوثنيين يسلم الرجل منهما قبل امرأته فذهب مالك إلى ما ذكره في هذا الباب من موطئه أنه تقع بإسلامه الفرقة بينه وبين امرأته إذا عرض عليها الإسلام ولم تسلم في الوقت واحتج بقوله عز وجل ولا تمسكوا بعصم الكوافر الممتحنة وقال الشافعي سواء أسلم المجوسي أو الوثني قبل امرأته الوثنية أو أسلمت قبله إذا اجتمع إسلامهما في العدة فهما على نكاحهما واحتج بأن أبا سفيان بن حرب أسلم قبل هند بنت عتبة امرأته وكان إسلامه بمر الظهران ثم رجع إلى مكة وهند بها كافرة مقيمة على كفرها فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال ثم أسلمت بعده بأيام فاستقرا على نكاحهما لأن عدتها لم تكن انقضت قال ومثله حكيم بن حزام أسلم قبل امرأته ثم أسلمت بعده فكانا على نكاحهما

قال ولا حجة فيما احتج به مالك وقوله ولا تمسكوا بعصم الكوافر الممتحنة لأن نساء المؤمنين محرمات على الكفار كما أن المسلمين لا تحل لهم الكوافر والوثنيات ولا المجوسيات لقوله عز وجل لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن الممتحنة ثم بينت السنة أن مراد الله عز وجل من قوله هذا أنهم لا يحل بعضهم لبعض إلا أن يسلم الثاني منهما في العدة واحتج بقصة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر أما قصة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قد اختلف فيها ذكر أبو داود قال حدثني عبد الله بن محمد النفيلي قال حدثني محمد بن سلمة قال أبو داود وحدثني محمد بن عمرو الرازي قال حدثني سلمة بن الفضل قال أبو داود وحدثني الحسن بن علي قال حدثني يزيد كلهم عن بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا قال محمد بن عمر في حديثة بعد ست سنين وقال الحسن بن علي بعد سنتين فإن صح هذا فلا يخلو من أحد الوجهين إما أنها لم تحض ثلاث حيض حتى أسلم زوجها وإما الأمر فيها منسوخ بقول الله عز وجل وبعولتهن أحق بردهن في ذلك البقرة يعني في عدتهن وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء انه عني به العدة وقال بن شهاب الزهري رحمه الله في قصة زينب هذه كان هذا قبل أن تنزل الفرائض وقال قتادة كان هذا قبل أن تنزل سورة براءة بقطع العهود بين المسلمين والمشركين قال أبو عمر قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب رضي الله عنها إلى أبي العاص بن الربيع بنكاح جديد وإذا كان هذا سقط القول في قصة زينب والحمد لله وكذلك قال الشعبي مع علمه بالمغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد زينب ابنته إلى أبي العاص إلا بنكاح جديد

ولا خلاف بين العلماء في الكافرة تسلم ويأبى زوجها من الإسلام حتى تنقضي عدتها إنه لا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد وهذا كله يبين به أن قول بن عباس رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ردا ابنته زينب إلى أبي العاص على النكاح الأول أنه أراد به على مثل الصداق الأول إن صح وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عندنا صحيح والله أعلم وقد ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن رجل عن بن شهاب قال أسلمت زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وهاجرت بعد النبي عليه السلام في الهجرة الأولى وزوجها أبو العاص بن الربيع بمكة مشرك ثم شهد أبو العاص بدرا مشركا فأسر ففدي وكان موسرا ثم شهد أحدا مشركا ورجع إلى مكة ومكث بها ما شاء الله ثم خرج إلى الشام تاجرا فأسر بأرض الشام أسره نفر من الأنصار فدخلت زينب على النبي عليه السلام فقالت إن المسلمين يجير عليهم أدناهم فقال وما ذاك يا زينب فقالت أجرت أبا العاص فقال أجزت جوارك ثم لم يجز جوار امرأة بعدها ثم أسلم فكان على نكاحهما وكان عمر بن الخطاب خطبها إلى النبي عليه السلام فذكر لها النبي عليه السلام ذلك فقالت أبو العاص يا رسول الله حيث علمت وقد كان نعم الصهر فإن رأيت أن ننتظره فسكت النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك قال بن شهاب وأسلم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بالروحاء مقفل النبي عليه السلام من الفتح فقدم على جمانة بنت أبي طالب مشركة فأسلمت فأقاما على نكاحهما قال بن شهاب وأسلم مخرمة بن نوفل وأبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام بمر الظهران وقدموا على نسائهم مشركات فأسلمن فأقاموا على نكاحهم وكانت امرأة مخرمة بن نوفل الشفا بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف وامرأة حكيم بن حزام زينب ابنة العوام فامرأة أبي سفيان هند بنت عتبة بن ربيعة قال بن شهاب وكان عند صفوان بن أميه مع عاتكة بنت الوليد بن المغيرة آمنة بنت أبي سفيان بن حرب فأسلمت أيضا مع عاتكة يوم الفتح بعد صفوان بن أمية فأقاما على نكاحهما قال أبو عمر فهذه الأخبار كلها حجة للشافعي في الموضع الذي خالف فيه مالكا وقد ذكرنا حجة مالك

فإن قيل أن بن جريج روى عن بن شهاب أنها إذا أسلمت قبله خير زوجها فإن أسلم فهي امرأته وإلا فرق الإسلام بينهما قيل له لم يختلف قول بن شهاب ولا اختلفت آثاره التي ذكرنا أن الرجل إذا أسلمت زوجته قبله كان أحق بها ما كان إسلامه في عدتها وهذا يبين لك أن قوله يخير ما دام في العدة لا في وقت إسلامه فقط وقد روى إسرائيل وغيره عن سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس قال أسلمت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجرت وتزوجت وكان زوجها قد أسلم فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إني قد أسلمت معها وعلمت بإسلامي فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في التمهيد وفيه دليل على إن الإسلام منها لا يحرمها على زوجها الكافر إذا أسلم بعدها ما لم تنقض عدتها قال أبو عمر وأما الكوفيون سفيان وأبو حنيفة وأصحابهما فإنهم قالوا في الكافرين الذميين إذا أسلمت المرأة عرض على الزوج الإسلام فإن أسلم وإلا فرق بينهما قالوا ولو كانا حربيين كانت امرأته حتى تحيض ثلاث حيض فإن لم يسلم في العدة وقعت الفرقة وقالوا لو كانت المرأة مجوسية فأسلم الزوج ولم يدخل بها ولم تسلم حتى انقضت عدتها فلها نصف الصداق وإن أسلمت قبل انقضاء عدتها فهما على نكاحهما قال أبو عمر فرقوا بين الحربيين والذميين لاختلاف الدارين عندهم وقالوا في الآثار التي ذكرها بن شهاب أن قريشا المذكورين ونساءهم كانوا حربيين قال أبو عمر لا فرق بين الدارين في الكتاب ولا في السنة ولا في القياس وإنما المراعاة في ذلك كله في الديانات فباختلافهما يقع الحكم والله المستعان

وقال الأوزاعي إذا أسلمت المرأة وأسلم هو في العدة فهي امرأته وإن أسلم بعد العدة فهي تطليقة وهو خاطب قال والمجوسية والوثنية والكتابية في ذلك سواء قال أبو عمر يعني أنه أحق بها ما كان إسلامه في العدة على ما جاء الخبر به عن صفوان وعكرمة وغيرهما ممن تقدم ذكره في هذا الباب وعن الحسن بن حي روايتان إحداهما مثل قول الأوزاعي والشافعي في اعتبار العدة والأخرى مثل قول الثوري وأبي حنيفة في عرض الإسلام على الزوج في الوقت فإن أبى وقعت الفرقة ولم يفرق بين الحربيين والذميين وفي المسألة قول رابع في المجوسيين عن بن شهاب أيهما أسلم وقعت الفرقة بينهما ساعة الإسلام إلا أن يسلما معا روي ذلك عن بن عباس وعكرمة وطاوس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن والحكم وأما اختلافهم في الصداق في هذا الباب فقال الثوري إن أسلمت وأبى فلها المهر إن كان دخل بها ونصفه إن لم يدخل وإن أسلم وأبت وهي مجوسية فلا مهر إن لم يدخل بها قال أبو عمر لا خلاف أنه إذا دخل في وجوب المهر وأما اشتراطه المجوسية في تقدم إسلامه ولم يتقدم شرط ذلك في الكتابية لأن إسلامه لا يحرم عليه الكتابية ويحرم المجوسية وهذا أيضا صحيح لا خلاف فيه ولا مهر لها لأنه فسخ ليس بطلاق وفي سماع بن أبي أويس عن مالك أنه قال الأمر عندنا في المرأة تسلم وزوجها كافر قبل أن يدخل بها أنه لا صداق لها سمى لها أو لم يسم وليس لزوجها عليها رجعة لأنه لا عدة عليها قال ولو دخل بها كان له عليها الرجعة إن أسلم في عدتها وكان لها صداقها كاملا فإن بقي لها عليه شيء من مهرها فلها بقيته أسلم في عدتها أو لم يسلم قال وقال مالك في المجوسية يتزوجها المجوسي ثم يسلم أحدهما ولم يدخل بها فرض لها أو لم يفرض لها إنه لا صداق لها إن أسلمت قبله وأبى هو أن يسلم أو أسلم قبلها وأبت هي أن تسلم في الوجهين جميعا

قال أبو عمر قول مالك ليس عليها رجعة إن لم يسلم في عدتها بذلك إن أهل العلم ينزلون إسلامه أو إسلامها منزلة الطلاق يراعون في رجعته إلى الإسلام الدخول وإنما اختلفوا هل فيه فسخ أو طلاق واختلفوا في الوثنيين يسلم الزوج منهما قبل الدخول ويعرض عليها الإسلام فتأبى أنه لا شيء لها من المهر وقال الشافعي في المزني فإذا أسلم الزوج قبل الدخول فلها نصف المهر إن كانت مجوسية أو وثنية وإن أسلمت هي قبله فلا صداق لها لأن الفسخ جاء من قبلها قال أبو عمر لأنه لا عدة فيمن لم يدخل بها ينتظر إليها وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا عرض الإسلام على الذي لم يسلم من الزوجين وأبى فرق بينهما إلا أن تكون الزوجة كتابية فيسلم الرجل وتأبى امرأته فإنه يقيم على نكاحه معها فإن كان الزوج هو الذي أبى قبل الدخول كان عليه نصف الصداق وإن كانت المرأة هي التي أبت فلا شيء لها وهو قول الثوري وقال بن شبرمة في المجوسي تسلم امرأته ولم يدخل بها فقد انقطعت العصمة بينهما ولا صداق لها وإن أسلم هو ولم يدخل ثم لم تسلم هي حتى انقضت عدتها فلها نصف الصداق وإن أسلمت قبل أن تنقضي العدة فهما على النكاح قال أبو عمر اختلاف التابعين في هذه المسائل على حسب ما ذكرنا عن أئمة الفتوى فلم أر لذكرهم وجها وأما من لم ير نصف الصداق واجبا للمرأة إذا أسلمت قبل زوجها ولم يسلم ولم يدخل بها فلأن الفسخ جاء من قبلها فلم يكن لها شيء من الصداق ومن رأى لها نصف الصداق زعم أنها فعلت فعلا مباحا لها يرضاه الله عز وجل منها فلما أبى زوجها أن يسلم كان كالمفارق المطلق لها فوجب عليه نصف الصداق

وأما إسلام الزوج قبل امرأته ولم يدخل بها فإن كانت كتابية أقام عليها وإن كانت مجوسية أو وثنية فوجه من قال لها نصف الصداق إن أبت من الإسلام لأنه المفارق لها بإسلامه وقد كانا عقدا نكاحهما على دينهما ومن قال لا شيء لها فعله وقوله نحو ما تقدم ذكره لأنه فعل ما له فعله فلو أسلمت قرت معه فلما أبت كانت هي المفارقة وإنما جاءت الفرقة من قبلها فلا شيء لها من الصداق قال أبو عمر زعم بعض الناس أن عمر بن عبد العزيز كان يذهب إلى أن الفرقة تقع بينهما بلا غرض إسلام ولا انتظار عدة وذكر ذلك عنه بن جريج وذكر سليمان التيمي عن الحسن وعمر بن عبد العزيز إذا أسلمت قبله خلعها منه الإسلام كما تخلع الأمة من العبد إذا عتقت وهذا جهل لأن الأمة تحت العبد لا تبين بعتقها منه إلا بعد التخيير لها ما لم يمسها وهذا يدل على أنها لم تبن منه وكذلك الكافرة إذا أسلمت لم تبن من زوجها ولو بانت ما عرض الإسلام عليه في الوقت ولا انتظر به في تخييره وعرض الإسلام عليه مضي العدة وهذا مع وضوحه قد روي منصوصا عن عمر بن عبد العزيز ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن عمرو بن ميمون بن مهران أن عمر بن عبد العزيز قال إذا أسلم وهي في العدة فهو أحق بها وفي المسألة قول شاذ خامس روي عن عمر وعلي وبه قال إبراهيم والشعبي إذا أسلمت الذمية لم تنتزع من زوجها لأن له عهدا وهذا لا يقول به أحد من فقهاء الأمصار وأهل الآثار باب ما جاء في الوليمة مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن

عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كم سقت إليها فقال زنه نواة من ذهب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ جعلوه من مسند أنس ورواه روح بن عبادة عن مالك عن حميد عن أنس عن عبد الرحمن بن عوف جعله من مسند عبد الرحمن بن عوف وقال أهل العلم بالنسب والخبر إن المرأة التي تزوج عبد الرحمن بن عوف على زنة نواة من ذهب وقال له فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة هي بنت أنيس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل من الأنصار من الأوس ولدت لعبد الرحمن بن عوف ابنين أحدهما يسمى القاسم والآخر أبو عثمان قيل اسمه عبد الله كما قيل في اسم أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقال لأحدهما عبد الله الأصغر والآخر عبد الله الأكبر وأما النواة فأكثر أهل العلم يقولون وزنها خمسة دراهم وقال أحمد بن حنبل وزنها ثلاثة دراهم وثلث وقد قيل إن النواة المذكورة في الحديث نواة التمر أراد وزنها من الذهب وقال بعض أصحاب مالك وزن النواة بالمدينة ربع دينار قال وذلك معروف عندهم واحتج بحديث يروى عن الحجاج بن ارطأة عن قتادة عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة أنصارية وأصدقها زنة نواة من ذهب ثلاثة دراهم وربع وجعل هذا القائل حديث النواة هذا أصلا في أقل الصداق

وهذا لا حجة فيه لأن المثقال وزنه درهمان عددا لا كيلا لا خلاف في ذلك ودرهم الفضة درهم كيلا وهو درهم وخمسان ووزن ثلاثة دراهم وربع من ذهب لا خلاف بين أحد من العلماء أنه يكون صداقا لمن شاء لأنه اكثر من ثلاثة دراهم فضة ومن ربع دينار ذهبا بل هو أكثر من مثقالين من الذهب وهما ديناران فأين هو ربع دينار ذهبا من هذا لولا الغفلة الشديدة ولم يختلف العلماء في أكثر الصداق وأنه لا مقدار له عندهم واختلفوا في مقدار أقل الصداق وقد بينا ذلك في باب الصداق والحباء في أول هذا الكتاب والحمد لله وأما قوله في حديث مالك هذا وبه أثر صفرة فرواه حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحميد عن أنس فقال فيه وبه ردع من زعفران تبين تلك الصفرة ما كانت فيجوز على هذا الرجل أن يصفر لحيته وثيابه بالزعفران وقد أجاز ذلك مالك وأصحابه لباس الثياب المصبوغة بالزعفران للرجال وحكاه عن بن عمر وبن المنكدر وربيعة وبن هرمز حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني القعنبي قال حدثني عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه أن بن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران فقيل له في ذلك فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ به ورايته أحب الطيب إليه وأخبرنا خلف بن قاسم قال حدثني بن شعبان قال حدثني الحسن بن محمد بن الضحاك قال حدثني أبو مروان العثماني قال حدثنا إبراهيم بن سعد قال سألت بن شهاب عن الخلوق فقال قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلقون ولا يرون بالخلوق بأسا قال بن شعبان هذا جائز عند أصحابنا في الثياب دون الجسد

وكره الشافعي وأبو حنيفة واصحابهما أن يصبغ الرجل ثيابه أو لحيته بالزعفران لحديث عبد العزيز بن صهيب وغيره عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل و حديث يعلى بن مرة قال مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق بالزعفران فقال لي يا يعلى هل لك امرأة قلت لا قال اذهب فاغسله و حديث عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقرب الملائكة جنازة كافر ولا جنب ولا متضمغ بخلوق وأحاديث في هذا المعنى قد ذكرتها في التمهيد وسيأتي في كتاب الجامع إن شاء الله عز وجل مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال لقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم قال أبو عمر هذا الحديث رواه سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمة ليس فيها خبز ولا لحما حدثنا به بن وهب وسعيد بن عفير عن سليمان بن بلال بإسناده هذا وزاد فيه قيل فبأي شيء يا أبا حمزة قال بسويق وتمر وروى هذا الحديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن أنس والصواب ما رواه عنه سليمان بن بلال والله أعلم وإسماعيل كثير الخطأ عن المدنيين سيئ الحفظ وهو عند الشاميين أشبه والنسائي في الضعفاء وهذا الحديث محفوظ لأنس رواه عنه الزهري وثابت وحميد وعمرو بن أبي عمرو وغيرهم وهذه الوليمة كانت على صفية بنت حيي في السفر مرجعة من خيبر

وعند أنس بن مالك أيضا حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على زينب حين تزوجها فأشبع المسلمين خبزا ولحما وقد ذكرنا أحاديث هذا الباب كلها بالأسانيد في التمهيد مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها مالك عن بن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله قال أبو عمر أما حديث نافع فاختلف أصحابه عليه في لفظه فلفظ حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر كلفظ حديث مالك سواء بلفظ واحد ورواه أيوب وموسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أجيبوا الدعوة إذا دعيتم لم يخص وليمة من غيرها هكذا رواه حماد بن زيد عن أيوب ورواه معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دعا أحدكم أخاه فليجيب عرسا كان أو دعوة ورواه الزبيدي عن نافع عن بن عمر مثل حديث معمر عن أيوب عن نافع

وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد فأما حديث مالك وعبيد الله فظاهره يوجب إتيان الدعوة إلى الوليمة دون غيرها وظاهر حديث أيوب وموسى بن عقبة يشتمل كل دعوة إلا أنه مجمل محتمل التأويل وظاهر حديث معمر والزبيدي قد بان فيه الأمر بإتيان العرس وغيره لا خلاف ألفاظ ظاهر هذه الأحاديث اختلف الفقهاء فيما يجب إتيانه من الدعوات على ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى وأما حديث بن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة أنه قال شر الطعام طعام الوليمة فظاهره موقوف على أبي هريرة من رواية الجمهور من أصحاب مالك إلا أن قوله فيه فقد عصى الله ورسوله يقضي برفعه عندهم وقد رواه روح بن القاسم عن مالك بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شر الطعام طعام الوليمة الحديث فرفعه وكذلك رواه إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن مالك وكذلك رواه بن جريج عن بن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ورواه معمر عن الزهري عن بن المسيب والأعرج عن أبي هريرة جميعا قال شر الطعام طعام الوليمة يدعى الغني ويمنع المسكين وهي حق من يردها فقد عصى ذكره عبد الرزاق عن معمر بهذا الإسناد وهذا اللفظ موقوفا على أبي هريرة قال عبد الرزاق وربما قال معمر في هذا الحديث ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله قال أبو عمر خرج أهل التصنيف في المسند حديث أبي الشعثاء عن أبي هريرة أنه رأى رجلا خارجا من المسجد بعد الأذان فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم

وكذلك خرجوا في المسند حديث بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك وكذلك حديث أبي هريرة في الوليمة مسند عندهم إلى رواية من رواه مرفوعا بغير إشكال مما يشهد بما ذكرنا وبالله توفيقنا وأما اختلاف الفقهاء فيما يجب إتيانه من الدعوات إلى الطعام فقال مالك والثوري يجب إتيان وليمة العرس ولا يجب غيرها وقال الشافعي إجابة وليمة العرس واجبة ولا أرخص في ترك غيرها من الدعوات التي يقع عليها اسم وليمة كالإملاك والنفاس والختان وحادث سرور ومن تركها لم يتبين لي أنه عاص كما تبين لي في وليمة العرس قال ومن أجاب وهو صائم دعا وانصرف وقال عبيد الله بن الحسن العنبري القاضي إجابة كل دعوة اتخذها صاحبها للمدعو فيها طعاما واجبة وهو قول أهل الظاهر لقوله صلى الله عليه وسلم أجيبوا الدعوة إذا دعيتم وقد روي عرسا كان أو غيره ولحديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم فكوا العاني وأجيبوا الداعي وعودوا المريض ولحديث البراء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع فذكر منها إجابة الداعي وقال الطحاوي لم نجد عند أصحابنا يعني أبا حنيفة وأصحابه في ذلك شيئا إلا في إجابة دعوة الوليمة فإنها تجب عندهم قال وقد يقال إن طعام الوليمة إنما هو طعام العرس خاصة والله أعلم قال أبو عمر قال صاحب العين الوليمة طعام العرس وقد أولم إذا أطعم

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن أولم ولو بشاة فإذا وجب عليه أن يولم ويدعو وجبت الإجابة وفي قوله ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله بيان في تأكيد إيجاب إتيان الوليمة والله أعلم وما أعلم خلافا بين السلف من الصحابة والتابعين في القول بالوليمة وإجابة من دعي إليها وأما طعام الختان فقد روى عن الحسن قال دعي عثمان بن أبي العاص إلى ختان فأبى أن يجيب وقال كنا على عهد ر سول الله صلى الله عليه وسلم لا نأتي الختان ولا ندعى إليه وليث عن نافع قال كان بن عمر يطعم على ختان الصبيان ذكره أبو بكر قال حدثني جرير عن ليث عن نافع وروى عن الحسن من وجوه ومن ذهب من أهل الظاهر وغيرهم إلى إيجاب الإجابة لكل دعوة احتجوا بظاهر الأحاديث عن النبي عليه السلام أنه قال أجيبوا الدعوة إذا دعيتم وقوله عليه السلام لو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدي لي كراع لقبلت وهذه جملة محتمله للتأويل لأنه يمكن أن يريد أجيبوا الدعوة إلى الوليمة ويحتمل قوله عليه السلام لو دعيت إلى ذراع الحديث الندب والاستحباب لما في إجابة دعوة الداعي من الألفة وفي ترك إجابتة من فساد النفوس وتوليد العداوة وعلى كل حال فإجابة دعوة الداعي إلى الطعام حسنة مندوب إليها مرغوب فيها هذا أقل أحوالها إلا أن يكون فيها من المناكر المحرمة ما يمنع من شهودها ولأهل الظاهر القائلين بوجوب الإجابة على كل حال لكل دعوة قولان في أكل المدعو المجيب إذا كان مفطرا وقد روي لكل واحد منهما حديث أحدهما أن على الصائم أن يجيب فيدعو وينصرف وعلى المفطر أن يأكل على ظاهر حديث محمد بن سيرين عن أبي

هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل يقول فليدع الآخر والآخر إن على من دعي أن يجيب فإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل إذا كان مفطرا على ظاهر حديث أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك وقد ذكرنا هذين الحديثين من طرق في التمهيد وأما أقاويل الفقهاء ومذاهبهم في الامتناع من الإجابة والقعود والأكل إذا رأوا في موضع الطعام منكرا أو علموه فقال مالك أما اللهو الخفيف مثل الدف والكبر فلا يرجع لأني أراه خفيفا وقاله بن القاسم وقال أصبغ أرى أن يرجع قال وأخبرني بن وهب عن مالك أنه لا ينبغي لذي الهيئة أن يحضر موضعا فيه لعب وقال الشافعي إذا كان في وليمة العرس مسكرا وخمرا وما أشبه ذلك من المعاصي الظاهرة نهاهم فإن نحوا ذلك وإلا لم أحب له أن يجلس وأن علم ذلك عندهم لم أحب له أن يجيب قال وضرب الدف في العرس لا بأس به وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة إذا حضر الوليمة فوجد فيها اللعب فلا بأس أن يقعد ويأكل وقال محمد بن الحسن إذا كان الرجل ممن يقتدى به فأحب إلي أن يخرج وقال الليث بن سعد إذا كان في الوليمة الضرب بالعود واللهو فلا ينبغي أن يشهدها

وروي أن الحسن وبن سيرين كانا في جنازة وهناك نوح فانصرف بن سيرين فقيل للحسن ذلك فقال إن كنا متى رأينا باطلا تركنا له حقا أسرع ذلك في ديننا قال أبو عمر من كره ذلك فحجته حديث سفينة وما كان مثله أن عليا وفاطمة دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعاه لضيف نزل بهما فأتاه فرأى فراشا في ناحية البيت فانصرف وقال ليس لي أن أدخل بيتا فيه تصاوير أو قال بيتا مزوقا قالوا فقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدخول في بيت فيه ما قد نهى عنه فكذلك كل ما كان مثله من المناكير ورجع بن مسعود إذ دعي إلى بيت فيه صورة وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه تصاوير ورجع أبو أيوب الأنصاري إذ دعاه بن عمر فرأى مثل ذلك وحجة من أجاز ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى لعب الحبشة ووقف له وأراه عائشة وأنه ضرب عنده في العيد بالدف والغناء فلم يمنع من ذلك وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا التي أستأم فأقدروا وأقدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو وهذا لفظ حديث الأوزاعي عن الزهري ورواه مالك عن أبي النضر عمن سمع عائشة تقول سمعت أصوات ناس من الحبشة وغيرهم وهم يلعبون يوم عاشوراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحبين أن تري لعبهم قلت نعم فأرسل إليهم فجاؤوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين البابين فوضع كفه على الباب ومد يده ووضعت يدي على يده وجعلوا يلعبون وأنا أنظر وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حسبك مرتين أو ثلاثا ثم قال يا عائشة حسبك فقلت نعم فأشار إليهم فانصرفوا

وقد ذكرنا هذا المعنى بأوضح من هذا في غير هذا الموضع قال أبو عمر قد ذكرنا قول الخليل في الوليمة وقال غيره طعام الوليمة هو طعام العرس والأملاك خاصة قال ويقال للطعام الذي يصنع للنفساء الخرص والخرصة يكتب بالسين وبالصاد ويقال للطعام الذي يصنع عند الختان الإعذار والطعام الذي يصنع للقادم من السفر النقيعة والطعام الذي يصنع عند بناء الدار الوكيرة وأنشد خلف لبعض الأعراب كل الطعام يشتهي ربيعه الخرص والإعذار والنقيعه قال ثعلب المأدبة والمأدبة كل ما دعي إليه من الطعام تفتح الذال وتضم في المأدبة قال ويقال هذا طعام أكل على ضفف إذا كثرت عليه الأيدي وكان قليلا واختلفوا في نهبه اللوز والسكر وسائر ما ينثر في الأعراس والختان وأضراس الصبيان فقال مالك لا يعجبني ذلك وأكره أن يؤكل شيء مما يأخذه الصبيان اختلاسا على تلك الحال وقال الشافعي في المزني لو ترك كان أحب إلي ولا يبين لي أنه حرام إذا أذن فيه صاحبه وقال الربيع عنه أكرهه لأن صاحبه ربما لم تطب نفسه بمن غلب فيه وقوي عليه بما صار من ذلك إليه وقال أبو حنيفة لا بأس بنهبة السكر واللوز والجوز في العرس والختان إذا أذن أهله فيه

وهو قول أبي يوسف وقال بن أبي ليلى نثر السكر والجوز واللوز وما أشبه ذلك وأكره أن يؤخذ منه شيء قال أبو عمر وحجة من كره النهبة في هذا الباب حديث ثعلبة بن الحكم قال أصاب الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما فانتهبوها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تصلح النهبة وأمر بالقدور فأكفئت وروى عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من انتهب فليس منا وفي حديث الصنابحي عن عبادة قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا ننتهب وأما من لم ير بذلك باسا لإذن صاحبه فمن حجته عن حديث عبد الله بن قرط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نحر بدنا له ثم قال من شاء اقتطع ولم يختلفوا أن من سنته صلى الله عليه وسلم في هدي التطوع أن يخلي بين الناس وبينه فيأخذ منه كل ما قدر عليه مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دباء قال أنس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حول القصعة فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم

قال أبو عمر هكذا هذا الحديث عند جميع رواة الموطأ إلا أن بعضهم زاد فيه ذكر القديد منهم بن بكير والقعنبي قالوا فيه بطعام فيه دباء وقديد وأدخل مالك هذا الحديث في باب الوليمة وليس فيه شيء يدل على الوليمة ويشبه أن يكون وصل إليه من ذلك علم وأما ظاهره فلا دليل فيه على طعام العرس والوليمة وإنما هو عندي مثل حديثه أيضا عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن جدته مليكة دعت رسول الله لطعام صنعته الحديث ذكره في باب صلاة الضحى من كتاب الصلاة ومثله في معناه دعاء أبي طلحة وأم سليم له إلى طعام ومثله كثير من الآثار الصحاح في غير الوليمة وقد ذكرنا أن أهل الظاهر يوجبون الإتيان إلى كل دعوة فيها طعام حلال لحديث شقيق عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أجيبوا الداعي ولا ترد الهدية ولحديث البراء بن عازب قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع فذكر منها إجابة الداعي وتشميت العاطس وما كان مثل هذين الحديثين في معناهما وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حق المسلم على المسلم خمس ويروى في هذا الحديث ست إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا عطس فشمته وإذا استنصحك فانصح له وإذا مرض فعده وإذا مات فاشهد جنازته رواه مالك وغيره عن العلاء

ومعلوم أن العيادة للمريض والتشميت للعاطس والابتداء بالسلام ليس منهن شيء واجب يتعين وإنما هو حسن أدب وإرشاد فكذلك الدعوة إلى الطعام وبالله تعالى التوفيق وقد ذكرنا ما لأئمة الفتوى بالأمصار في إجابة الوليمة وغيرها بما فيه كفاية إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق وحسبي ونعم الوكيل باب جامع النكاح مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا تزوج أحدكم المرأة أو اشترى الجارية فليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة وإذا اشترى البعير فليأخذ بذروة سنامه وليستعذ بالله من الشيطان قال أبو عمر هكذا هذا الحديث في الموطأ مرسلا لزيد بن أسلم وقد رواه عنبسة بن عبد الرحمن عن زيد بن اسلم عن أبيه عن عمر عن النبي عليه السلام وعنبسة ضعيف ولكن معناه يتصل ويستند من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام ومن حديث أبي لاس الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا أسانيدها في التمهيد ولا أقف على الفرق بين البعير والدابة والله أعلم بما أراد بقوله صلى الله عليه وسلم وجائز أن يدعي بالبركة في كل حيوان يشترى لأن الاستعاذة من الشيطان لا تمنع من الدعاء بالبركة لأن ذلك كله من الخير وقد يحتمل أن يكون النبي عليه السلام خص البعير بالاستعاذة من الأستعاذه بالشيطان عند ابتياعه لأنه عليه السلام قد قال في الإبل إنها خلقت من جن وهذا على التشبيه بحدة الجن وصولتهم وكذلك صولة الجمل عند هياجه والله أعلم بما أراد من قوله ذلك

فكأنه عليه السلام أكد في الاستعاذة من شر الإبل وأمر بالدعاء بالبركة في غيرها وفيها إن شاء الله والناصية مقدم شعر رأس الدابة الذي يكون بين أذنيها وكذلك هو في الآدميين شعر مقدم الرأس مالك عن أبي الزبير المكي أن رجلا خطب إلى رجل أخته فذكر أنها قد كانت أحدثت فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فضربه أو كاد يضربه ثم قال مالك والخبر قال أبو عمر قد روي هذا المعنى عن عمر من وجوه ومعناه عندي والله أعلم فيمن تابت وأقلعت عن غيها فإذا كان ذلك حرم الخبر بالسوء عنها وحرم رميها بالزنى ووجب الحد على من قذفها إذا لم تقم البينة عليها وقد أخبر الله عز وجل أنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات وقال عز وجل إن الله يحب التوابين البقرة وروي عن النبي عليه السلام أنه قال التائب من الذنب كمن لا ذنب له وروى يزيد بن هارون عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال إن ابنة لي ولدت في الجاهلية وأسلمت فأصابت حدا وعمدت إلى الشفرة فذبحت نفسها فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها بزاويتها فبرئت ثم مسكت وأقبلت على القرآن وهي تخطب إلي فأخبر من شأنها بالذي كان فقال عمر أتعمد إلى ستر ستره الله فتكشفه لئن بلغني أنك ذكرت شيئا من أمرها لأجعلنك نكالا لأهل الأمصار بل أنكحها نكاح العفيفة المسلمة وروى شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن رجلا أراد أن يزوج ابنته فقالت إني أخشى أن أفضحك إني قد بغيت فأتى عمر فذكر ذلك له فقال أليست قد تابت قال نعم قال فزوجها

مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير كانا يقولان في الرجل يكون عنده أربع نسوة فيطلق إحداهن البتة أنه يتزوج إن شاء ولا ينتظر أن تنقضي عدتها مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير أفتيا الوليد بن عبد الملك عام قدم المدينة بذلك غير أن القاسم بن محمد قال طلقها في مجالس شتى قال أبو عمر اختلف العلماء في الرجل يطلق امرأته البتة هل له أن يتزوج أختها وهي في عدة منه ومثله الرجل يكون له أربع نسوة فيطلق إحداهن طلاقا بائنا هل له أن يتزوج خامسة في العدة فقال مالك والليث بن سعد والأوزاعي وعثمان البتي والشافعي يجوز أن يتزوج الخامسة والأخت إذا كانت المطلقة قد بانت ولا يراعون العدة وهو قول بن شهاب والحسن وعطاء وسالم بن عبد الله بن عمر على اختلاف عنه وكذلك اختلف فيه عن عطاء وسعيد بن المسيب والحسن والقاسم والصحيح عنه ما رواه مالك عن ربيعة عنه وعن غيره ولم يختلف في ذلك عن عروة وهو قول عثمان بن عفان قال لرجل من ثقيف إذا طلقت امرأتك ثلاثا فإنها لا ترثك ولا ترثها فانكح إن شئت وقال الأوزاعي كان رجال من أهل العلم لا يرون به بأسا رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وعن بن جريج عن عطاء قالا وأبعد الناس منها إذا بت طلاقها لا ترثه ولا يرثها فإن شاء نكح قبل أن تنقضي عدتها وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي لا يتزوج الرجل المرأة في عدة أختها من بينونة ولا يتزوج الخامسة في عدة المبتوتة

إلا أن الحسن بن حي قال أستحب ألا تتزوج وأما الثوري وأبو حنيفة وأصحابه فلا يتزوج عندهم في العدة بحال وروي قولهم عن علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وعن عبيدة السلماني وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وإبراهيم واختلف في ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والقاسم وسالم فروي عنهم الوجهان جميعا وروى معمر والثوري وبن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب قال لا يتزوج حتى تنقضي عدة التي طلق وسفيان عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت مثله وروى عبد الرزاق وعبد الرحمن بن مهدي وأبو نعيم ومحمد بن كثير عن الثوري عن أبي هاشم الواسطي قال سألت إبراهيم هل على الرجل عدة قال نعم وعدتان وثلاث فذكر الأختين يطلق إحداهما والأربع يطلق واحدة منهن والرجل يكون تحته المرأة لها ولد من غيره فيموت ولدها فليس لزوجها أن يقربها حتى يعلم أحامل هي أم لا لا ليرث أخاه أو لا يرثه وذكر أبو بكر قال حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال إذا كانت تحت الرجل أربع نسوة فطلق إحداهن ثلاثا فلا يتزوج خامسة فإن ماتت فليتزوج من يومه قال أبو عمر لأنه لا يخاف مع الموت فساد النسب ولا يراعي اجتماع الماءين هنا قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء فيمن له أربع نسوة يطلق إحداهن طلقة يملك رجعتها أنه لا يحل له نكاح غيرها حتى تنقضي عدتها لأنها في حكم الزوجات في النفقة والسكنى والميراث ولحوق الطلاق والإيلاء والظهار واللعان كالتي لم تطلق منهن سواء وأما قول القاسم للوليد طلقتها في مجالس شتى فإنه أراد أن يشتهر طلاقها البات وتستفيض فتقطع عنه الألسنة في تزويج الخامسة إذا علم أنها ليست خامسة مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال ثلاث ليس فيهن لعب النكاح والطلاق والعتق

قال أبو عمر هذا المعنى قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا إلا أن في موضع العتق في الحديث المسند الرجعة حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني القعنبي قال حدثني عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن بن ماهك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة قال أبو عمر لا يستند هذا الحديث إلا من هذا الوجه وقد ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال يقال من نكح لاعبا أو طلق لاعبا فقد جاز ولو كان والله أعلم صحيحا عن عطاء لما خفي فإنه أقعد الناس بعطاء وأثبتهم فيه ولكن المعنى صحيح عند العلماء لا أعلمه يختلفون فيه وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي الدرداء كلهم قال ثلاث لا لعب فيهن ولا رجوع فيهن واللعب فيهن جاد النكاح والطلاق والعتق هذا معنى ما روي عنه وروي عن عمر بن الخطاب في هذا المعنى ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب قال أتى رجل رجلا لعابا بالمدينة فقال له أطلقت امرأتك قال نعم قال كم قال ألفا قال فرفع إلى عمر فقال أطلقت امرأتك ألفا قال نعم إنما كنت ألعب فعلاه بالدرة وقال إنما يكفيك من ذلك ثلاث وروي عن النبي عليه السلام أيضا مثله بإسناد منقطع ضعيف فأما حديث علي رضي الله عنه فرواه عنه عبد الله بن يحيى ومروان بن الحكم

وحديث بن مسعود وحديث أبي الدرداء منقطعان أيضا وقد روى الثوري وبن جريج عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب مثل حديث مالك سواء ذكره عبد الرزاق عنهما وقد رواه سعيد بن المسيب عن عمر فيما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو معاوية عن حجاج عن سليمان بن شجيم عن سعيد بن المسيب عن عمر قال أربع جائزات على كل أحد العتق والطلاق والنكاح والنذر وحديث مالك أصح عنه لصحة الإسناد ورواية الأئمة له كذلك وقد روى وكيع عن الضحاك قال ثلاث لا يلعب بهن النكاح والطلاق والنذور وروى إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر قال كتب عبد الملك بن مروان وسليمان وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك ما أقلتم السفهاء من شيء فلا تقتلوهم الطلاق والعتاق وروى معمر عن قتادة عن الحسن عن أبي الدرداء قال ثلاث اللاعب فيهن كالجاد النكاح والطلاق والعتاق أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن يونس عن الحسن عن أبي الدرداء قال ثلاث لا لعب فيهن الطلاق والنكاح والعتق قال وحدثني عيسى بن يونس عن عمر عن الحسن عن أبي الدرداء قال كان الرجل في الجاهلية يطلق ثم يراجع يقول كنت لاعبا فأنزل الله تعالى ولا تتخذوا آيات الله هزوا البقرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق أو طلق أو أعتق أو نكح أو أنكح وقال أني كنت لاعبا فهو جائز عليه مالك عن بن شهاب عن رافع بن خديج أنه تزوج بنت محمد بن مسلمة الأنصاري فكانت عنده حتى كبرت فتزوج عليها فتاة شابة فآثر الشابة عليها فناشدته الطلاق فطلقها واحدة ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها ثم عاد فآثر الشابة فناشدته الطلاق فطلقها واحدة ثم راجعها ثم عاد فآثر الشابة فناشدته الطلاق فقال ما شئت إنما بقيت واحدة فإن شئت استقررت على ما ترين

من الأثرة وإن شئت فارقتك قالت بل أستقر على الأثرة فأمسكها على ذلك ولم ير رافع عليه إثما حين قرت عنده على الأثر قال أبو عمر قوله والله أعلم فآثر الشابة عليها يريد الميل بنفسه إليها والنشاط لها لا أنه أثره عليها في مطعم وملبس ومبيت لأن هذا لا ينبغي أن يظن بمثل رافع ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل وما أظن رافعا فعل ذلك إلا من قوله تعالى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير النساء ترك بعض حقها وفي معنى هذه الآية كانت قصة سودة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبت يومها لعائشة وقرت بذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم روضة منها في أن تكون زوجة في الدنيا والآخرة وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة وروى الزهري عن عروة عن عائشة فقال فيه أن سودة وهبت يومها لعائشة تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن رافع بن خديج كانت تحته ابنة محمد بن مسلمة فكره من أمرها أما كبرا وأما غيره فأراد أن يطلقها فقالت لا تطلقني واقسم لي ما شئت فجرت السنة بذلك فنزلت وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا الآية النساء وأرفع ما قيل في تأويل قول الله تعالى وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا النساء

ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن غزية عن علي بن أبي طالب أن رجلا سأله عن هذه الآية فقال هي المرأة تكون عند الرجل فتنبو عيناه عنها من دمامتها أو فقرها أو كبرها أو سوء خلقها وتكره فراقه فإن وضعت له شيء من مهرها حل له فإن جعلت له من أيامها فلا حرج وروى معمر عن الزهري قصة رافع بن خديج التي ذكر مالك بمعنى حديث مالك سواء وزاد فذلك الصلح الذي بلغنا أنه نزلت فيهما وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا النساء وروى هشيم عن يونس وهشام عن بن سيرين عن عبيدة قال هما على ما اصطلحا عليه فإن انتقضت فعليه أن يعدل عليهما أو يفارقها قال هشيم وأخبرنا مغيرة عن إبراهيم مثل ذلك قال وأخبرنا حجاج بن أرطأة عن مجاهد مثل ذلك قال وأخبرنا يونس عن الحسن قال ليس لها أن تنتقض وهو على ما اصطلحا عليه قال أبو عمر قول الحسن هذا هو قياس قول مالك فيمن أنظر بالدين أو أعار العارية إلى مدة ونحو ذلك من مسائله وقول عبيدة وإبراهيم ومجاهد هو قياس قول الشافعي والكوفي لأنها هبة منافع طارئة لم تقبض فجاز الرجوع فيها وبالله التوفيق تم كتاب النكاح بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما يتلوه كتاب الطلاق

كتاب الطلاق بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم باب ما جاء في البتة مالك أنه بلغه أن رجلا قال لعبد الله بن عباس إني طلقت امرأتي مائة تطليقه فماذا ترى علي فقال له بن عباس طلقت منك لثلاث وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا مالك أنه بلغه أن رجلا جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات فقال بن مسعود فماذا قيل لك قال قيل لي إنها قد بانت مني فقال بن مسعود صدقوا من طلق كما أمره الله فقد بين الله له ومن لبس على نفسه لبسا جعلنا لبسه ملصقا به لا تلبسوا على أنفسكم ونتحمله عنكم هو كما يقولون قال أبو عمر ليس في هذين الخبرين ذكر البتة وإنما فيهما وقوع الثلاثة مجتمعات غير متفرقات ولزومها وهو ما لا خلاف فيه بين أئمة الفتوى بالأمصار وهو المأثور عن جمهور السلف والخلاف فيه شذوذ تعلق به أهل البدع ومن لا يلتفت إلى قوله لشذوذه عن جماعة لا يجوز على مثلها التواطؤ على تحريف الكتاب والسنة إلا أنهم يحتجون فيه بابن عباس

وبن عباس قد اختلف عنه في ذلك ويحتجون أيضا بقول الله تعالى الطلق مرتان البقرة وسنبين ذلك إن شاء الله عز وجل وإنما أدخل مالك رحمه الله هذين الحديثين في باب البتة لأنه يرى البتة ثلاثا فأراد إعلام الناظر في كتابه بمذهبه في ذلك وأما وقوع الثلاث تطليقات مجتمعات بكلمة واحدة فالفقهاء مختلفون في هيئة وقوعها كذلك هل تقع للسنة أم لا مع إجماعهم على أنها لازمة لمن أوقعها كما تقدم ذكرنا له فعند مالك والكوفيين ليست الثلاثة المجتمعات بسنة وقعت في طهر لم تمس فيه أو لم تقع وقال الشافعي إذا طلق في طهر لم تمس فيه فله أن يطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثة وكل ذلك سنة قال ومن كان له أن يوقع واحدة كان له أن يوقع ثلاثا وهو قول أحمد إلا أنه قال أحب إلي أن يوقع واحدة وهو الاختيار فإن أوقع ثلاثا في طهر لم يمس فيه فهو مطلق للسنة أيضا وسيأتي هذا المعنى في موضعه بأبلغ من هذا إن شاء الله تعالى قال أبو عمر الذي ذهب إليه مالك في أن الطلاق الثلاث مجتمعات لا يقعن لسنة وأن ذلك مكروه من فعل من فعله هكذا قول أكثر السلف وهم مع ذلك يلزمونه ذلك الطلاق ويحرمون به امرأته إلا بعد زوج كما لو أوقعها مفترقات عند الجميع ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن نمير عن الأعمش عن مالك عن مالك بن الحارث عن بن عباس قال أتاه رجل فقال إن عمي طلق امرأته ثلاثا فقال إن عمك عصى الله فأندمه الله ولم يجعل له مخرجا قال وحدثني علي بن مسهر عن شقيق بن أبي عبد الله عن أنس قال كان عمر إذا أتي برجل يطلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد أوجعه ضربا وفرق بينهما وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب عن عمر بن الخطاب مثله بمعناه

وقد ذكرناه في مسألة اللعب في النكاح والطلاق وقال أبو بكر حدثني سهل بن يوسف عن حميد بن رافع بن سحبان قال سئل عمران بن حصين عن رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس قال عصى ربه وحرمت عليه قال وحدثني أسباط بن محمد عن أشعث عن نافع قال قال بن عمر من طلق امرأته ثلاثا فقد عصى ربه وبانت منه امرأته وعبد الرزاق عن الثوري عن بن أبي ليلى عن نافع عن بن عمر مثله ومعمر عن الزهري عن سالم مثله قال أبو عمر لا أعلم لهؤلاء مخالفا من الصحابة إلا ما خلا ذكره عن بن عباس وهو شيء لم يروه عنه إلا طاوس وسائر أصحابه رووه عنه خلافه وهو قول الحسن والقاسم وبن شهاب وجماعة وقد روي عن بن سيرين والشعبي وطائفة نحو قول الشافعي ذكر أبو بكر قال حدثني أبو أسامة عن هشام قال سئل محمد عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا في مقعد واحد قال لا أعلم بذلك بأسا قد طلق عبد الرحمن بن عوف امرأته ثلاثا فلم تغب عنه قال وحدثني أبو سلمة عن بن عوف أنه لم ير بذلك بأسا قال وحدثني غندر عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي في رجل أبى أن تبين منه امرأته قال فطلقها ثلاثا قال أبو عمر وأما الرواية عن بن عباس بمعنى بلاغ مالك عنه الذي ذكره في أول هذا الباب والرواية عن بن مسعود أيضا بما ذكر عنه وما كان في معنى ذلك فذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عباد بن العوام عن هارون بن عنترة عن أبيه قال كنت جالسا عند بن عباس فأتاه رجل فقال يا بن عباس إني طلقت امرأتي مائة مرة وإنما قلتها مرة واحدة فقال بانت منك بثلاث وعليك وزر سبع وتسعين قال وحدثني وكيع عن سفيان قال حدثني عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى بن عباس فقال إني طلقت امرأتي ألفا أو قال مائة قال بانت منك بثلاث وسائرهن وزرا اتخذت بها آيات الله هزوا

وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس مثله وقال عبد الرزاق أخبرني بن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلا جاء إلى بن عباس فقال إني طلقت امرأتي ألفا فقال تأخذ ثلاثا وتدع تسعمائة وسبعا وتسعين قال وأخبرنا بن جريج قال أخبرني بن كثير والأعرج عن بن عباس مثله وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عبد الحميد بن رافع عن عطاء بعد وفاته أن رجلا قال لابن عباس رجل طلق امرأته مائة قال بن عباس يأخذ من ذلك ثلاثا ويدع سبعا وتسعين قال أخبرنا معمر عن أيوب عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال سئل بن عباس عن رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء قال يكفيه من ذلك رأس الجوزاء وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثني أبو بكر بن إبراهيم عن أيوب عن عمرو قال سئل بن عباس عن رجل طلق امرأته عدد النجوم فقال يكفيه من ذلك رأس الجوزاء قال أبو عمر فهذا سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم يروون عن بن عباس في طلاق الثلاث المجتمعات أنهن لازمات واقعات وكذلك روى عنه محمد بن إياس بن البكير والنعمان بن أبي عياش الأنصاري في التي لم يدخل بها أن الثلاث المجتمعات تحرمها والواحدة تبينها وسنذكر ذلك في باب طلاق البكر إن شاء الله عز وجل وذلك دليل واضح على وهي رواية طاوس عنه وضعفها حين روى عنه في طلاق الثلاث المجتمعات إنها كانت تعد واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافه عمر قال أبو عمر ما كان بن عباس ليخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين إلى رأي نفسه ورواية طاوس وهم وغلط لم يعرج عليها أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والمغرب والمشرق والشام وقد قيل إن أبا الصهباء مولاه لا يعرف في موالي بن عباس وطاوس

يقول إن أبا الصهباء مولاه سأله عن ذلك فأجابه بما وصفنا وقد روى معمر قال أخبرني بن طاوس عن أبيه قال كان بن عباس إذا سئل عن رجل طلق امرأته ثلاثا قال لو اتقيت الله جعل لك مخرجا لا يزيده على ذلك وهذه الرواية لطاوس عن بن عباس كرواية سائر أصحاب بن عباس عنه لأن من لا مخرج له فقد لزمه من الطلاق ما أوقعه ولو صح عن بن عباس ما ذكره طاوس عنه وذلك لا يصح لرواية الثقات الجلة عن بن عباس خلافه ما كان قوله حجة على من هو من الصحابة أجل وأعلم منه وهم عمر وعثمان وعلي وبن مسعود وبن عمر وعمران بن حصين وغيرهم وقد ذكرنا الرواية عن بعضهم بذلك ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب أن رجلا بطالا كان بالمدينة طلق امرأته ألفا فرفع إلى عمر فقال إنما كنت ألعب فعلا عمر رأسه بالدرة وفرق بينهما قال وحدثني وكيع عن الأعمش عن حبيب قال جاء رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال إني طلقت امرأتي ألفا فقال بانت منك بثلاث قال حدثني وكيع والفضل بن دكين عن جعفر بن برقان عن معاوية بن أبي يحيى قال جاء رجل إلى عثمان رضي الله عنه فقال إني طلقت امرأتي مائة قال ثلاث تحرمها عليك وسبع وتسعون عدوان قال وحدثني محمد بن بشير عن أبي معشر قال أخبرنا سعيد المقبري قال جاء رجل إلى عبد الله بن عمر وأنا عنده فقال يا أبا عبد الرحمن إني طلقت امرأتي مائة مرة قال تأخذ منها ثلاثا وسبع وتسعون يحاسبك الله بها يوم القيامة قال وحدثني غندر عن شعبة عن طارق عن قيس بن أبي حازم أنه سمعه يحدث عن المغيرة بن شعبة أنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة قال ثلاث تحرمها عليك وسبع وتسعون فضل وأما الخبر عن بن مسعود بمثل ما روي عن سائر الصحابة فروى وكيع عن الثوري عن منصور والأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال جاء رجل إلى عبد

الله فقال إني طلقت امرأتي مائة قال بانت منك بثلاث وسائرهن معصية ورواه أبو معاوية عن الأعمش بإسناده مثله قال وسائرهن عدوان وقال أبو بكر حدثني محمد بن فضيل عن عاصم عن بن سيرين عن علقمة عن عبد الله قال أتاه رجل فقال أنه كان بيني وبين امرأتي كلام فطلقتها عدد النجوم قال تكلمت بالطلاق قال نعم فقال عبد الله قد بين الله الطلاق فمن أخذ به فقد بين الله له ومن لبس على نفسه جعلنا به لبسه فلا تلبسوا على أنفسكم ونحمله عنكم هو كما تقولون قال أبو عمر فهؤلاء الصحابة كلهم قائلون وبن عباس معهم بخلاف ما رواه طاوس عن بن عباس وعلى ذلك جماعات التابعين وأئمة الفتوى في أمصار المسلمين وإنما تعلق برواية طاوس أهل البدع فلم يروا الطلاق لازما إلا على سنته فجعلوا فخالف السنة أخف حالا فلم يلزموه طلاقا وهذا جهل واضح لأن الطلاق ليس من القرب إلى الله تعالى فلا يقع إلا على سنته إلى خلاف السلف والخلف الذين لا يجوز عليهم تحريف السنة ولا الكتاب وممن قال بأن الثلاثة في كلمة واحدة تلزم موقعها ولا تحل له امرأته حتى تنكح زوجا غيره مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والثوري وبن أبي ليلى والأوزاعي والليث بن سعد وعثمان البتي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن حي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد و محمد بن جرير الطبري وما أعلم أحدا من أهل السنة قال بغير هذا إلا الحجاج بن أرطأة ومحمد بن إسحاق وكلاهما ليس بفقيه ولا حجة فيما قاله قال أبو عمر أدعى داود الإجماع في هذه المسألة وقال ليس الحجاج بن أرطأة ومن قال بقوله من الرافضة ممن يعترض به على الإجماع لأنه ليس من أهل الفقه حكى ذلك عنه بعض أصحاب داود عنه وأنكر ذلك بعضهم عن داود ولم يختلفوا عنه في وقوعها مجتمعات وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال كان الحجاج بن أرطأة خشيا وكان يقول ليس طلاق الثلاث بشيء

قال أبو عمر روى بن إسحاق في ذلك عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس قال طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها قال طلقتها ثلاثا في مجلس واحد قال إنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت قال فارتجعها قال وكان بن عباس يرى أن السنة التي أمر الله بها في الطلاق أن يطلقها عند كل طهر وهي التي كان عليها الناس قال بن إسحاق فأرى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رد عليه امرأته لأنه طلقها ثلاثا في مجلس واحد لأنها كانت بدعة مخالفة للسنة قال أبو عمر هذا حديث منكر خطأ وإنما طلق ركانة زوجته البتة لا كذلك رواه الثقات أهل بيت ركانة العالمون به وسنذكره في هذا الباب وأما ذهب بن إسحاق فهو قول طاوس وهو مذهب ضعيف مهجور عند جمهور العلماء وأما حديث طاوس فقد ذكرنا أن الجمهور من أصحاب بن عباس رووا عنه ذلك وهو المأثور عن جماعة الصحابة وعامة العلماء وما التوفيق إلا بالله مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن حزم أن عمر بن عبد العزيز قال له البتة ما يقول الناس فيها قال أبو بكر فقلت له كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة فقال عمر بن عبد العزيز لو كان الطلاق ألفا ما أبقت البتة منها شيئا من قال البتة فقد رمى الغاية القصوى

مالك عن بن شهاب أن مروان بن الحكم كان يقضي في الذي يطلق امرأته البتة أنها ثلاث تطليقات قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلى في ذلك قال أبو عمر استحباب مالك في هذا الباب هو مذهبه الذي عليه أصحابه فيمن حلف بطلاق امرأته البتة أنها ثلاث لا تحل له إلا بعد زوج وهي مسألة اختلف فيها السلف والخلف فمذهب مالك ما وصفنا وقال أبو حنيفة وأصحابه إلا زفر إن نوى بالبتة ثلاثا فهو ثلاث وإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة وإن نوى اثنتين فواحدة بائنة وهو قول الثوري وقال زفر إن نوى ثلاثا فثلاث وإن نوى اثنتين فاثنتان وأن نوى واحدة فهي واحدة واختلف فيها عن الأوزاعي فروي عنه واحدة بائنة وروي عنه ثلاث وقال الشافعي في الحالف بالبتة إن نوى ثلاثا فثلاث وإن نوى اثنتين أو واحدة فطلاقه رجعي قال أبو عمر وروي مثل قول مالك في البتة أنها ثلاث وعن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وبن عباس وأبي هريرة وعائشة فأما الحديث عن علي بذلك فذكر أبو بكر قال حدثني محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن الحسن عن علي قال هي ثلاث قال وحدثني بن إدريس عن الشيباني عن الشعبي عن عبد الله بن شداد عن علي رضي الله عنه إنه جعلها ثلاثا وأما الحديث بذلك عن بن عمر فذكر أبو بكر قال حدثني عبده بن

سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن البتة ثلاث تطليقات وهو قول عمر بن عبد العزيز وذكر أبو بكر بن أبي شيبة حدثني بن علية عن أيوب عن نافع أن رجلا جاء بظئر له إلى عاصم بن عمرو بن الزبير فقال إن ظئري هذا طلق امرأته البتة قبل أن يدخل بها فهل عندكما بذلك علم أو هل تجدان له رخصة فقالا لا ولكنا تركنا بن عباس وأبا هريرة عند عائشة فأتهم فسلهم ثم ارجع إلينا فأخبرنا فأتاهم فسألهم فقال أبو هريرة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقال بن عباس هي ثلاث وذكر عن عائشة متابعتهما وأما حديث زيد بن ثابت فمن حديث قتادة وعتبة وهو منقطع وروي في البتة أنها ثلاث عن سعيد بن المسيب وعروة والزهري ومكحول وبه قال بن أبي ليلى وأبو عبيد وأما قول الكوفيين والشافعي ومن تابعهم فالحجة لهم حديث ركانة أخبرنا عبد الله بن محمد أخبرنا أبو محمد بن بكر حدثني أبو داود حدثني أحمد بن عمرو بن السرح وإبراهيم بن خالد الكلبي وأبو ثور في آخرين قالوا حدثني محمد بن إدريس الشافعي قال حدثني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبيد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي عليه السلام بذلك قال النبي ما أردت إلا واحدة فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها النبي عليه السلام فطلقها الثانية في زمن عمر والثالثة في زمن عثمان قال أبو داود حدثني محمد بن يونس النسائي حدثني الحميدي عبد الله بن الزبير حدثني محمد بن إدريس الشافعي كتب عمي محمد بن علي عن عبد الله بن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث وحدثني أبو زكريا يحيى بن محمد بن يوسف الأشعري حدثني أبو يعقوب يوسف بن أحمد المكي حدثني محمد بن إبراهيم الترمذي أبو ذر حدثني أبو

عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي حدثني هناد بن السري حدثني قبيصة بن عتبة عن جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد عن عبد الله بن ركانة عن أبيه عن جده قال أتينا النبي عليه السلام فقلت يا رسول الله إني طلقت امرأتي البتة فقال ما أردت بها قال واحدة قال النبي قال فهو ما أردت قال أبو عمر فهذا حجة الشافعي فيمن قال لزوجته أنت طالق البتة فإن أراد واحدة كانت رجعية لما في هذا الحديث فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أحلفه واحتج من ذهب مذهب الكوفيين في أنه إن نوى واحدة كانت بائنة بما ذكره أبو داود أيضا حدثني سليمان بن داود العتكي حدثني جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد عن عبد الله بن علمته يزيد بن ركانه عن أبيه عن جده أنه طلق امرأته البتة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ما أردت قال واحدة قال النبي قال فهو على ما أردت ولم يقل فردها إليه قال أبو داود حديث الشافعي وجرير بن حازم عن الزبير بن سعيد أصح من حديث بن جريج في هذا الباب وذلك أن بن جريج رواه عن بن أبي رافع عن عكرمة عن بن عباس أن ركانة طلق امرأته ثلاثا وحديث الشافعي أنه طلقها البتة أصح لأنهم أهل بيته وهو أعلم بهم قال أبو عمر رواية الشافعي لحديث ركانة عن عمه أتم وقد زاد زيادة لا تردها الأصول فوجب قبولها لثقة ناقلها والشافعي وعمه وجده أهل بيت ركانة من بني المطلب بن مناف وهم أعلم بالقصة التي عرض له أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو عبيدة بن أحمد قال حدثني الربيع قال حدثني الشافعي محمد بن إدريس قال أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال طلقت امرأتي سهيمة المزنية البتة ووالله ما أردت إلا واحدة فقال

النبي عليه السلام الله ما أردت إلا واحدة فقال والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها ثانية في زمن عمر وثالثة في زمن عثمان حدثني محمود بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني يزيد بن هارون وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني حمدون بن أحمد بن سلم قال حدثني شيبان قال حدثني جرير بن حازم قالا حدثني الزبير بن سعيد الهاشمي عن عبد الله بن علي بن عبد يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أنه طلق امرأته البتة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال ما نويت بذلك قال واحدة قال النبي قال هو على ما أردت واللفظ لحديث حمدون بن سلم وقد روى هذا الحديث بن المبارك عن الزبير بن سعيد قال أبو عمر روي مثل قول الشافعي في البتة أنه ينوي الحالف بها فإن أراد ثلاثا فثلاث وإن أراد واحدة فهي رجعية عن عمر بن الخطاب و عبد الله بن مسعود روي ذلك عن عمر من وجوه ونحوه عن بن مسعود وبه قال سعيد بن جبير وغيره وقال بن جريج عن عطاء في البتة واحدة أو ما نوى ذكر أبو بكر قال حدثني بن إدريس عن الشيباني عن الشعبي قال شهد عبد الله بن شداد عند عروة بن المغيرة أن عمر جعلها واحدة وهو أحق بها وشهد بها عنده الرائش بن عدي عن علي أنه جعلها ثلاثا قال وحدثني بن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم عن عمر وعبد الله قالا تطليقة وهو أملك بها قال وحدثني بن عيينة عن عمرو عن محمد بن عباد عن المطلب بن حنطب عن عمر أنه جعل البتة تطليقة وزوجها أملك بها وقد روي عن عمر أنها بائن ولا يصح عنه وروى عبد الرزاق عن بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال جاء بن أخي الحارث بن أبي ربيعة إلى عروة بن المغيرة بن شعبة وكان

أميرا على الكوفة فقال له عروة لعلك أتيتنا زائرا مع امرأتك قال وأين امرأتي قال تركتها عند بيضاء يعني امرأته قال فهي إذا طالق البتة قال فإذا هي عندها فسأل فشهد عبد الله بن شداد بن الهادي أن عمر بن الخطاب جعلها واحدة وهو أحق بها قال ثم سأل فشهد رجل من طيء يقال له رائش بن عدي أن عليا جعلها ثلاثة قال عروة إن هذا لهو الاختلاف فأرسل إلى شريح فسأله وقد كان عزل عن القضاء فقال شريح الطلاق سنة والبتة بدعة فنقفه عند بدعته فننظر ما أراد بها وعن بن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن عبد الله بن أبي سلمة حدثه أن سليمان بن يسار أخبره أن التوأمة بنت أمية بن خلف طلقت البتة فجعلها عمر بن الخطاب واحدة قال وأخبرنا معمر وبن جريج عن عمرو بن دينار عن محمد بن عباد بن جعفر أن عمر بن الخطاب سئل عن رجل طلق امرأته البتة فقال الواحدة تبت راجع امرأتك فهي واحدة وروي مثل قول أبي حنيفة والثوري عن إبراهيم النخعي وغيره باب ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك مالك أنه بلغه أنه كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق أن رجلا قال لامرأته حبلك على غاربك فكتب عمر بن الخطاب إلى عامله أن مره يوافيني بمكة في الموسم فبينما عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال عمر من أنت فقال أنا الذي أمرت أن أجلب عليك فقال له عمر أسألك برب هذه البنية ما أردت بقولك حبلك على غاربك فقال له الرجل لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك أردت بذلك الفراق فقال عمر بن الخطاب هو ما أردت

قال أبو عمر روي هذا الخبر عن عمر من وجوه منها ما ذكره عبد الرزاق عن ليث عن مجاهد أن رجلا قال لامرأته في زمن عمر بن الخطاب حبلك على غاربك حبلك على غاربك حبلك على غاربك فاستحلفه عمر بين الركن والمقام ما أردت فقال أردت الطلاق ثلاثا فأمضاه عليه قال أخبرني الثوري عن عبد الملك بن أبي سليمان أن عمر أمر عليا أن يستحلفه على ما نوى قال وأخبرنا معمر عن قتادة قال إذا قال حبلك على غاربك فهي واحدة أو ما نوى وإن نوى واحدة فهو أحق بها قال أبو عمر أما خبر مالك عن عمر في هذا الباب فيدل على أنه إنما حلف الرجل هل أراد الطلاق بقوله حبلك على غاربك أم لم يرد لأنه قال هو ما أردت وأما خبر مجاهد عن عمر فيحتمل هذا ويحتمل أنه لما كرر اللفظ سأله هل أراد بالتكرار طلاقا أو أراد تأكيدا في الواحدة وقد روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قالا في حبلك على غاربك يستحلف هل أراد طلاقا أم لا ونيته فيما أراد منه ذكر أبو بكر قال حدثني بن نمير عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال أتي بن مسعود في رجل قال لامرأته حبلك على غاربك فكتب بن مسعود إلى عمر فكتب إليه عمر مره فليواف بالموسم فوافاه بالموسم فأرسل إلى علي فقال له علي أنشدك بالله ما نويت قال فراق امرأتي ففرق عمر بينهما هذا يخرج فيمن طلق وقال أردت غير امرأتي واختلف قول مالك فيمن قال لامرأته حبلك على غاربك فمرة قال ينوي ما أراد به من الطلاق ويلزم ما نوى من ذلك ومرة قال لا ينوي أحد في حبلك على غاربك لأنه لا يقوله أحد وقد أبقى من الطلاق شيئا وهي ثلاث على كل حال ولم يختلف قوله أنه لا طلاق ولا يلتفت إلى نيته إن قال لم أرد طلاقا وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم في حبلك على غاربك إن

لم يرد الطلاق لم يلزمه شيء وليس بشيء وإن أراد الطلاق فهو طلاق رجعي عند الشافعي لا غير وهو قول قتادة والحسن والشعبي وجماعة وقال أبو حنيفة وإن أراد بقوله ذلك ثلاثا فهي ثلاث وإن أراد اثنتين فهي واحدة بائنة وأن أراد واحدة فهي بائنة وإن لم يرد طلاقا فليس بشيء وكذلك قال أصحابهم إلا زفر فإنه قال إن أراد اثنتين فهما اثنتان وقول الثوري كقول أبي حنيفة في ذلك لأنها كلمة واحدة وقال أبو عبيد وأبو ثور هي واحدة يملك بها الرجعة زاد أبو عبيد إلا أن يريد ثلاثا قال أبو عمر تناقض الكوفيون في هذا الباب لأنهم يقولون إن قال أنت طالق وأراد ثلاثا فإنما هي واحدة لأنه لا يقع بالنية طلاق وقد أوقعوه بالبتة هنا وقال إسحاق بن راهويه كل كلام يشبه الطلاق يراد به الطلاق فهو ما نوى من الطلاق وهو قول إبراهيم النخعي وقال الشافعي الطلاق والفراق والسراح لا يراعى في شيء من ذلك النية لقول الله تعالى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن الطلاق وقوله جل ثناؤه فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف الطلاق قال وأما الكنايات كلها المحتملة للطلاق وغيره فإن أراد الطلاق كان ما نوى من الطلاق وإن لم ينو شيئا حلف على ما فعل عمر رضي الله عنه ولم يلزمه شيء مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب كان يقول في الرجل يقول لامرأته أنت علي حرام إنها ثلاث تطليقات قال مالك وذلك أحسن ما سمعت في ذلك قال أبو عمر للعلماء فيمن قال لزوجته أنت علي حرام ثمانية أقوال أشدها قول مالك

وهو قول علي وزيد بن ثابت وبه قال الحسن البصري والحكم بن عتيبة وإليه ذهب بن أبي ليلى قال هي ثلاث ولا أساله عن نيته وهو قول مالك في المدخول بها وينويه في التي لم يدخل بها قال أبو عمر روى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي في الذي يقول لامرأته أنت علي حرام قال هي ثلاث وروى عبد الرزاق عن بن التيمي عن أبيه أن عليا وزيدا فرقا بين رجل وامرأته قال هي علي حرام وقاله الحسن أيضا وعن معمر عن قتادة عن الحسن قال هي ثلاث وروى قتادة عن خلاس بن عمرو وأبي حسان الأعرج أن عدي بن قيس أحد بني كلاب جعل امرأته عليه حراما فقال له علي هي الثلاث والذي نفسي بيده لئن مسستها قبل أن تتزوج غيرك لأرجمنك وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يعلى عن إسماعيل قال قال عامر زعم أناس أن عليا كان جعلها عليه حراما حتى تنكح زوجا غيره والله ما قالها علي قط وروى بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أنه سمعه يقول أنا أعلمكم بما قال علي في الحرام قال لا آمرك أن تتقدم ولا آمرك أن تتأخر قال أبو عمر الصحيح عن علي خلاف ما قال الشعبي من وجوه يطول ذكرها أنه كان يرى الحرام ثلاثا لا تحل له إلا بعد زوج وكذلك مذهب زيد بن ثابت ذكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الوهاب عن سعيد بن مطرف عن حميد بن هلال عن سعيد بن هشام أن زيد بن ثابت قال هي ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره قال وحدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة أن زيد بن ثابت كان يقول في الحرام ثلاث وعبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن زيد بن ثابت قال هي ثلاث قال معمر قال الزهري هو ما نوى ولا تكون أقل من واحدة وقال مالك وأكثر أصحابه فيمن قال لامرأته قبل أن يدخل أنت علي حرام أنها ثلاث إلا أن يقول نويت واحدة

وقال عبد الملك بن الماجشون لا ينوى فيها ثلاث وهي واحدة على كل حال كالمدخول بها سواء وقال عبد العزيز بن أبي سلمة هي واحدة إلا أن يقول أردت ثلاثا والقول الثاني قاله سفيان الثوري وطائفة إن نوى بقوله لامرأته أنت علي حرام ثلاثا فهي حرام ثلاث وإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة وإن نوى يمينا فهو يمين يكفرها وإن لم ينو فرقة ولا يمينا فليس بشيء هي كذبة والقول الثالث قاله الأوزاعي هو ما نوى فإن لم ينو شيئا فهي يمين يكفرها والقول الرابع ما قاله الشافعي قال ليس قوله أنت علي حرام بطلاق حتى ينوي به الطلاق فإن نوى به الطلاق فهو على ما أراد من عدده فإن أراد واحدة فهي رجعية وإن أراد تحريمها بغير طلاق فعليه كفارة يمين وليس بمؤول والقول الخامس قاله أبو حنيفة وأصحابه قال إن نوى الطلاق فهي واحدة بائنة إلا أن ينوي ثلاثا فإن نوى ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى اثنتين فهي واحدة وإن لم ينو طلاقها فهي يمين وهو مؤول وإن نوى الكذب فليس بشيء وقال زفر مثل ذلك كله إلا أنه قال إن نوى اثنتين فهي اثنتان والقول السادس قاله إسحاق وغيره قبله قالوا من قال لامرأته أنت علي حرام لزمه كفارة الظهار ولم يطأها حتى يكفر والقول السابع قاله جماعة من التابعين وغيرهم قالوا في الحرام هي يمين يكفرها ما يكفر اليمين إلا أن غيرهم قال هي يمين مغلظة ومن قال هي يمين فحجته قول الله عز وجل يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك التحريم وكان حرم على نفسه مارية سريته ثم قال الله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمنكم التحريم وفي هذا اختلاف كثير والقول الثامن أن تحريم المرأة كتحريم الماء ليس بشيء ولا فيه كفارة ولا طلاق لقوله عز وجل لا تحرموا طيبت ما أحل الله لكم المائدة قال أبو عمر قد رويت هذه الأقوال كلها عن جماعة من جماعة السلف

فروى معمر عن منصور عن إبراهيم في الحرام قال أن نوى واحدة فهي يمين واحدة وإن نوى ثلاثا فثلاث وروى الثوري عن منصور عن إبراهيم قال كان أصحابنا يقولون في الحرام هي واحدة بائنة وهي أملك بنفسها وإن شاء خطبها وروى بن إدريس عن الأعمش عن إبراهيم قال إذا قال لامرأته هي علي حرام ينوي الطلاق فأدنى ما تكون تطليقة بائنة وروى جرير عن منصور عن إبراهيم قال إن نوى طلاقا فأدنى ما تكون من نيته واحدة في ذلك بائنة إن شاء وشاءت تزوجها إن نوى ثلاثا فثلاث وروى الشعبي عن عبد الله بن مسعود في الحرام قال إن نوى طلاقها فهي واحدة وهو أملك برجعتها وإن لم ينو طلاقا فهي يمين يكفرها وروى إبراهيم عن عبد الله بن مسعود قال إن نوى يمينا فهي يمين وإن نوى طلاقا فما نوى وشعبة عن حماد قال الحرام واحدة بائنة وأما من قال إن الحرام يمين تكفر فروى معمر عن يحيى بن أبي كثير وأيوب عن عكرمة أن عمر بن الخطاب قال في الحرام هي يمين قال يحيى وهو قول بن عباس قال أبو عمر ورواه عن عكرمة خالد الحذاء مثله وقال عبد الرزاق سمعت عمر بن راشد يحدث عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال هي يمين وتلا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الأحزاب وروى سعيد بن المسيب وجابر بن زيد ومطرف عن بن عباس مثله وبن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن مسعود قال هي يمين يكفرها وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الأعلى عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن بن عباس وعن جابر بن زيد وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أنهم قالوا الحرام يمين وعبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال هي يمين

حدثنا أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن عطاء وطاوس قالا هي يمين قال وحدثني عبد الرحيم بن سليمان عن جويبر عن الضحاك أن أبا بكر وعمر وبن مسعود رضي الله عنهم قالوا من قال لامرأته هي عليه حرام فليست عليه بحرام وعليه كفارة يمين قال وحدثني الثقفي عن برد عن مكحول وسليمان بن يسار قالا الحرام يمين ومن قال هي يمين مغلظة أوجب في كفارته تلك اليمين عتق رقبة وهو قول سعيد بن جبير وذكر أبو بكر عن عبد السلام بن حرب عن خصيف عن سعيد بن جبير في الرجل يقول لامرأته أنت علي حرام قال يعتق رقبة قال وإن قال ذلك لأربع نسوة أعتق أربع رقاب وقد روي عن بن عباس الحرام يمين مغلظة قال أبو عمر فهؤلاء كلهم لا يرون الحرام طلاقا ويرونها يمينا تكفر ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء الرجل يقول لامرأته أنت علي حرام قال يمين ثم تلا يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله قد فرض الله لكم تحلة أيمنكم التحريم قال وإن كان أراد الطلاق قلت قد علم الله مكان الطلاق قلت وإن قال أنت علي كالميتة والدم ولحم الخنزير هو كقوله أنت علي حرام قال نعم وهو قول الحسن البصري في أن الحرام يمين تكفر كقول عطاء وأما من قال في الحرام ليس بشيء ولا يلزم قائل هذا القول كفارة ولا طلاق وإن زوجته في ذلك كسائر ماله سواء مسروق بن الأجدع وأبو سلمة بن عبد الرحمن والشعبي وغيرهم وروى معمر عن عاصم بن سليمان عن الشعبي أن مسروقا قال لا أبالي حرمت امرأتي أو حرمت حفنة من ثريد وعن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أنه قال ما أبالي حرمتها أو حرمت الفرات

والثوري عن صالح بن مسلم عن الشعبي قال أنت علي حرام هو أهون علي من نعلي وأما قول من قال كفارة الحرام كفارة الظهار فروى الثوري عن منصور عن سعيد بن جبير عن بن عباس في الحرام قال عتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا وكذلك روى خصيف عن سعيد بن جبير عن بن عباس بخلاف رواية يعلى بن حكيم وبن المسيب وأبي الشعثاء ومطرف عن بن عباس ومعمر عن خصيف عن سعيد بن جبير وعن أيوب بن أبي قلابة وعن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه قالوا هي بمنزلة الظهار إذا قال هي علي حرام واختلف عن قتادة فروي عنه في الحرام كفارة الظهار وروي عنه كفارة اليمين قال أبو عمر لا يكون الحرام ظهارا عند من قدمنا قوله من الفقهاء وإن أراد قائلة الظهار وقد روي عن بن عباس وعائشة في تأويل قوله عز وجل لم تحرم ما أحل الله لك التحريم في حديث بن عباس والله لا أشرب العسل بعدها وفي حديث عائشة لن أعود أشرب العسل ولم يذكر يمينا فكان التحريم المذكور في الآية دالا على أن ثم يمينا كقوله عز وجل قد فرض الله لكم تحلة أيمنكم التحريم

وقال نافع حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته فأمر بكفارة يمين وقال مسروق آل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجعل الحرام حلالا فأمر بكفارة يمين قال أبو عمر كأنه يعني لا تحرموا طيبت ما أحل الله لكم والحجة لمالك ومن ذهب مذهبه في الحرام إجماع العلماء أن من طلق امرأته ثلاثا أنها تحرم عليه فلما كانت الثلاث تحريما كان تحريم ثلاثا والله أعلم مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول في الخلية والبرية إنها ثلاث تطليقات كل واحدة منهما مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت تحته وليدة لقوم فقال لأهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة واحدة مالك أنه سمع بن شهاب يقول في الرجل يقول لامرأته برئت مني وبرئت منك إنها ثلاث تطليقات بمنزلة البتة قال مالك في الرجل يقول لامرأته أنت خلية أو برية أو بائنة إنها ثلاث تطليقات للمرأة التي قد دخل بها ويدين في التي لم يدخل بها أواحدة أراد أم ثلاثا فإن قال واحدة أحلف على ذلك وكان خاطبا من الخطاب لأنه لا يخلي المرأة التي قد دخل بها زوجها ولا يبينها ولا يبريها إلا ثلاث تطليقات والتي لم يدخل بها تخليها وتبريها وتبينها الواحدة قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال أبو عمر قول الليث بن سعد في ذلك سواء في المدخول بها وغير المدخول وقال بن أبي ليلى في حرام وخلية وبرية وبينونته كلها ثلاث ثلاث ولا ينوي في شيء منها وقال الأوزاعي أما البائنة والبرية فثلاث وأما الخلية فسمعت الزهري يقول واحدة أو ما نوى

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري في خلية وبرية وبائن إن أراد طلاقا فواحدة بائن إلا أن ينوي ثلاثا وإن نوى واحدة أو اثنتين فهي واحدة بائنة وقال زفر إن أراد اثنتين كانت اثنتين وقال عثمان البتي نحو قول الثوري وقال الشافعي في الخلية والبرية والبائن والبتة هو ما نوى فإن نوى أقل وثلاث كان رجعيا قال ولو طلقها واحدة بائنة كانت رجعية قال أبو عمر روي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وبن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهم في الخلية والبرية والبائن والبتة أنها ثلاث روي ذلك عنهم من وجوه في كتاب بن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهما وهو قول مكحول وقاله بن شهاب في البرية والبائن وقوله برئت مني وبرئت منك هو من البرية وكان بعض أصحاب مالك يرى المبارأة من البرية ويجعلها ثلاثا وتحصيل مذهب مالك عند جمهور أصحابه أن المبارأة من باب الصلح والفدية والخلع وذلك كله واحدة عندهم بائنة وأما قول القاسم بن محمد في قول الرجل لأهل امرأته شأنكم بها أن الناس رأوها تطليقة واحدة وروي عن مالك مثل ذلك إلا أن ينوي ثلاثا وروي عنه أنها ثلاث إلا أن ينوي واحدة وقال عيسى عن بن القاسم عن مالك هي ثلاث في المدخول بها وواحدة في التي لم يدخل بها ولا ينوي في شيء من ذلك وقال أبو حنيفة والثوري والشافعي إن أراد بذلك الطلاق فهو ما أراد من الطلاق وإن أراد أقل من ثلاث فهو رجعي عند الشافعي وعند الكوفيين بائن وإن لم يرد طلاقا فليس بطلاق قال أبو عمر أصل هذا الباب في كل كناية عن الطلاق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للتي تزوجها فقالت أعوذ بالله منك قد عذت بمعاذ الحقي بأهلك فكان ذلك طلاقا

وقال كعب بن مالك لامرأته حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتزالها الحقي بأهلك فلم يكن ذلك طلاقا فدل بما وصفنا من هذين الخبرين على أن هذه اللفظة مفتقرة إلى النية وإنما لا يقضى فيها إلا بما ينوي اللافظ بها فكذلك سائر الكنايات المحتملات للفراق وغيره والله أعلم ومن الكنايات بعد ما تقدم قول الرجل لامرأته اعتدي وأنت حرة أو اذهبي فأنكحي من شئت أو لست لي بامرأة أو قد وهبتك لأهلك أو خليت سبيلك أو الحقي بأهلك وما كان مثل هذا كله من الألفاظ المحتملة للطلاق وقد اختلف السلف والخلف فيها فواجب أن يسأل عنها قائلها ويلزم من ذلك ما نواه وأراده إن قصده وأما الألفاظ التي ليست من ألفاظ الطلاق ولا يكنى بها عن الفراق فأكثر العلماء لا يوقعون شيئا منها طلاقا وإن قصده القائل وقال مالك كل من أراد الطلاق بأي لفظة كان لزمه الطلاق حتى بقوله كلي واشربي وقومي واقعدي ونحو هذا ولم يتابع مالك على ذلك إلا أصحابه والأصل أن العصمة المتيقنة لا تزول إلا بيقين من نية وقصد وإجماع على مراد الله من ذلك وهذا عندي وجه الاحتياط للمفتي وبالله التوفيق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى والذي أقول به في الذي يهب امرأته لأهلها أنه قد كثر الاختلاف بين الصحابة ومن بعدهم فيها والصواب عندي فيها والله أعلم أنه أراد بذلك طلاقا فهو ما نوى من الطلاق قبلوها أو ردها وإن لم يرد طلاقا فليس بشيء قبلوها أو ردوها والله أعلم

باب ما يبين من التمليك مالك أنه بلغه أن رجلا جاء إلى عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إني جعلت أمر امرأتي في يدها فطلقت نفسها فماذا ترى فقال عبد الله بن عمر أراه كما قالت فقال الرجل لا تفعل يا أبا عبد الرحمن فقال بن عمر أنا أفعل أنت فعلته مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول إذا ملك الرجل امرأته أمرها فالقضاء ما قضت به إلا أن ينكر عليها ويقول لم أرد إلا واحدة فيحلف على ذلك ويكون أملك بها ما كانت في عدتها قال أبو عمر هذا قول مالك وأصحابه أن له أن يناكرها ويحلف فإن نكل عن اليمين لزمه ما طلقت به نفسها قال أبو عمر وفي هذه المسألة للسلف أقوال أحدها أن القضاء ما قضت ولا تنفعه مناكرته إياها والثاني أن ذلك مردود في عدة الطلاق إلى نيته فإن قال أردت واحدة كانت واحدة رجعية وله أن ينكر عليها أن توقع أكثر من واحدة لإرادته للواحدة ويحلف أنه ما أراد إلا واحدة والثالث أن طلاقها لا يكون إلا واحدة على كل حال وهو أملك بها ما دامت في عدتها والرابع أنه لا يكون بيد المرأة طلاق الرجل وليس قولها لزوجها قد طلقت نفسي منك بشيء كما لو قالت له أنت مني طالق لم يكن شيئا وهو قول شاذ روي عن بن عباس وطاوس والقول الأول روي عن علي رضي الله عنه وعن بن المسيب وبه قال الزهري وعطاء وطائفة روى الثوري عن منصور عن الحكم عن علي رضي الله عنه قال إذا جعل أمرها بيدها فالقضاء ما قضت هي وغيرها سواء

وعن بن جريج قال أخبرني بن شهاب قال سمعت الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة يقول أيما امرأة جعل زوجها أمرها بيدها أو بيد وليها فطلقت نفسها ثلاث تطليقات فقد برئت منه ومعمر عن الزهري قال إن طلقت نفسها فالقضاء ما قضت إن نوى واحدة فواحدة وإن اثنتين فاثنتين وإن ثلاثا فثلاثا وعن الزهري عن بن المسيب مثله وبن جريج عن عطاء مثله فإن قيل إنه قد روي عن بن عمر مثل ذلك ولم يذكر مناكرة فالجواب أن رواية مالك قد فسرت ما أجمل غيره بقوله إلا أن ينكر عليها فيقول لم أرد إلا واحدة فهذا هو القول الثاني وأما القول الثالث فقول عمر وبن مسعود وروى الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة أو الأسود عن بن مسعود أنه جاءه رجل فقال كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس فقالت لو أن الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع فقال فإن الذي بيدي من أمرك بيدك قالت فأنت طالق ثلاثا قال أراها واحدة أنت أحق بها ما دامت في عدتها وسألقى أمير المؤمنين عمر ثم لقيه فقص عليه القصة فقال فعل الله بالرجال وفعل يعمدون إلى ما جعل الله في أيديهم فيجعلونه في أيدي النساء بفيها التراب ماذا قلت فيها قال قلت أراها واحدة وهو أحق بها قال وأنا أرى ذلك ولو رأيت غير ذلك لرأيت أنك لم تصب روى الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق أن رجلا جعل أمر امرأته بيدها فطلقت نفسها ثلاثا فسأل عمر عنها بن مسعود ماذا ترى فيها قال أراها واحدة وهو أحق بها قال عمر وأنا أرى ذلك وروي عن زيد بن ثابت مثل ذلك رواه بن عيينة عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد عن زيد بن ثابت أنه قال في رجل أمر امرأته بيدها فطلقت نفسها ثلاثا قال هي واحدة وأما قول بن عباس وطاوس فروى بن جريج قال أخبرني أبو الزبير أن

مجاهدا أخبره أن رجلا جاء بن عباس فقال ملكت امرأتي أمرها فطلقتني ثلاثا قال خطأ الله نوءها إنما الطلاق لك عليها وليس لها عليك قال بن جريج وأخبرني بن طاوس عن أبيه وقلت له كيف كان أبوك يقول في رجل ملك امرأته أمرها أتملك أن تطلق نفسها فقال كان يقول ليس إلى النساء طلاق قال أبو عمر قد روي خبر بن عباس على غير ما ذهب إليه طاوس وروى بن جريج عن عطاء عن بن عباس أن امرأة ملكها زوجها أمر نفسها فقالت أنت الطلاق وأنت الطلاق وأنت الطلاق فقال بن عباس خطأ الله نوءها ألا قالت أنا طالق أنا طالق وهذه مسألة أخرى قد ذهب إليها طائفة من الفقهاء في المملكة قالوا إذا قالت لزوجها أنت طالق لم يقع طلاق حتى يقول أنا منك طالق وذهب جماعة إلى أن ذلك بمعنى واحد وأنه يقع الطلاق بقولها لزوجها أنت طالق كما يقع بقولها أنا طالق منك وأما أقاويل أئمة الفتوى بالأمصار في التمليك يقول مالك ما ذكره في موطئه ما ذكرناه في هذا الباب ومذهبه في التخير خلاف مذهبه في التمليك ويأتي في باب الخيار من هذا الكتاب وهناك نذكر مذاهب السلف من الخيار إن شاء الله تعالى وقال الشافعي اختاري أمرك بيدك سواء ليس بشيء من ذلك بطلاق إلا أن يريد الزوج بقوله ذلك الطلاق فإن أراد الطلاق فهو ما أراد من الطلاق فإن أراد واحدة فهي رجعية ولو أراد الطلاق فقالت قد اخترت نفسي فإن أراد الطلاق فهو الطلاق وإن يرده فليس بطلاق وقال أبو حنيفة وأصحابه في أمرك بيدك إذا طلقت نفسها فهي واحدة بائنة إلا أن تنوي ثلاثا فيكون ثلاثا قال والخيار لا يكون طلاقا وإن نواه وقال الثوري أمرك بيدك مثل الخيار فإن اختارت نفسها فواحدة بائنة وكل هؤلاء التمليك والتخيير عندهم سواء

وقال عثمان البتي في أمرك بيدك القضاء ما قضت إلا أن يحلف أنه لم يرد إلا واحدة أو اثنتين نحو قول مالك وهو قول عبيد الله بن الحسن وقال أبن أبي ليلى في أمرك بيدك هي ثلاث ولا يسأل الزوج عن نفسه وقال الأوزاعي في أمرك بيدك القضاء ما قضت واحدة أو اثنتين أو ثلاثا وقال إسحاق إذا ملكها أمرها فإن قال لم أرد إلا واحدة حلف على ذلك ويكون أملك بها وقال أحمد إن أنكر لم يقبل منه والقضاء ما قضت قال أبو عمر كل هؤلاء يقولون إذا ردت الأمر إلى زوجها ولم تقض بشيء ولم يرد طلاقها فلا طلاق والله الموفق باب ما يجب فيه تطليقة واحدة من التمليك مالك عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه أخبره أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد بن أبي عتيق وعيناه تدمعان فقال له زيد ما شأنك فقال ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال له زيد ما حملك على ذلك قال القدر فقال زيد ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة وأنت أملك بها قال أبو عمر هو مذهب مالك والشافعي أن الطلقة الواحدة في التمليك رجعية يملك الزوج فيها رجعة امرأته وعند الكوفيين الطلقة بائنة وقد تقدم ذلك في الباب قبل هذا ولا حجة في هذا الباب من جهة الرأي إلا أن يعارضها مثلها ولا أثر فيه يجب التسليم له للاختلاف بين السلف فيه وأولى ما قيل به في ذلك أن كل طلقة على ظاهر الكتاب فواجب أن تكون رجعية لقول الله تعالى لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا الطلاق ولقوله عز وجل وبعولتهن أحق بردهن في ذلك البقرة وهو الرجعة حتى تكون ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره إلا أن من اشترط من النساء في حين عقد

نكاحها أنك إن تزوجت علي أو تسريت أو كذا أو كذا فأمري بيدي فالطلاق ها هنا بائن واحدة لا رجعة له فيها إلا برضاها وكذلك الخيار عند جمهور العلماء في الأمة تعتق تحت العبد أن طلاقها واحدة بائنة لأن لو كانت رجعية لم تكن الأمة المعتقة تشفع باختيارها ولا المرأة التي اشترطت طلاقها عند عقد نكاحها لم تكن أيضا تنتفع بشرطها وكذلك المختلعة لأنها ابتاعت عصمتها من زوجها بمالها فلو كانت له الرجعة لذهب مالها ولم ينتفع بذلك وعلى هذا جمهور العلماء وسترى ذلك في باب الخلع إن شاء الله تعالى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه إن رجلا من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت أنت الطلاق فسكت ثم قالت أنت الطلاق فقال بفيك الحجر ثم قالت أنت الطلاق فقال بفيك الحجر فاختصما إلى مروان بن الحكم فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة وردها إليه قال مالك قال عبد الرحمن فكان القاسم يعجبه هذا القضاء ويراه أحسن ما سمع في ذلك قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك وأحبه إلي قال أبو عمر قد مضى في الباب قبل هذا وقد ذكرنا ما للمملك من المناكرة وأن ذلك مردود إلى قوله ونيته وما للعلماء في ذلك من التنازع ما يغني عن إعادته وإنما للمملك أن يناكر امرأته إذا أوقعت أكثر من واحدة إذا كان التمليك منه لها في غير عقد نكاحها وأما إذا جعل لها في عقد نكاحها أن أمرها بيدها إن أخرجها من دارها أو تزوج عليها أو غاب عنها ونحو ذلك ثم فعل فطلقت نفسها ما شاء من الطلاق فلا تكره له في ذلك هذا قول مالك وأما قول المرأة في هذا الخبر لزوجها أنت الطلاق فقد اختلف الفقهاء في

الرجل يخير المرأة فتقول قد طلقتك ولم تقل قد طلقت نفسي أو يقول الرجل لامرأته أنت طالق فقال مالك والشافعي تطلق المرأة بذلك كله وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي لا يلحق بذلك طلاق واحتج بعض من يقول بقول الكوفيين في ذلك بقول الله عز وجل وإذا طلقتم النساء البقرة ولم يقل إلا أن طلقكن النساء وبمثل هذا من آي القرآن قال ومن قال لامرأته أنا منك طالق فإنما طلق نفسه ولم يطلق زوجته قال أبو عمر الذي يحضرني في هذا للحجازيين أن الطلاق إنما يراد به الفراق وجائز أن يقال في كلام العرب فارقتك وفارقتني فعلى هذا يصح فارقتني زوجتي وفارقتها كما يصح بانت مني وبنت منها وهي علي حرام وأنا عليها حرام فعلى هذا المعنى يصح قول أهل الحجاز لا على طلقتني زوجتي والله أعلم باب ما لا يبين من التمليك مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها خطبت على عبد الرحمن بن أبي بكر قريبة بنت أبي أمية فزوجوه ثم أنهم عتبوا على عبد الرحمن وقالوا ما زوجنا إلا عائشة فأرسلت عائشة إلى عبد الرحمن فذكرت ذلك له فجعل أمر قريبه بيدها فاختارت زوجها فلم يكن ذلك طلاقا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زوجت حفصة بنت عبد الرحمن المنذر بن الزبير وعبد الرحمن غائب بالشام فلما قدم عبد الرحمن قال ومثلي يصنع هذا به ومثلي يفتات عليه فكلمت عائشة المنذر بن الزبير فقال المنذر فإن ذلك بيد عبد الرحمن فقال عبد

الرحمن ما كنت لأرد أمرا قضيتيه فقرت حفصة عند المنذر ولم يكن ذلك طلاقا مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة سئلا عن الرجل يملك امرأته أمرها فترد ذلك إليه ولا تقضي فيه شيئا فقالا ليس ذلك بطلاق مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال إذا ملك الرجل امرأته أمرها فلم تفارقه وقرت عنده فليس ذلك بطلاق قال أبو عمر روي مثل قول سعيد عن بن عمر وبن مسعود ورواية عن علي أنها إذا اختارت زوجها فلا طلاق لها ولا شيء وعلى هذا جماعة العلماء وجمهورهم من المملكة أنها إذا لم تقض شيئا لم يوجب تمليكها شيئا إذا رضيت البقاء مع زوجها واختلف الصحابة والتابعون رضي الله عنهم في المخيرة اختلافا متباينا دل على أنهم غابت عنهم السنة في ذلك وذلك تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه قالت عائشة خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقا ومعلوم أنه إنما خيرهن بين الصبر معه على الفقر وبين فراقه بدليل ما في الحديث من قوله لعائشة إني أعرض عليك أمرا فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك قالت ما هو فتلا عليها الآية فقالت أوفيك أستأمر أبوي بلى أختار الله ورسوله والدار الآخرة وأسألك ألا تذكر ذلك لامرأة من نسائك فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لم أبعث معنتا وإنما بعثت معلما ميسرا فلا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها

رواه أبو الزبير عن جابر عن عائشة ورواه عروة عن عائشة وهذا يدل على فساد قول الحسن إنهن إنما خيرن بين الدنيا والآخرة لا بين فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم والكون معه والقضاء بصحة ما ذهب إليه فقهاء الأمصار من الحجاز والعراق أن المملكة والمخيرة إذا اختارت زوجها لم يقع عليها طلاق حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني عمرو بن مرزوق قال أخبرنا شعبة عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن في ذلك طلاق ورواه الثوري عن الأعمش وعاصم عن الشعبي عن مسروق عن عائشة مثله وإبراهيم عن الأسود عن عائشة مثله قال أبو عمر قوله في حديث هذا الباب أن عائشة زوجت حفصة بنت عبد الرحمن أخيها من المنذر بن الزبير ليس على ظاهره ولم يرد بقوله زوجت حفصة والله أعلم إلا الخطبة والكناية في الصداق والرضا ونحو ذلك دون العقد بدليل الحديث المأثور عنها أنها كانت إذا حكمت أمر الخطبة والصداق والرضا قالت أنكحوا واعقدوا فإن النساء لا يعقدن وروى بن جريج عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها أنكحت امرأة من بني أخيها رجلا من بني أختها فضربت بينهم بستر ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا العقد أمرت رجلا فأنكح ثم قالت ليس إلى النساء النكاح قال أبو عمر قد احتج الكوفيون بحديث مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة المذكور في هذا الباب في جواز عقد المرأة للنكاح ولا حجة فيه لما ذكرنا من حديث بن جريج ولأن عائشة آخر الذين رووا عن النبي عليه السلام لا نكاح إلا بولي والولي المطلق يقتضي العصبة لا النساء وقد مضى هذا المعنى في كتاب النكاح والحمد لله

قال مالك في المملكة إذا ملكها زوجها أمرها ثم افترقا ولم تقبل من ذلك شيئا فليس بيدها من ذلك شيء وهو لها ما داما في مجلسهما قال أبو عمر هذا هو المشهور من مذهب مالك رحمه الله وعليه جمهور الفقهاء وممن قال إن ذلك على المجلس الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي وأصحابهم والحسن بن حي والليث بن سعد كلهم يقول إذا خيرت فخيارها على المجلس فإن افترقا أو قامت قبل أن تقول شيئا بطل خيارها ولفظ الثوري ومالك والأوزاعي فذلك بيدها حتى يفترقا من مجلسهما وذكر بن القاسم عن مالك قوله هذا في موطئه وقال عنه بل أمرها بيدها ما لم يجامعها وإن افترقا قال بن القاسم وقوله الأول أعجب إلي وعليه الناس وفي موضع آخر من المدونة قال مالك في رجل ملك امرأته أمرها أن لها أن تقضي وإن افترقا من مجلسهما وكان قوله قبل ذلك إذا تفرقا فلا قضاء لها إذا كان قد أمكنها القضاء قبل قيام زوجها واختلفوا في الوقت الذي يجوز للمملك فيه الرجوع على التمليك فذكر بن القاسم عن مالك فيمن جعل أمر امرأته بيد رجل قال إذا قام الذي جعل ذلك إليه بطل ثم رجع فقال ذلك له ما لم يوقفه السلطان وفي موضع آخر قال بن القاسم قال مالك إذا قال لأجنبي أمر امرأتي بيدك فليس له أن يرجع فيه قال أبو عمر كذلك قال الثوري والليث إلا أن الثوري قال حتى يقضي أو يدع وقال الليث حتى توقف أتقضي بالفراق أم لا وقال الأوزاعي إذا جعل أمر امرأته بيدها فله أن يرجع فيه قبل أن يقول شيئا وقال الشافعي إذا ملك الرجل أمرها غيره فهذه وكالة وله أن يرجع قبل أن يوقعه ومتى أوقعه قبل رجوعه وقع

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قال لها طلقي نفسك أو قال أمرها بيدها فهو على المجلس وليس له الرجوع فيه ولو قال لأجنبي طلق امرأتي كان على المجلس وبعده وله أن ينهاه ولو قال له طلقها إن شئت أو قال له أمرها بيدك كان له على المجلس ولم يكن له الرجوع فيه وقال زفر ذلك له في المجلس وبعده في القولين جميعا قال أبو عمر قول الكوفيين تحكم لا دليل عليه من أثر ولا يعضده قياس ولا نظر والله أعلم قال أبو عمر لأصحابنا في هذا الباب نوازل فيما بينهم اختلاف واضطراب قد ذكرتها في كتاب اختلاف قول مالك وأصحابه قال أبو عمر وروى بن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال إن خير امرأته فلم تقل شيئا حتى تقوم من ذلك المجلس فليس بشيء وعن بن مسعود وعن مجاهد وعطاء وجابر بن زيد أبي الشعثاء والشعبي والنخعي أنهم قالوا إذا قامت من المجلس فلا أمر لها وروى ذلك عن عمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم ولا أعلم مخالفا في ذلك إلا ما رواه معمر عن الزهري وقتادة والحسن أنهم قالوا ذلك بيدها حتى تقضي وقال أبو الشعثاء كيف يمشي بين الناس وأمر امرأته بيد غيره قال أبو عمر اعترض داود وبعض أصحابه على من قال بأن الخيار على المجلس بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في حين تخييره لأزواجه إني ذاكر لك أمرا فلا تعجلي حتى تستأمري أبويك ولم يقل في مجلسك قال أبو عمر لا حجة في هذا لأن النبي عليه السلام جعل لها الخيار في المجلس وبعده حتى تشاور أبويها ولا خلاف فيمن خير امرأته مدة يوم أو أيام أن ذلك لها إلى انقضاء المدة وبالله التوفيق

باب الإيلاء مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء قال مالك وذلك الأمر عندنا قال أبو عمر الخبر عن علي رضي الله عنه يوقف المولي وإن كان منقطعا في الموطأ فإنه متصل عنه من طرق كثيرة صحاح منها ما حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني الحسن بن إسماعيل قال حدثني عبد الملك بن بحر قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني سنيد بن داود قال حدثني هشيم قال أخبرنا الشيباني عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال هشيم وأخبرني الشيباني عن الشعبي قال أخبرنا عمرو بن سلمة الكندي قال شهدنا علي بن أبي طالب وقف رجلا عند الأربعة الأشهر إما أن يفيء وأما أن يطلق مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول أيما رجل آلى من امرأته فإنه إذا مضت الأربعة الأشهر وقف حتى يطلق أو يفيء ولا يقع عليه طلاق إذا مضت الأربعة الأشهر حتى يوقف مالك عن بن شهاب أن سعيد بن المسيب وأبا بكر بن عبد الرحمن كانا يقولان في الرجل يولي من امرأته إنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدة مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في الرجل إذا آلى

من امرأته أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة وله عليها الرجعة ما دامت في عدتها قال مالك وعلى ذلك كان رأي بن شهاب قال أبو عمر أما علي رضي الله عنه فالصحيح من رأيه ومذهبه ما رواه مالك عنه من القول بوقف المولي وقد روي عنه أن المولي تبين منه امرأته بانقضاء الأربعة الأشهر ولا يصح ذلك عنه رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن علي قال إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة ولم يلق الحسن عليا ولا سمع منه ورواه معمر عن قتادة أن عليا وبن مسعود قالا إذا انقضت الأربعة الأشهر فهي واحدة وهي أحق بنفسها وتعتد عدة المطلقة وهذا ليس بشيء عن علي خاصة لأنه لم يأت إلا من هذا الوجه وهو منقطع لا يثبت مثله وأما بن مسعود فهو مذهبه المحفوظ عنه وأما علي فلا يصح إلا ما ذكر مالك من رواية أهل المدينة وما ذكرناه عنه من رواية أهل الكوفة وغيرهم وروى عبد الرزاق ووكيع عن الثوري عن سليمان الشيباني عن الشعبي عن عمرو بن سلمة عن علي في المولي قال إذا مضت الأربعة الأشهر فإنه يوقف حتى يفيء أو يطلق والصحيح عن بن عمر أيضا وقف المولى رواه مالك وأيوب وعبيد الله وسالم وغيرهم عن نافع عن بن عمر وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو داود عن جرير قال قرأت في كتاب أبي قلابة عند أيوب سالت أبا سلمة وسالما عن الإيلاء فقال إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة لم يقل بائنة ولا رجعية وهو قول أبي الدرداء وعائشة لم يختلف عنهما فيما علمت

واختلف عن عثمان والصحيح عنه وقف المولي رواه بن عيينة عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن عثمان بن عفان قال يوقف المؤلي عند الأربعة الأشهر فإما أن يفيء وإما أن يطلق وروي عن عمر بن الخطاب مثله وبن عيينة عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد أن رجلا كان يؤلي من امرأته سنة ويأتي عائشة فتقرأ عليه للذين يؤلون من نسائهم الآية البقرة وتأمره باتقاء الله وأن يفيء والثوري عن جابر عن القاسم بن محمد أن عائشة أمرت رجلا بعد عشرين شهرا أن يفيء أو يطلق وبن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوقفون المؤلي وهو قول سعيد بن المسيب فيما روى عنه عطاء الخرساني قال أبو عمر حديث بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار انفرد به بن عيينة وما أظنه رواه عن سليمان بن يسار غير يحيى بن سعيد وممن قال يوقف المؤلي بعد الأربعة أشهر فإما أن يفيء وإما أن يطلق مجاهد وطاوس وبه قال مالك والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود فإن لم يفيء وطلق أو طلق عليه السلطان فالطلقة رجعية عندهم إلا أن مالكا من بينهم قال لا تصح له رجعة حتى يطأ في العدة ولا أعلم أحدا وافق مالكا على ذلك والله أعلم قال أبو عمر لم يختلف عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فيما ذكر عنه مالك في المؤلي أنه يلزمه بانقضاء الأربعة الأشهر تطليقة رجعية بالصحيح وأما سعيد بن المسيب فالصحيح عنه مثل ذلك من رواية مالك وغيره وقد روى معمر عن عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب قال يوقف المؤلي عند انقضاء الأربعة الأشهر فإما أن يفيء وإما أن يطلق

وأما مروان بن الحكم فاختلف عنه أيضا روى الثوري عن ليث عن مجاهد عن مروان عن علي قال إذا مضت الأربعة الأشهر فإنه يجلس حتى يفيء أو يطلق قال مروان ولو وليت هذا الأمر لقضيت بقضاء علي وروى عبد الرزاق عن مالك ومعمر وبن عيينة عن أيوب عن سليمان بن يسار أن مروان وقف رجلا آلى من امرأته بعد ستة أشهر وهو غريب عن مالك وكل ما في هذا الباب فعن عبد الرزاق عن الشيوخ المذكورين فيه وممن قال بقول أبي بكر بن عبد الرحمن وبن شهاب ومن تابعهما على أنه ما بقضاء الأربعة الأشهر تطلق زوجة المؤلي طلقة رجعية الأوزاعي ومكحول وقال الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح إذا مضت للمؤلي أربعة أشهر بانت منه امرأته بتطليقة بائنة لا يملك فيها رجعة وهو قول بن عباس وبن مسعود وزيد بن ثابت ورواية عن عثمان ورواية عن بن عمر فأما بن مسعود وبن عباس فلم يختلف عنهما في ذلك والله أعلم والرواية عن بن عمر بذلك ذكرها أبو بكر قال حدثني بن فضيل وأبو معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن بن عمر وبن عباس قالا إذا آلى فلم يفيء حتى تمضي الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة قال وحدثني وكيع عن شعبة عن الحكم عن مقسم عن بن عباس قال عزيمة الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر والفيء الجماع قال وحدثني جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله قال إذا آلى فمضت أربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقه وبه قال عطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد أبو الشعثاء والحسن وإبراهيم ومسروق وبن سيرين ومحمد بن الحنفية وعكرمة وقبيصة بن ذؤيب وروى معمر عن عطاء الخرساني قال سمعني أبو سلمة بن عبد الرحمن أسأل سعيد بن المسيب عن الإيلاء فمررت به فقال ماذا قال لك فحدثته فقال إلا أخبرك ما كان عثمان وزيد بن ثابت يقولان قلت بلى قال كانا يقولان إذا

مضت الأربعة الأشهر فهي طلقة واحدة وهي أحق بنفسها وتعتد عدة المطلقة ذكره بن المبارك وعبد الرزاق جميعا قال أبو عمر كل الفقهاء فيما علمت يقولون إنها تعتد بعد الطلاق عدة المطلقة إلا جابر بن زيد فإنه يقول لا تعتد يعني إذا كانت قد حاضت ثلاث حيض في الأربعة الأشهر وقال بقوله طائفة وكان الشافعي يقول ذلك في القديم ثم رجع عنه في الجديد وقد روى عن بن عباس نحوه رواه أبو عوانة عن قتادة قال كنت عند سليمان بن هشام وعنده الزهري فسألوه عن الايلاء فقال الزهري إذا مضت أربعة أشهر فواحدة وهو أحق بها فقلت له ما قلت بقول علي ولا بقول بن مسعود ولا بقول بن عباس ولا بقول أبي الدرداء فقال سليمان بن هشام ما قال هؤلاء قلت كان علي يقول إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة لا يخطبها زوجها ولا غيره حتى تنقضي عدتها وقال بن مسعود إذا مضت أربعة أشهر فهي واحدة يخطبها زوجها في العدة ولا يخطبها غيره وقال بن عباس مالكم تقولون عليها إذا مضت أربعة أشهر وقد حاضت فيها ثلاث حيض تزوجت من شاءت وقال أبو الدرداء إذا مضت أربعة أشهر يوقف فإن شاء طلق وإن شاء فاء قال أبو عمر الصحيح عن علي مثل قول أبي الدرداء هذا ولا يصح عنه ما حكاه قتادة وقتادة حافظ مدلس يروي عمن لم يسمع منه ويرسل عنه ما سمعه من ثقة وغير ثقة وروى معمر وبن عيينة وبن علية وأيوب عن أبي قلابة أن بن مسعود قال للنعمان بن بشير وكان قد آلى من امرأته إذا انقضت الأربعة الأشهر فاعترف بتطليقة

وروي ذلك عن بن عباس من وجوه قال أبو عمر والصحيح في هذا الباب ما ذهب إليه مالك ومن تابعه لأن الله تعالى قد جعل للمولى أربعة أشهر لا سبيل فيها لامرأته عليه ومعلوم أن الجماع من حقوقها ولها تركه والمطالبة به إذا انقضى الأجل الذي جعل لزوجها عليها فيه التربص فإن طلبته في حين يجب لها طلبه عند السلطان وقف المولي فإما فاء وإما طلق والدليل قول الله عز وجل فإن فاءو فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلق البقرة فجمعها في وقت واحد فلما أجمعوا أن الطلاق لا يقع في الأربعة الأشهر حتى تنقضي فإن الزوج لم يخاطب بإيقاع الطلاق في ذلك الوقت كان كذلك الفيء لا يكون بعد مضي الأربعة الأشهر ولو كان الطلاق يقع بمضيها لما تهيأ أن يخاطب الزوج بالفيء وذلك دليل على أن الفيء ممكن له بعد الأربعة الأشهر ودليل آخر وهو قوله تعالى وإن عزموا الطلق فإن الله سميع عليم ولا يكون السماع إلا المسموع ولو كان الطلاق يقع بمضي الأجل لما تهيأ سماع ذلك فدل على أن الطلاق أيضا إنما يقع بإيقاعه له لا بمضي الأجل والله أعلم مسألة من الإيلاء قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف فيطلق عند انقضاء الأربعة الأشهر ثم يراجع امرأته أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتها فلا سبيل له إليها ولا رجعة له عليها إلا أن يكون له عذر من مرض أو سجن أو ما أشبه ذلك من العذر فإن ارتجاعه إياها ثابت عليها فإن مضت عدتها ثم تزوجها بعد ذلك فإنه إن لم يصبها حتى تنقضي الأربعة الأشهر وقف أيضا فإن لم يفيء دخل عليه الطلاق بالإيلاء الأول إذا مضت الأربعة الأشهر ولم يكن له عليها رجعة لأنه نكحها ثم طلقها قبل أن يمسها فلا عدة له عليها ولا رجعة قال مالك في الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد الأربعة الأشهر فيطلق ثم يرتجع ولا يمسها فتنقضي أربعة أشهر قبل أن تنقضي عدتها إنه لا يوقف ولا يقع عليه طلاق وإنه إن أصابها قبل أن تنقضي عدتها كان أحق بها وأن مضت عدتها قبل أن يصيبها فلا سبيل له إليها وهذا أحسن ما سمعت في ذلك

قال أبو عمر أما قوله إنه لم يمسها حتى تنقضي عدتها فلا سبيل له إليها ولا رجعة له عليها ولا أعلم أحدا شرط في صحة الرجعة الجماع إلا مالكا رحمه الله ويجعله إذا لم يطأ في حكم المولي كما أنه لو قال لأجنبية والله لئن تزوجتك لأوطأنك ثم تزوجها كان موليا عنده وكذلك لو قال إن تزوجتك فأنت طالق فأنها تطلق عنده إذا تزوجها ولا يسقط عنه الطلاق الإيلاء ودليل ذلك على أن اليمين عليه باقية وأنه مذ وطئها بعد النكاح الجديد حنث كالمولي قبل النكاح الجديد ولا يسقط الإيلاء إلا الجماع لمن قدر عليه وإن عجز عنه بعذر مانع مثل السجن الذي لا يصل معه إليها إو المرض المانع المذنب له من وطئها أو البعد من السفر كان مبيته عنده كفارته بيمينه إن كان ممن يكفر إذ بان عذره قال ومما تعرف به فيئة المريض أن يكفر فتسقط يمينه وإن كانت ممن يكفر إذ قد بان عذره وكذلك المسجون والغائب وإن كانت اليمين لا تكفر فنيته بالقول فمتى زال العذر عاد الحكم هذا كله تحصيل مذهب مالك وأما غيره من العلماء فالطلاق عندهم من السلطان أو انقضاء الأربعة الأشهر عند من اوقع الطلاق بانقضائها كالفيئة لما في الفيئة من الحنث بدليل قول الله عز وجل فإن فاءو البقرة أي رجعوا إلى الجماع الذي حلفوا عليه فحنثوا أنفسهم أو عزموا الطلاق فبرئوا فإذا وقع الطلاق لم يعد الإيلاء إلا بيمين أخرى لأن الحنث بالفيئة قد وقع ولا يحنث مرتين وكذلك قال بن عباس وجابر بن زيد وعطاء والحسن وإبراهيم والشعبي وقتادة وغيرهم من العلماء لا إيلاء إلا بيمين ولا يرون الممتنع من الوطء بلا يمين موليا والإيلاء مصدر أولى إيلاء وألية والألية اليمين وجمعها الآلاء قال كثير يمدح عمر بن عبد العزيز

قليل الآلاء حافظ ليمينه وإن بدرت منه الألية برت وقد اختلف الفقهاء فيمن طلق ثلاثا بعد الإيلاء ثم تزوجها بعد زوج فقال مالك يكون موليا وهو قول حماد بن أبي سليمان وزفر وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يكون موليا وإن قربها كفر يمينه وهو قول الثوري وقال الشافعي في موضع إذا بانت المرأة ثم تزوجها كان موليا وفي موضع آخر لا يكون موليا واختاره المزني لأنها صارت في حال لو طلقها لم يقع طلاقه عليها وقال بن القاسم إذا آلى وهي صغيرة لم يجامع مثلها لم يكن موليا حتى تبلغ الوطء ثم يوقف بعد مضي أربعة أشهر منذ بلغت الوطء وهو قول بن القاسم ولم يروه عن مالك قال ولا يوقف الخصي وإنما يوقف من يقدر على الجماع وقال الشافعي إذا لم يبق للخصي ما ينال به من المرأة ما يناله الصحيح بمغيب الحشفة فهو كالمجبوب فاء بلسانه ولا شيء عليه غيره لأنه ممن لا يجامع مثله وقال في موضع آخر لا إيلاء على مجبوب واختاره المزني وأما اختلافهم في المولي العاجز عن الجماع فقد مضى قول مالك ومذهبه في ذلك وقال في المسافر إذا طالبته امرأته كتب موضعه فيوقف ليفيء أو ليطلق أو يطلق عليه وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا آلى وهو مريض أو بينها وبينه مسيرة أربعة

أشهر أو كانت رتقاء أو صغيرة ففيه الرضا بالقول إذا دام به العذر حتى تمضي المدة فإن قدر في المدة على الجماع لزمه الجماع قالوا ولو كان أحدهما محرما بالحج وبينه وبين وقت الحج أربعة أشهر لم يكن فيؤه إلا بالجماع وكذلك المحبوس وقال زفر فيؤه بالقول وقال الثوري في رواية الأشجعي عنه إذا كان للمولي عذر من مرض أو كبر أو حبس أو كانت حائضا أو نفساء فليفيء بلسانه يقول قد فئت ويجزئه ذلك وهو قول الحسن بن حي وقال الأوزاعي إذا آلى من امرأته ثم مرض أو سافر فأشهد على الفيء من غير جماع وكان لا يقدر على الجماع وقد فاء فليكفر عن يمينه وهي امرأته وكذلك إن ولدت في الأربعة الأشهر أو حاضت أو طرده السلطان فإنه يشهد على الفيء ولا إيلاء عليه وقال الليث بن سعد إذا مرض بعد الإيلاء ثم مضت أربعة أشهر فإنه يوقف كما يوقف الصحيح فإما فاء وإما طلق ولا يؤخر إلى أن يصح وقال المزني عن الشافعي إذا آلى المجبوب ففيؤه باللسان قال وقال في كتاب الإيلاء لا إيلاء على مجبوب قال ولو كانت صبية فآلى منها استأنف لها أربعة أشهر بعد ما تصير في حال يمكن جماعها قال ولو أحرم بالحج لم يكن فيؤه إلا بالجماع فإن وطى ء فسد حجه قالوا ولو آلى وهي بكر فقال لا أقدر على افتضاضها أجل أجل العنين قال وإذا كان ممن لا يقدر على الجماع وفاء بلسانه ثم قدر وقف حتى يفيء أو يطلق قال وإذا كانت حائضا أو محرمة لم يلزمه الفيء حتى تحل إصابتها وقال في موضع آخر إذا حبس استأنف أربعة أشهر وإن كان بينهما مسيرة أربعة أشهر فطالبه الوكيل فاء بلسانه وسار إليها كيف أمكنه وإلا طلقت عليه قال أبو عمر لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن قول الله تعالى

فإن فاءو البقرة هو الجماع لمن قدر عليه فصار بإجماعهم على ذلك من المحكم واختلفوا في معنى قوله عز وجل وإن عزموا الطلق فإن الله سميع عليم البقرة وعلى حسب اختلافهم الذي ذكرنا عنهم جاءت فروع مذاهبهم على ما وصفنا وجمهور العلماء على أن المولي إذا فاء بالوطء وحنث نفسه فعليه الكفارة إلا رواية عن إبراهيم والحسن أنه لا كفارة عليه إذا فاء لأن الله عز وجل قد غفر له ورحمه وهذا مذهب في الأيمان لبعض التابعين في كل من حلف على بر أو تقوى أو باب من أبواب الخير ألا يفعله فإنه يفعله ولا كفارة عليه وهو مذهب ضعيف ترده السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم على من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه فلم يسقط عنه بإتيانه الخير ما لزمته من الكفارة قال مالك في الرجل يولي من امرأته ثم يطلقها فتنقضي الأربعة الأشهر قبل انقضاء عدة الطلاق قال هما تطليقتان إن هو وقف ولم يفيء وإن مضت عدة الطلاق قبل الأربعة الأشهر فليس الإيلاء بطلاق وذلك أن الأربعة الأشهر التي كانت توقف بعدها مضت وليست له يومئذ بامرأة قال أبو عمر وأنه طلق بعد الإيلاء طلاقا رجعيا فطالبته امرأته بعد انقضاء الأشهر بحقها في الجماع فأوقف لها بابا أن يفيء إلى جماعها مراجعتها فطلق عليه الحاكم طلقة أخرى فصارتا تطليقتين ولو انقضت العدة قبل أمر التوقيف لم يكن هناك توقيف لأنها ليست بزوجة عند انقضاء العدة وإذا لم يكن توقيف لم يكن طلاق غير الطلاق الأول

وهذه المسألة بناها على أصله المتقدم ليس فيها جواب أخبره فيما علمت والله أعلم ويجيء على أصل الشافعي وكل من قال يوقف المؤلي بعد الأربعة الأشهر ما قاله مالك وبالله التوفيق قال مالك ومن حلف أن لا يطأ امرأته يوما أو شهرا ثم مكث حتى ينقضي أكثر من الأربعة الأشهر فلا يكون ذلك إيلاء وإنما يوقف في الإيلاء من حلف على اكثر من الأربعة الأشهر فأما من حلف أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو أدنى من ذلك فلا أرى عليه إيلاء لأنه إذا دخل الأجل الذي يوقف عنده خرج من يمينه ولم يكن عليه وقف قال أبو عمر قد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة فقال بن أبي ليلى وبن أبي شبرمة والحسن بن حي إن حلف ألا يقرب امرأته يوما أو أقل أو أكثر من المدة ثم ذكرها دون أن يطأها أربعة اشهر بانت منه بالإيلاء وهو قول إبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان والحسن وبن سيرين وروي معنى ذلك عن عبد الله بن مسعود وبه قال إسحاق وبه قال أكثر أهل العلم لا يكون من حلف على أقل من أربعة أشهر موليا وممن روي ذلك عنه بن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والثوري والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وأبو عبيد واختلف هؤلاء على أربعة أشهر لا مزيد فقال مالك والشافعي لا يكون موليا حتى يحلف على أربعة أشهر وبه قال أحمد وأبو ثور والثوري وأصحابه الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعدا وهو قول عطاء وعثمان البتي قال أبو عمر جعل الله تعالى للمؤلي تربص أربعة أشهر فهي له بكمالها لا

اعتراض لزوجته عليه فيها كما أن الدين المؤجل لا يستحق صاحبه المطالبة إلا بعد استيفاء الأجل فإذا انقضت الأربعة الأشهر وهي أجل الإيلاء كانت للمرأة المطالبة بحقها من الجماع عند السلطان فيوقف زوجها فإن فاء جامعها وكفر يمينه فهي امرأته وإلا طلق عليه هذا مذهب مالك والشافعي وهو الصواب إن شاء الله تعالى في هذا الباب قياسا على أجل العنين وأما الكوفيون فيقولون إن الله عز وجل جعل التربص في الإيلاء أربعة أشهر كما جعل في عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا وفي عدة الطلاق ثلاثة قروء فلا تربص بعدها قالوا فيجب بعد المدة سقوط الإيلاء ولا يسقط إلا بالفيء وهو الجماع في داخل المدة أو الطلاق وعزيمته انقضاء الأربعة الأشهر وروى وكيع عن شعبة عن الحكم عن مقسم عن بن عباس قال عزيمة الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر والفيء الجماع قال مالك من تظاهر من امرأته يوما فهو مظاهر أبدا ولا يسقط عنه الظهار بمضي اليوم وهو قول بن أبي ليلى والليث والحسن بن حي وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أمي اليوم بطل الظهار بمضي اليوم قال أبو عمر جعله أبو حنيفة والشافعي كاليمين تنقضي بانقضاء المدة وجعله مالك كالطلاق و قد اجمعوا عليه إذا قال لزوجته أنت طالق اليوم أنها طالق أبدا حتى يراجعها إن كانت له رجعة قال مالك من حلف لامرأته أن لا يطأها حتى تفطم ولدها فإن ذلك لا يكون إيلاء وقد بلغني أن علي بن أبي طالب سئل عن ذلك فلم يره إيلاء قال أبو عمر ذكر عبد الرزاق عن معمر أنه بلغه ذلك عن علي بن أبي

طالب قال وأخبرنا بن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن سعيد بن جبير أخبره قال بلغني أن علي بن أبي طالب قال له رجل حلفت ألا أمس امرأتي سنتين فأمره فاعتزلها فقال له الرجل إنما ذلك من أجل أنها ترضع فخلى بينه وبينها قال أبو عمر هذا ليس بمضار لأنه أراد إصلاح ولده وقد هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينهي عن الغيلة لما علم أن العرب تعتقد أنه فساد للولد ثم تركها توكلا على الله تعالى إذ بلغه أن فارس والروم يفعلون ذلك فلا يضر أولادهم ومعلوم أن من سبق إلى نفسه مثل ذلك وقصد انتفاع ولده وصلاحه وأنه ليس بمضار لزوجته والغيلة وطء الرجل امرأته في حال الرضاع واختلف الفقهاء في هذه المسألة فقال مالك من قال لامرأته والله لا أقربك حتى تعطي ولدك لم يكن مؤليا لأن هذا ليس على وجه الضرر وإنما أراد إصلاح ولده وهو قول الأوزاعي وبه قال أبو عبيد وقال الشافعي من قال لا أقربك حتى تفطمي ولدك فإن مضت أربعة أشهر قبل أن يكون شيء مما حلف عليه كان مؤليا وقال في موضع آخر لا يكون مؤليا لأنها قد تفطمه قبل الأربعة الأشهر إلا أن يريد أكثر من أربعة أشهر واختاره المزني وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن بقي بينه وبين مدة الفطام أربعة أشهر فهو مؤول

باب إيلاء العبد مالك أنه سأل بن شهاب عن إيلاء العبد فقال هو نحو إيلاء الحر وهو عليه واجب وإيلاء العبد شهران قال أبو عمر اختلف العلماء في مدة إيلاء العبيد هل هو شهران أم أربعة وهل إيلاؤه متعلق به أو بامرأته على حسب اختلافهم في طلاق العبيد هل يعتبر به أو بامرأته فقال مالك يقول بن شهاب في ذلك إيلاؤه شهران على النصف من إيلاء الحر أربعة أشهر قياسا على حدوده وطلاقه وهو قول عطاء بن أبي رباح وبه قال إسحاق وقال الشافعي إيلاؤه مثل إيلاء الحر أربعة أشهر قياسا على إجماعهم في أن الحر والعبد فيما يلزمهما من الأيمان سواء في الحنث وقياسا على صلاتهما وصيامهما وقياسا على أجل العنين فإن أجل الحر والعبد عندهم فيه سواء لعموم قوله عز وجل للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر البقرة وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود وهؤلاء كلهم يقولون إن الطلاق بالرجال والعدة بالنساء وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كانت الزوجة مملوكة فإيلاؤها شهران من الحر والعبد فإذا كانت حرة فأربعة أشهر من الحر ومن العبد ولا اعتبار بالزوج لأن الطلاق عندهم والعدة جميعا بالنساء وهو قول الحسن وإبراهيم والحكم وحماد والشعبي والضحاك وكل هؤلاء يقولون الطلاق بالنساء يعتبر لا بالرجال واختلفوا في زوال الرق بعد الإيلاء فقال مالك إذا آلى وهو عبد ثم عتق لم تتغير مدة الإيلاء وقال أبو حنيفة إذا أعتقت قبل انقضاء شهرين صارت مدتها أربعة أشهر

واختلفوا في إيلاء العبد بالعتق فقال مالك يكون مؤليا لأنه لو حنث من أعتق لزمه اليمين وقال أبو حنيفة إذا حلف بالعتق أو بالصدقة مال نفسه لم يكن موليا ولو حلف بحج أو صيام أو طلاق كان مؤليا والله أعلم باب ظهار الحر مالك عن سعيد بن عمرو بن سليم الزرقي أنه سأل القاسم بن محمد عن رجل طلق امرأة إن هو تزوجها فقال القاسم بن محمد إن رجلا جعلا امرأة عليه كظهر أمه إن هو تزوجها فأمره عمر بن الخطاب إن هو تزوجها أن لا يقربها حتى يكفر كفارة المتظاهر مالك أنه بلغه أن رجلا سأل القاسم بن محمد وسليمان بن يسار عن رجل تظاهر من امرأته قبل أن ينكحها فقالا إن نكحها فلا يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر قال أبو عمر أما الطلاق قبل النكاح فيمن طلق امرأته قبل أن يتزوجها إن تزوجها وله باب من هذا الكتاب يأتي القول فيه وما للعلماء في ذلك هناك إن شاء الله تعالى وأما الظهار فاختلافهم فيه على غير اختلافهم في الطلاق لأن جماعة لم يلزموه الطلاق قبل النكاح وألزموه الكفارة في الظهار إن قال لامرأته أنت مني كظهر أمي إن نكحتك ثم نكحها قالوا لا يقربها حتى يكفر وروي ذلك عن سعيد بن المسيب وهو ممن يقول في الطلاق إنه لا يلزمه ذلك وهو قول الحسن وعطاء وعروة وبن شهاب والقاسم بن محمد

ومالك والأوزاعي والثوري في رواية من قال لامرأته إن نكحتك فأنت علي كظهر أمي ثم نكحها فعليه كفارة الظهار قبل أن يمسها وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقال آخرون الظهار والطلاق في ذلك سواء ولا يقع طلاق ولا ظهار إلا في زوجة قد تقدم نكاحها هذا قول بن عباس وبه قال الثوري في رواية والشافعي وأبو ثور وداود وهو قول بن أبي ذئب وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن البصري وذكره سنيد قال أخبرني حجاج عن بن جريج عن عثمان بن عمارة عن سعيد بن المسيب قال لا ظهار إلا من بعد ما يملك قال وحدثني حجاج عن سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن قالا لا ظهار إلا مما يملك وقال بن أبي ليلى والحسن بن حي إن قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي لم يلزمه شيء وإن قال إن نكحت فلانة فهي علي كظهر أمي أو سمى قرية أو قبيلة لزمه الظهار وقال مالك فيمن قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي لزمه الطلاق فرق بين الطلاق والظهار وقد روي عن الثوري أنه يلزمه الظهار وهو قول أبي حنيفة وأصحابه في المعينة وهو كقوله كل امرأة وقال الثوري فيمن قال إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي والله لا أقربك أربعة أشهر فما زاد ثم تزوجها وقع الطلاق وسقط الظهار والإيلاء لأنه بدأ بالطلاق قال أبو عمر يهدم الطلاق المتقدم الظهار إن كان الطلاق باتا وإن كان الطلاق رجعيا هدمه أيضا ما لم يراجع فإن راجع لم يطأ حتى يكفر كفارة المتظاهر وهذا معنى قد ذكرناه مكررا

مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في رجل تظاهر من أربعة نسوة له بكلمة واحدة أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مثل ذلك قال مالك وعلى ذلك الأمر عندنا قال أبو عمر قول عروة وربيعة في هذا هو قول مالك وأصحابه وبه قال أحمد وإسحاق إذا كان الظهار من أربعة نسوة بكلمة واحدة وقال الشافعي إذا ظاهر بكلمة واحدة من أربع نسوة فعليه لكل واحدة كفارة كما لو ظاهر من كل واحدة بكلمة وهو قول الأوزاعي وبن أبي ذئب والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وعثمان البتي قال أبو عمر جعله مالك كالإيلاء إذا حنث في واحدة فقد حنث فيهن ويجزئه كفارة واحدة والمخالف يقول قد ظاهر من كل واحدة منهن فلا يجوز له وطؤها حتى يكفر عنها كالطلاق عند الجميع والحرام عند مالك ومن تابعه وقد احتج مالك لمذهبه بعموم قول الله عز وجل وظاهره في قوله تعالى والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا الآية المجادلة يعني ولم يقل فتحرير رقبات فجعل كفارة المتظاهر تحرير رقبة ولم يخص واحدة من أربع قال مالك في الرجل يتظاهر من امرأته في مجالس متفرقة قال ليس عليه إلا كفارة واحدة فإن تظاهر ثم كفر ثم تظاهر بعد أن يكفر فعليه الكفارة أيضا قال أبو عمر قول الأوزاعي في هذه المسألة كقول مالك سواء وبه قال أحمد وإسحاق قال إذا ظاهر من امرأته في مجالس متفرقة فعليه كفارة واحدة ما لم يكفر وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما عليه لكل ظهار كفارة

وقال أبو حنيفة إذا تظاهر مرتين ولم يكن له نية فظهاران ويمينان إلا أن يكون في مجلس واحد وأراد التكرار فيكون عليه كفارة واحدة وقال الشافعي إذا ظاهر مرتين أو ثلاثا فهو مظاهر وعليه في كل واحدة كفارة وسواء كفر أو لم يكن كفر وهذا إذا أراد بكل واحدة ظهارا غير الآخر فإن ظاهر منها مرارا متتابعا وقال أردت ظهارا واحدا فهو واحد وقال محمد بن الحسن إذا ظاهر من امرأته في مقاعد شتى فعليه كفارات وإن تظاهر منها في مقعد واحد وردد فكفارة واحدة وقال يحيى بن سعيد الأنصاري في رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات في مجلس واحد في أمور مختلفة بأنه يجب عليه ثلاث كفارات وقال ربيعة إن ظاهر من امرأته ثلاثا في مجالس شتى في أمور شتى كفر عنهن جميعا وإن تظاهر منها ثلاثا في مجلس واحد في أمر واحد فكفارة واحدة وروى بن نافع عن مالك فيمن قال كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي أنه تجزئه كفارة واحدة عن جميع النساء وبه قال بن القاسم وقال بن نافع لكل امرأة يتزوجها كفارة وروي فيمن ظاهر مرارا كفارة واحدة عن علي رضوان الله عليه وعن عطاء وجابر بن زيد والشعبي وطاوس والزهري وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود قال مالك ومن تظاهر من امرأته ثم مسها قبل أن يكفر ليس عليه إلا كفارة واحدة ويكف عنها حتى يكفر وليستغفر الله قال مالك وذلك أحسن ما سمعت قال أبو عمر هذا يدل على أنه قد سمع الاختلاف في ذلك وهو أن عمرو بن العاص وقبيصة بن ذؤيب وسعيد بن جبير وبن شهاب وقتادة قالوا في الظهار يطأ قبل أن يكفر كفارتين وقال الأثر السلف وجماعة الأمصار ليس عليه إلا كفارة واحدة وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد وبه قال الليث ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والثوري

والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وداود والطبري وهي السنة الواردة في سلمة بن صخر البياضي حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا معلى قال حدثنا يحيى بن حمزة عن إسحاق بن أبي فروة عن بكير بن الإشج عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر أنه ظاهر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقع بامرأته قبل أن يكفر فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأمره أن يكفر تكفيرا واحدا وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني سحنون قال حدثني بن وهب قال وأخبرنا بن لهيعة وعمر بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر فذكر معناه بأتم من ما مضى وحدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن نمير قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر عن البياضي عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه ومعمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن سلمة بن صخر الأنصاري أنه ظاهر على امرأته وواقع عليها قبل أن يكفر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة واحدة قال أبو عمر أوجب الله عز وجل الكفارة على من تظاهر من امرأته بالظهار والعود جميعا وجعل وقت أداء وقت الكفارة قبل المسيس لا وقت وجوبها كما إن الصلاة تجب في وقت فإذا ذهب الوقت أداها بعد الوقت لأنها فرض وكان عاصيا من تركها حتى يخرج وقتها وكذلك المظاهر عصى ربه إذا كان مظاهرا إذا كان عالما بتحريم وطء امرأته قبل الكفارة وفرجها عليه محرم كما كان حتى يكفر وليس له أن يعود إلى وطئها حتى يكفر لقول الله عز وجل من قبل أن يتماسا المجادلة واختلفوا في مباشرة المظاهر لامرأته التي ظاهر منها ما دون الجماع

فقال الثوري لا بأس أن يقبل ويباشر ويأتيها في غير الفرج لأنه إنما عني بالمسيس ها هنا الجماع وهو قول الحسن وعطاء وعمرو بن دينار وقتادة كلهم يقولون في قوله تعالى من قبل أن يتماسا المجادلة قالوا الجماع وهو قول أصحاب الشافعي وقد روي عنه أنه قال أحب إلى أن يمتنع من القبلة والتلذذ احتياطا وقال أحمد وإسحاق لا بأس أن يقبل ويباشر وقال مالك ولا يباشر في ليل ولا نهار حتى يكفر وكذلك في صيام الشهرين قال مالك ولا ينظر إلى شعرها ولا إلى صدرها حتى يكفر لأن ذلك لا يدعوه إلى خير وقال الأوزاعي يأتي منها ما فوق الإزار كما يأتي الحائض وروي عن الزهري مثل قول مالك ولا يقبل ولا يباشر ولا يتلذذ منها بشيء وهو قول الليث وعن الزهري أيضا من قوله من قبل أن يتماسا قال الوقاع وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يقرب المظاهر امرأته ولا يلمس ولا يقبل ولا ينظر إلى فرجها لشهوة حتى يكفر قال مالك والظهار من ذوات المحارم من الرضاعة والنسب سواء قال أبو عمر لم يختلف مالك وأصحابه في أن الظهار واقع بكل ذات محرم من الرضاع ونسب قياسا على الأم واختلفوا في الأجنبية فروى بن القاسم عن مالك أن من ظاهر من امرأته بأجنبية فهو مظاهر وروى عنه غيره أنه طلاق وقال بن الماجشون لا يكون ظهارا إلا بذوات المحارم وقال عثمان البتي يصح الظهار بالأجنبية كما يصح بذات المحرم وقال الثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو حنيفة وأصحابه من قال

لامرأته أنت مني كظهر أختي أو ذات محرم منه وكل امرأة لا تحل له أبدا فهو مظاهر وإن قال كظهر فلانة غير ذات محرم لم يكن مظاهرا وعن الشافعي روايتان وقولان أحدهما أن الظهار لا يصح إلا بالأم وحدها وهو قول داود والآخر أنه يصح بذوات المحارم من النسب والرضاع حكاهما جميعا عنه الزعفراني وقال عنه المزني تقوم المحرمة من نسب أو رضاع مقام الأم قال المزني وحفظي أنا وغيري عنه لا يكون مظاهرا بمن كان حلالا له في حال ثم حرم كالأخت من الرضاع وكنساء الآباء وحلائل الأبناء وقال أحمد وإسحاق الظهار بكل ذات محرم قال إسحاق النسب والرضاع في ذلك واحد وقال أحمد أجبر على الرضاعة قال مالك وليس على النساء ظهار قال أبو عمر هذا قول جمهور العلماء قال بن شهاب وربيعة وأبو الزناد ليس على النساء ظهار وروى معمر عن الزهري في امرأة قالت لزوجها أنت علي كظهر أمي قال قالت منكرا من القول وزورا أرى أن تكفر كفارة الظهار ولا يحول قولها هذا بينها وبين زوجها أن يصيبها و روى بن جريج عن عطاء قال حرمت ما أحل الله عليها كفارة يمين وهو قول أبي يوسف وقال محمد بن الحسن لا شيء عليها وقال الحسن بن زياد هي مظاهرة وقال أبو حنيفة ومحمد ليس ظهار المرأة من الرجل بشيء قبل النكاح كان أو بعده وقال الشافعي لا ظهار للمرأة من الرجل وقال الأوزاعي إذا قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أمي فلانة فهي يمين تكفرها

قال وكذلك لو قال لها زوجها أنت علي كظهر فلان رجل فهي يمين يكفرها وقال الأوزاعي لو قالت يوم أتزوج فلانا فهو علي كظهر أمي قال إن ناسا ليقولون وقع عليها الظهار إن تزوجته لزمها الكفارة وكذلك قال بن أبي ذئب إن تزوجت فعليها الكفارة وقال إسحاق لا تكون امرأة مظاهرة من رجل ولكن عليها يمين تكفرها وروى الثوري وغيره عن مغيرة عن إبراهيم قال خطب مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة فقالت هو علي كظهر أمي إن تزوجته فلما ولي العراق خطبها فأرسلت والفقهاء بالمدينة كثير فسألت فأفتوها أن تعتق رقبة وتتزوجه فأعتقت غلاما لها من ألفين وتزوجته وقد روي هذا الخبر عن بن سيرين عن الشعبي وغيرهما وقال بعضهم فيه سألوا بعض أصحاب بن مسعود فقالوا تكفر قال مالك في قول الله تبارك وتعالى والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا المجادلة قال سمعت أن تفسير ذلك أن يتظاهر الرجل من امرأته ثم يجمع على إمساكها وإصابتها فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه قال مالك فإن تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر قال أبو عمر اختلف العلماء في معنى قول الله تعالى ثم يعودون لما قالوا المجادلة فقالوا في معنى العودة أقوالا منها قول مالك إنه الإجماع على الإمساك والإصابة هذا قوله في موطئه وغيره وقال بن القاسم في المدونة إنما تجب عليه كفارة الظهار بالوطء فإذا وطى ء فقد وجبت عليه الكفارة وما لم يطأ فهي غير واجبة إن طلقها أو مات أو ماتت وهذا إنما هو من قوله فيمن ظاهر ثم طلق أو ماتت أنه لا كفارة عليه إلا أن يكون وطئها وقال مالك في الرجل يقول للمرأة إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي ثم يتزوجها فيموت أو يطلقها أنه لا كفارة عليه ولا شيء

قال أبو عمر معلوم أنه إذا تزوجها وقد كان ظاهر منها إن تزوجها أنه قد أجمع على إصابتها فكيف لا تجب عليه الكفارة وقد خالفه بن نافع فأوجب عليه الكفارة في ذلك وهذا أصل قول مالك وأما قول بن القاسم إن الكفارة لا تجب إذا مات أو ماتت فقول صحيح أيضا أنه إذا مات أو ماتت كانت إرادة الوطء كلا إرادة لما وقع فيها من الامتناع والاختلاف بين بن القاسم و ما رواه أشهب إنما هو في وجوب الكفارة إن ماتت أو مات بعد أن عزم على إمساكها وكذلك إن طلقها وذكر بن نافع عن مالك ما في الموطأ ثم قال بن نافع الكفارة واجبة عليه أيضا إذا أجمع على إمساكها طلق أم لم يطلق وقد روي عن طاوس ومجاهد وأبي بكر بن حزم مثل قول بن القاسم أن العود بالوطء ومعناه إرادة الوطء كما قلنا والله أعلم لقوله في الكفارة من قبل أن يتماسا وهو الجماع وقال الشافعي أحسن ما سمعت في قول الله تعالى ثم يعودون لما قالوا المجادلة أن يعود لما حرم الله منها فيمسكه فيكون إحلال ما حرم وذلك بأن لا يطلقها فإن أمسكها ساعة يمكنه فيها طلاقها فلم يفعل بعد أن ظاهر منها فقد عاد لما قال ووجبت عليه الكفارة ماتت أو مات وقال الثوري إذا ظاهر من امرأته لم تحل له إلا بعد الكفارة فإن طلقها ثم تزوجها لم يطأها حتى يكفر وقال يزيد بن هارون سمعت سفيان الثوري يقول في قول الله عز وجل ثم يعودون لما قالوا المجادلة قال الجماع وقال معمر عن قتادة في قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا المجادلة قالوا يحرمها ثم يعود لوطئها وقال أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد الظهار يوجب تحريما لا يرفعه إلا الكفارة و معنى العود عندهم ألا يستبيح وطأها إلا بكفارة يقدمها وعن أبي حنيفة أن نفس القول هو العود أي عاد إلى القول الذي يقال في الجاهلية فجعله منكرا وزورا وقال غيره قوله

وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف أنه لو وطئها ثم مات أحدهما لم تكن عليه كفارة ولا كفارة بعد الجماع وقال الحسن بن حي إن أجمع رأي المظاهر على أن يجامع امرأته فقد لزمته الكفارة وإن أراد تركها بعد ذلك لأن العود الإجماع على مجامعتها وقال عثمان البتي من ظاهر من امرأته ثم طلقها قبل أن يطأها فعليه الكفارة راجعها أو لم يراجعها وإن ماتت لم يصل إلى ميراثها حتى يكفر وقال أحمد بن حنبل في معنى العود في الظهار هو أنه إذا أراد أن يغشى كفر وقال يحيى بن زياد الفراء وداود بن علي وفرقة من أهل الكلام هو أن يعود إلى القول مرة أخرى فإن فعل ذلك لزمته الكفارة ولا يلزمه عندهم بقوله أنت علي كظهر أمي شيء حتى يعود فيقول ذلك مرة أخرى فإذا قال ذلك مرتين لزمته الكفارة وروي ذلك عن بكير بن الأشج وقد روي عن الفراء انه قال اللام في قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا المجادلة يعني عن والمعنى ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء وقال الزجاج المعنى ثم يعاودون الجماع من أجل ما قالوا يعني إلى إرادة الجماع قال أبو عمر الآثار المرفوعة كلها في ظهار أوس بن الصامت من امرأته خولة التي فيها نزلت آية الظهار وحديث سلمة بن صخر وحديث بن عباس وأبي هريرة أن رجلا ظاهر من امرأته فوطئها وأمره النبي عليه السلام ألا يعود حتى يكفر ليس في شيء منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمظاهر هل قلت ذلك مرتين أو هل عدت لما قلت فقلته مرة أخرى ولو كان ذلك واجبا لم يكتمه وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم واما قوله وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكه لآخر كلامه حتى يكفر كفارة المظاهر فإن الفقهاء اختلفوا فيمن ظاهر ثم أتبع ظهاره الطلاق فقول مالك ما ذكره في موطئه وذكرناه عنه ها هنا وقال الشافعي إذا ظاهر من امرأته ثم أتبعها الطلاق مكانه سقط الظهار عنه لأنه ليس بعائد فإن لم يفعل فإنه عائد والكفارة عليه وسواء طلقها بعد أو لم يطلق فإن كان طلاقه لها رجعيا وراجعها في العدة فعليه الكفارة فإن

نكحها بعد العدة لم تكن عليه كفارة كما لو طلقها ثلاثا ثم نكحها بعد زوج لم تكن عليه كفارة وهو قول أحمد وإسحاق وقال مالك إن طلقها دون الثلاث ثم راجعها في العدة أو بعدها فعليه الكفارة وقد قاله الشافعي أيضا واختار المزني ما تقدم من قوله وقال عثمان البتي عليه الكفارة أبدا راجعها أو لم يراجعها تراخى طلاقه أو نسقه بالظهار وقال محمد بن الحسن الظهار راجع عليه إن نكحها بعد الثلاث وبعد الزوج قال أبو عمر أجمعوا أنه إن أفطر في الشهرين المتتابعين متعمدا بوطء أو بأكل أو بشرب من غير عذر استأنف صيامهما واختلفوا إذا وطى ء ليلا في صيام الشهرين فعند الشافعي لا شيء عليه وعند الكوفي يستأنف صيامهما وهو قول مالك والليث وغيرهما واختلفوا فيه لو وطى ء وقد أطعم ثلاثين مسكينا فقال الشافعي والكوفي يتم الإطعام كما لو وطى ء قبل أن يطعم لم يكن عليه إلا طعام واحد وقال مالك والأوزاعي والليث يستأنف إطعام ستين مسكينا قال مالك في الرجل يتظاهر من أمته إنه إن أراد أن يصيبها فعليه كفارة الظهار قبل أن يطأها قال أبو عمر اختلف أهل العلم في الظهار من الأمة فقال منهم قائلون الظهار من الأمة لازم كالظهار من الحرة منهم ربيعة ومالك وبن أبي ذئب والثوري والحسن بن حي والأوزاعي والليث بن سعد وكذلك المدبرة وأم الولد

وروي ذلك عن بن عباس وسعيد بن المسيب وعمرو بن دينار وقتادة ومجاهد وإبراهيم وسعيد بن جبير قال هي من النساء وسليمان بن يسار وبن شهاب وعكرمة والحكم وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما ليس الظهار من الأمة بشيء إلا أن تكون زوجة ولا يصح لأحد الظهار من أمة وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور وهو قول الشعبي فقد روى الشعبي عن رجل ظاهر من سريته قال ليس بمتظاهر قال الله تعالى والذين يظهرون من نسائهم المجادلة وقال الأوزاعي إن كان يطأ امرأته فهو مظاهر وإن لم يكن يطأها فهو يمين يكفرها وروي عن الحسن إن كان يطأها فهو ظهار وإن لم يكن يطأها فليس بظهار وقال عطاء بن أبي رباح إذا ظاهر من أمته ليس عليه إلا نصف كفارة الحر قال أبو عمر حجة من أوقع الظهار من الأمة ظاهر قول الله عز وجل والذين يظهرون من نسائهم المجادلة والإماء من النساء بدليل قول الله عز وجل وأمهت نسائكم النساء ولذلك حرمن لأنهن أمهات أزواج قبل الدخول ومن حجة من لم يوقع على الأمة ظهارا من سيدها أنه جعل قوله عز وجل والذين يظهرون من نسائهم المجادلة مثل قوله للذين يؤلون من نسائهم البقرة وقد أجمعت الأمة أن ليس إيلاء الرجل من أمته بإيلاء وأنها يمين لا حكم لها إلا الكفارة كسائر الأيمان ولما لم يلحق الأمة طلاق ولا إيلاء ولا لعان فكذلك لا يلحقها ظهار ولما كانت اليمين تقع على كل شيء والظهار لا يقع على كل شيء كان في قسم ما يقع على الزوجات كالطلاق واللعان وأما احتجاجهم بظاهر قول الله عز وجل وأمهت نسائكم النساء فإن النساء تحرم أمهاتهن بالعقد عليهن قبل الدخول وليس كذلك الإماء لأنهن لا تحرمن أمهاتهن إلا بالدخول قال مالك لا يدخل على الرجل إيلاء في تظاهره إلا أن يكون مضارا لا يريد أن يفيء من تظاهره

قال أبو عمر روى بن القاسم في غير الموطأ عنه قال لا يدخل الإيلاء على الظهار إذا كان مضارا قال ومما يعلم به ضرورة أن يقدر على الكفارة فلا يكفر فإذا علم ذلك وقف فإما كفر وإما طلقت عليه امرأته وقال الشافعي من ظاهر من امرأته ثم تركها أكثر من أربعة أشهر فهو مظاهر ولا إيلاء عليه فإن الله عز وجل حكم في الظهار بغير حكم الإيلاء وسواء كان مضارا بترك الكفارة أو غير مضار وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قالوا سواء كان يقدر على الكفارة أم لا وبه قال الأوزاعي والحسن بن حي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وكذلك روى الأشجعي عن الثوري أن الإيلاء لا يدخل على الظهار فتبين منه بانقضاء الأربعة الأشهر مالك عن هشام بن عروة أنه سمع رجلا يسأل عروة بن الزبير عن رجل قال لامرأته كل امرأة أنكحها عليك ما عشت فهي علي كظهر أمي فقال عروة بن الزبير يجزيه عن ذلك عتق رقبة قال أبو عمر يلزمه الظهار عند مالك إذا تزوج وتجزئة كفارة واحدة عن جميع من تزوج وعند أبي حنيفة وأصحابه يلزمه الظهار وقد تقدمت هذه المسألة عنهم وعن غيرهم وعند بن أبي ليلى والشافعي لا يكون مظاهرا قال أبو عمر وقد مضى في مسألة من تظاهر من أربعة نسوة بكلمة واحدة مثله ومن تظاهر في مجالس مفترقة ما يغني عن إعادته هنا والباب واحد وبالله التوفيق باب ظهار العبيد مالك أنه سأل بن شهاب عن ظهار العبد فقال نحو ظهار الحر قال مالك يريد أنه يقع عليه كما يقع على الحر

قال مالك وظهار العبد عليه واجب وصيام العبد في الظهار شهران قال مالك في العبد يتظاهر من امرأته إنه لا يدخل عليه إيلاء وذلك أنه لو ذهب يصوم صيام كفارة المتظاهر دخل عليه طلاق الإيلاء قبل أن يفرغ من صيامه قال أبو عمر أما قوله في العبد يتظاهر من امرأته أنه لا يدخل عليه إيلاء فهو أصل مذهبه أنه لا يدخل عنده على المظاهر إيلاء حرا كان أو عبدا إلا أن يكون مضارا وهذا ليس بمضار إذا ذهب يصوم لكفارته وأما قوله لذلك أنه لو ذهب يصوم صيام المتظاهر دخل عليه طلاق الإيلاء قبل أن يفرغ من صيامه فإن هذا القول أدخله مالك على من يقول من المدنيين وغيرهم أن بانقضاء أجل الإيلاء يقع الطلاق وهو يقول إن أجل إيلاء العبد شهران فقال مالك لو وقع الطلاق بانقضاء أجل إيلاء العبد وهو شهران لم تصح له كفارة و هو لا يكفر إلا بالصوم فكيف يكون مكفرا ويلزمه الطلاق هذا محال قال أبو عمر ذكر بن عبدوس قال قلت لسحنون فإذا لم يدخل على العبد الإيلاء فما تصنع المرأة قال ترفعه إلى السلطان فإما فاء وإما طلق عليه وذكر بن المواز عن بن القاسم روى عن مالك أنه إذا تبين ضرورة ومنعه سيده الصوم أنه يضرب له أجل الإيلاء قال وهذا خلاف ما قاله في موطئه وذكر بن حبيب عن أصبغ أنه إذا منعه سيده من الصيام فليس بمضار وقال بن الماجشون ليس لسيده أن يمنعه من الصيام لأنه قد أذن له في النكاح وهذا من أسباب النكاح قال بن حبيب وهو قول بن شهاب ويحيى بن سعيد قال أبو عمر لا خلاف علمته بين العلماء أن ظهار العبد لازم وأن كفارته المجتمع عليه الصوم واختلفوا في العتق والإطعام فأجاز للعبد العتق إن أعطاه سيده ما يعتق أبو ثور وداود وأبى ذلك سائر العلماء

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وعثمان البتي والحسن بن حي لا يجزئه إلا الصوم ولا يجزئه العتق ولا الإطعام وروى وكيع عن الثوري في العبد يظاهر الصوم أحب إلي من الإطعام وقال الأوزاعي إذا طاق الصيام صام وإن لم يستطع يستكره أهله على الإطعام عنه وقال بن القاسم عن مالك إن أطعم بإذن مولاه أجزأه وإن أعتق بإذنه لم يجزئه وأحب إلينا أن يصوم قال بن القاسم ولا أرى هذه المسألة إلا وهما مني لأنه إذا قدر على الصوم لم يجز الإطعام في الحر فكيف العبد وعسى أن يكون جواب المسألة في كفارة اليمين بالله ولا يجزئه العتق في شيء من الكفارات والصوم في كفارة اليمين أحب إلي من الإطعام والإطعام يجزئ بإذن المولى وفي نفسي منه شيء قال أبو عمر هذه المسألة مبنية على ملك العبد والاحتجاج لمن قال العبد يملك ومن قال لا يملك ليس هذا موضعه وقد أكثروا من ذلك وليس للمولى منع العبد من الصوم لأنه حق للمرأة أوجبه لها النكاح فلها المطالبة به فصار كحق الله في الصوم الواجب والله أعلم قال مالك إطعام العبد إذا أذن له سيده كإطعام الحر ستين مسكينا وهذا أيضا لا أعلم فيه خلافا والله أعلم باب ما جاء في الخيار مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان في بريرة ثلاث سنن فكانت إحدى السنن الثلاث أنها أعتقت فخيرت في زوجها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والبرمة تفور بلحم فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أر برمة فيها لحم فقالوا بلى يا رسول الله ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عليها صدقة وهو لنا هدية قال أبو عمر قد تكلمنا على ما في حديث بريرة في باب هشام بن عروة من التمهيد وأتينا من تخريج وجوهه وتبيين معانيه بما فيه الشفاء لمن نظر فيه ونذكر ذلك كله إن شاء الله في باب العتق في هذا الكتاب فهناك يأتي حديث هشام بن عروة وغيره في باب مصير الولاء لمن أعتق ونذكر ها هنا مسائل خيار الأمة وغيرها من معاني الخيار الذي له قصد مالك بترجمة الباب وإدخاله إياه في هذا الكتاب وكذلك نذكر ها هنا أيضا خيار الأمة وغيرها من معاني الخيار ولحم بريرة والصدقة به والهدية ونبين ذلك بمبلغ وسعنا وبالله عز وجل عوننا وتوفيقنا لا بسواه فأما قول عائشة رضي الله عنها أن بريرة أعتقت فخيرت في زوجها فكانت سنة فإن من ذلك سنة مجتمعا عليها ومنها ما اختلف فيه فأما المجتمع عليه الذي لا خلاف بين العلماء فيه أن الأمة إذا أعتقت تحت عبد قد كانت زوجت منه فإن لها الخيار في البقاء معه أو مفارقته فإن اختارت البقاء معه في عصمته لزمها ذلك ولم يكن لها فراقه بعد وإن اختارت مفارقته فذلك لها هذا ما لا خلاف فيه بين العلماء واختلفوا في وقت خيار الأمة إذا أعتقت فقال مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي لها الخيار ما لم يمسها زوجها قال الشافعي ما أعلم في ذلك وقتا إلا ما قالت حفصة رضي الله عنها قال أبو عمر روي عن حفصة وأخيها عبد الله بن عمر أن للأمة الخيار إذا أعتقت ما لم يمسها زوجها روى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق أن الأمة لها الخيار ما لم يمسها

قال مالك وإن مسها زوجها فزعمت أنها جهلت أن لها الخيار فإنها تتهم ولا تصدق بما ادعت من الجهالة ولا خيار لها بعد أن يمسها مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاه لبني عدي يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد وهي أمة يومئذ فعتقت قالت فأرسلت إلي حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدعتني فقالت إني مخبرتك خبرا ولا أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك بيدك ما لم يمسسك زوجك فإن مسك فليس لك من الأمر شيء قالت فقلت هو الطلاق ثم الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثا قال أبو عمر لا أعلم مخالفا لعبد الله وحفصة ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في أن الخيار لها ما لم يمسها زوجها وفي حديث بن عباس في قصة بريرة ما يشهد بصحة قولهما وقد روي عن النبي عليه السلام مثل ذلك حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني عبد العزيز بن يحيى الحراني قال حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر وعن أبان بن صالح عن مجاهد وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن بريرة أعتقت وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد وخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها إن قربك فلا خيار لك وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا علمت بالعتق وبأن لها الخيار فخيارها على المجلس وقال الأوزاعي إذا لم تعلم بأن لها الخيار حتى غشيها زوجها فلها الخيار حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني يوسف بن عدي قال حدثني عبدة بن سليمان

عن سعيد عن أيوب وقتادة عن عكرمة عن بن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود يوم أعتقت فكأني والله أنظر له في طرق المدينة يوجهها وأن دموعه لتنحدر على لحيته يتبعها يتراضيها لتختاره فلم تفعل قال أبو عمر في هذا الحديث ما يبطل أن يكون خيارها على المجلس لأن مشيها في المدينة لم يبطل خيارها وفيه أيضا حجة لمن قال لا خيار لها تحت الحر لأن خيارها إنما وقع من أجل كونها زوجها عبدا والله أعلم وفيه ما يعضد قول من قال من العلماء إن زوجها كان عبدا وهم عروة والقاسم وجمهور فقهاء الحجاز والمغرب والشام ورواه عروة والقاسم عن عائشة حدثنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني عثمان بن أبي شيبة قال حدثني جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قصة بريرة قال وكان زوجها عبدا فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها ولو كان حرا ما خيرها قال حدثني عثمان بن أبي شيبة قال حدثني حسين بن علي والوليد بن عقبة عن زائدة عن سماك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن بريرة خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبدا وأما اختلافهم في الأمة تعتق تحت الحر فقال مالك وأهل المدينة وأصحابهم والأوزاعي والليث والشافعي إذا أعتقت الأمة تحت الحر فلا خيار لها وبه قال أحمد وإسحاق وهو قول بن أبي ليلى ومن حجتهم أنها لم يحدث لها حال ترتفع بها عن الحر فكأنهما لم يزالا حرين ولما لم ينقص حال الزوج عن حالها ولم يحدث به عيب لم يكن لها خيار

وقد أجمع الفقهاء أن لا خيار لزوجة العنين إذا ذهبت العنة قبل أن يقضى لها بفراقه وكذلك سائر العيوب زوالها ينفي الخيار فقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي لها الخيار حرا كان زوجها أو عبدا ومن حجتهم أن الأمة لم يكن لها في إنكاح مولاها إياها رأي من أجل أنها كانت أمة فلما عتقت كان لها الخيار ألا ترى إلى إجماعهم على أن الأمة يزوجها سيدها بغير إذنها فإذا كانت حرة كان لها الخيار الذي لم يكن لها في حال أموتها قالوا وقد ورد تخيير بريرة وليس في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها إنما وجب لك الخيار من أجل كون زوجك عبدا فالواجب أن يكون لها الخيار على كل حال قالوا وقد روي في قصة بريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها قد ملكت نفسك فاختاري قالوا فكل من ملكت نفسها اختارت تحت حر كانت أو عبد ورووا عن الأسود عن عائشة أن زوج بريرة كان حرا ذكر أبو بكر قال حدثني حفص عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أنها اشترت بريرة فعتقتها فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لها زوج حر ورووا عن سعيد بن المسيب مثله وهو قول مجاهد وبن سيرين والشعبي وإبراهيم كل هؤلاء يقولون تخير تحت الحر والعبد وقالوا من قال إن زوج بريرة كان حرا فقوله أولى لأن الرق ظاهر والحرية طارئة ومن أنبأ عن الباطن كان الشاهد دون غيره قال أبو عمر أما احتجاجهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لبريرة قد ملكت نفسك فاختاري فإنه خطاب ورد في من كانت تحت عبد فأما من أعتقت تحت حر فلم تملك بذلك نفسها لأنه ليس في حريتها شيء يوجب ملكها لنفسها وأما رواية الأسود بن يزيد عن عائشة أن زوج بريرة كان حرا فقد عارضه عن عائشة من هو مثله أو فوقه بل هو ألصق بعائشة وأعلم بها منه وذلك

القاسم بن محمد أخيها وعروة بن الزبير بن أختها رويا عن عائشة أن زوج بريرة كان عبدا رواه عبد الرحمن بن القاسم وأسامة بن زيد عن القاسم عن عائشة وفي حديث عروة في قصة زبراء أن الزوج كان عبدا ويشهد بصحة روايتها عن عائشة الحديث عن بن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا لبعض بني مخزوم حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عثمان قال حدثني همام قال حدثني قتادة عن عكرمة عن بن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا فقضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع قضيات أن مواليها اشترطوا الولاء فقضى أن الولاء لمن أعطى الثمن وخيرها وأمرها أن تعتد وتصدق عليها بصدقة فأهدت منها إلى عائشة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال هو لها صدقة ولنا هدية واختلف الفقهاء في فرقة المعتقة إذا اختارت فراق زوجها فقال مالك والأوزاعي والليث بن سعد هو طلاق بائن وممن قال إن اختيارها لنفسها واحدة بائنة قتادة وعمر بن عبد العزيز قال مالك هو طلاق بائن إلا أن تطلق نفسها ثلاثا فإن طلقت نفسها ثلاثا فذلك لها ولها أن تطلق نفسها ما شاءت من الطلاق فإن طلقت نفسها واحدة فهي بائنة وفي الموطأ في هذا الباب قال مالك في الأمة تكون تحت العبد ثم تعتق قبل أن يدخل بها أو يمسها إنها إن اختارت نفسها فلا صداق لها وهي تطليقة وذلك الأمر عندنا

قال أبو عمر لا معنى للثلاث في طلاق الزوجة ولا في طلاق العبد عند من جعل الطلاق بالرجال لأن طلاق الأمة تحت العبد تطليقتان وطلاق العبد تطليقتان وقد ذكر أبو الفرج أن مالكا لا يجيز لها أن توقع إلا واحدة فتكون بائنة أو تطليقتين فلا تحل له إلا بعد زوج وهو أصل مذهب مالك وروى بن نافع عن مالك أن للعبد الرجعة إن عتق قال بن نافع ولا أرى ذلك ولا رجعة له وإن عتقها قال الأوزاعي ولو أعتق زوجها في عدتها فإن بعض شيوخنا يقول هو أملك بها وبعضهم يقول هي بائنة قال أبو عمر لا معنى لقول من قال إنها طلقة رجعية لأن زوجها لو ملك رجعتها لم يكن لاختيارها نفسها معنى وأي شيء كان يفيدها اختيارها إذا ملك زوجها رجعتها وروي عن بن القاسم أن زوجها إن أعتق قبل أن تختار نفسها كان لها الخيار وهذا أيضا لا حجة له على مذهب الحجازيين لأن العلة التي من أجلها كان لها الخيار قد ارتفعت كالعنين تزول عنته قبل فراق امرأته له وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والحسن بن حي والشافعي وأصحابه إن اختارت المعتقة نفسها ففرقتها فسخ بغير طلاق وهو قول أحمد وإسحاق وفي تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة بعد أن بيعت من عائشة دليل على أن بيع الأمة ليس بطلاق لها وستأتي هذه المسألة وما للعلماء فيها في صدر كتاب البيوع إن شاء الله وأما قوله في الحديث ألم أر برمة فيها لحم إلى آخر هذا الحديث ففيه إباحة أكل لحم وأنه من آدام الفضلاء الصالحين وذلك رد على من كرهه من الصوفية واحتج بقول عمر إياكم وأكل اللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر وهذا من عمر قول خرج على من خشي منه إيثار التنعم في الدنيا والمداومة على الشهوات وشفاء النفوس من اللذات ونسيان الآخرة والإقبال على الدنيا والرغبة فيها

وكذلك كان يكتب إلى عماله إياكم والتنعم وزي العجم واخشوشنوا ولم يرد رضي الله عنه تحريم شيء أحله الله تعالى ولا يحظر ما أباحه الله وقول الله عز وجل أولى ما امتثل واعتمد عليه قال الله عز وجل قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق الأعراف يعني الحلال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد آدام الدنيا والآخرة اللحم وفي هذا الحديث أيضا بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الصدقة وكان يأكل الهدية لما في الهدية من تآلف القلوب والدعاء إلى المحبة والألفة وجائز عليها الثواب فترتفع المنة ولا يجوز ذلك في الصدقة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها خيرا منها فترتفع المنة والآثار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة كثيرة جدا قد ذكرنا منها ما في هذا الموضع من التمهيد ما فيه كفاية وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني وقد تقدم القول في معنى هذا الحديث في كتاب الزكاة والحمد لله ولما كانت الصدقة يجوز فيها التصرف للفقير للبيع والهبة والهدية والعوض وغير العوض بصحة ملكه لها وأهدتها بريرة إلى بيت مولاتها عائشة حلت لها وللنبي صلى الله عليه وسلم لأنه قصد بالهدية إليه وتحولت عن معنى الصدقة بملك المتصدق عليه بها إلى معنى الهدية الحلال للنبي عليه السلام وكذلك قال صلى الله عليه وسلم هو عليها صدقة يعني ممن تصدق بها عليها وهي لنا من قبلها هدية جائز أن يثيبها عليها بمثلها وبأضعافها على المعهود منه صلى الله عليه وسلم وليس ذلك شأن الصدقة

مالك إنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال إيما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخير فإن شاءت قرت وإن شاءت فارقت قال أبو عمر قد تقدم القول في رد المرأة بالعيوب الأربعة وما للعلماء في ذلك من المنازعة والقول في تخيير المرأة إذا كانت تلك العيوب بالزوج على نحو ذلك روى معمر عن الزهري أنه قال إذا تزوج الرجل امرأة وفي الرجل عيب لم تعلم به جنون أو جذام أو برص خيرت وقال قتادة تخير في كل داء عضال وقال الحكم لا خيار لها في البرص وتخير في الجنون والجذام وما روي عن عمر وقول مالك وأصحابه والليث والشافعي والكوفيين قال مالك وللمرأة مثل ما للرجل إذا تزوجها وبه جنون أو جذام أو برص أو عنه فلها الخيار إن شاءت بقت معه وإن شاءت فارقته إلا أن يمسها العنين قال أبو عمر للعنين باب يأتي فيه أحكام إن شاء الله تعالى وقال محمد بن الحسن إذا وجدت المرأة زوجها على حال لا تطيق المقام معه من جذام أو نحوه فلها الخيار في الفسخ كالعنين وقال الشافعي بعد ذكره رد المرأة بالعيوب الأربعة وكذلك هي فيه إن اختارت فراقه قبل المسيس فلا مهر لها ولا متعة وإن لم تعلم حتى أصابها فاختارت فراقه فلها المهر مع الفراق والذي يكون به مثل الرتق بها أن يكون مجبوبا فأخيرها مكانها وأيهما تركته أو وطى ء فلا خيار وقال في القديم إن حدث فلها الفسخ وليس له وقال المزني أولى بقوله أنهما سواء فيما يحدث كما كانا سواء فيه قبل الحدث مسألة التخيير مالك عن بن شهاب أنه سمعه يقول إذا خير الرجل امرأته

فاختارته فليس ذلك بطلاق قال مالك وذلك أحسن ما سمعت قال أبو عمر على هذا جمهور أهل العلم وهو المأثور الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير نساءه فاخترنه فلم يكن في ذلك طلاق والخلاف في هذا شذوذ وروي عن الحسن البصري أنها إذا اختارت زوجها فواحدة وإن اختارت نفسها فثلاث والذي عليه جماعة الفقهاء وعامة العلماء أنها إذا اختارت زوجها فلا شيء وقد روي ذلك عن علي وزيد أيضا أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني عبد الله قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني مسدد قال حدثني أبو عوانة عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعد ذلك شيئا أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني سحنون بن سعيد قال حدثني عبد الله بن وهب قال حدثني موسى بن علي ويونس بن يزيد عن بن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما أمر رسول الله بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك قالت وقد علمت أن أبواي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم تلا هذه الآية يأيها النبي قل لأزوجك إن كنتن تردن الحيوة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا الأحزاب قال فقالت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت عائشة ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت فلم يكن ذلك حين قاله لهن صلى الله عليه وسلم واخترنه طلاقا من أجل أنهن اخترنه قال بن وهب وحدثني مالك عن بن شهاب أنه قال لقد خير رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمره الله بذلك فاخترنه بذلك فلم يكن تخييرهن طلاقا

قال بن وهب وحدثني رجال من أهل العلم عن عائشة وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وعطاء بن أبي رباح وسليمان بن يسار وربيعة بن أبي عبد الرحمن وبن شهاب وعمر بن عبد العزيز كلهم يقول إن اختارت زوجها فليس بشيء قال مالك في المخيرة إذا خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثا وإن قال زوجها لم أخيرك إلا واحدة فليس له ذلك وذلك أحسن ما سمعته قال مالك وإن خيرها فقالت قد قبلت واحدة وقال لم أرد هذا وإنما خيرتك في الثلاث جميعا أنها إن لم تقبل إلا واحدة أقامت عنده على نكاحها ولم يكن ذلك فراقا إن شاء الله تعالى قال أبو عمر فرق مالك بين التمليك والخيار فقال في التمليك ما قدمنا ذكره عنه في أبوابه من هذا الكتاب أن له أن يناكرها ويحلف على ما أراد من عدد الطلاق وقال في الخيار إذا اختارت نفسها فهو الطلاق كله فإن أنكر ذلك زوجها فلا تكره له ولا ينفعه قال وإن اختارت واحدة فليس ذلك بشيء قال وإنما الخيار البتة إما أخذته وإما تركته واختلف قوله في الخيار والتمليك هل هما على المجلس أم ذلك بيدها حتى تقضي فيه فقال مرة وهو المشهور المعمول به من قوله إن الخيار على المجلس وأنهما إن افترقا من مجلسهما قبل أن يقضي في الخيار فلا خيار لها ومرة قال إذا خير امرأته فالأمر بيدها تختار فيه فراقه إن شاءت وإن قاما من المجلس ولها الخيار حتى توقف أو يجامعها وقد بينا هذا في التمهيد فاختار بن القاسم القول الأول وقال الليث والشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي الخيار على المجلس وهو قول جمهور التابعين بالحجاز والعراق كلهم يقول بمعنى واحد الخيار لها ما لم يقوما من مجلسهما

وقال الزهري وقتادة المخيرة والمملكة أمرها بيدها حتى تقضي فيه وهو قول عثمان البتي وبه قال أبو عبيد واختاره محمد بن نصر المروزي وقد ذكرنا الحجة على من تأول في حديث عائشة أن الخيار ليس على المجلس في باب التمليك وأما بسط أقوالهم وحكاية ألفاظهم فقال الشافعي لا أعلم خلافا أنها لو طلقت نفسها قبل أن يفترقا من المجلس أن الطلاق يقع عليها قال ويجوز أن يقال لهذا إجماع وقال الشافعي إذا خيرها فلها الخيار ما لم تأخذ في غير ما خاطبها به أو تقم من مجلسه أو تمازحه قال مالك إن مضت ساعة قدر ما يقضي فيه ما جعل لها لا يتكلم ثم تكلمت فذلك لها وإن لم تقل شيئا حتى تقول سقط الخيار وهو لها ما دامت في المجلس فإن عجل الزوج وقام به قبل أن تقضي كلامها فذلك ليس بشرط قبل أن تقضي أو يتفرقا قال ولا أحب لأحد أن يملك امرأته أمرها ويجعل لها الخيار إلى أجل معين ولا بأس باليوم وما أشبهه في خيارها وتوقف حتى تختار أو ترد ذلك إليه وقال أبو يوسف وأبو حنيفة ومحمد والثوري الخيار لها ما دامت في مجلسها وإن مكثت يوما ما لم تقم أو تأخذ في عمل فإن كانت قائمة فجلست فهي على خيارها قال أبو حنيفة ولا ألتفت إلى قيام الزوج وخروجه عنها قال وإن قال أمرك بيدك اليوم فهو بيدها حتى ينقضي اليوم وقال الأوزاعي إذا خير امرأته ثم افترقا قبل أن يقول شيئا فلا شيء لها وقال عثمان البتي لو وقع عليها بعد ما ملكها أو خيرها فهي على خيارها والله أعلم

لا أعلم أحدا قاله غيره وقال مغيرة الضبي إذا خيرها فسكتت فهو رضا بالزوج وإن كانت في مجلسها وقال ربيعة ويحيى بن سعيد إذا خيرها فتفرقا قبل أن تحدث شيئا سقط الخيار وقال ربيعة فإن خيرها إلى أجل فليس لها في نفسها خيار إلا إلى الأجل فإن اختارت نفسها عند الأجل فهي البتة وقال مالك ذلك لها وإن خيرت ذلك بعد الأجل لتنظر فيه وقال الليث إذا انقضى الأجل ولم تقض شيئا رد الأمر إلى الزوج وقال أحمد وإسحاق في الخيار إلى الأجل لها الخيار ما لم يغشها ويرجع في الخيار إذا شاء فإن لم يكن الخيار إلى أجل فهو لها حتى تقوم من مجلسها أو تأخذ من غير المعنى الذي كانا فيه وقال عبيد الله بن الحسن إن جعل لها الخيار في المجلس فهو على المجلس وإن جعله مرسلا لم أرجع لذلك غاية وإن طاوعته له الرجوع إلى القضاء ذلك الوقت والأجل كذلك لو جعله بيدها قال أبو عمر قد مضى قول مالك ومذهبه في الخيار وما يلزم فيه من الطلاق إن اختارت نفسها وقال الشافعي ليس في الطلاق خيار إلا أن يريده الزوج بقوله اختاري وتطلق نفسها فإن طلقت نفسها بقوله ذلك فكذلك إليه لا إليها ما نوى من الطلاق وأراده لزمه وإن لم يرد طلاقا فليس بطلاق وإن أراد واحدة فهي رجعية والتخيير والتمليك عنده سواء وقال أبو حنيفة من خير امرأته وهو ينوي ثلاثا فهي له ثلاثا إن طلقت نفسها ثلاثا وإن قالت قد اخترت نفسي ولا نية له فلا يقع عليها إلا تطليقة واحدة وسواء قالت قد طلقت نفسي أو قالت قد اخترت نفسي وقال الثوري إذا خيرها فاختارت نفسها فهي واحدة بائنة والتخيير والتمليك عنده سواء وكذلك هو عند الكوفيين وقول عبيد الله بن الحسن في الخيار كقول الثوري وأبي حنيفة في أنها

واحدة بائنة وقوله في التمليك نحو قول مالك وقد مضى ذلك وقال بن أبي ليلى إن اختارت نفسها فواحدة تملك الرجعة قال أبو عمر انظر فيه فهو خلاف بين لقوله في التمليك وفيه نظر باب ما جاء في الخلع مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصاري أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه فقالت أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله قال ما شأنك قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس خذ منها فأخذ منها وجلست في بيت أهلها مالك عن نافع عن مولاه لصفية بنت أبي عبيد أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر قال أبو عمر هذا الحديث أصل في الخلع عند العلماء واجمع الجمهور منهم أن الخلع والفدية والصلح أن كل ذلك جائز بين الزوجين في قطع العصمة بينهما وأن كل ما أعطته على ذلك حلال له إذا كان مقدار الصداق فما دونه وكان ذلك من غير إضرار منه بها ولا إساءة إليها إلا بكر بن عبد الله المزني فإنه شذ فقال لا يحل له أن يأخذ منها شيئا على حال من الأحوال وزعم أن قوله عز وجل فلا جناح عليهما فيما افتدت به البقرة منسوخ بقوله عز وجل وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا

تأخذوا منه شيئا النساء إلى قوله ميثاقا غليظا النساء وهذا خلاف السنة الثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس أن يأخذ من زوجته ما أعطاها ويخلي سبيلها ولا ينبغي لعالم أن يجعل شيئا من القرآن منسوخا إلا بتدافع يمنع من استعماله وتخصيصه وإذا جهل قوله عز وجل فلا جناح عليهما فيما افتدت به البقرة أن يرضى منهما وجعل قوله عز وجل فلا تأخذوا منه شيئا على أنه بغير رضاها وعلى كره منها وإضرار بها صح استعمال الآيتين وقد بينت السنة في ذلك قصة ثابت بن قيس وامرأته وعليه جماعة العلماء إلا من شذ عنهم ممن هو محجوج بهم وهم حجة عليه لأنهم لا يجوز عليهم الإطباق والاجتماع على تحريف الكتاب وجهل تأويله وينفرد بغير ذلك واحد غيرهم واختلفوا في مقدار ما يجوز للرجل أن يأخذ من امرأته لاختلاعها منه فقال منهم جماعة ليس له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها على ظاهر حديث ثابت وقول امرأته يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذه منها ويخلي سبيلها وروي ذلك عن طاوس وعطاء والزهري وعمرو بن شعيب ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال لا يحل له أن يأخذ منها شيئا من الفدية حتى يكون النشوز من قبلها بأن يظهر لها البغضاء وتسيء عشرته وتظهر له الكراهة وتعصي أمره فإذا فعلت ذلك حل له أن يقبل منها ما أعطاها لا يحل له أكثر مما أعطاها قال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان النشوز من قبلها حل له أن يأخذ منها ما أعطاها ولا يزداد قالوا والزيادة في القضاء جائزة وإذا كان النشوز من قبله لم يجز له أن يأخذ منها شيئا فإن فعل جاز في القضاء قال أبو عمر قولهم لا يجوز ويجوز في القضاء قول المحال والخطأ وكره سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والحكم وحماد أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها

وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد وقال الأوزاعي كان القضاة لا يجيزون أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال ما أرى أن يأخذ منها كل ما أعطاها ولكن ليدع لها شيئا وقال آخرون جائز له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها إذا كان النشوز والإضرار من قبلها وممن قال ذلك عكرمة ومجاهد وإبراهيم وقبيصة بن ذؤيب وهو قول مالك والشافعي وبه قال أبو ثور وقد تقدم هذا عن عبد الله بن عمر من رواية مالك عن نافع وهو مذهب عثمان رضي الله عنه قال مالك في المفتدية التي تفتدي من زوجها أنه إذا علم أن زوجها أضر بها وضيق عليها وعلم أنه ظالم لها مضى الطلاق ورد عليها مالها قال فهذا الذي كنت أسمع والذي عليه أمر الناس عندنا قال مالك لا بأس بأن تفتدي المرأة من زوجها بأكثر مما أعطاها هذا كله قوله في الموطأ وروى بن القاسم عنه مثله وزاد قال إن كان النشوز من قبله حل له ما أعطته على الخلع إذا رضيت بذلك ولم يكن في ذلك ضرر منه بها وقال الليث إذا اختلفا في العشرة جاز الخلع بالنقصان من المهر والزيادة وقال الثوري إذا جاء الخلع من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها ولم يقل أكثر من المهر ولا أقل قال وإن جاء من قبله فلا يحل له أن يأخذ منها شيئا وقال الأوزاعي إذا كانت ناشزا جاز له أن يأخذ منها ما أعطاها وإن لم تكن ناشزا رد عليها ما أخذ منها وكان له عليها الرجعة قال ولو اختلعت منه وهي مريضة كان ذلك من ثلثها وقال الحسن بن حي إذا كانت الإساءة من قبله فليس له أن يخلعها بقليل ولا كثير وإن كانت الإساءة من قبلها والتعطيل لحقه كان له أن يخلعها على ما تراضيا عليه وكذلك إن أبغضته

وكذلك قول عثمان البتي وقال الشافعي إذا كانت المرأة المانعة ما يجب عليها لزوجها حلت الفدية للزوج قال وإذا أحل له أن يأكل ما طابت به نفسا على غير فراق حل له أن يأكل ما طابت نفسا ويأخذ عوضا بالفراق قال أبو عمر أصل هذا الباب قول الله عز وجل ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما ءاتيتموهن إلا أن يأتين بفحشة مبينة النساء ولهذا قال أبو قلابة ومحمد بن سيرين لا يحل للرجل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا وهذا عندي ليس بشيء لأن الفاحشة قد تكون في البذاء والجفاء ومنه قيل للبذيء فاحش ومتفاحش وعلى انه لو اطلع منها على الفاحشة كان له لعانها وإن شاء طلقها وأما أن يضار بها حتى تفتدي منه بمالها فليس ذلك له وما أعلم أحدا قال له أن يضارها ويسيء إليها حتى تختلع منه إذا وجدها تزني غير أبي قلابة والله أعلم وقال الله عز وجل إلا أن يخافا إلا يقيما حدود الله البقرة يعني في حسن العشرة والقيام بحق الزوج وقيامه بحقها فلا جناح عليهما فيما افتدت به وقوله عز وجل فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا النساء فهذه الآيات أصل هذا الباب ومنها قامت مذاهب الفقهاء وبالله التوفيق والخلع والصلح والفدية كل ذلك سواء العصمة من الزوج لما يأخذه منها صلحا على ذلك وافتداء واختلاعا منه وهي أسماء مختلفة ومعان متفقة إلا أن منهم من يوقع الخلع على أخذ الكل والصلح على البعض والفدية على الأكثر والأقل وقد ذكرنا أصول مذاهبهم والحمد لله تعالى وبالله التوفيق باب طلاق المختلعة مالك عن نافع أن ربيع بنت معوذ بن عفراء جاءت هي وعمها إلى عبد الله بن عمر فأخبرته أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان بن عفان

فبلغ ذلك عثمان بن عفان فلم ينكره وقال عبد الله بن عمر عدتها عدة المطلقة قال ابو عمر روى هذا الحديث عن نافع جماعة منهم عبيد الله بن عمر وأيوب والليث بن سعد فذكروا فيه أحكاما لم يذكرها مالك رحمه الله في حديث عبد الله بن عمر أنه لا نفقة للمختلعة وهذا صحيح لأنه لا نفقة إلآ لمن له عليها رجعة ورواه الليث بن سعد عن نافع انه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء تخبر عبد الله بن عمر أنها اختلعت من زوجها في زمن عثمان فجاء معها عمها معاذ بن عفراء إلى عثمان فقال إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها أفتنتقل فقال عثمان تنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها ولكن لا يحل لها ان تنكح زوجا غيره حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حمل فقال عبد الله بن عمر عثمان أخبرنا وأعلمنا قال أبو عمر جمهور العلماء على أن الخلع طلاق وخالف بن عباس فقال الخلع فسخ وليس بطلاق وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله فقال رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أيتزوجها قال نعم لينكحها ليس الخلع بطلاق وذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها والخلع فيه ما بين ذلك فليس الخلع بشيء ثم قرأ الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسن البقرة وقرأ فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره البقرة قال أبو عمر خالفه عثمان وجماعة الصحابة فقالوا الخلع تطليقة واحدة إلا أن يريد به أكثر فيكون ما أراد به وسمى وروى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن جمهان مولى الأسلميين عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد فأتيا عثمان بن عفان في ذلك فقال هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت قال أبو عمر ليس خبر جمهان هذا عند يحيى في الموطأ وهو عند جماعة من رواة الموطأ قال أبو عمر هذا يدل على أن المختلع في هذا الحديث لم يسم طلاقا ولا نواه والله أعلم ولو سماه أو نواه ما احتاج أن يقال له الخلع تطليقة

واختلف العلماء في الخلع هل هو طلاق إذا لم يسم طلاقا أم لا فقال مالك هو طلاق بائن إلا أن يكون أراد أكثر فيكون على ما أراد وروي ذلك عن عمر وعلي وبن مسعود واختلف فيه عن عثمان والأصح عنه أن الخلع طلاق وبه قال الثوري وعثمان البتي والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وهو أحد قولي الشافعي وروي عنه أن الخلع لا يقع به طلاق إلا أن ينويه أو يسميه وقال المزني قد قطع في باب الكلام الذي يقع به الطلاق أن الخلع طلاق بائن فلا يقع به إلا بما يقع به الطلاق أو ما أشبهه من إرادة الطلاق فإنه سمى عددا أو نوى عددا فهو عدد ما سمى أو نوى قال الشافعي فإن قيل فإذا جعلته طلاقا فاجعل له فيه الرجعة قيل لما أخذ من المطلقة عوضا وكان من ملك عوض شيء خرج من ملكه لم تكن له رجعة فيما ملك عليه فكذلك المختلعة وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة خلع الزوجة من زوجها تطليقة بائنة فإن نوى الطلاق ولم تكن له نية في عدد منه فكذلك أيضا هي واحدة بائنة وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة لأنها كلمة واحدة ولا تكون اثنتين وقال الأوزاعي الخلع تطليقة بائنة ولا ميراث بينهما فهؤلاء كلهم يقولون إن الخلع تطليقة بائنة وقال به من الصحابة من قدمنا ذكره سوى بن عباس وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وشريح والشعبي وإبراهيم وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وقبيصة بن ذؤيب ومجاهد وأبي سلمة ومكحول والزهري وأما قول بن عباس بأن الخلع فسخ وليس بطلاق فروي عن عثمان مثله وهو قول طاوس وعكرمة وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وداود وقد روي عن عثمان أنه قال الخلع مع تطليقة تطليقتان

وقد اختلف العلماء في المختلعة هل يلحقها طلاق أم لا ما دامت في عدتها فقال مالك إن طلقها عقيب الخلع من غير سكوت طلقت وإن كان بينهما سكوت لم تطلق وهذا يشبه ما روي عن عثمان رضي الله عنه وقال الشافعي لا يلحقها طلاق وإن كانت في العدة وهو قول بن عباس وبن الزبير وبه قال عكرمة والحسن وجابر بن زيد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي يلحقها الطلاق ما دامت في العدة وهو قول سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وإبراهيم والزهري والحكم وحماد وروي ذلك عن بن مسعود وأبي الدرداء من طريقين منقطعين ليسا بثابتين قال أبو عمر لم يختلفوا أن الخلع طلاق بائن لا ميراث بينهما فيه ومعنى البينونة انقطاع العصمة إلا بنكاح جديد فكأنها رجعية بانت بانقضاء عدتها وقد ذكرنا قول بن عباس بأنه فسخ لا طلاق واختلفوا في مراجعة المختلعة في العدة فقال جمهور أهل العلم لا سبيل له إليها إلا برضى منها ونكاح جديد وصداق معلوم وهو قول عامة التابعين بالحجاز والعراق وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وروي عن سعيد بن المسيب وبن شهاب أنهما قالا إن رد إليها ما أخذ منها في العدة أشهد على رجعتها وصحت له الرجعة روى بن أبي ذئب عن بن شهاب قال لا يتزوجها بأقل مما أخذ منها وقال أبو ثور إن كان لم يسم في الخلع طلاقا فالخلع طلقة لا يملك فيها رجعة

وإن سمى طلاقا فهو أملك برجعتها ما دامت في العدة وبه قال داود و روي مثل قول أبي ثور عن عبد الله بن أبي أوفى وماهان الحنفي واتفقوا على أنه جائز للمختلع أن يتزوجها في عدتها وقالت طائفة من المتاخرين لا يتزوجها هو ولا غيرها في العدة فشذوا عن الجماعة والجمهور وأما رواية مالك عن نافع عن بن عمر أن المختلعة عدتها عدة المطلقة ومالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وبن شهاب كانوا يقولون عدة المختلعة مثل عدة المطلقة ثلاثة قروء فقد اختلف السلف والخلف في ذلك فروي عن عثمان وبن عباس قالا عدة المختلعة حيضة روي ذلك عن بن عمر أيضا خلاف رواية مالك وقد روي عن عثمان أنه لا عدة عليها وقد تقدم تفسير ذلك بأنها تستبرئ رحمها بحيضة مخافة الحمل فليس ذلك باختلاف عنه وبه قال عكرمة وأبان بن عثمان وإليه ذهب إسحاق وحجتهم ما رواه سعيد بن أبي عروبة عن أبي الطفيل عن سعيد بن حمل عن عكرمة قال عدة المختلعة حيضة قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميلة بنت أبي بن سلول قال أبو عمر روي من وجوه أن جميلة ابنة أبي بن سلول كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس فاختلعت منه كما روي ذلك في حبيبة بنت سهل وروى هشام بن يوسف عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن بن عباس أن ثابت بن قيس اختلعت منه امرأته فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة

ورواه عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة مرسلا ورواه بن لهيعة عن أبي الأسود عن أبي سلمة ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن ربيع بنت معوذ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر امرأة ثابت بن قيس حين اختلعت منه أن تعتد حيضة وليست هذه الآثار بالقوية وقد ذكرت أسانيدها في التمهيد وأما الحديث بذلك عن بن عباس وبن عمر فذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع أن الربيع أختلعت من زوجها فأتى عمها عثمان فقال تعتد بحيضة وكان بن عمر يقول تعتد ثلاث حيض حتى قال هذا عثمان فكان بن عمر يفتي به ويقول عثمان خيرنا وأعلمنا قال وحدثني عبدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال عدة المختلعة حيضة قال وحدثني عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ليث عن طاوس عن بن عباس قال عدتها حيضة وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم عدة المختلعة كعدة المطلقة إن كانت ممن تحيض بثلاثة وإن كانت ممن لا تحيض بثلاثة أشهر وروي مثل ذلك عن عمر وعلي وعن بن عمر على اختلاف عنه والحديث عن عمر وعلي من قولهم ليس بالقوي ولكن جمهور العلماء على القول بأن عدة المختلعة عدة المطلقة وممن قال بذلك سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله بن عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعمر بن عبد العزيز وبن شهاب الزهري والحسن البصري وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي ومحمد بن عياض وخلاس بن عمر وقتادة وبه قال سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وأبو عبيد ورواية عن إسحاق قال أبو عمر في حديث عثمان إنما أمر الربيع بنت معوذ حين اختلعت من زوجها ينتقل من بيتها

وهذا لا يقول به أحد من الفقهاء الذين كانت تدور عليهم بالأمصار الفتوى وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم ولو اشترط عليها زوجها في حين الخلع ألا سكنى لها كان الشرط لاغ ولها السكنى كالعدة فلا يؤثر فيها الشرط وكأنه لم يذكر وقال أبو ثور وأحمد وإسحاق وداود لا سكنى لها ولا نفقة وكذلك يقولون في المطلقة المبتوتة وهي أصل هذه المسألة وسيأتي أقوالهم فيها في موضعها إن شاء الله تعالى وأجمع الجمهور أن الخلع جائز عند غير السلطان إلا الحسن وبن سيرين فإنهما يقولان لا يكون الخلع إلا عند السلطان وقال قتادة إنما أخذه الحسن عن زياد قال أبو عمر قد أجمعوا أن النكاح والطلاق يجوز دون السلطان فكذلك الخلع وليس كاللعان الذي لا يجوز عند السلطان قال مالك في المفتدية إنها لا ترجع إلى زوجها إلا بنكاح جديد فإن هو نكحها ففارقها قبل أن يمسها لم يكن له عليها عدة من الطلاق الآخر وتبني على عدتها الأولى قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال أبو عمر إنها لا ترجع إليه إلا بنكاح جديد فقد تقدم القول في هذه المسألة وما للعلماء فيها وأما قول مالك فإن هو نكحها إلى آخر قوله وأنه أحسن ما سمع في ذلك فعليه أكثر العلماء لأنها مطلقة قبل الدخول بها فلا عدة عليها وتتم بقية عدتها وهذا أصل مالك في الأمة تعتق في عدتها من وفاة أو طلاق أنها لا تتغير عدتها ولا تنتقل إلا في الطلاق الرجعي ولا في البائن كالحد يجب على العبد ولا يتغير بالعتق وستأتي هذه المسألة في بابها إن شاء الله تعالى وروي عن طائفة منهم الشعبي وإبراهيم النخعي في المختلعة يتزوجها زوجها في عدتها بنكاح جديد ثم يطلقها قبل الدخول بها أن عليها عدة كاملة كأنها عندهم في حكم المدخول بها أنها تعتد من العدة

وهذا ليس بشيء بظاهر قول الله عز وجل إذا نكحتم المؤمنت ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها الأحزاب قال أبو عمر ليس لها إلا نصف الصداق عندهم ومن قال بقول الشعبي والنخعي أوجب لها الصداق كاملا قال مالك إذا افتدت المرأة من زوجها بشيء على أن يطلقها فطلقها طلاقا متتابعا نسقا فذلك ثابت عليه فإن كان بين ذلك صمات فما أتبعه بعد الصمات فليس بشيء وهذه المسألة قد تقدمت في هذا الباب ومضى فيها القول والله أعلم وهو الموفق للصواب وحسبي ونعم الوكيل باب ما جاء في اللعان مالك عن بن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم لعويمر لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها فقال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا وأنا مع

الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مالك قال بن شهاب فكانت تلك بعد سنة المتلاعنين قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد من توجيه ألفاظ هذا الحديث في الآداب وغيرها من وجوه العلم في أحكام اللعان ما ظهر لنا ونذكر ها هنا ما فيه من الفقه وأحكام اللعان أيضا بحول الله تعالى زعم بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي أن في هذا الحديث دليلا على أن الحد لا يجب بالتعريض في القذف لقول عويمر يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل وهذا عندي لا حجة فيه لأن المعرض به غير معين ولا جاء طالبا وإنما جاء الحد على من عرض بقذف رجل يشير إليه أو يسميه في مشاتمة أو منازعة ويطلب المعرض له ما يجب له من الحد إذا كان يعلم من المعرض أنه قصد القذف للمعرض به وزوجة عويمر لم يمسها ولا أشار إليها ولا جاءت طالبة وستأتي هذه المسألة في كتاب الحدود بما للعلماء فيها ووجوه معاني أقوالهم إن شاء الله عز وجل وفي قول عويمر أيقتله فتقتلونه وسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم يقل لا نقتله دليل على أن من قتل رجلا وجده مع امرأته أنه يقتل به وإن لم يأت ببينة تشهد له بزناه بها وستأتي هذه المسألة مجودة في كتاب الحدود في حديث مالك عن سهيل بن أبي صالح إن شاء الله تعالى وفيه أن الملاعنة لا تكون إلا عند السلطان وأنها ليست كالطلاق الذي ليس للرجل أن يوقعه حيث شاء وهذا إجماع من العلماء أن اللعان لا يكون إلا في المسجد الجامع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين المتلاعنين المذكورين في مسجده وذلك محفوظ في حديث بن مسعود وغيره وقد ذكرناه في التمهيد

ويستحب جماعة من أهل العلم أن يكون اللعان في الجامع بعد العصر وفي أي وقت كان في المسجد الجامع أجزأ عندهم ولا يختلفون أن من استخلفه الإمام على الأحكام من قاض وسائر الحكام أنه يقوم في اللعان إذا تحاكموا إليه فيه مقام الإمام وفي قول عويمر أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا دليل على أن الملاعنة تجب بين كل زوجين والله أعلم لأنه لم يخص رجلا من رجل ولا امرأة من امرأة ونزلت آية اللعان على هذا السؤال فقال تعالى والذين يرمون أزوجهم النور ولم يخص زوجا من زوج وهذا موضع اختلف فيه العلماء وهي مسألة سنذكرها حيث ذكره مالك من هذا الباب إن شاء الله تعالى وفيه أن الحكم يحضر مع نفسه للمتلاعن قوما يشهدون ذلك ألا ترى إلى قول سهل بن سعيد فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي شهود سهل لذلك دليل على جواز شهود الشباب مع الشيوخ عند الحكام لأن سهلا كان يومئذ بن خمس عشرة سنة حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني عبيد الله بن عمر قال حدثني يزيد بن زريع قال حدثني محمد بن إسحاق عن الزهري قال قلت لسهل بن سعد بن كم كنت يومئذ يعني يوم المتلاعنين قال بن خمس عشرة سنة وقد كان عمر بن الخطاب يشاور بن عباس وشبابا غيره مع الشيوخ وقد أفردنا لذلك بابا في كتاب العلم والحمد لله و في قوله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا وإن لم يكن فيه تصريح

بالرؤية فإنه قد جاء التصريح في ذلك في حديث بن عباس وغيره في قصة هلال بن أمية وفي قصة العجلاني أيضا من غير رواية مالك ونزول آية اللعان في ذلك وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل فيك وفي صاحبتك يعني آيات اللعان دليل على ما ذهب إليه مالك فالمشهور من مذهبه أن اللعان لا يجب حتى يقول الرجل لامرأته رأيتك تزنين أو ينفي حملا بها أو ولدا منها إلا أن الأعمى عنده يلاعن إذا قذف امرأته لم يختلف عنه في ذلك لأنه شيء يدركه بالحس واللمس وقول أبي الزناد ويحيى بن سعيد وعثمان البتي والليث بن سعد في ذلك كقول مالك أن اللعان لا يجب بالقذف المجرد وإنما يجب بادعاء رؤية الزنى ونفي الحمل مع دعوى الاستبراء وعندهم انه إذا قال لزوجته يا زانية جلد الحد لقول الله عز وجل والذين يرمون المحصنت وستأتي أحكام نفي الحمل وما لمالك رحمه الله وغيره في ذلك بعد هذا في معنى حديث بن عمر في هذا الباب إن شاء الله تعالى والحجة لمذهب مالك ومن تابعه فيما يوجب اللعان وعنده قائمة من الآثار المسندة وقد ذكرتها في التمهيد منها حديثه عن بن شهاب عن سهل بن سعد أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله ومثله حديث بن عباس من رواية القاسم بن محمد عنه رواه يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن القاسم عن بن عباس أنه ذكر المتلاعنان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا ثم انصرف فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد مع أهله رجلا فقال عاصم ما ابتليت بهذا إلا لقولي فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته وكان ذلك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله خدلا آدم كثير اللحم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بين فوضعت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فقال رجل لابن عباس في المجلس أهي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو رجمت أحدا بغير بينة

رجمت هذه فقال بن عباس لا تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء وحديث عباد بن منصور عن عكرمة عن بن عباس أن سعد بن عبادة قال أرأيت لو وجدت لكاعا يتفخذها لم أهجه حتى آتي بأربعة شهداء الحديث وفيه أن هلال بن أمية وجد مع امرأته رجلا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله يا رسول الله لقد رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه فنزلت والذين يرمون أزوجهم الآية وأسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد قالوا فهذه الآثار كلها تدل على أن اللعان إنما نزل فيه القرآن وقضى به النبي صلى الله عليه وسلم في رؤية الزنى فلا يجب أن تتعدى ذلك ولأن المعنى فيه حفظ النسب ولا يصح فساد النسب إلا بالرؤية وبها يصح نفي الولد بعد الاستبراء لا بنفس القذف المجرد وقياسا على الشهادة التي لا تصح في الزنى إلا برؤية وقال الشافعيون وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأبو عبيد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود إذا قال الرجل لامرأته يا زانية وجب اللعان إن لم يأت بأربعة شهداء وسواء عندهم قال لهما يا زانية أو رأيتك تزنين أو زنيت وهو قول جمهور العلماء وقد روى ذلك عن مالك أيضا وحجتهم أن الله عز وجل قال والذين يرمون أزوجهم النور كما قال تعالى والذين يرمون المحصنت النور فأوجب بمجرد القذف الحد على الأجنبي إن لم يأت بأربعة شهداء وأوجب اللعان على الزوج إن لم يأت بأربعة شهداء فسوى بين الذميين بلفظ واحد وقد أجمعوا أن الأعمى يلاعن إذا قذف زوجته ولا تصح منه الرؤية واختلفوا في الأخرس فقال مالك والشافعي يلاعن الأخرس إذا فهم عنه

وقال أبو حنيفة لا يلاعن لأنه ليس من أهل الشهادة ولأنه قد ينطلق لسانه فينكر القذف واللعان فلا يمكننا إقامة الحد عليه واختلفوا في الزوج إذا أبى من اللعان بعد ما ادعاه من رؤية الزنى أو بعد قذفه لها فقال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء إن لم يلتعن حد وحجتهم أن اللعان للزوج براءة كالشهادة للأجنبي براءة فإن لم يأت الأجنبي بأربعة شهداء حد فكذلك الزوج إن لم يلتعن حد وفي حديث بن عمر وغيره في قصة العجلاني لا يدل على ذلك لقوله أن قتلت قتلت وإن نطقت جلدت وإن سكت سكت على غيظ وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولامرأته عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وسنذكر هذه الآثار فيما بعد إن شاء الله تعالى واختلفوا هل على الزوج أن يلاعن إذا أقام شهوده بالزنى فقال مالك والشافعي يلاعن كان له شهود أو لم يكن لأن الشهود لا عمل لهم إلا درء الحد وأما رفع الفراش ونفي الولد فلا بد من اللعان لذلك وإنما تعمل شهادتهم في درء حد القذف عن الزوج وإيجابه عليها وقال أبو حنيفة وأصحابه إنما جعل اللعان على الزوج إذا لم يكن له شهداء غير نفسه وهو قول داود واختلفوا في المرأة إذا أبت من اللعان بعد التعان الزوج فقال مالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأكثر السلف إن أبت أن تلتعن حدت وحدها الرجم إن كان دخل بها أو الجلد إن كان لم يدخل بها وحجتهم قول الله عز وجل ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهدت بالله الآية النور وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس قال إذا لم يحلف المتلاعنان أقيم الجلد أو الرجم وقال الضحاك في قوله ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهدت بالله الآية قال إن أبت أن تلاعن رجمت إن كانت ثيبا وجلدت إن كانت بكرا

وهو قول الجمهور وقال أبو حنيفة وأصحابه وهو قول عطاء والحارث العكلي وبن شبرمة أريت إن لم تلعن قال إن أبت أن تلتعن حبست أبدا حتى تلتعن قال أبو عمر أظن أبا حنيفة وأصحابه جنبوا عن إقامة الحد عليها بدعوى زوجها ويمينه دون إقرار منها ولا بينه قامت عليها وجعلوا ذلك شبهة درأوا بها الحد عنها واحتج بعضهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وليس منها الملاعنة إذا أبت من اللعان وقد نقض أبو حنيفة ها هنا أصله في القضاء بالنكول عن اليمين في سائر الحقوق ولكنهم زعموا أن الحدود لا تؤخذ قياسا وأما اختلافه في كيفية اللعان فاختلاف متقارب قال بن القاسم عن مالك يحلف أربع شهادات بالله يقول أشهد بالله لرأيتها تزني ويقول في الخامسة لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين وتحلف هي بمثل ذلك أربع مرات تقول في كل مرة أشهد بالله ما رآني أزني والخامسة غضب الله علي إن كان من الصادقين وقال الليث يشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنى والخامسة أن لعنة عليه إن كان من الكاذبين وتشهد المرأة أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ونحوه عن الثوري

وقال الشافعي يقول اشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت زوجتي فلانة بنت فلان من الزنى ويشير إليها إن كانت حاضرة يقول ذلك أربع مرات ثم يقعده الإمام ويذكره الله ويقول له إني أخاف الله إن لم تكن صادقا فإن رآه يريد المضي أمر من يضع يده على فيه ويقول إن قولك وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجبة إن كنت كاذبا فإن أبى إلا اللعان تركه الإمام فيقول ولعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما ثبت من فلانة بنت فلان من الزنى وفي إحدى الروايتين عنه فإن رماها برجل بعينه قال من الزنى مع فلان وإن نفى ولدها قال مع كل شهادة أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى وإن هذا الولد لولد ما هو مني فإن كان حملا قال وإن الحمل إن كان بها حمل من زنا ما هو مني فإذا فرغ من هذا فقد فرغ من الالتعان ثم تشهد المرأة أربع شهادات أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى فإن نفى الحمل قالت وإن هذا الحمل منه وإن كان ولدا قالت وإن هذا لولده وعلي غضب الله إن كان من الصادقين في شيء مما رماني به وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا لم يكن ولد شهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنى والخامسة اللعن وتشهد هي أربعا والخامسة الغضب فإن كان هناك ولد نفاه شهد أربعا أنه لصادق فيما رماها من الزنى ونفي الولد يذكر الولد في اللعان أنه نفاه حتى يلزم أمه وقال زفر مثل ذلك إلا انه يخاطبها وتخاطبه فيقول أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتك به من الزنى وتقول هي أشهد بالله أنك لمن الكاذبين فيما رميتني به من الزنى وروى مثل ذلك الحسن بن زياد عن أبي يوسف وكان زفر يقول في نفي الولد أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من نفي ولدها هذا ويقول في الخامسة ولعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من نفي ولدها

ثم تقول المرأة أشهد بالله أنك لمن الكاذبين فيما رميتني به من نفي ولدك والخامسة علي غضب الله إن كنت من الصادقين فيما رميتني به من نفي ولدي هذا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر إن رجلا لاعن امرأته في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفل من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة قال أبو عمر هكذا قال يحيى انتفل من ولدها وقال سائر الرواة عن مالك وانتفى من ولدها والمعنى قريب من السواء قال أبو عمر وأما قوله فانتفى من ولدها فيحتمل أن يكون الولد حيا ظاهرا في حين اللعان فانتفى منه إما لغيبة غابها أو لاستبراء ادعاه لم يعلم بحملها حتى وضعته أو ما أشبه هذا مما ينفي عنه أنه أقر به وقتا ما ثم جحده ونفاه بعد ويحتمل أن يكون انتفى من ولدها وهو حمل ظاهر بها وقد اختلف الفقهاء في وقت نفي الولد باللعان فقال مالك إذا رأى الحمل فلم ينفه حتى وضعته لم ينتف عنه بعد ذلك وإن نفاه حرة كانت أو أمة فإن انتفى منه حين ولدته وقد رآها حاملا فلم ينتف منه فإنه يجلد الحد إذا كانت حرة مسلمة لأنه صار قاذفا لها فإن كان غائبا عن الحمل فقدم وقد ولدته فله أن ينفيه وقال الليث فيمن أقر بحمل امرأته ثم قال بعد ذلك رأيتها تزني لاعن في الرؤية ولزمه الحمل وقال الشافعي إذا علم الزوج بالحمل فأمكنه الحاكم إمكانا بينا فترك اللعان لم يكن له أن ينفيه كالشفعة هذا قوله في الجديد وقال في القديم إن لم ينفه في يوم أو يومين لم يكن له أن ينفيه

وقال بمصر لو قال قائل له نفيه مدة ثلاثة أيام من وقت علم به يأتي فيها الحاكم أو يشهد كان مذهبا قال وأي مدة إن قلت له نفيه فيها فأشهد على نفسه وهو مشغول بما يخاف فوته بمرض أو كان مسافرا فأشهد ولم يسر فهو على نفيه وكذلك الغائب إذا قال لم أصدق حملها أو الحاضر إن قال لا أعلم قال ولو رآها حبلى فلما ولدت نفاه وقال لم أدر أنه حمل كان له نفيه وقال أبو حنيفة إذا ولدت فنفى ولدها من يوم يولد أو بعده بيوم أو بيومين لاعن وانتفى الولد فإن لم ينفه حتى مضت سنة أو سنتان ثم نفاه لاعن ولزمه الولد ولم يؤقت أبو حنيفة لذلك وقتا ووقت أبو يوسف ومحمد مقدار النفاس أربعين ليلة قال وقال أبو يوسف إن كان غائبا فقدم فله أن ينفيه ما بينه وبين مقدار النفاس منذ يوم قدم ما كان في الحولين فإن قدم بعد الحولين لم ينتف عنه أبدا قال أبو عمر جملة قول مالك وأصحابه أن الحمل لا ينفيه الزوج بما يدعيه من رؤية الزنى ولا ينتفي الحمل إلا بدعوى الاستبراء وأنه لم يطأ بعد أن استبرأ والاستبراء عند مالك وبن القاسم حيضة وقال عبد الملك بن عبد العزيز لا تستبرأ الحرة في ذلك بأقل من ثلاث حيض ورواه عن مالك وقال بن القاسم إن لم يكن الحمل ظاهرا بإقراره أو بينة يشهد له به لم ينفه لعانه ولحق به وقال بن القاسم لو أكذب نفسه في الاستبراء وادعى الولد لحق به وهو أدنى اللعان نفيناه عنه وصار قاذفا لها بنفيه ولدها وقال المغيرة المخزومي إن أقر بالحمل وأدعى رؤيته لاعن فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فهو له فإن كان لستة أشهر فأكثر فهو اللعان فإن أدعاه لحق به وحده قال المغيرة ويلاعن في الرؤية من يدعي الاستبراء وجملة قول الشافعي وأصحابه أن كل من نفى الحمل وقال ليس مني

لاعن وانتفى عنه الولد إلا أن يكون علم فسكت على ما مضى من قوله في توقيت المدة في ذلك وقال أحمد وأبو ثور وداود نحو قول الشافعي ولا معنى عند الشافعي للاستبراء لأن المراة قد تحمل مع رؤية الدم وتلد مع الاستبراء وأما أبو حنيفة وأصحابه فلا يجوز عندهم اللعان على الحمل وقال أبو حنيفة إذا قال ليس هذا الحمل مني لم يكن قاذفا لها فإن ولدت ولو بعد يوم لم يلاعن بالقول الأول حتى ينفيه بعد الولادة وهو قول زفر وقول الثوري وقال أبو يوسف ومحمد إن جاءت به بعد هذا القول لأقل من ستة أشهر لاعن وقد روي عن أبي يوسف أنه يلاعنها قبل الولادة وهو قول بن أبي ليلى وعبيد الله بن الحسن ومالك والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد كلهم يقول يلاعن على الحمل الظاهر وقد روى الربيع عن الشافعي لا يلاعنها حتى تلد وكذلك قال أحمد بن حنبل قال ولو نفى الحمل في التعانة عن قذفها لم ينتف ولدها عنه حتى ينفيه بعد وضعها ويلاعن وهو قول بن الماجشون في الملاعنة على الحمل قال عبد الملك بن الماجشون لا يلاعن على الحمل لأنه قد ينفش فيكون قولا على ريح ومن نفى حمل امرأته عند مالك وعبيد الله بن الحسن وبن أبي ليلى وقال ليس مني لاعنها لأنه قاذف لها وقال الشافعي لا يلاعنها إلا أن يقذفها لأنه لا يقول لم يصح عندي حملها فينتفي قذفها عنه وقال أبو حنيفة إنكار الحمل من أشد القذف قال أبو عمر لا يصح عند الشافعي القذف إلا بالتصريح البين قال أبو عمر ومن لم ير اللعان على الحمل حتى تلد زعم أن الحمل لا يقطع على صحته لأنه قد ينفش ويضمحل

قال فلا وجه للعان بغير استيقان ومن رأى اللعان على الحمل إذا نفاه فحجته الآثار المتواترة من حديث بن عباس وحديث بن مسعود وحديث أنس وحديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين المتلاعنين وقال إن جاءت به على صفة كذا فهو لزوجها وإن جاءت به على صفة هذا فما أراه إلا قد صدق عليها وهذا يدل على أنها كانت حاملا وقد ذكرنا كثيرا من هذه الأحاديث في التمهيد وهي متكررة في المصنفات والمسانيد وأجمعوا على أنه من أقر بالحمل وبان له ولم ينكره ولم ينفه ثم نفاه بعد ذلك لم ينفعه ذلك ولحق به الولد ويجلد الحد إلا عند أبي حنيفة وأصحابه والثوري فإنه يلاعن ولا يجلد على أصلهم وأما قول بن عمر فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما يعني بين المتلاعنين فإن العلماء اختلفوا في كيفية وقوع الفرقة بين المتلاعنين فقال مالك والليث إذا فرغا جميعا من اللعان وقعت الفرقة وإن لم يفرق بينهما الحاكم وبه قال زفر وأبو عبيد وأبو ثور وهو عندي معنى قول الأوزاعي لآنه قال لا تقع الفرقة بلعان الزوج وحده قال ولو التعن الزوج ثم مات فلا لعان ولاحد ويتوارثان وقال الشافعي إذا قال الزوج الشهادة الخامسة والالتعان فقد زال فراش امرأته ووقعت الفرقة بينهما قال ولو لم يكمل الخامسة ومات ورثه ابنه وزوجته وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما وبه قال الثوري وأحمد قال الثوري إذا تلاعنا وفرق الحاكم بينهما لم يجتمعا أبدأ وكذلك قال أحمد بن حنبل وقال عثمان البتي وطائفة من أهل البصرة أخذو ذلك عنه إذا تلاعنا فلا أرى اللعان ينقص شيئا يعني من العصمة

قال وأحب إلي أن يطلق وقال عبيد الله بن الحسن اللعان تطليقة بائنة وحجة مالك ومن قال بقوله أن اللعان أوجب الفرقة التي قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند فراغهما من لعانهما وقال له لا سبيل لك عليها إعلاما منه بأن اللعان رفع سبيله عنها حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني موسى بن يونس وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن شاذان قال حدثني معلى بن منصور قال حدثني يحيى بن أبي زائدة قال حدثني عبد الملك بن أبي سليمان قال سمعت سعيد بن جبير يقول سئلت عن المتلاعنين زمن مصعب بن الزبير أيفرق بينهما قال فما دريت ما أقول فمضيت إلى منزل بن عمر بمكة فقلت للغلام استأذن لي قال إنه قائل فسمع صوتي قال بن جبير قلت نعم قال أدخل فوالله ما جاء بك هذه الساعة إلا حاجة فدخلت فإذا هو مفترش برذعة متوسد وسادة حشوها ليف قلت أبا عبد الرحمن المتلاعنان أيفرق بينهما قال سبحان الله نعم إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان قال يا رسول الله أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع إن تكلم تكلم بأمر عظيم وان سكت سكت على مثل ذلك قال فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه فلما كان بعد ذلك أتاه فقال إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور والذين يرمون أزوجهم النور فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قال لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها ثم دعاها فوعظها وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قالت لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ثم فرق بينهما وحدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني

محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير عن بن عمر قال فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين وقال حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال يا رسول الله ما لي قال ما لك إن كنت صادقا فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت فهو أبعد لك قال الشافعي تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين تفريق حكم ليس لطلاق الزوج فيه مدخل وإنما هو تفريق أوجبه اللعان فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا سبيل لك عليها قال أبو عمر هذا كله معنى قول مالك ومذهبه وفي قوله عليه السلام لا سبيل لك عليها دلالة واضحة أن اللعان هو الموجب للفرقة بينهما وأن الحاكم إنما ينفذ في ذلك الواجب من حكم الله تعالى ولم يكن تفريق النبي عليه السلام بين المتلاعنين استئنافا من حكم وإنما كان تنفيذا لما أوجب الله تعالى من المباعدة بينهما وهو معنى اللعان في اللغة فعلى الحاكم أن يعلمها بأن اللعان فراق بينهما وأن قصر عن ذلك ولم يقل فرقت بينهما فالفرقة واقعة بتمام اللعان لقوله صلى الله عليه وسلم لا سبيل لك عليها وحجة الشافعي في قوله إذا أكمل الزوج التعانة عليها إلى آخر الخامسة وقعت الفرقة بينه وبين امرأته وزال فراشه التعنت المرأة أو لم تلتعن أنه لما كان التعان الزوج يسقط الحد عنه وينفي الولد عن فراشه إن نفاه في التعانه كان كذلك قطع العصمة ورفع الفراش ووجوب الفرقة لأن المرأة لا مدخل لها في الفراق وقطع العصمة ورفع الفراش وإنما ذلك بيد الزوج ولا معنى لالتعان المرأة ألا في درء الحد عنها قال الله تعالى ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهدات بالله إنه لمن الكذابين والخمسة الآية النور ولما اتفقوا أن الزوج بالتعانه ينتفي عنه الولد إن نفاه كان كذلك برفع عصمة النكاح إلا ترى أن معنى التعان الزوج والتعان المرأة متضادان لأن الزوج يدعي ما يوجب الفرقة ويحلف عليه والمرأة تنفي المعنى الموجب لوقوع الفراق فكيف

يعتبر في رفع العصمة التعانها وهي مكذبة لزوجها وفي وقوع النسب الموجب للفراق أم كيف يرتفع النسب وينفي النكاح وحجة الكوفيين ومن قال بقولهم في أن الفرقة لا تقع بتمام اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما حديث بن عمر وحديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين فأضاف الفرقة إليه لا إلى اللعان فلا تقع الفرقة حتى يقول الحاكم قد فرقت بينهما ويعلم من حضرة بذلك ويشهدهم قالوا ولما كان اللعان مفتقرا إلى حضور الحاكم كان مفتقرا إلى تفريقه بخلاف الطلاق وقياسا على العنين لأنه لا تقع الفرقة بينه وبين امرأته إلا بحكم الحاكم بذلك واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وهو مذهب أهل المدينة ومكة والكوفة والشام ومصر أن اللعان لا يفتقر إلى طلاق وأن حكمه وسنته الفرقة بين المتلاعنين إما باللعان وإما بتفريق الحاكم على ما ذكرنا من مذاهبهم وقال عثمان البتي وطائفة من أهل البصرة لا ينقص اللعان شيئا من العصمة حتى يطلق الزوج وهذا قول لم يتقدم البتى إليه أحد فيما علمت ولا له من الآثار الواردة بالسنن ما يدل عليه لأن طلاق عويمر العجلاني بعد تمام التعانها لم يكن بأمر النبي عليه السلام ولا قال له النبي عليه السلام أحسنت ولا فعلت ما كان يجب عليك ولو كان الطلاق واجبا ومحتاجا إليه لبينه صلى الله عليه وسلم لأنه بعث إلى الناس معلما وهم لا يعلمون شيئا وقد قال له أو أخبره لا سبيل لك عليها عند تمام اللعان بينهما فبان بذلك أن طلاق العجلاني لم يكن له معنى إلا قوله كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ليدل بذلك عند نفسه على صدقه ولم يكن ذلك يدخل داخله في حكمه فلم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ولا نهاه ولا أمره لأن طلاقه كان لا معنى له وقد بان في حديث بن وهب عن عياض بن عبد الله الفهري عن بن شهاب أن قوله في آخر حديث مالك بإثر ذكر الطلاق فكان ذلك سنة المتلاعنين إنما أراد الفرقة وألا يجتمعا أبدا كذلك ذكره بن وهب عن عياض عن بن شهاب في آخر حديثه في اللعان وساقه كنحو سياقه مالك له وقال في آخره ومضت سنة المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا

ذكره بن وهب في موطئه عن عياض بن عبد الله الفهري عن بن شهاب في حديثه عن سهل بن سعد في اللعان وعياض هذا قد روى عنه الليث وغيره وهو من شيوخ أهل مصر وقد احتج من قال إن طلاق الثلاث المجتمعات تقع السنة بحديث سهل بن سعد في طلاق عويمر العجلاني زوجته ثلاثا ولم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لو كان وقوع طلاق الثلاث المجتمعات لا يجوز لنبيه صلى الله عليه وسلم وأنكره عليه وقال له كيف تطلق ثلاثا في مرة واحدة وذلك لا يجوز في ديننا وشريعتنا ونحو ذلك فلما لم ينكر عليه شيئا من ذلك دل على جوازه وأما من قال لا تقع السنة وإنما هي بدعة لازمة لموقعها فإنه قال لما لم يكن موضع طلاق لأن فرقة اللعان أقوى من فرقة الطلاق لم يحتج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إنكار ذلك عليه لأنه فعل فعلا لا معنى له وقد أوضحنا هذه المسألة واجتلبنا أقوال القائلين فيها في أول كتاب الطلاق وأما قول بن عمر في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وألحق الولد بالمرأة ومنهم من يرويه وألحق الولد بأمه فمعلوم أن الأم لا ينتفي عنها ولدها أبدا وأنه لاحق بها على كل حال لولادتها له لكن معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى بانتفاء الولد عن أبيه بلعانه ألحقه بأمه خاصة كأنه لا أب له فلا يرث أباه ولا يرثه أبوه ولا أحد بسببه وقيل بل ألحقه بأمه فجعل أمه له كأبيه وأمه ولهذا الحديث اختلف العلماء والله أعلم في ميراث ولد الملاعنة وسنورد هذا في بابه بعد هذا إن شاء الله تعالى قال مالك السنة عندنا أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا وإن أكذب نفسه جلد الحد وألحق به الولد ولم ترجع إليه أبدا وقال مالك وعلى هذا السنة عندنا التي لا شك فيها ولا اختلاف قال أبو عمر على هذا المذهب الشافعي والثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث وبه قال زفر بن الهذيل وأبو يوسف وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود كل هؤلاء يقولون في المتلاعنين إنهما لا يجتمعان أبدا سواء كذب

نفسه أو لم يكذبها ومتى أكذب نفسه جلد الحد وإن كان هناك ولد لحق به ولا يجتمعان أبدا وروي ذلك عن عمر وعلي وبن مسعود قال الشافعي لا يجتمعان أبدا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لا سبيل لك عليها ولم يقل له إلا أن تكذب نفسك فصار كالتحريم المؤبد في الأمهات ومن ذكر معهن وهذا شأن تحريم مطلق التأبيد ألا ترى أن المطلق ثلاثا لما لم تكن بائنة أوقع فيه الشرط بنكاح زوج غيره ولو قال فإن طلقها فلا تحل له لكان نهيا مطلقا لا تحل له أبدا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق التحريم في الملاعنة ولم يقيده بوقت فهو مؤبد فإن أكذب نفسه لحق به الولد لأنه حق جحده ثم أقر به فلزمه وليس النكاح كذلك لأنه حق ثبت عليه فليس يتهيأ له إبطاله والله أعلم وقال حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن إذا أكذب الملاعن نفسه ضرب الحد ولحق به الولد وكان خاطبا من الخطاب إن شاء وهو قول سعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن وسعيد بن جبير واختلف في ذلك عن إبراهيم النخعي وبن شهاب الزهري فروي عنهما القولان جميعا وقال الشعبي والضحاك إن أكذب نفسه جلد الحد وردت عليه امرأته وروي عن بن شهاب مثله وهو عندي قول تالف خلاف من قال يكون خاطبا من الخطاب وقد روي عن سعيد بن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير وإن شاء ردها وقد يحتمل الوجهين جميعا أيضا وحجة من قال إذا أكذب نفسه عاد إلى نكاحه أو حل له نكاحها إجماعهم على أنه إذا أكذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد قالوا فيعود النكاح حلالا كما عاد الولد لأنه لا فرق بين شيء من ذلك والحجج لهذه الأقوال من جهة المقايسات والنظر فيها تشعيب وليس في المسألة أثر مسند قال مالك وإذا فارق الرجل امرأته فراقا باتا ليس له عليها فيه رجعة ثم أنكر حملها لاعنها إذا كانت حاملا وكان حملها يشبه أن يكون منه إذا ادعته ما لم يأت

دون ذلك من الزمان الذي يشك فيه فلا يعرف أنه منه قال فهذا الأمر عندنا والذي سمعت من أهل العلم قال مالك وإذا قذف الرجل امرأته بعد أن يطلقها ثلاثا وهي حامل يقر بحملها ثم يزعم أنه رآها تزني قبل أن يفارقها جلد الحد ولم يلاعنها وإن أنكر حملها بعد أن يطلقها ثلاثا لاعنها قال وهذا الذي سمعت قال أبو عمر إنما قال ذلك في المسالتين لأنه إذا قذفها بعد أن طلقها ثلاثا فقد قذف أجنبية ولا لعان بين أجنبيين ويلزمه حد القذف وإن لم يأت بأربعة شهداء يشهدون له بما رماها به كما يلزم الأجنبي وأما إذا أنكر حملها بعد أن بت طلاقها وكان إنكاره لحملها في عدتها أو في مدة بعد العدة يلحق فيها الولد بصاحب الفراش فإنه يلاعنها لأنها في حكم الزوجة في المدة التي يلحق به فيها ولدها وذلك خمس سنين عندهم على اختلاف في ذلك سنذكره عنهم وعن سائر العلماء في موضعه إن شاء الله عز وجل وقد روى يحيى عن بن القاسم في الذي يطلق امرأته ثلاثا ثم يقذفها في عدتها ويقول رأيتها تزني في عدتها أنه لا يلاعن وهذا خلاف مالك في الموطأ وقال سحنون إن رماها في وقت إن قد بقي من العدة ما لو أبت فيه يولد من يوم رماها لزمه الولد فإنه يلاعن وإن كان وقتا لو أتت فيه بولد لم يلحقه فإنه يحد ولا يلاعن وقال يحيى قال بن القاسم إن أتت المرأة بولد بعد انقضاء العدة إلى أقصى ما تلد له النساء فإنه يلزم الزوج إلا أن ينفيه بلعان قال أبو عمر هذا لا شك ولا خلاف عندهم فيه أعني مالكا وأصحابه ولم يختلف في المبتوتة تنقضي عدتها ثم يقذفها الزوج المطلق لها ويقول رأيتها تزني أنها تحد ولا يلاعن وأما قول سائر الفقهاء في هذا الباب فقال بن شبرمة إذا ادعت المرأة حملا في عدتها فأنكر ذلك الذي تعتد منه لاعنها وان كانت في غير عدة جلد الحد ولحق به الولد وقال محمد بن الحسن عنه وعن أصحابه في رجل طلق امرأته تطليقة يملك

الرجعة فجاءت بولد بعد سنة فنفاه أنه يلزمه ويضرب الحد لأنه قذفها وقال الطحاوي يثبت الحد والنسب لأن الحمل كان وهي زوجته ويحد لأن القذف وقع وهي غير زوجة وقال الحسن بن حي في الطلاق البائن يحد ويلزمه الولد وعند الشافعي إذا نفى ولدا أو حملا التعن في العدة وبعدها وكذلك لو نفى الولد بعد موتها التعن وإذا لم ينف حملا ولا ولدا وقذفها وهي مبتوتة حد وأما اختلافهم فيمن قذف امرأته فطلقها ثلاثا فقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه لا حد ولا لعان وحجتهم أن الله عز وجل أوجب على الزوج اللعان وعلى الأجنبي الحد إن لم يأتوا بالشهداء واعتبروا ذلك برجوع الشهود فقالوا ألا ترى أن شهودا لو شهدوا بزنا فحكم الحاكم بهم ثم رجعوا لكان رجوع الشهود يسقط الحد عن الأجنبي وكذلك حدوث الفرقة قبل اللعان مسقطا وقال مالك والأوزاعي والشافعي والليث يلاعن لأن القذف كان وهي زوجة وبه قال الليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وهو قول الحسن والشعبي والقاسم بن محمد قال أبو عمر لما أجمعوا أنه قذفها وهي أجنبية ثم تزوجها و لم يلاعنها كان كذلك إذا قذفها وهي زوجة ثم بانت لم يبطل اللعان وقالوا لو قذفها بعد أن بانت منه بزنا نسبه إليها إلا أنه كان وهي زوجة حد ولا لعان إلا أن ينفي ولدا وفي المسألة قول ثالث فيمن طلق امرأته ثلاثا بعد القذف أنه يحد ولا يلاعن قاله مكحول والحكم وجابر بن زيد والحارث العكلي وقتادة قال أبو عمر لأنه قاذف غير زوجه في حين المطالبة بالقذف قال مالك والعبد بمنزلة الحر في قذفه ولعانه يجري مجرى الحر في ملاعنته غير أنه ليس على من قذف مملوكه حد قال مالك والأمة المسلمة والحرة النصرانية واليهودية تلاعن الحر المسلم إذا تزوج إحداهن فأصابها وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه والذين يرمون

أزوجهم النور فهن من الأزواج وعلى هذا الأمر عندنا قال مالك والعبد إذا تزوج المرأة الحرة المسلمة أو الأمة المسلمة أو الحرة النصرانية أو اليهودية لاعنها هذا قوله في موطئه وروى بن القاسم عنه أنه قال ليس بين المسلم والكافرة لعان إذا قذفها إلا أن يقول رأيتها تزني فيلاعن سواء ظهر الحمل أو لم يظهر لأنه يقول أخاف أن أموت فيلحق بي نسب ولدها قال بن القاسم وإنما يلاعن المسلم الكافرة في دفع الحمل ولا يلاعنها فيما سوى ذلك وكذلك زوجته الأمة لا يلاعنها إلا في نفي الحمل ورواه عن مالك قال والمحدود في القذف يلاعن قال وإن كان الزوجان جميعا كافرين فلا لعان بينهما يعني إلا أن يتحاكموا إلينا قال والمملوكان المسلمان بينهما اللعان إذا أراد أن ينفي الولد وقال الثوري والحسن بن حي لا يجب لعان إذا كان أحد الزوجين مملوكا أو كافرا ويحد إن كان محدودا في قذف وقال الحسن ليس بين المملوكين والمشركين حد في قذف ولا لعان ولا يلاعن المحدود في القذف وقال الأوزاعي لا لعان بين أهل الكتاب ولا بين المحدود في القذف وامرأته وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان أحد الزوجين مملوكا أو ذميا أو محدودا في قذف أو كانت المرأة ممن لا يجب على قاذفها حد فلا لعان بينهما إذا قذفها وقال بن شبرمة يلاعن المسلم زوجته النصرانية إذا قذفها وقال عثمان البتي كل من قذف زوجته بأمر زعم أنه رآه ولا يبين لغيره فإنه يلاعن وقال الليث في العبد إذا قذف امرأته الحرة وادعى أنه رأى عليها رجلا لاعنها لأنه يحد لها إذا كان أجنبيا فإن كانت أمة أو يهودية أو نصرانية لاعنها في الولد إذا ظهر بها حمل ولا يلاعنها الرؤية لأنه لا يحد لها في القذف

قال والمحدود في القذف يلاعن امرأته وقال الشافعي كل زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض يلاعن إذا كانت ممن يلزمها الفرض وأجمعوا أنه لا حد على من قذف محدودا أو محدودة في زنا إذا رماها بذلك الزنى ولكنه يعزر لأنه أذى المسلمة قال أبو عمر حجة من لم ير اللعان إلا بين الزوجين الحرين المسلمين البالغين قياسا على إجماعهم أنه ليس على من قذف ذمية أو مملوكة حد وجعلوا قوله والذين يرمون أزوجهم النور مثل قوله والذين والذين يرمون المحصنت النور ذمية ولا أمة قالوا وكذلك الزوجان وحجة من قال اللعان بين كل زوجين ما احتج به مالك من عموم الآية في قوله والذين يرمون أزواجهم النور لم يخص حرة من أمة ولا مسلمة من ذمية فواجب إلا يخص نفسه إلا بزوج بإجماع أو سنة ثابتة وذلك معدوم فوجب حمل الآية على العموم كما حمل قوله عز وجل و إذا طلقتم النساء البقرة و و للذين يؤلون من نسائهم البقرة على العموم ولا معنى لقولهم إن المحدود في القذف لا يلاعن لأنه لا تجوز شهادته والله قد قال فشهادة أحدهم النور وقد أجابهم الشافعي بأن قال هذا جهل بلسان العرب لأن الشهادة ها هنا يمين واليمين تكون ممن تجوز شهادته وممن لا يجوز وكيف تكون شهادة من يشهد لنفسه مرة ويدرأ الحد أخرى في الحر وقد أجمعوا في اللعان بين الفاسقين فسقط ما ذكروه من الشهادة فالحر والعبد والأمة أولى بذلك في الفاسقين والكلام في هذا طويل قال مالك في الرجل يلاعن امرأته فينزع ويكذب نفسه بعد يمين أو يمينين ما لم يلتعن في الخامسة إنه إذا نزع قبل أن يلتعن جلد الحد ولم يفرق بينهما قال أبو عمر قد تقدم أن الحد على ما وصفه مالك وهو أمر لا اختلاف فيه وظاهر هذه المسألة في الموطأ يدل على أنه إذا التعن الخامسة فرق بينهما ولم تحل له

وهذا هو الذي ذهب إليه الشافعي وليس ذلك بمذهب لمالك عند أحد من أصحابه بل مذهبه عند جماعتهم أن الفرقة بينهما لا تجب إلا بتمام التعانهما وفي العتبية لأصبغ عن بن القاسم ما يشبه مسألة الموطأ هذه في الرجل يتزوج المرأة في عدتها من غيره وينفي الولد أنه يلتعن ولا تلتعن المرأة لأن ولدها راجع إلى فراش الثاني إذا أتت به لستة أشهر فصاعدا من يوم نكحها فإن فارقها الثاني لم تحل للأول الملتعن أن يتزوجها وهذا نحو ما وصفنا وقال سحنون تقدم وتحل له وقد تقدم ما للعلماء في هذا المعنى فلا وجه لإعادته هنا قال مالك في الرجل يطلق امرأته فإذا مضت الثلاثة الأشهر قالت المرأة أنا حامل قال إن أنكر زوجها حملها لاعنها قال أبو عمر قول من قال يلاعن عدد الحمل ومن أبى من ذلك لم يلاعن حتى تضع وقد مضى ذلك كله وما فيه للعلماء قال مالك في الأمة المملوكة يلاعنها زوجها ثم يشتريها إنه لا يطؤها وإن ملكها وذلك أن السنة مضت أن المتلاعنين لا يتراجعان أبدا قال أبو عمر قد مضى القول في تحريم فراق المتلاعنين أنه تحريم أبدي لا تحل له بحال و قد مضى الاختلاف في ذلك ووجوهه وأصلها أن المبتوتة لما لم تحل له بملك يمينه حتى تنكح زوجا غيره وكذلك الملاعنة لا تحل له بوجه من الوجوه لأنه لم يرد فيها حتى تنكح زوجا غيره كما ورد في المطلقة المبتوتة قال مالك إذا لاعن الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس لها إلا نصف الصداق قال أبو عمر على هذا جماعة فقهاء الأمصار لأنه فراق جاء من قبله قياسا على الطلاق قبل الدخول وقال أبو الزناد والحكم وحماد لا لها الصداق كاملا لأن اللعان ليس بطلاق

وقال الزهري لا صداق لها كأنه جاء الفراق من قبلها والصواب القول الأول وعليه الجمهور وبالله التوفيق قال أبو عمر اللعان معناه قذف الرجل امرأته ولا يوجب القذف تحريمها عليه وهذا قول أهل الحجاز وأهل الكوفة ولا أعلم مخالفا لهم إلا طائفة من أهل البصرة تقول إن زوجته تحرم عليه بالقذف الموجب للحد أو اللعان وهذا عند أكثر أهل العلم قول مهجور وقد تعلق به أبو عبيد القاسم بن سلام واستحسنه وهو ضعف من القول ولهذه المسألة تفسير يطول ذكره يأتي في موضعه إن شاء الله عز وجل باب ميراث ولد الملاعنة ذكر مالك هذا الباب في آخر كتاب الفرائض وذكره هنا وقد مضى القول فيه هناك فلا معنى لإعادته ها هنا باب طلاق البكر قال أبو عمر يريد بالبكر هنا التي لم يدخل بها زوجها ثيبا كانت أو بكرا مالك عن بن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن البكير أنه قال طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي فذهبت معه أسأل له فسأل عبد الله بن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك قال فإنما طلاقي إياها واحدة قال بن عباس إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل

في هذا الحديث لزوم طلاق الثلاث المجتمعات وفيه ان غير المدخول بها كالمدخول بها في ذلك وعلى ذلك جمهور الفقهاء وجمهور العلماء في التسوية بين البكر وغير البكر والمدخول بها وغير المدخول بها أن الثلاث تحرمها على مطلقها حتى تنكح زوجا غيره وقد روي عن عطاء وطاوس وجابر بن زيد أنهم جعلوا الثلاث في التي لم يدخل بها واحدة وروي ذلك عن طاوس عن بن عباس في حديث أبي الصهباء حدثني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني أبو بكر محمد بن عثمان بن ثابت قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال أخبرنا علي بن المديني قال حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء وعن أبي الشعثاء إذا طلقها ثلاثا قبل أن يدخل بها فهي واحدة قال علي قلت لسفيان إن إبراهيم بن نافع قال عن عمرو عن طاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير هي واحدة قال سفيان حفظته عن عمرو وجابر بن زيد وعطاء قال وإن كان إبراهيم قال عنهم فهو كان حافظا أيضا وقالت بذلك فرقة شذت عن الجمهور الذين اجتماعهم حجة على من خالفهم منهم داود وأهل الظاهر وقالوا لن يصح عن بن عباس إلا ما رواه عنه كتاب أصحابه طاوس وجابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير على حسب حديث أبي الصهباء عنهم قال أبو عمر وممن روينا عنه أن الثلاث تحرم التي لم يدخل بها زوجها حتى تنكح زوجا غيره كالمدخول بها سواء علي بن أبي طالب وبن مسعود وبن عباس وبن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاصي وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وعبد الله بن مغفل وأبو هريرة وعائشة وأنس وهو قول جماعة التابعين عمن ذكرنا وبه قال جماعة الأمصار بن أبي ليلى وبن شبرمة وسفيان الثوري والحسن بن حي ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد الطبري

وقد مضى هذا المعنى مجودا في أول باب الطلاق وذكرنا ما عليه أهل السنة والجماعة في طلاق الثلاث المجتمعات في المدخول بها وذكرنا أن الاختلاف في ذلك في غير المدخول بها من الشذوذ الذي لا يعرج عليه لأن حديث طاوس عن بن عباس في قصة أبي الصهباء لم يتابع عليه طاوس وأن سائر أصحاب بن عباس يروون عنه خلاف ذلك على ما قد بيناه فيما مضى وما كان بن عباس ليروي عن النبي عليه السلام شيئا ثم يخالفه إلى رأي نفسه بل المعروف عنه أنه كان يقول أنا أقول لكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تقولون أبو بكر وعمر قاله في فسخ الحج وغيره ومن هنا قال جمهور العلماء أن حديث طاوس في قصة أبي الصهباء لا يصح معناه وقد أوضحنا ذلك بمبلغ وسعنا في أول كتاب الطلاق وبالله توفيقنا ومن الأسانيد في حديث طاوس عن بن عباس ما حدثني أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا أبو داود قال حدثني أبو عاصم عن بن جريج عن بن طاوس عن أبيه ان أبا الصهباء جاء إلى بن عباس فقال يا بن عباس ألم تعلم أن الثلاث كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر ترد إلى الواحدة فقال نعم وأما قول محمد بن إياس بن بكير في الحديث المذكور فإنما طلاقي إياها واحدة فيحتمل وجهين أحدهما أنه أراد لم أرد إلا واحدة فأجابه بن عباس أنه قد لزمه ما أقر به على نفسه وقال أرسلت من يترك ما كان له من فضل والآخر أن قوله إنما طلاقي إياها واحدة أي أن الثلاث في غير المدخول بها واحدة عند غيرك فلم يلتفت بن عباس إليه وأخبره أن ذلك يلزمه وذكر مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن بكير بن

الأشج عن النعمان بن أبي عياش إلا أن يحيى وقع في كتابه النعمان بن أبي عياش وهو وهم عن عطاء بن يسار أنه قال طلاق البكر واحدة فقال له عبد الله بن عمرو بن العاص إنما أنت قاص الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره لم يختلف رواه الموطأ عن مالك في هذا الحديث عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن النعمان بن أبي عياش عن عطاء بن يسار وأنكر مسلم بن الحجاج إدخال مالك فيه بين بكير وعطاء بن يسار النعمان بن أبي عياش وقال لم يتبع مالكا أحد من أصحاب يحيى بن سعيد على ذلك والنعمان أقدم من عطاء أدرك عمر وعثمان وفيه مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن معاوية بن أبي عياش عن أبي هريرة وبن عباس أن محمد بن إياس بن بكير سألهما عن رجل من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها فقالا الواحدة تبينها والثلاثة تحرمها حتى تنكح زوجا غيره مختصرا أيضا قال أبو عمر معاوية بن أبي عياش والنعمان بن أبي عياش أخوان والنعمان أسن من معاوية وأبوهما أبو عياش الزرقي له صحبة

والقول في هذين الحديثين كالقول في حديث بن شهاب المذكور في أول هذا الباب وقد مضى القول في ذلك في أول كتاب الطلاق وفي هذا الباب قال مالك والثيب إذا ملكها الرجل فلم يدخل بها إنها تجري مجرى البكر الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره قال أبو عمر يريد بقوله ملكها أي ملك عصمتها بالنكاح وهذا إجماع من العلماء أن البكر والثيب إذا لم يدخل بهما فحكمهما إذا طلقها قبل الدخول سواء لأن العلة الدخول بها وبكل واحدة منهما ومن شذ فجعل طلاق التي لم يدخل بها ثلاثا واحدة على رواية طاوس في حديث أبي الصهباء وما كان مثله والبكر أيضا عنده والثيب سواء ولولا كراهة التطويل لأعدنا القول ها هنا بما للعلماء في ذلك ولكن التنبيه على أن ذلك قد أوضحناه في أول كتاب الطلاق يغني عن ذلك والحمد لله وبالله التوفيق باب طلاق المريض مالك عن بن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال وكان أعلمهم بذلك وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته البتة وهو مريض فورثها عثمان بن عفان منه بعد انقضاء عدتها مالك عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج أن عثمان بن عفان ورث نساء بن مكمل منه وكان طلقهن وهو مريض قال أبو عمر لم يذكر مالك في قصة بن مكمل صفة الطلاق هل كان البتة أو ثلاثا وهل مات عبد الرحمن في العدة أو بعدها وقد رويت قصة بن مكمل بأبين من رواية مالك ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا جرير قال أخبرني عمرو بن دينار أن عبد الرحمن بن هرمز أخبره أن عبد الرحمن بن مكمل كان عنده ثلاث نسوة إحداهن ابنة

قارظ فطلق اثنتين منهن ثم مكث بعد طلاقه سنتين وأنهما ورثتاه في عهد عثمان قال بن جريج وأخبرني بن شهاب أن امرأة بن مكمل ورثها عثمان بعد ما انقضت عدتها مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول بلغني أن امرأة عبد الرحمن بن عوف سألته أن يطلقها فقال إذا حضت ثم طهرت فآذنيني فلم تحض حتى مرض عبد الرحمن بن عوف فلما طهرت آذنته فطلقها البتة أو تطليقة لم يكن بقي له عليها من الطلاق غيرها وعبد الرحمن بن عوف يومئذ مريض فورثها عثمان بن عفان منه بعد انقضاء عدتها قال أبو عمر روي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب في المطلق ثلاثا وهو مريض أنها ترثه إن مات من مرضه ذلك وروي عن عائشة مثل ذلك ولا أعلم لهم مخالفا من الصحابة إلا عبد الله بن الزبير فإنه قال لا أرى أن ترث المبتوتة بحال من الأحوال وجمهور علماء المسلمين على ما روي عن الصحابة في ذلك إلا طائفة من أهل الفقه والنظر فإنهم قالوا بقول بن الزبير على ظاهر القرآن في توريث الزوجات وليس المبتوتة بزوجة عند جماعة المسلمين ولا يرثها عند أحد منهم إن ماتت قالوا وكذلك لا ترثهم ولو كانت زوجة لورثها كما ترثه وهو أحد قولي الشافعي وبه قال أبو ثور وداود وأما قول بن الزبير فذكره أبو بكر قال حدثني يحيى بن سعيد عن بن جريج وذكره عبد الرزاق عن بن جريج عن بن أبي مليكة قال سألت بن الزبير عن رجل طلق امرأته وهو مريض ثم مات فقال قد ورث عثمان ابنة الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف وكانت قد بت طلاقها ومات في عدتها فورثها عثمان قال بن الزبير وأما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة قال أبو عمر اختلف عن عثمان هل ورثها في العدة أو بعدها

فرواية بن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف أصح الروايات عنه في أنه ورثها بعد العدة وهي رواية بن شهاب أيضا عن أبي سلمة وكذلك رواه الثوري عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة أن عثمان ورثها بعد انقضاء العدة ومعمر عن الزهري عن بن المسيب أن عثمان ورث امرأة عبد الرحمن بعد انقضاء العدة وكان طلاقها ثلاثا وأما اختلاف أئمة الفتوى في الأمصار في هذا الباب فقال مالك من طلق في مرضه فمات ورثته امرأته في العدة وبعد العدة تزوجت أم لم تتزوج قال ولو تزوجت عشرة أزواج كلهم طلق في المرض ورثتهم كلهم قال مالك ومن طلق امرأته وهو مريض قبل الدخول كان لها الميراث ونصف المهر ولا عدة عليها قال مالك ولو صح من مرضه صحة معروفة ثم مات بعد ذلك لم ترثه وهو قول الليث في كل ما ذكرناه عن مالك وذكر الليث أن بن شبرمة سأل ربيعة عن المريض يطلق امرأته فقال ترثه ولو تزوجت عشرة أزواج فأنكر ذلك بن شبرمة قال الليث القول قول ربيعة وقال أبو حنيفة وأصحابه إلا زفر إذا طلق امرأته في مرضه ثلاثا ثم مات من مرضه فهي في العدة فإنها ترثه وإن مات بعد انقضاء العدة لم ترثه وإن صح من مرضه ثم مات من مرض غيره لم ترثه ولو مات في العدة إلا عند زفر خاصة فإنه قال ترثه ما كانت في العدة وقال الثوري والأوزاعي والحسن بن حي مثل قول زفر وقال بن أبي ليلى لها الميراث ما لم تتزوج وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد وقال الشافعي لا ترث المبتوتة وإن مات وهي في العدة وقال الشافعي في موضع آخر هذا قول يصح لمن قال به

واختاره المزني وخرج أصحاب الشافعي مذهبه في هذه المسألة على قولين أحدهما أنها ترث والثاني أنها لا ترث أحدهما اتباع السلف والجمهور والثاني على ما توجبه الأصول والقياس وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني جرير بن عبد الحميد عن مغيرة عن إبراهيم عن شريح قال أتاني عروة البارقي بكتاب عمر في الرجل يطلق امرأته ثلاثا في مرضه أنها ترثه ما دامت في العدة ولا يرثها قال أبو عمر العلماء الذين يورثون المبتوتة في هذه المسألة على ثلاثة أقوال أحدها أنها ترثه ما دامت في العدة فإذا انقضت عدتها لم ترثه والآخر أنها ترثه بعد انقضاء العدة ما لم تنكح فإن نكحت فلا ترثه والثالث أنها فرقة لا ترثه بعد انقضاء العدة تزوجت أم لم تتزوج فمن القائلين أنها ترثه ما دامت في العدة عمر بن الخطاب وعائشة وعثمان على اختلاف عنه وبه قال شريح القاضي وإبراهيم النخعي وطاوس وعروة بن الزبير وبن سيرين والشعبي والحارث العكلي وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وبن أبي ذؤيب وهو قول بن شبرمة ومن القائلين أنها ترث بعد العدة ما لم تنكح غيره عثمان على اختلاف عنه وعطاء بن أبي رباح والحسن وبن أبي ليلى وأحمد وإسحاق وعبيد الله بن الحسن وأيوب وأبو عبيد ومن القائلين بأنها ترثه بعد انقضاء العدة وإن نكحت زوجا غيره وأزواجا ربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك والليث قال أبو عمر من قال أنها لا ترثه إلا في العدة استحال عنده أن ترثه وهي مبتوتة في موضع أن ترثه فيه الرجعية لأنه لا خلاف بين المسلمين أن من طلق امرأته صحيحا طلقة يملك فيها رجعتها ثم انقضت عدتها قبل موته أنها لا ترثه لأنها أجنبية ليست منه ولا هو منها ولا تكون المبتوتة المختلف في ميراثها في العدة بالميراث بأقوى من المجتمع على ميراثها في العدة

ومن قال أنها ترثه بعد العدة ما لم تنكح اعتبر إجماع المسلمين أن امرأة لا ترث زوجين معا في حال واحدة فاستحال عنده أن ترثه وهي امرأة لغيره لأنه لا خلاف الأصول المجتمع عليها ومن قال أنها ترثه وإن نكحت أزواجا قال لما لم يكن طلاقا لها يمنعه ميراثه في العدة ولا بعدها على الثابت عنده عن عثمان وغيره أنه ورثها قبل العدة وكان طلاقه لها في نفي الميراث كالطلاق عقوبة لإخراجه لها من ميراثه بأن بت طلاقها في مرضه فكذلك لا يمنعها من ذلك تزويجها واختلفوا في المريض يطلق امرأته بإذنها أو يملكها أمرها فتختار فراقه فقال مالك رحمه الله إن اختلعت منه في مرضه أو جعل أمرها بيده فطلقها أو سألته الطلاق فطلقها فإنها ترثه في ذلك كله كما لو طلقها ابتداء دون أن تسأله ذلك وقال الأوزاعي إن طلقها بإذنها ورثته وإن ملكها أمرها فطلقت نفسها لم ترثه وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا سألته الطلاق فطلقها أو خالعها أو قال لها إن شئت فأنت طالق ثلاثا فسألته وهو مريض ثم مات وهي في العدة لم ترثه وقال الشافعي إن قال لها أنت طالق ثلاثا إن شئت فشاءت في مرضه لم ترثه عندي في قياس جميع الأقاويل واختلفوا في الرجل يقول لامرأته إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق فيجيء الوقت وهو مريض فقال الكوفيون والشافعي لا ترثه وروى الحسن بن زياد عن زفر أنها ترثه وقال مالك إذا قال وهو صحيح إذا قدم فلان فأنت طالق ثلاثا فقدم والزوج مريض فمات ورثته وقال كل طلاق يقع والزوج مريض فمات ورثته وأما قول مالك في هذا الباب عن بن شهاب في الذي يطلق امرأته ثلاثا وهو مريض أنها ترثه فقد مضى القول بأن السلف على هذا إلا بن الزبير

وأما قول مالك فيه فإن طلقها وهو مريض قبل أن يدخل بها فلها نصف الصداق ولها الميراث ولا عدة عليها فهذا إجماع من العلماء في أنها لا عدة عليها ولها نصف الصداق وأما الميراث فقد مضى القول فيه وأما قوله فإن دخل بها ثم طلقها فلها المهر كله والميراث وإن البكر والثيب في ذلك سواء فقد مضى في هذا الباب وما للعلماء في ذلك واختلفوا في ذلك في عدتها فقال مالك والشافعي عدتها عدة الطلاق دون الوفاة وهو قول الثوري وأبي يوسف وقال أبو حنيفة ومحمد إذا مات في العدة والطلاق بات فعدتها أبعد الأجلين وقد روي مثل ذلك عن الثوري وقال الأوزاعي والحسن بن حي تعتد عدة المتوفى عنها زوجها وتلغي ما كانت اعتدت قبل ذلك وهو قول إبراهيم والشعبي والحسن وبن سيرين وشريح وعكرمة وقال شريح كتب إلي عمر أن عليها عدة المتوفى عنها زوجها تستأنفها وقال عكرمة لو لم يبق من عدتها إلا يوم واحد ثم مات ورثته واستأنفت عدة المتوفى عنها مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان قال كانت عند جدي حبان امرأتان هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك عنها ولم تحض فقالت أنا أرثه لم أحض فاختصمتا إلى عثمان بن عفان فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال هذا عمل بن عمك هو أشار علينا بهذا يعني علي بن أبي طالب قال أبو عمر حديث مالك هذا عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان ذكره مالك في هذا الباب ولا مدخل له فيه

كذلك رواه يحيى والقعنبي وبن بكير وغيرهم وأما موضعه ففي باب جامع عدة الطلاق وسنذكر فيه معناه إن شاء الله تعالى قال أبو عمر ولا أعلم خلافا في حكم هذه المرأة ومن كان على مثل حالها ممن ارتفعت حيضتها في هذا المقام من أجل الرضاع لا من أجل ريبة ارتابتها أن عدتها الأقراء وإن تباعدت إن كانت من ذوات الأقراء وهو قضاء علي وعثمان في جماعة الصحابة من غير نكير وعليه جماعة العلماء وهو معنى كتاب الله تعالى في المطلقات ذوات الأقراء وأن عدة كل واحدة منهن ثلاثة قروء إذا كانت حرة أو قرءا إن كانت أمة وأما التي ترتاب بحيضتها فتخشى أن يكون بها حمل أو تخشى أن تنقطع حيضتها لمفارقة سنها لذلك فتكون من ذوات الشهور فقد روي فيها عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما ذكره مالك في موطئه وسيأتي ما للعلماء في ذلك إن شاء الله عز وجل قال مالك في التي ترفع الرضاع حيضتها أنها لا تحل حتى تحيض ثلاث حيض وليست كالمرتابة ولا المستحاضة قال والمرتفعة الحيض من المرض كالمرتابة في العدة قال أبو عمر تأتي مسألة المرتابة في بابها إن شاء الله تعالى باب ما جاء في متعة الطلاق مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأة له فمتع بوليدة قال أبو عمر لم يختلف العلماء أن المتعة التي ذكر الله عز وجل في كتابه بقوله تعالى وللمطلقت متع بالمعروف البقرة وقوله عز وجل ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره البقرة أنها غير مقدرة ولا محدودة ولا معلوم مبلغها ولا معروف قدرها معرفة وجوب لا يتجاوزه بل هي على الموسع بقدره وعلى المقتر أيضا بقدره متاعا بالمعروف كما قال الله عز وجل لا يختلف العلماء في ذلك وإنما اختلفوا في وجوبها وهل تجب على كل

مطلق أو على بعض المطلقين على ما نذكره في هذا الباب إن شاء الله تعالى فأما خبر عبد الرحمن بن عوف من بلاغات مالك فرواه معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير عن سعد بن إبراهيم أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته فمتعها بخادم ومعمر والثوري وبن جريج عن سعد بن إبراهيم قال متع عبد الرحمن بن عوف بجارية سوداء قال بن جريج في حديثه فثمنها ثمانون دينارا وبن عيينة عن عمرو بن دينار عن صالح بن إبراهيم أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته فمتعها بجارية سوداء ومعمر عن أيوب عن بن سيرين قال كان يمتع بالخادم أو النفقة أو الكسوة قال ومتع الحسن بن علي رضي الله عنهما بمال كثير أحسبه قال عشرة آلاف درهم وأبو أسامة عن أبي العميس عن الحسن بن سعد عن أبيه أن الحسن بن علي متع امرأته بعشرة آلاف درهم والثوري عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن الحسن بن سعد عن أبيه قال متع الحسن بن علي امرأتين بعشرين ألفا وزقين من عسل فقالت إحداهما أراها الجعفية متاع قليل من حبيب مفارق وإسرائيل عن أبي إسحاق قال متع الحسن بن علي بعشرة آلاف درهم فلما أتيت المرأة بها وضعته بين يديها فقالت متاع قليل من حبيب مفارق ومتع شريح بخمسمائة درهم ومتع الأسود بن يزيد بثلاثمائة درهم ومتع عروة بن الزبير بخادم فقال قتادة المتعة جلباب ودرع وخمار وقال الزهري بلغني أن المطلق كان يمتع بالخادم والحلة والنفقة وروى بن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر قال أدنى ما أرى أنه يجزئ من متعة النساء ثلاثون درهما وأبو مجلز عن بن عمر نحوه ومتع بن عمر بوليدة

ذكره أبو بكر عن أبي نعيم عن العمري عن نافع عن بن عمر وقال مالك في آخر هذا الباب ليس للمتعة عندنا حد معروف في قليلها ولا كثيرها قال أبو عمر هذا قول جماعة أهل العلم مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق وقد فرض لها صداق ولم تمس فحسبها نصف ما فرض لها مالك عن بن شهاب أنه قال لكل مطلقة متعة قال مالك وبلغني عن القاسم بن محمد مثل ذلك قال أبو عمر اختلف العلماء فيمن تجب لها المتعة من المطلقات فروي عن بن عمر من وجوه ما ذكره مالك عن نافع عنه وبه قال قتادة وإبراهيم وشريح القاضي ومجاهد وعطاء ونافع كل هؤلاء يقول لا متعة للتي طلقت قبل الدخول وقد كان فرض لها صداق ويقولون حسبها نصف الصداق وعلى هذا جمهور العلماء في التي طلقت قبل الدخول بها وقد كان فرض لها وقال آخرون لكل مطلقة متعة دخل بها أو لم يدخل بها فرض لها أو لم يفرض لها منهم الحسن البصري وأبو العالية وأبو قلابة وسعيد بن المسيب وبن شهاب الزهري إلا أن الزهري يقول إذا لم يفرض لها وطلقت قبل الدخول فالمتعة واجبة وإن فرض لها وطلقت قبل الدخول فالمتعة حينئذ يندب إليها وهو قول الكوفيين ذكره عبد الرزاق عن معمر وبن جريج عن بن شهاب وأما اختلافهم في وجوب المتعة فكان شريح يجبر عليها في أكثر الروايات عنه روى وكيع عن سفيان عن الزبير بن عدي عن زيد بن الحارث عن شريح أن رجلا طلق ولم يفرض ولم يدخل فأجبره شريح على المتعة

وقد روى معمر عن أيوب عن بن سيرين عن شريح أنه سمعه يقول لرجل طلق متع فلم أدر ما رد عليه فسمعت شريحا يقول متع إن كنت من المحسنين لا تأب أن تكون من المتقين قال أبو عمر يحتمل أن يكون هذا معناه في التي فرض لها وطلقت قبل الدخول كقول بن شهاب وغيره فلا يعد شيء من ذلك عنه خلافا وقال عبد الله بن مغفل إنما يجبر على المتعة من طلق ولم يفرض ولم يدخل وكذلك قال إبراهيم والشعبي والكوفيون وأما اختلاف الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار في وجوب المتعة فقال مالك لا يجبر أحد على المتعة سمى لها أو لم يسم دخل بها أو لم يدخل وإنما هي مما ينبغي أن يفعله وليس يجبر عليها قال وليس للملاعنة متعة على حال من الأحوال وقال أبو الزناد وبن أبي ليلى المتعة ليست بواجبة على أحد إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل لا يجبر أحد عليها ولم يفرقوا بين المدخول بها وغير المدخول بها وبين من سمى لها وبين من لم يسم لها قال أبو عمر من حجة مالك أن المتعة لو كانت فرضا واجبا يقضي به لكانت مقدرة معلومة كسائر الفرائض في الأموال فلما لم تكن كذلك خرجت من حد الفروض إلى حد الندب والإرشاد والاختيار وصارت كالصلة والهدية هذا أحسن ما احتج به أصحابه له وقال الشافعي المتعة واجبة لكل مطلقة ولكل زوجة إذا كان الفراق من قبله أو لم يتم إلا به إلا التي سمى لها وطلقها قبل الدخول قال أبو عمر لأنها قد جعل لها نصف الصداق ولم يستمتع منها بشيء قال ولا مرأة العنين متعة وقال به سائر أصحاب الشافعي في امرأة العنين لأن ما نزل به من داء العنة كان سبب الفرقة إلا المزني فإنه قال لا متعة لها لأن الفراق من قبلها قال أبو عمر حجة الشافعي عموم قول الله عز وجل وللمطلقت متع بالمعروف البقرة فلم يخص

ومثله قوله عز وجل إذا نكحتم المؤمنت ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن الأحزاب وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكل مطلقة متعة وعن جماعة من التابعين قد ذكرناهم وقول الشافعي في هذه المسألة هو قول بن عمر نصا ويحتمله قول علي وغيره وحجتهم للشافعي أيضا في إيجاب المتعة أن الله تعالى أمر بها الأزواج وقال تعالى وللمطلقت متع بالمعروف حقا على المتقين البقرة وفي آية أخرى حقا على المحسنين البقرة ومعلوم أن الله إذا أوجب على المتقين والمحسنين وجب على الفجار والمسيئين ليس في ترك تحديدها ما يسقط وجوبها كنفقات البنين والزوجات قال الله عز وجل وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف البقرة ولم يجد شيئا مقدرا فيما أوجب من ذلك بل قال عز وجل لينفق ذو سعة من سعته الطلاق الآية كما قال في المتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره البقرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة إذ شكت إليه أن زوجها أبا سفيان لا يعطيها نفقة لها ولا لبنيها خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف فلم يقدر وقال أبو حنيفة وأصحابه المتعة واجبة للتي طلقت قبل الدخول ولم يسم لها هذه وحدها المتعة واجبة لها وقال أبو حنيفة وإن دخل بها ثم طلقها فإنه يمتعها ولا يجبر على المتعة ها هنا وهو قول الثوري والحسن بن حي والأوزاعي وأبي ثور إلا أن الأوزاعي قال إن كان أحد الزوجين مملوكا لم تجب المتعة وإن طلقها قبل الدخول ولم يسم له مهرا

وقد روي عن الشافعي مثل قول أبي حنيفة في ذلك وتحصيل مذهب أبي حنيفة وأصحابه أن لا متعة واجبة إلا للمطلقة التي لم يسم لها وطلقت قبل الدخول بها ولا يجتمع عندهم وجوب متعة ووجوب شيء من المهر وأدنى المتعة عندهم درع وخمار وإزار وهي لكل حرة وذمية ومملوكة إذا وقع الطلاق من جهته والله الموفق للصواب باب ما جاء في طلاق العبد مالك عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن نفيعا مكاتبا كان لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو عبدا لها كانت تحته امرأة حرة فطلقها اثنتين ثم أراد أن يراجعها فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان فيسأله عن ذلك فلقيه عند الدرج آخذا بيد زيد بن ثابت فسألهما فابتدراه جميعا فقالا حرمت عليك حرمت عليك مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن نفيعا مكاتبا كان لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم طلق امرأة حرة تطليقتين فاستفتى عثمان بن عفان فقال حرمت عليك مالك عن عبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي إن نفيعا مكاتبا كان لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم استفتى زيد بن ثابت فقال إني طلقت امرأة حرة تطليقتين فقال زيد بن ثابت حرمت عليك قال أبو عمر في هذا الخبر أن المكاتب عبد في أحكامه كلها وأن عثمان وزيدا كانا يريانه كذلك وسيأتي اختلاف الصحابة وغيرهم في المكاتب في موضعه إن شاء الله تعالى وفيه أن الحرام ثلاث عندهم لأنه إذا كان الثلاث عندهم في الحر واثنتان في العبد تحرم امرأته عليه فكذلك قول الرجل لامرأته أنت علي حرام ألا ترى إلى قول عثمان وزيد حرمت عليك فلهذا قال مالك والله أعلم

إن الحرام ثلاث مع اتباعه في ذلك علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أيضا وأما تحريم المرأة الحرة على زوجها المطلق لها إذا كان عبدا تطليقتين فإن هذا مذهب من يقول إن الطلاق بالرجال ويراعى الحرية في ذلك والعبودية فيجعل طلاق العبد على نصف طلاق الحر قياسا على حده فلما لم ينتصف الطلاق كان طلاقه تطليقتين كما أن عدة الأمة حيضتان إذ لا يتنصف الحيض وأما من قال الطلاق بالنساء فإنه يقول لا تحرم الحرة على زوجة العبد حتى يطلقها ثلاثا وإن الأمة تحرم على زوجها الحر والعبد إذا طلقها طلقتين وأما أقاويلهم في هذا الباب فذهب مالك والليث والشافعي إلى أن الطلاق بالرجال وهو قول عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وبن عباس وبه قال قبيصة بن ذؤيب وعكرمة وسليمان بن يسار والشعبي ومكحول وسعيد بن المسيب كل هؤلاء يقول الطلاق بالرجال والعدة بالنساء وهذا أصح عن بن عباس من رواية من روى عنه الطلاق والعدة بالنساء وروى وكيع عن هشام عن قتادة عن عكرمة عن بن عباس قال الطلاق بالرجال والعدة بالنساء وقال الكوفيون وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي الطلاق والعدة بالنساء وهو قول علي بن أبي طالب وبن مسعود وعبد الله بن عباس في رواية وبه قال إبراهيم والحسن وبن سيرين ومجاهد وطائفة كلهم يقول الطلاق والعدة بالنساء ولم تختلف هاتان الطائفتان أن العدة بالنساء وإنما حصل اختلافهم في الطلاق هل هو بالرجال أو بالنساء وفيها قول ثالث أنها رق نقص طلاقه قاله عثمان البتي وغيره وروي ذلك عن بن عباس فعلى هذا طلاق العبد للحرة والأمة تطليقتان وتبين الأمة من الحر والعبد بتطليقتين

وقد روي عن بن عمر خلاف ذلك ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني علي بن مسهر عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر قال إذا كانت الحرة تحت العبد بانت بطلقتين بتطليقتين وعدتها ثلاث حيض وإذا كانت الأمة تحت الحر بانت منه بثلاث وعدتها حيضتان فهذا نص عن بن عمر في أن الطلاق بالرجال والعدة بالنساء وبه قال أحمد بن حنبل أيضا قال أحمد إذا طلق العبد امرأته تطليقتين حرمت عليه ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره سواء كانت حرة أو أمة لأن الطلاق بالرجال والعدة بالنساء وقول إسحاق في ذلك كقول أحمد مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول إذا طلق العبد امرأته تطليقتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة وعدة الحرة ثلاث حيض وعدة الأمة حيضتان وهذا مثل الذي قدمنا عن بن عمر من رواية عبيد الله عن نافع عنه أن الطلاق بالرجال والعدة بالنساء ومن روى عن بن عمر غير ذلك فلا يصح والله أعلم مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول من أذن لعبده أن ينكح فالطلاق بيد العبد ليس بيد غيره من طلاقه شيء فأما أن يأخذ الرجل أمة غلامه أو أمة وليدته فلا جناح عليه قال أبو عمر أما قول بن عمر فالطلاق بيد العبد فعلى هذا جمهور العلماء ولم يختلف في ذلك أئمة الأمصار كلهم يقول الطلاق بيد العبد لا بيد السيد وكلهم لا يجيز النكاح للعبد إلا بإذن سيده وشذت طائفة فقالت الطلاق بيد السيد وأعلى من روى ذلك عنه عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله

ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء أن بن عباس كان يقول طلاق العبد بيد سيده إن طلق جاز وإن فرق فهي واحدة وعن بن جريج عن عمرو بن دينار عن بن عباس أيضا معناه وعن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير سمع جابر بن عبد الله يقول في الأمة والعبد سيدهما يجمع بينهما ويفرق وبن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء انه قال لا طلاق لعبد إلا بإذن سيده فهؤلاء قالوا بأن الطلاق بيد السيد وأما القائلون بأن الطلاق بيد العبد فهو الجمهور على ما ذكرت لك منهم عمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر رضوان الله عليهم ومن التابعين سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وبن سيرين ومكحول وبن شهاب الزهري والضحاك بن مزاحم وعليه جماعة فقهاء الحجاز والعراق أئمة الأمصار وكان عروة بن الزبير يذهب في هذا الباب مذهبا خلاف بن عباس في بعض هذا المعنى وخلاف هذا الجمهور في بعضه أيضا ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني هشام بن عروة قال سألنا عروة عن رجل أنكح عبده امرأة هل يصلح له أن ينتزعها منه بغير طيب نفسه فقال لا ولكن إذا ابتاعه وقد أنكحه غيره فهو أملك بذلك إن شاء فرقهما وإن شاء تركهما قال أبو عمر جعل عروة الفراق إلى السيد المبتاع ومنع منه البائع والمعنى في ذلك أن السيد المبتاع لما لم يكن هو الذي أذن في النكاح للعبد كان عنده كسيده نكح عبده بغير إذنه فله الخيار في أن يجيز النكاح أو يفرق بينهما وهذا عند لأن المبتاع إنما يملك من العبد ما كان البائع يملك منه ويتصرف فيما كان البائع يتصرف فيه من ذلك العبد فلما لم يكن للبائع أن يفرق بينهما بإذنه في النكاح كان كذلك المبتاع إذا دخل على ذلك وإنما هو عيب من العيوب إذا رضي به المبتاع عند عقد البيع أو بعده لزمه وإن لم يعلم به ثم علم كان له الرد أو الرضا بالعيب

وأما قول بن عمر وأما أن يأخذ الرجل أمه غلامه أو أمه وليدته فلا جناح عليه فالمعنى في ذلك عند مالك أن السيد له أن يأخذ ما بيد عبده من جميع ماله ما لم يأذن له في تجارة مداينة الناس على ما بيده من ذلك المال والعبد عنده يملك كلما ملكه سيده أو غيره ولسيده أن ينتزع منه ماله كله أو ما شاء منه وملكه عبده ليس كملكك الحر الذي لا يحل لأحد منه شيء إلا عن طيب نفسه وإنما مال العبد مال مستقر بيده ما لم ينتزعه منه سيده وله أن يتسرى فيه عند مالك وأصحابه ومن قال بقولهم لأنه لا خلاف عن بن عمر أنه كان يأذن لعبيده أن يتسروا فيما بأيديهم من المال وهو قول أكثر أهل السلف وكان مالك لا يرى الزكاة على العبد مما بيده من المال ولا على السيد في ذلك المال قياسا على أن المكاتب الذي أجمعوا على أنه لا زكاة عليه ولا على سيده فيما بيده من المال وكان أبو ثور وداود يقولان العبد يملك ملكا صحيحا كملك الحر وعليه الزكاة فيما بيده من المال إذا حال عليه وهو في يده حول كامل وهما مع ذلك يجيزان للسيد انتزاع ذلك المال منه إذا شاء وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما العبد لا يملك شيئا بحال من الأحوال وكل ما بيده من مال فإنما هو لسيده بدليل الإجماع على أن لسيده أن يأخذ منه كل ما له من المال من كسبه وغير كسبه وقالوا لو كان يملك لورث بنيه وقرابته وورثته بنوه وقرابته ولهم في ذلك حجج يطول ذكرها ولمخالفيهم أيضا حجج يحتجون بها ليس كتابنا هذا موضعا لذكرها باب نفقة الأمة إذا طلقت وهي حامل قال مالك ليس على حر ولا عبد طلقا مملوكة ولا على عبد طلق حرة طلاقا بائنا نفقة وإن كانت حاملا إذا لم يكن له عليها رجعة قال أبو عمر على هذا جمهور أهل الفتوى بالأمصار لأن المملوكة لا تستحق النفقة إلا بالمعنى تستحقه به الحرة وهو تسليم سيدها لها لأن الحرة إذا دعي زوجها إلى البناء بها وكانت ممن يمكن وطؤها وجبت النفقة لها

وكذلك إذا دعا الزوج إلى البناء وكانت ممن توطأ لزم إسلامها إليه ووجبت بذلك نفقتها عليه فإذا امتنعت منه لم تجب لها نفقة كالناشز وكذلك المملوكة إذا لم يسلمها زوجها إلى سيدها ويبوءها معه بيتا لم يلزمه لها نفقة لمنعه لها لأن لسيدها أن يستخدمها ولا يسلمها إليه فإن كانت المملوكة لا تجب لها النفقة إلا لما وصفنا فأحرى ألا تجب لها نفقة إذا كانت مطلقة وإنما سقطت نفقة المملوكة الحامل من أجل أن ولدها مملوك لسيدها فلا تلزم أحد نفقة على عبده لغيره وهذا كله قول مالك ومعناه وقد روي عن مالك أن النفقة للأمة على زوجها وإن لم يبوءها معه بيتا إذا لم يحل بينه وبينها وقال الشافعي وعلى العبد نفقة امرأته الحرة المسلمة والكتابية ونفقة الأمة إذا بوئت معه بيتا وإذا احتاج سيدها إلى خدمتها فكذلك له ولا نفقة لها قال ونفقته لها نفقة المعتمر لأنه ليس من عبد إلا وهو يقتر لأن كل ما بيده لسيده قال وليس على العبد أن ينفق على ولده أحرارا كانوا أو مماليك قال وإذا كان الولد من حرة وأبوه مملوك فأمهم أحق بهم وليس على الأب إذا لم تكن فيه الحرية نفقة ولده من زوجة له حرة وقال الكوفيون من طلق زوجته وهي أمه طلاقا بائنا وقد كان بوأها معه بيتا وضمها إليه وقطعها عن خدمته فإن النفقة لها على مطلقها ولا نفقة لها على مطلقها إذا كان مولاها لم يبوءها معها بيتا قال أبو عمر قد أوجب قوم من السلف نفقته نفقة زوجته الحامل ذكر أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن يونس عن الحسن في الحرة تحت العبد والأمة تحت الحر فيطلقان وهما حاملان لهما النفقة قال وحدثني عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الشيباني عن الشعبي في العبد يطلق امرأته وهي حامل قال عليه النفقة حتى تضع

قال وحدثني حفص عن أشعث عن الحكم قال إذا طلق العبد امرأته وهي حرة أنفق عليها حتى تضع فإذا وضعت لم ينفق عليها قال وحدثني عبد الأعلى عن معمر عن الزهري في الحر إذا كانت تحته أمة فطلقها حاملا قال عليه النفقة حتى تضع قال وليس عليه أجر الرضاع وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وقتادة في الحرة يطلقها العبد حاملا قالا النفقة على العبد وليس عليه أجر الرضاع وقال في الحر تحته الأمة كذلك وفي العبد تحته الأمة كذلك قال وسمعت الزهري يقول في الأمة الحبلى المطلقة ينفق عليها حتى تضع حملها وقال بن جريج بلغني أن الحرة إذا طلقها العبد حاملا لا ينفق عليها إلا بإذن سيده والأمة كذلك قال وإذا وضعت فلا ينفق على ولده من أجل أنه لا يرثه قال أبو عمر لما لم تجب نفقة الولد على العبد ولا حق الرضاع كان ذلك دليلا على أن النفقة على الحامل المبتوتة لا تجب لأن النفقة عليها إنما هي من أجل ولدها وأما الرجعية فحكمها حكم الزوجة في النفقة والسكنى بإجماع من العلماء فالعبد فيها كهو في زوجته سواء وبالله التوفيق وقال أحمد في الأمة إذا زوجت لزم زوجها أو سيدها النفقة إن كان مملوكا وإن كانت أمة تأوي بالليل عند الزوج وبالنهار عند المولى اتفق كل واحد منهما مدة مقامها عنده فإن كان لها أم ولد لم تلزم الزوج نفقة ولدها حرا كان أو عبدا ونفقتهم على سيدهم وليس على العبد نفقة ولده حرة كانت أو أمة قال أبو عمر من أوجب النفقة للمبتوتة الحامل على الحر أو العبد أوجبها بظاهر القرآن من قوله تعالى وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن الطلاق ومن أخرج العبد من هذا الخطاب أخرجه بالدليل المخرج في كل ما يجب من الحقوق في الأموال فلما لم تجب عليه زكاة ما بيده من المال ولا أن يتلف منه

شيئا إلا بإذن سيده كان كذلك لا يخرج مما بيده من مال سيده في إنفاقه على زوجته وسنوضح أقوالهم في السنة بإذن العبد في النكاح حيث يجب إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق باب عدة التي تفقد زوجها مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تحل قال مالك وإن تزوجت بعد انقضاء عدتها فدخل بها زوجها أو لم يدخل بها فلا سبيل لزوجها الأول إليها قال مالك وذلك الأمر عندنا وإن أدركها زوجها قبل أن تتزوج فهو أحق بها قال مالك وأدركت الناس ينكرون الذي قال بعض الناس على عمر بن الخطاب أنه قال يخير زوجها الأول إذا جاء في صداقها أو في امرأته قال أبو عمر روي عن عمر وعثمان في المفقود أن زوجته تتربص أربع سنين بعد شكواها إلى السلطان ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تنكح إن شاءت وإلى قول عمر وعثمان ذهب مالك في ذلك والمفقود عنده وعند أصحابه على وجوه سنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى وقال الليث نحو قول مالك في ضرب الأجل لامرأة المفقود وخالفه فيما نذكره عنه إن شاء الله تعالى وروي عن علي مثل قول عمر وعثمان في ذلك إلا أن الأشهر والأكثر عن علي خلافه وذلك أن زوجة المفقود لا تنكح عنده حتى تستيقن موته وعلى قول علي في أن امرأة المفقود لا يضرب لها أجل أربع سنين ولا أقل ولا أكثر وأنها لا تنكح حتى يصح موته وتستحق ميراثه ذهب إلى هذا الشافعي وأبو حنيفة وجماعة من العلماء

وروى خلاس عن علي قال تتربص امرأة المفقود أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا وأحاديث خلاس عن علي منقطعة ضعاف وأكثرها منكرة وأصح ما فيه عن علي ما رواه منصور عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن علي قال في امرأة المفقود هي امرأته يعني أبدا حتى يصح موته ورواه الحكم عن علي من وجوه سنذكرها بعد إن شاء الله عز وجل وأما قول مالك أدركت الناس ينكرون الذي قال بعض الناس على عمر بن الخطاب أنه قال يخير زوجها الأول إذا جاء في صداقها أو في المرأة فهو عن عمر منقول بنقل العدول من رواية أهل الحجاز وأهل العراق ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في المفقود أن امرأته تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا بعد ذلك ثم تزوج فإن جاء زوجها الأول خير بين الصداق وبين امرأته قال الزهري يعزمه الزوج وقال معمر وأما نحن فنقول تعزمه المرأة وهذا أحب القولين إلينا وذكر أبو بكر قال حدثني عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي نضرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال شهدت عمر خير مفقودا تزوجت امرأته بينها وبين المهر الذي ساقه إليها وقال حدثني عبد الأعلى عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قالا إن جاء زوجها خير بين امرأته وبين الصداق الأول وقال حدثني عبد الأعلى عن داود عن العباس بن عبد الرحمن عن حميد بن عبد الرحمن أن عمر خير المفقود وقد تزوجت امرأته فاختار المال فجعله على زوجها الأحدث قال حميد فدخلت على المرأة التي قضى فيها فقالت أعنت زوجي الأحدث بوليدة قال وحدثني بن نمير قال حدثني سعيد عن قتادة عن أبي مليح عن سهيمة بنت عمير الشيبانية قال نعي إلي زوجي من قندايل فتزوجت بعده العباس بن طريف أخا بني قيس فقدم زوجي الأول فانطلقنا إلى عثمان وهو محصور فقال

كيف أقضي بينكم وأنا على هذه الحال قلنا قد رضينا بقضائك فخير الزوج بين الصداق وبين المرأة فلما أصيب عثمان انطلقنا إلى علي وقصصنا عليه القصة فخير الزوج الأول بين الصداق وبين المرأة فاختار الصداق فأخذ مني ألفين ومن الزوج الآخر ألفين قال أبو عمر هذا لا يروى عن علي إلا من هذا الوجه والمعروف عنه خلافه على ما نذكره أن شاء الله تعالى وقد روي هذا الخبر عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال كتب الوليد إلى الحجاج أن سل من قبلك عن المفقود إذا جاء وقد تزوجت امرأته فسأل الحجاج أبا مليح بن أسامة فقال أبو المليح حدثتني سهيمة بنت عمير الشيبانية أنها فقدت زوجها في غزاة غزاها فلم تدر أهلك أم لا فتربصت أربع سنين ثم تزوجت فجاء زوجها الأول وقد تزوجت قالت فركب زوجاي إلى عثمان فوجداه محصورا فسألاه وذكرا له أمرهما فقال عثمان أعلى هذا الحال قالا إنه أمر قد وقع ولا بد فيه من القول فقال عثمان يخير الأول بين امرأته وبين صداقها قال فلم يلبث أن قتل عثمان فركبا بعده حتى أتيا عليا بالكوفة فسألاه فقال أعلى هذه الحال فقالا قد كان ما ترى ولا بد من القول فيه قالت وأخبره بقضاء عثمان إلا ما قال عثمان فاختار الأول الصداق قالت فأغنت زوج الآخر بألفين وكان الصداق أربعة آلاف وذكر تمام الخبر قال أبو عمر يمكن أن يكون علي رضي الله عنه أمضى قضاء من قبله إن كانت مسألة اجتهاد وأما رواية المعروف فعل غير ذلك وروي من حديث بن أبي ليلى عن عمر ومن حديث أبي عمر الشيباني عن شعبة عن عمر في امرأة المفقود أنها تعتد أربع سنين وهذا ليس بشيء والصواب ما رواه سعيد بن المسيب أن عمر أمرها أن تتربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا وروى عبيد بن عمير في امرأة المفقود أنه أمرها أن تتربص أربع سنين ثم فعلت فأمرها أن تعتد ثلاثة قروء ففعلت ثم أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا وروي عنه من وجوه أنه أمر ولي زوجها المفقود فطلقها وهذا اضطراب في ذلك عن عمر ورواية سعيد أشبه إن شاء الله تعالى

ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن منصور عن الحكم عن علي قال تتربص امرأة المفقود حتى تعلم أحي هو أم ميت وأخبرنا معمر عن بن أبي ليلى عن الحكم أن عليا قال هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يأتيها موت أو طلاق قال وأخبرنا بن جريج قال بلغني أن بن مسعود وافق عليا أنه تنتظره أبدا وذكر أبو بكر عن بن عياش عن الحكم عن علي قال إذا فقدت زوجها لم تزوج حتى يقتل أن يموت ويشهد بصحة مرسل الحكم حديث المنصور عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن علي في امرأة المفقود قال هي امرأته يعني حتى يصح موته وبهذا قال أبو قلابة وإبراهيم والشعبي وجابر بن زيد وبن سيرين والحكم وحماد وأما اختلاف الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار في المفقود فقال مالك في موطئه ما ذكرناه وروى بن القاسم عن مالك قال تنتظره امرأته أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تحل فإن أدركها زوجها قبل أن تتزوج فهو أحق بها قال ويضرب الأجل أربع سنين من حين يرفع إلى الحاكم لا من يوم فقد فإن رجع قبل أن تتزوج فهو أحق بها وللمرأة إن لم يرجع المهر كاملا وقال مالك في الأسير يعرف خبره ثم انقطع فلم يعرف له موت ولا حياة لا يفرق بينه وبين امرأته قال والعبد إذا غاب أجله سنتان ومال المفقود لا يحرك إلا أن يأتي عليه من الزمان ما يعلم أنه ليس بحي والمفقود إذا رجع بعد عقد الثاني فلا سبيل للأول إليها ثم سمعه بن القاسم يقول الأول أحق بها ما لم يدخل الثاني وقال في المدونة كان مالك يقول إذا عقد الثاني ولم يدخل فلا سبيل للأول إليها ثم وقف قبل موته بعام فسمعته يقول الأول أحق بها ما لم يدخل الثاني وبه قال بن القاسم وأشهب

وقال المغيرة وبن كنانة وبن دينار بقوله الأول قال أبو عمر قوله الأول في الموطأ فأرى عليه إلا أن مات وقال الليث إذا قدم المفقود بعد الأجل قبل أن يتزوج فليس للإمام عليه طلاق وإن تزوجت بعد الأجل ثم جاء زوجها فاختار امرأته فليس عليه طلاق وقال الشافعي في امرأة الغائب أفي غيبة كانت لا تعتد ولا تنكح أبدا حتى يأتيها بيقين وفاته قال ولو اعتدت بأمر حاكم بعد الأربع سنين أربعة أشهر وعشرا أو نكحت ودخل بها الزوج كان حكم الزوجية بينها وبين زوجها بحاله قال إنه ممنوع من فرجها بوطء شبهة ولا نفقة لها من حيث نكحها ولا في عدتها من الوطء الفاسد أنها مخرجة نفسها من يده وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تتزوج امرأة حتى تثبت وفاته قال المفقود يخرج في وجه فيفقد فلا يعرف موضعه ولا يستبين أمره أو يأسره العدو فلا يستبين موته وهو قول الثوري وقول صالح والحسن بن حي وقال عثمان البتي في المفقود تتزوج امرأته فيجيء وهي متزوجة أنه أحق بها ويرد على الزوج الأخير بهذه أنه إنما تزوج امرأة لها زوج قال أبو عمر اتفق الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والحسن بن صالح أن امرأة المفقود فلا تنكح أبدا حتى تعلم وفاته أو طلاقه وقد كان الشافعي يقول فيها ببغداد بقول مالك على ما روي عن عمر ثم رجع عن ذلك إلى قول علي رضي الله عنهما والمفقود عند مالك على أربعة أوجه مفقود بين الصفين في أرض العدو ويعمر من السبعين إلى الثمانين والأسير الذي تعرف حياته وقتا ثم ينقطع خبره فلا يعرف له موت ولا حياة لا يفرق بينه وبين امرأته ويعمر أيضا ومفقود يخرج في وجهة لتجارة أو غيرها فلا يعرف موضعه ولا تعلم حياته ولا موته فذلك تتربص زوجته أربع سنين ثم تعتد ومفقود في معركة الفتنة ينعى إلى زوجته يجتهد فيه الإمام

ولأصحاب مالك اختلاف كثير في الذي يظهر في صف القتال ثم يفقد قد ذكرته في كتاب أقوال اختلاف مالك وأصحابه وروى أشهب وبن نافع عن مالك في الذي يرى في صف القتال ثم لا يعلم أقتل أم ما فعل الله به ولا يسمع له خبر قال مالك يضرب له أجل سنة من يوم ينظر فيه السلطان ثم تعتد امرأته وسواء كان ذلك في أرض الإسلام أو في أرض الحرب وروى عيسى عن بن القاسم عن مالك إذا فقد في فتن المسلمين ورئي في المعترك أو لم ير أنه ينتظر يسيرا قدر ما يرجع الخارج والمنهزم ثم تعتد امرأته ويقسم ماله ذكره العتبي قال وقال سحنون أراه بمنزلة المفقود في جميع أحواله وفي هذا الباب قال مالك وبلغني أن عمر بن الخطاب قال في المرأة يطلقها زوجها وهو غائب عنها ثم يراجعها فلا يبلغها رجعته وقد بلغها طلاقه إياها فتزوجت أنه إن دخل بها زوجها الآخر أو لم يدخل بها فلا سبيل لزوجها الأول الذي كان طلقها إليها قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في هذا وفي المفقود قال أبو عمر بلاغ مالك هذا على آحاد قوليه لأنه قد روي معنى قوله الثاني في هذا الخبر عن عمر نذكرها إن شاء الله عز وجل وقوله في موطئه وهذا أحب ما سمعت إلي دليل على أنه سمع فيه الاختلاف عن عمر وقوله هذا في موطئه عند جميع الرواة وقد شهد يحيى موته وهو من آخر أصحابه عرضا للموطأ عليه وروى سحنون عن بن القاسم في هذه المسألة وفي مسألة المفقود أن مالكا رجع قبل موته بعام فقال الأول أحق بها ما لم يدخل الثاني وبه يقول بن القاسم وأشهب وقال المدنيون من أصحابه بما في الموطأ في مسألة المرتجع ومسألة المفقود أنه إذا عقد الثاني فلا سبيل إلى الأول إليها دخل الثاني بها أو لم يدخل وقول الشافعي والكوفيين في هذه المسألة كقولهم في مسألة المفقود ذكر أبو بكر قال حدثني أبو معاوية عن الشيباني عن الشعبي قال سئل عمر عن رجل غاب عن امرأته فبلغها أنه مات ثم جاء الزوج الأول فقال عمر

يخير الزوج بين الصداق وامرأته فإن اختار الصداق تركها مع الآخر وإن شاء اختار امرأته قال وقال علي لها الصداق من الآخر بما استحل من فرجها ويفرق بينه وبينها ثم تعتد ثلاث حياض ثم ترد على الأول وأما بلاغ مالك عن عمر في الذي طلق فأعلنها فارتجع ولم يعلمها حتى رجعت نكحت فهو غير مشهور عن عمر من رواية أهل الحجاز وأهل العراق وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب ومعمر عن منصور عن إبراهيم أن أبا كنف طلق امرأته ثم خرج مسافرا وأشهد على رجعتها قبل انقضاء عدتها ولا أعلم لها بذلك حتى تزوجت فسأل عن ذلك على رجعتها قبل انقضاء العدة ولا علم لها بذلك حتى تزوجت فسأل عن ذلك عمر بن الخطاب فقال إن دخل بها فهي امرأته وإلا فهي امرأتك إن أدركتها قبل أن يدخل بها قال وأخبرناه الثوري عن حماد ومنصور والأعمش عن إبراهيم قال طلق أبو كنف رجل من نجد امرأته واحدة أو اثنتين ثم أشهد على الرجعة فلم يبلغها حتى انقضت عدتها ثم تزوجت فجاء إلى عمر بن الخطاب فكتب له إلى أمير مصر إن كان دخل بها الآخر فهي امرأته وإلا فهي امرأة الأول وقال علي رضي الله عنه هي للأول دخل بها الآخر أو لم يدخل بها وروى وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الحكم أن أبا كنف طلق امرأته ولم يعلمها وأشهد على عدتها فلم يعلمها فقال له عمر رضي الله عنه إذا أدركتها قبل أن تتزوج فأنت أحق بها هكذا قال أن تتزوج المحفوظ في هذا الحديث إلا أن يدخل وأما قوله طلق امرأته ولم يعلمها فخطأ من الكاتب والله أعلم وإنما هو طلق وأعلمها وأشهد على رجعتها ولم يعلمها وكيع عن شهبة عن الحكم قال قال علي رضي الله عنه إذا طلقها ثم أشهد على رجعتها فهي امرأته أعلمها أو لم يعلمها وقال أبو بكر حدثناه عبدة عن سعيد عن عمر بن عامر عن حماد عن إبراهيم عن علي كان يقول هو أحق بها دخل أو لم يدخل بها قال أبو عمر قال بقول عمر في هذه المسألة شريح والحسن وسعيد بن

المسيب وعطاء وبن شهاب وجابر بن زيد وغيرهم وبه قال مالك والأوزاعي والليث وطائفة مع أهل المدينة ومن حجتهم ما رواه بن وهب عن يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن السنة مضت في الذي يطلق امرأته ثم يراجعها فيكتمها رجعتها ثم تحل فتنكح زوجا غيره أنه ليس له من أمرها شيء ولكنها من زوجها الآخر وهذا الخبر إنما يروى عن بن شهاب أنه قال مضت السنة لا أذكر فيها سعيدا ويرويه بن شهاب وغيره عن سعيد بن المسيب عن عمر أنه قضى بذلك لا ذكر فيه للسنة ولا يصح فيه ذكر السنة وهو عن عمر مع وجوه كثيرة وقد خالفه علي في ذلك وقد روى قتادة عن خلاس عن علي في هذه المسألة أنه غرر الشهود الذين شهدوا في الرجعة واستكتموا واتهمهم فجلدهم وأجاز الطلاق ولم يردها إلى زوجها الأول وهي رواية منكرة ولو قبل شهادتهم في الرجعة ما جلدهم ولا يصح جلد الشهود عنه ولا في شيء من الأصول والمعروف عن علي ما رواه إبراهيم والحكم عنه وأجمعوا أن مراسيل إبراهيم صحاح وهو قول إبراهيم وفقهاء الكوفيين أبي حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وبه قال الشافعي وأبو ثور وداود كلهم يقول في ذلك بقول علي الأول أحق بها دخل الثاني أم لا وأجمع العلماء أن الأول أحق بها لو جاء قبل أن تتزوج كانت امرأته لرجعته إياها وهذا يدل على صحة الرجعة مع جهل المرأة بها وإذا صحت الرجعة كانت امرأة الأول وفسخ نكاح الآخر وأمر بفراقها وردت إلى الأول بعد العدة من الآخر لوطء الشبهة واستحقت مهرها منه إن كان دخل بها

والحجة في ذلك قول الله عز وجل وبعولتهن أحق بردهن في ذلك البقرة وقد فعل وهذا القول أقيس وقول مالك من طريق الاتباع أظهر والله الموفق لا شريك له وبالله التوفيق باب ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء هكذا روى هذا الحديث نافع عن بن عمر قال به حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر كذلك رواه مالك وعبد الله بن عمر وأيوب وبن جريج والليث بن سعد ومحمد بن إسحاق عن نافع عن بن عمر ولم يخالفهم في هذا المعنى أحد عن نافع وكذلك رواه بن شهاب عن سالم عن بن عمر قال فيه كما قال نافع حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ولم يختلف على بن شهاب في ذلك وكذلك رواه علقمة عن بن عمر قال فيه حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر إلا أنه لم يقل فيه قبل أن يمس

وكذلك روى عطاء الخرساني عن بن عمر عن النبي عليه السلام مثل رواية بن شهاب عن سالم ورواه يونس بن جبير وأنس بن سيرين وعبد الرحمن بن أيمن وسعيد بن جبير ويزيد بن أسلم وأبو الزبير كلهم عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مره فليراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك لم يقولوا ثم تحيض ثم تطهر وكذلك رواه منصور عن أبي وائل عن بن عمر وكذلك أيضا رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن بن عمر إلا أن محمد بن عبد الرحمن زاد في هذا الحديث ذكر الحامل فقال فيه إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمس أو حاملا وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في التمهيد ولا نعلم خلافا أن طلاق الحامل إذا تبين حملها طلاق سنة إذا طلقها واحدة وإن الحمل كله موضع للطلاق قال بن أبي ذئب سألت الزهري عن ذلك فقال حملها كله وقت لطلاقها ولم يختلفوا في ذلك والأصل فيه ما حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا قال أبو عمر ذهب إلى ما رواه نافع فقهاء الحجازيين منهم مالك والشافعي فقالوا فيمن طلق امرأته حائضا إنه يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق قبل أن يمس وإن شاء أمسك

وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأكثر العراقيين إلى ما رواه يونس بن جبير وسعيد بن جبير وأنس بن سيرين ومن تابعهم عن عمر في هذا الحديث فقالوا يراجعها فإن طهرت طلقها إن شاء وإلى هذا ذهب المزني صاحب الشافعي فقالوا إنما أمر المطلق في الحيض بالمراجعة لأن طلاقه ذلك أخطأ فيه السنة فأمر أن يراجعها ليخرجها من أسباب الطلاق الخطأ ثم يتركها حتى تطهر من تلك الحيضة ثم يطلقها إن شاء طلاقا صوابا ولم يرو للحيضة الأخرى بعد ذلك معنى وصاروا إلى رواية من روى ذلك عن بن عمر وأما القائلون بما رواه نافع ومن تابعهم في أنها تطهر ثم تحيض ثم تطهر منهم أصحاب الشافعي وغيرهم فقالوا الطهر الثاني والحيضة الثانية وجوه ومعان حسان منها أنه لما طلق في الموضع الذي نهي عنه لأن لا تطول عدة المرأة أمر بمراجعتها ليوقع الطلاق على سنته ولا يطول في العدة على امرأته فلو أتيح له أن يطلقها إذا طهرت من تلك الحيضة كانت في معنى المطلقة قبل الدخول وكانت تبني على عدتها الأولى فأراد الله عز وجل على لسان رسوله أن يقطع صلاة الحائض بالوطء فإذا وطئها في الطهر لم تتهيأ له أن يطلقها وفيه أنه قد نهي أن يطلقها في طهر حتى تحيض عنده ثم تطهر بعد ذلك استأنفت عدتها بعد ذلك ولم تبن وقيل في الطهر الثاني جعل للإصلاح الذي قال الله تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك أن أرادوا إصلحا البقرة لأن حق المرتجع أن لا يرجع رجعة ضرار لقوله تعالى ولا تمسكوهن ضرارا البقرة قالوا فالطهر الأول فيه الإصلاح بالوطء فإذا وطى ء لم يجز له أن يطلق في ذلك الطهر ولزمه أن يتزوجها حتى تحيض ثم تطهر إن أراد طلاقها وقيل إن مراجعته لها لم تعلم صحتها إلا بالوطء لأنه المنتفي من النكاح والمراجعة في الأغلب وكان ذلك الطهر موضعا للوطء الذي تستعين به المراجعة فإذا مسها لم يكن له سبل إلى طلاقها في طهر قد مسها فيه للنهي عن ذلك ولإجماعهم على أنه لو فعل كان مطلقا لغير العدة فقيل له دعها حتى تحيض أخرى ثم تطهر ثم تطلق وإن شئت قبل أن تمس

وقد جاء معنى ما ذكرنا من هذه الوجوه منصوصا في حديث بن عمر حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني إبراهيم بن عبد الرحيم قال حدثني معلى بن عبد الرحمن الواسطي قال حدثني عبد الحميد بن جعفر قال حدثني نافع ومحمد بن قيس عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي في دمها حائض فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها فإذا طهرت مسها حتى إذا طهرت آخرا فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها وقيل إنه لو أتيح له أن يطلقها بعد الطهر من تلك الحيضة كان كأنه قد أمن أن يراجعها ليطلقها فاشتبه النكاح إلى أجل ونكاح المتعة فلم يجعل له ذلك حتى يطأ وقيل في ذلك أيضا غير ذلك ما يطول ذكره وما ذكرناه هو الذي عليه مراد معنى توجيهاتهم في قوله ثم تحيض ثم تطهر وبالله التوفيق وأجمع العلماء على أن الطلاق في الحيض مكروه لمن أوقعه وأن من فعله لم يطلق للعدة التي أمر الله تعالى والدليل على ذلك من أخبار الآحاد العدول تغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن عمر حين فعل ذلك أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أحمد بن صالح قال حدثني عنبسة قال حدثني يونس عن بن شهاب قال أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمسها فذلك الطلاق والعدة كما أمر الله عز وجل واختلفوا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المطلق في الحيض بالرجعة فقال قوم عوقب بذلك لأنه تعدى ما أمر الله به ولم يطلق للعدة فعوقب بإمساك من لم يرد إمساكه حتى يطلق كما أمر للعدة وقال آخرون إنما أمر بذلك قطعا للضرر في التطويل عليها لأنه إذا طلقها في الحيض فقد طلقها في وقت لا تعتد به من قرئها الذي تعتد به فتطول عدتها فنهى أن يطول عليها وأمر ألا يطلقها إلا عند استقبال عدتها

وكذلك كان بن عمر يقرأ فطلقوهن لقبل عدتهن وفي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر بمراجعة امرأته التي طلقها حائضا دليل يبين على أن الطلاق في الحيض واقع لازم لأن المراجعة لا تكون إلا بعد صحة الطلاق ولزومه ولو لم يكن الطلاق واقعا لازما ما قال مره فليراجعها لأن من لم يطلق لا يقال له راجع لأنه محال أن يقال لرجل امرأته في عصمته لم يفارقها راجعها بل كان يقال له طلاقك لم يصنع شيئا وامرأتك بعده كما كانت قبله ونحو هذا ألا ترى أن الله عز وجل قال في المطلقات وبعولتهن أحق بردهن في ذلك البقرة يعني في العدة وهذا لا يستقيم أن يكون مثله في الزوجات غير المطلقات وعلى هذا فقهاء الأمصار وجمهور علماء المسلمين وإن كان الطلاق عند جميعهم في الحيض مكروها بدعة غير سنة ولا يخالف الجماعة في ذلك إلا أهل البدع والجهل الذين يرون الطلاق لغير السنة غير واقع ولا لازم وقد روي ذلك عن بعض التابعين وهذا شذوذ لم يعرج عليه أحد من أهل العلم لما روي ولأن بن عمر الذي عرضت له القضية احتسب بتلك التطليقة وأفتي بذلك وهو مما لا يدفع علمه بقصة عرضت له أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أبو قلابة قال حدثني بشر بن عمر قال حدثني شعبة عن أنس بن سيرين عن بن عمر قال طلقت امرأتي وهي حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له النبي عليه السلام مره فليراجعها ثم ليطلقها إن شاء إذا طهرت فقال له أنس أفتعتد بتلك التطليقة قال نعم وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن محمد بن المفسر قال حدثني أحمد بن علي بن سعيد القاضي المروزي قال حدثني أبو السائب سالم بن جنادة قال حدثني بن إدريس عن عبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد

عن نافع عن بن عمر قال طلقت امرأتي وهي حائض فأتى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلقها قبل أن يراجعها وإن شاء أمسك فإنها العدة التي قال الله عز وجل قال عبيد الله قلت لنافع ما فعل تلك التطليقة فقال اعتد بها وروى الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن بن جريج أنهم أرسلوا إلى نافع ليسأله هل حبس التطليقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم وروى أيوب السختياني وسلمة بن علقمة عن بن سيرين عن أبي غلاب يونس بن جبير قال فسألنا بن عمر قلت لرجل طلق امرأة وهي حائض فذكر الخبر وفيه فقلت فتعتد بتلك التطليقة فقال فمه قال أرأيت إن عجز فاستحمق وقد ذكرنا هذا الخبر من طرق في التمهيد ومعنى قول بن عمر فيه أرأيت إن عجز واستحمق أي وهل من ذلك بد أرأيت لو تعاجز عن فرض آخر من فرائض الله تعالى فلم يقمه أو استحمق فلم يأت به أكان يعذر فيه ونحو هذا من الإنكار على من شذ أنه لا يعتد بها والدليل على ذلك مذهب بن عمر لأنه كان يفتي فيمن طلق امرأته ثلاثا في الحيض أنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ولو كان الطلاق في الحيض غير جائز لم يلزمه ثلاثا كانت أو واحدة أخبرنا أحمد بن محمد وخلف بن حماد قالا حدثني أحمد بن مطرف قال حدثني عبيد الله بن يحيى عن أبيه عن الليث بن سعد عن نافع أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض تطليقه واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى ثم يمهلها حتى

تطهر من حيضتها فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر قبل أن يجامعها فتلك العدة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق لها النساء وكان بن عمر إذا سئل عن ذلك قال إذا أنت طلقت امرأتك وهي حائض مرة أو مرتين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بهذا وأن كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت الله فيما أمرك به من طلاق امرأتك ومن جهة النظر قد علمنا أن الطلاق ليس من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل كالصلاة والصيام وغيرهما فلا تقع إلا على سنتها وإنما هي زوال عصمة فيها حق لآدمي فكيفما أوقعه على سنته أو على غير سنته وقع إلا أنه إن أوقعه على غير سنته أثم ولزمه ما أوقع منه ومحال أن يلزم المطيع المتبع للسنة طلاقه ولا يلزم العاصي المخالف لأنه لو لزم المطيع لم يكن العاصي لكان العاصي أحسن حالا وأحق من المطيع وقد احتج قوم من أهل العلم في أن الطلاق في الحيض لازم لقول الله عز وجل ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه الطلاق يقول عصى ربه وفارق امرأته واختلف العلماء فيمن طلق زوجته حائضا هل يجبر على رجعتها إن أبى ذلك فقال مالك وأصحابه يجبر على رجعتها إذا طلقها وفي الحيض أو في دم النفاس حملوا الأمر وذلك على الوجوب وقاسوا النفاس على الحيض وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وبن أبي ليلى وأحمد بن حنبل وإسحاق وبن شبرمة وأبو ثور والطبري يؤمر برجعتها ولا يجبر على ذلك وقال داود كل من طلق امرأته حائضا واحدة أو اثنتين أجبر على رجعتها وإن طلقها نفساء لم يجبر على رجعتها قال أبو عمر لم يختلفوا أنها إذا انقضت عدتها لم يجبر على رجعتها فدل ذلك على أن الأمر بمراجعتها ندب والله أعلم وقال مالك وأكثر أصحابه يجبر المطلق في الحيض على الرجعة في

الحيضة التي طلق فيها وفي الطهر بعدها و في الحيضة بعد الطهر وفي الطهر بعدها ما لم تنقض عدتها إلا أشهب بن عبد العزيز قال يجبر على الرجعة في الحيضة الأولى ما لم تطهر منها فإذا صارت في حال يجوز له طلاقها فيه لم يجبر على رجعتها ولم يختلف مالك وأصحابه أنه لا يطلقها في الطهر الأول لأنه يمسها فيه فإذا حاضت بعده ثم طهرت طلقها إن شاء وأجمع العلماء أنه إذا طلقها في طهر لم يمسها فيه لم يجبر على رجعتها ولم يؤمر بذلك وإن كان طلاقه قد وقع على غير سنة وإنما يجبر ويؤمر إذا طلقها حائضا وفي هذا الحديث دليل على أن الأقراء الأطهار لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك السنة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق لها النساء فأخبر أن الطلاق للعدة لا يكون إلا في طهر تعتد به وموضع يحتسب به من عدتها ويستقبلها من حينئذ وكان هذا منه صلى الله عليه وسلم بيانا لقوله عز وجل فطلقوهن لعدتهن الطلاق وقد قرئت لقبل عدتهن أي لاستقبال عدتهن ونهى عن الطلاق في الحيض لأنها لا تستقبل العدة في تلك الحيضة عند الجميع لأن من قال الأقراء الحيض لا يجزئ بتلك الحيضة من الثلاث حيض عنده حتى تستقبل حيضة بعد طهر وقد ذكرنا ما للعلماء في معنى نهيه صلى الله عليه وسلم بن عمر عن الطلاق في الحيض وأمره إياه بالمراجعة فأغنى ذلك عن تكراره وقد اختلف السلف والخلف من العلماء في معنى الأقراء التي عناه الله عز وجل بقوله ثلثة قروء البقرة فقال منهم قائلون وهم أهل العراق الأطهار في معنى هذه الآية الحيض وقال آخرون وهم جمهور أهل المدينة معناه الأطهار والطهر ما بين الحيضة والحيضة ولم يختلف أهل اللغة والعلم بلسان العرب أن القرء يكون في اللسان العربي حيضة ويكون طهرا ولا اختلف العلماء في ذلك أيضا وإنما اختلفوا في المعنى المراد بقوله عز

وجل والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء البقرة على القولين المذكورين وقد ذكرنا أن في حديث بن عمر هذا ما يدل على أن القرء الطهر ويدل من السنة أيضا أنه الحيض قوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة اتركي الصلاة أيام أقرائك والصلاة لا تتركها إلا في أيام حيضها وقد أوردنا من شواهد أشعار العرب على القولين جميعا ما فيه بيان وكفاية في التمهيد وذكرنا أيضا قول من قال إن القرء الوقت وشاهده من الشعر أيضا واجتلبنا أقوال أهل اللغة هناك في الأقراء وما لوحنا به ها هنا كاف والحمد لله فمن شاهد الشعر على أن الأقراء الأطهار قول الأعشى وفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا مررثة مالا وفي الحمد رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا يريد أنه لم يقرب نساءه في أقرائهن يعني أطهارهن ومن شاهد هذا الشعر في أن القرء الحيض قول الآخر يا رب ذي ظعن على فارض له قرء كقرء الحائض وقد روي يا رب ذي ضب والضب العداوة والظعن مثله يقول إن عداوته تهيج حينا بعد حين كما يهيج الحيض وقتا بعد وقت وممن قال إن القرء وقت الحيض ووقت الطهر استشهد بقول الهذلي كرهت العقر عقر بني شليل إذا هبت لقارئها الرياح

يعني لوقتها وذكر الطحاوي قال حدثني محمود بن حسان النحوي قال حدثني عبد الملك بن هشام قال حدثني أبو زيد الأنصاري قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول العرب تسمي الطهر قرءا وتسمي الحيض قرءا وتسمي الحيض مع الظهر جميعا قرءا وقال الأصمعي أصل القرء الوقت يقال أقرأت النجوم إذا طلعت لوقتها قال أبو عمر قول من قال إن القرء مأخوذ من قولهم قريت الماء في الحوض ليس بشيء عندهم لأن القرء مهموز وهذا غير مهموز وأما اختلاف العلماء في معنى الأقراء فذكر مالك في هذا الباب عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة قال بن شهاب فذكر ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت صدق عروة وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ثلثة قروء البقرة فقالت عائشة صدقتم تدرون ما الأقراء إنما الأقراء الأطهار مالك عن بن شهاب أنه قال سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا يريد قول عائشة مالك عن نافع وزيد بن أسلم عن سليمان بن يسار أن الأحوص هلك بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة وقد كان طلقها فكتب معاوية بن سفيان إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك فكتب إليه زيد إنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها

قال أبو عمر ذكر هذا الحديث أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن أيوب عن نافع عن سليمان بن يسار أن الأحوص رجلا من أهل الشام طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين فمات وهي في الدم من الحيضة الثالثة فرفع ذلك إلى معاوية فسأل عنها فضالة بن عبيد ومن هناك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يوجد عندهم فيها علم فبعث فيها راكبا إلى زيد بن ثابت فقال لا ترثه ولو ماتت لم يرثها قال وكان بن عمر يرى ذلك وفي هذا الباب مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وبن شهاب أنهم كانوا يقولون إذا دخلت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها ولا ميراث بينهما ولا رجعة له عليها مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها قال مالك وهو الأمر عندنا مالك عن الفضيل بن أبي عبد الله مولى المهري أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله كانا يقولان إذا طلقت المرأة فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت منه وحلت قال أبو عمر يعني للأزواج وهذا كله قول من قال الأقراء الأطهار لأنه إذا طلقها في طهر لم يمسها فيه فهي تعتد به قرءا سواء طلقها في أوله أو في آخره لأن خروجها من ذلك الطهر ودخولها في دم الحيض بعده قرء ثم إذا طهرت منه ودخلت في الحيضة الثانية كان قرءا ثابتا فإذا طهرت من الحيضة الثانية وانقضى طهرها ودخلت في الحيضة الثالثة فقد كمل لها ثلاثة قروء وانقضت عدتها وبانت من زوجها وحلت للأزواج

وهذا كله قول مالك والشافعي وأصحابهما وأبي ثور وداود وتقدمهم إلى القول من الصحابة بن عمر وزيد بن ثابت وعائشة إلا أنه قد روي عن بن عمر وزيد أنهما قالا عدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض وزعم العراقيون أن قولهما مخالف لما روي عنهما وليس عند أهل المدينة كذلك ومن التابعين القاسم وسالم وسليمان بن يسار وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبان بن عثمان وبن شهاب وكلهم يقول إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت للأزواج ولا أعلم أحدا ممن قال الأقراء الأطهار يقول غير هذا إلا بن شهاب الزهري فإنه قال تلغي الطهر الذي طلقت فيه ثم تعتد بعده بثلاثة أطهار لأن الله تعالى يقول ثلثة قروء البقرة واختلف في الآخر قول أحمد بن حنبل فقال مرة والأقراء الحيض قال الأطهار وقال الأسانيد عمن روي عنه أن الأقراء الأطهار أصح وروي عنه أيضا أنه رجع إلى قول عمر وعلي في أنها الحيض وروي عنه أنه وقف فيها وحكى الأثرم عنه أنه قال الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون الأقراء الحيض وقال أبو حنيفة والثوري وأصحابه والأوزاعي والحسن بن حي وبن أبي ليلى وبن شبرمة وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد الأقراء الحيض وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبن مسعود وأبي موسى الأشعري وروى وكيع بن الجراح قال حدثني عيسى بن أبي عيسى عن الشعبي قال أحد عشر أو اثنا عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وعلي وبن مسعود وبن عباس قالوا إذا طلق الرجل امرأة تطليقة أو تطليقتين فله عليها الرجعة ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة وروى هذا الخبر خالد بن إسماعيل عن عيسى بن أبي عيسى عن الشعبي فقال فيه أحد عشر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي

ومعاذ وبن مسعود وبن عباس وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وأبو موسى وأنس بن مالك قال أبو عمر روي مثل ذلك من التابعين غير سعيد بن المسيب مكحول وربيعة وعطاء وطاوس والشعبي والحسن وقتادة الضحاك بن مزاحم وجمع وقال الأوزاعي وجماعة من أهل العلم على أن الأقراء الحيض واختلف هؤلاء مع إجماعهم على أن الأقراء الحيض في وقت انقضاء عدة المعتدة بالحيض فقال أبو حنيفة وأصحابه لا تنقضي العدة إذا كان أيامها دون العشر حتى تغتسل من الحيضة الثالثة أو يذهب وقت صلاة وهذا قول الحسن البصري وحميد الطويل وبه قال الحسن بن حي إلا أنه قال النصرانية واليهودية في ذلك مثل المسلمة قال الطحاوي وهذا لم يقله أحد ممن جعل الأقراء الحيض غير الحسن بن حي وقال الثوري وزفر هو أحق بها وإن انقطع الدم ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة وهو قول عمر وعلي وعبد الله وبه قال إسحاق وأبو عبيد وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وليس بالقوي عنهما وروي مثل ذلك عن أبي موسى وعبادة وأبي الدرداء ومعاذ بن جبل وهو الأشهر عن بن عباس وقال بن شبرمة إذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت وبطلت الرجعة ولم يعتبر الغسل وهو قول طاوس وسعيد بن جبير والأوزاعي وروي عن شريك قول شاذ أنها لو فرطت في الغسل عشر سنين لكان زوجها أحق برجعتها ما لم تغتسل

وروي عن إسحاق بن راهويه أنه قال إذا طعنت المطلقة في الحيضة الثالثة بانت وانقطعت الرجعة للزوج إلا أنه لا يحل لها أن تتزوج حتى تغتسل من حيضتها وروي نحوه عن بن عباس وهو قول ضعيف بدليل قول الله عز وجل فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن البقرة وبلوغ الأجل هنا انقضاء العدة بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة فإذا انقضت عدتها حلت للأزواج ولا جناح عليها فيما فعلت من ذلك والحديث عن بن عباس بذلك حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن شاذان قال حدثني معلى قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد أن ثور بن زيد الديلي أخبره عن عكرمة عن بن عباس قال إذا حاضت المطلقة الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها إلا أنها لا تتزوج حتى تطهر وهذا لو صح احتمل أن يكون منه على وجه الاستحسان وزعم الكوفيون أن بن عمر وزيد بن ثابت قالا الأقراء الحيض لأنهما رويا عنهما عدة الحرة ثلاث حيض وعدة الأمة حيضتان وعدة أم الولد من وفاة سيدها حيضة وروي ذلك من حديث مالك وغيره عن نافع عن بن عمر ومن حديث بن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت قال عدة الأمة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض وهذا ليس بشيء لأن مذهبهما الذي قدمنا صحيح معروف عنهما ان المطلقة إذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها وقولهما هذا في عدة الأمة والحرة تقريب على السائل في العبارة لأن الطهر لا يعرف بتقدم الحيض قبله والله أعلم واحتجوا في أن الأقراء الحيض لأن المخالف لهم يقول عدة أم الولد حيضة لابد أن تأتي بها واحتجوا أن الله تعالى يقول ثلاثة قروء فلا بد أن تكون كاملة والمطلقة في طهر قد مضى لم تأت بثلاثة قروء إذا انقضت عدتها بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة

واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة دعي الصلاة أيام أقرائك وقوله عليه السلام لفاطمة وصلي ما بين القرء إلى القرء وبأشياء يطول ذكرها وأما قولهم في أم الولد بأنها لا تنكح عندنا حتى تطهر من حيضتها وأن ذلك دليل على أن القرء الحيضة فقد أجاز إسماعيل وغيره من أصحابنا لأم الولد أن تتزوج إذا دخلت في الحيضة لأن ظهور الدم براءة للرحم في الأغلب وأما قولهم إن الله تعالى قال ثلثة قروء البقرة ومن طلق فقد مضى من الطهر بعضه فلم يكمل لها ثلاثة قروء بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة بل هي قرآن وبعض الثالث فالجواب أن المبتغى من الأقراء براءة الرحم وهو خروج المرأة من الطهر إلى الدم فذلك الوقت هو المبتغى وهو المراعى وقد حصل منه ثلاثة أوقات كاملة لدخولها من الدم في الحيضة الثالثة وأما احتجاجهم بقوله عليه السلام للمستحاضة دعي الصلاة أيام أقرائك فإنه أراد القرء الذي هو الحيض وتترك له الصلاة ولم يرد القرء الذي تعتد به المطلقة وهو الطهر بدليل حديث بن عمر المتكرر وقد أوضحنا أن الحيض يسمى قرءا كما أن الطهر يسمى قرءا إلا أن القرء الذي هو الدم ليس هو المراد من قول الله تعالى ثلثة قروء البقرة بل المراد من ذلك الأطهار والله أعلم بدليل الإجماع على أن الطلاق للعدة أن يطلقها طاهرا من غير جماع ولا حيض فتبتدئ عدتها من ساعة طلاقه لها وهو معنى قوله تعالى فطلقوهن لقبل عدتهن أي لاستقبال عدتهن وأجمعوا في كل امرأة علمت بطلاق زوجها لها في حين طلقها أن السنة أن تبتدئ عدتها من ساعة وقوع طلاقها

وذلك دليل على أن الأقراء الأطهار لأن السنة المجتمع عليها أن يطلقها في طهر لم يمس فيه لتعتد من ساعتها ومن قال إن الأقراء الحيض يقول أنها لا تعتد بالحيضة التي طلقت فيها ولا تعتد إلا بحيضة تستأنفها بعد طهرها من تلك الحيضة فيلزمهم أن يقولوا إنها قبل الحيضة الثانية في غير عدة وحسبك بهذا خلافا من القول وخلافا لظاهر قول الله عز وجل فطلقوهن لعدتهن الطلاق ولقول النبي عليه السلام فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء هذا كله معنى قول الشافعي وهو مذهب مالك وأصحابه وللكوفيين حجج ومعارضات ذكروها في كتبهم منها قول الله عز وجل والئ يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلثة أشهر الطلاق فجعل الأشهر لمن يئسن من المحيض فدل على أنه هو العدة حتى يئسن منه فتعتد بالشهور وقالوا والطهر جائز أن تطلق فيه إلى آخره فلا يحصل لها قرآن والله تعالى يقول ثلثة قروء البقرة وإذا ذكر عدة الشهور والأيام لم يجز بعض ذلك العدد كقوله تعالى أربعة أشهر وعشرا البقرة وصيام الثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم وليس كذلك فالحج أشهر معلومات لأنه لم يذكر عددا أو بأشياء فيها تشعيب لم أر لذكرها وجها وبالله التوفيق وأما ما ذكره مالك في هذا الباب أنه بلغه عن سعيد بن المسيب وبن شهاب وسليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون عدة المختلعة ثلاثة قروء بعد ذكره في باب طلاق المختلعة على حسب ما ذكره ها هنا وذكر أيضا هناك عن نافع عن بن عمرن قال عدة المختلعة عدة المطلقة فقد ذكرنا ما هنالك للعلماء من التنازع والاختلاف في طلاق المختلعة والحمد لله

مالك أنه سمع بن شهاب يقول عدة المطلقة الأقراء وإن تباعدت هذا إجماع من العلماء وإن كانت من ذوات الأقراء ولم تكن مرتابة ولا مستحاضة فإن كانت مرتابة أو مستحاضة فيأتي القول في ذلك في باب جامع عدة الطلاق إن شاء الله تعالى مالك عن يحيى بن سعيد عن رجل من الأنصار أن امرأته سألته الطلاق فقال لها إذا حضت فآذنيني فلما حاضت آذنته فقال إذا طهرت فآذنيني فلما طهرت آذنته فطلقها قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك قال أبو عمر هذا هو الطلاق للعدة الذي يسميه العلماء طلاق السنة لم يختلفوا فيه إذا طلقها واحدة قال مالك وأصحابه طلاق السنة أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه تطليقة واحدة وكذلك قال عبد العزيز بن أبي سلمة والليث بن سعد وبن حي والأوزاعي إلا أن بعضهم يقول طلاق السنة وبعضهم يقول الطلاق للعدة وقول مالك ومن تابعه في ذلك إجماع من العلماء لأن من خالفهم في وجوه طلاق السنة جامعهم في ذلك وقال الشافعي طلاق السنة الذي أمر الله به للعدة هو أن يطلقها طاهرا لم يمسها في ذلك الطهر ولا حائضا ولا نفساء وسواء طلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فإذا طلقها في طهر لم يمسها فيه فهو مطلق للسنة قال المزني عنه من قال لامرأته أنت طالق ثلاثا للسنة وهي طاهر من غير جماع طلقت ثلاثا معا للسنة قال مالك وإن كانت مجامعة أو حائضا او نفساء وقال لها أنت طالق

للسنة وقع الطلاق عليها حين تطهر من الحيض أو النفاس وحين تطهر من المجامعة من أول الحيض بعد قوله ومن حجة الشافعي أن الطلاق مباح وأن من له أن يوقع واحدة كان له أن يوقع ثلاثا وقد مضى القول عليه وله في أول كتاب الطلاق من هذا الكتاب وقد احتج بعض أصحابنا بما رواه الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن بن مسعود قال طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع ولم يقل واحدة ولا أكثر وهذا الحديث قد رواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله فقال فيه أو يراجعها إن شاء فدل على أن ذلك طلاق يملك فيه الرجعة وهذا يحتمل أن يكون أراد ومن طلق دون الثلاث فله الرجعة والثوري عندهم أحفظ من شعبة وقد قال الطلاق للسنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع ولم يشترط واحدة ولا أكثر جماعة من أهل العلم منهم الحسن وبن سيرين وجابر بن زيد وعكرمة ومجاهد وإبراهيم وقال أبو حنيفة وأصحابه أحسن الطلاق أن يطلقها إذا طهرت قبل الجماع طلقة واحدة ثم يتركها حتى تنقضي عدتها وإن أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها عند كل طهر واحدة قبل الجماع وهو قول الثوري قال أبو عمر كلا هذين الوجهين عند أبي حنيفة وأصحابه والثوري طلاق سنة إلا أن الأول أحسن عندهم وقال أشهب في ذلك كقولهم قال من طلق امرأته في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة ثم إذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم إذا طهرت طلقها ثالثة فهو مطلق للسنة قال أبو عمر ليس هو عند مالك وسائر أصحابه مطلقا للسنة وكيف يكون مطلقا للسنة والطلقة الثانية لا يعتد منها إلا بقرءين والطلقة الثالثة لا يعتد منها إلا بقرء واحد

وهذا خلاف السنة في العدة ومن طلق للسنة كما قال مالك ومن تابعه شهد له الجميع لأنه طلق للسنة وقال أبو حنيفة وأصحابه عن إبراهيم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يستحبون ألا يزيدوا في الطلاق على واحدة حتى تنقضي العدة وأن هذا هو الأفضل عندهم من أن يطلقها ثلاثا عند كل طهر واحدة وكذلك قال الحسن بن حي لأن يطلقها واحدة ويتركها أحب إلي من أن يطلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار وقال أحمد بن حنبل طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع واحدة ويدعها حتى تنقضي عدتها وهذا قول مالك قال ولو طلقها ثلاثا في طهر لم يمسها فيه كان أيضا مطلقا للسنة وإن كان تاركا للاختيار وهذا نحو قول الشافعي وبه قال أبو ثور وداود بن علي واتفق الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود أنه ليس في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وإنما السنة في وقت الطلاق وموضعه فمن طلق امرأته في طهر لم يصبها فيه ما شاء من الطلاق فهو مطلق للسنة قال أبو عمر روى الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود أنه قال طلاق السنة أن يطلقها تطليقة وهي طاهر من غير جماع فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك بحيضة واحدة قال الأعمش وهو قول إبراهيم روى هذا الحديث الأعمش عن علي وخالفه جماعة من أصحاب أبي إسحاق منهم شعبة والثوري وزهير بن معاوية فرووه عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن الطلاق أن يطلقها طاهرا من غير جماع ثم يدعها حتى تنقضي عدتها أو يراجعها إن شاء ولم يذكروا الطلاق عند كل طهر

وهؤلاء مقدمون في حفظ حديث أبي إسحاق عن الأعمش وغيره عند أهل العلم بالحديث وليست عندهم رواية الأعمش عن المتأخرين كروايته عن المتقدمين وقد روي عن علي رضي الله عنه في طلاق السنة ما هو الاختيار عند جماعة الأمة قال ما طلق أحد طلاق السنة فندم قيل له وما طلاق السنة ما هو قال أن يطلقها طاهرا ولم يجامعها في قبل عدتها حين تطهر فإن بدا له أن يراجعها راجعها وإلا شاء خلا سبيلها حتى تنقضي عدتها أو يطلقها حاملا قد تبين حملها باب ما جاء في عدة المرأة في بيتها إذا طلقت فيه مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد وسليمان بن يسار أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق ابنة عبد الرحمن بن الحكم البتة فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم فارسلت عائشة أم المؤمنين إلى مروان بن الحكم وهو يومئذ أمير المدينة فقالت اتق الله واردد المرأة إلى بيتها فقال مروان في حديث سليمان إن عبد الرحمن غلبني وقال مروان في حديث القاسم أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس فقالت عائشة لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة فقال مروان إن كان بك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر قال أبو عمر اختلف العلماء في سكنى المبتوتة ونفقتها على ثلاثة أقوال أحدها أن لها السكنى والنفقة وهو قول الكوفيين والآخر أن لها السكنى ولا نفقة لها وهو قول مالك والشافعي وأكثر أهل الحجاز

والثالث أنها لا سكنى لها ولا نفقة وهو قول أحمد وطائفة فمن هنا أبى مروان أن يرد المرأة إلى بيتها واحتج بحديث فاطمة بنت قيس وسيأتي حديث فاطمة بنت قيس بما فيه من المعاني بعد هذا إن شاء الله تعالى واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد أن المبتوتة لا تنتقل عن دارها ولا تبيت إلا في بيتها كل ليلة وروي عن علي وبن عباس وجابر أن المبتوته لا سكنى لها ولا نفقة وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وسنذكر أقوال الصحابة والآثار المرفوعة في هذه المسألة في الباب بعد هذا عند ذكر حديث فاطمة بنت قيس إن شاء الله تعالى وأما قول مروان لعائشة إن كان بك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر فمعناه أن عائشة كانت تقول وتذهب إلى أن فاطمة بنت قيس لم يبح لها رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج من بيتها الذي طلقت فيه إلا لما كانت طلقت فيه من البذاء بلسانها على قرابة زوجها الساكنين معها في دار واحدة ولأنها كانت معهم في شر لا يطاق وكانت عائشة تتأول في قول الله عز وجل لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفحشة مبينة الطلاق أن الفاحشة هنا أن تبدو على أهل الزوج فقال لها مروان إن كان بك الشر أي كنت تذهبين إلى أن الشر النازل بين فاطمة وأحمائها هو كان السبب إلى أن تخرج بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم من دارها فحسبك ما بين ابنة عبد الرحمن وزوجها من الشر إذا طلقها وبينها وبين بعض أحمائها أيضا فنقول فيجوز لها ما جاز لفاطمة بنت قيس من الانتقال من أجل الشر الذي نزل بينهما ذكر سنيد قال حدثني أبو معاوية عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال قلت لسعيد بن المسيب أين تعتد المطلقة قال في بيتها قلت أليس قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت بن أم مكتوم فقال سعيد تلك المرأة فتنت الناس استطالت على أحمائها بلسانها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت بن أم مكتوم وكان مكفوف البصر قال وحدثني هشيم قال أخبرنا يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق امرأته وهي بنت عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص فانتقلها أبوها في عدتها فأرسلت عائشة إلى مروان

اتق الله واردد المرأة إلى بيت زوجها تعتد فيه فقال مروان إن أباها غلبني على ذلك قال يحيى فحدثني القاسم بن محمد أن مروان بن الحكم حين بعثت إليه عائشة أرسل إليها أما بلغك حديث فاطمة بنت قيس فقالت عائشة دع عنك حديث فاطمة بنت قيس فقال مروان أبك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر قال مالك لا تنتقل المطلقة المبتوتة ولا الرجعية ولا المتوفى عنها زوجها ويخرجن بالنهار ولا يبتن إلا في بيوتهن وهو قول الليث وقال أبو حنيفة لا تنتقل المبتوتة ولا المتوفى عنها عن بيتها الذي كانت تسكنه وتخرج المتوفى عنها بالنهار ولا تبيت ولا تخرج المطلقة ليلا ولا نهارا وقال الشافعي للمطلقة السكنى في منزل زوجها حيث كانت معه حتى تنقضي عدتها وسواء أكان يملك الرجعة أو لا يملكها وإن كان المسكن بكراء فهو على زوجها المطلق لها حدثني خلف بن قاسم وعبد الله بن محمد بن أسد قالا حدثنا عبد الله بن جعفر وعبد الله بن الورد قالا حدثنا هارون بن كامل قال حدثني أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب كان يقول لا يحل لامرأة مطلقة أن تبيت عن بيتها ليلة واحدة ما كانت في عدتها وحدثني أحمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن يونس عن بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو عامر العقدي عن عبد الحكم بن أبي فروة قال سمعت عمر بن عبد العزيز ما بال رجال يقول أحدهم لامرأته اذهبي إلى أهلك ويطلقها في أهلها فنهى عن ذلك أشد النهي ونهى عبد الحكم يعني بذلك العدة في بيت زوجها مالك عن نافع أن بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كانت

تحت عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان فطلقها البتة فانتقلت فأنكر ذلك عليها عبد الله بن عمر مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر طلق امرأة له في مسكن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكان طريقه إلى المسجد فكان يسلك الطريق الأخرى من أدبار البيوت كراهية أن يستأذن عليها حتى راجعها مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب سئل عن المرأة يطلقها زوجها وهي في بيت بكراء على من الكراء فقال سعيد بن المسيب على زوجها قال فإن لم يكن عند زوجها قال فعليها قال فإن لم يكن عندها قال فعلى الأمير قال أبو عمر أما حديثه عن نافع أن عبد الله بن عمر أنكر على ابنه سعيد بن زيد انتقالها من بيتها حين طلقها عبد الله بن عمرو بن عثمان فهو مذهبه ومذهب أبيه عمر بن الخطاب وبن مسعود وعائشة وأكثر الصحابة وجمهور الفقهاء لعموم قول الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة الطلاق وأجمعوا أن المطلقة طلاقا يملك فيه زوجها رجعتها أنها لا تنتقل من بيتها وإنما اختلفوا في المبتوتة هل عليها السكنى وهل على زوجها أن يسكنها أم لا وسنذكر هذا في الباب بعد هذا وجمهور العلماء بالمدينة وسائر الحجاز والعراق يقولون لا تعتد إلا في بيتها واختلفوا في إحداد المطلقة وسنذكر هذين المعنيين بأبلغ من هذا في موضعهما إن شاء الله تعالى وأما حديث بن عمر في سلوكه من أدبار البيوت حين طلق امرأته كراهية أن يستأذن عليها حتى راجعها فهو من ورعه

وغيره كان يأمر المطلقة الرجعية أن تتزين وتتشوف لزوجها وتتعرض له وروي ذلك عن جماعة من فقهاء التابعين وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال تتشوف له وقال بن عباس لا يصلح له أن يرى شعرها وقد روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين فكان يستأذن عليها ذكره أبو بكر عن عبده بن سليمان عن عبيد الله وروى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال إذا طلق الرجل امرأته تطليقة فإنه يستأذن عليها وتلبس ما شاء من الثياب والحلي فإن لم يكن لهما إلا بيت واحد فليجعلا بينهما سترا ويسلم إذا دخل وقال معمر عن الزهري وقتادة في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين قالا تتشوف له وقال إبراهيم لا يكون معها في بيتها ولا يدخل عليها إلا بإذن وقال الحسن ومجاهد وعطاء وقتادة يشعرها بالتنحنح والتنخم ونحو ذلك وقال مالك في المطلقة الرجعية لا يخلو معها ولا يدخل عليها إلا بإذن ولا ينظر إليها إلا وعليها ثيابها ولا ينظر إلى شعرها ولا بأس أن يأكل معها إذا كان معها غيرهما ولا يبيت معها في بيت ولا ينتقل عنها وقال بن القاسم رجع مالك عن ذلك وقال لا يدخل عليها ولا يرى شعرها ولا يأكل معها وقال الثوري لا بأس أن تتشوف له وتتزين وتسلم ولا يستأذن عليها ولا يؤذنها ويؤذنها بالتنحنح ولا يرى لها شعرا ولا محرما وهو قول أبي يوسف وقال الأوزاعي لا يدخل عليها إلا بإذن وتتشوف له وتتزين وتبدي البنان والكحل وقال أبو حنيفة لا بأس أن تتزين المطلقة الرجعية لزوجها وتطيب وقال أبو يوسف مرة يدخل عليها بغير إذن إلا أنه يتنحنح ويخفق نعليه ومرة

قال لا يدخل عليها إلا بإذن ولا يرى شيئا من محاسنها حتى يراجعها ولم يختلف أبو حنيفة وأصحابه في أنها تتزين له وتتطيب وتلبس الحلي وتتشوف وقال الحسن بن حي يعتزلها ولا يرى شعرها ولا ينظر إليها ويبيتان وبينهما حجاب وتتعرض له وتتزين وقال الليث لا يرى شيئا من محاسنها حتى يراجع وذكر المزني عن الشافعي قال المطلقة طلاقا يملك رجعتها محرمة على مطلقها تحريم المبتوتة حتى يراجع قال ولا تكون رجعة إلا بالكلام فإن جامعها ينوي الرجعة أو لا ينوي فليس برجعة ولها عليه مهر المثل قال أبو عمر لا أعلم أحدا أوجب عليه مهر المثل إلا الشافعي والله أعلم وليس قوله بالقوي لأنها في حكم الزوجين ترثه ويرثها فكيف يجب مهر في وطء امرأة حكمها في أكثر أحكامها حكم الزوجة لأن الشبهة في قوله فرية لأنها عليه محرمة إلا برجعته لها وقد أجمعوا أن الموطوءة بشبهة يجب لها المهر وحسبك بهذا وقال بن القاسم عن مالك إذا وطئها في العدة وهو يريد الرجعة وجهل أن يشهد فهي رجعة وإلا فليست برجعة وقال ينبغي للمرأة أن تمنعة الوطء حتى يشهد وقال أبو حنيفة وأصحابه إن وطئها أو لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها لشهوة فهي رجعية وقول الثوري ينبغي أن يشهد وقال بن أبي ليلى إذا راجع ولم يشهد صحت الرجعة إذا أقرت وكذلك قول مالك وروى الوليد بن مسلم عن مالك أن القبلة والنظر إلى الفرج لا تقع به رجعة وكذلك قال الليث وقال الحسن بن حي الجماع واللمس بعدد والنظر إلى الفرج ليس برجعة قال أبو عمر لم يختلفوا فيمن باع جاريته بالخيار له ثم وطئها في أيام

الخيار أنه قد ارتجعها بذلك إلى ملكه واختار نقض البيع بفعله ذلك وللمطلقة الرجعية حكم من ذلك وقال مالك والشافعي لا يسافر بها حتى يراجعها وقد قال أبو حنيفة وأصحابه إلا زفر فإنه روى عنه الحسن بن زياد أن له أن يسافر بها قبل الرجعة وروى عنه عمرو بن خالد لا يسافر بها حتى يراجع وأما قول سعيد بن المسيب قال إذا طلقها في بيت بكراء فعليه الكراء فإن لم يجد فعليها فإن لم تجد فعلى الأمير فالمعنى عندي فيه والله أعلم أن الكراء عليه والإسكان كما عليه النفقة وظاهر القرآن قد صرح بالإسكان في قوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم الطلاق فلما لم يجد سقط ذلك عنه والله أعلم وقد يحتمل أن تكون زوجته إذا أدت الكراء أن تنصرف به عليه لأن من لزمه شيء في اليسر لزم ذمته في العسر ويحتمل أن يكون لما لم يجد سقط عنه ذلك وانتقل إليها بدليل قوله عز وجل لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الطلاق ففرض عليهن أن لا يخرجن كما فرض عليهم أن لاتخرجوهن فلما انتقل إليها وجوب غرم الكراء لم يعد عليه لأنه إنما لزمه في حال اليسار وقد قال مالك في الحامل المبتوتة أن لها على زوجها النفقة إن كان موسرا وإن كان معسرا فلا نفقة لها عليه وأما قوله فعلى الأمير في ذلك لأن للفقراء والغارمين حقا في بيت المال في الصدقات فالحجة في ذلك قول الله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والمسكين التوبة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا أو عيالا فعلي

باب ما جاء في نفقة المطلقة مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شيء فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند عبد الله بن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده فإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم بن هشام خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له أنكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته ثم قال أنكحي أسامة بن زيد فنكحته فجعل الله في ذلك خيرا واغتبطت به مالك أنه سمع بن شهاب يقول المبتوتة لا تخرج من بيتها حتى تحل وليست لها نفقة إلا أن تكون حاملا فينفق عليها حتى تضع حملها قال مالك وهذا الأمر عندنا قال أبو عمر أما قول فاطمة في هذا الحديث أن زوجها طلقها البتة ففيه جواز طلاق البتة لأنه لم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يختلف في هذا اللفظ عن مالك في هذا الحديث وكذلك رواه الليث عن الأعرج عن أبي سلمة عن فاطمة

وكذلك رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن فاطمة وكذلك رواه مجالد عن الشعبي عن فاطمة وكذلك رواه الليث عن أبي الزبير عن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو بن حفص أن جده طلق فاطمة البتة وقد روي أنه طلقها ثلاثا مجتمعات وروي عنه أن طلاقه ذلك كان آخر ثلاث تطليقات وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في التمهيد وذكرنا هذه المسألة مجودة في أول كتاب الطلاق والحمد لله وفي هذا الحديث نص ثابت أن المبتوتة ليس لها نفقة على زوجها الذي بت طلاقها وهذا إذا لم تكن حاملا فإن كانت المبتوتة حاملا فالنفقة لها بإجماع من العلماء لقول الله عز وجل في المطلقات المبتوتات وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن الطلاق وهذا لا شك في المبتوتات لأن اللواتي لازواجهن عليهن الرجعة لا خلاف بين علماء الأمة في أن النفقة لهن وسائر المؤنة على أزواجهن حوامل كن أو غير حوامل لأنهن في حكم الزوجات في النفقة والسكنى والميراث ما كن في العدة وهذا بين واضح في أن قوله عز وجل وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن الطلاق أنهن المبتوتات واختلف العلماء في النفقة للمبتوتة إذا لم تكن حاملا فأباها قوم وهم أهل الحجاز منهم مالك والشافعي وتابعهم على ذلك أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وحجتهم هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ليس لك عليه نفقة وهو حديث مروي من وجوه صحاح متواترة عن فاطمة وممن قال إن المبتوتة لا نفقة لها إن لم تكن حاملا عطاء بن أبي رباح وبن شهاب وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن البصري وبه قال الليث بن سعد والأوزاعي وبن ابي ليلى حدثنا عبد الوارث بن أبي سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قال أخبرنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث قال

حدثني عقيل بن خالد عن بن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن فاطمة بنت قيس وهي أخت الضحاك بن قيس أخبرته أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة فطلقها ثلاثا وأمر وكيله لها بنفقة رغبت عنها فقال وكيله ما لك علينا من نفقة فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال لها صدق ونقلها إلى بن أم مكتوم وذكر تمام الخبر وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي لكل مطلقة السكنى والنفقة ما دامت في العدة حاملا كانت أو غير حامل مبتوتة أو رجعية وهو قول عثمان البتي وبن شبرمة وحجتهم في ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه و عبد الله بن مسعود قالا في المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة ما كانت في العدة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا المعلى قال حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر قال المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة ما دامت في العدة وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت طلقني زوجي ثلاثا فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فقال لا نفقة لك ولا سكنى قال فذكرت ذلك لإبراهيم فقال قال عمر بن الخطاب لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثني المعلى قال حدثني يعقوب عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول لا يجوز في دين المسلمين قول امرأة وكان يجعل للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة

وروى شعبة عن حماد عن إبراهيم عن شريح في المطلقة ثلاثا قال لها النفقة والسكنى وقالت طائفة المطلقة المبتوتة إن لم تكن حاملا لا سكنى لها ولا نفقة منهم الشعبي وميمون بن مهران وعكرمة ورواية عن الحسن وروي ذلك عن علي وبن عباس وجابر بن عبد الله وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن شاذان قال حدثنا المعلى بن منصور قال أخبرنا أبو عوانة عن مطرف عن عامر قال سألت فاطمة بنت قيس عن المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فقالت طلقني زوجي ثلاثا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت النبي عليه السلام فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة فقيل لعامر إن عمر لم يصدقها فقال عامر ألا تصدق امرأة فقيهة نزل بها هذا وروى مجاهد وغيره هذا الحديث عن الشعبي فزاد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها لا سكنى لك ولا نفقة إنما السكنى والنفقة لمن لزوجها عليها رجعة وحدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني يزيد بن هارون قال حدثني عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال جلست إلى سعيد بن المسيب فسألته فقال إنك لتسأل سؤال رجل قد تبحر في العلم قبل اليوم قال قلت إني بأرض أسأل بها قال فكيف وجدت ما أفتيتك به مما يفتيك به غيري ممن سألت من العلماء قلت وافقتهم إلا في فريضة واحدة قال وما هي قلت سألتك عن المطلقة ثلاثا أتعتد في بيت زوجها أم تنتقل إلى أهلها فقلت تعتد في بيت زوجها وقد كان من أمر فاطمة بنت قيس ما قد علمت فقال سعيد تلك امرأة فتنت الناس وسأخبرك عن شأنها أنها لما طلقت استطالت على أحمائها وآذنتهم بلسانها فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنتقل إلى بن أم مكتوم قال قلت لئن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك إن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة مع أنها أحرم الناس عليه ليس له عليها رجعة ولا بينهما ميراث قال أبو عمر قد ذكرنا من الحجة لهذا القول وغيره في التمهيد ما فيه شفاء لمن طلب العلم لله عز وجل وأما قوله اعتدي في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي في بيت بن أم مكتوم

ففيه دليل على أن المرأة المتجالة العجوز الصالحة جائز أن يغشاها الرجال في بيتها ويتحدثون عندها وكذلك لها أن تغشاهم في بيوتهم ويرونها وتراهم فيما يحل ويجمل وينفع و لا يضر قال الله عز وجل والقواعد من النساء التي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجت بزينة النور والغشيان في كلام العرب الإلمام والورود قال حسان بن ثابت يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم تلك امرأة يغشاها أصحابي أن يلمون بها ويردون عليها ويجلسون عندها وفي رواية الشعبي في هذا الحديث في أم شريك تلك امرأة يتحدث عندها وفي رواية أبي بكر بن أبي الجهم أن بيت أم شريك يغشى وفي حديث بن الزبير أن بيت أم شريك يوطأ وقد ذكرنا الأسانيد بهذه الألفاظ في التمهيد وفي ذلك دليل على أن القوم كانوا يتحدثون بالمعاني وفي رواية بن عيينة عن مجالد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس في هذا الحديث قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاستتر مني وأشار سفيان بن عيينة بيده على وجهه وفي حديث قيلة بنت مخرمة في قدومها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بيده خلفه وقال ولم ينظر إلي يا مسكينة عليك السكينة وفي حديث بريدة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة

وقال جرير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فقال غض بصرك وهذه الآثار وما كان مثلها في معناها يدلك على أن قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس عند بن أم مكتوم تضعين ثيابك ولا يراك أراد به الإعلان بأن نظر الرجل إلى المرأة وتأمله لها وتكرار بصره في ذلك لا يجوز له لما فيه من داعية الفتنة وفي حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها انتقلي إلى بيت بن أم مكتوم فإنه رجل قد ذهب بصره فإن وضعت شيئا من ثيابك لم ير شيئا وفي هذا الحديث دليل على جواز نظر المرأة الرجل الأعمى وكونها معه وإن لم تكن ذات محرم منه في دار واحدة وبيت واحد وفي ذلك ما يرد حديث نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت كنت أنا وميمونة جالستين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن عليه بن أم مكتوم الأعمى فقال احتجبا منه فقلنا يا رسول الله أليس بأعمى ولا يبصرنا قال فعمياوان أنتما ففي هذا الحديث نهيه عن نظرهما إلى بن أم مكتوم وفي حديث فاطمة إباحة نظرها إليه ويشهد لحديث نبهان هذا ظاهر قول الله تعالى وقل للمؤمنت يغضضن من أبصرهن النور كما قال قل للمؤمنين يغضوا من أبصرهم النور ويشهد لذلك من طريق الغيرة أن نظرها إليه كنظره إليها و قد قال بعض الأعراب لأن ينظر إلى وليتي عشرة رجال خير من أن تنظر هي إلى رجل واحد ومن قال بحديث فاطمة احتج بصحة إسناده وأنه لا مطعن لأحد من أهل العلم بالحديث فيه وقال إن نبهان مولى أم سلمة ليس ممن يحتج بحديثه وزعم أنه لم يرو إلا حديثين منكرين أحدهما هذا والآخر عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي به كتابته احتجبت منه سيدته

ومن صحح حديث نبهان قال إنه معروف وقد روى عنه بن شهاب ولم يأت بمنكر وزعم أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الحجاب لسن كسائر النساء قال الله عز وجل يا نساء النبي لستن كأحد من النساء الأحزاب وقال إن نساء النبي عليه السلام لا يكلمن إلا من وراء حجاب متجالات كن أو غير متجالات وقال الستر والحجاب عليهن أشد منه على غيرهن لظاهر القرآن وحديث نبهان عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما قولها إن أبا معاوية وأبا جهم بن هشام خطباني فقد وهم فيه يحيى بن يحيى صاحبنا وغلط غلطا سمحا لأنه ليس في الصحابة أحد يقال له أبو جهم بن هشام ولا قاله أحد من رواة مالك لهذا الحديث ولا غير مالك وإنما هو أبو جهم هكذا جاء ذكره في هذا الحديث عند جماعة رواته غير منسوب وهو أبو جهم بن حذيفة بن غانم العدوي القرشي وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة بما يكفي من ذلك من ذكره وأظن يحيى شبه عليه بأبي جهل بن هشام والله أعلم وفي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنكار على فاطمة وقولها إن معاوية وأبا جهم خطباني ولا أنكر عليها ذلك بل خطبها مع ذلك لأسامة بن زيد دليل على صحة ما قدمنا ذكره في أول كتاب النكاح عن مالك وغيره من العلماء أن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطب الرجل على خطبة أخيه ليس على ظاهره وأن المعنى فيه الركون والميل والمقاربة فإذا كان ذلك لم يجز حينئذ أن يخطب أحد على خطبة أخيه وهذا في معنى نهيه صلى الله عليه وسلم أن يبيع الرجل على بيع أخيه وفي هذا الحديث دليل على أن من أخبر على أخيه لمن يستنصحه فيه عند الخطبة لما هو عليه من الخلق المذموم المعيب فليس بمغتاب وأما قوله ذلك ليس بغيبة وأنه جائز حسن من النصيحة التي هي الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له فإن الدين النصيحة لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وفي هذا الباب سؤال الحاكم عن الشاهد عنده فواجب على المسؤول أن يقول

فيه الحق الذي يعلمه لينفذ القضاء فيه بما أمره الله عز وجل به من رد شهادته للفسق أو قبولها للعدالة وفي قوله صعلوك لا مال له دليل على أن المال من واجبات النكاح وخصال الناكح وأن الفقر من عيوبه وأنه لو بين أو عرف ذلك منه ورضي به لجاز كسائر العيوب وأما قوله لا يضع عصاه عن عاتقه ففيه دليل على أن المفرط في الوصف لا يلحقه الكذب والمبالغ في النعت بالصدق لا يدركه الذم ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أبي جهم لا يضع عصاه عن عاتقه وهو قد ينام ويصلي ويأكل ويشرب ويشتغل بما يحتاج إليه من شغله في دنياه وإنما أراد المبالغة في أدب النساء باللسان واليد وربما يحسن الأدب بمثله كما يصنع الوالي في رعيته وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل أوصاه لا ترفع عصاك عن أهلك وأخفهم في الله عز وجل وروي عنه عليه السلام أنه قال علق سوطك حيث يراه أهلك والعرب تكنى بالعصاة عن أشياء كثيرة منها الطاعة والألفة ومنها الإخافة والشدة وقد أشبعنا هذا المعنى في التمهيد وأتينا بما قيل في معنى العصا أو وجوهها بالشواهد في الشعر وغيره هناك والحمد لله تعالى باب ما جاء في عدة الأمة من طلاق زوجها قال مالك الأمر عندنا في طلاق العبد الأمة إذ طلقها وهي أمة ثم عتقت بعد فعدتها عدة الأمة لا يغير عدتها عتقها كانت له عليها رجعة أو لم تكن له عليها رجعة لا تنتقل عدتها قال مالك ومثل ذلك الحد يقع على العبد ثم يعتق بعد أن يقع عليه الحد فإنما حده حد عبد قال أبو عمر هكذا قال إذا طلق العبد الأمة ثم عتقت

وهذه المسألة لا فرق فيها بين طلاق العبد الأمة وبين طلاق الحر الأمة وترجمة الباب أضبط لهذه المسألة وهي مسألة الأمة تعتق في عدتها هل تنتقل عدتها أم لا وقد اختلف العلماء فيها فقال مالك ما ذكره في هذا الباب وقال الشافعي لو أعتقت الأمة قبل انقضاء عدتها أكملت عدة حرة إذا كان الطلاق رجعيا لأن العتق وقع وهي في معاني الأزواج في عامة أمرها ويتوارثان في عدتها وقال بالحرية وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا طلق امرأته وهي أمه طلاقا رجعيا ثم أعتقت في العدة انتقلت عدتها إلى عدة الحرة وإن كان طلاقا بائنا لم ينتقل وهذا مثل قول الشافعي وقال بن أبي ليلى إذا طلقت الأمة تطليقتين فعدتها عدة الأمة وهذا وافق مالكا في الرجعي وخالفه في البائن وقال أبو حنيفة وأصحابه ولو مات عنها زوجها ثم أعتقت في العدة لم تنتقل العدة وقالوا في البائن قولين أحدهما تنتقل والآخر لا تنتقل وقال الطحاوي القياس أن ينتقل في البائن والرجعي بعيدا كما قالوا في الصغيرة إذا حاضت انتقلت عدتها إلى الحيض وهو قول بن شجاع وبن أبي عمر قال أبو عمر الصواب والله أعلم أن تنتقل عدتها في الرجعي دون البائن ودون الوفاة لأن العتق صادف في الرجعي زوجة ولم يصادف في البائن ولا في الوفاة زوجه وللشافعي في عدة الوفاة قولان أحدهما تنتقل والآخر لا تنتقل

واختار المزني أن تنتقل إلى عدة حرة قياسا على المعدلة بالشهور لأنه لا تكون حرة وهي تعتد عدة أمة كما لا تكون ممن لا تحيض وتعتد بالشهور وقال مالك لا يغير عتقها عدتها في الطلاق ولا في الوفاة وقال الشعبي تكمل عدة حر في الطلاق والوفاة إذا عتقت قبل انقضاء العدة وكذلك قال أبو الزناد وقال الأوزاعي في الذي يموت عنها زوجها فتعتق في العدة أنها تكمل عدة الحرة أربعة أشهر وعشرا وروي عنه فيمن طلق أمته طلقتين ثم أعتقت قال إن كانت اعتدت منه قبل العتق حيضة اعتدت إليها أخرى وفي هذا الباب قال مالك والحر يطلق الأمة ثلاثا وتعتد بحيضتين والعبد يطلق الحرة تطليقتين وتعتد ثلاثة قروء قال أبو عمر هذه المسألة قد مضت في باب طلاق العبد فلا معنى لتكرير القول فيها ها هنا قال مالك في الرجل تكون تحته الأمة ثم يبتاعها فيعتقها أنها تعتد عدة الأمة حيضتين ما لم يصبها فإن أصابها بعد ملكه إياها قبل عتاقها لم يكن عليها إلا الاستبراء بحيضة قال أبو عمر قد مضى أيضا القول في أن الأمة إذا ابتاعها زوجها انفسخ النكاح وحلت له بملك اليمين وذكرنا ما للعلماء في ذلك فإذا أعتقها بعد شرائه لها قبل أن يمسها لزمها أن تعتد منه وقد اختلف العلماء في عدتها ها هنا فمنهم من قال تعتد عدة أمة حيضتين ومنهم من قال تعتد عدة حرة ثلاثة قروء ورووا عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بريرة أن تعتد عدة حرة وعن إبراهيم وبن شهاب قالا أعتقت بريرة فاعتدت عدة حرة وأما من قال تعتد حيضتين فيقول لزمتها العدة حين ابتاعها وذلك حين فسخ النكاح بينهما وهي أمة فعدتها عدة أمة

وقد ذكرنا في هذا الباب مثل هذه المسألة في العتق بعد الطلاق الرجعي والبائن وبعد الوفاة أيضا وهذه وتلك سواء وأما قوله فإن أصابها بعد ملكه لها قبل عتقها لم يكن عليها إلا استبراء بحيضة وهذا قول صحيح لأن وطأة لها يهدم عدتها فإذا أعتقها بعد وطئه لها لم تعتد من فسخ النكاح وقال عدتها استبراء رحمها وذلك حيضة عند المدنيين وأما الكوفيون فيقولون هي حرة ولا يستبرأ رحم الحرة في العدة ولا شبهة إلا بثلاثة قروء وقد مضت هذه المعاني والحمد لله كثيرا باب جامع عدة الطلاق مالك عن يحيى بن سعيد وعن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي عن سعيد بن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب إيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فإنها تنتظر تسعة أشهر فإن بان بها حمل فذلك وإلا اعتدت بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر ثم حلت قال أبو عمر رواه بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال قضى عمر بن الخطاب أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها ولم تعلم من أين ذلك ثم ذكر مثله إلى آخره سواء قال مالك الأمر عندنا في المطلقة التي ترفعها حيضتها حين يطلقها زوجها أنها تنتظر تسعة أشهر فإن لم تحض فيهن اعتدت ثلاثة أشهر فإن حاضت قبل أن تستكمل الأشهر الثلاثة استقبلت الحيض فإن مرت بها تسعة أشهر قبل أن تحيض اعتدت ثلاثة أشهر فإن حاضت الثانية قبل أن تستكمل الأشهر الثلاثة استقبلت الحيض فإن مرت بها تسعة أشهر قبل أن تحيض اعتدت ثلاثة أشهر فإن حاضت الثالثة كانت قد استكملت عدة الحيض فإن لم تحض استقبلت ثلاثة أشهر ثم حلت

ولزوجها عليها في ذلك الرجعة قبل أن تحل إلا أن يكون قد بت طلاقها قال أبو عمر اختلف العلماء في التي ترتفع حيضتها وهي معتدة من طلاق فقال مالك في موطئه بما ذكره عن عمر وقال بن القاسم عن مالك إذا حاضت المطلقة ثم ارتابت فإنها تعتد بالتسعة الأشهر من يوم رفعتها حيضتها لا من يوم طلقت وفي رواية بن القاسم عن مالك بيان الوقت الذي منه تعتد وقال مالك في التي يرفع الرضاع حيضتها إنها لا تحل حتى تحيض ثلاث حيض وليست كالمرتابة وقال الليث بن سعد والثوري وأبو حنيفة والشافعي في التي ترتفع حيضتها ولم يتبين لها ذلك ان عدتها الحيض أبدا حتى تدخل في السن التي لا تحيض في مثله مثلها من النساء فتستأنف عدة الآيسة للشهور وقال الليث تعتد ثلاثة أقراء وإن كانت في سن فإن مات زوجها في ذلك ورثته إذا كانت ممن يعرف النساء أن حيضتها على نحو ما ذكرت وقال الأوزاعي في رجل طلق امرأته وهي شابة فارتفع حيضها فلم يأتها ثلاثة أشهر فإنها تعتد ستة وهذا نحو قول مالك ومذهب عمر رضي الله عنه وروي عن بن مسعود لا تنقضي عدتها إذا لم تكن يائسة ولا صغيرة إلا بالحيض وعن بن عباس في التي ارتفع حيضها سنة وقال تلك الريبة وعن علي وزيد رضي الله عنهما أنها ليست يائسة بارتفاع حيضها قال أبو عمر صار مالك في هذا الباب إلى ما رواه عن عمر فيه وعن بن عباس مثله وهو أعلى ما روي إلى ذلك إلى ما رواه عليه الفتوى والعمل ببلده وصار غيره في ذلك إلى ظاهر القرآن وما روي عن بن مسعود وزيد وقد روي عن علي مثله من وجه ليس بالقوي وظاهر القرآن لا مدخل فيه لذوات الأقراء في الاعتداد بالشهور وإنما تعتد بالشهور اليائسة والصغيرة فمن لم تكن يائسة ولا صغيرة فعدتها الأقراء وإن تباعدت كما قال بن شهاب والله الموفق للصواب

وقال أحمد بن حنبل إذا ارتفع حيض المطلقة وقد حاضت حيضة أو حيضتين اعتدت سنة بعد انقضاء الحيض وإن كانت أمة اعتدت أحد عشر شهرا تسعة أشهر للحمل واثنان للعدة قال أبو عمر ذكر مالك عن بن شهاب في باب الأقراء أنه سمعه يقول عدة المطلقة الأقراء وإن تباعدت وهو يدخل في هذا الباب إلا أنه مخالف لمذهب مالك فيه موافق لقول الشافعي ومن تابعه وقد رواه معمر عن الزهري في التي لا تحيض إلا في الأشهر قال تعتد بالحيض وإن تطاول واختلف الحسن وبن سيرين في هذه المسألة فقال الحسن فيها بما روي عن عمر وذلك معنى قول مالك وقال بن سيرين فيها مذهب بن مسعود لقول الكوفيين والشافعي وأما قول بن مسعود فيها فذكر أبو بكر قال حدثني أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أنه طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين فحاضت حيضة أو حيضتين في ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ثم لم تحض الثالثة حتى ماتت فأتى عبد الله فذكر له ذلك وقال عبد الله حبس الله عليه ميراثها وورثها وروى سفيان عن بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء قال إذا حاضت المرأة في السنة ستة فأقراؤها ما كانت قال عمرو وقال طاوس يكفيها ثلاثة أشهر فقول أبي الشعثاء أحب إلي وأما ما ذكره مالك في هذا الباب مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول الطلاق للرجال والعدة للنساء فقد مضى مع ذلك كسائر العلماء في باب طلاق العبيد ونعيده ها هنا كذكر مالك له في هذا الموضع ذكرا مختصرا فنقول ذهب مالك والشافعي إلى أن الطلاق بالرجال والعدة بالنساء وهو قول سعيد بن المسيب وجمهور فقهاء الحجاز أن الله عز وجل أضاف

الطلاق إلى الرجال لقوله إذا طلقتم النساء البقرة و فقال أبو حنيفة الطلاق والعدة للنساء وهو قول جماعة أهل العراق وحجته حديث بن جريج عن مظاهر بن أسلم عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان فأضاف إليها الطلاق والعدة جميعا إلا أن مظاهر بن اسلم انفرد بهذا الحديث وهو ضعيف وقد روي عن بن عمر أنه قال أيهما رق نقص طلاقه وقال به فرقة من العلماء وقال قوم عدة الحرة والأمة سواء والطلاق من أزواجهما لهما سواء فلا يبين ولا يحرم على العبد ولا على الحر زوجته إلا بثلاث تطليقات وعدة كل أمة وكل حرة سواء ثلاثة أقراء وفي الوفاة أربعة أشهر وعشرا وممن قال بهذا عبد الرحمن بن كيسان وداود بن علي وجماعة أهل الظاهر مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال عدة المستحاضة سنة قال أبو عمر اختلف العلماء في عدة المستحاضة فقال مالك عدة المستحاضة سنة الحرة والأمة في ذلك سواء وهو قول الليث قال الليث عدة المطلقة والمستحاضة المتوفى عنها سنة إذا كانت مستحاضة وقال أبو حنيفة وأصحابه عدة المستحاضة وغيرها سواء ثلاث حيض إن كانت الأقراء معروفا موضعها وإلا فهي كالآيسة وقال الشافعي إذا طبق عليها الدم فإن كان دمها ينفصل فيكون في أيام أحمر قانيا محتدما كثيرا أو فيما بعد رقيقا قليلا فحيضها أيام الدم المحتدم الكثير وطهرها أيام الدم الرقيق المائل إلى الصفرة

وإن كان دمها مشتبها كله كان حيضتها بقد عدد أيام حيضها فيما مضى قبل الاستحاضة وإن بدت مستحاضة أو قيست أيام حيضتها ذكرت الصلاة يوما وليلة واستقبل عليها الحيض من أول هلال يأتي عليها بعد وقوع الطلاق فإذا هل هلال الشهر الرابع انقضت عدتها وقال الحسن البصري والزهري وجابر بن زيد وعطاء والحكم وإبراهيم وحماد تعتد المستحاضة بالأقراء وقال طاوس وعكرمة تعتد بالشهور وبه قال قتادة وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة إن كانت أقراؤها معلومة مستقيمة فعدتها أقراؤها وإن اختلطت عليها فعدتها سنة قال أبو عبيد إذا جهلت أقراءها فعدتها ثلاثة أشهر وإن علمتها اعتدت بها قال أبو عمر أما إذا كانت أقراؤها معلومة فهي من ذوات الأقراء فعند جابر أن تعتد بالشهور أليست عليها حيضتها وعلمت أنها تحيض في كل شهر مرة اعتدت ثلاثة أشهر وكذلك إن علمت أنها ممن تحيض لمدة معلومة اعتدت بأقرائها وإن تباعدت والله أعلم وقال مالك في المتوفى عنها زوجها إن ارتابت من نفسها انتظرت حتى تذهب عنها الريبة وإن لم ترتب فعدتها أربعة أشهر وعشر قال أبو عمر أوجب الله تعالى على المتوفى عنها زوجها أن تتربص أربعة أشهر وعشرا قبل أن تنكح وأجمع العلماء على أن ذلك عام في الحرة الصغيرة والكبيرة ما لم تكن حاملا عبادة من الله في الصغيرة وبراءة للأرحام فيمن يخاف عليهن الحمل وحفظا للأنساب واختلفوا هل يلزم ذوات الأقراء أن تكون الأربعة الأشهر والعشر فيهن حيضة أم لا فقال مالك وأصحابه إن المتوفى عنها إن كانت ممن تحيض فلا بد من حيضة في الأربعة الأشهر والعشر لتصح بها براءة رحمها وإن لم تحض فهي عندهم سواء به على اختلاف أصحابه في ذلك

وروى أشهب وبن نافع عن مالك أنه سأله بن كنانة على الحرة تعتد أربعة أشهر وعشرا ولم تسترب وذلك أن حيضتها من ستة أشهر إلى ستة أشهر أتتزوج قال لا تتزوج حتى تحيض وتبرأ من الريبة قال بن نافع أرى أن تتزوج ولا تنتظر وأما التي لا تتزوج فهي التي وفت حيضتها أربعة أشهر وعشرا مما دون فيتجاوز الوقت ولم تحض بتلك المدة وروى بن القاسم عن مالك قال إذا كانت عادتها في حيضتها أكثر من أمر العدة ولم تسترب نفسها ورآها النساء فلم يروا بها حملا تزوجت إن شاءت وروى بن حبيب عن بن الماجشون مثل ذلك وروي عن مطرف عن مالك مثل رواية أشهب وبن نافع قال أبو عمر الذي عليه مذهب أبي حنيفة والثوري والشافعي وجمهور أهل العلم أن الأربعة الأشهر والعشر للمتوفى عنها برء ما لم تسترب نفسها ريبة تنفيها بالحمل فتكون عدتها وضع حملها حينئذ دون مراعاة الأربعة الأشهر والعشر قال مالك والمرتفعة الحيض من المرض كالمرتابة في العدة قال والأمة المستحاضة والمرتابة بغير الحيض حالهما في العدة وحال الحرة سواء سنة وقال مالك في قوله عز وجل إن ارتبتم الطلاق معناه إن لم تدروا ما تصنعون في أمرها وقال مالك في التي يرفع الرضاع حيضتها إنها لا تحل حتى تحيض ثلاث حيض وليست كالمرتابة والمستحاضة قال أبو عمر أما التي يرتفع حيضها من أجل الرضاع فقد ذكر مالك فيها حديثا في كتاب طلاق المريض عن يحيى بن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان أن عثمان قضى فيها عن رأي أنها ترث زوجها إذا لم تحض ثلاث حيض وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب قال كتب إلى الزهري أن رجلا طلق امرأته وهي ترضع ابنا له فمكثت سبعة أشهر أو ثمانية أشهر لا تحيض فقيل له إن مت ورثتك فقال احملوني إلى عثمان فحملوه فأرسل عثمان إلى علي وزيد فسألهما فقالا نرى أن ترثه فقالا لأنها ليست من اللاتي يئسن من المحيض ولا من اللاتي لم يحضن وإنما يمنعها من الحيض الرضاع فأخذ الرجل ابنه منها فلما فقدته

حاضت حيضة ثم حاضت في الشهر الثاني حيضة أخرى ثم مات قبل أن تحيض الثالثة فورثته قال وحدثنا أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن جده حبان بن منقذ كانت عنده امرأتان امرأة من بني هاشم وامرأة من الأنصار وأنه طلق الأنصارية وهي ترضع وكانت إذا أرضعت مكثت سنة لا تحيض فمات حبان عن رأس السنة فورثها عثمان وقال للهاشمية هذا رأي بن عمك علي بن أبي طالب وفي هذا الباب قال مالك السنة عندنا أن الرجل إذا طلق امرأته وله عليها رجعة فاعتدت بعض عدتها ثم ارتجعها ثم فارقها قبل أن يمسها أنها لا تبني على ما مضى من عدتها وأنها تستأنف من يوم طلقها عدة مستقبلة وقد ظلم زوجها نفسه وأخطأ إن كان ارتجعها ولا حاجة له بها قال أبو عمر على هذا أكثر أهل العلم لأنها في حكم الزوجات المدخول بهن في النفقة والسكنى وغير ذلك وكذلك تستأنف العدة من يوم طلقت وهو قول جمهور أهل الكوفة والبصرة ومكة والمدينة والشام وقال الثوري أجمع الفقهاء عندنا على ذلك وقال عطاء بن أبي رباح وفرقة تمضي في عدتها من طلاقها الأول وهو أحد قولي الشافعي قال أبو عمر لأن طلاقه لها إذا لم يمسها في حكم من طلقها في عدتها قبل أن يراجعها ومن طلق امرأته في كل طهر مرة وبنت لم تستأنف وقال داود ليس عليها أن تتم عدتها ولا عدة مستقبلة قال أبو عمر لأنها مطلقة قبل الدخول وشذ في ذلك قال أبو عمر فلو كانت بائنة منه غير مبتوتة فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول فقد اختلفوا في ذلك أيضا فقال مالك والشافعي وزفر ومحمد وعثمان البتي لها نصف الصداق وتتم بقية العدة الأولى وهو قول الحسن وعطاء وعكرمة وبن شهاب وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي لها مهر للنكاح الثاني

وعدة مستقبلة جعلوها في حكم المدخول بها لاعتدادها من مئة وليس عندي بشيء والله أعلم وقال داود لها نصف الصداق وليس عليها بقية العدة الأولى ولا عدة مستقبلة بشيء أيضا قال مالك والأمر عندنا أن المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر ثم أسلم فهو أحق بها ما دامت في عدتها فإن انقضت عدتها فلا سبيل له عليها وإن تزوجها بعد انقضاء عدتها لم يعد ذلك طلاقا وإنما فسخها منه الإسلام بغير طلاق قال أبو عمر قد ذكرنا ما للعلماء في أحكام الكافر يسلم قبل زوجته والكافرة قبل زوجها في باب نكاح الشرك إذا أسلمت زوجته من هذا الكتاب والفرق بين الفسخ والطلاق وإن كان كل واحد منهما فراقا بين الزوجين أن الفسخ إذا عاد الزوجان بعده إلى النكاح فهما على العصمة الأولى وتكون المرأة عند زوجها ذلك على ثلاث تطليقات ولو كان طلاقا ثم راجعها كانت عنده على طلقتين وأما اختلاف الفقهاء في إنابة الزوج من الإسلام إذا أسلمت زوجته وهما ذميان وفرق بينهما فقال مالك وأبو يوسف والشافعي الفرقة بينهما فسخ وليس طلاق إلا أن مالكا والشافعي يقولان إنما تقع الفرقة بينهما بمضي ثلاث حيض قبل أن يسلم على ما قدمنا ذكره عنهما في بابه من هذا الكتاب وقال أبو يوسف إذا أبى أن يسلم فرق بينهما على ما ذكرنا من مذهبه ومذهب أصحابهم في ذلك الباب أيضا وقال أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن الحسن إذا أبى الزوج أن يسلم يفرق بينهما فهو طلاق قال أبو عمر من جعله هو شيء دخل على الزوج لم يقصده فكأنه غلب عليه فاشتبه أو شرى أحدهما صاحبه وإنما الطلاق ما اختص به الزوج طلاقا قال إيابة الزوج من الإسلام اختصاص منه بالفرقة واختيار لها فكذلك الفرقة بينهما طلاق والله أعلم

باب ما جاء في الحكمين مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب قال في الحكمين اللذين قال الله تعالى وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا النساء إن إليهما الفرقة بينهما والاجتماع قال مالك وذلك أحسن ما سمعت من أهل العلم أن الحكمين يجوز قولهما بين الرجل وامرأته في الفرقة والاجتماع قال أبو عمر أما الخبر عن علي رضي الله عنه في ذلك فمروي من وجوه ثابتة عن بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي منها ما رواه سفيان بن عيينة عن أيوب عن بن سيرين عن عبيدة السلماني قال جاء رجل وامرأة إلى علي بن أبي طالب ومع كل واحد منهما فئام من الناس فقال علي ما بال هذين فقالوا وقع بينهما شقاق قال فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها قال فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فقال لهما علي هل تدريان ما عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما فقالت المرأة رضيت بقول الله عز وجل وما فيه علي ولي فقال الرجل أما الفرقة فلا فقال علي لا والله لا تنقلب حتى تقر بما أقرت به وذكره عبد الرزاق قال أخبرني معمر عن أيوب عن بن سيرين عن عبيدة السلماني قال شهدت علي بن أبي طالب وجاءته امرأة مع زوجها مع كل واحد منهما فئام من الناس فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما فقال علي للحكمين أتدريان ما عليكما أن عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما فقال الزوج أما الفرقة فلا فقال علي كذبت والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله لك وعليك فقالت المرأة رضيت بكتاب الله لي وعلي

قال وأخبرنا معمر عن بن طاوس عن عكرمة بن خالد عن بن عباس قال بعثت أنا ومعاوية حكمين فقيل لنا إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما فقال معمر وبلغني أن الذي بعثهما عثمان بن عفان قال وأخبرنا بن جريج عن بن أبي مليكة أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت تصبر لي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة فيسكت عنها حتى إذا دخل عليها يوما وهو برم قالت أين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها وجاءت عثمان فذكرت ذلك له فضحك وأرسل إلى بن عباس ومعاوية فقال بن عباس لأفرقن بينهما وقال معاوية ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف فأتيا فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما فرجعا قال أبو عمر أجمع العلماء على أن معنى قول الله عز وجل وإن خفتم شقاق بينهما النساء أن المخاطب بذلك الحكام والأمراء وأن الضمير في بينهما للزوجين فإن قوله إن يريدا إصلحا يوفق الله بينهما النساء في الحكمين في الشقاق ذكر أبو بكر قال حدثني محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما قال هما الحكمان قال وحدثني وكيع عن سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد في قوله عز وجل إن يريدا إصلحا يوفق الله بينهما النساء قال هما الحكمان وأجمعوا أن الحكمين لا يكونان إلا من جهة الزوجين أحدهما من أهل المرأة والآخر من أهل الرجل إلا أن يوجد في أهلهما من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما وأجمعوا أن الحكمين إذا اختلفا لم ينفذ قولهما وأجمعوا أن قولهما نافذ في الجمع بينهما بغير توكيل من الزوجين

واختلفوا في الفرقة بينهما هل تحتاج إلى توكيل من الزوج أم لا فقال مالك وأصحابه يجوز قولهما في الفرقة والاجتماع بغير توكيل من الزوجين ولا إذن منهما في ذلك وهو قول الشعبي وأبي سلمة بن عبد الرحمن وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وبه قال إسحاق وروي عن بن عباس أنه قال في الحكمين إن اجتمع أمرهما على أن يفرقا أو يجمعا جاز وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما ليس لهما أن يفرقا إلا أن يجعل الزوج إليهما التفريق وهو قول عطاء والحسن قال بن جريج سمعت عطاء يسأل أيفرق الحكمان قال لا إلا أن يجعل ذلك في أيديهما الزوجان وقال الحسن يحكمان في الاجتماع ولا يحكمان في الفرقة وبه قال أبو ثور وأحمد وداود وكلا الطائفتين تحتج بقول علي رضي الله عنه وروى وكيع عن موسى عن عبيدة عن محمد بن كعب قال قال علي الحكمان بهما يجمع الله وبهما يفرق ومن حجة من قال بقول الشافعي وأبي حنيفة قول علي رضي الله عنه للزوج لا تبرح حتى ترضى بما رضيت به فدل على أن مذهبه أنهما لا يفرقان إلا برضا الزوج والأصل المجتمع عليه أن الطلاق بيد الزوج أو بيد من جعل ذلك إليه وجعله مالك ومن تابعه في باب طلاق السلطان على المولى والعنين واختلف أصحاب مالك في الحكمين يطلقان ثلاثا فقال بن القاسم تكون واحدة بائنة وروي نحو ذلك عن مالك وقال المغيرة وأشهب إن طلقها ثلاثا فهي ثلاث وبالله التوفيق

باب يمين الرجل بطلاق ما لم ينكح مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وبن شهاب وسليمان بن يسار كانوا يقولون إذا حلف الرجل بطلاق المرأة قبل أن ينكحها ثم أثم إن ذلك لازم له إذا نكحها مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول فيمن قال كل امرأة أنكحها فهي طالق إنه إذا لم يسم قبيلة أو امرأة بعينها فلا شيء عليه قال مالك وهذا أحسن ما سمعت قال أبو عمر هذا آخر الباب عند جمهور رواة الموطأ وليحيى فيه زيادة من قول مالك في بعضها وهم قال أبو عمر أما عمر بن الخطاب فلا أعلم أنه روي عنه في الطلاق قبل النكاح شيء صحيح وإنما يرويه ياسين الزيات عن أبي محمد عن عطاء الخرساني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثا قال هو كما قال ويسن مجتمع على ضعفه وأبو محمد مجهول وأبو سلمة عن عمر منقطع وإنما روي عنه فيمن ظاهر من امرأة أنه لا يقربها إن تزوجها حتى يكفر وجائز أن يقاس على قوله هذا الطلاق والله أعلم وأما بن مسعود فروى وكيع عن سفيان عن محمد بن قيس عن إبراهيم عن علقمة والأسود أنه طلق امرأة إن تزوجها فسأل بن مسعود فقال أعلمها بالطلاق ثم تزوجها قال أبو عمر يعني أنه قد كان تزوجها إذ سأل بن مسعود فأجابه بهذا وتكون عنده على اثنتين إن تزوجها وروى أبو عوانة عن محمد بن قيس عن إبراهيم عن علقمة

والأسود عن عبد الله فيمن قال إذا تزوجت فلانة فهي طالق قال هو كما قال وأما بلاغ مالك عن بن مسعود أن الحالف بالطلاق لا يلزمه إلا أن يعين قبيلة أو يسمي امرأة فلا أحفظه عنه إلا منقطعا غير متصل وأما سالم والقاسم فروي عنهما من وجوه ما ذكره مالك عنهما ذكر أبو بكر قال حدثني عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن يحيى بن سعيد قال كان يحيى والقاسم وسالم وعمر بن عبد العزيز يرون الطلاق جائزا عليه إذ وقت قال وحدثني أبو أسامة عن عمر بن حمزة أنه سأل القاسم وسالما وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعبد الله بن عبد الرحمن عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق البتة فقالوا كلهم لا يتزوجها قال وحدثني أبو أسامة حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر قال سألت القاسم بن محمد عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق قال طالق وسئل عمر عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي علي كظهر أمي قال لا يتزوجها حتى يكفر وقد روي عن سالم أنه لم ير للمخالف أن يتزوج وإن عم في يمينه ذكره أبو بكر قال حدثنا إسماعيل بن علية قال حدثني عن قدامة قال قلت لسالم بن عبد الله عن رجل قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق وكل جارية يشتريها فهي حرة فقال أما أنا فلو كنت لم أنكح ولم أشتر وأما بن شهاب فروى معمر عنه في رجل قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق وكل جارية أشتريها فهي حرة قال هو كما قال قال معمر قلت له أليس قد جاء أنه لا طلاق قبل نكاح ولا عتق إلا بعد الملك قال إنما ذلك أن يقول الرجل امرأة فلان طالق أو عبد فلان حر وروى عنه يونس بن يزيد أنه قال إنما ذلك إذا قال فلانه طالق ولا يقول إن تزوجتها وأما إن قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فهو كما قال

وقال هشام بن سعد عن الزهري إذا وقع النكاح وقع الطلاق وأما اختلاف أئمة الفتوى في هذا الباب فقال مالك في رواية يحيى في الموطأ وقاله في غير الموطأ ولم يختلف عنه أصحابه فيه إذا لم يسم الحالف بالطلاق امرأة بعينها أو قبيلة أو أرضا أو نحو هذا وعم في يمينه فليس يلزمه ذلك وليتزوج ما شاء فإن سمى امرأة أو أرضا أو قبيلة أو ضرب أجلا يبلغ عمره أكثر منه لزمه الطلاق قال وكذلك لو قال كل عبد اشتريه فهو حر فلا شيء عليه لأنه عم ولو خص جنسا أو بلدا أو ضرب أجلا يبلغ عمره مثله لزمه واختلف قوله إذا قال كل بكر أتزوجها فهي طالق ثم قال كل ثيب أتزوجها فهي طالق فمرة قال لا يتزوج وقد حرم عليه النساء نوعا بعد نوع ومرة قال إنه يتزوج لأنه قد عم في اليمين الأخرى والأول أشهر عنه وقال بن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي وإبراهيم النخعي والشعبي والليث بن سعد والأوزاعي في هذا الباب مثل قول مالك وقال بن أبي ليلى إذا عمم لم يقع وإن سمى شيئا بعينه أو جماعة بعينها أو جعل يمينه إلى أجل يبلغه وقع وقال الأوزاعي فيمن قال لامرأته كل جارية أشتريها عليك فهي حرة فيشتري عليها جارية فإنها تعتق عليه لأنه قال عليك وقال الحسن بن حي إذا قال كل مملوك أملكه فهو حر فليس بشيء ولو قال كل مملوك أشتريه أو ارثه أو نحو ذلك عتق عليه إذا ملك بذلك الوجه لأنه قد خص ولو قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فليس بشيء وإن قال من بني فلان أو من أهل الكوفة أو مسلمة أو يهودية أو نصرانية أو إلى أجل كذا لزمه قال الحسن بن صالح بن حي لا أعلم أحدا مذ وصلت الكوفة أفتى بغير هذا وقال الليث يلزمه الطلاق ولعتق فيما خص وكذلك لو قال لامرأته كل امرأة أتزوجها عليك

قال أبو عمر فهذا قول واحد من ثلاثة أقوال في هذه المسألة وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فهو كما قال تطلق حين تتزوج وهو قول عثمان البتي وبن شهاب الزهري ومكحول ذكر أبو بكر قال حدثني عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن مكحول والزهري في الرجل يقول كل امرأة أتزوجها فهي طالق أنهما كانا يوجبان ذلك عليه وقد روي عن الأوزاعي مثل ذلك وكذلك اختلف عن الثوري مروي عنه مثل قول أبي حنيفة وروي عنه مثل قول الحسن بن صالح ومالك وهذا قول ثان ومن قال بهذا القول حمل قوله لا طلاق قبل نكاح على ما قاله بن شهاب قال وهو مثل قوله لا نذر لابن آدم فيما لا يملك لأنه يحتمل أن يكون فيه النذر إذا ملكه قالوا وإنما جاء الحديث لا طلاق إلا من بعد نكاح وليس فيه لا عقد طلاق وشبهوه بعلة الأجناس أنه يستصح فيها الصدقة من قبل أن يلحق في ملكه قال أبو عمر ليس هذا كله بالقوي ولا الصحيح وهو أشبه بالتحكم ودعوى ما لا يلزم دون حجة والله أعلم والقول الثالث قول من قال لا يلزم طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك لا إذا خص ولا إذا عم وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة إلا أنها عند أهل الحديث معلولة ومنهم من يصحح بعضها ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يخالفها وسنذكرها في هذا الباب إن شاء الله عز وجل وثبت ذلك عن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وسعيد بن المسيب وشريح والحسن

وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وعلي بن حسين وأبي الشعثاء جابر بن زيد والقاسم بن عبد الرحمن ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي ونافع بن جبير بن مطعم وعروة بن الزبير وقتادة ووهب بن منبه وعكرمة وبه قال سفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود ومحمد بن جرير الطبري وكان أبو عبيد يقول فيمن قال لامرأته إن تزوجت فلانة فهي طالق لو جاءني لم آمره بالتزويج ولو تزوج لم آمره بالفراق وروي مثل ذلك عن الثوري ورواه أبو زيد عن بن القاسم وروى العتبي عن علي بن سعيد عن بن وهب عن مالك أنه أفتي رجلا حلف إن تزوجت فلانة فهي طالق أنه لا شيء عليه إن تزوجها قال وقاله بن وهب قال بن وهب ونزلت بالمخزومي فأفتاه مالك بذلك وقال محمد بن عبد الله بن محمد بن الحكم فيمن حلف بطلاق امرأة إن تزوجها أو تزوج ببلد كذا فتزوج بذلك البلد أو تزوج تلك المرأة قال ما أراه حانثا قال وقد قال بن القاسم آمر السلطان ألا يحكم في ذلك بشيء وتوقف في الفتيا به آخر أيامه قال محمد وقد كان عامة مشايخ أهل المدينة لا يرون به بأسا منهم سعيد بن المسيب وعلي بن حسين وهو قول بن أبي ذئب قال وأما مالك وجمهور أصحابه فلا يرون ذلك قال أبو عمر أحسن الأسانيد المرفوعة في هذا الباب ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد العزيز بن عبد الصمد العمي عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق إلا من بعد نكاح

قال أبو بكر وحدثني وكيع قال حدثني بن أبي ذئب وعطاء بن المنكدر عن جابر يرفعه قال لا طلاق إلا بعد نكاح قال وحدثني عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن من سمع طاوسا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طلاق قبل نكاح وكذلك رواه عبد الرزاق عن الثوري قال وأخبرنا معمر عن عمر بن عبد الواحد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا طلاق فيما لا تملك ولا عتاقة فيما لا تملك قال وأخبرنا معمر عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا رضاع بعد الفصال ولا يتم بعد حلم ولا وصال ولا صمت يوما إلى الليل ولا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك فقال له الثوري يا أبا عروة إنما هو موقوف عن علي فأبى عليه معمر إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر أما الأحاديث عن الصحابة والتابعين القائلين بأنه لا يقع الطلاق قبل النكاح وكلها ثابتة صحاح من كتاب عبد الرزاق وكتاب بن أبي شيبة وكتاب سعيد بن منصور وغيرها من الكتب ولولا كراهة التطويل لذكرناها ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال كتب الوليد بن يزيد إلى عامله بصنعاء اسأل من قبلك عن الطلاق قبل النكاح قال فسأل بن طاوس فحدثهم عن أبيه أنه قال لا طلاق قبل النكاح وسئل أبو المقدام وسماك فحدث أبو المقدام عن عطاء وحدث سماك عن وهب بن منبه أنهما قالا لا طلاق قبل نكاح قال وقال سماك إنما النكاح عقدة تعقد والطلاق حلها فكيف تحل عقدة قبل أن تعقد فكتب بقوله فأعجبه وكتب أن يبعث قاضيا وذكر أبو بكر قال حدثني وكيع عن معرف بن واصل عن الحسن بن رواح الضبي قال سألت سعيد بن المسيب ومجاهدا وعطاء عن رجل قال يوم أتزوج فلانة فهي طالق فقالوا ليس بشيء

وقال سعيد أيكون سيل قبل مطر قال وحدثني قبيصة قال وحدثني يونس بن أبي إسحاق عن آدم مولى خالد عن سعيد بن جبير قال قال بن عباس قال قال الله عز وجل يأيها الذين أمنوا إذا نكحتم المؤمنت ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن الأحزاب فلا يكون طلاقا حتى يكون النكاح قال وحدثني بن نمير عن بن جريج عن عطاء عن بن عباس قال لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك قال وحدثني وكيع قال حدثني الحسن بن صالح عن أبي إسحاق عن عكرمة عن بن عباس قال ما أبالي أتزوجتها أو وضعت يدي على هذه السارية يعني أنها حلال وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال سمعت عطاء يقول من حلف بطلاق ما لم ينكح فلا شيء عليه وكان بن عباس يقول إنما الطلاق بعد النكاح وكذلك العتاقة قال بن جريج وأخبرني عبد الكريم الجزري أنه سأل سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير عن طلاق الرجل ما لم ينكح فقالوا لا طلاق قبل أن ينكح سماها أو لم يسمها وسفيان بن عيينة عن بن عجلان أنه سمع عكرمة يحدث عن بن عباس انه كان لا يرى الطلاق ولا الظهار قبل النكاح وسفيان عن سليمان بن أبي المغيرة العبسي قال سألت سعيد بن المسيب وعلي بن حسين عن الرجل يطلق المرأة قبل أن ينكحها فقالا ليس بشيء وسفيان عن عمرو عن أبي الشعثاء أنه قال الطلاق بعد النكاح والعتق بعد الملك باب أجل الذي لا يمس امرأته مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول من

تزوج امرأة فلم يستطع أن يمسها فإنه يضرب له أجل سنة فإن مسها وإلا فرق بينهما قال أبو عمر روى هذا الخبر معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب في الذي لا يستطيع النكاح يؤجل سنة قال معمر وبلغني انه يؤجل من يوم يرفع أمرها ورواه بن جريج عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر جعل للعنين اجل سنة وأعطاها صداقها وافيا مالك أنه سأل بن شهاب متى يضرب له الأجل أمن يوم يبني بها أم من يوم ترافعه إلى السلطان فقال بل من يوم ترافعه إلى السلطان قال أبو عمر هذه المسألة في الموطأ عند جميع الرواة من قول مالك لا من قول بن شهاب ورواية يحيى وإن كانت مخالفة لهم فإنها معروفة من غير رواية مالك عن بن شهاب وهي عندي غير مرفوعة لصحة الإمكان فيها قال مالك فأما الذي قد مس امرأته ثم اعترض عنها فإني لم أسمع أنه يضرب له أجل ولا يفرق بينهما قال أبو عمر اتفق العلماء أئمة الفتوى بالأمصار على تأجيل العنين سنة إذا كان حرا وشذ داود وبن علية فلم يريا عليه تأجيلا وجعلا ذلك مصيبة نزلت بالمرأة واحتج بن علية بأنها مسألة خلاف وأن القياس ألا يؤجل كما لا يؤجل إذا أصابها مرة وروي عن الحكم بن عيينة أنه قال هي امرأته أبدا لا يؤجل وذكر الحكم أنه قول علي قال أبو عمر قد روي هذا الحديث عن علي رضي الله عنه متصلا رواه جماعة عن أبي إسحاق الهمداني عن هانئ بن هانئ قال جاءت

امرأة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالت هل لك في امرأة لا أيم ولا ذات زوج فقال وأين زوجك قال فجاء شيخ قد اجتنح فقال ما تقول هذه فقال صدقت ولكن سلها هل تنعم في مطعم أو ملبس فسألها فقالت لا فقال هل غير ذلك قالت لا قال ولا من السحر قال ولا من السحر قال علي هلكت وأهلكت فقالت المرأة فرق بيني وبينه فقال علي بل اصبري فإن الله تعالى لو أراد ولو شاء أن يبتليك بأشد من هذا فعل حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق الهمداني عن هانئ بن هانئ فذكره حرفا بحرف ومعناه عند أهل العلم أنه قد كان أصابها قبل ذلك والله أعلم وقد روي عن علي أيضا التأجيل من رواية الحكم وغيره ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال أخبرنا الحسن بن عمارة عن يحيى بن الجزار عن علي قال يؤجل العنين سنة فإن أصابها وإلا فهي أحق بنفسها وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن خالد بن كثير عن الضحاك عن علي رضي الله عنه قال يؤجل المعترض سنة فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما واعتل داود بحديث رفاعة القرظي وقد ذكرناه في باب المحلل من هذا الكتاب وذكرنا أنه لا حجة له فيه وأوضحنا ذلك والحمد لله ولا أعلم بين الصحابة خلافا في أن العنين يؤجل سنة من يوم يرفع إلى السلطان وروي ذلك عن عمر وعلي وبن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم وقد ذكرنا الخبر عنهم بذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما وخبر عمر رواه المدنيون والكوفيون والبصريون ولم يختلفوا عنه فيه وخبر علي من رواية أهل الكوفة خاصة وهو مختلف عنه فيه أيضا ولا يصح فيه عنه شيء من جهة الإسناد والله أعلم وأما الخبر عن المغيرة فذكره عبد الرزاق عن الثوري عن بن النعمان عن المغيرة بن شعبة أنه أجل العنين سنة

وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني شريك عن جابر عن الشعبي قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون يؤجل العنين سنة قال أبو عمر على هذا جماعة التابعين بالحجاز والعراق أن العنين يؤجل سنة من يوم يرفع إلى السلطان وقد روي عن بعضهم بأنه أجله عشرة أشهر وليس بشيء وإنما أجله سنة فيما ذكر والله أعلم لتكمل له المداواة والعلاج في أزمان السنة كلها لاختلاف أعراض العلل في أزمنة العام وفصوله فإن لم يبرأ في السنة يئسوا منه وفرق بينه وبين امرأته والفرقة بينهما تطليقة واحدة عند مالك وأبي حنيفة وأصحابهما والثوري وحجتهم أن الفرقة واقعة لسبب من الزوج فكان طلاقا وقال الشافعي والحسن بن حي وأبو ثور الفرقة بينهما فسخ ليست بطلاق قال الشافعي لأن الفرقة إليها دونه لا تقع إلا باختيارها ولو رضيت به على ذلك وأقامت معه على ذلك لم تقع فرقة عند الجميع وإذا لم تكن الفرقة من قبل الزوج فهو فسخ لا طلاق قال أبو عمر هذه المسألة كمسألة الأمة تعتق تحت العبد فتختار فراقه واختلافهم فيها سواء إلا من خالف أصله وقياسه وقد أجمعوا أنه لا يفرق بين العنين وامرأته بعد تمام السنة إلا أن تطلب ذلك وتختاره وروى الشعبي عن شريح قال كتب إلي عمر أن أجله سنة فإن أصابها وإلا خيرها فإن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته والعنين الذي يؤجل عند مالك هو المعترض عن امرأته وهو يطأ غيرها بعارض عرض له وكذلك كل من لا يقدر على الوطء بعارض وقد كان تقدم منه الوطء أو لم يتقدم إذا كان بصفة من يمكنه الوطء وهذه الصفات في المعترض الذي يؤجل سنة وأما العنين والمجبوب والخصي فلا يؤجلون وامرأة كل واحد منهم بالخيار إن شاءت رضيت وإن شاءت فارقت

وأما الشافعي فمذهبه فيما رواه المزني والربيع عنه أن كل من يمكن منه الوطء تام أو مقطوع بعضه إلا أنه بقي له ما وقع موقع الرجل الذي يغيب حشفته في الفرج وكذلك الخنثى والعنين والمعترض عنها دون غيرها فكل واحد من هؤلاء إذا لم يمس امرأته لم يفرق بينهما إلا بعد تأجيل سنة من يوم تطلب فراقه فإن أصابها في السنة إصابة يغيب بها الحشفة في الفرج أو ما بقي من الذكر وإلا فلها الخيار في فراقه أو المقام معه وقال أبو حنيفة وأصحابه يؤجل العنين سنة سواء كان ممن يصل إلى غير امرأته أو لم يكن فإن لم يصبها واختارت فراقه فرق بينهما وأما المجبوب فتخير امرأته مكانها وروى بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن رجل عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن عمر بن الخطاب أنه أتته امرأة تشكو زوجها فقال إن كان يصيبك في كل طهر مرة فحسبك واختلفوا في العنين يدعي الجماع عند انقضاء الأجل فقال مالك المعروف المشهور من مذهبه عند أصحابه القول قوله مع يمينه بكرا كانت أو ثيبا وروى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي ومالك بن أنس أنهما قالا يدخل إليها زوجها وهناك امرأتان فإذا فرغ نظرتا في فرجها فإن كان فيه المني فهو صادق وإلا فهو كاذب وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما إنه إذا ادعى العنين أنه وصل إليها فإن كانت بكرا في الأصل نظر إليها النساء فإن قلن هي بكر خيرت وإن قلن هي ثيب فالقول قوله ولا خيار لها وأن كانت ثيبا في الأصل فالقول قوله وأنه وصل إليها قال الشافعي يحلف الزوج أنه وصل إليها فإن نكل حلفت وفرق بينهما وإن كانت بكرا أريها أربع نسوة من عدول النساء فإن شهدن لها كان ذلك دليلا على صدقها وإن شاء أحلفها ثم فرق بينهما وأن نكلت وحلف أقام معها وذلك أن العذرة تعود إذا لم يتابع في الإصابة عند أهل الخبرة بها وأما أبو حنيفة فجائز عنده فيما لا يطلع عليه الرجال من عيوب النساء شهادة امرأتين وشهادة امرأة واحدة إذا كانت عدلا

وروى المعافى عن الثوري قال إذا كانت ثيبا فيمينه وتقر عنده إذا حلف ولا يؤجل إذا ادعى إصابتها ويؤجل سنة وإن كانت بكرا فأن أصابها وإلا فرق بينهما وكان المهر لها وقال عنه عبد الرزاق إن كانت ثيبا فالقول قوله ويستحلف وإن كانت بكرا نظر إليها النساء وقال بن وهب عن الليث يختبران بصفرة الورس وغيره فيجعل ذلك في المرأة إن لم تكن بكرا ثم ينظر إليه فإن كان به أثر تلك الصفرة أقرت تحته وإن لم ير فيه شيء من ذلك فرق بينهما وعرف أنه لا يستطيعها قال بن وهب يحلف أن يطأ وتقر عنده ولا ترى له عورة في الورس ولا في غيره واتفق الجمهور من العلماء على ان العنين إذا وطى ء امرأته مرة واحدة لم يكن له أن ترفعه إلى السلطان ولا تطالبه بعد ذلك بما نزل به من غيب العنة وممن قال هذا عطاء وطاوس والحسن وعمرو بن دينار والزهري وقتادة ويحيى بن سعيد وربيعة ومالك والثوري والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وقال أبو ثور إذا وطئها مرة واحدة ثم عجز عن الوطء ولم يقدر على شيء منه أجل سنة لوجود العلة قال أبو عمر أما طريق الاتباع فما قاله الجمهور وأما طريق النظر والقياس فما قاله أبو ثور وبه قال داود والله أعلم وذكر بن جريج عن عمرو بن دينار قال ما زلنا نسمع أنه إذا أصابها مرة واحدة فلا كلام لها ولا خصومة واتفق القائلون بتأجيل العنين أن العبد والحر في أجل السنة سواء إلا مالك بن أنس وأصحابه فإنهم قالوا يؤجل العنين إذا كان عبدا نصف سنة واختلفوا فيما يجب لامرأة العنين من الصداق إذا فرق بينهما بعد التأجيل فقال أكثر العلماء لها الصداق كاملا وروي ذلك عن عمر بن الخطاب والمغيرة بن شعبة وبه قال سعيد بن المسيب وعروة وإبراهيم النخعي وربيعة وعطاء بن أبي رباح ومالك والثوري وأبو حنيفة وأبو عبيد وأحمد وإسحاق

وقالت طائفة ليس لها إلا نصف الصداق وممن قال ذلك شريح وطاوس وبه قال الشافعي وأبو ثور وداود بظاهر قول الله عز وجل وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم البقرة قال أبو عمر من أوجب لها الصداق كاملا أوجب عليها العدة ذكر أبو بكر قال حدثني أبو خالد الأحمر عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن قالا أجل عمر بن الخطاب العنين سنة فإن استطاعها وإلا فرق بينهما وعليها العدة وهو قول الحسن وعروة بن الزبير وعطاء قالوا تعتد بعد السنة وذكر بن عبد الحكم عن مالك القولين جميعا قال لها الصداق كاملا وقد قيل لها نصف الصداق باب جامع الطلاق مالك عن بن شهاب أنه قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة حين أسلم الثقفي أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث مالك ولم يختلف عليه في إسناده مرسلا عن بن شهاب وكذلك رواه أكثر رواة بن شهاب عنه مرسلا ورواه بن وهب عن يونس بن يزيد عن بن شهاب عن عثمان بن محمد بن أبي سويد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة الثقفي حين أسلم وتحته عشر نسوة خذ منهن أربعا ورواه معمر بالعراق حدث به من حفظه فوصل إسناده وأخطأ فيه ورواه عنه سفيان الثوري وسعيد بن أبي عروبة وجماعة عن الزهري عن

سالم عن بن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة وأسلمن معه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك في التمهيد وأما عبد الرزاق وأهل صنعاء فلم يرووه عن معمر إلا مرسلا عن بن شهاب كما رواه مالك ذكر يعقوب بن شيبة قال حدثني أحمد بن شبوبة قال قال لنا عبد الرزاق قال لم يسند لنا معمر حديث غيلان بن سلمة أنه أسلم وعنده عشر نسوة قال أبو عمر اختلف العلماء في الكافر يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة أو يسلم وعنده أختان فقال مالك يختار من الخمس نسوة فما زاد أربعا ويختار من الأختين واحدة أيتهما شاء الأولى منهما والآخرة في ذلك سواء وكذلك الأوائل والأواخر فيما زاد على الأربع نسوة وهو قول الليث بن سعد والأوزاعي والشافعي ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وداود وحجتهم حديث غيلان بن سلمة المذكور أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار من عشر نسوة كن له إذا أسلم أربعا ولم يقل له احتبس بالأوائل منهن واطرح الأواخر ولو كان كذلك لبينه صلى الله عليه وسلم إلا أن الأوزاعي روي عنه في الأختين أن الأولى من الأختين امرأته وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وبن أبي ليلى وسفيان الثوري يختار الأوائل فإن تزوجن في عقدة واحدة فرق بينه وبينهن وحجتهم أن الذي يقضى عليه بتحريمه ما كان محظورا عليه في حال إسلامه أن يفعله وذلك تحريم الخامسة فما زاد وقالوا حديث غيلان بن سلمة ليس بثابت وكذلك حديث قيس بن الحارث في الأختين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له اختر أيتهما شئت ليس بثابت أيضا عندهم وقال الحسن بن حي يختار الأربع الأوائل فإن لم يدر أيتهن الأولى طلق كل واحدة حتى تنقضي عدتهن ثم يتزوج منهن أربعا إن شاء وقال عبد الملك بن الماجشون إذا أسلم وعنده أختان فارقهما جميعا لأنه

كأنه عقد عليهما عقدا واحدا ثم استأنف نكاح إحداهما إن شاء حكاه أحمد بن المعذل عنه ولم يقله من أصحاب مالك غيره والله أعلم وقال بن أبي أويس قال مالك في المشرك يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة إنه يختار منهن أربعا أيتهن شاء أوائلهن كن أو أواخرهن هو في ذلك بالخيار قال مالك وذلك أنه لو مات من الأول أربع أو أكثر أو أقل جاز له أن يحبس من الأواخر أربعا ولو كان يقول من قال لا يختار إلا الأوائل لم يصلح أن يحبس الأواخر إذا مات الأوائل لأن نكاحهن فاسد في قوله قال بن نافع وكان عبد العزيز بن أبي سلمة يحبس الأوائل مالك عن بن شهاب أنه قال سمعت سعيد بن المسيب وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار كلهم يقول سمعت أبا هريرة يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول أيما امرأة طلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين ثم تركها حتى تحل وتنكح زوجا غيره فيموت عنها أو يطلقها ثم ينكحها زوجها الأول فإنها تكون عنده على ما بقي من طلاقها قال مالك وعلى ذلك السنة عندنا التي لا اختلاف فيها قال أبو عمر اختلف السلف والخلف في هذه المسألة إلا أن الجمهور على ما ذهب إليه مالك في ذلك وممن قال إنها تعود على ما بقي من طلاقها وأن الزوج لا يهدم إلا الثلاث التي له معنى في هدمها لتحل بذلك المطلقة التي بت طلاقها أو توفي عنها الناكح لها أو طلقها وأما ما دون الثلاث فلا مدخل للزوج الثاني في هدمه لأن ذلك لم يحظر رجوعها إلى الأول مالك والشافعي وأصحابهما والثوري وبن أبي ليلى ومحمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وهو قول الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعمران بن حصين

وبه قال كبار التابعين أيضا عبيدة السلماني وسعيد بن المسيب والحسن البصري وأما الرواية عن عمر فأصح شيء وأثبته من رواية مالك وغيره وأما الحديث عن علي فرواه شعبة عن الحكم عن مزيدة بن جابر عن أبيه عن علي قال هي على ما بقي من طلاقها ولا يهدم الزوج إلا الثلاث والرواية عن أبي بن كعب رواها شعبة أيضا عن الحكم عن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب قال ترجع على ما بقي من طلاقها وأما الرواية عن عمران بن حصين فذكرها أبو بكر قال حدثني بن علية عن داود عن الشعبي أن زيادا سأل عمران بن الحصين وشريحا عنها فقال عمران هي على ما بقي من الطلاق وقال شريح طلاق جديد ونكاح جديد قال حدثني حفص بن غياث وأبو خالد الأحمر عن حجاج عن عمرو بن شعيب قال كان عمر وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وزيد وعبد الله يقولون ترجع إليه على ما بقي وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا طلقها واحدة أو اثنتين وعادت إليه بعد زوج فإنها تعود على ثلاث ويهدم الزوج ما دون الثلاث كما يهدم الثلاث وبه قال شريح وعطاء وإبراهيم وميمون بن مهران وهو قول عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وروى بن عيينة عن عمر عن طاوس عن بن عباس في رجل طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين فانقضت عدتها فتزوجها رجل آخر ثم طلقها أو مات عنها فتزوجها زوجها الأول قال هي عنده على ثلاث وسفيان بن عيينة أيضا عن أيوب عن سعيد بن جبير عن بن عمر قال هي عنده على ثلاث تطليقات وقد روي عن إبراهيم قال إن كان الآخر دخل بها فنكاح جديد وطلاق جديد وإن لم يكن دخل بها فهي على ما بقي من طلاقها وذكر أبو بكر قال حدثني وكيع عن شعبة وسفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن بن عباس وبن عمر قالا هي عنده على طلاق جديد مستقبل

قال وحدثني أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن إبراهيم قال كان أصحاب عبد الله يقولون أيهدم الزوج الثلاثة ولا يهدم الواحدة والثنتين قال وحدثني حفص عن حجاج عن طلحة عن إبراهيم أن أصحاب عبد الله كانوا يقولون يهدم الزوج الاثنين والثلاثة كما يهدم الثلاثة إلا عبيدة قال هي على ما بقي من طلاقها مالك عن ثابت بن الأحنف أنه تزوج أم ولد لعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال فدعاني عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فجئته فدخلت عليه فإذا سياط موضوعة وإذا قيدان من حديد وعبدان له قد أجلسهما فقال طلقها وإلا والذي يحلف به فعلت بك كذا وكذا قال فقلت هي الطلاق ألفا قال فخرجت من عنده فأدركت عبد الله بن عمر بطريق مكة فأخبرته بالذي كان من شأني فتغيط عبد الله وقال ليس ذلك بطلاق وإنها لم تحرم عليك فارجع إلى أهلك قال فلم تقررني نفسي حتى أتيت عبد الله بن الزبير وهو يومئذ بمكة أمير عليها فأخبرته بالذي كان من شأني وبالذي قال لي عبد الله بن عمر قال فقال لي عبد الله بن الزبير لم تحرم عليك فارجع إلى أهلك وكتب إلى جابر بن الأسود الزهري وهو أمير المدينة يأمره أن يعاقب عبد الله بن عبد الرحمن وأن يخلي بيني وبين أهلي قال فقدمت المدينة فجهزت صفية امرأة عبد الله بن عمر امرأتي حتى أدخلتها علي بعلم عبد الله بن عمر ثم دعوت عبد الله بن عمر يوم عرسي لوليمتي فجاءني قال أبو عمر اختلف العلماء في طلاق المكره فذهب مالك والشافعي وأصحابهما والحسن بن حي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود إلى أن طلاق المكره لا يلزم ولا يقع ولا يصح والحجة لهم قول الله عز وجل إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمن النحل فنفى الكفر باللسان إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان فكذلك الطلاق إذا لم يرده بقلبه ولم ينوه ولم يقصده لم يلزمه وروى الأوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم

قال تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وروي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا طلاق ولا عتاق في إغلاق فتأولوه على المكره وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبن عباس في طلاق المكره أنه لا يلزم كما قال بن عمر وبن الزبير وبه قال شريح وجابر بن زيد والحسن وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز والضحاك وأيوب وبن عون وقال عطاء الشرك أعظم من الطلاق وقال أبو حنيفة وأصحابه يصح طلاق المكره ونكاحه ونذره وعتقه ولا يصح بيعه واحتج لهم الطحاوي في الفرق بين البيع والطلاق فإن البيع ينتقض بالشرط الفاسد والخيار ولا يصح الخيار في طلاق ولا عتق ولا نكاح وقال في معنى حديث بن عباس المذكور التجاوز معناه العفو عن الإثم قال والعفو عن الطلاق والعتاق لا يصح لأنه غير مذنب فيعفى عنه وذكر حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولأبيه حين خلعهما المشركون نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم قال وكما يثبت حكم الوطء في الإكراه فيحرم به على الواطئ ابنة المرأة وأمها فكذلك القول على الإكراه لا يمنع وقوع ما حلف وقال سفيان الثوري يصح طلاقه وعتقه إلا ان يكون ورد ذلك إلى شيء ينويه ويريده بقوله ذلك هذه رواية الأشجعي وغيره عنه وقال عنه وقال عنه المعافى لا نكاح لمضطهد

وكان الشعبي والنخعي وسعيد بن المسيب والزهري وأبو قلابة وشريح في رواية يرون طلاق المكره جائزا وقال إبراهيم لو وضع السيف على مفرقه ثم طلق لأجزت طلاقه وقد روي عن الشعبي إن أكرهه اللصوص لم يجز طلاقه وإن أكرهه السلطان جاز قال أبو عمر كأنه رأى أن اللصوص يقتلونه والسلطان لا يقتله ولم يختلفوا في خوف القتل والضرب الشديد أنه إكراه وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أخيف أو ضرب أو أوثق وقال أحمد بن حنبل إذا كان يخاف القتل أو الضرب الشديد واحتج بحديث عمر هذا فقال شريح القيد إكراه والسجن إكراه والوعيد إكراه مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال سمعت عبد الله بن عمر قرأ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن قال مالك يعني بذلك أن يطلق في كل طهر مرة قال أبو عمر هذا الكلام من قول مالك رواه عبيد الله بن يحيى عن أبيه عن مالك في الموطأ ولم يروه بن وضاح عن يحيى في الموطأ ولا رواه عنه غير يحيى في الموطإ وقد تقدم في باب الأقراء وطلاق الحائض معنى قوله لقبل عدتهن وما لمالك وسائر العلماء في معنى الطلاق للعدة فلا معنى للإعادة ها هنا وقد كان بن عباس يقرأها كقراءة بن عمر وذكر أبو بكر قال حدثني غندر عن شعبة عن الحكم قال سمعت مجاهدا يحدث عن بن عباس في هذا الحديث يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن الطلاق فقال في قبل عدتهن وذكر الزعفراني قال حدثني شبابة قال حدثني شعبة عن الحكم عن مجاهد عن بن عباس أنه كان يقرأها إذا طلقتم النساء فطلقوهن من قبل عدتهن

وكذلك كان يقرأها مجاهد وقد روى عبد الرحمن بن أيمن عن بن عمر أنه كان يقرأ فطلقوهن في قبل عدتهن وأما قراءة بن مسعود والجمهور فعلى ما في مصحف عثمان مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها ثم قال لا والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا فأنزل الله تبارك وتعالى الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان البقرة فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان طلق منهم أو لم يطلق مالك عن ثور بن زيد الديلي أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها كيما يطول بذلك عليها العدة ليضارها فأنزل الله تبارك وتعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه البقرة يعظهم الله بذلك قال أبو عمر أفاد هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب وذلك حبس الرجل المرأة ومراجعته لها قاصدا إلى الإضرار به وأجمع العلماء على أنه قوله عز وجل أو تسريح بإحسان البقرة هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين وإياها عني بقوله تعالى فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره البقرة وأجمعوا أن من طلق امرأته طلقة أو طلقتين فله مراجعتها فإن طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فكان هذا من محكم القرآن الذي لم يختلف في تأويله وقد روي من أخبار الآحاد العدول مثل ذلك أيضا حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن

وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو معاوية قال حدثني إسماعيل بن سميع عن أبي رزين قال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسن البقرة فأين الثالثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ورواه الثوري وغيره عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين مثله قال أبو عمر التسريح والفراق عند جمهور العلماء من سراح الطلاق قال الله عز وجل فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف الطلاق وقال في موضع آخر فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف البقرة وهذا عندهم كما لو قال فأمسكوهن بمعروف أو طلقوهن وقد روي عن مالك وبعض أصحابه في الرجل يقول لامرأته قد سرحتك أنه ينوي ما أراد بذلك ولم يجعله مثل الإفصاح بالطلاق وقد احتج بعض أهل الزيع ممن لا يرى وقوع الثلاث مجتمعات لقول الله تعالى الطلق مرتان البقرة فقالوا قوله مرتان يقتضي مرة بعد مرة في وقتين فلا يكون إلا مفترقا والثلاث كذلك وهذا عند العلماء هو الطلاق المختار للعدة والسنة ومن خالفه لزمه فعله وعصى ربه وقد قدمنا الحجة في ذلك فيما مضى والحمد لله كثيرا وأما قول من قال من الكوفيين من طلق ثلاثا مجتمعات فهي ثلاث ومن طلق واحدة فهي واحدة ومن طلق اثنتين فهي اثنتين فقول لا يصح في أثر ولا نظر والله أعلم مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا عن طلاق السكران فقالا إذا طلق السكران جاز طلاقه وإن قتل قتل به قال مالك وعلى ذلك الأمر عندنا قال أبو عمر اختلف أهل المدينة وغيرهم في طلاق السكران فأجازه عليه وألزمه إياه جماعة من العلماء منهم سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار ومجاهد وإبراهيم والحسن وبن سيرين وميمون بن مهران وحميد بن عبد الرحمن الحميدي وشريح القاضي والشعبي والزهري والحكم بن عيينة

وأما بلاغ مالك عن سعيد بن المسيب فرواه عنه قتادة وعبد الرحمن بن حرملة ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال طلق جار لي سكران فأمرني أن أسأل سعيد بن المسيب فسألته فقال يفرق بينه وبين امرأته ويجلد ثمانون جلدة قال وحدثني عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن الزهري قال إذا طلق السكران أو أعتق جاز عليه العتق وأقيم عليه الحد إلى هذا ذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأبو عبيد وعن الشافعي في ذلك روايتان إحداهما مثل قول مالك في أن طلاقه لازم في حال سكره وهو الأشهر عنه والثانية أنه لا يلزم السكران طلاقه في حال سكره واختاره المزني وذهب إليه وخالفه أكثر أصحاب الشافعي فألزموه طلاقه وكان عمر بن عبد العزيز أجاز طلاق السكران ثم رجع عنه وقال أبو حنيفة وأصحابه طلاق السكران وعقوده وأفعاله جائزة عليه كأفعال الصاحي إلا الردة فإنه إن ارتد لا تبين منه امرأته استحسانا وقد روي عن أبي يوسف أنه يكون مرتدا في سكره وقال محمد بن الحسن إن قذف السكران حد وإن قتل قتل وإن زنا أو سرق أقيم عليه الحد ولا يجوز إقراره في الحدود وقال الشافعي إن ارتد سكران فمات كان ماله فيئا ولا نقتله في سكره ولا نستتيبه فيه وقال الثوري والحسن بن حي طلاق السكران وعتقه جائز عليه قال أبو عمر ألزمه مالك الطلاق والعتق والقود من الجراح والقتل ولم يلزمه النكاح والبيع وروي عن عمر بن الخطاب في طلاق السكران أنه أجازه عليه وإسناده فيه لين ذكره أبو بكر قال حدثني وكيع عن جرير بن حازم عن الزبير بن الخريت عن أبي لبيد أن عمر بن الخطاب أجاز طلاق السكران بشهادة النسوة

وأما عثمان بن عفان فالحديث عنه صحيح أنه كان لا يجيز طلاق السكران ولا يراه شيئا وقد زعم بعض أهل العلم أنه لا مخالف لعثمان في ذلك من الصحابة وليس ذلك عندي كما زعم لما ذكرنا عن عمر ولما جاء عن علي وهو حديث صحيح عنه أيضا رواه الثوري وغيره عن الأعمش عن إبراهيم عن عامر بن ربيعة قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه ومن قال إن عثمان لا مخالف له من الصحابة في طلاق السكران تأول قول علي أن السكران معتوه بالسكر كما أن الموسوس معتوه بالوسواس والمجنون معتوه بالجنون وحديث عثمان رواه وكيع وغيره عن بن أبي ذئب عن الزهري عن أبان بن عثمان عن عثمان أنه كان لا يجيز طلاق السكران والمجنون قال وكان عمر بن عبد العزيز يجيز طلاقه ويوجع ظهره حتى حدثه أبان بن عثمان في ذلك عن أبيه وبه كان يفتي أبان وهو قول جابر بن زيد وعكرمة وعطاء وطاوس والقاسم بن محمد وربيعة ويحيى بن سعيد والليث بن سعد وعبيد الله بن الحسن وإسحاق بن راهويه وأبي ثور والمزني وداود بن علي وإليه ذهب الطحاوي وخالف أصحابه في ذلك الكوفيين وقال لا يختلفون فيمن شرب البنج فذهب عقله أن طلاقه غير جائز فكذلك من سكر من الشراب قال ولا يختلف فقدان العقل بسبب من الله أو بسبب من جهته كما أنه لا يختلف حكم من عجز عن الصلاة بسبب من الله أو من فعل نفسه في باب سقوط فرض القيام عنه قال أبو عمر ليس تشبيه فعل السكران بالعجز عن الصلاة بقياس صحيح لأنه ما من أحد يعجز به على نفسه في الصلاة آثم ولا تسقط عنه الصلاة وعليه أن يؤديها على حسب طاقته وأما أحمد بن حنبل فجبن عن القول في طلاق السكران وأبي أن يجيب فيه قال أبو عمر أجمعوا على أنه يقام عليه حد السكران

وقال عثمان البتي السكران بمنزلة المجنون لا يجوز طلاقه ولا عتقه ولا بيعه ولا نكاحه ولا يحد في قذف ولا زنا ولا سرقة وقال الليث بن سعد كل ما جاء من منطق السكران فهو مرفوع عنه ولا يلزمه طلاق ولا عتق ولا بيع ولا نكاح ولا يحد في القذف ويحد في الشرب وفي كل ما جنته يده وعملته جوارحه مثل القتل والزنا والسرقة قال أبو عمر قول الليث حسن جدا لأن السكران يلتذ بأفعاله ويشفي غيظه وتقع أفعاله قصدا إلى ما يقصده من لذة بزنا أو سرقة أو قتل وهو مع ذلك لا يعقل أكثر ما يقول بدليل قول الله عز وجل لا تقربوا الصلوة وأنتم سكرى حتى تعلموا ما تقولون النساء فإذا تبين على الشارب التخليط البين بالمنطق من القراءة وغيرها فقد تغير عقله وصح سكره وبالله التوفيق لا شريك له مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول إذا لم يجد الرجل ما ينفق على امرأته فرق بينهما قال مالك وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر هكذا رواه قتادة ويحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال قتادة سألته عن الذي يعسر بنفقة امرأته فقال لا بد أن ينفق أو يطلق وقال سفيان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال يفرق بينهما وقال معمر عن الزهري يستأنى له ولا يفرق بينهما قال معمر وبلغني عن عمر بن عبد العزيز مثل قول الزهري وروى عبد الرزاق عن بن عيينة عن أبي الزناد قال سألت عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما قال قلت سنة قال نعم سنة

وحدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن عيينة عن أبي الزناد قال سمعت سعيد بن المسيب عن الرجل يعجز عن نفقة امرأته فقال يفرق بينهما فقلت سنة قال سنة قال أبو عمر أعلى ما وجدنا في هذه المسألة ما يمكن أن يقال فيه سنة وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن عمر قال حدثني سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن عمر بن الخطاب كتب في رجال حبسوا عن نسائهم النفقة إما أن ينفقوا وإما أن يطلقوا واختلف الفقهاء في هذه المسألة فقال مالك في العاجز عن النفقة يفرق بينهما بتطليقة رجعية فإن أيسر في عدتها فله الرجعة ولا يؤجل إلا أياما وقال الشافعي يفرق بينهما واحتج بحديث بن عيينة عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب وقوله فيه إنه سنة قال وتفريق الإمام تطليقة بائنة ولو شرط الإمام أنه إذا أفاد مالا وهي في العدة فله الرجعة كان حسنا وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري لا يفرق بينه وبين امرأته ولا يجبر على طلاقها وهو قول الشعبي وبن شهاب وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وتلا الحسن لينفق ذو سعة من سعته الطلاق و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها البقرة قال أبو عمر احتج الطحاوي لأصحابه بأن الفقهاء اتفقوا على الموسر لو أعسر فلم يقدر إلا على قوت يوم فلم يفرق بينهما لأجل لا يسقط من نفقة الموسر إلى نفقة المعسر قال فكذلك عسره عند الجميع وذكر أن قول سعيد بن المسيب سنة لا يقطع بأنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد قال لربيعة في إصابة المرأة هي السنة وإنما أخذه عن زيد بن ثابت

وروي عن قول العراقيين أنه لا يفرق بينهما عن الحسن وعطاء وغيرهما قال أبو عمر ليس عجزه عن قليل النفقة وكثيرها كعجزه عن بعضها لأن عجزه عن جميعها فيما فيه تلف النفوس ولا صبر على الجوع المهلك وقد قال عمر بن الخطاب لن يهلك امرؤ عن نصف قوته ومن تهيأ له قوت يوم بعد يوم أمن معه تلف النفس وكان جميلا به الصبر وانتظار الفرج حتى يعقب الله تعالى بالسعة واليسر فلا معنى لقول الطحاوي من وجه يصح والله أعلم باب عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا مالك عن عبد ربه بن سعيد بن قيس عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال سئل عبد الله بن عباس وأبو هريرة عن المرأة الحامل يتوفى عنها زوجها فقال بن عباس آخر الأجلين وقال أبو هريرة إذا ولدت فقد حلت فدخل أبو سلمة بن عبد الرحمن على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أم سلمة ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر فخطبها رجلان أحدهما شاب والآخر كهل فحطت إلى الشاب فقال الشيخ لم تحلي بعد وكان أهلها غيبا ورجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه بها فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد حللت فانكحي من شئت وعند مالك في هذا الحديث إسنادان سوى هذا أحدهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أنه أخبره أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حللت فانكحي من شئت والآخر عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن أبا سلمة كان

الذي اختلف في ذلك مع بن عباس وأن أبا هريرة جاءه فقال أنا مع بن أخي يعني أبا سلمة وأنهم بعثوا كريبا مولى بن عباس إلى أم سلمة فحدثته بقصة سبيعة وحديث عبد ربه أولى بالصواب والله أعلم وهو اختلاف لا يضر لأن المعنى المبتغى من الحديث هو رواية أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لسبيعة وقد ولدت بعد موت زوجها بليال قد حللت فانكحي من شئت فأما حديث عبد ربه بن سعيد فهو عند جماعة رواة الموطأ فيما علمت وأما حديث هشام بن عروة فليس في الموطأ عند أكثر الرواة وأما حديث سعيد فليس عند القعنبي وليس لابن بكير وقال يحيى عن مالك بأثر هذه الأحاديث وهذا الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم عندنا وذكر فيه عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه سئل عن المرأة يتوفى عنها زوجها وهي حامل فقال عبد الله بن عمر إذا وضعت حملها فقد حلت فأخبره رجل من الأنصار كان عنده أن عمر بن الخطاب قال لو وضعت وزوجها على سريره لم يدفن بعد لحلت وحديث عمر هذا عند بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله قال سمعت رجلا من الأنصار يحدث أبي يقول سمعت أباك عمر بن الخطاب يقول إن وضعت ما في بطنها وزوجها على السرير حلت وعند بن عيينة أيضا في هذا الباب عن بن شهاب في الحديث المسند رواه

بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه أن سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بليال فمر بها أبو السنابل بن بعكك بعد ذلك بأيام فقال قد تصنعت للأزواج إنما هي أربعة أشهر وعشرا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال كذب أبو السنابل أو ليس كما قال أبو السنابل إنك قد حللت فتزوجي حدثني بذلك كله عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني بن عيينة ومالك عن نافع عن بن عمر أنه قال إذا وضعت حملها فقد حلت وعلى القول بحديث أم سلمة في قصة سبيعة جماعة العلماء بالحجاز والعراق والشام ومصر والمغرب والمشرق اليوم ولا خلاف في ذلك إلا ما روي عن علي وبن عباس في المتوفى عنها زوجها أنه لا يبرأها من عدتها إلا آخر الأجلين وقالت به فرقة ليست معدودة في أهل السنة وروى معمر والثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال بلغ بن مسعود أن عليا يقول هي لآخر الأجلين يعني الحامل المتوفى عنها زوجها فقال بن مسعود من شاء لاعنته أن هذه الآية التي في سورة النساء القصوى وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن الطلاق نزلت بعد التي في البقرة والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا البقرة وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال كان بن عباس يقول إن مات عنها زوجها وهي حامل فآخر الأجلين وإن طلقها حاملا ثم توفي عنها فآخر الأجلين فقلت له فأين قول الله تعالى وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن الطلاق فقال ذلك في الطلاق بلا وفاة قال أبو عمر لولا حديث سبيعة بهذا البيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآيتين لكان القول ما قاله علي وبن عباس لأنهما محدثان مجتمعان بصفتين قد اجتمعتا في الحامل المتوفى عنها زوجها فلا تخرج منها إلا بيقين واليقين آخر الأجلين

ألا ترى إلى قول الفقهاء من الحجازيين والعراقيين في أم ولد تكون تحت زوج فيموت عنها زوجها ويموت سيدها فلا يدري أيهما مات أولا أن عليها أن تأتي بالعدتين ولا تبرأ إلا بهما وذلك أربعة أشهر وعشر فيها حيضة لأن عدة أم الولد إذا مات سيدها حيضة وربما كان موته قبل موت زوجها فعليها عدة الحرة ولا تخرج من ذلك إلا باليقين ولا يقين في أمرها إلا بتمام أربعة أشهر وعشر فيها حيضة وبذلك تنقضي العدتان إلا أن السنة بينت المراد في المتوفى عنها الحامل لحديث سبيعة ولو بلغت السنة عليا ما عدا القول فيها وأما بن عباس فقد روي عنه أنه رجع إلى القول بحديث سبيعة ويصحح والله أعلم بذلك أن أصحابه عطاء وعكرمة وجابر بن زيد يقولون إن الحامل المتوفى عنها زوجها إذا وضعت فقد حلت للأزواج ولو كان وضعها لحملها بعد موت زوجها بساعة وهو قول جماعة أهل العلم وأئمة الفتوى بالأمصار إلا أنه روي عن الحسن والشعبي وإبراهيم وحماد أنها لا تنكح ما دامت في دم نفاسها وقول الجماعة أولى لأن ظاهر الأحاديث يشهد بأنها إذا وضعت فقد حلت للأزواج أي حل لهم أن يخطبوها وحل عقد النكاح عليها فإذا طهرت من نفاسها حل للزوج العاقد عليها وطؤها باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل مالك عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه قالت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة فإنه

زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قالت فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر بي فنوديت له فقال كيف قلت فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به قال أبو عمر هكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن سعيد بن إسحاق وتابعه قوم والأكثر يقولون فيه عن مالك عن سعيد بن إسحاق وروى بن عيينة هذا الحديث عنه فقال فيه سعيد بن إسحاق كما قال يحيى عن مالك وكذلك قال فيه عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن إسحاق والصواب فيه عندهم سعيد بن إسحاق والله أعلم بذلك قال فيه مالك في أكثر الروايات عنه والثوري وشعبة ويحيى القطان وكلهم روى عنه حديثه هذا وقيل إنه قد روى عنه هذا الحديث يحيى بن سعيد وبن شهاب وقيل إن بن شهاب رواه عن مالك عنه وهذا بعيد وحديث سعد بن إسحاق هذا مشهور مشهور عند الفقهاء بالحجاز والعراق معمول به عندهم تلقوه بالقبول وأفتوا به وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأحمد بن حنبل كلهم يقول إن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها الذي كانت تسكنه وسواء كان لها أو لزوجها ولا تبيت إلا فيه حتى تنقضي عدتها ولها أن تخرج نهارها في حوائجها وهو قول عمر وعثمان وبن مسعود وأم سلمة وزيد بن ثابت وبن عمر وبه قال القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وبن شهاب وروى مالك عن حميد بن قيس المكي عن عمرو بن شعيب

عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج وروى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا في بيتها وفي هذه المسألة قول ثان روي عن علي بن أبي طالب وبن عباس وعائشة وجابر بن عبد الله أنهم قالوا تعتد المتوفى عنها زوجها حيث شاءت وليس عليها السكنى بواجب في بيتها أيام عدتها وبه قال الحسن البصري وجابر بن زيد وعطاء بن أبي رباح وإليه ذهب داود وأهل الظاهر قالوا لأن السكنى إنما ورد في القرآن في المطلقات وليس للمتوفى عنها زوجها سكنى قالوا والمسألة مسألة خلاف وإيجاب السكنى إيجاب حكم والأحكام لا تجب إلا بنص كتاب أو سنة ثابتة أو إجماع قالوا وهذا الحديث إنما ترويه امرأة غير معروفة بحمل العلم وذكروا ما رواه بن جريج قال أخبرني عطاء عن بن عباس قال إنما قال الله تعالى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا البقرة ولم يقل في بيوتهن وروى الثوري وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن علي رضي الله عنه أنه انتقل ابنته أم كلثوم في عدتها حين قتل عنها عمر رضي الله عنه وروى معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قال خرجت عائشة بأختها أم كلثوم حين قتل عنها طلحة بن عبيد الله إلى مكة في عمرة قال عروة وكانت عائشة تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها وروى الثوري عن عبد الله بن عمر أنه سمع القاسم بن محمد يقول أبى ذلك الناس عليها والله أعلم قال أبو عمر قد أخبر القاسم أن الناس في زمن عائشة يعني علماء زمانها أنكروا ذلك عليها وهم طائفة من الصحابة وجلة التابعين وقد ذكرنا من روينا ذلك عنه في هذا الباب منهم

وجملة القول في هذه المسألة أن فيها للسلف والخلف قولين مع أحدهما سنة ثابتة وهي الحجة عند التنازع ولا حجة لمن قال بخلافها وليس قول من طعن في إسناد الحديث الوارد بها مما يجب الاشتغال به لأن الحديث صحيح ونقلته معروفون قضى به الأئمة وعملوا بموجبه وتابعهم جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق وأفتوا به وتلقوه بالقبول لصحته عندهم واما قولها في هذا الحديث فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه فقد اختلف الفقهاء في المتوفى عنها زوجها إذا كان السكن الذي يسكنه بكراء فقال مالك هي أحق بسكناه من الورثة والغرماء من رأس مال المتوفى إلا أن لا يكون فيه عقد لزوجها وأراد أهل المسكن أخراجها قال وإذا كان المسكن لزوجها فبيع في دينه فهي أولى بالسكنى فيه حتى تنقضي عدتها قال وكان بن القاسم يجيز المتوفى للغرماء ويستثني للمرأة السكنى فيها حتى تنقضي عدتها وقال محمد بن عبد الله بن محمد بن الحكم البيع فاسد لأنها قد ترتاب فتمتد عدتها وقال سحنون لو ارتابت كان كالعيب يظهر للمشتري قال أبو عمر قول سحنون كقول بن القاسم وهو الأصح لأن الارتياب نادر ولا يعتبر مع إطلاق البيع قبل الكراء فإن طرأ كان كالعيب والاستحقاق يطرأ على البيت الصحيح مالك عن هشام بن عروة أنه كان يقول في المرأة اليدوية يتوفى عنها زوجها إنها تنتوي حيث انتوى أهلها قال مالك وهذا الأمر عندنا قال أبو عمر وهو قول الشافعي واعتل بأنها ضرورة قال وقد تخرج من منزلها للبذاء عن أهل زوجها بخروجها مع أهلها إذا انتقلوا في هذا المعنى والله أعلم

باب عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها مالك عن يحيى بن سعيد انه قال سمعت القاسم بن محمد يقول إن يزيد بن عبد الملك فرق بين رجال وبين نسائهم وكن أمهات أولاد رجال هلكوا فتزوجوهن بعد حيضة أو حيضتين ففرق بينهم حتى يعتدون أربعة أشهر وعشرا فقال القاسم بن محمد سبحان الله يقول الله في كتابه والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا البقرة و ما هن من الأزواج مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضة مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه كان يقول عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضة قال مالك وهو الأمر عندنا قال مالك وإن لم تكن ممن تحيض فعدتها ثلاثة أشهر قال أبو عمر ما احتج به القاسم بن محمد من ظاهر كتاب الله في قوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا البقرة و وقوله ما هن من الأزواج احتجاج صحيح لئلا يضاف إلى كتاب الله عز وجل ما ليس في معناه وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في عدة أم الولد فقال مالك والشافعي وأصحابهما والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وأبو ثور وأبو عبيد عدتها حيضة وهو قول بن عمر والشعبي ومحكول وضعف أحمد بن حنبل وأبو عبيد حديث عمرو بن العاص في ذلك وهو حديث رواه قتادة عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب قال قال عمرو بن العاص لا تلبسوا علينا سنة نبينا عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر

وقتادة لا يعرف له سماع عن رجاء بن حيوة ولا لقبيصة بن ذؤيب من عمرو بن العاص فهو منقطع لا يصح الاحتجاج بمثله وقال مالك عدتها حيضة إذا أعتقها سيدها أو مات عنها ولها عنده السكنى في مدة العدة قال وإن كانت ممن لا تحيض فعدتها ثلاثة أشهر وقال الشافعي عدتها حيضة في الموت والعتق ومرة قال توفي سيدها أو أعتقها فلا عدة عليها وتستبرأ بحيضة فإن لم تكن ممن تحيض فشهر وثلاثة أشهر أحب ألينا قال أبو عمر اقل ما قيل في هذا الباب حيضة وما زاد احتاج إلى دليل واختلف القائلون بأن عدتها حيضة إذا مات سيدها وهي حائض فقال الليث بن سعد تجزئها تلك الحيضة وقاله إسماعيل بن إسحاق وقال مالك و الشافعي في أحد قوليه لا يجزئها حتى تبتدئ الحيضة وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي عدتها ثلاث حيض وهو قول علي وبن مسعود وبه قال عطاء وإبراهيم إلا أن الثوري قال في أم ولد زوجها سيدها ثم مات زوجها وسيدها معا وقع البيت عليها قال تعتد أقصى العدتين أربعة أشهر وعشرا وحجة من قال عدة أم الولد ثلاث حيض لأن العدة إنما وجبت عليها وهي حرة لم تكن زوجة فتعتد أربعة أشهر وعشرا ووجب استبراء رحمها من سيدها والحرة لا تستبرأ بأقل من ثلاث حيض وكانت عدة واجبة عن وطء فأشبهت الحرة المطلقة وقال طاوس وقتادة عدة أم الولد نصف عدة الحرة المتوفى عنها زوجها وقال الأوزاعي وإسحاق بن راهويه عدتها أربعة أشهر وعشر وهو قول سعيد بن المسيب وبن أبي عياض وبن سيرين وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وعمر بن عبد العزيز والزهري إلا أن الأوزاعي قال إذا أعتقها مولاها فعدتها ثلاث حيض وإن مات عنها فعدتها أربعة أشهر وعشر

وحجة من قال بهذا القول حديث عمرو بن العاص وقد تقدم القول فيه وتقدمت حجة من قال عدتها ثلاث حيض والحجة لمالك والشافعي في أن أم الولد تعتد من وفاة وليست زوجة فتعتد بالشهور ولا هي مطلقة فتعتد ثلاث حيض وإنما عليها استبراء رحمها من وطء كان قبل أن يلحقها العتق فحكمها حكم الأمة في الاستبراء وذلك حيضة وقد قال الشافعي ليست عدة وإنما هي استبراء قال وإنما سموها عدة مجازا وتقريبا وأما مالك فهي عنده عدة تستأنف فيها الحيضة من أولها وعليه فيها السكنى وقد سماها الجميع عدة وبالله التوفيق باب عدة الأمة إذا توفي زوجها أو سيدها قال أبو عمر لا أعلم أحدا من رواة الموطأ ذكر في ترجمة هذا الباب أو سيدها إلا يحيى بن يحيى ولا خلاف علمته بين السلف والخلف بين علماء الأمصار أن الأمة لا عدة عليها إذا مات سيدها وإنما عليها عند الجميع الاستبراء بحيضة مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار كانا يقولان عدة الأمة إذا هلك عنها زوجها شهران وخمس ليال مالك عن بن شهاب مثل ذلك قال أبو عمر على هذا جماعة العلماء من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى في أمصار المسلمين إلا شيء روي عن محمد بن سيرين أنه قال عدة الأمة في الوفاة والطلاق كعدة الحرة إلا أن تمضي في ذلك سنة فالسنة أحق أن تتبع وكذلك قال الجميع من علماء المسلمين في عدة الأمة من الطلاق حيضتان إلا ما روي عن بن سيرين أيضا أن عدتها عدة الحرة إلا أن تمضي في ذلك سنة وتعلقت بقول بن سيرين طائفة من أهل الظاهر شذت فلم يعرج الفقهاء عليها

واختلفوا في عدة الأمة الصغيرة المطلقة وعدة المطلقة اليائسة من المحيض للمطلقة فقال مالك عدتها ثلاثة أشهر وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد وأكثر أهل المدينة وبه قال إبراهيم النخعي والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وروى حماد عن إبراهيم إن شاءت شهرا ونصفا وإن شاءت ثلاثة أشهر وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والحسن بن حي وأبو ثور عدتها شهر ونصف وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وبه قال سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وأبو قلابة وعطاء بن رباح على اختلاف عنه والحسن البصري على اختلاف عنه وروي عن عمر بن الخطاب انه قال عدة الأمة حيضتان ولو استطعت أن أجعلها حيضة ونصفا لفعلت وروي عن عطاء وبن شهاب الزهري عدتها شهران بدل من الحيضتين وبه قال أحمد وإسحاق قال مالك في العبد يطلق الأمة طلاقا لم يبتها فيه له عليها فيه الرجعة ثم يموت وهي في عدتها من طلاقه إنها تعتد عدة الأمة المتوفى عنها زوجها شهرين وخمس ليال وإنها إن عتقت وله عليها رجعة ثم لم تختر فراقه بعد العتق حتى يموت وهي في عدتها من طلاقه اعتدت عدة الحرة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا وذلك أنها إنما وقعت عليها عدة الوفاة بعد ما عتقت فعدتها عدة الحرة قال مالك وهذا الأمر عندنا قال أبو عمر المطلقة الرجعية حكمها فيما يلحقها من الطلاق والإيلاء والظهار وفيما لها من النفقة والسكنى حكم الزوجات فكذلك لما مات عنها زوجها بعد عتقها وهي في عدة منه له فيها الرجعة اعتدت أربعة أشهر وعشرا عدة الحرائر لأنها لم تجب عليها عدة الوفاة إلا بعد العتق وقد تقدمت مسالة الأمة تعتق في عدتها هل تنتقل إلى عدة الحرة أم لا فيما مضى من هذا الكتاب وذكرنا ما فيه من التنازع للعلماء بما أغنى عن إعادته ها هنا والحمد لله

باب ما جاء في العزل مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن محيريز أنه قال دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل فقال أبو سعيد الخدري خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا الفداء فأردنا أن نعزل فقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله فسألناه عن ذلك فقال ما عليكم أن لا تفعلوا ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن محيريز عن أبي سعيد الخدري فقال فيه خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق وكذلك رواه أبو الزناد عن محمد بن يحيى بن حبان بإسناده فقال فيه كما قال ربيعة في غزوة بني المصطلق وبنو المصطلق هم من خزاعة وكانت الوقعة بهم في موضع يقال له المريسيع من نحو فريد وذلك في نحو سنة ست من الهجرة والغزوة تعرف بغزوة المريسيع وغزوة بني المصطلق عند أهل السير وروى هذا الحديث موسى بن عقبة عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن محيريز عن أبي سعيد بالإسناد المذكور إلا أنه قال فيه أصبنا سبيا من سبي

أوطاس وأنهم أرادوا أن يستمعتوا منهن ولا يحملن فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ما عليكم ألا تفعلوا فإن الله كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجعل موسى بن عقبة هذا الحديث في سبي أوطاس وسبي أوطاس هو سبي هوازن وسبي هوازن إنما سبي يوم حنين وذلك في سنة ثمان من الهجرة فوهم موسى بن عقبة في ذلك والله أعلم وروى هذا الحديث محمد بن شهاب الزهري عن بن محيريز عن أبي سعيد الخدري فلم يذكر فيه بني المصطلق ولا هوازن ولا أوطاس وإنما قال فيه جاء رجل من الأنصار فقال يا رسول الله إنا نصيب سبيا ونحب الأثمان فكيف ترى في العزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم وإنكم لتفعلون ذلك لا عليكم أن لا تفعلوا ذاكم فإنه ليس نسمة كتاب الله أن تخرج إلا وهي خارجة فهذا ما في حديث بن محيريز وكان من جله التابعين وكبار الفضلاء منهم سمعه بن أبي سعيد وسمعه منه محمد بن يحيى بن حبان وجماعة ورواه بن سيرين عن أبي سعيد الخدري فلم يذكر فيه إلا السؤال عن العزل فقط ورواه أبو إسحاق السبيعي سمعه من أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري أنه سمعه يقول لما أصبنا سبي خيبر سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال ليس من كل الماء يكون الولد فإذا أراد الله أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء هكذا رواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي الوداك عن أبي سعيد في سبي خيبر قال يحيى بن معين أبو الوداك جبر بن نوف ثقة ومعلوم أن سبي خيبر يهوديات وسبي بني المصطلق وسبي أوطاس وثنيات وفي رواية مالك وغيره لهذا الحديث دليل على أن الصحابة في تلك الغزاة انطلقوا على وطء ما وقع في سهامهم من النساء اللواتي سبوا وغنموا وذلك لا يكون إلا بعد الاستبراء وهو الشأن في الوطء بملك اليمين عند جماعة العلماء لمن يحل وطؤه من الإماء والوطء بملك اليمين وإن كان مطلقا في القرآن فهو مقيد في الشريعة ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم

فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزاة وغيرها لا توطأ حامل حتى تضع ولا توطأ حائل حتى تحيض حيضة وفي القرآن تقييد ذلك أيضا بالنسب والرضاع والشرك فمن ملك من النساء من حرم الله عليه وطأها كالبنات والأمهات ومن ذكر معهن في النسب والرضاع لم يحل له وطؤها بملك يمينه وكذلك المشركات لقوله تعالى ولا تنحكوا المشركت حتى يؤمن البقرة فحرم وطء كل كافرة إلا أن تكون كتابية لقوله تعالى والمحصنت من الذين أوتوا الكتب من قبلكم المائدة ولاستيفاء الكلام في ذلك موضع غير هذا ولا تخلوا نساء بني المصطلق من أن تكن كتابيات فيوطأن بعد الاستبراء إلا أن من العرب جماعة دانوا بدين أهل الكتاب من قبل الإسلام فكانت النصرانية في ربيعة بن نزار في بني تغلب والنمر بن قاسط وبني عجل وخواص من بني شيبان و كذلك كانت النصرانية أيضا في لخم وجذام وغسان وقضاعة وبني الحارث بن كعب وطوائف من مذحج وكانت اليهودية في خيبر وفي الأنصار الأوس والخزرج وطوائف ممن ساكن يهود خيبر من وطء وغيرها وكانت المجوسية في طوائف من بني تميم ومن عدا هؤلاء من العرب فأهل أوثان وعبدة أصنام وربما شذ من القبيل واحد أو اثنان فتنصر أو تهود فإن كان بنو المصطلق يهودا أو نصارى فوطأهن جائز مع السبي بعد الاستبراء وإن كن عبدة أصنام وأوثان لم يحل وطؤهن إلا بعد الإسلام عند جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتوى بالأمصار لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن لأمته أن تؤخذ الجزية من المجوس على أن لا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح منهم امرأة وقد روي إجازة وطء الإماء الوثنيات والمجوسيات عن طائفة من التابعين منهم طاوس وسعيد بن المسيب والإسناد عنهم ليس بالقوي

واختلف في ذلك عن عطاء ومجاهد وذلك كله شذوذ لا يعرج عليه ولا يلتفت الفقهاء إليه والصحيح في وطء المجوسيات والوثنيات ما ذكره الحسن البصري من فعل الصحابة رضي الله عنهم في غزوهم الفرس وسائر من ليس من أهل الكتاب ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا جعفر بن سليمان قال أخبرنا يونس بن عبيد أنه سمع الحسن يقول كنا نغزو مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أصاب أحدهم الجارية من الفيء فأراد أن يصيبها أمرها فغسلت ثيابها واغتسلت ثم علمها الإسلام وأمرها بالصلاة واستبرأها بحيضة ثم أصابها وروي معمر عن الزهري قال لا تحل لرجل اشترى جارية مشركة أن يطأها حتى تغتسل وتصلي وتحيض عنده حيضة قال عبد الرزاق سمعت سفيان الثوري يقول السنة أن لا يقع عليها حتى تصلي إذا استبرأها وإن كانت من أهل الكتاب فيستبرئها وتغسل نفسها ثم يصيبها وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأصحابهم وجمهور أهل العلم والحمد لله وأما قوله وأحببنا الفداء فأردنا أن نعزل فقد احتج به من ذهب مذهبنا في أم الولد أنه لا يجوز بيعها لأنه لو جاز بيعها لم يراعوا العزل ولم يبالوا بالحمل وهذا عندي لا حجة فيه قاطعة لازمة لأن الأمة المجتمعة على أن أم الولد لا يجوز بيعها وهي حامل من سيدها وممكن أن يريدوا تعجيل البيع والفداء وخشوا إن لم يعزلوا أن يحملن منهم وأرادوا العزل ولم يعرفوا جوازه في الشرع لأن اليهود كانوا بين أظهرهم يحرمون العزل فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأخبرهم بما في الحديث على حسب ما تقدم ذكره واختلف العلماء في بيع أم الولد بعد وضعها من سيدها وسيأتي القول في ذلك مستوعبا في باب أمهات الأولاد إن شاء الله تعالى وأما قوله صلى الله عليه وسلم ما عليكم أن لا تفعلوا فما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة فقد اختلف في معناه فقيل ما عليكم في العزل ولا في امتناعكم منه شيء فاعزلوا أو لا تعزلوا فقد فرغ من الخلق وإعدادهم وما قضي وسبق في علم الله فلا بد أن يكون لا محالة

قال الله عز وجل وكل شيء أحصينه كتبا النبأ وقال عز وجل وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر القمر وقيل بل معنى قوله صلى الله عليه وسلم أن لا تفعلوا أي لا تفعلوا العزل كأنه نهي عنه ذكر سنيد عن إسماعيل بن علية عن بن عوف قال ذكرت للحسن في قوله عليه السلام في العزل لا عليكم ألا تفعلوا فقال لا عليكم والله لكأن هذا زاجر وقد اختلف العلماء من السلف والخلف في العزل عن النساء الحرائر والإماء فروي عن بن مسعود وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وبن عباس وسعد بن أبي وقاص وأبي أيوب الأنصاري أنهم كانوا يرخصون في العزل مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن الحجاج بن عمرو بن غزية أنه كان جالسا عند زيد بن ثابت فجاءة بن فهد رجل من أهل اليمن فقال يا أبا سعيد إن عندي جواري لي ليس نسائي اللاتي أكن بأعجب إلي منهن وليس كلهن يعجبني أن تحمل مني أفأعزل فقال زيد بن ثابت أفته يا حجاج قال فقلت يغفر الله لك إنما نجلس عندك لنتعلم منك قال أفته قال فقلت هو حرثك إن شئت سقيته وإن شئت أعطشته قال وكنت أسمع ذلك من زيد فقال زيد صدق مالك عن حميد بن قيس المكي عن رجل يقال له ذفيف أنه قال سئل بن عباس عن العزل فدعا جارية له فقال أخبريهم فكأنها استحيت فقال هو ذلك أما أنا فأفعله يعني أنه يعزل مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه كان يعزل

مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري عن أم ولد لأبي أيوب الأنصاري أنه كان يعزل وهو قول جمهور العلماء بالحجاز والعراق وروي عن عمر وعثمان وبن عمر أنهم كرهوا العزل مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان لا يعزل وكان يكره العزل وروي هشيم قال أخبرنا منصور عن الحارث العكلي عن إبراهيم النخعي قال سئل بن مسعود عن العزل فقال ما عليكم ألاتفعلوا فلو أن النطفة التي أخذ الله ميثاقها كانت في صخرة لنفخ فيها الروح وروي هشيم عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال كان عمر وعثمان يكرهان العزل قال هشيم وأخبرنا بن عوف قال حدثني نافع عن بن عمر أنه كان يضرب بعض ولده إذا فعل ذلك وروى بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب انه سئل عن العزل فقال اختلف فيه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو حرثك إن شئت أعطشته وإن شئت سقيته واختلف عن علي رضي الله عنه في هذه المسألة فروي عنه أنه كره العزل من حديث عاصم عن زر بن حبيش عنه وروي عنه أنه أجاز ذلك من حديث أهل المدينة وروى الليث عن يزيد بن أبي حبيب قال حدثني معمر بن أبي حبيبة عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال فذاكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عمر العزل فاختلفوا فيه فقال عمر قد اختلفتم وانتم أهل بدر الأخيار فكيف بالناس بعدكم إذ تناجى رجلان فقال عمر ما هذه المناجاة فقال إن اليهود تزعم أنها الموؤودة الصغرى

فقال علي إنها لا تكون موؤودة حتى يأتي عليها التارات السبع ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين المؤمنون إلى آخر الآية ذكره الطحاوي قال حدثني روح بن الفرج قال حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني الليث وروى بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن معمر بن أبي حبيبة عن عبيد بن رفاعة عن أبيه قال جلس إلى عمر علي والزبير وسعد في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فتذاكروا العزل فقالوا لا بأس به فقال رجل إنه يزعمون أنها الموؤودة الصغرى فقال علي رضي الله عنه لا تكون مؤؤودة حتى تمر عليها التارات السبع تكون سلالة ثم تكون نطفة ثم تكون علقة ثم تكون مضغة ثم تكون عظما ثم تكون لحما ثم تكون خلقا آخر فقال له عمر صدقت أطال الله بقاءك وهذه أيضا رواية زيد بن أبي الورقاء عن بن لهيعة وقيل إن أول من قال في الإسلام أطال الله بقاءك عمر لعلي رضي الله عنهما في هذا الخبر ورواه المقرئ عن بن لهيعة مثله بإسناده وقال في آخره عمر جزاك الله خيرا وفي هذا الحديث عن عمر خلاف ما رواه سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان كانا يكرهان العزل وسنذكر أقوال الفقهاء في العزل على الزوجة الحرة وعن الزوجة الإمة في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى ففي هذا الحديث إثبات قدم العلم وأن الخلق يجزون في علم قد سبق وجف به القلم في كتاب مسطور على هذا أهل السنة وهم أهل الحديث والفقه وجملة القول في القدر أنه علم الله وسره لا يدرك بجدل ولا تشفى منه خصومة ولا احتجاج وحسب المؤمن بالقدر أنه لا يقوم بشيء دون إرادة الله عز وجل وأن الخلق كلهم خلقه وملكه ولا يكون في ملكه إلا ما شاء وما نشاء إلا أن يشاء الله

ولو شاء لهداكم أجمعين له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وله الخلق والأمر له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ولا يكون في شيء من ذلك إلا ما يشاء يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ومن عذبه فبذنبه ويعفوا عمن يشاء من عباده ومن لم يوفقه فليس بظالم له لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها وما ربك بظلام للعبيد روينا أن بلال بن أبي بردة قال لمحمد بن واسع ما تقول في القضاء والقدر فقال إن الله عز وجل لا يسأل عباده يوم القيامة عن قضائه وقدره وإنما يسألهم عن أعمالهم وإنما في هذا الحديث دليل على أن السبي يقطع العصمة بين الزوجين الكافرين ولذلك يحل لمن وقعت جارية من المغنم في سهمه أن يطأها إذا استبرأ رحمها بحيضة وكانت ممن يحل له وطؤها على ما تقدم ذكرنا له وأما أقاويل الفقهاء في العزل عن الزوجة الحرة والأمة فقال مالك لا يعزل الرجل المرأة الحرة إلا بإذنها ولا بأس أن يعزل عن أمته بغير إذنها ومن كانت تحته أمه قوم فلا يعزل إلا بإذنهم قال أبو عمر لا أعلم خلافا أن الحرة لا يعزل عنها زوجها إلا بإذنها وله أن يعزل عن أمته بغير أذنها كما له أن يمنعها الوطء جملة واختلفوا في العزل عن الزوجة الأمة فقال أبو حنيفة وأصحابه الإذن في العزل عن الزوجة الأمة إلى مولاها كقول مالك وقال الشافعي ليس له أن يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها وقد قيل أن لا يعزل عن الزوجة الأمة دون إذنها ودون إذن مولاها وليس له العزل عن الحرة إلا بإذنها وقد قيل إنه لا يعزل عن الزوجة الأمة إلا بإذنها وفي حديث هذا الباب دليل على أن من أقر بوطء أمته وزعم أنه كان يعزل عنها أن الولد يلحق به وهذا مذهب مالك وأصحابه وسيأتي هذا المعنى بما فيه للعلماء في كتاب الأقضية ان شاء الله تعالى

باب ما جاء في الإحداد مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة قالت زينب دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت به جارية ثم مسحت بعارضيها ثم قالت والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا قالت زينب ثم دخلت على زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت والله مالي بالطيب حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا قالت زينب وسمعت أمي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول جاءت

امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينيها أفتكحلهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال إنما هي أربعة أشهر وعشرا وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول قال حميد بن نافع فقلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطي بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره قال مالك والحفش البيت الرديء وتفتض تمسح به جلدها كالنشرة قال أبو عمر حميد بن نافع قد سمع منه شعبة هذا الحديث ولم يسمعه منه مالك ولا الثوري وهما يرويانه عن عبد الله بن أبي بكر عنه حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قالا حدثني أحمد بن حنبل قال حدثني حجاج بن محمد قال قال شعبة سألت عاصم الأحوال عن المرأة تحد فقال قالت حفصة بنت سيرين كتب حميد بن نافع إلى حميد الحميري أن زينب بنت أم سلمة أخبرته فذكر الحديث قال شعبة قد سمعته أنا من حميد بن نافع قال أنت قلت نعم وهو ذاك حي قال شعبة وكان عاصم يرى أنه قد مات منذ مائة سنة وقد ذكرنا رواية شعبة لهذا الحديث عن حميد بن نافع قال أنت قلت نعم من طرق أما الإحداد فترك المرأة للزينة كلها من اللباس والطيب والحلي والكحل وما تتزين به النساء ما دمن في عدتهن يقال لها حينئذ امرأة حاد ومحد لأنه يقال أحدت المرأة وحدت تحد فهي حاد ومحد

فالعدة واجبة في القرآن والإحداد واجب بالسنة المجتمع عليها وقد شذ الحسن عنها وحده فهو محجوج بها ومعنى إحداد المتوفى عنهن أزواجهن من النساء ترك الزينة الراغبة إلى الأزواج وذلك لباس الثوب المصبوغ للزينة ولباس الرقيق المستحسن من الكتان والقطن ولا تلبس خزا ولا حريرا ولا شيئا من الحلي ولا تمس أحدا من طيب وجائز لهن لباس الغليظ الخشن من ثياب الكتان والقطن وتلبس البياض كله والسواد الذي ليس بزينة ويبتن في بيوتهن على ما تقدم ذكره ولا بأس أن تدهن من الإدهان بما ليس بطيب واختلف الفقهاء فيمن يلزمها الإحداد من النساء على أزواجهن فقال مالك الإحداد على المسلمة والكافرة والصغيرة والكبيرة وهو قول أصحابه إلا بن نافع وأشهب فإنهما قالا لا إحداد على الكتابية وقال الحسن بن حي والليث وأبو ثور كقول مالك الإحداد على الصغيرة والكافرة كهو على المسلمة الكبيرة جعلوه من حق الزوج وحفظ النسب كالعدة وقالوا تدخل الصغيرة والكافرة في الإحداد فالمعنى كما دخلت المسلمة الكبيرة بالنص وكما دخل الكافر في أنه لا يجوز أن يسام على سومه وإنما في الحديث لا يبيع أحدكم على بيع أخيه و لا يسم على سوم أخيه وكما يقال هذا طريق المسلمين وقد سلكه غيرهم وقال أبو حنيفة ليس على الصغيرة ولا على الكافرة ولا على الأمة المسلمة الإحداد كهو على الحرة بالعدة

وقال الثوري الأمة عليها ما على الحرة من ترك الزينة وغيرها إلا الخروج وقال أحمد بن حنبل الحرة والأمة في الخروج وغيره سواء عليهما الإحداد وكذلك الصغيرة وهو قول أبي ثور وأبي عبيد أيضا في الصغيرة قال أبو عمر حجة من قال لا إحداد إلا على مسلمة مطلقة قوله صلى الله عليه وسلم لا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر فعلم أنها عبادة فهو للحرة والأمة دون الكافرة والصغيرة والحجة عليه ما وصفنا مما ندعو به من الحديث أن الخطاب فيه توجه إلى المؤمنات ودخلت الذمية في ذلك بحق الزوجية لأنها في النفقة والسكنى والعدة كالمسلمة وكذلك تكون في الإحداد وقال أشهب لا إحداد على الكتابية ورواه عن مالك وخالفه الأكثر من أصحاب مالك في ذلك وقال مالك وأصحابه الإحداد على كل زوجة متوفى عنها حرة أو مملوكة مسلمة أو ذمية صغيرة أو كبيرة والمكاتبة والمدبرة إلا ما ذكرنا عن بن نافع وأشهب ورواية أشهب في ذلك عن مالك فقال مالك تحد امرأة المفقود في عدتها وقال بن الماجشون لا إحداد عليها وأجمع مالك وأصحابه إلا إحداد على المطلقة وهو قول ربيعة و عطاء والحجة لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت إلا على زوج فأخبر أن الإحداد هو على المتوفى والمطلق حي فلا إحداد على امرأته وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي الإحداد على المطلقة

واجب وهي والمتوفى عنها في ذلك سواء لأنهما جميعا في عدة يحفظ بها النسب وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وبن سيرين والحكم بن عيينة أوكد وأشد على المتوفى عنها زوجها وبه قال أبو ثور وأبو عبيد وقال الشافعي أحب للمطلقة المبتوتة الإحداد وأن لا يتبين لي أن أوجبه عليها قال أبو عمر ليس في الحديث إلا قوله لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت وليس فيه لا تحل لها أن تحد على حي قال أبو عمر وأما قوله ودخلت حفشا فقد فسره مالك الحفش أنه البيت الرديء وقال بن وهب عن مالك الحفش البيت الصغير وكذلك قال الخليل وقال أبو عبيد الحفش الدرج وجمعه أحفاش شبه به البيت الصغير وأما قوله تفتض به فقد قال مالك تمسح به كالنشرة وقال غيره تمسح بيديها عليه أو على ظهره وقاله بن وهب وقال غيره الافتضاض الاغتسال بالماء العذب لأن الماء العذب أشد في الإنقاء من غيره بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو كان بباب أحدكم نهر غمر عذب يقتحم فيه كل يوم خمس مرات ما ترون ذلك يبقى من درنه أي من وسخه وقال الخليل الفضض ماء عذب يقول افتضضت به إذا اغتسلت به فالمعنى أن المرأة تتمسح بشيء كالنشرة ثم تغتسل بعد فتستسقي وتستنظف بالماء العذب حتى تصير كالفضة ثم تؤتى ببعرة من بعر الغنم فترمي بها من وراء ظهرها ويكون ذلك إحلالا لها بعد السنة

وقال أبو عبيد في هذا الحديث من رواية شعبة عن حميد بن نافع وفيه قد كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها في بيتها إلى الحول فإذا كان الحول ومر كلب رمته ببعرة ثم خرجت فلأربعة أشهر وعشر قال والأحلاس جمع حلس فهو كالمسح من الشعر مما يلي ظهر البعير فكانت ترمي الكلب بالبعرة بعد اعتدادها على زوجها عاما كاملا وإلى هذا المعنى أشار لبيد في قوله وهم ربيع للمجاور فيهم والمرملات إذا تطاول عامها ونزل القرآن بذلك فقال عز وجل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متعا إلى الحول غير إخراج الآية البقرة ثم نسخ ذلك بقوله يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا البقرة وهذا من الناسخ والمنسوخ الذي لم يختلف علماء الأمة فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم وكيف لا تصبر إحداكن أربعة أشهر وعشرا وقد كانت في الجاهلية تصبر حولا قال أبو عمر في قوله صلى الله عليه وسلم إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث حولا بيان واضح في أن الحول في عدة المتوفى عنها منسوخ بالأربعة الأشهر والعشر وهذا مع وضوحه في السنة الثابتة المنقولة بأخبار الآحاد العدول إجماع من علماء المسلمين لا خلاف فيه وهذا عندهم من المنسوخ في المجتمع عليه في أن الحول في عدة المتوفى عنها منسوخ إلى أربعة الأشهر والعشر وكذلك سائر الآية قوله عز وجل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزوجهم متعا إلى الحول غير إخراج منسوخ كله عند جمهور العلماء في نسخ الوصية بالسكنى للزوجات في الحول إلا رواية شاذة مهجورة جاءت عن أبي نجيح عن مجاهد لم يتابع بن أبي نجيح عليها ولا قال بها فيما زاد على الأربعة الأشهر والعشر أحد من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء الخالفين فيما علمت وأما سكنى المتوفى عنها زوجها في الأربعة الأشهر والعشر فقد تقدم ذكر

الخلاف في ذلك في باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها من هذا الكتاب والحمد لله وقد روى بن جريج عن مجاهد في ذلك مثل ما عليه الناس وانعقد الإجماع وارتفع الخلاف حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني الحسن بن إسماعيل قال حدثني عبد الله بن بحر قال حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثني سنيد قال حدثني حجاج عن بن جريج قال سألت عطاء عن قوله عز وجل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متعا إلى الحول غير إخراج البقرة قال كان ميراث المرأة من زوجها من ربعه أن تسكن إن شاءت من يوم يموت زوجها إلى الحول ثم نسخها ما جعل الله لها من الميراث قال بن جريج وقال مجاهد وصية لأزواجهم سكنى الحول ثم نسخ وبه عن سنيد قال حدثني وكيع عن شعبة عن حميد عن نافع عن زينب بنت أبي سلمة قالت توفي زوج امرأة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وقد اشتكت عينيها تسأله عن الكحل فقال لها قد كانت إحداكن في الجاهلية في شر أحلاسها إذا توفي زوجها مكثت في بيتها حولا وإذا مر بها الكلب رمته بالبعرة أفلا أربعة أشهر وعشرا حدثني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني أحمد بن سلمان النجاد قال حدثني أبو داود سليمان بن الأشعث قال حدثني سليمان الأسود العجلي قال حدثني يحيى بن آدم قال حدثني أبو الأمحوص عن سماك عن عكرمة في قوله عز وجل والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متعا إلى الحول غير إخراج البقرة نسختها أربعة أشهر وعشر قال قلنا لسماك عن بن عباس قال قال عكرمة كل شيء أحدثكم به في القرآن فهو عن بن عباس وحدثني عبد الله قال أحمد قال حدثني أبو داود قال حدثني أحمد بن محمد قال حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس قال والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متعا إلى الحول غير إخراج ونسخ الوصية للزوجات بآية المواريث لما فرض الله

لها من الربع أو الثمن ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا هذا حديث ثابت صحيح عن بن عباس وعليه جماعة الناس قال حدثني أحمد بن محمد قال حدثني أحمد بن سليمان قال حدثني أبو داود قال حدثني أحمد بن كثير قال أخبرنا همام قال سمعت قتادة يقول في تفسير وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج قال كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا كاملا من مال زوجها ما لم تخرج ثم نسخ ذلك فجعل عدتها أربعة أشهر وعشرا ونسخ النفقة في الحول كما جعل الله لها من الثمن أو الربع ميراثا قال أبو عمر أما الحول فمنسوخ بالأربعة الأشهر والعشر لا خلاف في ذلك وأما الوصية بالسكنى والنفقة فمن أهل العلم من رأى أنها منسوخة بالميراث وهم أكثر أهل الحجاز وأما أهل العراق فذلك منسوخ عندهم بالسنة بأن لا وصية لوارث وما في الوجهين كان النسخ فهو إجماع على ما رواه بن أبي نجيح عن مجاهد وانه منكر من القول لا يلتفت إليه وقد ذكره البخاري وبالله التوفيق مالك عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج وقد ذكرنا الاختلاف عن مالك في هذا الحديث وعلى نافع أيضا في التمهيد وأما معناه فقد مضى في الحديث قبله في هذا الباب مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لامرأة حاد على

زوجها اشتكت عينيها فبلغ ذلك منها اكتحلي بكحل الجلاء بالليل وامسحيه بالنهار وفي هذا الحديث عن أم سلمة إباحة الكحل للمتوفى عنها زوجها بالليل وتمسحه بالنهار وكحل الجلاء هو الصبر ها هنا وهو مما يجلو البصر وفي الحديث المسند المتقدم ذكره لمالك عن عبد الله بن أبي بكر عن حميد عن نافع عن زينب بنت أم سلمة أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينيها أفنكحلهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مرتين أو ثلاثا ولم يرخص لها في الكحل ليلا ولانهارا وذكر مالك في هذا الباب أيضا أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة وقد جعلت على عينيها صبرا فقال ما هذا يا أم سلمة فقالت إنما هو صبر يا رسول الله قال فاجعليه بالليل وامسحيه بالنهار وهذا تفسير كحل الجلاء المذكور في البلاغ الأول عن أم سلمة أنه كان صبرا والله أعلم ويحتمل أن يكون مع الصبر الإثمد وما يتزين به فلذلك أمرها بمسحه بالنهار ويدل أيضا على أنه كحل لا طيب فيه لأنه لو كان فيه طيب لم يبح لها شيء منه لا ليلا ولا نهارا وقد روى معمر عن أيوب عن بن سيرين أن أم سلمة سئلت عن الإثمد للمتوفى عنها زوجها فقالت لا وإن فقئت عيناها وأما أقاويل الفقهاء في هذا الباب فقال مالك فيما ذكر بن عبد الحكم عنه لا تكتحل المتوفى عنها زوجها بالإثمد ولا بشيء فيه سواد أو صفرة أو شيء يغير الألوان ولا تكتحل بإثمد فيه طيب ولا مسك وإن اشتكت عيناها عينيها وقال الشافعي كل كحل كان فيه زينة فلا خير فيه فأما الفارسي وما أشبهه إذا احتاجت إليه فلا بأس به لأنه ليس بزينة بل

يزيد العين مرها وقبحا وما اضطرت إليه فيه مما فيه زينة من الكحل اكتحلت به ليلا فتمسحه نهارا مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة وقد جعلت على عينيها صبرا فقال ما هذا يا أم سلمة فقالت إنما هو صبر يا رسول الله قال اجعليه في الليل وامسحيه بالنهار وقال الشافعي فالصبر يصفر فيكون زينة وليس بطيب فأذن لها فيه بالليل حيث لا يرى وتمسحه بالنهار حيث يرى فكذلك ما أشبهه وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه تجتنب المطلقة والمتوفى عنها زوجها الطيب والزينة والكحل فجعل الكحل كالزينة وهذا يدل على أنهم رخصوا عنه فيما ليس بزينة وقال أحمد بن حنبل تجتنب المتوفى عنها الكحل بالإثمد والزينة كلها والطيب مالك أنه بلغه عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار أنهما كانا يقولان في المرأة يتوفى عنها زوجها إنها إذا خشيت على بصرها من رمد أو شكو أصابها أنها تكتحل وتتداوى بدواء أو كحل وإن كان فيه طيب قال مالك وإذا كانت الضرورة فإن دين الله يسر ورخص فيما فيه من الكحل طيب على الضرورة عطاء وإبراهيم وهو قول الفقهاء وذلك عندهم في حال الاضطرار وما تقدم عن أم سلمة وما كان مثله اختيار وأخذ بالأحوط لأن الطيب داعية من دواعي التشوف إلى الرجال على أن الاكتحال علاج وليس العلاج بيقين برء والأصل ما قلت لك فمن احتاط كره الطيب لها جملة ومن رخص بالضرورة لأن الضرورات تبيح المحظورات وبالله التوفيق قال أبو عمر معلوم أن الإحداد في ترك الزينة والطيب يقطع دواعي التشوف

إلى الأزواج لحفظ العدة فإذا خشيت على بصرها واكتحلت بكحل فيه طيب من أجل شكواها فليس ذلك من المعنى الذي نهيت عنه في شيء والله أعلم مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد اشتكت عينيها وهي حاد على زوجها عبد الله بن عمر فلم تكتحل حتى كادت عيناها ترمصان قال أبو عمر هذا من صفية رحمها الله ورع يشبه ورع زوجها رضي الله عنه ومن صبر على ألمه وترك الشبهات في علاجه حمد له ذلك ولم يذم عليه ومن أخذ برخصة الله وتأول تأويلا غير مدفوع فغير ملوم ولا معنف والله يحب أن تؤتى رخصة كما يجب أن تجتنب محارمه قال مالك تدهن المتوفى عنها زوجها بالزيت والشبرق وما أشبه ذلك إذا لم يكن فيه طيب وذكر مالك في باقي هذا الباب مذهبه في جميع ما يحتاج إليه فيه وأهل العلم متفقون عليه معه وذكر أيضا فيه الإحداد على الصبية كما هو على الكبيرة وعلى الأمة شهرين وخمس ليال كما هو على الحرة وقد تقدم ما للعلماء في ذلك كله قال مالك ليس على أم الولد إحداد إذا هلك عنها سيدها ولا على أمة يموت عنها سيدها إحداد وإنما الإحداد على ذوات الأزواج قال أبو عمر الحجة في هذا قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج وذكر عبد الرزاق عن الثوري قال أم الولد تخرج وتتطيب وتختضب ليست بمنزلة المتوفي عنها زوجها قال أبو عمر قد ذكرنا الاختلاف في غير المتوفى فيما تقدم وذلك يغني عن القول ها هنا والحمد لله

مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول تجمع الحاد رأسها بالسدر والزيت قال أبو عمر لا أعلم في ذلك خلافا لأن السدر والزيت ليس بطيب وقد جاء عن الشافعي فيه شيء على جهة الاستحسان لما فيه من تليين الشعر وترجيله وذكر عبد الرزاق عن معمر عن بديل العقيلي عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة قالت المتوفى عنها زوجها لا تلبس من الثياب المصبوغة شيئا ولا تكتحل ولا تلبس حليا ولا تختضب ولا تتطيب قال أبو عمر هذا أرفع ما في هذا الباب ويشبه أن لا يكون مثله رأيا والله أعلم

كتاب الرضاع باب رضاعة الصغير مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة أم المؤمنين أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندنا وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة قالت عائشة فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أراه فلانا لعم لحفصة من الرضاعة فقالت عائشة يا رسول الله لو كان فلان حيا لعمها من الرضاعة دخل علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة قال أبو عمر هذا حديث صحيح نقله العدول وهو يبين كتاب الله في الزيادة في معناه لأن كتاب الله إنما ذكر في كتابه في التحريم بالرضاعة الأمهات والأخوات فقال تعالى وأمهتكم التي أرضعنكم وأخواتكم من الرضعة النساء وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل ما يحرم من النسب فمثله يحرم من الرضاع وإذا كانت الأم من الرضاع محرمة كان كذلك الأب لأن اللبن منهما جميعا وإذا كان زوج التي أرضعت أبا كان أخوه عما وكانت أخت المرأة خالة فحرم بالرضاعة العمات والخالات والأعمام والأخوال والأخوات وبناتهن كما يحرم بالنسب

هكذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة وفي هذا الحديث دليل واضح على أن لبن الفحل يحرم الذكر العم ولولا لبن الفحل ما ذكر العم لأن بمراعاة لبن الرجل صار أبا فصار أخوه عما فإن قيل إنه ليس في هذا الحديث شيء يدل على التحريم بلبن الفحل فإنه ممكن أن يكون عم حفصة المذكور قد أرضعته مع عمر بن الخطاب امرأة واحدة فصار عما لحفصة فالجواب أن قوله إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة يقضي بتحريم لبن الفحل لأنه معلوم أن الأب لم يلد أولاده بالحمل والوضع كما صنعت الأم وإنما ولدهم بما كان من مائه المتولد منه الحمل واللبن فصار بذلك والدا كما صارت الأم بالحمل والولادة أما فإذا أرضعت بلبنها طفلا كانت أمه وكان هو أباه وهذا يوضح ويرفع الإشكال فيه وبعد هذا جعله مالك بعده في الباب مفسرا والله أعلم مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت جاء عمي من الرضاعة يستأذن علي فأبيت أن آذن له علي حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال إنه عمك فأذني له قالت فقلت يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل فقال أنه عمك فليلج عليك قالت عائشة وذلك بعد ما ضرب علينا الحجاب وقالت عائشة يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة قال أبو عمر فهذا أوضح شيء في هذا الباب وأشد بيانا ورفعا للإشكال ألا ترى لقول عائشة إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل فيكون أبي ويكون أخوه عمي فأجابها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المرأة لما أرضعتك صارت أمك

وصار زوجها الذي كان سبب لبنها أباك فصار أخوه عمك ففهمت عائشة هذا ولم تكن تعرفه قبل فقالت إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة لو كان ذلك كالعم قد رضع مع أبيها أبي بكر امرأة واحدة لما احتيج إلى شيء من هذا الخطاب وحديث مالك عن بن شهاب في معنى حديث هشام سواء وإن كان حديث هشام أبين لأنه رفع الإشكال مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها أخبرته أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن أنزل الحجاب قالت فأبيت أن آذن له علي فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت فأمرني أن آذن له علي قال أبو عمر لو كان عمها كما زعم من أبى أن يحرم بلبن الفحل شيئا قد أرضعته وإياها امرأة واحدة أكان يخفي على عائشة أو على من هو دونها بأنه عمها فكانت تحتجب من عمها وإنما خفي عنها أمر لبن الفحل حين أعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى معمر وعقيل وبن عيينة عن بن شهاب عن عروة عن عائشة في هذا الحديث قولها إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل وليس هذا اللفظ عند مالك في حديث بن شهاب عن عروة إنما هو عنده في حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني أبو محمد بن أبي عمر قال حدثني سفيان قال سمعت الزهري يحدث عن عروة عن عائشة قالت جاء عمي من الرضاعة أفلح بن أبي القعيس يستأذن علي بعد ما ضرب علينا الحجاب فأبيت أن أأذن له فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال إنه عمك فأذني له قالت عائشة فقلت يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل قال صلى الله عليه وسلم تربت يداك أنه عمك فأذني له

وروى بن عيينة هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فلم يذكر فيه قولها إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل وهذا كله يدل على أنه لفظ مجموع لعروة عن عائشة ذكره من ذكره في حديث بن شهاب وهشام ونسيه من نسيه في أحدهما والأكثر يقولون في هذا الحديث أفلح بن أبي القعيس ولفظ حديث عقيل إن أخا أبي القعيس ليس هو الذي أرضعني وإنما أرضعتني امرأته وكذلك رواه عراك بن مالك عن عروة عن عائشة قالت استأذن علي أفلح بن أبي القعيس فلم آذن له فقال إني عمك أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صدق هو عمك فأذني له ورواه شعبة عن الحكم عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة وقد ذكرنا الأسانيد في أحاديث بن شهاب وغيره بهذا المعنى مسندة في باب حديث بن شهاب من التمهيد والحمد لله وفي رواية الليث عن عقيل من هذا الحديث عن بن شهاب قال عروة فلذلك كانت عائشة تقول حرمنا من الرضاعة ما يحرم من النسب قال بن شهاب فنرى ذلك يحرم منه ما يحرم من النسب وقد اختلف العلماء من السلف ومن بعدهم في لبن الفحل اختلافا كثيرا فكانت هذه السنة الواردة من نقل العدول تبين موضع الصواب فيما اختلفوا فيه من ذلك وبالله التوفيق ومعنى اللبن للفحل أن يكون زوج المرضعة أبا للطفل المرضع وتكون أولاده من تلك المرأة ومن غيرها إخوة له كما يكون أولاد المرأة المرضعة إخوة له من ذلك الزوج ومن غيره وفي هذا المعنى تنازع العلماء قديما ولو وصل إليهم الحديث ما اختلفوا في ذلك والله أعلم وأما اختلافهم فيه فإن مالكا والشافعي وأبا حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبا ثور وأبا عبيدة ذهبوا كلهم إلى التحريم بلبن الفحل وهو مذهب بن عباس وأصحابه وعطاء وطاوس ومجاهد وأبو الشعثاء

وبه قال عروة بن الزبير وبن شهاب والحسن واختلف فيه عن القاسم بن محمد وكذلك اختلف فيه عن عائشة ويأتي الاختلاف عنهما في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وروى مالك عن بن شهاب عن عمرو بن الشريد أن عبد الله بن عباس سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاما وأرضعت الأخرى جارية فقيل له هل يتزوج الغلام الجارية فقال لا اللقاح واحد وهذا تصريح التحريم بلبن الفحل وقد ذكرنا الأسانيد عن القائلين بذلك في التمهيد وحجتهم حديث عائشة المذكور وأما القائلون من العلماء بأن لبن الفحل لا يحرم شيئا وليس بشيء فسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وأخوه عطاء بن يسار ومكحول وإبراهيم والشعبي والحسن البصري على اختلاف عنه والقاسم بن محمد على اختلاف عنه وأبو قلابة وإياس بن معاوية وبه قال داود بن علي وإبراهيم بن إسماعيل بن علية وروي ذلك عن بن عمر وجابر وقضى به عبد الملك بن مروان وقال ليس الرجل من الرضاعة في شيء وقد ذكرنا الأسانيد عن هؤلاء كلهم في التمهيد وحجتهم أن حديث عائشة في قصة أبي القعيس اختلف عنها في ألفاظه وفي العمل به ولم تثبت سنة يراد بها على ما حرم الله عز وجل في كتابه وروى إسماعيل بن أبي أويس عن مالك قال قال مالك وقد اختلف في أمر

الرضاعة من قبل الأب ونزل برجال من أهل المدينة في أزواجهم منهم محمد بن المنكدر وبن أبي حبيبة فاستفتوا في ذلك فاختلف الناس عليهم فأما بن المنكدر وبن أبي حبيبة ففارقوا نساءهم وروى سحنون عن بن القاسم عن مالك مثله وزاد وقد اختلف فيه اختلافا شديدا وذكر بن وضاح قال حدثني أحمد بن سلمة قال حدثني إسماعيل بن علية عن أيوب قال أول ما سمعت بلبن الفحل وأنا بمكة فجعل إياس بن معاوية يقول وما بأس بهذا ومن يكره هذا فلما قدمت البصرة ذكرت ذلك لابن سيرين فقال نبئت أن ناسا من أهل المدينة اختلفوا فيه فمنهم من كرهه ومنهم من لم يكرهه ومن كرهه في أنفسنا أفضل ممن لم يكرهه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه أخبره إن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل عليها من أرضعته أخواتها وبنات أخيها ولا يدخل عليها من أرضعة نساء إخوتها قال أبو عمر هذا مع صحة إسناده ترك منها للقول بالتحريم بلبن الفحل وقد ثبت عنها حديث أبي القعيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها هو عمك فليلج عليك بعد قولها له يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل فقال لها صلى الله عليه وسلم إنه عمك فليلج عليك وهذا نص التحريم بلبن الفحل فخالفت دلالة حديثها هذا وأخذت بما رواه عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يدخل عليها من أرضعة أخواتها ولا يدخل عليها من أرضعة نساء إخوتها فلو ذهب إلى التحريم بلبن الفحل لكان نساء إخواتها من أجل لبن إخوتها حكمهن من التحريم بلبنهن كحكم أخواتهن في التحريم بلبنهن وفي الدخول عليهن سواء والحجة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في قولها مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أنه كان

يقول ما كان في الحولين وإن كان مصة واحدة فهو يحرم مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا رضاعة إلا لمن أرضع في الصغر ولا رضاعة لكبير مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أن عائشة أم المؤمنين أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق فقالت أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل علي قال سالم فأرضعتني أم كلثوم ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعني غير ثلاث رضعات فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تتم لي عشر رضعات مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته أن حفصة أم المؤمنين أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعد إلى أختها فاطمة بنت عمر بن الخطاب ترضعه عشر رضعات ليدخل عليها وهو صغير يرضع ففعلت فكان يدخل عليها قال أبو عمر أما حديثه عن ثور بن زيد عن بن عباس فإنه لم يسمع ثور من بن عباس بينهما عكرمة والحديث محفوظ لعكرمة وغيره عن بن عباس وذكر أبو بكر قال حدثني بن فضيل عن عاصم عن عكرمة عن بن عباس فلم يسمع ثور من بن عباس بينهما عكرمة والحديث محفوظ لعكرمة وغيره عن بن عباس قال لا رضاع بعد الفصال قال وقد روي عن عمر وعلي أن لا رضاع بعد الفصال وبن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن عباس قال لا رضاع إلا ما كان في الحولين وعن علي لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين قال أبو عمر قوله لا رضاع بعد الحولين وقوله لا رضاع بعد الفصال معنى واحد متقارب وإن كان بعض المتعسفين قد فرق بين ذلك

وهو قول بن مسعود وجابر وأبي هريرة وبن عمر وأم سلمة وسعيد بن المسيب وعطاء والجمهور في أنه لا رضاع بعد حولين وفي حديث مالك عن ثور عن بن عباس أيضا وجهان أحدهما أن الرضاع في الحولين يحرم وفي ذلك دليل على أن الرضاع بعد الحولين لا يحرم وهذا موضع اختلاف بين الفقهاء فقال مالك في الموطأ الرضاعة قليلها وكثيرها إذا كان في الحولين تحرم فأما ما كان بعد الحولين فإن قليله وكثيره لا يحرم شيئا وإنما هو بمنزلة الطعام وقال بن القاسم عن مالك الرضاع حولان وشهر أو شهران بعد ذلك لا ينظر إلى إرضاع أمه إياه إنما ينظر إلى الحولين وشهر أو شهرين بعد الحولين قال وإن فصلته قبل الحولين وأرضعته قبل تمام الحولين وهو فطيم يرضع بعد ذلك فإنه لا يكون رضاعا إذا كان استغنى قبل ذلك عن الرضاع وروى الوليد بن مسلم عن مالك ما كان بعد الحولين بشهر أو شهرين أو ثلاثة فهو من الحولين وقال أبو حنيفة ما كان من رضاع في الحولين وبعدهما بستة أشهر سواء فطم أو لم يفطم فهو يحرم وبعد ذلك لا يحرم فطم أو لم يفطم وقال زفر ما دام يجتري باللبن ولم يفطم فهو رضاع وإن أتى عليه ثلاث سنين وقال أبو يوسف ومحمد والثوري والحسن بن حي والشافعي يحرم ما كان في الحولين ولا يحرم بعدهما ولا يعتبر الفصال إنما يعتبر الوقت وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور لا رضاع بعد الحولين وهذا أحد قولي الأوزاعي وقد اختلف عنه في ذلك ذكر الطحاوي عن الأوزاعي إذا فطم لسنة واستمر فطامه فليس بعده رضاع ولو أرضع ثلاث سنين لم يكن رضاعا بعد الحولين وذكر بن خواز منداد عن الأوزاعي إذا فطم الغلام لستة أشهر فما رضع بعد ذلك رضاعا ولو لم يفطم ثلاث سنين كانا رضاعا

والوجه الآخر في حديث مالك عن ثور عن بن عباس قوله ما كان بعد الحولين فلا يحرم ولو كان مصة واحدة وهو أيضا اختلف فيه السلف والخلف وهو من رضع مقدار ما يحرم من الرضاع فقال مالك وأبو حنيفة أصحابهما والثوري والأوزاعي والليث والطبري قليل الرضاع وكثيره يحرم ولو مصة واحدة إذا وصلت إلى حلقه وجوفه حرمت عليه وهو قول علي وبن مسعود وبن عمر وبن عباس وسعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وعروة وطاوس وعطاء ومكحول والزهري وقتادة والحكم وحماد وقال الليث بن سعد أجمع المسلمون في أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد ما أفطر الصائم قال أبو عمر لم يقف الليث على خلاف في ذلك وعند مالك في هذا الباب عن إبراهيم بن عقبة أنه سأل سعيد بن المسيب عن الرضاعة فقال سعيد كل ما كان في الحولين وإن كانت قطرة واحدة فهو يحرم وما كان بعد الحولين فإنما هو طعام يأكله قال إبراهيم بن عقبة ثم سألت عروة بن الزبير فقال مثل ما قال سعيد بن المسيب وعن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت سعيد بن المسيب يقول لا رضاعة إلا ما كان في المهد وإلا ما أنبت اللحم والدم وعن بن شهاب أنه كان يقول الرضاعة قليلها وكثيرها تحرم والرضاعة من قبل الرجال تحرم قال أبو عمر الحجة في هذا ظاهر قول الله عز وجل وأمهتكم التي أرضعنكم وأخوتكم من الرضعة النساء ولم يخص قليل الرضاعة من كثيرها

وقد روى بن جريج عن عمرو بن دينار عن بن عمر أنه قيل له قضى بن الزبير بألا تحرم المصة ولا المصتان فقال قضاء الله خير من قضاء بن الزبير حرم الأخت من الرضاعة وقالت طائفة منهم عبد الله بن الزبير وأم الفضل وعائشة على اختلاف عنها لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان وبه قال سليمان بن يسار وسعيد بن المسيب وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد ورووا في ذلك حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان ومنهم من يرويه الرضعة لا الرضعتان قالوا فما زاد على ذلك حرم وذهبوا إلى ان الثلاث رضعات فما فوقها تحرم ولا تحرم ما دونها حدثني عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبدة وبن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحرم المصة ولا المصتان قال وحدثنا عبدة عن أبي عروبة عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان وقال الشافعي لا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات متفرقات احتج بقوله صلى الله عليه وسلم لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان ومما رواه أبو بكر قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج عن أبي الزبير قال سألت بن الزبير عن الرضاع فقال لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا الثلاث قال أصحابه وبن الزبير روي هذا الحديث وفهم منه أنه لا تحرم الثلاث أيضا وأفتى به وذكروا عن بن مسعود وأبي موسى وسليمان بن يسار وغيرهم أنهم قالوا إنما يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم والدم وأنشز العظم وفتق الأمعاء وهذه ألفاظهم مفترقة جمعتها وذكر الشافعي أيضا عن بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن الحجاج بن الحجاج عن أبي هريرة قال لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء ورواه حماد بن سلمة عن هشام بن عروة بإسناده مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم واحتج الشافعي بحديث مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما نقرأ من القرآن فكان في هذا الحديث بيان ما يحرم من الرضعات وكان مفسرا لقوله لا تحرم الرضعة والرضعتان فدل على أن قوله لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان خرج على جواب سائل سأله عن الرضعة والرضعتين هل تحرمان فقال لا لأن من سنته وشريعته أنه لا يحرم إلا خمس رضعات وأنها نسخت العشر الرضعات كما لو سأل سائل هل يقطع السارق في درهم أو درهمين كان الجواب لا يقطع في درهم ولا درهمين لأنه قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يقطع إلا في ربع دينار فكذلك بيانه في الخمس الرضعات فإن قيل لو كانت ناسخة للعشر رضعات عند عائشة كما روت عنها عمرة ما

كانت عائشة لتأمر أختها أم كلثوم أن ترضع سالم بن عبد الله عشر رضعات ليدخل عليها فتستعمل المنسوخ وتدع الناسخ وكذلك حفصة أمرت أختها فاطمة بمثل ذلك في عاصم على ما تقدم من رواية مالك في الموطأ والجواب أن أصحاب عائشة الذين هم أعلم بها من نافع وهم عروة والقاسم وعمرة رووا عنها خمس رضعات ولم يرو أحد منهم عشر رضعات وقد روي عنها سبع رضعات وقد روي عنها عشر رضعات والصحيح عنها خمس رضعات ومن روى عنها أكثر من خمس رضعات فقد وهم لأنه قد صح عنها أن الخمس الرضعات المعلومات نسخن العشر المعلومات فمحال أن نقول بالمنسوخ وهذا لا يصح عنها عند ذي فهم وفي حديثها المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سهله بنت سهيل امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالما مولى أبي حذيفة خمس رضعات قال عروة فأخذت بذلك عائشة وسنذكره مسندا في الباب بعد هذا إن شاء الله عز وجل فكيف يقبل أحد عنها أنها افتت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بعشر رضعات هذا لا يقبله من أنصف نفسه ووفق لرشده ولو صح عنها حديث نافع عن سالم في العشر كان غيره معارضا له بالخمس فسقطت وثبتت الخمس ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت لا يحرم دون الخمس رضعات وعن بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة قالت نزل القرآن بعشر رضعات ثم نسخن بخمس باب ما جاء في الرضاعة بعد الكبر مالك عن بن شهاب أنه سئل عن رضاعة الكبير فقال أخبرني

عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد شهد بدرا وكان تبنى سالما الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأنكح أبو حذيفة سالما وهو يرى أنه ابنه أنكحه بنت أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهي يومئذ من المهاجرات الأول وهي من أفضل أيامى قريش فلما أنزل الله تعالى في كتابه في زيد بن حارثة ما أنزل فقال أدعوهم لابائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا ءاباءهم فإخونكم في الدين ومواليكم الأحزاب رد كل واحد من أولئك إلى أبيه فإن لم يعلم أبوه رد إلى مولاه فجاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة وهي من بني عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل علي وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها وكانت تراه ابنا من الرضاعة فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن لا والله ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل إلا رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في رضاعة سالم وحده لا والله لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد فعلى هذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في رضاعة الكبير قال أبو عمر هذا حديث يدخل في المسند للقاء عروة وعائشة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وللقائه سهلة بنت سهيل أيضا وقد رواه عثمان بن عمر عن مالك مختصر اللفظ متصل الإسناد حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا يزيد بن سنان قال حدثنا عثمان بن عمر قال حدثنا مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر

امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالما خمس رضعات فكان يدخل عليها بتلك الرضاعة وكان سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأبين ذلك ويقلن إنما كانت الرخصة في سالم وحده وقد رواه عبد الرزاق وعبد الكريم بن روح وإسحاق بن عيسى عن مالك كما رواه عثمان بن عمر ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن بن شهاب عن عروة وبن عبد الله بن ربيعة عن عائشة وأم سلمة بلفظ حديث مالك في موطئه ومعناه سواء إلى آخره ورواه بن المبارك عن يونس عن الزهري عن عروة وبن عبد الله بن ربيعة عن عائشة مثله أيضا وقد ذكرنا الأحاديث بأسانيدها في التمهيد وأما قوله في حديث يدخل علي وأنا فضل فإن الخليل قال رجل متفضل وفضل إذا توشح بثوب فخالف بين طرفيه على عاتقه قال ويقال امرأة فضل وثوب فضل فمعنى الحديث عندي أنه كان يدخل عليها وهي منكشفة بعضها جالسة كيف أمكنها وقال بن وهب فضل مكشوفة الرأس والصدر وقيل الفضل التي عليها ثوب واحد ولا إزار تحته وهذا أصح إن شاء الله تعالى لأن انكشاف الصدر لا يجوز أن يضاف إلى ذوي الدين عند ذي محرم ولا غيره لأن الحرة عورة مجتمع على ذلك منها إلا وجهها وكفيها وقد ذكرنا ما في هذا الحديث من معاني ألفاظه في التمهيد واقتصرنا في هذا الكلام على الكلام في فقهه خاصة والذي جاء به في هذا الحديث التحريم برضاعة الكبير وهو مذهب عائشة من بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حملت عائشة حديثها هذا في سالم على العموم فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها ورأى غيرها هذا الحديث خصوصا في سالم وسهلة بنت سهيل واختلف العلماء في ذلك كاختلاف أمهات المؤمنين

فذهب الليث إلى أن رضاعة الكبير تحرم كما تحرم رضاعة الصغير وهو قول عطاء وروي عن علي ولا يصح عنه والصحيح عنه أن لا رضاع بعد فطام وكان أبو موسى الأشعري يفتي به ثم انصرف عنه إلى قول بن مسعود وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سمعت عطاء يسأل قال له رجل سقتني امرأة من لبنها بعد ما كنت رجلا أفأنكحها قال لا قلت ذلك رأيك قال نعم قال عطاء كانت عائشة تأمر به بنات أخيها قال أبو عمر هكذا رضاع الكبير كما ذكر عطاء يحلب له اللبن ويسقاه وأما أن تلقمه المرأة ثديها كما تصنع بالطفل فلا لأن ذلك لا ينبغي عند أهل العلم وقد أجمع العلماء على التحريم بما يشربه الغلام الرضيع من لبن المرأة وإن لم يمصه من ثديها وإنما اختلفوا في السعوط به وفي الحقنة والوجور وفي حين يصنع له منه وروى بن وهب عن الليث أنه قال أنا أكره رضاع الكبير أن أحل منه شيئا وروى عنه عبد الله بن صالح أن امرأة جاءته فقالت إني أريد الحج وليس لي محرم فقال اذهبي إلى امرأة رجل ترضعك فيكون زوجها أبا لك فتحجين معه وقال بقول الليث قوم منهم بن علية وحجتهم حديث عائشة في قصة سالم مولى أبي حذيفة وعملها به وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أن القاسم بن محمد أخبره أن عائشة أخبرته أن سهلة بنت سهيل بن عمرو جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن سالما معنا في البيت وقد بلغ ما يبلغ الرجال وعلم ما يعلم الرجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرضعيه تحرمي عليه قال بن أبي مليكة فمكثت سنة أو قريبا منها لا أحدث به رهبة له ثم لقيت القاسم فقلت له لقد حدثتني حديثا ما حدثت به بعد فقال ما هو فأخبرته حدث به عني فإن عائشة أخبرتنيه قال أبو عمر هذا يدل على أنه حديث ترك قديما ولم يعمل به ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه بل تلقوه بالخصوص

وممن قال إن رضاعة الكبير ليس بشيء عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وبن عمر وأبو هريرة وبن عباس وسائر أمهات المؤمنين غير عائشة وجمهور التابعين وجماعة فقهاء الأمصار منهم الليث ومالك وبن أبي ذئب وبن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد والطبري وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم إنما الرضاعة من المجاعة ولا رضاعة إلا ما أنبت اللحم والدم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا أشعث وهو بن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قاعد فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه فقلت يا رسول الله إنه أخي من الرضاعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال جاء رجل إلى عبد الله بن عمر وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير فقال عبد الله بن عمر جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال إني كانت لي وليدة وكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت دونك فقد والله أرضعتها فقال عمر أوجعها وأت جاريتك فإنما الرضاعة رضاعة الصغير قال أبو عمر هذا الرجل هو أبو عميس بن جبر الأنصاري ثم الحارثي روى الليث بن سعد عن يحيى بن سعد أن أبا عميس بن جبر الأنصاري ثم الحارثي وكان بدريا كانت له وليدة يطؤها فانطلقت امرأته إلى الوليدة فأرضعتها فلما دخلت عليها قالت له امرأته دونك فقد والله أرضعتها فخرج مكانه إلى عمر بن الخطاب فعزم عمر عليه ليوجعهن ظهر امرأته وليطأن وليدته ففعل

وروى الليث أيضا عن نافع عن بن عمر مثل حديث مالك عن عبد الله بن دينار قال أبو عمر قد ذكرنا عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب كانا لا يريان رضاعه الكبير شيئا فيمن ذكرناهم من الصحابة في هذا الباب مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلا سأل أبا موسى الأشعري فقال إني مصصت عن امرأتي من ثديها لبنا فذهب في بطني فقال أبو موسى لا أراها إلا قد حرمت عليك فقال عبد الله بن مسعود انظر ماذا تفتي به الرجل فقال أبو موسى فماذا تقول أنت فقال عبد الله بن مسعود لا رضاعه إلا ما كان في الحولين فقال أبو موسى لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم وقد ذكرنا أن أبا موسى رجع إلى قول بن مسعود في هذه المسألة من رضاع الكبير فيما تقدم من هذا الباب ولولا أنه بان له أن الحق في قول بن مسعود ما رجع إليه ولا يزال الناس بخير ما انصرفوا إلى الحق إذ بان لهم وخبر بن مسعود هذا من رواية مالك منقطع وهو حديث كوفي يتصل من وجوه منها ما رواه بن عيينة وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي عمرو الشيباني أن رجلا كانت له امرأة فولدت غلام فجرى لبنها فأمرت زوجها أن يمص عنها فجعل يمصه ويمجه فرأى أنه سبقه منه شيء فدخل في بطنه فأتى أبا موسى ألاشعري فسأله عن ذلك فكرهها له وقال ائت عبد الله بن مسعود فإنه أعلم بذلك فأتاه فأخبره بقول أبي مسعود فإنه أعلم بذلك فأتاه فأخبره بقول أبي موسى فقال بن مسعود إنها لم تحرم عليك امرأتك فقال أبو موسى يا أهل الكوفة لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم يعني بن مسعود باب جامع ما جاء في الرضاعة مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن

الزبير عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة هكذا قال يحيى في هذا الحديث عن سليمان بن يسار وعن عروة جعلهما روايتين للحديث عن عائشة فوهم في ذلك وإنما الحديث محفوظ في الموطأ وغيره لسليمان بن يسار عن عروة عن عائشة وهذا مما يعد من غلط يحيى عن مالك لأنه لم يتابعه عليه أحد من رواة الموطإ وقد تقدم في معناه والحمد لله مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أنه قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين عن جدامة بنت وهب الأسدية أنها أخبرتها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم قال مالك والغيلة أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع قال أبو عمر قد روى بعض الرواة عن مالك هذا الحديث فجعلوه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو عامر العقدي وكذلك رواه القعنبي في غير الموطإ وهو عنده في الموطإ كما هو عند سائر الرواة عن عائشة عن جدامة وفي رواية عائشة له عن جدامة دليل على حرصها على العلم وبحثها عنه وأن القوم لم يكونوا يرسلون من الأحاديث في الأغلب إلا ما يستوفيه المحدث لهم بها أو لوجوه غير ذلك

وقد ذكرنا هذا في كتاب التمهيد وأما الغيلة فكما فسرها مالك وعلى تفسير ذلك أكثر الناس من أهل اللغة وغيرهم وقال الأخفش الغيلة والغيل سواء وهي أن تلد المرأة فيغشاها زوجها وهي ترضع فتحمل من ذلك الوطء لأنها إذا حملت فسد اللبن على الطفل المرضع ويفسد به جسمه وتضعف به قوته حتى ربما كان ذلك في عقله قال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إنه ليدرك الفارس فيدعثره عن فرسه أو قال عن سرجه أي يضعف فيسقط عن السرج قال الشاعر فوارس لم يغالوا في الرضاع فتنبوا في أكفهم السيوف قال أبو عمر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ذكرت أن فارس والروم يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم شيئا يرد كل ما قاله الأخفش وحكاه عن العرب وذلك من تكاذيب العرب وظنونهم ولو كان ذلك حقا لنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على جهة الإرشاد والأدب فإنه كان عليه السلام حريصا على نفع المؤمنين رؤوفا بهم وما ترك شيئا ينفعهم إلا دلهم عليه وأمره به صلى الله عليه وسلم وقد قال بعض أهل اللغة الغيلة أن ترضع المرأة ولدها وهي حامل وقال غيره الغيل نفسه الرضاع وقد زدنا هذا المعنى بيانا بشواهد الشعر في التمهيد وقال بن الماجشون وذكره بن القاسم أيضا عن مالك وقال إنه لم يسمعه منه في الرجل يتزوج المرأة وهي ترضع فيصيبها وهي ترضع أن ذلك اللبن له وللزوج قبله لآن الماء يغير اللبن ويكون منه الغذاء واحتج بهذا الحديث لقد هممت أن أنهى عن الغيله قال بن القاسم وبلغني عن مالك إذا ولدت المرأة فاللبن منه بعد الفصال وقبله ولو طلقها فتزوجت وحملت من الثاني فاللبن بينهما جميعا أبدا حتى يتبين انقطاعه من الأول

ومن الحجة لمالك أيضا أن اللبن يغيره وطء الزوج الثاني ولوطئه فيه تأثير قوله عليه السلام إذا نظر إلى المرأة الحامل من السبي فسأل هل يطأ هذه صاحبها قيل له نعم فقال لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره أيورثه وليس منه أم يستعبده وهو قد عداه في سمعه وبصره وهو حديث في إسناده لين وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما اللبن من الأول في هذه المسألة حتى تضع المرأة فيكون من الآخر وهو قول بن شهاب وروي عن الشافعي أنه منهما حتى تلد فيكون من الثياني وقد مضى القول في لبن الفحل في صدر كتاب الرضاع من هذا الكتاب والحمد لله مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فيما يقرأ من القرآن قال يحيى قال مالك وليس على هذا العمل قال أبو عمر قد تقدم في هذا الكتاب ذكر من رأى العمل على هذا الحديث من السلف ومن قال به من أئمة الفتوى بالأمصار ومن تركه فلم يقل به ولم يعمل به وهم الأكثر من العلماء وقد روي هذا الحديث سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت نزل القرآن بعشر رضعات معلومات ثم صرن إلى خمس وروى سفيان أيضا عن الزهري قال قالت عائشة لا يحرم دون خمس رضعات معلومات قال وكانت عائشة ترى ذلك للصغير والكبير

قال أبو عمر رد حديث عمرة عن عائشة هذا أصحابنا ومن ذهب في هذه المسألة مذهبهم ودفعوه فقالوا هذا حديث أضيف إلى القرآن ولم يثبت قرآنا وعائشة التي قطعت بأنه كان من القرآن قد اختلف عنها في العمل به فليس بسنة ولا قرآن وردوا حديث المصة والمصتين بأنه حديث مرة يرويه بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم ومرة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا ومثل هذا الاضطراب يسقطه وضعفه حديث أم الفضل أيضا في ذلك وردوا حديث عروة عن عائشة في الخمس رضعات بأن عروة كان يفتي بخلافه ولو صح عنده ما خالفه وروى مالك عن إبراهيم بن عقبة أنه سأل سعيد بن المسيب عن الرضاعة فقال ما كان في الحولين وإن كان قطرة واحدة فهو يحرم قال ثم سألت عروة بن الزبير فقال مثل ذلك قال أبو عمر انفك المخالفون لهم مما احتجوا به عليهم من هذا بأن القرآن منه ما نسخ خطه ورفع وثبت الحكم به والعمل من ذلك الرجم خطب به عمر على رؤوس الصحابة وقال الرجم هو في كتاب الله فلم ينكر عليه ذلك أحد فمثله الخمس رضعات بل هي ألزم من جهة العمل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل أن ترضع سالما خمس رضعات فيحرم عليها وبحديث معمر وبن جريج وغيرهما عن هشام عن عروة عن أبيه عن الحجاج الأسلمي أنه استفتى أبا هريرة ما يحرم من الرضاع فقال لا يحرم إلا ما فتق الأمعاء ومثل هذا لا يكون رأيا وقد روي مرفوعا قالوا ولا حاجة بنا إلى أن نثبت قرآنا لأنا لا نريد قطع العذر به إنما نريد به إيجاب الحكم والعمل كالرجم وغيره وليس في أن لا يعمل به عروة ولا يفتي به مذهب لأنها مسألة اختلاف رأى فيها عروة غير رأي عائشة كسائر ما خالفها فيه من رأيه وقد أخبر عروة أن عائشة كانت تفتي به وتعمل به وقولها

أولى لمن يسوغ له التقليد من قوله وحديث المصة والمصتان والرضعة والرضعتان ثابت ليس فيه علة يجب بها دفعه وقد قال به أهل العلم بالحديث على ما ذكرته عنهم مما تقدم والله بالصواب أعلم وصلى الله على محمد وآلة وسلم تسليما

كتاب البيوع باب ما جاء في بيع العربان مالك عن الثقة عنده عنه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان قال مالك وذلك فيما نرى والله أعلم أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة أو يتكارى الدابة ثم يقول للذي اشترى منه أو تكارى منه أعطيك دينارا أو درهما أو أكثر من ذلك أو أقل على أني إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منك فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطيتك لك باطل بغير شيء قال أبو عمر هكذا قال يحيى في هذا الحديث عن مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب وقال ذلك جماعة من رواة الموطأ معه وأما القعنبي والتنيسي وبن بكير وغيرهم فقالوا فيه عن مالك أنه بلغه أن عمرو بن شعيب والمعنى فيه عندي سواء لأنه كان لا يروي إلا عن ثقة وقد تكلم الناس في الثقة عند مالك في هذا الموضع وأشبه ما قيل فيه أنه بن لهيعة والله أعلم لأن هذا الحديث أكثر ما يعرف عند بن لهيعة عن عمرو بن شعيب

وقد رواه الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه بالإسناد عنه في التمهيد ولكنه أشهر من حديث بن لهيعة وقد رواه حبيب كاتب مالك عن مالك عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمرو بن شعيب بإسناده ولكن حبيبا متروك لا يشتغل بحديثه ويقولون إنه كذاب فيما يحدث به وقد حدث خلف بن قاسم قال حدثني أبو محمد بكر بن عبد الرحمن الخلال قال حدثني يحيى بن عثمان بن صالح بن صفوان قال حدثني حرملة بن يحيى قال حدثني بن وهب عن مالك عن عبد الله بن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان هكذا حدث به حرملة عن بن وهب وهو في موطأ بن وهب عن بن لهيعة عن عمرو بن شعيب وفي بعض الروايات عن بن وهب في موطئه عن مالك قال بلغني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان كما هو في موطأ مالك وقد قيل إن مالكا أخذه عن بن وهب عن بن لهيعة عن عمرو بن شعيب وأما قول مالك في تفسير ذلك فعليه جماعة فقهاء الأمصار من الحجازيين والعراقيين منهم الشافعي والثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والليث بن سعد وعبد العزيز بن أبي سلمة لأنه من بيع الغرر والمخاطرة وأكل المال بغير عوض ولا هبة وذلك باطل وبيع العربان على ذلك منسوخ عندهم إذا وقع قبل القبض وبعده وترد السلعة إن كانت قائمة فإن فاتت رد قيمتها يوم قبضها ويرد على كل حال ما أخذ عربانا في الشراء والكراء وقد روي عن قوم من التابعين منهم مجاهد وبن سيرين ونافع بن عبد الحارث وزيد بن أسلم أنهم أجازوا بيع العربان على ما وصفنا وذلك غير جائز عندنا وكان زيد بن أسلم يقول أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا نعرفه عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه يصح

ويحتمل أن يكون بيع العربان الذي أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم لو صح عنه أن يجعل العربان عن البائع من ثمن سلعته إن تم البيع وإلا رده وهذا وجه جائز عند الجميع وحديث نافع بن عبد الحارث رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ عن نافع بن عبد الحارث عامل عمر على مكة أنه اشترى من صفوان بن أمية دارا لعمر بن الخطاب بأربعة آلاف درهم واشترط عليه نافع إن رضي عمر فالبيع له وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم قال مالك في الرجل يبتاع ثوبا من رجل فيعطيه عربانا على أن يشتريه فإن رضيه اخذه وإن سخطه رده وأخذ عربانه إنه لا بأس به قال أبو عمر لا أعلم في هذا خلافا وفي اتفاقهم على هذا دليل على أن المعنى في النهي عن بيع العربان ما قاله مالك والجماعة التي ذكرناهم من العلماء معه على ما تقدم ذكره قال أبو عمر إن وقع بيع العربان الفاسد فسخ وردت السلعة إلى البائع والثمن للمشتري فإن فاتت كان على المشتري فيهما بالغا ما بلغت وله ثمنه هذا قول مالك وأصحابه وسائر الفقهاء قال مالك والأمر عندنا أنه لا بأس بأن يبتاع العبد التاجر الفصيح بالأعبد من الحبشة أو من جنس من الأجناس ليسوا مثله في الفصاحة ولا في التجارة والنفاذ والمعرفة لا بأس بهذا أن تشتري منه العبد بالعبدين أو بالأعبد إلى أجل معلوم إذا اختلف فبان اختلافه فإن أشبه بعض ذلك بعضا حتى يتقارب فلا يأخذ منه اثنتين بواحد إلى أجل وإن اختلفت أجناسهم قال مالك ولا بأس بأن تبيع ما اشتريت مع ذلك قبل أن تستوفيه إذا انتقدت ثمنه من غير صاحبه الذي اشتريته منه قال أبو عمر مذهب مالك الذي لا اختلاف فيه عنه وعن أصحابه هو معنى ما رسمه ها هنا وفي باب ما يجوز من بيع الحيوان بعضه ببعض والسلف فيه من الموطإ وجملة ذلك بأنه لا بأس عنده العبد بالعبدين والفرس بالفرسين والبعير بالبعيرين وكذلك سائر الحيوان إذا اختلفا في الغرض فيهما والمنفعة بهما

ولا يجوز إذا كانت المنافع والأعراض منفعة وسنبين ذلك في باب بيع الحيوان بعضه ببعض إن شاء الله عز وجل ومذهب الشافعي أنه لا بأس بكل ما لا يؤكل وما لا يشرب من الحيوان وغيره أن يباع بعضه ببعض كيف شاء المتبايعان اثنين بواحد يدا بيد ونسيئة اختلفت أصنافه أو اتفقت إلا الذهب والورق فإنه لا يجوز في بعضها ببعض نسيئة وكذلك الطعام كله وقول الشافعي هذا كله قول سعيد بن المسيب وسيأتي في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وقال الكوفيون لا يجوز شيء من الحيوان واحدا باثنين نسيئة من كل شيء جنسا واحدا كان أو أجناسا مختلفة وسواء اختلفت المنافع أو اتفقت وهو قول الثوري وسنذكر وجوه أقوالهم في باب ما يجوز من بيع الحيوان بعضه ببعض إن شاء الله تعالى وأما قول مالك فلا بأس أن تبيع مع ذلك ما اشتريت من قبل أن تستوفيه فإنه لا يجوز عند الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما بيع شيء من الحيوان قبل قبضه لا من صاحبه الذي ابتعته منه ولا من غيره حتى تستوفيه يقبض له ما يقبض به مثله واختلف الشافعي وأبو حنيفة في بيع العقار قبل القبض على ما نذكره في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى قال مالك لا ينبغي أن يستثنى جنين في بطن أمه إذا بيعت لأن ذلك غرر لا يدرى أذكر هو أم أنثى أحسن أم قبيح أو ناقص أو تام أو حي أو ميت وذلك يضع من ثمنها قال أبو عمر جعل مالك استثناء البائع للجنين كاشترائه له لو كان وقد أجمعوا أنه لا يجوز شراؤه فاستثناء البائع للجنين كشراء المشتري له عنده وهذا قول الشافعي إلا أنه لا يجوز استثناؤه لأنه كعضو من أعضاء أمه وهو قول أبي حنيفة والثوري أيضا أنه لا يجوز أن تباع الأم ويستثنى ما في بطنها وهي حامل لأنه من بيوع الغرر وقالوا كما قال مالك ذلك يضع من ثمنها

قال الشافعي كل ذات حمل من بني أدم ومن البهائم بيعت فحملها تبع لها كعضو منها وهو قول أبي حنيفة قال أبو عمر فأن وقع البيع عند مالك ومن تابعه ممن ذكرنا معه فالعمل فيه عندهم أنه يفسخ ما لم يفت والفوت عند مالك وأصحابه أن تلد ذلك الجنين أو غيره أو تموت أو تباع أو توهب أو تعتق أو يطول الزمان أو تختلف الأسواق فأن كان شيء من ذلك مضى البيع وكانت فيه القيمة يوم قبض الأمة دون استثناء بالغة ما بلغت فإن ولدت عند المشتري وقبض البائع الجنين رد إلى مبتاع الأم وغرم قيمتها على ما تقدم هذا إن عثر على الجنين بحدثان قبض البائع له وأما إن طال زمانه أو فات بوجه من وجوه الفوت التي ذكرنا كان للمبتاع على البائع قيمة الجنين يوم قبضه فكان على البائع للمبتاع قيمة الأم يوم باعها بلا استثناء على ما وصفنا وكلفا مع ذلك أن يجمعها بين الأم وإبنها عند أحدهما بالمقاومة بينهما أو يبيعانهما معا من غيرهما وقال الأوزاعي والحسن بن حي جائز أن يبيع الرجل أمته الحامل ويستثنى ما في بطنها قال أبو عمر روي ذلك عن بن عمر ووجه ذلك أن الغرر إنما نهي عنه فيما يقع فيه التبايع والجنين على ملك بائعه قبل البيع فله أن يستثنيه ويخرجه من البيع ولا يضره جهله بصفته لأنه ملكه لم يقع فيه بيع وممن قال ذلك أيضا أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود واحتج أحمد بابن عمر في ذلك قال مالك في الرجل يبتاع العبد أو الوليدة بمائة دينار إلى أجل ثم يندم البائع فيسأل المبتاع أن يقيله بعشرة دنانير يدفعها إليه نقدا أو إلى أجل ويمحو عنه المائة دينار التي له قال مالك لا بأس بذلك وإن ندم المبتاع فسأل البائع أن يقيله في الجارية أو العبد ويزيده عشرة دنانير نقدا أو إلى أجل أبعد من الأجل الذي اشترى إليه العبد أو الوليدة فإن ذلك لا ينبغي وإنما كره ذلك لأن البائع كأنه باع منه مائة دينار له

إلى سنة قبل أن تحل بجارية وبعشرة دنانير نقدا أو إلى أجل أبعد من السنة فدخل في ذلك بيع الذهب بالذهب إلى أجل قال أبو عمر أما المسألة الأولى التي ندم فيها البائع فأعطى المشتري عشرة دنانير نقدا أو إلى أجل وترد عليه يسقط عن المشتري ثمنها المائة الدينار المذكورة فهذا البيع مستأنف وإقالة لا يدخلها تهمه لأنها رجعت أليه سلعته بما اشتراها به من الزياد ولم يدخل في ذلك ذهب بأكثر منها ولا ذهب بذهب إلى اجل فلذلك أجازه فقال لا بأس به والمسأله الثانية بين مالك رحمه الله ما يدخلها إعتاقه فذكر أنها بيع ذهب بذهب إلى أجل فأما الشافعي فليس في ذلك كله عنده شيء مكروه فلا يدخله عنده شيء يحرمه لأن الظاهر الجميل لا يظن به الظن السوء بالباطن والظن ليس بحقيقة ولا يقع التحريم بالظنون قال أبو عمر لو كان البيع الأول نقدا لم يكن بذلك بأس عندهم إلا أن مالكا كرهها إذا كان صاحبها من أهل الغنيمه نقدا ولم ينفذ ذكر بن وهب عن بن لهيعة والليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الاشج عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أنهما سئلا عن رجل اشترى سلعة ثم بدا له أن يتركها ويعطي صاحبها دينارا فقالا لا بأس بذلك وعن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار مثل ذلك قال بكير وقال ذلك بن شهاب قال بن وهب وأخبرني ناجية بن بكير عن أبي الزناد وربيعة في رجل اشترى ثوبا فاستقاله فذهب ليرده إلى صاحبه فأبى أن يقيله فوضع من ثمنه على أن يقيله قالا لا بأس بذلك قال أبو حنيفة وأخبرني الحارث بن نبهان عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين أن شريحا كان يقول ذلك وقال وإن ندم المبتاع فاستقال البائع وأعطاه دراهم لا بأس به قال وأخبرني عمر بن مالك أن يحيى بن سعيد قال لو أن المشتري ندم فقال البائع لا اقيلك إلا أن تنظرني بالذهب سنة لم يكن بذلك بأس

قال يحيى ولو قال له البائع لا أقيلك إلا على أن تسلفني ذلك إلى سنة قال لا يصلح ذلك قال بن وهب وقال لي مالك مثله قال مالك في الرجل يبيع الدابة من الرجل وينقده الثمن ثم يندم المشتري فيقول بائع الدابة منه أقلني وخذ دابتك وأنظرك بثمنها سنة فقال مالك هذا بيع جديد لا بأس به وذكر معمر عن على بن بذيمة قال سمعت سعيد بن جبير سأله رجل عن رجل اشترى سلعة من رجل فندم فيها فقال أقلني ولك كذا وكذا فقال لا بأس به وعن بن طاوس عن أبيه أنه اشترى غلاما فأراد رده فلم يقيلوه منه حتى أعطاهم عشرة دنانير وعن قتادة انه قال لا بأس به قال معمر وسألت حمادا عن رجل اشترى من رجل سلعة وندم فيها فقال أقلني ولك كذا فكرهه وشعبة عن الحكم بن عتيبة مثله وشعبة والثوري عن مغيره عن إبراهيم عن الأسود انه كره أن يردها ويرد معها شيئا وكرهه عطاء والشعبي ولم ير به بن عمر بأسا قال أبو عمر يدخل في هذا الباب مسألة حمار ربيعة ذكرها بن وهب عنه في موطئة قال حدثني الليث بن سعد قال كتب إلي ربيعة يقول في رجل باع حمارا بعشرة دنانير سنة ثم استقاله فأقاله بربح دينار عجله له وآخر باع حمارا بنقد فاستقاله المبتاع فأقاله بزيادة دينار آخره عنه إلى أجل فقال ربيعة هذه ليست إقاله لأنه جميعا صار بيعها إنما الآقاله أن يتراد البائع والمبتاع ما كان بينهما من البيع على ما كان البائع عليه فأما الذي ابتاع حمارا إلى أجل ثم رده بفضل تعجله فإنما ذلك بمنزلة من اقتضى ذهبا يتعجلها من ذهب وأما الذي ابتاع الحمار بنقد ثم جاء باستقال صاحبه فقال الذي باعه لا

أقيلك إلا بربح دينار إلى أجل فأن هذا لا يصلح إلا أنه أخذ عنه الدينار وانتقدوا حق الحمار بما بقي من الثمن فصار ذهبا بذهب إلى أجل قال مالك في الرجل يبيع من الرجل الجارية بمائة دينار إلى أجل ثم يشتريها بأكثر من ذلك الثمن الذي باعها به إلى أبعد من ذلك الأجل الذي باعها أليه إن ذلك لا يصلح وتفسير ما كره من ذلك أن يبيع الرجل الجارية إلى أجل ثم يبتاعها إلى أجل أبعد منه يبيعها بثلاثين دينارا إلى شهر ثم يبتاعها بستين دينارا إلى سنة أو إلى نصف سنة فصار إن رجعت إليه سلعته بعينها وأعطاه صاحبه ثلاثين دينارا إلى شهر بستين دينارا إلى سنة أو إلى نصف سنة فهذا لا ينبغي قال أبو عمر حكم هذا عنده إذا باع السلعة بثمن إلى اجل ثم اشتراها إلى أبعد من ذلك الأجل بأكثر من ذلك الثمن كحكم من باعها إلى أجل بثمن ثم ابتاعها بالنقد بأقل من ذلك لأنه في كلا الوجهين ترجع أليه سلعته بعينها ويحصل بيده دراهم أو ذهب بأكثر منها إلى أجل وهذا هو الربا لا شك فيه لمن قصده إلا أن العلماء قد اختلفوا في هذا المعنى وهذا مذهب من رأى قطع الدراهم لما يغلب على الظن أن المتبايعين قصدا إليه وأما من رأى أن البيع على ظاهره وأن تهمة المسلم بما لا يحل له حرام عليه لم يقل بشيء من ذلك والذي ذهب إليه مالك في هذا الباب هو قول جمهور أهل المدينة ذكر بن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعه وأبي الزناد أنهما قالا إذا بعت شيئا إلى أجل فلا تبتعه من صاحبه الذي بعته منه ولا من أحد يبيعه له أو يتبايعه إلى دون ذلك الأجل إلا بالثمن الذي بعته منه به أو بأكثر ولا يبيع منه تلك السلعة إلى دون ذلك الأجل إلا بالثمن أو بأقل فإذا ابتعته إلى الأجل بعينه ابتعته بالثمن أو بأكثر أو بأقل قال وأخبرني الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد نحوه قال وقال لي عبد العزيز بن أبي سلمة ومالك بن أنس مثل ذلك وقال لي مالك بن أنس لا بأس أن يبتاعها بنقد أو إلى أجل دون الأجل الذي

باعها إليه بأكثر من ثمنها الذي باعها به لأنه لا يتهم أحد أن يعطي عشرة دنانير نقدا أو إلى شهر أو شهرين بخمسة دنانير إلى سنة قال وقال لي مالك لا بأس أن يبتاعها إلى أبعد من اجلها بأقل من ثمنها لأنه لا يتهم أحد أن يأخذ عشرين دينارا إلى أجل بخمسة عشر دينارا قال مالك وإنما يتهم إذا باعها بمائة دينار إلى أجل من اشتراها بأقل من ذلك والثمن نقدا من ذلك أو أكثر منه إلى أبعد من ذلك الأجل لأنه أعطاه عشرة دنانير نقدا بخمسة عشر دينارا إلى أجل وأعطاه عشرة دنانير إلى ثلاث ليال أو إلى شهر بعشرين أو نحوها إلى سنة قال بن وهب وقال لي عبد العزيز بن أبي سلمة مثل ذلك كله قال أبو عمر كان أبو حنيفة وأصحابه يذهبون في ذلك نحو مذهب مالك وهو قول الثوري والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل والأوزاعي قالوا فيمن اشترى جاريه بألف درهم فقبضها ثم باعها من البائع بأقل من الألف قبل أن ينقد الثمن إن البيع الثاني باطل وقال الحسن بن حي فيمن باع بيعا بنسيئة لم يجز للبائع أن يشتريه بنقد قبل قبض الثمن ولا يعرض إلا أن يكون العرض قيمة الثمن أو أكثر من ذلك ولا يشتريه بعرض قيمته أقل من الثمن حتى يستوفي الثمن كله قال وإن نقصت السلعة بيد المشتري فلا بأس أن يشتريها البائع بأقل من ذلك الثمن سواء كان نقصان العيب لها قليلا أو كثيرا وقال الأوزاعي في رجل باع خادما إلى سنة ثم جاء الأجل به يأخذه منه بقيمته يوم قبضه ولا يشتريه بدون الثمن قبل محل الأجل إلا بالثمن أو أكثر وقال أحمد من باع سلعة بنسيئة لم يجز لأحد ان يشتريها بأقل مما باعها به قال أبو عمر حجة من ذهب في هذه المسألة مذهب مالك والكوفيين حديث إبي إسحاق والشعبي عن امرأته أم يونس وأسمها العالية عن عائشة أنها سمعتها وقد قالت لها أم محبة أم ولد كانت لزيد بن أرقم يا أم المؤمنين إنى بعت من زيد عبدا إلى العطاء بثمانمائة فاحتاج إلى ثمنه فاشتريته منه قبل محل الأجل بستمائة فقالت بئس ما شريت وبئسما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب قال فقلت أرأيت إن تركت مائتين وأخذت الستمائة قال نعم من جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف

قالوا ولا يجوز أن تنكر عائشة على زيد رأيه برأيها فعلمنا أن ذلك توقيف هكذا رواه معمر عن ابي إسحاق ورواه بن عيينة عن يونس بن أبي إسحاق عن أمه قالت دخلت مع امرأة أبي السفر على عائشة فقالت لها امرأة أبي السفر إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها عائشة بئسما شريت وبئسما اشتريت أخبري زيد بن ارقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب فقالت امرأة أبي السفر فإني قد تبت فقالت عائشة فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ورواه الثوري عن ابي إسحاق عن امرأته قالت سمعت امرأة أبي السفر تقول قلت لعائشة بعت من زيد بن أرقم وذكر الخبر كله بمعناه وهو خبر لا يثبته أهل العلم بالحديث ولا هو مما يحتج به عندهم وامرأة أبي إسحاق وامرأة أبي السفر وأم ولد زيد بن أرقم كلهن غير معروفات بحمل العلم وفي مثل هؤلاء روى شعبة عن أبي هشام أنه قال كانوا يكرهون الرواية عن النساء إلا عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والحديث منكر اللفظ لا أصل له لأن الأعمال الصالحة لا يحبطها الاجتهاد وإنما يحبطها الارتداد ومحال أن تلزم عائشة زيدا التوبة برايها ويكفره اجتهادها فهذا ما لا ينبغي أن يظن بها ولا يقبل عليها وقد روى أبو معاوية وغيره عن الأعمش عن إبراهيم قال كان عمر وعبد الله يجعلان للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة وكان عمر إذا ذكر حديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها لا سكنى لك ولا نفقة يقول ما كنا نخير في ديننا شهادة امرأة قال أبو عمر إذا كان هذا في امرأة معروفة بالدين والفضل فكيف بامرأة مجهولة وقال عثمان البتي إذا كان لا يريد المخادعة والدلسة فلا بأس أن يشتريه بدون ذلك الثمن أو بأكثر قبل محل الأجل وبعده وقال الشافعي يجوز أن يشتريه بأقل من الثمن الأول أو أكثر قبل الأجل وبعده إن لم يكن بينهما قصد لمكروه

وقال الشافعي في حديث عائشة المذكور لا يثبت مثل هذا عندنا عن عائشة ولو كان ثابتا أمكن أن تكون عائشة أنكرت البيع إلى العطاء لأنه أجل غير معلوم وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البيع إلى أجل غير معلوم وجعل الله الأهلة مواقيت للناس وزيد صحابي وإذا اختلف الصحابة فمذهبنا القياس وهو مع زيد لأن السلعة إذا كانت لي بشرائي لها فهي كسائر مالي فلم أبع ملكي بما شئت بلغ وممن شئت وقال بقول الشافعي في هذه المسألة أصحابه وأبو ثور وداود وقد روي عن طاوس وسعيد بن جبير أنهما قالا من اشترى سلعة بنظرة من رجل فلا يبيعها منه بنقد ومن اشتراها منه بنقد فلا يبيعها منه بنظرة وروي عن بن عمر وبن سيرين مثل قول الشافعي وروي عن الشعبي وإبراهيم وحماد مثل قول أبي حنيفة وكان الثوري وجماعة الكوفيين يجيزون لبائع الدابة بنظرة أن يشتريها بالنقد إذا عجفت و تغيرت عن حالها وفي المدونة لابن القاسم عن مالك أن ذلك جائز إذا حدث بالسلعة عيب مفسد مثل العور والعرج والقطع ونحو ذلك وفي العتبية لأشهب عن مالك أن ذلك لا يجوز وهذا مما لا يؤمن الناس على مثله وقال سحنون هذه خير من رواية بن القاسم وذكر بن المواز عن بن القاسم نحو ما في المدونة وزاد قال فكذلك لو مكث العبد عنده زمانا أو سافر به من إفريقيا إلى الحج ثم وجده البائع ينادي عليه أو على الدابة في السوق فأراد أن يشريها بأقل من الثمن الذي باعها به أنهم لا يتهم في مثل ذلك إذا سافر بها وأدبر الدابة وغيرها عن حالها ورواه عن مالك قال وقال أشهب لا يجوز ذلك وقد سألت عنها مالكا فقال لا يصلح ولا يؤمن عليه أحد قال أبو عمر هذا يدلك انهم إنما كرهوه للتهم وليس كل الناس يتهم في مثل ذلك فلا ينبغي أن يظن بالمسلم الطاهر إلا الصلاح والخير

باب ما جاء في مال المملوك مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث نافع عن بن عمر عن عمر لم يختلف أصحاب نافع عليه في ذلك إلا أن أيوب رواه عن نافع عن بن عمر فلم يتجاوز به بن عمر ورواه مالك وعبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن عمر من قوله والصواب فيه عندهم عن نافع عن بن عمر عن عمر وقد روي عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن عمر كما رواه مالك وعبيد الله سواء ورواه سالم عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك رواه الزهري وغيره عن سالم عن عبد الله عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختلف على مالك في ذلك أيضا ومال علي بن المديني إلى تصحيح رواية سالم في ذلك وهو أحد الأحاديث التي خالف فيها سالم نافعا وقد ذكرتها في حديث نافع من التمهيد في حديث من باع نخلا قد أبرت فكان نافع في هذا الحديث يأبى أن ينصرف ويقول إنما هو عن عمر

ذكر معمر عن أيوب قال قال نافع في شأن العبد ما هو إلا عن عمر وذكره بن وهب عن يونس بن يزيد والليث بن سعد وبن سمعان عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من باع عبدا له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع وروى معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ومن باع نخلا فيها ثمرة قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع قال أبو عمر لم يختلف عن بن عمر في رفع حديث من باع نخلا قد أبرت حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثني سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من باع نخلا قد أبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ومن باع عبدا وله مال فالمال للبائع إلا أن يشترطه المبتاع قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إن اشترط مال العبد فهو له نقدا كان أو دينا أو عرضا يعلم أو لا يعلم وإن كان للعبد من المال أكثر مما اشترى به كان ثمنه نقدا أو دينا أو عرضا وذلك أن مال العبد ليس على سيده فيه زكاة وإن كانت للعبد جارية استحل فرجها بملكه إياها وإن عتق العبد أو كاتب تبعه ماله وإن أفلس أخذ الغرماء ماله ولم يتبع سيده بشيء من دينه قال أبو عمر قوله في هذا الحديث وله مال استدل به من قال إن العبد يملك وقول فماله للبائع استدل به من قال إن العبد لا يملك فإن ما بيده من المال لسيده وإن أصابه المالك إليه فجاب كما يقال غنم الراعي وسرج الدابة وباب الدار قالوا وإنما قوله وله مال كقوله وبيده مال بدليل قوله فماله للبائع فكيف يكون له مال ويكون في تلك الحال ذلك المال بعينه لسيده إذا باعه

هذا ما لا يستقيم إلا على ما قلنا إن ما بيده من المال لسيده واستدل من قال إن العبد يملك فإن عبد الله بن عمر كان يأذن لعبيده في التسري ولولا أنهم يملكون ما حل لهم التسري لأن الله تعالى لم يحل الفرج إلا بنكاح أو ملك اليمين واحتج من قال بأن العبد لا يملك ولا يصح له ملك ما دام مملوكا بإجماع الأمة أن لسيده أن ينتزع منه ما بيده من المال من كسبه ومن غير كسبه وقالوا إنما معنى إذن بن عمر لعبيده في التسري لأنه كان يرى أن يزوج أمته من عبده بغير صداق فكان عنده إذنه من ذلك من هذا الباب قالوا ولو كان العبد يملك لورث قرابته فلما أجمعوا أن العبد لا يرث دل على أن ما يحصل بيده من المال هو لسيده وأنه لا يملكه ولو ملكه ما انتزعه منه سيده كما لا ينتزع مال مكاتبه قبل العجز و لكلا الفريقين في هذه المسألة ضروب من الاحتجاج يطول ذكرها ليس كتابنا هذا بموضع لها وأما استدلال مالك بأن العبد ليس على سيده في ماله زكاة فإن معنى ذلك عنده لأن أكثر أهل العلم يرون أن الزكاة على سيده فيما بيده من المال وطائفة من أهل الظاهر منهم داود يقولون ان العبد تلزمه الزكاة فيما بيده من المال وتلزمه الجمعة و يلزمه الحج إن أذن له سيده وتجوز شهادته وهذه الأقوال شذوذ عند الجمهور ولا خير في الشذوذ والاختلاف في تسري العبد قديم وحديث وكل من يقول لا يملك العبد شيئا لا يجوز له التسري بحال من الأحوال ولا يحل له وطء فرج إلا بنكاح يأذن له فيه سيده وقد ذكرنا الاختلاف في العبد المعتق هل يبيعه ماله إذا أعتق فيما تقدم من كتاب العتق وأما شراء العبد واشتراط ماله فذهب مالك وأصحابه في ذلك إلى ما ذكره في الموطأ قال بن القاسم عن مالك يجوز أن يشتري العبد وماله بدراهم إلى أجل وإن كان ماله دراهم أو دنانير أو غير ذلك من العروض

واختلفوا في اشتراط المشتري لبعض ما للعبد في صفقة نصفا أو ثلثا أو ربعا أو أقل أو أكثر فقال بن القاسم لا يجوز له أن يستثني نصفه ولا جزءا منه وإنما له أن يشترطه كله أو يدعه كله وقال أشهب جائز أن يشترط نصفه أو ما شاء منه وقال أصبغ عن بن القاسم إن كان ما اشترى به العبد عروضا أو حيوانا فلا بأس أن يستثني نصف ماله وإن كان ماله ذهبا أو ورقا وكان الثمن ذهبا أو ورقا فلا يجوز أن يستثني نصف ماله ولا جزءا منه إلا أن يكون مال العبد عروضا أو حيوانا ودقيقا ويكون معلوما غير مجهول فإذا كان كذلك فكان الثمن عينا ذهبا أو ورقا جاز له أن يستثني ما شاء منه قال أبو عمر من روى أن لا يشترط المبتاع بلا هاء الضمير فروايته حجة لمن قال يشترط من ماله ما شاء فمن روى أن لا يشترطه المبتاع بالهاء فروايته حجة لابن القاسم ومن قال بقوله وقال الشافعي و أبو حنيفة وأصحابهما إذا باع العبد وله مال فهو لمن باع شيئين لا يجوز فيهما إلا ما يجوز في سائر البيوع قال الشافعي لما كان مال العبد لا يدخل في صفقة راسه إلا بالشرط دل على أنه ليس تبعا له لأن ما كان تبعا لا يحتاج إلى شرط في دخوله في الصفقة كجري مياه الدار ومنافعها ولما احتاج إلى الشرط كانت صفقة واحدة وقد جمعت شيئين ولا يجوز من ذلك إلا ما يجوز من شراء دابة ودراهم معها أو دار معها أو دنانير قال أبو عمر للتابعين في مال العبد إذا بيع أو أعتق ثلاثة أقوال أحدها أن ماله تبع له في البيع والعتق جميعا وممن قال ذلك الحسن والزهري وهو قول داود وأبي ثور والثاني أن ماله لسيده في العتق والبيع جميعا وكذلك إذا كان ممن قال بذلك قتادة وجماعة وإليه ذهب الشافعي والكوفيون والثالث إن مال العبد تبع له في العتق وإن بيع فماله لسيده وللمشتري أن يشترطه إن شاء وممن قال ذلك إبراهيم النخعي وهو قول مالك والليث

وقال عثمان البتي إذا باع عبدا وله مال ألف درهم بألف درهم جاز إذا كانت الرغبة في العبد لا في الدراهم باب ما جاء في العهدة مالك عن عبد الله بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل كانا يذكران في خطبتهما عهدة الرقيق في الأيام الثلاثة من حين يشترى العبد أو الوليدة وعهدة السنة قال مالك ما أصاب العبد أو الوليدة في الأيام الثلاثة من حين يشتريان حتى تنقضي الأيام الثلاثة فهو من البائع وإن عهدة السنة من الجنون والجذام والبرص فإذا مضت السنة فقد بريء البائع من العهدة كلها قال مالك ومن باع عبدا أو وليدة من أهل الميراث أو غيرهم بالبراءة فقد بريء من كل عيب ولا عهدة عليه إلا أن يكون علم عيبا فكتمه فإن كان علم عيبا فكتمه لم تنفعه البراءة وكان ذلك البيع مردودا ولا عهدة عندنا إلا في الرقيق قال ابو عمر زعم الطحاوي أن العهدة في الرقيق لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة وأن الأصول المجتمع عليها تنقضها وأنه لم يتابع مالكا أحد من فقهاء الأمصار على القول بها وليس كما قال بل عهدة الرقيق في الثلاث من كل ما يعرض وفي السنة من الجنون والجذام والبرص معروفة بالمدينة إلا انه لا يعرفها غير أهل المدينة بالحجاز ولا في سائر آفاق الإسلام إلا من أخذها على مذهب أهل المدينة وكذلك قال مالك رحمه الله لا أرى أن يقضي بعهدة الرقيق إلا بالمدينة خاصة أو عند قوم يعرفونها بغير المدينة فيشترطونها فتلزم ذكر بن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال قضى عمر بن عبد العزيز في رجل باع من رجل عبدا فهلك العبد في عهدة الثلاث فجعله عمر من مال البائع وذكر عن يونس بن يزيد عن بن شهاب قال سمعت سعيد بن المسيب يقول في العهدة في كل داء عضال الجذام والجنون والبرص سنة قال بن شهاب والقضاة قد أدركنا يقضون بذلك

قال بن وهب وأخبرنا بن سمعان قال سمعت رجالا من علمائنا منهم يحيى بن سعيد الأنصاري يقولون لم تزل الولاة بالمدينة في الزمن الأول يقضون في الرقيق بعهدة السنة في الجذام والجنون والبرص إن ظهر بالمملوك شيء من ذلك قبل ان يحول الحول عليه فهو راد على البائع ويقضون في عهدة الرقيق بثلاث ليال فإن حدث في الرأس في تلك الليالي الثلاث جدت من موت أو بعض فهو من البائع وإنما كانت عهدة الثلاث من أجل حمى الربع لأنها لا يتبين إلا في ثلاث ليال وحكى أبو الزناد عن الفقهاء السبعة وعن عمر بن عبد العزيز عهدة الثلاث قال أبو عمر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل عهدة الرقيق ثلاثة أيام رواه سعيد بن أبي عروبة وأبان العطار عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه همام عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا عهدة بعد أربع وبعض أصحاب همام يرويه عن همام عن قتادة عن الحسن قوله ورواه يونس عن الحسن عن عقبة بن عامر عن النبي عليه السلام لا عهدة بعد أربع وأهل الحديث يقولون إن الحسن لم يسمع من عقبة بن عامر شيئا حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب بن عطاء قال حدثني سعيد عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عهدة الرقيق أربع ليال قال هشام قال قتادة وأهل المدينة يقولون ثلاث وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبدة ومحمد بن بشر عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدة الرقيق ثلاث ليال

قال أبو عمر من جعلهما حديثين قضى بصحة حديث سمرة على أنه قد اختلف أيضا في سماع سمرة من الحسن ومن جعلها حديثا واحدا فقد اختلف فيه عن الحسن فهو عندهم أوهن والله أعلم وقال الشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي وبن جريج وسفيان والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود من اشترى شيئا من الرقيق وقبضه فكل ما أصابه من الثلاث وغيرها فمن المشتري مصيبة وقال أصحاب الشافعي معنى حديث عقبة في الخيار المشروط وروي عن شريح في تفسير ذلك قال عهدة المسلم لا داء ولا غائلة ولا شين ورواه أيوب عن بن سيرين عن شريح فأخبر أن العهدة هي في وجوب الرد بالعيب الموجود قبل البيع ولا يختلف في ذلك الثلاث وما فوقها وروى بن المبارك عن بن جريج عن عطاء قال لم يكن فيما عهده في الأرض قلت فما ثلاثة أيام قال كل شيء وروى بن جريج عن بن طاوس عن أبيه أنه كان لا يرى العهدة شيئا لا ثلاثا ولا أكثر وروى الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن بن جريج قال سألت بن شهاب عن عهده السنة وعهدة الثلاث فقال ما علمت فيه أمرا سالفا قال أبو عمر لم يقل من أئمة الفتوى بالأمصار بعهده الثلاث وعهدة السنة في الرقيق غير مالك وسلفه في ذلك أيضا أهل بلدة فهي عنده مسألة اتباع لهم وأما القياس على سائر العروض من الحيوان إلا الرقيق وغير الحيوان من سائر العروض والمتاع فالإجماع منعقد على أن ما قبضه المبتاع وبان به إلى نفسه فمصيبته منه وهذا أصل وإجماع ينبغي ألا يرغب عنه إلا بالشرط أو يكون قاضي البلد أو الأمير فيه يحمل عليه فيجري حينئذ مجرى قاض قضى بما قد اختلف فيه العلماء فينفذ وبالله التوفيق

باب العيب في الرقيق مالك عن يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر باع غلاما له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر بالغلام داء لم تسمه لي فاختصما إلى عثمان بن عفان فقال الرجل باعني عبدا وبه داء لم يسمه وقال عبد الله بعته بالبراءة فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف له لقد باعه العبد وما به داء يعلمه فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد فصح عنده فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم قال أبو عمر خالف سفيان بن عيينة مالكا في بعض ألفاظ هذا الخبر والمعنى قريب من السواء حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله أن بن عمر باع غلاما له على عهد عثمان بالبراءة بسبعمائة درهم فظهر به عيب فخوصم إلى عثمان فأراد عثمان أن يحلفه فقال له إني بعته بالبراءة فأبى إلا أن يحلفه على علمه بالله ما بعته وأنت تعلم به عيبا قال فأبى وارتده فباعه بألف وأربعمائة أو ألف وخمسمائة قال سفيان وحدثني أيوب عن بن سيرين قال سمعت شريحا يقول عهدة المسلم وإن لم يشترط إلا داء ولا غائلة ولا خبثة ولا شينا قال أبو عمر ذكر مالك في هذا الباب بعد فصلين أو ثلاثة قال الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن باع عبدا أو وليدة أو حيوانا بالبراءة من أهل الميراث أو غيرهم فقد بريء من كل عيب فيما باع إلا أن يكون علم في ذلك عيبا فكتمه فإن كان علم عيبا فكتمه لم تنفعه تبرئته وكان ما باع مردودا عليه قال أبو عمر هكذا هو في الموطأ عند أكثر الرواة فيمن باع عبدا أو وليدة أو حيوانا بالبراءة وكان مالك يفتي به مرة في سائر الحيوان ثم رجع عنه إلى أن البراءة لا تكون في شيء من الحيوان إلا في الرقيق قال بن القاسم عن مالك البراءة لا تكون في الثياب

وقال في الخشب إذا كان العيب داخل الخشبة فليس بعيب ترد منه قال وكان مالك يقول مرة لا تنفعه البراءة في شيء يتابعه الناس كانوا أهل ميراث أو غيرهم إلا بيع الرقيق وحده فإنه كان يرى البراءة فيه ما لم يعلم وإن علم عيبا فلم يسمه وقد باع بالبراءة لم تنفعه البراءة من ذلك العيب قال ولو أن أهل الميراث باعوا دوابا وشرطوا البراءة وباع الوصي كذلك لم ينفعه ذلك في الدواب وليست البراءة إلا في الرقيق ثم رجع فقال لا أرى البراءة تنفع في الرقيق لأهل الميراث ولا للوصي ولا لغيرهم وإنما كانت البراءة لأهل الديون يفلسون فيبيعوا عليهم السلطان قال مالك ولا أرى البراءة تنفع أهل الميراث ولا غيرهم إلا أن يكون عيبا خفيفا وليست البراءة إلا في الرقيق والبراءة التي يتبرأ بها في هذا إذا قال أبيعك بالبراءة فقد بريء مما يصيب العبد من الأيام الثلاثة ومن عهدتها أيضا وقال بن خواز منداذ اختلف قول مالك في البيع بالبراءة فقال مرة إذا باع بالبراءة بريء من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه فكتمه في الحيوان كله وقال مرة أخرى لا براءة إلا في الرقيق وقد قال لا تنفعه البراءة بوجه من الوجوه إلا من عيب يريه المشتري وبهذا قال الشافعي في الكتاب العراقي ببغداد وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا باع بيعا بالبراءة من كل عيب جاز سمى العيوب أو لم يسم وبه قال أبو ثور وقال الثوري إذا باع السلعة بالبراءة فسمى العيوب وتبرأ منها فقد بريء وإن لم يرها إياه وقال بن أبي ليلى لا يبرأ حتى يسمي العيوب كلها بأسمائها وهو قول شريح والحسن وطاوس وقال الحسن بن حي لا يبرأ حتى يبين ويسمي وقال احمد بن حنبل لا يبرأ حتى يسمي العيوب كلها ويضع يده عليها

وقال أحمد من باع رقيقا أو حيوانا بالبراءة من كل عيب لم يبرأ مما علم إنما يبرأ مما لم يعلم وقال الليث بن سعد في بيع المواريث إنه بيع براءة وإن باع صاحب الميراث فقد بريء من العيوب كلها إلا أن تقوم بينة أنه علم ذلك العيب فكتمه وقال عبيد الله بن الحسن في رجل اشترى إبلا فقال البائع إنه بريء من الجرب ولم يعلمه أن بها جربا فإذا هي جرباء فإنه يردها وإذا تبرأ من كل عيب لم يبرأ بذلك وإذا أراه العيب فقد برأة وقال الشافعي إذا باع شيئا من الحيوان بالبراءة فالذي أذهب إليه في ذلك قضاء عثمان بن عفان أنه بريء من كل عيب لم يعلمه ولم يبرأ من عيب علمه ولا يسمه ولم يقف عليه والحيوان يفارق ما سواه لأنه يعتدي بالصحة والسقم وتحول طبائعه وقل ما يبرأ من عيب يخفى أو يظهر فإن صح ما في القياس لولا ما وصفنا من افتراق الحيوان وغيره إلا أن يبرأ من عيوب لم يرها وإن سماها لاختلافها أو يبرأ من كل عيب والأول أصح وقال إسحاق بن راهويه في بيع البراءة بقول عثمان رضي الله عنه قال أبو عمر روي عن زيد بن ثابت أنه كان يرى البراءة من كل عيب جائزة وهو مذهب بن عمر على ما تقدم عنه في أول الباب وحجة من قال بهذا القول القياس والاستدلال بأن من أبرأ رجلا كان يعامله من كل حق له قبله فإنه يبرأ منه في الحكم لأنه حق للمشتري إذا جاز تركه تركه وأصح ما فيه عندي والله أعلم قول من قال لا يبرأ من العيوب حتى يريه إياه ويقفه عليه فيتأمله المشتري وينظر إليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الخبر كالمعاينة معلوم أن العيوب تتفاوت بعضها أكثر من بعض فكيف يبرأ بما لم يعلم المشتري قدره قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن كل من ابتاع وليدة فحملت أو عبدا فأعتقه وكل أمر دخله الفوت حتى لا يستطاع رده فقامت البينة إنه قد كان به عيب

عند الذي باعه أو علم ذلك باعتراف من البائع أو غيره فإن العبد أو الوليدة يقوم وبه العيب الذي كان به يوم اشتراه فيرد من الثمن قدر ما بين قيمته صحيحا وقيمته وبه ذلك العيب قال أبو عمر على هذا جمهور العلماء وهو قول الثوري والأوزاعي والشافعي وأبي ثور وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا أولد الجارية أو أعتقها كان له أن يرجع بأرش العيب وإن وهبها أو تصدق بها لم يكن له أن يرجع بشيء وكذلك لو قبلها هو أو غيره لم يرجع بشيء وإن ماتت رجع بالأرش قال أبو حنيفة ومحمد إن كان ثوبا فخرقه أو طعاما فأكله لم يرجع بشيء وقال أبو يوسف يرجع ما بين الصحة والعيب وجملة قول مالك في ذلك أنه إن دبر العبد أو كاتبه أو تصدق به أو بالشيء المعيب ما كان فهو فوت يأخذ قيمة العيب والرهن والإجارة ليسا بفوت عنده ومتى رجع إليه الشيء يرده إن كان لحاله وإن دخله عيب مفسد رده ورد ما نقص منه والبيع ليس بفوت عنده والهبة للثواب عنده كالبيع ها هنا ولغير الثواب كالصدقة وإن باع نصف السلعة قيل للبائع إما ان ترد نصف أرش العيب وإما أن تقبل النصف الثاني بنصف الثمن ولا شيء عليك غير ذلك وقال الشافعي إذا باعه أو باع نصفه لم يرجع على البائع بشيء وإن لحقه عتق أو مات فله قيمة العيب وإن لحقه عيب رجع بقيمة العيب إلا أن يقبله البائع معيبا قال أبو حنيفة إذا باع أو وهب لم يرجع بأرش العيب ويرجع في العتق والاستيلاد والتدبير إذا أطلع بعد على العيب فخصمه على العيب وقال الليث إذا باعه لم يرجع بالعيب ولو مات أو أعتقه رجع بقيمة العيب

وقال عبيد الله بن الحسن فيمن اشترى عبدا فوجده مجنونا لا يميز بعد أن اعتله أن يرجع بالثمن على البائع والفلان المعتق وقال عثمان البتي في العتق والبيع يرجع بقدر العيب إلا أن يبيعه بما اشتراه وأكثر فلا يرجع بشيء فإن باعه بأقل أعطي ما نقصه العيب ما بينه وبين وفاء ما اشتراه وقال عطاء بن أبي رباح لا يرجع في الموت ولا في العتق بشيء قال أبو عمر قد أجمعوا أن المبتاع إذا وجد العيب لم يكن له أن يمسكه ويرجع بقيمة العيب فدل على أن العيب لا حصة له من الثمن وكان القياس على هذا أن يرد المعيب ما كان موجودا فإن مات لم يرجع بشيء إلا أن هؤلاء الفقهاء المذكورين اتفقوا انه يرجع في المعتق بقدر العيب قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في الرجل يشتري العبد ثم يظهر منه على عيب يرده منه وقد حدث به عند المشتري عيب آخر إنه إذا كان العيب الذي حدث به مفسدا مثل القطع أو العور أو ما أشبه ذلك من العيوب المفسدة فإن الذي اشترى العبد بخير النظرين إن أحب أن يوضع عنه من ثمن العبد بقدر العيب الذي كان بالعبد يوم اشتراه وضع عنه وإن أحب أن يغرم قدر ما أصاب العبد من العيب عنده ثم يرد العبد فذلك له وإن مات العبد عند الذي اشتراه أقيم العبد وبه العيب الذي كان به يوم اشتراه فينظر كم ثمنه فإن كانت قيمة العبد يوم اشتراه بغير عيب مائة دينار وقيمته يوم اشتراه وبه العيب ثمانون دينارا وضع عن المشتري ما بين القيمتين وإنما تكون القيمة يوم اشتري العبد قال أبو عمر أما اختلاف العلماء فيمن اشترى سلعة أو عبدا أو وليدة أو غير ذلك من العروض فحدث عنده بالعبد عيب ثم وجد به عيبا كان عند البائع فقد أوضح مالك مذهبه في ذلك وقال الشافعي ببغداد إذا أصاب بالسلعة عيبا وقد حدث به آخر كان له الرد وما نقصها العيب الذي حدث عنده وبهذا قال أبو ثور ورواه عن الشافعي أيضا وهو قول بن أبي ليلى وقال الشافعي بمصر إذا حدث عنده عيب لم يكن له رده ولكنه يرجع بأرش النقص على البائع ليس له غير ذلك إلا أن يشاء البائع أن يقيله ويأخذها معيبة دون

أن يأخذ من المشتري شيئا وقال حينئذ للمشتري سلمها وبن شئت فأمسكها ولا ترجع بشيء رواه المزني والربيع والبويطي عنه وقال أبو حنيفة إذا حدث عنده عيب لم يكن له أن يرد العيب الذي وجد وله أخذ الأرش وقال الثوري إذا اشترى الرجل السلعة فرأى بها عيبا وقد حدث بها عيب لم يكن له أن يرد بالعيب فهي للمشتري ويرد عليه البائع فضل ما بين الصحة والداء قال أبو عمر القولان في القياس متساويان وكان مالكا في قوله بتخيير المشتري قد جمع معنى القولين وأما إذا مات العبد فقولهم فيه سواء وقال بن القاسم في هذه المسألة إن البائع قال للمشتري أنا أخيرك فإن شئت فاردده ولا غرم عليك وإن شئت فاحبسه ولا غرم عليك كان ذلك له وخالف في ذلك عبد الله بن نافع وعيسى بن دينار فقالا فيه بقول مالك لا يكون المخير إلا المبتاع قال وكيف يدلس البائع بالعيب ثم يخير فيتخير ما فيه النماء والفضل ويترك ما فيه النقص قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من رد وليدة من عيب وجده بها وكان قد أصابها أنها إن كانت بكرا فعليه ما نقص من ثمنها وإن كانت ثيبا فليس عليه في إصابته إياها شيء لأنه كان ضامنا لها قال أبو عمر الاختلاف في هذا قديم أيضا قال الثوري رحمه الله من اشترى جارية فوطئها ثم اطلع على عيب فمنهم من يقول يردها ويرد العشر من ثمنها إن كانت بكرا وإن كانت ثيبا فنصف العشر ومنهم من يقول هي له بوطئه إياها و يرد عليه فضل ما بين الصحة والداء وبه يقول الثوري وقال أبو حنيفة وأصحابه إلا زفر إذا اشترى جارية فوطئها ثم اطلع على

عيب فليس له أن يردها ولكنه يرجع بنقصان العيب إلا أن يشاء البائع أن يقبلها ويرد الثمن وقال زفر إذا ردها بقضاء قاض وقد وطئها رد معها عقدها وقال بن أبي ليلى يردها ويرد معها مهر مثلها والمهر في قوله أن يأخذ العشر من قيمتها أو نصف العشر فيجعل المهر نصف ذلك وقال بن شبرمة إذا وطئها يردها ويرد معها مهر مثلها وهو قول الحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن العنبري وقال عثمان البتي إن لم ينقصها الوطء ردها ولا عقد عليه وإن نقصها الوطء ردها ورد النقصان وقال الليث تلزمه إذا وطئها ويرجع بالعيب إلا أن يشاء البائع أن يأخذها فلا بأس وإن كان العيب الذي وجده لكنه وما أشبهها لزمه وضع ثمن العيب وإن كان مثل البرص و ما أشبهه من القروح التي تنقص فإنه يردها إن شاء فإن كانت بكرا رد معها ما نقصها وطؤه من ثمنها قال الليث وقال الزهري وسليمان بن حبيب المحاربي في الوطء تلزمه ويرجع بقيمة العيب وقال الشافعي الوطء أقل من الخدمة ولا شيء عليه في وطء الثيب فإن كانت بكرا لم يردها ناقصة ولكنه يرجع بحصة العيب ما بين قيمتها معيبة وغير معيبة من الثمن وذكر عنه أبو ثور مثل قول مالك وهو كان قوله بالعراق وقال أبو ثور في ذلك مثل مالك حدثني أبو القاسم وعبد الوارث بن سفيان عن سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني قاسم بن وضاح قال حدثني أبو الطاهر قال حدثني يوسف أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يقول إذا ابتاع الرجل الأمة فوجد بها عيبا وقد أصابها حط عنه بقدر العيب من ثمن الجارية وألزمها الذي ابتاعها قال أبو الطاهر وبهذا كان يقول بن وهب ويوسف بن عمر

وقال بن وضاح وحدثني محمد بن معاوية قال سئل الليث عن الرجل يشتري الجارية ويقبضها ويمسها فيجد بها عيبا قديما قال لا يردها ولكن يوضع عنه بذلك قيمة العيب قال وقد قضى به عبد الملك بن مروان قال مالك في الجارية تباع بالجاريتين ثم يوجد بإحدى الجاريتين عيب ترد منه قال تقام الجارية التي كانت قيمة الجاريتين فينظر كم ثمنها ثم تقام الجاريتان بغير العيب الذي وجد بإحدهما تقامان صحيحتين سالمتين ثم يقسم ثمن الجارية التي بيعت بالجاريتين عليهما بقدر ثمنها حتى يقع على كل واحدة منهما حصتها من ذلك على المرتفعة بقدر ارتفاعها وعلى الأخرى بقدرها ثم ينظر إلى التي بها العيب فيرد بقدر الذي وقع عليها من تلك الحصة إن كانت كثيرة أو قليلة وإنما تكون قيمة الجاريتين عليه يوم قبضهما قال أبو عمر هذه المسألة في تبعيض الصفقة على البائع في الرد بالعيب سيأتي ذكرها بعد فيمن ابتاع رقيقا في صفقة واحدة فوجد بأحدهم عيبا أو وجده مسروقا وأما ما ذكره مالك في الأصل من التقويم فلا يخالفه فيه أحد يقول بقوله ويبني على أصله واتفق الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري فيمن باع عبدي الجارية وتقابضا ثم وجد بالجارية عيبا أنه يردها ويأخذ العبد وقال بن أبي ليلى إنما له قيمة الجارية ولا يأخذ العبد وكذلك سائر الحيوان وسائر العروض عندهم إذا بيع بعضه ببعض ولو مات العبد رد قيمته عند هؤلاء وعند بن أبي ليلى ترد قيمة الجارية قال مالك في الرجل يشتري العبد فيؤاجره بالإجارة العظيمة أو الغلة القليلة ثم يجد به عيبا يرد منه إنه يرده بذلك العيب وتكون له إجارته وغلته وهذا الأمر الذي كانت عليه الجماعة ببلدنا وذلك لو أن رجلا ابتاع عبدا فبنى له دارا قيمة

بنائها ثمن العبد أضعافا ثم وجد به عيبا يرد منه رده ولا يحسب للعبد عليه إجارة فيما عمل له فكذلك تكون له إجارته إذا آجره من غيره لأنه ضامن له وهذا الأمر عندنا وذكر بن وهب في موطئه أيضا قال وسئل مالك عن رجل باع جارية له من رجل فتزوجها المبتاع فولدت أولادا ثم وجد بها عيبا كان عند البائع أترى ولادتها فوتا أو يردها بولدها إن شاء أو يمسكها فذكر فيها مالك شيئا ثم قال إن شاء أن يمسكها أمسكها وإن شاء أن يردها بولدها ردها ولا أرى له في العيب شيئا إن أمسكها وتلخيص مذهب مالك في هذا الباب أنه من اشترى سلعة لها غلة أو خراج أو كان عبدا فأخذ خراجه وعمله أو نخلا فأثمرت أو جارية فولدت ثم وجد عيبا فإنه يرد ولا شيء عليه في الكسب والثمرة وأما الولد فيرد مع أمه وسواء اشتراها وهي حامل أو حملت بعد الشراء يعني من غيره وكذلك الاستحقاق وقال الثوري إذا باع عبدا فأغل غلة عند الذي اشتراه ثم وجد به عيبا كانت الغلة للمشتري بما ضمن وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا كانت ماشية فحلبها أو شجرا فأكل ثمرها لم يكن له ردها بالعيب إلا أن يرد قيمة الثمر واللبن هذه رواية الجوزجاني عن محمد عنهم وذكر الطحاوي أنه لا يرد اللبن فلم يختلف عنهم انه يرد كراء الولد كالشجر وكذلك لم يختلف عنهم في الدار والجارية والغلام إذا استغل شيئا من ذلك أن الغلة له ويرد السلعة بالعيب وقالوا بن غصب رجل عبد رجل ثم باعه واستغله المشتري ثم استحقه المغصوب منه كانت الغلة للمشتري وقال زفر إذا ولدت الجارية في يد المشتري أو زوجها أو وطئت بشبهة فاخذ لها مهرا أو جنى عليها جان فاخذ لها أرشا ثم اطلع على عيب فإنه يردها ويرد ذلك كله معها فإن وطئها هو ردها وعقرها إذا ردها بقضاء قاض

قال وكذلك الشجر والنخل وإن ولدت رد ما نقصتها الولادة معها ومع الولد على البائع ولو أكل الثمر رد قيمة ما أكل على البائع وقال عثمان البتي وعبيد الله بن الحسن فيمن اشترى عبدا أو سلعة ثم ظهر على عيب فإن أراد أن يرده رد الغلة معه قال عبيد الله ولو وهب العبد هبة ردها على البائع مع العبد قال أبو عمر أما زفر وأصحابه وعثمان البتي وعبيد الله بن الحسن فقد جهلوا السنة المأثورة من نقل أهل المدينة في أن الخراج والغلة بالضمان وقالوا بالرأي على غير سنة فقولهم مردود بها وأشنع ما في مذهبهم أنهم جعلوا الغلة في المغصوب بالضمان فأخطأوا السنة والله المستعان وقال الشافعي لا يرد شيئا مما حدث عنده ولم يقع عليه الصفقة وسواء في ذلك الكسب والغلة والثمرة والولد وكلما وقعت عليه صفقة الشراء رده إذا رد الجارية بالعيب هذا حكم الرد بالعيب عنده وأما الاستحقاق فإنه يرد عليه النخل وولد الجارية فإذا اشترى الجارية غير حامل وزوجها وولدت عنده ثم وجد عيبا فردها به لم يرد ولدها معها قال الشافعي بين عندنا والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الخراج بالضمان للمشتري في رجل يشتري عبدا فاستغله ثم وجد به عيبا فرده به لأن المشتري كان مالكا للعبد ولو هلك كانت مصيبته منه وكان الخراج إنما هلك في ملكه لا في ملك البائع ولم تقع عليه الصفقة وكذلك الولد لو حدث في ملك المشتري وهو مالك ضامن للجارية ولو هلكت هلكت من ماله ولو كانت حبلى حين ابتاعها ردها وولدها وكذلك ثمن الحائط لا فرق بين شيء من ذلك ويقول الشافعي في هذا كله قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وسائر أهل الحديث وفرقوا بين الغصب والشراء والفرق بين ذلك بين ما فيه والحمد لله وسيأتي ما في المغصوب في بابه من الأقضية ان شاء الله عز وجل أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود

قال حدثني أحمد بن مروان قال حدثني علي قال حدثني خالد بن مسلم قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه فقال الرجل يا رسول الله قد اشتغل غلامي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل وأبو يحيى بن أبي ميسرة قالا حدثني محمد بن عبد الله قال حدثني مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخراج بالضمان وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن حماد ببغداد قال حدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي قال حدثني مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رجلا اشترى غلاما فرده بعيب فقال الرجل قد استغله يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلة بالضمان وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد عن بن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف بن أنمار عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخراج بالضمان قال مالك الأمر عندنا فيمن ابتاع رقيقا في صفقة واحدة فوجد في ذلك الرقيق عبدا مسروقا أو وجد بعبد منهم عيبا إنه ينظر فيما وجد مسروقا أو وجد به عيبا فإن كان هو وجه ذلك الرقيق أو أكثره ثمنا أو من أجله اشترى وهو الذي فيه الفضل فيما يرى الناس كان ذلك البيع مردودا كله وإن كان الذي وجد مسروقا أو وجد به العيب من ذلك الرقيق في الشيء اليسير منه ليس هو وجه ذلك الرقيق ولا من أجله اشتري ولا فيه الفضل فيما يرى الناس رد ذلك الذي وجد به العيب أو وجد مسروقا بعينه بقدر قيمته من الثمن الذي اشترى به أولئك الرقيق قال أبو عمر قد اختلف العلماء في هذه المسألة قديما وحديثا

فكان شريح والشعبي والقاسم بن عبد الرحمن وحماد بن ابي سليمان يذهبون إلى أنه لا يرد المعيب وحده وأنه مخير في أن يحبس الصفقة كلها أو يردها كلها وبه قال أبو ثور وقال أبو حنيفة وأصحابه إلا زفر إذا اشترى عبدين صفقة واحدة فلم يقبضها أو واحدا منهما حتى وجد عيبا بأحدهما فإما أن يردهما أو يأخذهما فإن قبضها ووجد عيبا رد المعيب بحصته ولو كان المبيع صبره طعام أو تمر أو ما أشبه ذلك رد الجميع إذا وجد عيبا أو حبس الجميع لأن نظره إلى شيء من الطعام يجزئه ولا بد في العبيد أو الثياب من تغليب كل عبد وكل ثوب وهو قول الحسن بن صالح وقال زفر الرقيق والثياب يرد العيب بحصته قبل القبض وبعده وهو قول الثوري وروي ذلك عن بن سيرين وبن شبرمة والحارث العكلي ولم يفرقوا بين قبل القبض وبعده فإن كان المبيع شيئين لا يقوم أحدهما إلا بالآخر كالخفين والنعلين أو مصراعي الباب فوجد بأحدهما عيبا لم يختلفوا أنه لا يرده وحده ويردهما جميعا أو يمسكهما جميعا وقال الأوزاعي في العبدين أو الثوبين أو الدابتين وما كان مثل ذلك إن سمى لكل واحد ثمنا رد المعيب خاصة وإن لم يسم لكل واحد ثمنا وجعل جملة الثمن لجملة الصفقة فإن له أن يرد الجميع أو يرضي الجميع ومن مثال ذلك عنده أن يشتري عشرة أثواب صفقة واحدة بعشرة دنانير ثم يجد بأحدها عيبا يرد من مثله فإنه يرد البيع كله وإن قال أبيعك هذه العشرة الأثواب بعشرة دنانير كل ثوب منها بدينار فإنه يرد المعيب خاصة وقال عبيد الله بن الحسن يرد المعيب خاصة كقول الثوري والحارث العكلي وعن الشافعي روايتان إحداهما يرد المعيب بحصته والأخرى يردهما جميعا أو يمسك

وحكى أصحابه أن له في تفريق الصفقة ثلاثة أقوال أحدها يبطل البيع في الكل إذا رد أحدها والآخر أنه يبطل في قدر المبيع أو في قدر ما يرد ويصح في الباقي بحصته والثالث أن لا يرد شيئا والبيع صحيح ولا تفرق الصفقة ولكن يرد الجميع أو يمسك وبالله التوفيق باب ما يفعل في الوليدة إذا بيعت والشرط فيها مالك عن بن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أخبره أن عبد الله بن مسعود ابتاع جارية من امرأته زينب الثقفية واشترطت عليه أنك إن بعتها فهي لي بالثمن الذي تبيعها به فسأل عبد الله بن مسعود عن ذلك عمر بن الخطاب فقال عمر بن الخطاب لا تقربها وفيها شرط لأحد مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول لا يطأ الرجل وليدة إلا وليدة إن شاء باعها وإن شاء وهبها وإن شاء أمسكها وإن شاء صنع بها ما شاء قال أبو عمر أما ظاهر قول عمر لابن مسعود لا تقربها فيدل على أنه أمضى شراءه لها ونهاه عن مسيسها هذا هو الأظهر فيه ويحتمل ظاهره أيضا في قوله لا تقربها أي تنح عنها وافسخ البيع فيها فهو بيع فاسد وقد روي نحو هذا المعنى في هذا الخبر رواه سفيان بن عيينة عن مسور عن القاسم بن عبد الرحمن أن بن مسعود اشترى من امرأته جارية واشترطت عليه خدمتها فسأل عمر بن الخطاب عن ذلك فقال له عمر ليس من مالك ما كان فيه مثبوتة لغيرك قال أبو عمر وكذلك قول عبد الله بن عمر يحتمل وجهين

وليس في شيء من هذين الخبرين أمر بفسخ البيع ولا خبر عن فساده وقد حدثني عبد الوارث عن قاسم عن بن وضاح قال حدثني محمد بن معاوية الحضرمي قال سمعت مالكا يقول في قول عمر لابن مسعود لا تقربها وفيها شرط لأحد يقول لا تطأها وفيها شرط لأحد وهذه الرواية عن مالك خلاف لمذهب مالك عند أصحابه والصحيح في مذهبه عند جميع أصحابه ما ذكره أبو مصعب عنه قال أبو مصعب قال مالك في حديث بن مسعود و قول عمر لا تقربها وفيها شرط لأحد يريد لا تشتريها يريد لا تشترطها وأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب ففي الموطأ قال مالك فيمن اشترى جارية على شرط أن لا يبيعها ولا يهبها أو ما أشبه ذلك من الشروط فإنه لا ينبغي للمشتري أن يطأها وذلك أنه لا يجوز له أن يبيعها ولا أن يهبها فإذا كان لا يملك ذلك منها فلم يملكها ملكا تاما لأنه قد استثني عليه فيها ما ملكه بيد غيره فإذا دخل هذا الشرط لم يصلح وكان بيعا مكروها قال أبو عمر أول كلام مالك في قوله لا ينبغي للمشتري أن يطأها يدل على جواز البيع وكراهته الوطء وقوله يدل على أنه لا يجوز هذا البيع وهو مذهبه ومذهب أصحابه رحمه الله وزاد بن وهب في روايته في الموطأ عن مالك قال وإن اشتراها بشرط فوطئها فحملت فللبائع قيمتها يوم وطئها وتحل لسيدها فيما يستقبل وقال بن وهب في موطئه وسئل مالك عن الرجل يبيع الجارية على ألا تخرج بها من البلد فقال لا خير في ذلك ثم قال أرأيت إن مات الرجل أو كان عليه دين كيف يصنع بها وذكر بن القاسم عن مالك فيمن اشترى عبدا على إلا يبيع ولا يهب ولا يتصدق فهو بيع فاسد فإن مات فعليه قيمته وإن اشترى جارية على أنه يتخذها أم ولد فالبيع فاسد فإن حملت منه فعليه قيمتها يوم قبضها وكذلك إن أعتقها

وقال بن وهب عن مالك في الرجل يبيع عبده على أن يخرج به من البلد الذي هو به فقال لا بأس بذلك فقد يكون العبد فاسدا خبيثا فيشترط بائعه ان يخرج به إلى بلد آخر لذلك وقال بن وهب ايضا عن مالك فيمن ابتاع جارية على أنه لا يبيعها ولا يهبها فباعها المشتري فإنه ينقض البيع وترد إلى صاحبها إلا أن يرضى أن يسلمها إليه ولا شرط فيها وإن كانت قد فاتت فلم توجد أعطى البائع فضل ما وضع له من الشرط و روى أشهب عن مالك أنه شرط سئل عن بيع العبد على أن يدبر أو يعتق إلى أجل سنة أو نحوها قال لا أرى ذلك جائزا وأرى أن يفسخ البيع وليس هذا بحسن وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا اشترى عبدا على ألا يبيع ولا يهب فالبيع فاسد فإن قبضه فأعتقه أو تصدق به أو تصرف فيه بسائر وجوه التصرف جاز عتقه وعليه القيمة وقال الشافعي إذا ابتاع الرجل العبد على ألا يبيعه او على أن يبيعه من فلان أو على ألا يستخدمه أو على أن لا يعتقه أو على أن يخارجه فالبيع فاسد ولا يجوز الشرط في هذا إلا في موضع واحد وهو العتق اتباعا للسنة ولفراق العتق ما سواه فنقول إن اشتراه منه على أن يعتقه فأعتقه فالبيع جائز حكاه الربيع و المزني عن الشافعي وقال المزني عن الشافعي إنه لا يجوز تصرف المشتري في البيع الفاسد بحال وروى أبو ثور عن الشافعي انه كان يقول في هذه المسألة كلها البيع جائز والشرط فاسد قال أبو عمر قول أبي حنيفة وأصحابه في هذا الباب كقول الشافعي في رواية الربيع والمزني إلا أن أبا حنيفة ومحمدا قالا يستحسن فيمن اشترط العتق على المشتري فأعتق أن يجيز العتق ويجعل عليه الثمن وإن مات قبل أن يعتقه كانت عليه القيمة وقال أبو يوسف العتق جائز وعليه القيمة وانفرد الشافعي بقوله فيمن اشترى عبدا أو جارية شراء فاسدا فأعتقه أنه لا

يجوز عتق المبتاع للعبد إذا ابتاعه بيعا فاسدا وقبضه لأنه لم يملكه بالبيع الفاسد ولا يجوز له التصرف فيه وقال أبو ثور كل شرط اشترط البائع على المبتاع مما كان البائع يملكه فهو جائز مثل ركوب الدابة وسكنى الدار وما كان من شرط على المشتري بعد ملكه مما لم يكن في ملك البائع مثل أن يعتق العبد ويكون ولاؤه للبائع وأن لا يبيع ولا يهب فهذا شرط لا يجوز والبيع فيه جائز والشرط باطل وقول بن أبي ليلى في هذا الباب كله مثل قول أبي ثور على حديث عائشة في قصة بريرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز البيع وأبطل الشرط وحجة من رأى البيع في ذلك فاسدا أن البائع لم تطب نفسه على البيع إلا بأن يلتزم المشتري شرطه وعلى ذلك ملكه ما كان يملكه ولم يرض بإخراج السلعة من يده إلا بذلك فإذا لم يسلم له شرطه لم يملك عليه ما ابتاعه بطيب نفس منه فوجب فسخ البيع بينهما لفساد الشرط الذي يمنع منه المبتاع من التصرف فيما ابتاعه تصرف ذي الملك في ملكه وحجة من روى الشرط والبيع جائزين من حديث جابر قال ابتاع مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا وشرط لي ظهره إلى المدينة وهذا حديث اختلف في ألفاظه اختلافا لا تقوم معه حجة لأن منها ألفاظا تدل على أن الخطاب الذي جرى بين جابر وبين النبي ليس فيه بيان أن الشرط كان في نص العقد ومنها ما يدل على أنه لم يكن بيعا ومنها ما يدل على أن البيع وقع على ذلك الشرط ومع هذا الاختلاف لا تقوم معه حجة واما اختلاف العلماء في هذا المعنى

فقال مالك لا أرى بأسا أن يشتري الرجل الدابة ويشترط عليه البائع ركوبها يوما أو يومين فإن اشترط عليه ركوبها شهرا فلا خير فيه قال ولا بأس أن يشتري الرجل الدابة ويشترط ظهرها يوما أو يومين يركبها يسافر عليها فإن رضي أمسك وإن سخط ردها قال ولا بأس أن يشترط البائع سكنى الدار مدة معلومة السنة والأشهر ما لم تتباعد فإن شرط سكناها حياته فلا بأس فيه وقال الأوزاعي لا بأس أن يبع الرجل بعيرا ويشترط ظهره إلى المدينة أو إلى وقت يسميه وقال الليث بن سعد لا بأس أن يشترط سكنى الدار سنة إلا أنها إن احترقت كانت من المشتري ولا يجوز أن يشترط ظهر الدابة إلى موضع لا قريب ولا بعيد ولا يصلح أن يبيع الدابة ويستثني ظهرها وكره أن يستثني سكنى الدار عشرين سنة وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما إذا اشترى دارا على أن يسكنها البائع شهرا أو شرط خدمة العبد أو ركوب الدابة وقتا مؤقتا أو غير مؤقت فالبيع فاسد وأما أحمد بن حنبل فمذهبه الذي لا اختلاف عنه فيه أن البيع إذا كان فيه شرط واحد وهو بيع جائز وإذا كان فيه شرطان بطل البيع على ظاهر حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل شرطان في بيع ولا بيع وسلف ولا تبع ما ليس عندك قال أحمد ومن شرطين في بيع أن يقول أبيعك بكذا على أن آخذ منك الدينار بكذا وكذلك إن باعه بدراهم على أن يأخذ ذهبا أو يبيع منه بذهب على أن يأخذ منه دراهم وحجته في إجازة شرط واحد في البيع حديث جابر في بيعه بعير له من النبي صلى الله عليه وسلم على أن له ظهره إلى المدينة

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم قال حدثني أيوب عن عمرو بن شعيب قال حدثني أبي عن جدي عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بيع وسلف ولا شرطان في بيع ولا تبع ما ليس عندك وشرطان في بيع ان يقول أبيعك هذه السلعة إلى شهر بكذا أو إلى شهرين بكذا باب النهي عن أن يطأ الرجل وليدة ولها زوج مالك عن بن شهاب ان عبد الله بن عامر أهدى لعثمان بن عفان جارية ولها زوج ابتاعها بالبصرة فقال عثمان لا أقربها حتى يفارقها زوجها فأرضى بن عامر زوجها ففارقها قال أبو عمر عبد الله بن عامر هذا هو عبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان أميرا على العراق لعثمان رضي الله عنه وفيه يقول بن أذينة وإن الذي أعطى العراق بن عامر لذي الذي أجرى السنة معافري مالك عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف ابتاع وليدة فوجدها ذات زوج فردها قال أبو عمر روى هذا الحديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ان عبد الرحمن بن عوف اشترى جارية من عاصم بن عدي فأخبر أن لها زوجا فردها سفيان عن عمرو قال سئل شريح عن الأمة تشترى ولها زوج فقال لا يصلح سيفان في غمد واحد نقول لا يصلح أن يصيبها ولها زوج

سفيان عن مطرف عن الشعبي عن شريح قال إني لأكره أن أطأ امرأة لو وجدت عندها رجلا لم نقم عليها الحد قال أبو عمر في خبر بن شهاب المتقدم في قصة عثمان وبن عامر دليل على أن عثمان كان لا يرى أن بيع الأمة طلاقها ولو رأى ذلك وامتنع من وطئها بعد الاستبراء ولا احتاج إلى مفارقة زوجها لها ومذهب عبد الرحمن بن عوف في ذلك كذلك وهما مخالفان لابن مسعود وبن عباس في هذه المسألة وقد تقدمت في كتاب النكاح والطلاق وقد اختلف العلماء في الجارية تباع ولها زوج أو العبد يباع وله زوجة ولم يعلم المشتري بشيء من ذلك فقال مالك إذا كان للأمة زوج أو كانت مستحاضة كان ذلك عيبا ترد منه وكذلك العبد إذا كان له زوجة أو كان لأحدهما ولد وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا اشترى عبدا له امرأة أو أمة لها زوج ثم علم فهذا عيب ترد منه وهو قول عبيد الله بن الحسن وقال الحسن بن حي ليس ذلك بعيب وقال أبو ثور هو عيب ترد منه وقال عثمان البتي الزوج للجارية عيب وإن وجد للعبد امرأة كان للمشتري أن يكرهه على طلاقها فإن أبى أن يطلقها ولزمته نفقة لها فهي على البائع وقال الشافعي إن كان ينقص كونها ذات زوج من الثمن فهو عيب وإلا فلا وليس عنده بعيب ما لم ينقص من الثمن وما نقص منه قل أو كثر فهو عيب يرد منه وقال أبو حنيفة لو باع أمته في عدة الطلاق أو الموت أو حائضا لم يكن شيء من ذلك عيبا ترد منه باب ما جاء في ثمر المال يباع أصله مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع قال أبو عمر لا يختلف أهل العلم بالحديث في صحة هذا الحديث وهو عند جميعهم صحيح وأما قوله صلى الله عليه وسلم من باع نخلا قد أبرت فالأبار عند أهل العلم وأهل اللغة لقاح النخل يقال منه أبر النخل يؤبرها أبرا أو تأبرت تأبرا قال الخليل الأبار لقاح النخل قال والأبار أيضا علاج الزرع بما يصلحه من السقي والتعاهد قال الشاعر ولي الأصل الذي في مثله يصلح الآبر زرع المؤتبر ولا أعلم بين أهل العلم خلافا أن التلقيح هو أن يؤخذ طلع ذكور النخل فيدخل بين ظهراني طلع الإناث وأما معنى الأبار في سائر ثمار الأشجار فابن القاسم يراعي ظهور الثمرة لا غير ومعناه انعقاد الثمرة وثبوتها وقال بن عبد الحكم كل ما لا يؤبر من الثمار فاللقاح فيها بمنزلة الأبار في النخل واللقاح أن تنور الشجرة ويعقد فيسقط منه ما يسقط ويثبت ما يثبت فهذا هو اللقاح فيما عدا النخيل من الأشجار قال وأما أن يورق أو ينور قط فلا هذا فيما يذكر من ثمار الأشجار وأما ما يذكر من ثمار شجر التين وغيرها فإن إباره التذكير وهذا قول الشافعي وسائر العلماء ولم يختلفوا في أن الحائط إذا تشقق طلع إناثه فأخذ إباره وقد أبر غيره مما

حاله مثل حاله أن حكمه حكم ما قد أبر لأنه قد جاء عليه وقت الأبار وظهرت إبرته بعد مغيبها في الخف وأما اختلاف العلماء في ثمار النخيل يباع أصله فقال مالك والشافعي وأصحابهما والليث بن سعد بظاهر حديث بن عمر المذكور في أول هذا الباب قالوا إذا كان في النخل ثمر وقد أبر قبل عقد البيع فهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فإن اشترطه المبتاع في صفقة واحدة فهو له وإن كان النخل لم يؤبر فالثمر للمشتري بالعقد من غير شرط وإن كان بعض الحائط مؤبرا أو بعضه لم يؤبر كان ما أبر منه للبائع وما لم يؤبر للمشتري فإن كان المؤبر أو غيره الأقل كان تبعا للأكثر منهما وهذا كله قول مالك وقد روي عنه أن المؤبر قليلا أو كثيرا للبائع والذي لم يؤبر قليلا أو كثيرا للمبتاع كما لو كان المؤبر أو غير المؤبر متساويين وأجاز مالك رحمه الله للمشتري أصول النخل المؤبر إذا لم يشترط الثمرة أن يشتريها هو وحده دون غيره قبل بدو صلاحها في صفقة واحدة كما كان له أن يشترطها في صفقة هذه رواية بن القاسم عنه في هذه المسألة وفي مال العبد وروى بن وهب عن مالك أن ذلك لا يجوز فيها لا له ولا لغيره ولم يجز ذلك الشافعي ولا الثوري ولا أحمد ولا إسحاق ولا أبو ثور ولا داود ولا الطبري وكذلك قال المغيرة وبن دينار وبن عبد الحكم وهو الصواب فإن لم يشترطه المبتاع فالثمرة للبائع متروكة في النخل إلى الجذاذ وقال الشافعي ومعقول إذا كانت الثمرة للبائع أن على المشتري تركها في شجرها إلا أن تبلغ الجذاذ والقطاف من الشجر فإذا كان لا يصلح بها إلا السقاء فعلى المشتري تخلية البائع وما يكفي من السقي وإنما من الماء ما تصلح به الثمرة مما لا غنى له عنه وهذا كله معنى قول مالك ومن ذكرنا معه وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا باع الرجل نخلا أو شجرا فيها ثمر قد ظهر فهو للبائع إذا لم يشترطه المشتري وعليه قلعة من شجر المشتري ومن نخله

وليس له تركه إلى الجذاذ ولا إلى غيره وسواء عندهم أبر أو لم يؤبر إذا كان قد ظهر في النخل فإن اشترط البائع في البيع ترك الثمرة إلى الجذاذ فإن أبا حنيفة وأبا يوسف قالا البيع فاسد وقال محمد بن الحسن إذا كان صلاحها لم يبد فالبيع فاسد إن اشترط البائع بقاءها إلى جذاذها وإن كان قد بدا صلاحها فالبيع والشرط جائزان واختاره الطحاوي قال أبو عمر خالف الكوفيون السنة في ذلك إلى قياس ولا قياس مع النص ومن حجتهم الإجماع على أن الثمرة لو لم تؤبر حتى تناهت وصارت بلحا أو بسرا وبيع النخل أن الثمرة لا تدخل فيه قالوا فعلمنا أن المعنى في ذكر التأبير ظهور الثمرة فاعتبروا ظهور الثمرة ولم يعرفوا بين المؤبر وغير المؤبر وقال بن أبي ليلى سواء أبر النخل أو لم يؤبر إذا بيع أصله فالثمرة للمشتري اشترطها أو لم يشترطها كسعف النخل قال أبو عمر هذا أشد خلافا للحديث وبالله التوفيق وقال بن القاسم عن مالك من اشترى أرضا فيها زرع ولم يبد صلاحه فالزرع للبائع إلا أن يشترطه المشتري وبدو صلاحه عند بن القاسم أن يبرز ويظهر ويستقل وإن وقع البيع والبذر لم ينبت فهو للمبتاع بغير شرط ولا يحتاج إلى شرط وقد روي عن مالك أنه للبائع وذكر بن عبد الحكم عن مالك قال ومن ابتاع أرضا وفيها زرع قد ألقح فهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع وإن كان لم يلقح فهو للمبتاع قال وكذلك لو ألقح أكثره كان للبائع كله دون المبتاع وقال ولقاح القمح والشعير أن يحبب ويسنبل حتى لو يبين حينئذ لم يكن فسادا

وقولهم في اشتراط نصف الثمرة وغيرها كقولهم في اشتراط نصف مال العبد أو بعضه وقد تقدم ذكر ذلك في بابه والحمد لله كثيرا باب النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمشتري قال أبو عمر خالف أيوب السختياني مالكا في لفظ هذا الحديث عن نافع حدثني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني عبد الله بن محمد النفيلي قال حدثني بن علية عن أيوب عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى تزهو وعن السنبل حتى تبيض ويؤمن العاهة نهى البائع والمشتري مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي فقيل له يا رسول الله وما تزهي فقال حين تحمر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة

قال مالك وبيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها من بيع الغرر مالك عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت أنه كان لا يبيع ثماره حتى تطلع الثريا قال أبو عمر في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها دليل واضح على أنه إذا بدا صلاحها جاز بيعها في رؤوس الأشجار وإن لم تضرم وعلى ذلك جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتوى بالأمصار إلا شيئا روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة مولى بن عباس فإنهما قالا لا يجوز بيع الثمرة في رؤوس النخل قبل أن تضرم حدثني خلف بن قاسم قال حدثني قاسم بن محمد بن شعبان قال حدثني أبو شيبة داود بن إبراهيم قال حدثني إسحاق بن أبي إسرائيل قال حدثني عبد الله بن المبارك قال أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في الرجل يبيع الثمر على رؤوس النخل قبل أن يضرمه أنه كرهه قال يحيى وكرهه عكرمة ورخص فيه سليمان بن يسار وقال بن المبارك وحدثني خالد عن عكرمة مثله يعني مثل قول أبي سلمة قال وحدثني هشام بن حسان عن بن سيرين أنه لم ير به بأسا قال أبو عمر معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بن عمر في هذا الباب حتى يبدو صلاحها يريد حتى تحمر أو تصفر وكذلك جعل مالك حديث أنس في هذا الباب بعد حديث بن عمر مفسرا له والله أعلم وذلك أيضا موجود في حديث جابر وغيره حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود حدثني أبو بكر بن خلاد الباهلي قال حدثني يحيى بن سعيد عن سليم بن حيان عن سعيد بن ميناء قال سمعت جابر بن عبد الله يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى تشقح أو تصفر ويؤكل منها

وهذا معنى قوله حتى تزهي وحتى تزهو يقال منه زهت النخلة وأزهت إذا طاب ثمرها فلا يجوز بيع ثمر النخل حتى تزهي بصفرة أو حمرة ولا بأس أن يباع الحائط كله إذا زهت منه النخلة الواحدة وكان الطيب متتابعا وأما سائر الثمار من التين والعنب والفواكة كلها فلا يباع صنف منها حتى يطيب أوله ويؤكل منه وإذا كان العنب أسود فجني فبدا فيه السواد وظهر وإن كان أبيض فحتى يتمزج ويصلح للأكل ولا يجوز بيع الزيتون في الشجر بطيب البكور منه حتى يطيب أول زيتون العصير ويكون طيبه متتابعا وإن كان في الحائط أنواع من الثمار فلا يباع صنف منها بطيب غيره حتى يطيب من كل صنف أوله فيباع ذلك الصنف بطيب أوله وهذا كله قول مالك وأصحابه وهو تحصيل مذهبه وأجازوا بيع الثمار قبل بدو صلاحها على شرط القطع لها مكانها كالفصيل والبقل والبلح والبسر وسنبين أقوال العلماء في هذا المعنى بعد إن شاء الله تعالى وأما حديث عمرة في هذا الباب لا تباع الثمار حتى تنجو من العاهة فالمعنى حتى تنجو من الجائحة وهذا في الأغلب وتفسير ذلك حديث زيد بن ثابت أنه كان لا يبيع ثماره حتى تطلع الثريا لأن طلوع الثريا صباحا إنما يكون في زمان طيب ثمار النخيل وبعد الآفة والعاهة عليها في الأغلب من أمرها وروى بن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة قال عثمان فسألت عبد الله بن عمر متى ذلك فقال طلوع الثريا وقد روى عسل بن سفيان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة أن رسول

الله صلى الله عليه وسلم قال إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن أهل البلد وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد قال أبو عمر طلوع الثريا صباحا عند أهل العلم فربما يكون لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شهر أيار وهو ماي والنجم الثريا لا خلاف في ذلك وقوله للبلد يجوز أنه يريد البلاد التي فيها النخل ويجوز أن يريد الحجاز خاصة وقد اختلف السلف والخلف من العلماء في القول بالأحاديث المذكورة في أول هذا الباب وفي استعمالها على ظاهرها فروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير انهما كانا يبيعان ثمارهما قبل بدو صلاحها وأنهما كانا يبيعان ثمارهما العام والعامين والأعوام رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي سمعه يقول وليت صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت محمود بن لبيد فسألته فقال قد كان عمر بن الخطاب ولي يتيما فكان يبيع ماله سنين وسفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن الخطاب باع مال أسيد بن حضير ثلاث سنين وسفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله قال نهيت بن الزبير عن بيع النخل معاومة يعني سنتين وثلاثا وأكثر وما روي عن عمر وبن الزبير فلا يعلم أحدا من العلماء تابعهم على ذلك وإذا كان نهيه عليه السلام عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها يمنع من بيعها قبل بدو صلاحها وبعد خلقها فما ظنك ببيع ما لم يخلق منها وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنبل

ونهى عن بيع المعاومة وعن بيع ما لم يخلق منها وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين ويحتمل أن يكون بيع عمر وبن الزبير للثمار سنين إن صح ذلك عنهما أن ذلك على أن كل سنة منها على حدتها فيكون حينئذ كمذهب الكوفيين وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى ويحتمل أن يكون ذهبا إلى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها كان على ما ذكره زيد بن ثابت في حديث أبي الزناد وسنذكر ذلك بعد في هذا الباب بعون الله عز وجل وروى سفيان بن عيينة عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين وروى حماد بن زيد عن أيوب عن أبي الزبير وسعيد بن ميناء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المعاومة وقال أيوب وقال أحدهما عن بيع السنين قال أبو عمر هذا في بيع الأعيان وأما السلم الثابت في الذمة بالصفة المعلومة فجائز عاما وأعواما لحديث بن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن بن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في السنتين والثلاث فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم

وقد ذكرنا أحاديث هذا الباب بالأسانيد المتصلة كلها في التمهيد والحمد لله حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني حفص بن غياث عن أبي العوام البصري عن عطاء قال كان بن عباس يبيع من غلمانه النخل السنة والسنتين والثلاث فبعث إليه جابر أفعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخيل سنين قال بلى ولكن أما علمت أنه ليس بين العبد وبين سيده ربا واختلف العلماء في معنى نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فقالت طائفة ذلك على الندب والاستحسان ليس بنهي وجوب وتحريم فأجازوا بيعها إذا خلقت وظهرت وإن لم يبد صلاحها وممن ذهب إلى هذا أبو حنيفة وأصحابه واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أنه قال من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع قالوا فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراط الثمرة بعد الأبار وقد أخبر أنها للبائع علمنا أنها لم تدخل في صفقة بيع أصولها فلم يجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعا لها فيدخلها في الصفقة بغير شرط ولكنه أخبر أنها في حين تبع الأصول للبائع وأجاز المشتري اشتراطها في صفقة وما لم يدخل في الصفقة إلا بالاشتراط جاز بيعه منفردا فدل ذلك على جواز بيع الثمرة بعد الأبار قبل بدو صلاحها ودل ذلك على أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ما لم يكن منه صلى الله عليه وسلم على الإيجاب والتحريم وذكروا ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أحمد بن صالح قال حدثني عنبسة بن خالد قال حدثني يونس بن يزيد قال سألت أبا الزناد عن بيع الثمار قبل بدو صلاحه وما ذكر من ذلك فقال كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن خيثمة عن زيد بن ثابت قال كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون قبل أن يبدو صلاحها فإذا جد الناس وحضر قاضيهم قال المبتاع قد أصاب الثمرة الدمان واصابه قشام ومراض عاهات يحتجون بها فلما كثرت خصومتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم قال كالمشورة يشير بها عليهم أما لا فلا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحه لكثرة خصومتهم واختلافهم قالوا فهذا يدل على أن نهيه عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ليس على الوجوب

قال أبو عمر هذا الحديث لا يجيء إلا من هذا الوجه وظاهره الانقطاع لم يسمعه أبو الزناد عن عروة وهو معروف عن غيره وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بن عمر وجابر وأنس وأبي هريرة وغيرهم أنه نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فوجب القول بذلك قال الله عز وجل وما ءاتكم الرسول فخذوه وما نهكم عنه فانتهوا الحشر وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال سمعت بن عباس يقول لا يباع الثمر حتى يطعم وجملة قول أبي حنيفة وأصحابه في هذا الباب أنه جائز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إذا ظهرت في النخل والشجر واستبانت سواء أبر النخل قبل ذلك أو لم يؤبر وعلى المشتري عندهم ان يجذها ويقطعها ولا يتركها على أصول البائع وسواء اشترط عليه قطعها أو لم يشترط ما لم يشترط تركها إلى جذاذها فإن ابتاعها قبل بدو صلاحها او بعده واشترط تركها إلى الجذاذ فإن أبا حنيفة وأبا يوسف قالا البيع على ذلك فاسد وقال محمد بن الحسن إن كان صلاحها لم يبد فالبيع فاسد وإن كان قد بدا صلاحها واحمرت أو اصفرت وتناهى عظمها فالبيع جائز والشرط جائز وقال مالك بن انس والليث بن سعد وسفيان الثوري والأوزاعي وبن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق لا يجوز بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق لا يجوز إن باع الثمرة على القطع قبل بدو صلاحها جاز وكذلك الفصيل والفواكه كلها جائز عندهم بيعها قبل بدو صلاحها على أن يقطع مكانها فإن لم يشترط القطع مكانها فسد البيع فإن علم بذلك فسخ وأخذ صاحب الثمرة ثمرتها فإن كان قد جذها ردها إلى البائع وإن فاتت في يده غرم مكيلتها وإن أخذها رطبا غرم قيمتها وأبو حنيفة وأصحابه يجيزون بيعها قبل بدو صلاحها وإن لم يشترط القطع ما لم يشترط الترك لها إلى الجذاذ ويؤخر لقطعها على كل حال فإن اشترط الترك فسد البيع عندهم على ما ذكرنا عنهم قبل بدو صلاحها كان البيع عندهم أو بعد بدو صلاحها وعند مالك والشافعي واصحابهما والليث من اشترى الثمرة بعد بدو

صلاحها فسواء شرط تبقيتها أو تركها إلى الجذاذ أو لم يشترط البيع صحيح قال مالك وعلى البائع سقي الثمر حتى يتم جذاذة وقطافه وقد روي عن الثوري وبن أبي ليلى أنه لا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها على كل حال من الأحوال اشترط قطعها أو لم يشترط والأول اشهر عنهما أنه جائز بيعها على القطع قبل بدو صلاحها كالفصيل وقال مالك فيما روى بن القاسم عنه لا بأس أن يباع الحائط وإن لم يره إذا أزهي ما حوله من الحيطان وكان الزمان قد أمنت فيه العاهة قال بن القاسم أحب إلي إلا يبيعه حتى يزهي لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولا أراه حراما قال أبو عمر قول مالك صحيح على ما ذكرنا في أول هذا الباب من ذهاب العاهة بأول طلوع الثريا على ما في حديث زيد بن ثابت وليس فيه أنه أزهي حائطه قال مالك وإذا كان في الحائط أنواع من الثمار كالتين والعنب والرمان فطاب أول جنس منها تبع ذلك وجذه ولم يبع منه غيره ما لم يطب شيء منه وهو قول الشافعي وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس أرأيت إن منع الله الثمرة فيم يأخذ أحدكم مال أخيه فقد تنازع العلماء في وضع الجائحة عن المشتري إذا أصابت الثمر جائحة وقد كان اشتراها بعد بدو صلاحها فمن ذهب إلى القضاء بوضعها احتج بحديث أنس هذا ومثله حديث بن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق وسنذكر القائلين بذلك واختلافهم فيه بعد هذا ان شاء الله تعالى وقال آخرون إنما معنى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها لأن بيعها قبل بدو صلاحها من بيع الغرر

قال مالك رحمه الله وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيع الثمار بعد بدو صلاحها علمنا أن ذلك قد خرج من بيع الغرر في الأغلب بقوله مع نهيه عن بيعها قبل بدو صلاحها أرأيت إن منع الله الثمرة معناه إذا بعتم الثمرة قبل بدو صلاحها ومنعها الله كنتم قد ركبتم الغرر واخذتم مال المبتاع بالباطل فلا تبيعوها حتى يبدو صلاحها فإنكم إذا فعلتم ذلك سلمتم من الغرر لأن الأغلب حينئذ من امرها السلامة فإن لحقتها جائحة فهي نادرة لا حكم لها وكانت كالدار تباع فتهدم قبل انتفاع المشتري بشيء منها وكذلك الحيوان يموت بإثر قبض المبتاع له وكذلك سائر العروض تهلك قبل أن ينتفع المبتاع بها قالوا كل من ابتاع ثمرة من نخل أو زرع او سائر الفواكه في حال يجوز بيعها فيه فقبض ذلك بما يقبض به مثله فأصابتها جائحة فأهلكته كله أو بعضه ثلاثا كان أو أقل أو أكثر فالمصيبة في ذلك كله من المبتاع وقد كان الشافعي يقول بالعراق بوضع الجوائح ثم رجع بمصر إلى هذا القول وهو أشهر قوليه عند أصحابه وضعف حديث سليمان بن عتيق عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح وقال كان بن عيينة يحدثنا به عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع السنين ولا يذكر فيه وضع الجوائح ثم ذكرها فيه بعد فذكرنا ذلك له فقال هو فيه أي هذا اللفظ فيه يعني قوله وأمر بوضع الجوائح واضطرب ولم يثبت فيه على شيء في وضع الجوائح وقال الشافعي لو ثبت حديث سليمان بن عتيق لم أعده قال ولو كنت قائلا بوضع الجوائح لوضعتها في القليل والكثير وممن لم يقل بوضع الجائحة في قليل ولا كثير مع الشافعي وأصحابه والثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ويأتي تلخيص مذهب مالك وأصحابه في جوائح الثمار في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى وقال مالك في آخر هذا الباب والأمر عندنا في بيع البطيخ والقثاء والخربز

والجزر إن بيعه إذا بدا صلاحه حلال جائز ثم يكون للمشتري ما ينبت حتى ينقطع ثمره ويهلك وليس في ذلك وقت يؤقت وذلك أن وقته معروف عند الناس وربما دخلته العاهة فقطعت ثمرته قبل أن يأتي ذلك الوقت فإذا دخلته العاهة بجائحة تبلغ الثلث فصاعدا كان ذلك موضوعا عن الذي ابتاعه قال أبو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة فقال مالك وأصحابه بما رسمه في كتاب الموطإ ومن أحسن ما يحتج به في ذلك أن السنة وردت في النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فإذا بدا صلاح أولها جاز بيع جميعها بطيب أولها ولو لا طيب أولها لم يجز بيعها فكذلك بيع ما لم يخلق في المقاثي من البطيخ والقثاء يكون تبعا لما خلق من ذلك كما كان ما لم يطب من الثمرة تبعا لما طاب وحكم الباذنجان والموز والياسمين وما أشبه ذلك كله حكم المقاثي عندهم وأما الشافعي فلا يجوز عنده بيع شيء من ذلك إلا بطنا بعد بطن ولا يجوز عنده بيع شيء لم يخلق ولا بيع ما خلق ولم يقدر على قبضه في حين البيع ولا بيع ما خلق وقدر عليه إذا لم ينظر إليه قبل العقد وكذلك بيع كل معيب في الأرض مثل الجزر والفجل والبصل وليس ذكر الجزر في هذه المسالة في أكثر الموطآت لأنه باب آخر نذكره في باب بيع الغائب والمعيب في الأرض إن شاء الله عز وجل وقول الكوفيين في بيع المقاثي كقول الشافعي وهو قول أحمد وإسحاق لأنه بيع ما لم يخلق عندهم وبيع الغرر باب الجائحة في بيع الثمار والزرع مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت

عبد الرحمن أنه سمعها تقول ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعالجه وقام فيه حتى تبين له النقصان فسأل رب الحائط أن يضع له أو يقيله فحلف أن لا يفعل فذهبت أم المشتري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تألى ان لا يفعل خيرا فسمع بذلك رب الحائط فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هو له مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز قضى بوضع الجائحة قال مالك وعلى ذلك الأمر عندنا قال مالك والجائحة التي توضع عن المشتري الثلث فصاعدا ولا يكون ما دون ذلك جائحة قال أبو عمر ليس في حديث عمرة ما يدل على إيجاب وضع الجائحة وإنما فيه الندب إلى الوضع وهو نحو حديث بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال أصيب رجل في ثمار ابتاعها وكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا عليه فتصدق عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك فلم يأمر بوضع الجائحة وأخبرهم أن ليس إلا غير ما وجدوا لأنهم لم يبق له شيء يأخذونه فليس لهم غير ما وجدوا لأنه لم يبق لهم شيء يأخذونه وقد أنظر الله المعسر إلى الميسرة وأما اعتبار مالك في مقدار الجائحة الثلث فلأن ما دونه عنده في حكم التافه الذي لا يسلم منه بهذه وأما اختلاف فقهاء الأمصار في وضع الجوائح فقد تقدم قول مالك في موطئه في ذلك وروى بن وهب وغيره عنه في بيع البطيخ والقثاء إذا بدا صلاحه جاز

للمشتري ما ينبت منه حتى تنقطع ثمرته لأن وقته معروف عند الناس فإن أصابته جائحة فقطعت ثمرته قبل أن يأتي ذلك الوقت فبلغ الثلث أو أكثر كان ذلك موضوعا عن الذي ابتاعه وقال بن القاسم عنه مثل ذلك وزاد قال ينظر إلى الميقات كما لو أنها من أول ما يشتري إلى آخر ما ينقطع ثمرتها فينظر إلى قيمته في كل زمان على قدر ارتفاع الأسواق والأرضين ثم يقسم الثمن على ذلك ثم يمتثل فيه ان يقسم الثمن على ذلك ويمتثل ما يجب امتثاله عند لجوائج وكذلك الورد والياسمين والتفاح والموز والأترج وكل شيء يجنى بطنا بعد بطن فأما ما يخرص من النخل والعنب وما ييبس ويدخر فإنه ينظر إلى ثلث الثمرة إذا أصابتها الجائحة وضع عن المشتري ثلث الثمن فلا تقويم وقال أشهب لا ينظر في ذلك إلى ثلث الثمرة وإنما ينظر إلى القيمة يوم وقفت الصفقة وبين أشهب وبن القاسم في هذا الباب اختلاف كثير قد ذكرته في كتاب اختلافهم قال مالك والبقول والكراث والجزر والبصل والفجل وما أشبهه إذا اشتراه رجل فأصابته جائحة فإنه يوضع عن المشتري بكل شيء أصابته الجائحة قل أو كثر وكل ما ييبس ويصير تمرا أو زبيبا وأمكن قطافه فلا جائحة فيه وقال أشهب المقاثي بمنزلة البقل يوضع عن المشتري قليل الجائحة وكثيرها قال والجراد والنار والبرد والمطر والطير الغالب والعفن والسموم وانقطاع ماء العيون كله من الجوائح إلا الماء فإنه يوضع وإن كان أقل من الثلث لأن الماء من سبب ما يباع وقال أحمد بن حنبل وطائفة من أهل الحديث الجائحة من البائع كلها قليلها وكثيرها ولم يلتفتوا في ذلك إلى الثلث وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وأصحابهما من اشترى ثمرة من نخل أو من سائر الشجر كانت أو زرعا في أرض أو غير ذلك في حال يجوز البيع في ذلك فقبضه بما يقبض به مثله فأصابته جائحة أهلكته كله او بعضه فهو من مال المشتري

وهو قول داود والطبري باب ما جاء في بيع العرية مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لصاحب العرية ان يبيعها بخرصها قال أبو عمر من رواة مالك في الموطإ طائفة لا تذكر في هذا الحديث بخرصها مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق يشك داود قال خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق قال مالك وإنما تباع العرايا بخرصها من التمر يتحرى ذلك ويخرص في رؤوس النخل وإنما ارخص فيه لأنه أنزل بمنزلة التولية والإقالة والشرك ولو كان بمنزلة غيره من البيوع ما أشرك أحد أحدا في طعامه حتى يستوفيه ولا أقالة منه ولا ولاه أحدا حتى يقبضه المبتاع قال أبو عمر العرايا جمع عرية والعرية معناها عطية ثمر النخل دون الرقاب

كان العرب إذا دهمتهم سنة تطوع اهل النخل منهم على من لا نخل له فيعطيه من ثمر نخله ما سمحت به نفسه فمنهم المقل ومنهم المكثر والمصدر من ذلك الأعراء وهو مثل الأقفار والأحبال والمنحه ومن هذا المعنى عند أصحابنا العمرى وسنذكر ذلك في باب العمرى إن شاء الله تعالى قال الخليل العرية من النخل التي تعرى عن المساومة عند بيع النخل والفعل الأعراء وهو أن يجعل ثمرتها لمحتاج وكانت العرب تمتدح بها قال بعض شعراء الأنصار يصف نخلة ليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين المواحل والسنهاء من النخل التي تحمل سنة وتحول سنة والرجبية التي تميل بضعفها فتدعم من تحتها وكلاهما عيب فمدح الشاعر نخلة بأنها ليست كذلك وأما معنى العرية في الشريعة ففيه اختلاف بين أهل العلم على ما اصفه لك بعون الله إن شاء الله عز وجل فمن ذلك أن بن وهب روى عن عمرو بن عبد الحارث عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري أنه قال العرية الرجل يعري الرجل النخلة أو النخلات يسميها له من ماله ليأكلها فيبيعها بتمر قال لم يقل يبيعها من المعري ولا خص أحدا وأخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني هناد عن عبدة عن بن إسحاق قال العرايا أن يهب الرجل الرجل النخلات فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها وهذا أيضا ليس فيه الاقتضاء على المعري في البيع منه دون غيره فذهب قوم إلى هذا وجعلوا الرخصة في بيع العرايا بخرصها يبيعها المعري ممن شاء رفقا به ورخصة له

ومن حجة من ذهب هذا المذهب ما رواه حماد بن سلمة عن أيوب وعبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى البائع والمشتري عن المزابنة قال أبو عمر وقال زيد بن ثابت أرخص في العرايا النخلة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعها بخرصها تمرا قالوا فقد أطلق في هذا الحديث بيعها بخرصها تمرا ولم يقل من المعري ولا من غيره فدل ذلك على أن الرخصة قصد بها المعري المسكين لحاجته قالوا وهو الصحيح في النظر لأن المعري قد ملك ما قد وهب له فجائز له أن يبيعه من المعري ومن غيره إذ أرخصت له السنة في ذلك وخصته من معنى المزابنة في لمقدار المذكور وممن ذهب إلى هذا أحمد بن حنبل قال ابو بكر الأثرم سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسأل عن تفسير العرايا فقال أنا لا أقول فيها بقول مالك وأقول إن العرايا أن يعري الرجل جاره أو قرابته للحاجة والمسكنة فإذا أعراه إياها فللمعري أن يبيعها ممن شاء إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة وارخص في العرايا فرخص في شيء من شيء فنهى عن المزابنة ان تباع من كل واحد ورخص في العرايا أن تباع من كل أحد فيبيعها ممن شاء ثم قال مالك يقول يبيعها من الذي أعراها وليس هذا وجه الحديث عندي بل يبيعها ممن شاء قال وكذلك فسره لي بن عيينة وغيره قال الأثرم وسمعت أحمد يقول العرية فيها معنيان لا يجوزان في غيرها منها أنها رطب بتمر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وفيها أنها تمر بثمر يعلم

كيل التمر ولا يعلم كيل الثمر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فهذا كله لا يجوز إلا في العرية قلت لأبي عبد الله فإذا باع المعري العرية ألة أن يأخذ التمر الساعة أو عند الجذاذ قال بل يأخذه الساعة قلت له إن مالكا يقول ليس له أن يأخذ التمر الساعة حتى يجذ قال بل يأخذه الساعة على ظاهر الحديث واما الشافعي فمعنى العرايا عنده إباحة بيع ما دون خمسة أوسق من التمر بالتمر على ظاهر حديث مالك عن داود بن الحصين في هذا الباب وجعل هذا المقدار مخصوصا من المزابنة لكل من أراد ذلك في ذلك المقدار خاصة قال وإن كان الأصل في ذلك العرية من أجل أن الأغلب في العرايا إلا تبلغ أكثر من ذلك المقدار في المعروف من عطاياهم في الجار والقريب وللحاجة فقد دخل في تلك الرخصة كل من أراد بيع ذلك المقدار ممن شاء من ثمن من العرايا وغير العرايا وحجته في ذلك حديث رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع المزابنة الثمر بالثمر إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو أسامة قال اخبرنا الوليد بن كثير قال أخبرنا بشير بن يسار مولى بني حارثة أن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة أخبراه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة التمر بالتمر إلا أصحاب العرايا وقال الشافعي جائز بيع ما دون خمسة أوسق من الرطب بالثمر يدا بيد وسواء كان ذلك فيمن وهب له تمر نخلة أو نخلات أو فيمن يريد أن يبيع ذلك المقدار من حائطه لعله أو لغير علة والرخصة عنده إنما وردت به في المقدار المذكور فخرج ذلك عنده من المزابنة وما زاد على ذلك المقدار فهو مزابنة لا يجوز بوجه من الوجوه ولا

يجوز عنده بيع الرطب بالثمر في غير هذا المقدار من العرايا وما كان في معناها لا متماثلا ولا متفاضلا ومن حجته في ذلك ظاهر حديث مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو خمسة أوسق شك داود وحديث بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر إلا أنه أرخص في العرايا وحديث سهل ونافع المذكورين وقال في حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالثمر إلا انه ارخص للعرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا قال يعني يأكلها أهلها الذين يبتاعونها رطبا وروى بإسناد منقطع عن محمود بن لبيد أنه قال لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إما زيد بن ثابت وإما غيره ما عراياكم هذه قال فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضل من قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي بأيديهم يأكلونها رطبا وروى الربيع عن الشافعي في العرية إذا بيعت وهي خمسة أوسق قال فيها قولان أحدهما أنه جائز والآخر أنه لا يصح إلا فيما دون خمسة أوسق وقال المزني يلزمه على اصله أن يفسخ البيع في خمسة أوسق لأنه شك وأصل بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر حرام فلا يحل منه إلا ما استوفيت الرخصة فيه وذلك ما دون خمسة أوسق والعرية عند الشافعي فيما دون النخل والعنب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الخرص في ثمارها وأنه لا حائل دون الإحاطة بهما وأما مذهب مالك وأصحابه بالعرايا فروى بن وهب عن مالك قال العرية أن يعري الرجل الرجل النخلة والنخلة أو أكثر من ذلك سنة أو سنتين أو ما عاش فإذا طاب الثمر وأرطب قال

صاحب النخل أما أكفيكم سقيها وضمانها تمرا عند الجذاذ كان ذلك منه معروفا كله فلا أحب أن يتجاوز ذلك خمسة أوسق قال وتجوز العرية في كل ما ييبس ويدخر نحو الزبيب والزيتون ولا أرى صاحب العرية أن يبيعها إلا ممن في الحائط ممن له تمر يخرصه وقال بن القاسم عن مالك لا يجوز بيع العرية بخرصها حتى يحل بيعها ولا يجوز بعد ما حل بيعها أن يبيعها بخرصها تمرا إلا إلى الجذاذ قال وإما أن يجعله فلا وإما بالطعام فلا يصلح أيضا إلا أن يجذ ما في رؤوسهما مكانه ولا يصلح أن يشتريها بطعام إلى أجل ولا بتمر نقدا بأيديهم وأن جذها في الوقت فلا يجوز أن يشتريها من الذي أعريها بالدراهم والدنانير قبل أن يحل بيعها إلا أن يشتريها ليقطعها وأما على أن يتركها فلا يجوز قال أبو عمر إنما حمل مالكا على أن يقول هذا كله في العرية لأنه عنده مخصوصة بنسبتها فلا يتعدى بها موضعها والسنة عنده فيها ما أدرك عليه أهل الفتوى ببلده وجملة قوله في ذلك أن العرية أن يهب الرجل في حائطه مقدار خمسة أوسق فما دونها لم يرد أن يشتريها من المعري عند طيب التمر فأبيح له أن يشتريها بخرصها تمرا على أن يأخذه عند جذاذ التمر في ذلك العام فإن عجل له ذلك لم يجز ويجوز أن يعري الرجل من حائطه ما شاء ولكن البيع لا يكون إلا في خمسة أوسق فما دون ولا يبيعها المعري بما وصفنا إلا من العروض خاصة وأما من غيره فلا إلا على سنة بيع الثمار إلا من المعري وأما من غيره فلا إلا على سنة بيع الثمار في غير العرايا في حجة مالك فيما ذهب إليه من ذلك ما رواه سفيان بن عيينة قال حدثني يحيى بن سعيد قال أخبرني بشير بن يسار مولى بني حارثه قال سمعت سهل بن أبي حثمة يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان بن عيينة فذكره

ففي هذا الحديث إباحة بيعها ممن كان أعراها دون غيره لأنه لا أهل لها سواهم وقال الأوزاعي العرايا هي أن أهل البيت المساكين يمنحون النخلات فترطب في اليوم القفيز والقفيزان فلا يكون فيها ما يسعهم فرخص لهم أن يبيعوا ثمر نخلهم بأوساق من تمر فلم يقصرهم الأوزاعي على بيعها من المعري قال وسألت الأوزاعي عن العرية والوطية والأكلة قال العرية النخلة يمنحها الرجل أخاه والوطية ما يطأه الناس والأكلة ما يؤكل منه وروى محمد بن شجاع البلخي عن عبد الله بن نافع عن مالك أن العرية النخلة والنخلتان للرجل في حائط لغيره والعادة في المدينة أنهم يخرجون بأهليهم في وقت الثمار إلى حوائطهم فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه فيقول أنا أعطيك خرص نخلتك تمرا فأرخص لهما ذلك قال أبو عمر هذه الرواية مخالفة لأصل مالك في العرية لأن أصله الذي لم يختلف فيه عنه ولا عن أصحابه إلا في هذه الرواية هي أن يهب الرجل لغيره نخلات من حائطه ثم يريد شراءها منه فأرخص له في ذلك دون غيره ورواية بن نافع هذه نحو مذهب الشافعي في العرية وقال بن القاسم عن مالك في نخلة في حائط رجل لآخر له أصلها فأراد صاحب الحائط أن يشتريها منه بعد ما أزهت بخرصها تمرا يدفعه إليه عند الجذاذ فقال مالك إن كان إنما يريد بذلك الكفاية لصاحبه والرفق به فلا بأس وإن كان إنما ذلك لدخوله وخروجه وضرر ذلك عليه فلا خير فيه قال بن القاسم وليس هذا مثل العرية قال أبو عمر رواية بن القاسم هذه تضارع رواية بن نافع ولكن بن القاسم قد بين أن ذلك ليس بالعرية يريد على مذهب مالك وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا في العرية بما يرد سنتها ويبطل حكمها وأخرجوها من باب البيع ولم يجعلوها مستثناه من المزابنة وروى بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال العرية هي النخلة يهب صاحبها ثمرها لرجل ويأذن له في أخذها فلا يفعل حتى يبدو لصاحب النخلة

أن يمنعه من ذلك ويعوضه منه خرصة تمرا فأبيح ذلك له ورخص لأن المعري لم يكن ملكه أو ملكه وقال عيسى بن أبان الرخصة في ذلك للمعري أن يأخذ تمرا بدلا من رطب لم يملكه وقال غيره الرخصة فيه للمعري لأنه كان مخلفا لوعده فرخص له في ذلك وأخرج من إخلاف الوعد قال أبو عمر ما قاله الكوفيون يرده حديث بن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها من رواية مالك وغيره عن نافع عن بن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة وحديث الزهري عن سالم عن بن عمر قال أخبرني زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا وبالله التوفيق باب ما يجوز في استثناء الثمر مالك عن ربيعة بن عبد الرحمن أن القاسم بن محمد كان يبيع ثمر حائطه ويستثني منه مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن جده محمد بن عمرو بن حزم باع ثمر حائط له يقال له الأفرق بأربعة آلاف درهم واستثنى منه بثمانمائة درهم تمرا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة أن أمه عمره بنت عبد الرحمن كانت تبيع ثمارها وتستثني منها قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن الرجل إذا باع ثمر حائطه أن له أن يستثني من ثمر حائطه ما بينه وبين ثلث الثمر لا يجاوز ذلك وما كان دون الثلث فلا بأس بذلك قال مالك فأما الرجل يبيع ثمر حائطه ويستثني من ثمر حائطه ثمر نخلة أو

نخلات يختارها ويسمي عددها فلا أرى بذلك باسا لأن رب الحائط إنما استثنى شيئا من ثمر حائط نفسه وإنما ذلك شيء احتبسه من حائطه وأمسكه لم يبعه وباع من حائطه ما سوى ذلك قال أبو عمر أما فقهاء الأمصار الذين دارت عليهم الفتيا وألفت الكتب على مذاهبهم فكلهم يقول إنه لا يجوز أن يبيع أحد ثمر حائطه ويستثني منه كيلا معلوما قل أو كثر بلغ الثلث أو لم يبلغ فالبيع ذلك باطل إن وقع ولو كان المستثنى مدا واحدا لأن ما بعد ذلك المد ونحوه مجهول إلا مالك بن أنس فإنه أجاز ذلك إذا كان ما استثني منه معلوما وكان الثلث فما دونه في مقداره ومبلغه فأما أهل المدينة فعلى ما قال مالك أنه الأمر المجتمع عليه عندهم وروى بن وهب عن بن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن أن بن عمر كان يستثني على بيعه إذا باع التمر في رؤوس النخل بالذهب أن لي منه كذا بحساب كذا قال وأهل المدينة اليوم على هذا البيع وقال عبد العزيز بن أبي سلمة لا أرى بأسا أن يستثني الثلث فما دونه قال وأنا أحب أدنى من الثلث ولا أرى بالثلث بأسا إذا بلغ وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية وبن أبي زائدة عن بن عوف عن القاسم قال لولا أن عبد الله بن عمر كره الثنيا وكان عندنا مرضيا ما رأينا بذلك بأسا قال أبو عمر هذا أصح ما روي عن بن عمر لأنه متصل ورواته ثقات والإسناد المتقدم عنده غير متصل لأن أبا الأسود محمد بن عبد الرحمن لم يسمع منه ولا أدرك زمانه وبن لهيعة ليس بحجة واحتج أصحابنا لمذهب أهل المدينة في هذه المسألة بأن قالوا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الثنيا فإنما ذلك في استثناء الكثير من الكثير أو استثناء الكثير مما هو أقل منه وأما القليل من الكثير فلا وجعلوا الثلث فما دونه قليلا

قالوا وبيع ما على المستثنى كبيع الصبرة التي لا يعلم مبلغ كيلها قالوا واستثناء القليل من الكثير هو المعروف من لسان العرب وبه ورد القرآن وأما استثناء الكثير فلا فهذا عندهم معنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الثنيا واستغنوا بما ذكره مالك عن علماء المدينة في هذا الباب من الاستثناء وبما رواه حماد بن سلمة عن هشام بن حسان وعثمان البتي أن بن سيرين كان لا يرى بأسا أن يبيع الرجل ثمر حائطه ويستثني كراء أو كراءين قال أبو عمر أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الثني فحدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثني مختصرا وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن أبي الزبير وسعيد بن ميناء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا مختصرا وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن أيوب عن عمرو بن شعيب قال قلت لسعيد بن المسيب أبيع ثمرة أرضي وأستثني منها قال لا تستثن إلا شجرا معلوما قال أخبرنا عياد بن العوام عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كره أن يستثني شيئا من النخيل بكيل قال حدثني عبد الأعلى عن يونس عن الحسن في الرجل يبيع ثمر أرضه ويستثني الكرء والكرئين كان لا يعجبه إلا أن يعلم نخلا قال حدثني عباد بن العوام عن عمرو بن عامر عن قتادة عن سالم أنه كره أن يستثني كيلا أو سلالا أو كرارا باب ما يكره من بيع الثمر مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه قال قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر مثلا بمثل فقيل له إن عاملك على خيبر يأخذ الصاع بالصاعين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوه لي فدعي له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أتأخذ الصاع بالصاعين فقال يا رسول الله لا يبيعونني الجنيب بالجمع صاعا بصاع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا هكذا هذا الحديث مرسلا في الموطإ وعند مالك في معناه حديث متصل رواه عن عبد الحميد بن سهيل عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يحيى وطائفة من رواة الموطإ قالوا فيه عن مالك عن عبد المجيد بن سهيل وكذلك قال فيه بن عيينة والأكثر من رواة الموطإ و غيرهم يقولون فيه عبد المجيد وهو الصواب إن شاء الله تعالى وقد ذكرنا عبد الحميد ونسبناه في التمهيد والحمد لله كثيرا والحديث محفوظ من حديث أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى حديث عطاء بن يسار هذا داود بن قيس عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه أيضا بذلك يزيد بن قسيط عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد مرفوعا حدثناه سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد عن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما من التمر مختلفا بعضه أفضل من بعض قال فذهبنا نتزايد فيه بيننا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلا كيلا بكيل يدا بيد مالك عن عبد الحميد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن

سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا فقال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا هكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عبد الحميد وأكثر الرواة يقولون عبد المجيد وقد تقدم في صدر هذا الباب وأما عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر الذي جاءه بالتمر الجنيب المذكور في حديث عبد الحميد بن سهيل هذا وحديث عطاء بن يسار أيضا فهو سواد بن غزية البلوي الأنصاري حليف بني عدي بن النجار وهو ممن شهد بدرا وقد ذكرناه في كتاب الصحابة روى الدراوردي عن عبد الحميد بن سهيل عن سعيد بن المسيب أن أبا سعيد وأبا هريرة حدثناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سوار بن غزية أخا بني عدي من الأنصار وأمره على خيبر فقد مر عليه بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا فقال لا وذكر الحديث بمعنى حديث مالك هذا سواء وفي هذا الحديث وفي الذي قبله من الفقه أن التمر كله جنس واحد رديئه وجيده ورفيعه ووضيعه لا يجوز التفاضل في شيء منه ويدخل في معنى التمر جميع الطعام لا يجوز في الجنس الواحد منه بعضه ببعض الزيادة ولا النسيئة فإن كان جنسين وصنفين من الطعام مختلفين لم يجز فيه التشبيه وجاز فيه التفاضل فهذا حكم الطعام المقتات المدخر كله عند مالك وأما الشافعي فالطعام كله مقتات وغير مقتات مدخرا كان أو غير مدخر عنده لا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا ولا نسيئة وعند الكوفيين الطعام المكيل كله وكذلك الموزون عندهم وسنبين مذاهبهم في موضعها من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى

وقد أجمعوا على أن الجنس الواحد من المأكولات يدخله الربا من وجهين لا يجوز بعضه ببعض متفاضلا ولا بعضه ببعض نسيئة إلا أن كل واحد منهم على أصله المذكور في الاقتيات وغيره والكيل والوزن وغيرهما والجنس الواحد من الطعام كالذهب بالذهب لا يجوز شيء منه بشيء متفاضلا ولا نسيئة وكذلك الورق بالورق فإذا اختلف الجنسان ذهبا بورق جاز فيهما التفاضل يدا بيد ولا تحل فيهما النسيئة وهكذا الطعام وسنذكر اختلافهم في أصنافه في موضعها إن شاء الله تعالى وفيه أن من لم يعلم بتحريم الشيء فلا حرج عليه حتى يعلم إذا كان ذلك الباب مما يعذر الإنسان بجهله من علم الخاصة قال الله عز وجل وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا الإسراء ومثله قوله عز وجل وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون التوبة والبيع إذا وقع محرما فهو مفسوخ مردود وإن جهله فاعله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برد هذا البيع من حديث بلال بن رباح ومن حديث أبي سعيد الخدري أيضا وروى منصور وقيس بن الربيع عن أبي حمزة عن سعيد بن المسيب عن بلال قال كان عندي تمر دون فابتعت أجود منه في السوق بنصف كيله صاعين بصاع وأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال من أين لك هذا فحدثته بما صنعت فقال هذا الربا بعينه انطلق فرده على صاحبه وخذ تمرك وبعه بحنطة أو شعير ثم اشتر من هذا التمر ثم ائتني به ففعلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر مثلا بمثل

والحنطة بالحنطة مثلا بمثل والذهب بالذهب وزنا بوزن والورق بالورق وزنا بوزن فما كان من فضل فهو ربا فإذا اختلفت فخذوا واحدا بعشرة وفي اتفاق الفقهاء على أن البيع إذا وقع بالربا فهو مفسوخ أبدا دليل واضح على أن بيع عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصاعين بالصاع كان قبل نزول آية الربا وقبل أن يتقدم إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن التفاضل في ذلك ولهذا سأله عن فعله ليعلمه بما أحدث الله فيه من حكمه ولذلك لم يأمر بفسخ ما لم يتقدم فيه إليهم والله أعلم وقد احتج بظاهر هذا الحديث من أجاز أن يبيع الرجل الطعام من رجل بالنقد ويبتاع منه بذلك النقد طعاما قبل الافتراق وبعده لأنه لم يخص فيه بائع الطعام ولا مبتاعه من غيره مالك عن عبد الله بن يزيد أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال له سعد أيتهما أفضل قال البيضاء فنهاه عن ذلك وقال سعد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا يبس فقالوا نعم فنهى عن ذلك قال يحيى قال مالك كل رطب بيابس من نوعه حرام قال أبو عمر قول يحيى هذا عن مالك لم يروه أحد في الموطإ غيره فيما علمت ومعناه صحيح في مذهبه وهكذا هذا الحديث في أكثر روايات الموطإ مالك عن عبد الله بن يزيد لم ينسبه فظن قوم أنه عبد الله بن يزيد بن هرمز الفارسي الفقيه وليس كذلك وإنما هو عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن

سفيان كذلك في رواية أبي مصعب والشافعي وعبد الرحمن بن القاسم وغيرهم ولم يذكر مالك في موطئه عن عبد الله بن يزيد بن هرمز حديثا ولا مسألة يقولون إنه خرج على مالك وغيره أن يحدثوا بشيء من رواية عنه أو من حديثه وغيره وأما زيد أبو عياش فقيل إنه مجهول لم يرو عنه أحد غير عبد الله بن يزيد وقد قيل روى عنه أيضا عمران بن أبي أنس وقد قيل إن زيدا أبا عياش هذا هو أبو عياش الزرقي وأبو عياش الزرقي اسمه عند طائفة من أهل العلم بالحديث زيد بن الصامت وقد اختلف في اسمه على ما ذكرنا في كتاب الصحابة وهو من صغار الصحابة وممن حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه وشهد معه بعض مشاهده حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي أمية عن عبد الله بن يزيد عن أبي عياش الزرقي أن رجلا سأل سعدا عن السلت بالشعير فقال تبايع رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر ورطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل ينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فلا إذن ورواه الحميدي عن بن عيينة بإسناده مثله إلا أنه لم يقل الزرقي في أبي عياش أخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان بن عيينة قال حدثني إسماعيل بن أمية عن عبد الله بن يزيد عن أبي عياش قال تبايع رجلان على عهد سعد بن أبي وقاص بسلت وشعير فقال سعد تبايع رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر ورطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم قال فلا إذن فقد بان بهذا الحديث أن البيضاء هي الشعير وهو معروف من مذهب سعد أن الحنطة والشعير والسلت عنده صنف واحد وإلى هذا ذهب مالك وأصحابه في ذلك

ولا خلاف علمته في أن البيضاء المذكورة في هذا الحديث هي الشعير إلا ما ذكره وكيع فإنه وهم في هذا الحديث على مالك فقال فيه عنه لم يتابع عليه ذكره أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن مالك بن أنس عن عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش قال سألت سعدا عن السلت بالذرة فكرهه فقال سعد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرطب بالتمر فذكر الحديث ووهم فيه وكيع إذ جعل الذرة موضع البيضاء والبيضاء عند العرب الشعير والسمراء عندهم البر والذرة عند العلماء صنف منفرد وسنذكر أصناف الطعام وأجناسه في باب بيع الطعام بالطعام ونذكر اختلاف العلماء في ذلك إن شاء الله تعالى وأما قوله في حديث مالك أيتهما أفضل فإنه أراد أيتهما أكثر في الكيل والوزن ذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني أبو الوليد قال حدثني الطيالسي قال سألت مالك بن أنس فحدثنا عن عبد الله بن يزيد عن أبي عياش قال سألت سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال بينهما فضل قلت نعم قال فلا إذن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الرطب بالتمر فسأل من حوله عن الرطب أينقص إذا جف قالوا نعم قال فلا إذن وأما بيع الرطب بالتمر فقد اختلف العلماء في ذلك فأكثرهم لا يجوز عندهم بيع الرطب بالتمر على حال من الأحوال لأنه من المزابنة المنهي عنها ومعناها كل رطب بيابس من جنسه حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد وعبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قالا حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن أبي زائدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر كيلا وعن بيع العنب بالزبيب كيلا وعن بيع الحنطة بالزرع كيلا وبهذا قال جمهور الفقهاء فلا يجوز عندهم بيع الرطب بالتمر ولا متفاضلا ولا متماثلا

وممن قال ذلك مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي والثوري والليث وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة لا بأس ببيع الرطب بالتمر مثلا بمثل ولا يجوز متفاضلا واختاره الطحاوي دون قول أبي يوسف ومحمد وقال الرطب بتمر وكذلك الحنطة الرطبة باليابسة عند أبي حنيفة قال أبو عمر قياس قول أبي حنيفة أن بيع التين الأخضر باليابس جائز متماثلا وكذلك العنب بالزبيب مثلا بمثل وما كان مثل ذلك كله وهذا خلاف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل العدول فلا وجه لقوله وقال أبو يوسف يجوز بيع الحنطة الرطبة باليابسة فأما الرطبة من الأصل فلا تجوز باليابسة وقال سائر الفقهاء لا يجوز مثلا بمثل ولا متفاضلة وذكر بن المواز عن بن القاسم أنه أجاز العجين بالعجين مثلا بمثل ورواه عن مالك ورواه أشهب في العتبية عن عيسى عن بن القاسم أنه قال في الدقيق بالعجين لا يجوز مثلا بمثل ولا متفاضلا ولا على التحري قال ثم رجع فقال إن تحرى فلا بأس به وذكر بن المواز في اللحم الطري باليابس أنه لا يجوز متفاضلا ولا مثلا بمثل ولا على التحري ورواه عن مالك وبه قال أصبغ وقال بن وهب لا بأس به ورواه عن مالك وبه قال أبو زيد بن أبي الغمر قال أبو عمر لا يجوز العجين بالعجين ولا الدقيق بالدقيق ولا اللحم الطري باليابس لا مثلا بمثل ولا متفاضلا استدلالا بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الرطب بالتمر لأن معنى قوله صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا يبس فالتقدير للاستفهام يقول أليس الرطب ينقص إذا يبس فكيف يباع بالتمر والمماثلة المأمور بها فيهما لا يوقف على حقيقتها والتفاضل المنهي عنه فيهما لا يؤمن وقد أجمعوا أن كل ما حرم فيه التفاضل لا يباع منه كيل بجزاف ولا معلوم

بمجهول ولا مجهول بمجهول كما ذكرنا كذلك لا شك فيه وبالله التوفيق باب ما جاء في المزابنة والمحاقلة مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى بن أبي أحمد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر في رؤوس النخل والمحاقلة كراء الأرض بالحنطة مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة واستكراء الأرض بالحنطة قال بن شهاب فسألت سعيد بن المسيب عن استكراء الأرض بالذهب والورق فقال لا بأس بذلك

قال أبو عمر هذه الآثار الثابتة متفقة في أن المزابنة اشتراء الرطب من التمر باليابس من التمر وشراء العنب بالزبيب وهذا قول جمهور العلماء إلا ما ذكرنا عن أبي حنيفة ومن قاس قياسه في الرطب بالتمر وكل ما كان في معنى الرطب بالتمر وفي معنى العنب بالزبيب من سائر المأكولات والمشروبات فكذلك عندهم وأما اشتراء الحنطة بالزرع فمحاقلة ومزابنة لا تجوز وكذلك التمر بالتمر في رؤوس النخل مزابنة لا تجوز عند أحد منهم وكذلك الكرم بالزبيب قال حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثني محمد بن يحيى بن أبي عمر قال حدثني سفيان بن عيينة عن بن جريج عن عطاء قال سمعت جابر بن عبد الله يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وألا يباع إلا بالدنانير أو بالدراهم إلا العرايا قال سفيان المخابرة كراء الأرض بالحنطة والمزابنة بيع ما في رؤوس النخل بالتمر والمحاقلة بيع السنبل من الزرع يعني بالحب المصفى قال أبو عمر قد قيل في المخابرة أنها كراء الأرض ببعض ما تخرجه مما يزرع فيها واختلف في اشتقاق اللفظة فقيل هي من خبير ومن قال ذلك جعل قصة خيبر منسوخة بالنهي عن المزارعة وهي كراء الأرض بالثلث والربع مما تخرجه وقيل هي من خابرت الأرض أي زارعت فيها والخبير الحراث والمزابنة قد فسرناها

والمحاقلة قيل هي من معنى المخابرة في كراء الأرض على ما وصفنا قيل وهي على معنى المزابنة بيع الزرع قائما بالحب من صنفه فقد قال بن عيينة تفسير المخابرة عندهم إن ربحوا فلهم وإن نقصوا فعلي وعليهم وأما كراء الأرض بالحنطة وبما يخرج منها بالطعام وغيره فإن الاختلاف فيه كثير قديما وحديثا وسنذكره في باب كراء الأرض من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وقد فسر مالك المزابنة في الموطإ تفسيرا منه ما اجتمع العلماء عليه ومنه ما خالفه فيه وذلك أنه قال وتفسير المزابنة أن كل شيء من الجزاف الذي لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده ابتيع بشيء مسمى من الكيل أو الوزن أو العدد قال أبو عمر هذا من قوله عند جمهور العلماء صحيح إذا كان مما يؤكل أو يشرب مما يكال أو يوزن أو كان ذهبا أو فضة وأما غير ذلك فمختلف فيه على ما نذكر منه كل شيء في بابه وموضعه إن شاء الله عز وجل إلا أن أصل مذهب مالك فيما عدا المأكول والمشروب لا يدخله مزابنة إلا من جهة القمار والمخاطرة والغرر فتدخل المزابنة عنده فيما يجوز فيه التفاضل وما لا يجوز إذا كان المقصد فيه إلى ما وصفنا من الغرر والقمار والخطر وفسر ذلك من مذهبه فقال في موطئه وذلك أن يقول الرجل للرجل يكون له الطعام المصبر الذي لا يعلم كيله من الحنطة أو التمر أو ما أشبه ذلك من الأطعمة أو يكون للرجل السلعة من الحنطة أو النوى أو القضب أو العصفر أو الكرسف أو الكتان أو القز أو ما أشبه ذلك من السلع لا يعلم كيل شيء من ذلك ولا وزنه ولا عدده فيقول الرجل لرب تلك السلعة كل سلعتك هذه أو مر من يكيلها أو زن من ذلك ما يوزن أو عد من ذلك ما كان يعد فما نقص عن كيل كذا وكذا صاعا لتسمية يسميها أو وزن كذا وكذا رطلا أو عدد كذا وكذا فما نقص من ذلك فعلي غرمه لك حتى أوفيك تلك التسمية فما زاد على تلك التسمية فهو لي أضمن ما نقص من ذلك على أن يكون لي ما زاد فليس ذلك بيعا ولكنه المخاطرة والغرر والقمار يدخل هذا لأنه لم يشتر منه شيئا بشيء أخرجه ولكنه ضمن له ما سمي من ذلك الكيل أو الوزن أو العدد على أن يكون له

ما زاد على ذلك فإن نقصت تلك السلعة عن تلك التسمية أخذ من مال صاحبه ما نقص بغير ثمن ولا هبة طيبة بها نفسه فهذا يشبه القمار وما كان مثل هذا من الأشياء فذلك يدخله وذكر في هذا الباب إلى آخره ما في معنى ما ذكرنا عنه قيل لا يخرج عن شيء مما وصفنا من أصله فلم أر وجها لذكره لأنه مسطور في الموطإ عند جميع رواته ويشهد بقول مالك في ذلك ما تعرفه العرب في لغتها لأن المزابنة مأخوذ لفظها من الزبن وهو المقامرة والدفع والمغالبة وفي معنى القمار والزيادة والنقصان حتى لقد قال بعض أهل اللغة إن القمر مشتق من القمار لزيادته ونقصانه فالمزابنة والقمار والمخاطرة شيء متداخل المعنى متقارب تقول العرب حرب زبون أي ذات دفع وقمار ومغالبة قال أبو الغول الطهوي فوارس لا يملكون المنايا إذا دارت رحى الحرب الزبون وقال معمر بن لقيط الإيادي عبل الذراع أبيازا مزابنة في الحرب يختتل الرئال والسقيا ومن هذا المعنى قول سعيد بن المسيب كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين فأخبر سعيد أن ذلك ميسر والميسر القمار وأما الشافعي رحمه الله فقال جماع المزابنة أن ينظر كل ما عقد بيعه مما الفضل في بعضه على ببعض يدا بيد ربا فلا يجوز منه شيء يعرف كيله أو وزنه بشيء جزافا ولا جزافا بجزاف من صنفه فإما أن يقول لك أضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعا فما زاد فلي وما نقص فعلي تمامها فهذا من القمار والمخاطرة وليس من المزابنة ومن حجته أن أبا سعيد الخدري روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن المزابنة

وقال المزابنة اشتراء التمر بالتمر في رؤوس النخل ففسرها بن عمر بيع التمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا وروى بن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة قال أبو عمر والمزابنة أن يبيع الرجل ثمر حائطه بتمر كيلا إن كانت نخلا أو بزبيب إن كانت كرما أو حنطة إن كانت زرعا وروى بن عيينة عن بن جريج عن عطاء عن جابر قال المزابنة أن يبيع الثمر في رؤوس النخل بمائة فرق تمرا فهؤلاء الثلاثة من الصحابة رضوان الله عليهم قد فسروا المزابنة بما تراه ولا مخالف لهم علمته والله أعلم وهذا كله أيضا عند أبي حنيفة وأصحابه مزابنة لأنه معلوم بمجهول أو مجهول بمعلوم لا يؤمن فيه التفاضل ولو كان مثلا بمثل جاز عند أبي حنيفة ولم يجز عند أبي يوسف ومحمد على ما قدمنا عنهم في بيع الرطب بالتمر ومذهب أحمد بن حنبل في هذا الباب نحو مذهب الشافعي قال لا يجوز بيع شيء من الرطب بيابس من جنسه إلا في العرايا وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل باب جامع بيع الثمر قال مالك من اشترى ثمرا من نخل مسماة أو حائط مسمى أو لبنا من غنم مسماة إنه لا بأس بذلك إذا كان يؤخذ عاجلا يشرع المشتري في أخذه عند دفعه الثمن وإنما مثل ذلك بمنزلة راوية زيت يبتاع منها رجل بدينار أو دينارين ويعطيه ذهبه ويشترط عليه أن يكيل له منها فهذا لا بأس به فإن انشقت الراوية فذهب زيتها فليس للمبتاع إلا ذهبه ولا يكون بينهما بيع قال أبو عمر لأنه عنده بيع عين لا بيع صفة مضمونة في الذمة فإذا ذهبت الرواية لم يكن له إلا الثمن الذي دفع وهذا لا يجوز عند الشافعي لأنه لا يجيز بيع عين من الأعيان في شيء من

البيوع إلا أن يكون المبتاع ينظر الشيء المبيع ويتأمله ويحيط به نظره ويعلم ما تقع عليه صفته بعينه والبيع عنده على نوعين أحدهما عين مرئية يحيط بالنظر إليها المتبايعان والآخر السلم الموصوف المضمون في الذمة فأقر به البائع له على الصفة التي لزمته وقد روي عنه أنه أجاز بيع الصفة على خيار الرؤية على ما ذهب إليه الكوفيون في ذلك وسيأتي القول في بيع الصفة في موضعه بما للفقهاء فيه إن شاء الله عز وجل وعند الكوفيين من ابتاع تمرا أو لبنا لم يره على صفة ذكرت لم يلزمه شيء منه حتى ينظر إليه فيختاره أو يرده وهذا عندهم من باب بيع الموصوف على خيار الرؤية قال مالك وأما كل شيء كان حاضرا يشترى على وجهه مثل اللبن إذا حلب والرطب يستجنى فيأخذ المتباع يوما بيوم فلا بأس به قال أبو عمر هذا لا خلاف فيه إذا اشترى على وجهه بعد النظر إليه وقد حلب اللبن وجني التمر قال مالك فإن فني قبل أن يستوفي المشتري ما اشترى رد عليه البائع من ذهبه بحساب ما بقي له أو يأخذ منه المشتري سلعة بما بقي له يتراضيان عليها ولا يفارقه حتى يأخذها فإن فارقه فإن ذلك مكروه لأنه يدخله الدين بالدين وقد نهي عن الكالى ء بالكالى ء فإن وقع في بيعهما أجل فإنه مكروه ولا يحل فيه تأخير ولا نظرة ولا يصلح إلا بصفة معلومة إلى أجل مسمى فيضمن ذلك البائع للمبتاع ولا يسمى ذلك في حائط بعينه ولا في غنم بأعيانها قال أبو عمر قوله إن فني اللبن أو الفاكهة قبل أن يستوفي المشتري ما اشترى من ذلك رد عليه البائع من ذهبه بحساب ما بقي له فلأنه على ما ذكره في الراوية من الزيت تنشق ويذهب زيتها وقد قبض المشتري بعد ما عقد عليه صفقته من تلك الراوية ينفسخ البيع فيما لم يقبض ولا يلزم للبائع أن يأتيك بمثله لأنه ليس بسلم

مضمون عليه في ذمته فإذا انفسخ البيع فيما وصفنا رجع بحصته من الثمن لأنه الواجب له وإذا وجب له كان له أن يأخذ فيه ما شاء من السلع تاجرا وإن أخذه دخله الدين بالدين لأنه دين وجب له في ذمة الذي قبض منه ثمن ما لم يوف البدل منه فإن أخذه بما يأخذ منه كان كمن قد فسخ دينه ذلك بدين وأما قوله وإن وقع في بيعهما أجل إلى آخر كلامه فإنما كره ذلك لأن الأعيان المبيعة لا يجوز الاشتراط في قبضها إلا بصفة معلومة إلا ما كان في العقار المأمون وما أشبهه وإنما يصح الأجل في بيع الصفات المضمومات وهي السلم المعلوم في صفة معلومة وكيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم وهذا لا يجوز عند الجمهور في حائط معلوم بعينه ولا في ثمن لبن بأعيانها وقد روي عن مالك أن السلم في حنطة فدية كذا معينة إذا كانت كثيرة لا تختلف في الأغلب جائز وأصل مذهبه ما في الموطإ كراهة ذلك لأنه غرر وقد كان الشافعي يقول من شرائط المسلم الذي به يصلح أن يكون ما أسلم فيه من الطعام يقول فيه من حصاد عام كذا وأنكره الكوفيون وجعلوه من باب سلم في عين معدومة غير مضمونة وهو غير جائز عند الجميع قال أبو عمر لا يختلفون في قليل جواز الغرر لأنه لا يسلم منه بيع ولا يمكن الإحاطة بكل المبيع لا ينظر ولا بصفة والأغلب في العام السلامة إن يكن في تلك كان في آخر ويأتي هذا في موضعه إن شاء الله عز وجل وسئل مالك عن الرجل يشتري من الرجل الحائط فيه ألوان من النخل من العجوة والكبيس والعذق وغير ذلك من ألوان التمر فيستثني منها ثمر النخلة أو النخلات يختارها من نخلة فقال مالك ذلك لا يصلح لأنه إذا صنع ذلك ترك ثمر النخلة من العجوة ومكيلة ثمرها خمسة عشر صاعا وأخذ مكانها ثمر نخلة من الكبيس ومكيلة ثمرها عشرة أصوع فإن اخذ العجوة التي فيها خمسة عشر صاعا وترك التي فيها عشرة اصوع من الكبيس فكأنه اشترى العجوة بالكبيس متفاضلا

قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين فقهاء الأمصار انه لا يجوز لأحد أن يستثني ثمر نخلات معدودات من حائط رجل غير معينات يختارها من جميع النخل وكذلك لا يجوز ذلك عندهم في ألوان النخيل ولا في الثياب ولا في العبيد ولا في شيء من الأشياء لأنه بيع وقع على ما لم يره المتبايعان بعينه ومعلوم أن الاختيار لا يكون إلا فيما بعضه خير من بعض وأفضل ولم يفسد البيع في ذلك من جهة ما ذكره مالك أنه يدخله بيع الثمر بالتمر متفاضلا وذكر مالك بعد هذه المسألة قال وذلك مثل أن يقول الرجل للرجل بين يديه صبر من التمر قد صبر العجوة فجعلها خمسة عشر صاعا وجعل صبرة الكبيس عشرة آصع وجعل صبرة العذق اثني عشر صاعا فأعطى صاحب التمر دينارا على أنه يختار فيأخذ أي تلك الصبر شاء قال مالك فهذا لا يصلح قال أبو عمر كذلك لا يصلح عند كل من ذكرنا قوله من العلماء في المسألة الأولى ولا يجوز عندهم للبائع أن يستثني من غنم فيبيعها أو ثياب أو عبيد أو غير ذلك واختار ذلك مالك واختلف مالك وبن القاسم في الرجل يبيع ثمر حائطه ويستثني منه تمر نخلات يختارها فقال مالك ذلك جائز رواه بن وهب وبن القاسم وأشهب وغيرهم عنه قال مالك وذلك بمنزلة الغنم يبيعها على أن يختار منها غنما فيستثنيها لنفسه وهذه المسألة ذكر فيها بن القاسم أربعين يوما فقال بن القاسم ولا يعني قوله هذا لأن الغنم بعضها ببعض متفاضلا جائز والتمر لا يجوز فيه التفاضل قال بن القاسم ولم أر أحدا من أهل المعرفة يعجبه ذلك من قولهم قال أبو عمر لم يختلف مالك وأصحابه أن المستثني للجنين في بطن أمه إذا باع الأم كالمشتري له لا يجوز ذلك لها ولم يختلفوا أنه لا يجوز لأحد أن يشتري تمرا من نخلات معدودات يختارها من حائط بعينه

واختلفوا في استثناء البائع لها من تمر الحائط فلم يجعله مالك كالمشتري لها ولم يختلفوا في الثياب والغنم أنه جائز للبائع لها من حائطه أن يستثني منها عددا وأما الفقهاء أئمة الفتوى بالعراق والحجاز والشام فلا يجيزون شيئا من ذلك كله لأن ما عدا المستثنى مجهول وبيع المجهول لا يجوز عند جميعهم وسئل مالك عن الرجل يشتري الرطب من صاحب الحائط فيسلفه الدينار ماذا له إذا ذهب رطب ذلك الحائط قال مالك يحاسب صاحب الحائط ثم يأخذ ما بقي له من ديناره إن كان أخذ بثلثي دينار رطبا أخذ ثلث الدينار الذي بقي له وإن كان أخذ ثلاثة أرباع ديناره رطبا أخذ الربع الذي بقي له أو يتراضيان بينهما فيأخذ بما بقي له من ديناره عند صاحب الحائط ما بدا له إن أحب أن يأخذ تمرا أو سلعة سوى التمر أخذها بما فضل له فإن أخذ تمرا أو سلعة أخرى فلا يفارقه حتى يستوفي ذلك منه قال أبو عمر لأنه إن فارقه قبل أن يستوفي ذلك منه عند الكالئ بالكالئ قال مالك وإنما هذا بمنزلة أن يكري الرجل الرجل راحلته بعينها أو يؤاجر غلامه الخياط أو النجار أو العمال لغير ذلك من الأعمال أو يكري مسكنه ويستلف إجارة ذلك الغلام أو كراء ذلك المسكن أو تلك الراحلة ثم يحدث في ذلك حدث بموت أو غير ذلك فيرد رب الراحلة أو العبد أو المسكن إلى الذي سلفه ما بقي من كراء الراحلة أو إجارة العبد أو كراء المسكن يحاسب صاحبه بما استوفى من ذلك إن كان استوفى نصف حقه رد عليه النصف الباقي الذي له عنده وإن كان أقل من ذلك أو أكثر فبحساب ذلك يرد إليه ما بقي له قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه فيسقط عنه الكلام عليه فقد اختلف قول مالك وأصحابه فيمن سلم في فاكهة فانقضى أيامها قبل أن يستوفي ما أسلم فيه منها فذكر سحنون عن بن القاسم أن مالكا اختلف قوله في ذلك فمرة قال يصبر فيما بقي له من السنة إلى السنة القابلة ثم رجع فقال لا بأس أن يأخذ بقية راس ماله قال بن القاسم وأنا أرى أنه بالخيار إن شاء أن يؤخره بما بقي عليه من الفاكهة إلى قابل أخره وإن شاء أخذ بقية رأس ماله وقال سحنون ليس لواحد منهما خيار وإنما له أن يأخذ حقه من الفاكهة متأخرة إلى قابل ولو كان له خيار لكان فسخ الدين في الدين

وقال أشهب هما مجبوران على الفسخ ولا يجوز لهما التأخير وأما الشافعي فقال من أسلم في رطب أو عنب فنفد حتى لا يبقى منه بالبلد الذي سلف منه شيء كان المسلف منه بالخيار بين أن يرجع بما بقي من سلفه حصته أو يؤخر ذلك إلى رطب قابل قال وقد قيل ينفسخ بحصته والله أعلم قال أبو عمر إذا انفسخ ارتفع الخيار ولم يكن له إلا أخذ رأس ماله أو ما بقي له منه بعد المحاسبة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا لم يقبض المسلم السلم حتى فات ولم يوجد مثله فالمسلم بالخيار إن شاء فسخ السلم واسترجع رأس ماله وإن شاء صبر إلى وجود مثله فإن صبر إلى وجود مثله أخذ المسلم إليه به حينئذ قال مالك ولا يصلح التسليف في شيء من هذا يسلف فيه بعينه إلا أن يقبض المسلف ما سلف فيه عند دفعه الذهب إلى صاحبه يقبض العبد أو الراحلة أو المسكن أو يبدأ فيما اشترى من الرطب فيأخذ منه عند دفعه الذهب إلى صاحبه لا يصلح أن يكون في شيء من ذلك تأخير ولا أجل قال مالك وتفسير ما كره من ذلك أن يقول الرجل للرجل أسلفك في راحلتك فلانة أركبها في الحج وبينه وبين الحج أجل من الزمان أو يقول مثل ذلك في العبد أو المسكن فإنه إذا صنع ذلك كان إنما يسلفه ذهبا على أنه إن وجد تلك الراحلة صحيحة لذلك الأجل الذي سمى له فهي له بذلك الكراء وإن حدث بها حدث من موت أو غيره رد عليه ذهبه وكانت عليه على وجه السلف عنده قال مالك وإنما فرق بين ذلك القبض من قبض ما استأجر أو استكرى فقد خرج من الغرر والسلف الذي يكره وأخذ أمرا معلوما وإنما مثل ذلك أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة فيقبضهما وينقد أثمانهما فإن حدث بهما حدث من عهدة السنة أخذ ذهبه من صاحبه الذي ابتاع منه فهذا لا بأس به وبهذا مضت السنة في بيع الرقيق قال أبو عمر قد مضى القول في عهدة الرقيق ولم يخف مالك رحمه الله أن يدخل في عهدة السنة معنى البيع والسلف

لأن ذلك كالنادر وخافه فيمن شرط النقد في عهدة الثلاث فلم يجزه وكذلك في المواضعة قال مالك ومن استأجر عبدا بعينه أو تكارى راحلة بعينها إلى أجل يقبض العبد أو الراحلة إلى ذلك الأجل فقد عمل بما لا يصلح لا هو قبض ما استكرى أو استأجر ولا هو سلف في دين يكون ضامنا على صاحبه حتى يستوفيه قال أبو عمر أما قوله لا يصلح التسليف في شيء بعينه فإن الأمة مجتمعة على أن السلف لا يكون في شيء بعينه وإنما التسليف في صفة معلومة لا يستكيل كيلا أو وزنا أو شيئا موصوفا مضمونا في الذمة إلى أجل معلوم وسنبين ذلك في باب السلم إن شاء الله عز وجل وأما قوله إلا أن يقبض المسلف ما سلف فيه عند دفعه الذهب إلى صاحبه والمعنى في ذلك أن من اشترى شيئا بعينه لا يمكن قبضه رجعة واحدة وإنما يقبض شيئا بعد شيء في الرطب وما كان مثله أو كإجازة العبد أو الدابة فإنه لا يجوز أن يشتريه بدين إلى أجل أنه كالدين بالدين ولا يجوز أن يشتريه بنقد ولا يشرع في قبض ما يمكن قبضه أو قبض أصله الذي إليه ذهب وإليه يقصد إلى شراء منفعته كالإجارة لأنه إن لم يقبضه لم يؤمن عليه الهلاك قبل القبض فيكون البائع قد انتفع بالثمن من غير عوض وأنه أيضا يشبه البيع والسلف المنهي عنه ولا أعلم خلافا أنه لا يجوز شراء عين مرئية غير مأمون هلاكها بشرط تأخير قبضها إلى أجل لا يؤمن قبله ذهابها لأنه من بيوع الغرر المنهي عنها وقد أجمعوا أن من شرط بيع الأعيان تسليم المبيع إلى المبتاع بأثر عقد الصفقة فيه نقدا كان الثمن أو دينا إلا أن مالكا وربيعة وطائفة من أهل المدينة أجازوا بيع الجارية المرتفعة على شرط المواضعة ولم يجيزوا فيها النقد وأبى ذلك جمهور أهل العلم لما في ذلك من عدم التسليم إلى ما يدخله من الدين في الدين وسيأتي القول في ذلك عند ذكره إن شاء الله تعالى ومن معنى هذا الباب أيضا ما نذكره فيه

كان بن القاسم لا يجيز عن أحد أن يأخذ من غريمه في دين له عليه ثمرا قد بدا صلاحه ولا سكنى دار ولا جارية يتواضع ويراه من باب الدين بالدين وكان أشهب يجيز ذلك ويقول ليس هذا من فسخ الدين بالدين وإنما الدين بالدين ما لم يشرع في أخذ شيء منه وهذا هو القياس ألا يكون دينا بدين إلا ما اعترف الدين طرفيه وكان الأبهري يقول القياس ما قاله أشهب وهو قول الكوفي والشافعي إذا قبض في الدين ما يبرئه إليه غريمه مما يقبض له مثله فقد خرج من الدين في الدين وفي المدونة قال مالك كان الناس يبتاعون اللحم بسعر معلوم فيأخذ المبتاع كل يوم وزنا معلوما والثمن إلى العطاء ولم ير الناس بذلك بأسا قال واللحم وكل ما يتبايعه الناس في الأسواق فهو كذلك وإن كان الثمن إلى أجل ولم يره من الدين بالدين وروى أبو زيد عن بن القاسم أن ذلك لا يجوز إلا فيما يخشى عليه الفساد إذا أخذ جميعه مثل الفاكهة وأما القمح وما كان مثله فلا يجوز قال أبو عمر هذا لا يجوز عند الشافعي وجمهور العلماء لأن المتبايعين إذا تبايعا بدين وافترقا ولم يقبض المبتاع جميع ما ابتاعه فهو فيما لم يقبضه دين بدين وجملة قول مالك في هذا الباب أنه جائز عنده أن يسلم الرجل إلى الرجل في فاكهة في أوانها ولبن في أوانه أو لحم موصوف أو كباش موصوفه أو أرادب من قمح معلومة وما أشبه هذا كله على أن يشرع في قبض ما اشترى ويقبض في كل يوم شيئا معلوما ولا بأس عنده أن يتأخر النقد فيه إلى غير الأجل البعيد فإن لم يشرع في القبض كل يوم عندما سلف وكان في ذلك تأخير لم يجز أن يتأخر الثمن باب بيع الفاكهة قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من ابتاع شيئا من الفاكهة من رطبها أو يابسها فإنه لا يبيعه حتى يستوفيه ولا يباع شيء منها بعضه ببعض إلا يدا بيد وما كان منها مما ييبس فيصير فاكهة يابسة تدخر وتؤكل فلا يباع بعضه ببعض إلا يدا بيد ومثلا بمثل إذا كان من صنف واحد فإن كان من صنفين مختلفين فلا

بأس بأن يباع منه اثنان بواحد يدا بيد ولا يصلح إلى أجل وما كان منها مما لا ييبس ولا يدخر وإنما يؤكل رطبا كهيئة البطيخ والقثاء والخربز والجزر والأترج والموز والرمان وما كان مثله وإن يبس لم يكن فاكهة بعد ذلك وليس هو مما يدخر ويكون فاكهة قال فأراه حقيقا أن يؤخذ منه من صنف واحد اثنان بواحد يدا بيد فإذا لم يدخل فيه شيء من الأجل فإنه لا بأس به قال أبو عمر أما بيع الفاكهة رطبها ويابسها فلا أعلم خلافا بعين فقهاء العراق والحجاز والشام والمشرق والمغرب أنه لا يباع شيء منها قبل القبض وهو الاستيفاء وقبض الشيء منها أن يبرأ البائع منه إلى مبتاعه ويمكنه من قبضه والأصل في ذلك نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفي وسيأتي هذا الحديث في موضعه من هذا الكتاب والقول فيه إن شاء الله عز وجل وما يدخر من المأكول وما لا يدخر طعام كله فواجب إلا يباع شيء منه حتى يستوفي وأما التفاضل في المأكول والمشروب فالذي ذهب إليه مالك وأصحابه في ذلك هو أن كل ما يؤكل أو يشرب إذا كان يدخر وييبس في الأغلب فإن الربا فيها يدخله إذا كان واحدا من وجهين وهما التفاضل والنسيئة فإن كانا جنسين مختلفين فلا ربا فيهما إلا في النسيئة وجائز بيع بعض ذلك ببعض متفاضلا يدا بيد وأما ما لا ييبس ولا يدخر مثل التفاح والإجاص والكمثري والرمان والخوخ والموز والبطيخ وما أشبه ذلك مما قد اختلفت أسماؤه فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد جنسا واحدا كان أو جنسين والجنس هو الصنف عندهم فالرمان صنف غير التفاح والتفاح صنف غير الخوخ وما أشبه ذلك على عرف الناس

وأصل ما ذهب إليه مالك في ذلك ما نقلته الكافة وروته الجماعة من نقل العدول من حديث عبادة وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد ومن زاد أو ازداد فقد أربى وبيع الذهب بالورق كيف شئتم يدا بيد فلم يذكر من الطعام إلا ما يدخر وييبس وحرم في الجنس الواحد التفاضل والنسيئة معا وفي الجنس حرم النسيئة فقط وبالله التوفيق وأما الشافعي فالمأكول كله والمشروب كله كان مما يدخر أو لم يكن لا يجوز عنده شيء منه بشيء من جنسه وصنفه متفاضلا لا يجوز عنده رمانة برمانتين ولا تفاحة بتفاحتين ولا بطيخة ببطيختين يدا بيد ويدخله الربا في الجنس الواحد في الوجهين النسيئة والتفاضل على حسب ما هو عند مالك فيما يدخر من الطعام فإذا اختلف الجنسان جازا متفاضلين يدا بيد والطعام المدخر وغير المدخر والمقتات وغير المقتات من المأكولات عنده سواء لا يجوز منه شيء بأكثر من وزنه إن كان يوزن أو كيله إن كان يكال وفي الجنس الواحد وإذا اختلف الجنسان جاز التفاضل دون النسيئة والخلاف بينه وبين مالك في هذا الباب إنما هو فيما يدخر من الفاكهة وما أشبهها واختلف قول مالك وأصحابه في البيض على قولين أحدهما أنه لا يجوز فيه التفاضل يدا بيد والأخرى أنه يجوز متفاضلا يدا بيد والمشهور من مذهبه أن البيض مما يدخر لا يجوز منه واحدة باثنتين وأجاز بيع الصغير بالكبير منه وقال في بيض الدجاج والأوز وبيض النعام إذا تحرى أن يكون مثلا بمثل جاز وأما أبو حنيفة وأصحابه فالجنس عندهم بانفراده تحرم فيه النسيئة وكذلك الكيل والوزن كل واحد منهما بانفراده تحرم فيه النسيئة

وأما التفاضل فلا يحرم إلا بإجماع الجنس والكيل والوزن فلا يجوز عندهم العصفر بالعصفر ولا القطن بالقطن ولا الحديد بالحديد إلا مثلا بمثل يدا بيد كالمأكول عند الجميع من الجنس الواحد فإن اختلف الجنسان جاز فيهما التفاضل دون النسيئة كالذهب والورق وروي عن عمار بن ياسر من طريق ليس بالقوي جدا أنه قال كل ما كيل أو وزن ألا يباع صنف منه بصنف آخر إلا مثلا بمثل وما لا يكال ولا يوزن فلا ربا فيه إلا في النسيئة وهو قول إبراهيم وأجاز أبو حنيفة وأصحابه بيع تمرة بتمرتين وبيضة ببيضتين وجوزة بجوزتين إذا كانت شيئا بعينه قد خرج على الكيل والوزن وهو قول الأوزاعي في البيضة بالبيضتين والجوزة بالجوزتين وقال الشافعي والثوري لا يجوز تمرة بتمرتين ولا بتمرة أكبر منها لأن الأصل في التمر تحريم التفاضل واحتج من أجاز ذلك بأن مستهلك التمرة والتمرتين يلزمه فيها القيمة دون المثل لأنه لا مكيل ولا موزون لأن أصله الكيل ولا يدرك بالكيل ولا يصرف المكيل عندهم إلى الوزن وقال بن أبي ليلى لا يجوز رطل سمك برطلين وأما أحمد بن حنبل فقال لا أنظر في هذا الباب إلى الكيل والوزن إذا كان مما لا يؤكل ولا يشرب ولا ينظر إلى ما يؤكل ويشرب إذا كان مما لا يأخذه الكيل والوزن وإنما الربا فيما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب على قول سعيد بن المسيب وما عدا ذلك فلا بأس به يدا بيد ونسيئة وهذا كان قول الشافعي ببغداد ثم ضم بمصر إلى ما يكال أو يوزن ما لا يؤكل أو يشرب وإن كان مما لا يوزن ولا يكال لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطعام بالطعام إلى مثلا بمثل وهذا محمول على الجنس الواحد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم الذهب بالورق والبر بالشعير كيف شئتم يدا بيد إلا ما اختلفت ألوانه وسنذكر الحديث في ذلك في باب بيع الطعام إن شاء الله عز وجل

قال أبو عمر قول سعيد بن المسيب لا ربا إلا في كذا يدل على أن ذلك توقيف لا رؤيا والله أعلم وسيأتي حديثه ذلك في موضعه إن شاء الله عز وجل باب بيع الذهب بالفضة تبرا وعينا مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السعدين أن يبيعا آنية من المغانم من ذهب أو فضة فباعا كل ثلاثة بأربعة عينا أو كل أربعة بثلاثة عينا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيتما فردا قال أبو عمر السعدان سعد بن مالك وسعد بن عبادة وقد ذكرنا في التمهيد شاهد ذلك ومعنى هذا الحديث يتصل من حديث عبادة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع العلماء على أن الذهب تبره وعينه سواء لا يجوز التفاضل في شيء منه وكذلك الفضة بالفضة تبرها وعينها ومصنوع ذلك كله ومضروبه لا يحل التفاضل في شيء منه وعلى ذلك مضى السلف من العلماء والخلف إلا شيئا يسيرا يروى عن معاويه من وجوه أنه كان لا يرى الربا في بيع العين بالتبر ولا بالمصنوع وكان يجيز في ذلك التفاضل ويذهب إلى أن الربا لا يكون في التفاضل إلا في التبر بالتبر وفي المصنوع بالمصنوع وفي العين بالعين ألا ترى ما ذكره مالك في هذا الباب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل فقال له معاوية ما أرى بمثل هذا بأسا فقال أبو الدرداء من يعذرني من معاوية أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه

لا أساكنك بأرض أنت بها ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن وتمام الحديث يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى قال أبو عمر السنة المجتمع عليها من نقل الآحاد ونقل الكافة خلاف ما كان يذهب إليه معاوية أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت وكان عقبيا بدريا أحديا نقيبا من نقباء الأنصار بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يخاف في الله لومة لائم قام بالشام خطيبا فقال أيها الناس إنكم قد أحدثتم بدعا لا أدري ما هي إلا أن الفضة بالفضة وزنا بوزن تبرها أو عينها والذهب بالذهب وزنا بوزن تبره أو عينه وذكر تمام الحديث ورواه همام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكي عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها وذكر تمام الحديث في باب الطعام بالطعام إن شاء الله عز وجل وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني عبيد الله بن عمر قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال كنت في حلقة بالشام فيها مسلم بن يسار فجاء أبو الأشعث فقلت له حدث أخانا حديث عبادة قال غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس فتنازع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت ذلك فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين من زاد وازداد فقد أربى فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال ما بال رجال

يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهدها ونصحبه فلم نسمعها منه فقام عبادة فأعاد القصة ثم قال والله لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية وقال وإن زعم معاوية لا أبالي أن أصحبه في جنده ليلة سوداء حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أحمد بن إسحاق عن وهيب عن يحيى بن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلا سواء بسواء وأمرنا أن نبيع الذهب بالفضة كيف شئنا يعني يدا بيد ومن اصح ما في هذا الباب حديث مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز ومثله أيضا حديث مالك عن حميد بن قيس المكي عن مجاهد أنه قال كنت مع عبد الله بن عمر فجاءه صائغ فقال له يا أبا عبد الرحمن إني أصوغ الذهب ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه فأستفضل من ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله عن ذلك فجعل الصائغ يردد عليه المسألة وعبد الله ينهاه حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها ثم قال عبد الله بن عمر الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم ألا ترى أن بن عمر جعل قول النبي صلى الله عليه وسلم الدينار بالدينار بما فهم من

مخرجه كالمصوغ بالدنانير وأرسله حجة على ذلك وقال أنه عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن في هذا الباب إلا حديث نافع عن أبي سعيد الخدري كان حجة بالغة لثبوته وبيانه وقد رواه بن عمر عن أبي سعيد الخدري ومع بن عمر كان نافع إذ سمعه من أبي سعيد وكذلك رواه أيوب وعبيد الله ويحيى بن أبي كثير وغيرهم عن نافع قال دخلت مع بن عمر على أبي سعيد فذكر الحديث وقد ذكرته بطرقه في التمهيد وفيه تحريم الشفوف بعضها على بعض في الذهب بالذهب والورق بالورق وكذلك يقتضي قليل الزيادة وكثيرها وأما قوله فيه ولا يباع منها غائب بناجز فقد اختلف العلماء من معناه في تعاطي الدنانير من الدراهم والدراهم من الدنانير وسنذكره في باب بيع الطعام إلى أجل بطعام لأن فيه القول في تقاضي الطعام واختلفوا من ذلك في الدينين يصارف عليهما فقال مالك من كان له على أحد دراهم وعلى الآخر دنانير جاز أن يشتري أحدهما ما عليه بما على الآخر من الافتراق وإن كانا لم يفترقا وهو قول بن القاسم وقال أبو حنيفة يجوز في الحال وفي غير الحال وقال الشافعي والليث لا يجوز في الحال ولا في غير الحال لأنه غائب بغائب وإذا لم يجز غائب بناجز أحرى أن لا يكون غائبا بغائب وهو قول بن وهب وبن كنانة وقد روي عن الشافعي في ذلك مثل قول مالك وبن القاسم قال أبو عمر إذا اجتمع المتصارفان فالذمم كالعين إذا لم يفترقا إلا وقد تفاضلا في صرفها ذلك يشهد له حديث بن عمر كنت أبيع الإبل بالبقيع فآخذ من الدنانير دراهم الحديث نذكره عند ذكرنا تقاضي الطعام من ثمن الطعام إن شاء الله عز وجل ومن معنى حديث بن عمر عن الصائغ مسألة رواها جماعة من أصحاب مالك وهي مسألة سواء منكرة لا يقول بها أحد من فقهاء المسلمين

وقد روي عن كثير من أصحاب مالك وبعضهم يرويه عن مالك في التاجر يحفزه الخروج وبه حاجة إلى دراهم مضروبة أو دنانير مضروبة فيأتي دار الضرب بفضته أو ذهبه فيقول للضراب خذ فضتي هذه أو ذهبي وخذ قدر عمل يدك وادفع إلي دنانير مضروبة في ذهبي أو دراهم مضروبة في فضتي هذه لأني محفوز للخروج وأخاف أن يفوتني من أخرج معه قال إن كان ذلك لضرورة خروج الدفعة ونحو ذلك فأرجو ألا يكون به بأس وقال سحنون عن بن القاسم أراه خفيفا للمضطر ولذي الحاجة وقال بن وهب وذلك ربا فلا يحل منه شيء وقال عيسى بن دينار لا يصلح هذا ولا يعجزني وقال سائر الفقهاء لا يجوز شيء من ذلك وهو ربا لأنه أعطى في المضروب أكثر من وزن الفضة ومن ازداد فقد أربى وفي قوله في حديث مالك عن يحيى بن سعيد أربيتما فردا دليل على أن البيع الحرام مردود أبدا فإن فات رجع فيه إلى القيمة عند الفقهاء مالك عن موسى بن أبي تميم عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما مالك أنه بلغه عن جده مالك بن أبي عامر أن عثمان بن عفان قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين وهذا الحديث قد ذكرناه مسندا متصلا في التمهيد ومعناه في هذا الباب مسند ثابت قديم وأما قوله فيه بالدينارين وبالدرهمين لفظ مجمل تفسيره قوله صلى الله عليه وسلم ولا تشفوا بعضها على بعض وقوله عليه الصلاة والسلام من زاد فقد أربى ولا أعلم خلافا بين أئمة الأنصار بالحجاز والعراق وسائر الآفاق في أن

الدينار لا يجوز بيعه بالدينارين ولا بأكثر منه وزنا ولا الدرهم بالدرهمين ولا بشيء من الزيادة عليه إلا ما كان عليه أهل مكة قديما وحديثا من إجازتهم التفاضل في ذلك إذا كان يدا بيد أخذوا ذلك عن بن عباس رضي الله عنه فإنه كان يقول لا بأس بالدرهم بالدرهمين وإنما الربا في النسيئة لما رواه عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا ربا إلا في النسيئة حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال سمعت بن عباس يقول أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما الربا في النسيئة قال قاسم وحدثني محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثني بن أبي عمر العدني قال حدثني سفيان بن عيينة فذكره وروي ذلك عن بن عباس عن أسامة بن زيد من وجوه منها ما رواه بن عيينة عن خالد الحذاء عن عكرمة عن بن عباس عن أسامة بن زيد عن النبي عليه الصلاة والسلام قال أبو عمر لم يتابع بن عباس على تأويله في قوله في حديث أسامة هذا أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من بعدهم من فقهاء المسلمين إلا طائفة من المكيين أخذوا ذلك عنه وعن أصحابه وهم محجوجون بالسنة الثابتة التي هي الحجة على من خالفها وجهلها وليس أحد بحجة عليها وقد روي عن بن عباس أنه رجع عن ذلك وقال لا علم لي بذلك إنما أسامة بن زيد أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما الربا في النسيئة وروى معمر عن عمرو بن دينار عن أبي صالح قال لقي أبو سعيد الخدري بن عباس فقال له أرأيت ما تفتي به الناس من الصرف أشيء وجدته في كتاب الله أم سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولا في كليهما وأنتم أصحاب رسول الله أعلم به مني ولكن أسامة بن زيد أخبرني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الربا في النسيئة=

8. الاستذكار
المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

ورواه بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي سعيد مثله وقال بن عيينة قال بن عباس سددت عليكم أبواب الربا فأنشأتم تطلبون مخارجها قال أبو عمر حديثه عن أسامة صحيح ولكنه وضعه غير موضعه وحمله على غير المعنى الذي له أتى ومعنى الحديث عند العلماء أنه خرج على جواب سائل سأل عن الذهب بالورق أو البر بالتمر أو نحو ذلك مما هو جنسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ربا إلا في النسيئة فسمع أسامة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع سؤال السائل فنقل ما سمع والله أعلم والدليل على صحة هذا التأويل إجماع الناس ما عدا بن عباس عليه وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما وقوله عليه السلام لا تبيعوا الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلا مثلا بمثل يدا بيد ولا تبيعوا بعضها على بعض رواه أبو سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا المسدد قال حدثنا حماد عن سليمان الريعي عن أبي الجوزاء قال سمعت بن عباس وهو يأمر بالضرب الدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين يدا بيد فقدمت العراق فابتليت الناس بذلك ثم بلغني أنه نزل عن ذلك فقدمت مكة فسألته فقال إنما كان ذلك رأيا مني وهذا أبو سعيد يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه وروى بن عيينة عن فرات القزاز قال دخلنا على سعيد بن جبير نعوده فقال له عبد الملك بن ميسرة الرزاد كان بن عباس نزل عن الصرف فقال سعيد عهدي به قبل أن يموت بسته وثلاثين يوما وهو يقوله وما رجع عنه قال أبو عمر رجع بن عباس أو لم يرجع بالسنة كفاية عن قول كل أحد ومن خالفها جهلا بها رد إليها قال عمر بن الخطاب ردوا الجهالات إلى السنة وروى بن علية عن خالد عن بن سيرين عن الهذيل بن أخيه عن بن عباس عن الصرف فرجع فقلت إن الناس يقولون فقال الناس يقولون ما شاؤوا

وروى الثوري عن أبي هاشم الواسطي عن زياد قال كنت مع بن عباس في الطائف فرجع عن الصرف قبل أن يموت بسبعين يوما وروى هشيم عن أبي حرة قال سأل رجل بن سيرين عن شيء فقال لا علم لي به فقال الرجل أحب أن تقول فيه برأيك فقال إني أكره أن أقول فيه برأيي فربما قلت فيه برأيي ثم فسد إلى غيره فأطلبك فلا أجدك إن بن عباس قد رأى في الصرف رأيا ثم رجع عنه وأما حديث مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقد ذكرناه فيما تقدم من هذا الباب إلى قول أبي الدرداء لمعاوية لا أساكنك بأرض أنت بها ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فكتب عمر إلى معاوية ألا يبيع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن قال أبو عمر لا أعلم هذه القصة روي أنها عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار لم يروه من وجه آخر فيما علمت وليست محفوظة معروفة إلا لمعاوية مع عبادة بن الصامت قال حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا إسماعيل بن خالد عن حكيم بن جابر عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذهب بالذهب مثلا بمثل الكفة بالكفة والفضة بالفضة مثلا بمثل الكفة بالكفة والبر بالبر مثلا بمثل يدا بيد والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا بيد قال حتى ذكر الملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد قال معاوية إن هذا لا يقول شيئا فقال عبادة إني والله ما أبالي ألا أكون بأرضكم وروى عبد الرزاق عن الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت قال كان معاوية يبيع الآنية من الفضة بأكثر من وزنها فقال عبادة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن وذكر تمام الحديث يأتي في باب البر بالشعير إن شاء الله تعالى والقصة بذلك سواء ترد عن عبادة مع معاوية فذكرنا كثيرا منها في التمهيد في حديث خلف بن قاسم قال حدثني عبد الرحمن بن عمر البجلي قال حدثني أبو زرعة الدمشقي قال حدثني محمد بن المبارك عن يحيى بن حمزة عن برد بن سنان عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب أن عبادة بن الصامت أنكر على معاوية

شيئا فقال لا أساكنك بأرض أنت بها ورحل إلى المدينة فقال له عمر ما أقدمك فأخبره فقال أرجع إلى مكانك فقبح الله أرضا لست أنت فيها ولا أمثالك وكتب إلى معاوية لا إمارة لك عليه قال أبو عمر في هذا الموضع في هذا الباب عن نافع عن بن عمر وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا شيئا منها غائبا بناجز وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره إني أخاف عليكم الرماء والرماء هو الربا مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد أنه قال قال عمر بن الخطاب الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والصاع بالصاع ولا يباع كالى ء بناجز وعلى هذا جماعة أهل العلم والحمد لله وعن أبي بكر الصديق أنه كتب إلى عماله لا يشترى الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وروى معمر عن إبي إسحاق الهمداني قال سئل علي رضي الله عنه عن الدرهم بالدرهمين والصاع بالصاعين يدا بيد فقال ذلك الربا العجلان يعني من صنف واحد وروى حماد بن زيد عن بن أبي نجيج عن مجاهد عن ثلاثة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبي بن كعب نحو قول علي وأما قول عمر وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره فإن العلماء قد اختلفوا من معناه في كيفية قبض الصرف فقال مالك لا يصلح الصرف إلا يدا بيد فإن لم ينفذه ومكث معه غدوة من إلى ضحوه قاعدا وقد تصارفا غدوة فتقابضا ضحوة لم يصح

هذا ولا يصلح الصرف إلا عند الإيجاب بالكلام ولو انتقلا من ذلك الموضع إلى موضع غيره لم يصح تقابضهما وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما يجوز التقابض في الصرف ما لم يفترقا وبينهما شيء وإن طالت المدة وانتقلا إلى مكان آخر وحجة مالك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء فهذا يدل على العود لا على التراخي وحجة الشافعي والكوفيين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه روى الحديث ثم قال لطلحة والله لا تفارقه حتى تأخذ وقال أيضا ولو استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره فدل على المفارقة بالأبدان مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول لا ربا إلا في ذهب أو فضة أو ما يكال أو يوزن بما يؤكل أو يشرب قال أبو عمر قال مالك رحمه الله لم يكن أحد من التابعين أعلم بالبيوع من سعيد بن المسيب وإنما أخذ ربيعة العلم بها منه وروى هشام الدستوائي عن قتادة قال ما رأيت أحدا من الفقهاء أعلم بالحلال والحرام من سعيد بن المسيب قال أبو عمر قد مضى كثير من معنى هذا الخبر وجملة مذاهب العلماء في ذلك أن الذهب والورق يدخلهما الربا في الجنس الواحد من وجهين على ما تقدم ذكرنا له وهما التفاضل والنسيئة فلا يجوز ذهب بذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد وكذلك الورق بالورق فأما الجنسان بعضها ببعض كالذهب بالورق فجائز التفاضل فيهما بإجماع من العلماء ولا يجوز فيهما النسيئة بإجماع أيضا من العلماء وأما ما يؤكل ويشرب فقد مضى القول في ذلك في باب بيع الفاكهة واما ما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب فإن مالكا قال الأمر عندنا فيما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب نحو العصفر والنوى والحنطة والكتم وما أشبه ذلك أنه لا بأس باثنين بواحد يدا بيد ولا يجوز اثنان بواحد إلى أجل

ولا باس برطلي حديد برطل حديد يدا بيد ولا يجوز بنسيئة وإن اختلف الصنفان فبان اختلافهما فلا بأس به اثنان بواحد إلى أجل يجوز في ذلك النسيئة والتفاضل وإن كان الصنف منه بنسيئة الصنف الآخر وإن اختلفا في الاسم مثل الشبة والرصاص والآنك فإني أكره اثنين بواحد إلى أجل ولمالك في الموطأ أربعة أبواب في هذا المعنى سيتكرر القول فيها بأوضح وأبلغ إن شاء الله عز وجل وأما الشافعي فلم يعد ما قاله سعيد بن المسيب في هذا الباب ولا ربا عنده في غير ما ذكره سعيد إلا ما ذكرنا عنه أنه ذهب إليه بمصر من ضم ما لا يكال ولا يوزن من الطعام إلا ما يكال ويوزن ربا قال الشافعي كل ما يخرج من المأكول والمشروب والذهب والفضة فلا بأس ببيع بعضه ببعض متفاضلا أو إلى أجل كان من صنف واحد أو من صنفين لا بأس عنده برطل حديد برطلي حديد وببعير ببعيرين إذا دفع العاجل ووصف الآجل وأما أبو حنيفة فقد تقدم عنه أيضا أن الكيل والوزن كل واحد منهما مما لا يؤكل ولا يشرب عنده يجري فيه الربا كما يجري في المأكول والمشروب وأما داود بن علي فلا ربا عنده إلا في النسيئة إلا الأشياء المنصوصة في الحديث وهي الذهب والورق والبر والشعير والتمر والبلح لا يجوز في الجنس الواحد منها عنده التفاضل دون النسيئة وما عداها من كل شيء يكال او يوزن أو يؤكل أو يشرب أو لا يكال ولا يوزن ولا يؤكل ولا يشرب لا يدخله الربا بوجه من الوجوه وجائز بيع ذلك كله عنده كيف شاء المتبايعون على عموم قول الله عز وجل وأحل الله البيع وحرم الربوا البقرة ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الربا في حديث عمر بن الخطاب ويأتي ذكره في باب الصرف إن شاء الله تعالى وفي حديث عبادة وقد تقدم وأما الحيوان فاختلاف العلماء هل يدخله الربا في بيع بعضه ببعض بنسيئة يدا بيد وسيأتي في بابه إن شاء الله عز وجل وقال سفيان الثوري سلف ما يكال فيما يوزن وما يوزن فيما يكال وسلف الحنطة في القطن وقال الأوزاعي لا يجوز بيع النحاس المكسور بإناء نحاس معمول وزيادة دراهم لا يجوز إلا وزنا بوزن

وقال لا بأس بإبريق رصاص بإبريق رصاص لأنه قد خرج عن الورق ولا بأس ببيع النحاس بالفلوس وقال الليث تفسير الربا أن كل ما ينتفع به الناس من كل صنف من الأصناف وإن كان من الحجارة أو التراب وكل واحد من صنف تلك الأصناف بمثليه من صنفه إلى أجل هو الربا أو واحد بمثله وزيادة شيء إلى أجل ربا قال أبو عمر وهذا مذهب مالك وأصحابه وهو عندهم من باب سلف جر منفعة فإنه أقرضه واحدة بما أقرضه من ذلك للزيادة فيه من جنسه مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض قال أبو عمر كرهه مالك والليث وقالا فيه بقول سعيد بن المسيب وقال أبو حنيفة والشافعي كل ما في كسره ضرر لم أقسمه فإن رضيا بكسرة قسمته بينهما قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث علقمة بن عبد الله المزني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس وهو حديث لا يجيء إلا من وجه واحد وإسناده فيه لين حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو بكر بن سليمان ومحمد بن فضاء عن أبيه عن علقمة بن عبد الله المزني عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسر سكة المسلمين الجائزة إلا من بأس وروي عن زيد بن أسلم في قول الله عز وجل قالوا يشعيب أصلوتك تأمرك أن نترك ما يعبد اباءونا أو أن نفعل في أمولنا هود قال كان ذلك قطع الدراهم والدنانير وروى بن القاسم وبن وهب وأشهب عن مالك أنه سئل عن قطع الدنانير والدراهم فقرأ قالوا يا شعيب أصلوتك تأمرك أن نترك ما يعبد أباؤنا أو أن نفعل في

أمولنا ما نشؤا هود يعني أن هذه الآية يراد بها نهي شعيب عليه السلام قومه عن قطع الدنانير والدراهم قال مالك وهو من الفساد في الأرض وفيه العقوبة من السلطان لمن قدر عليه وهو قول الليث قال أبو عمر قد روي عن مجاهد في قوله تعالى أو أن نفعل في أمولنا ما نشؤا هود قال الزكاة وعن غيره وهو النعش الذي كانوا يفعلونه وروى عبد الرزاق قال أخبرنا يحيى بن ربيعة قال سمعت عطاء بن أبي رباح يقول وسئل عن قول الله عز وجل وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض النمل قال كانوا يقرضون الدراهم قال وأخبرنا داود بن قيس عن خالد بن أبي ربيعة عن أبيه أن الزبير حين قدم مكة وجد رجلا يقرض الدراهم فقطع يده قال مالك ولا بأس أن يشتري الرجل الذهب بالفضة والفضة بالذهب جزافا إذا كان تبرا أو حليا قد صيغ فأما الدراهم المعدودة والدنانير المعدودة فلا ينبغي لأحد أن يشتري شيئا من ذلك جزافا حتى يعلم ويعد فإن اشترى ذلك جزافا فإنما يراد به الغرر حين يترك عده ويشتري جزافا وليس هذا من بيوع المسلمين فأما ما كان يوزن من التبر والحلي فلا بأس أن يباع ذلك جزافا وإنما ابتياع ذلك جزافا كهيئة الحنطة والتمر ونحوهما من الأطعمة التي تباع جزافا ومثلها يكال فليس بابتياع ذلك جزافا بأس قال أبو عمر أجاز أكثر العلماء بيع الذهب بالورق جزافا عينا كان ذلك أو تبرأ دراهم كانت أو دنانير والمصوغ وغيره في ذلك سواء لأن التفاضل بينهما حلال جائز وإذا جاز الدينار بأضعافه دراهم جاز الجزاف في ذلك يدا بيد كما يجوز القصد إلى المفاضلة بينهما يدا بيد وإلى هذا ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وداود ولم يجعلوه قمارا ولا غررا وأما قول مالك إن التبر والحلي تباع جزافا كما تباع الحنطة والتمر فهذا عنده على أن يكون البائع لا يعلم وزن الحلي والتبر ولا وزن الحنطة والتمر فإن

علمه ولم يعلمه المبتاع لم يجز عنده إلا كما يجوز بيع ما دلس فيه بعيب وقد قال بقول مالك في ذلك الأوزاعي وطائفة وأما الشافعي و أبو حنيفة وأصحابهما وداود فذلك عندهم جائز وستأتي هذه المسألة أيضا في موضعها إن شاء الله عز وجل قال مالك من اشترى مصحفا أو سيفا أو خاتما وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم فإن ما اشترى من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كانت قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدا بيد ولا يكون فيه تأخير وما اشترى من ذلك بالورق مما فيه الورق نظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدا بيد ولم يزل ذلك من أمر الناس عندنا قال أبو عمر أما اختلاف العلماء في هذه المسألة فإن أبا حنيفة وأصحابه قالوا لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بعضه أكثر مما فيه من الفضة ولا يجوز بيعه بفضة مثلها أو أقل منها ويحتاج إلى أن يقبض حصة الفضة في المجلس ويقبض السيف وهو قول الثوري والحسن بن صالح بن حي وقال الأوزاعي إذا كان الفضل من النصل وكانت الحية تبعا جاز شراؤه نقدا أو نسيئة وهو قول ربيعة وأما الشافعي وأصحابه فلا يجوز عندهم أن يباع شيء فيه حلية فضة قليلا كان أو كثيرا بشيء من الفضة بحال من الأحوال لأن المماثلة المأمور بها والمفاضلة المنهي عنها في الفضة بالفضة لا يوقف منها في السيف وما كان مثله على حقيقته ولما أجمعوا أنه لا يجوز في كل ما يحرم فيه التفاضل أن يباع شيء منه مجهول بمجهول أجمعوا أنه لا يجوز في كل ما يحرم فيه التفاضل شيء منه مجهول بمجهول أو معلوم بمجهول لم يجز السيف المحلى وما كان مثله من فضة إن كانت الحلية فضة بحال ولا بذهب إلى أجل والثلث وأقل منه وأكثر في ذلك سواء

وقد اختلف أصحاب مالك في السيف المحلى بفضة يباع بفضة إلى أجل والحلية الثلث فدون أو سيف محلى بذهب يبتاع بذهب إلى أجل أو يباع بأحدهما إلى أجل ففي المدونة قال بن القاسم نزلت بمالك فلم يرد البيع قال بن القاسم وأنا أرى أن يرد فإن فات مضى لأن ربيعة يجيز بيعه بذهب إلى أجل قال بن القاسم وعليه القيمة إن فات وذكر بن المواز عن بن القاسم لا يجوز إلى أجل أو يفسخ قال وقاله لي مالك وبه قال بن المواز و به قال أشهب وأنا أكره ذلك بدءا فإن نزل لم أفسخه لأن الحلية إذا كانت تبعا فإنما هي كالعرض فأنا أفسخ ذلك إذا كانت ليست بتبع وفي المدونة لابن القاسم إذا كانت الفضة أكثر من قيمة النصل قال يفسخ البيع وإن كان قديما فإن فات عن السيف كان عليه قيمته من الذهب وقال سحنون عليه قيمة النصل مجردا أو يرد وزن الفضة وروى عيسى بن مسكون عن سحنون قال يفسخ البيع على كل حال لأنه ربا إلا أن تفوت العين فيكون على المشتري قيمة النصل والحفز دون الفضة باب ما جاء في الصرف مالك عن بن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري أنه التمس صرفا بمائة دينار قال فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى

اصطرف مني وأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال حتى يأتيني خازني من الغابة وعمر بن الخطاب يسمع فقال عمر والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء قال أبو عمر هذا حديث مجتمع على صحته وقد احتج به من جعل البر صنفا غير الشعير لأنه فصل بينهما بالواو الفاصلة كما فصل بين البر والتمر بواو فاصلة وسيأتي القول في بيع الشعير بالبر في موضعه إن شاء الله تعالى حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال أنه سأل زيد بن أرقم والبراء بن عازب عن الصرف فقالا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان نسيئة فهو ربا وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال أخبرنا سعيد عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي المنهال قال سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذهب بالفضة نسئا قال وحدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال أخبرنا سعيد عن أيوب عن أبي قلابة عن هشام بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذهب بالفضة نسئا ولا خلاف بين علماء الأمة أنه لا يجوز النسيئة في بيع الذهب بالورق وكذلك حكم الطعام بالطعام عند الجمهور ونذكر ذلك في باب الطعام إن شاء الله تعالى وقد تقدم معنى هاء وهاء ومعنى قول عمر والله لا تفارقة حتى تأخذ منه في الباب قبل هذا عند قول عمر وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره قال مالك إذا اصطرف الرجل دراهم بدنانير ثم وجد فيها درهما زائفا فأراد

رده انتقض صرف الدينار ورد إليه ورقة وأخذ إليه ديناره وتفسير ما كره من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء وقال عمر بن الخطاب وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره وهو إذا رد عليه درهما من صرف بعد أن يفارقه كان بمنزلة الدين أو الشيء المستأخر فلذلك كره ذلك وانتقض الصرف وإنما أراد عمر بن الخطاب أن لا يباع الذهب والورق والطعام كله عاجلا بآجل فإنه لا ينبغي أن يكون في شيء من ذلك تأخير ولا نظرة وإن كان من صنف واحد أو كان مختلفة أصنافه قال أبو عمر اختلف الفقهاء في هذه المسألة فمذهب مالك وأصحابه أنه إذا اشترى منه مائة دينار بألف درهم دينار بعشرة دراهم ثم وجد درهما زائفا فرضي به جاز وبن رده انتقض الصرف في دينار واحد وإن وجد أحد عشر درهما زيوفا انتقض الصرف في دينارين وهكذا أبدا فيما زاد وإن اشترى دراهم بدينار واحد فوجد فيها درهما واحدا زائفا فرده انتقض الصرف في الدينار وقال الثوري إذا رد الدراهم الزيوف فإن شاء أخذ منه بخمسمائة درهم أو يكون شريكا بقدر ذلك في الدينار وقال أبو حنيفة إذا افترقا ثم وجد النصف زيوفا أو أكثر من النصف فرده بطل الصرف في المردود وإن كان أقل من النصف استبدل رواه محمد في الإملاء ورواه أبو يوسف أيضا وقال أبو يوسف ومحمد والأوزاعي والليث والحسن بن حي يستبدل الرديء كله وقال زفر يبطل الصرف فيما رد قل أو كثر وعن الثوري مثل قول زفر أيضا وللشافعي قولان أحدهما يبطل الصرف كله

والآخر يستبدل وذكر أحمد بن حنبل عن الحسن وبن سيرين وقتادة أنهم قالوا يبدل لهم ما رد عليه من الرديء ولا ينتقض شيء من الصرف قال أحمد وهو أحب الأقاويل إلي قال أبو عمر من قال يستبدل احتج بأن الصرف لم يفترقا أولا فيه إلا عن قبض صحيح عندهما وكذلك الاستبدال لا يفارقه حتى يقبض منه فلم يدخل في شيء من فعلهما النساء وفي هذا المعنى جاء عن عمر بن الخطاب أنه قال إنما الربا على من أراد أن يربي رواه معمر عن أيوب عن بن سيرين عن عمر ومن قال انتقض الصرف زعم أن الزائف لم يقبض بذلك فصار كأنه أخره ومعنى قول مالك أنه ينتقض الصرف في الدينار أنه لما سمى لكل دينار من الدراهم شيئا معلوما ما لم ينتقض إلا صرف الدينار إلا أن يكون الزائف أكثر منه فينتقض على حسب ما وصفت والأصل في هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم الذهب بالورق إلا هاء وهاء ونهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الفضة بالذهب نسئا ومن هذا الباب أيضا اختلافهم في قبض الصرف فقال مالك والشافعي إذا لم يقبض البعض حتى يفترقا بطل البيع كله وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يصح في المقبوض ويبطل فيما لم يقبض واختلفوا في الصرف على ما ليس عند أحدهم في حين العقد فقال أبو حنيفة والشافعي يجوز أن يشتري دينارا بعشرة دراهم ليست عند واحد منهما ثم يستقرض فيدفعه قبل الافتراق وقال زفر لا يجوز إلا أن يعين أحدهما مثل أن يقول أشتري منك ألف درهم بهذه المائة الدينار وروي عن مالك مثل ذلك إلا أنه قال يحتاج أن يكون قبضه لما لم يعينه قريبا متصلا بمنزلة النفقة كلها منه

وكان الحسن بن حي يكره أن يبيعه دراهم بدنانير ليست عنده قال أبو عمر اتفق هؤلاء المذكورون على جواز الصرف إذا كان أحدهما دينا وقبضه في المجلس والله الموفق باب المراطلة مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه رأى سعيد بن المسيب يراطل الذهب بالذهب فيفرغ ذهبه في كفة الميزان ويفرغ صاحبه الذي يراطله ذهبه في كفة الميزان الأخرى فإذا اعتدل لسان الميزان أخذ وأعطى قال أبو عمر قد روي هذا عن بن عمر وغيره روى بن عيينة عن صدقة بن يسار قال سألت بن عمر أو سمعت بن عمر سئل عن بيع الذهب بالذهب فقال إذا اعتدل الميزان فخذ وأعط وروى بن عيينة عن وردان الرومي قال سألت بن عمر عن الذهب بالذهب فقال ضع هذا في كفة وهذا في كفة فإذا اعتدلا فخذ وأعط هذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليكم قال مالك الأمر عندنا في بيع الذهب بالذهب والورق بالورق مراطلة أنه لا بأس بذلك أن يأخذ أحد عشر دينارا بعشرة دنانير يدا بيد إذا كان وزن الذهبين سواء عينا بعين وإن تفاضل العدد والدراهم أيضا في ذلك بمنزلة الدنانير قال مالك من راطل ذهبا بذهب أو ورقا بورق فكان بين الذهبين فضل مثقال فأعطى صاحبه قيمته من الورق أو من غيرها فلا يأخذه فإن ذلك قبيح وذريعة إلى الربا لأنه إذا جاز له أن يأخذ المثقال بقيمته حتى كأنه اشتراه على حدته جاز له أن يأخذ المثقال بقيمته مرارا لأن يجيز ذلك البيع بينه وبين صاحبه قال مالك ولو أنه باعه ذلك المثقال مفردا ليس معه غيره لم يأخذه بعشر الثمن الذي أخذه به لأن يجوز له البيع فذلك الذريعة إلى إحلال الحرام والأمر المنهي عنه قال أبو عمر أما المراطلة الذي ذكر عن سعيد بن المسيب فلا خلاف بين علماء المسلمين فيها فإذا كان الذهبان متقاربين لا يدخل فيهما من غيرهما ولا

نقصان في أحد الكفتين ولا زيادة يحتاج فيها إلى وزن أو غيره لأن السنة المجتمع عليها أن المماثلة بالذهب والورق والوزن فإن كانت المراطلة ذهبا بذهب فزادت أحداهما فأخذ صاحب الزيادة فيها ورقا أو كانت المراطلة ورقا بورق فأخذ صاحب الزيادة فيها ذهبا فهو موضع اختلف في الفقهاء فمذهب مالك واصحابه أنه لا يجوز ذهب بفضة وذهب ولا ذهب وفضة بفضة على حال ولا يجوز عندهم أن يشتري ما زاد في المراطلة من أحد الذهبين بفضة ولا من أحد الفضتين بذهب ولا بغير ذلك ولا يصح عندهم مع الصرف بيع وهو قول الشافعي والليث بن سعد ولا يجوز عند مالك والليث والشافعي بيع فضة بنوعين من الفضة ولا بيع فضة بنوعين من الذهب ولا يجوز عندهم بيع ألف درهم سود بألف درهم بيض وسود ولو كانت بيض كلها بسود كلها جاز لأنه لو استحق أحد الذهبين رجع فيه إلى القيمة فيدخله التفاضل وأجاز ذلك كله أبو حنيفة وأصحابه لأنه ذهب بذهب مثلا بمثل وفضة بفضة مثلا بمثل قالوا ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بالمماثلة دل على أن الاعتبار بها في الورق لا في القيمة وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي غرر أن يشتري عشرة دراهم ودنانير باثني عشر درهما وروى نحوه عن الثوري وروي عنه انه قال كان ينبغي أن يحدث الفضل بقيمتها إزاءه وروي عن إبراهيم النخعي مثل قول أبي حنيفة والأوزاعي وإنما أجازوا ذلك لأنهم جعلوا من الأثني عشر درهما عشرة دراهم بإزاء العشرة الدراهم وجعلوا الدرهمين بإزاء الدينار ومعلوم أن الدرهمين ليستا ثمنا للدينار فيدخله التفاضل لا محالة والله أعلم ومن حجتهم أن قالوا جائز بيع دينار بدرهم يدا بيد من كل مالك لنفسه جائز الأمر في ماله فإذا جعلنا ما زاد على المماثلة من الفضة مقابلا موازنا للذهب جاز لأن قد بعنا العشرة دراهم بثلثها وزنا وإلا خرج علينا في بيع الذهب بالورق متفاضلا مثلا

وروى عبيد الله بن موسى عن الثوري قال أخبرني عثمان بن الأسود عن مجاهد قال إذا وضعت ذهبك في كفة الميزان ووضع ذهبه في الكفة الأخرى ثم اشتريت منه كذا وكذا قيراطا بدرهم فلا بأس وروى عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن عثمان بن الأسود عن مجاهد في الرجل يبيع الفضة بالفضة بينهما فضل قال يأخذ فضله ذهبا قال مالك في الرجل يراطل الرجل ويعطيه الذهب العتق الجياد ويجعل معها تبرا ذهبا غير جيدة ويأخذ من صاحبه ذهبا كوفية مقطعة وتلك الكوفية مكروهة عند الناس فيتبايعان ذلك مثلا بمثل إن ذلك لا يصلح قال مالك وتفسير ما كره من ذلك أن صاحب الذهب الجياد أخذ فضل عيون ذهبه في التبر الذي طرح مع ذهبه ولولا فضل ذهبه على ذهب صاحبه لم يراطله صاحبه بتبره ذلك إلى ذهبه الكوفية فامتنع وإنما مثل ذلك كمثل رجل أراد أن يبتاع ثلاثة أصوع من تمر عجوة بصاعين ومد من تمر كبيس فقيل له هذا لا يصلح فجعل صاعين من كبيس وصاعا من حشف يريد أن يجيز بذلك بيعه فذلك لا يصلح لأنه لم يكن صاحب العجوة ليعطيه صاعا من العجوة بصاع من حشف ولكنه إنما أعطاه ذلك لفضل الكبيس أو أن يقول الرجل للرجل يعني ثلاثة أصوع من البيضاء بصاعين ونصف من حنطة شامية فيقول هذا لا يصلح إلا مثلا بمثل فيجعل صاعين من حنطة شامية وصاعا من شعير يريد أن يجيز بذلك البيع فيما بينهما فهذا لا يصلح لأنه لم يكن ليعطيه بصاع من شعير صاعا من حنطة بيضاء لو كان ذلك الصاع مفردا وإنما أعطاه إياه لفضل الشامية على البيضاء فهذا لا يصلح وهو مثل ما وصفنا من التبر قال مالك فكل شيء من الذهب والورق والطعام كله الذي لا ينبغي أن يباع إلا مثلا بمثل فلا ينبغي أن يجعل مع الصنف الجيد من المرغوب فيه الشيء الرديء والمسخوط ليجاز البيع وليستحل بذلك ما نهي عنه من الأمر الذي لا يصلح وذكر كلاما يرد فيه المعنى واللفظ دون زيادة شيء غير ما تقدم إلى آخر الباب وبمعنى ما رسمه مالك في هذا الباب يقول الشافعي رحمه الله

قال ولو راطل مائة دينار عتق مروانية وعشرة من ضرب مكروه بمائة دينار وعشرة هاشمية فلا خير فيه من قبل أن قيم المروانية أكثر من قيم الهاشمية وهذا الذهب بالذهب متفاضلا ولا بأس أن يراطل الدنانير الهاشمية التامة بالعتق الناقصة مثلا بمثل في الوزن ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل قال الشافعي ولا يجوز مد عجوة بدرهم بمدى عجوة ولا دينار ودرهم بدينارين قال أبو عمر هذا كله مذهب مالك وأصحابه وأما البصريون والكوفيون جائز ذلك كله عندهم لآن رديء التمر وجيده لا يجوز إلا مثلا بمثل فكذلك رديء البر وجيده ورديء الورق وجيدها ورديء الذهب وجيده لا يجوز الرديء من ذلك كله والوسط والجيد إلا مثلا بمثل فإذا كانت المماثلة ولم يكن تفاضل ولا زيادة فجائز حلال عندهم وكذلك يجوز عندهم مد عجوة ودرهم بمدي عجوة لأن المد بإزاء المد الثاني بالدرهم وكذلك الفضة بالفضة والذهب بالذهب على هذا المذهب الذي قدمنا ذكره عنهم وبالله التوفيق باب العينة وما يشبهها مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه هكذا روى مالك هذا الحديث لم يذكر فيه الجزاف ورواه غيره عن نافع عن بن عمر قال كنا نبتاع الطعام جزافا فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله الحديث ورواه جماعة عن نافع عن بن عمر مرفوعا وجوزه عبد الله بن عمر وغيره وعبيد الله متقدم في حفظه حديث نافع حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بكر بن حماد وحدثني عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني بكر بن محمد بن العلاء قال حدثني زياد بن الخليل قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر قال كانوا يتبايعون الطعام جزافا في أعلى السوق فيبيعونه مكانه فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه مكانه حتى ينقلوه قال أبو عمر أما العينة فمعناها بيع ما ليس عندك من قبل أن تبتاعه طعاما كان أو غيره وتفسير ما ذكره مالك وغيره في ذلك أنها ذريعة إلى دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل كأنه قال له وقد بينا له دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل ودراهم بدنانير

أكثر منها إلى أجل فقال المسؤول للسائل هذا لا يحل ولا سبيل إليه ولكني أبيع منك في الدراهم التي سألتني سلعة كذا وكذا ليست عندي أبتاعها لك فلم يشتريها مني فيوافقه على الثمن الذي يبيعها به منه ثم يوفى تلك السلعة ممن هي عنده نقدا ثم يسلمها إلى الذي سأله العينة بما قد كان اتفق معه عليه من ثمنها فهذه العينة المجتمع عليها لأنه بيع ما ليس عندك وبيع ما لم يقبضه ولم يستوفه ولم يصره عندك طعاما كان أو غيره وربح ما لم يضمن لأنه ربح أصابه عند غيره قبل أن يبتاعه وهذا كله قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وذكر بن وهب عن مالك قال بلغني أن رجلا سأل عبد الله بن عمر فقال إني ابتعت من رجل طعاما فلما جئت ليوفيني إذا هو لا طعام عنده وإذا هو يريد أن يبتاعه لي من السوق قال عبد الله بن عمر لا آمره أن يبيعك إلا ما كان عنده ولا آمرك أن تبتاع منه إلا ما كان عنده قال مالك وذلك في العينة قال بن وهب وأخبرني مالك قال بلغني أن رجلا جاء إلى عبد الله بن عمر فقال له إن رجلا جاءني فقال لي أن ابتاع هذا البعير حتى اشتريه منك إلى أجل فقال بن عمر لا خير فيه قال وأخبرني يونس بن يزيد عن بن شهاب قال أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر أن أباه كان ينهى أن يبيع أحد سلعة حتى تكون منه قال يونس وكذلك قال أبو الزناد قال وأخبرني بن جريج أن زيد بن أسلم أخبره كنت مع بن عمر إذ سأله نحاس فقال يأتيني الرجل في بعير ليس لي فيساومني فأبيعه منه ثم ابتاعه بعد ذلك فقال بن عمر لا قال وأخبرني عبد الجبار بن عمر قال سألت بن شهاب عن العينة في الدين فقال الرجل يبيع الطعام وليس عنده قال وأخبرني يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول لا يصلح لأحد أن يبيع طعاما ليس عنده ثم يبتاعه بعد أن يوجب بيعه لصاحبه إلا أن يبيع مضمونا عليه إلى حين يرتفع فيه الأسواق قال وأخبرني الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم بن

محمد قال إذا أراد الإنسان أن يبتاع الشيء منكم فابتاعوه ثم بيعوه منه وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير قال بعت طعاما من عمر بن عثمان بنسيئة إلى أجل وبعض الطعام عندي وبعضه ليس عندي وربحت مالا كثيرا فأتاني رسولا عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس فقالا ما كان عندك فاقبضه وما لم يكن عندك فاردده وذكر بن وهب قال أخبرني عثمان بن وكيل قال سمعت عبيد الله بن عمر يقول كنت أتعين لأبي ولبعض أهلي فسألت القاسم بن محمد عن ذلك فقال لو أن رجلا أتى إلى رجل فقال إن لي حاجة براوية أو راويتين فذهب الرجل إلى السوق فابتاع الراوية أو الراويتين ثم جاء إلى صاحبه فقال عندي حاجتك وباعها منه لم أر بذلك بأسا قال وأحب إلي أن يمسكها حتى الغد قال عثمان فهذا قول حسن قال عثمان ورأيت مالك بن انس يقول أحب إلى إذا جاء الذي يطلب العينة أن يقول له ليس عندي شيء أبيعه ثم يذهب إلى السوق فيشتري ثم يأتيه بعد أن يشتري الطعام فيقول عندي حاجتك فإن وافقه ذلك الطعام باعه منه قال عثمان وأنا أرى قول بن القاسم نحوا من هذا لأنه ليس فيه رأي ولا يجده وإن وقع فيه البيع على ما وصفنا قيل للبائع إن أعطيت السلعة لمبتاعها منك بما اشتريتها منك جاز ذلك لأنه إنما أسلفه الثمن الذي ابتاعها به ولئن باعها من الذي سأله أن يشتريها له بأكثر مما اشتراها فسخ البيع إلا أن يفوت السلعة فيكون لبائعها قيمتها يوم باعها نقدا وقد روى مالك أنه لا يفسخ البيع لأن المأمون كان ضامنا للسلعة لو هلكت قال بن القاسم وأحب إلي أن لو تورع عن أخذ ما ازداد عليه قال عيسى بن دينار بل من يفسخ البيع إلا أن يفوت السلعة فيكون فيها القيمة قال أبو عمر على هذا سائر الفقهاء بالعراق والحجاز وهو قول مالك لو كانت السلعة طعاما لم يختلف قوله في ذلك لأنه باع طعاما ليس عنده قبل أن يستوفيه وكأنه حمل نهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وبيع ما ليس عندك على الطعام يتعين وشك في غير الطعام والله أعلم

وحمله عشرة من العلماء على العموم في بيع ما ليس عند البائع وهو الأحوط وبالله التوفيق قال أبو عمر تفسير ما ذكرنا في العينة فأما لفظ نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ولفظ عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي عليه السلام من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه فالمعنى في ذلك سواء لأن الاستيفاء بالكيل والوزن هو القبض لما يكال أو يوزن قال الله عز وجل أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين الشعراء وقال فأوف لنا الكيل وتصدق علينا يوسف وقال وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون المطففين ولم يختلف العلماء في كل ما يكال أو يوزن من الطعام كله والآدام أنه لا يجوز بيعه لمن ابتاعه على الكيل والوزن حتى يقبضه كيلا أو وزنا وكذلك الملح والكزبر وزريعة الفجل الذي فيه الزيت المأكول فإن لم يكن فيها زيت فيؤكل فهي كزريعة الكراث والجزر والبصل وما أشبه ذلك مما ليس بطعام فلا بأس عند مالك وأصحابه ببيع ذلك قبل استئنافه واختلف أصحابنا في التوابل والحلبة والشونيز وما أشبه ذلك على ما قد ذكرنا عنهم في كتاب اختلاف قول مالك وأصحابه وكذلك الطعام إذا بيع جزافا صبرا على غير الكيل لا بأس عند مالك ويبيعه قبل قبضه وقبل انتقاله من موضعه وقد روي عنه أنه استمد قوله انتقاله لكل من ابتاعه قبل أن يبيعه وقول الأوزاعي في ذلك كقول مالك في الطعام إذا ابتيع جزافا وقال أبو ثور وأحمد بن حنبل وداود أما الطعام كله فلا يباع شيء منه حتى يستوفيه الذي ابتاعه سواء اشتراه على الكيل أو الجزاف وينتقله ويقبضه مما يقبض به مثله قالوا وأما غيره من العروض كلها فجائز بيعه قبل القبض

وهذا مذهب مالك والأوزاعي في بيع العروض كلها جواز بيعها قبل استيفائها على ما نوضحه من ذلك من باب بيع العروض إن شاء الله عز وجل وأما الشافعي والكوفيون فلا يجيزون بيع العروض قبل القبض وهو مذهب بن عباس وسيأتي ذكر تلخيص مذاهبهم في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وقال آخرون كل ما بيع على الكيل أو الوزن من جميع الأشياء كلها طعاما كان أو غيره فلا يباع شيء منه قبل القبض بالكيل أو الوزن حسب العرف والعادة في كيله أو وزنه وما ليس بمكيل ولا موزون فلا بأس ببيعه قبل قبضه من جميع الأشياء كلها وروي هذا القول عن عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب والحسن والحكم وحماد وبه قال الحسن قياسا على ما يكال أو يوزن من الطعام قال أبو عمر كل ما بيع من الطعام على الكيل او الوزن فلا يجوز عند مالك وأصحابه أن يمهد قبل استئنافه ولا يستأجر به ولا يؤخذ عليه بدل ويجوز عندهم ما استقر من الطعام عند استيفائه على ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه أو حتى يقبضه ولم يقل من ملك طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه وجائز عنده بيع ما اشترى من الطعام جزافا قبل نقله وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إنما المهر والجعل وما يؤخذ في الخلع من الطعام وغيره فجائز أن يباع ما ملك بهذه الوجوه قبل القبض قالا والذي لا يباع قبل قبضه ما اشتري أو استؤجر به قالا وكل ما ملك بالشراء فلا يجوز بيعه قبل القبض إلا العقار وحده وقال سفيان الثوري وسفيان بن عيينة والشافعي ومحمد بن الحسن كل ما ملك بشراء أو بعوض من جميع الأشياء كلها عقارا كان أو غيره مأكولا كان أو مشروبا مكيلا كان أو موزونا أو غير مكيل ولا موزون ولا مأكول ولا مسروق فلا يجوز بيع شيء منه قبل القبض وهو مذهب عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وهما رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه وافتيا جميعا بأن لا يباع شيء حتى يقبض

قال بن عباس كل شيء عندي مثل الطعام رواه بن عيينة عن عمرو عن طاوس عن بن عباس قال أبو عمر ذهبوا في ذلك إلى عموم قوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وذلك بجميع الطعام وغيره عندهم وقال إسحاق وأبو عبيد كل شيء لا يكال ولا يوزن فلا بأس ببيعه قبل قبضه وروي ذلك عن عثمان من رواية قتادة عن عبد ربه عن بن عياض عن عثمان وقال أحمد وأبو ثور كل ما وقع عليه اسم طعام مما يؤكل أو يشرب فلا يجوز أن يباع حتى يقبض وما سوى ذلك فلا بأس ببيعه قبل القبض ومن حجة من ذهب مذهب بن عباس نهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وقوله لحكيم بن حزام إذا ابتعت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا زهير بن حرب قال حدثني إسماعيل بن علية عن أيوب قال حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بيع وسلف ولا ربح ما لم تضمن ولا بيع ما ليس عندك وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب قال حدثني هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن يوسف بن ماهك أن عبد الله بن عصمة حدثه أن حكيم بن حزام حدثه قال قلت يا رسول الله إني اشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم فقال يا بن أخي إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه قال أبو عمر حمل الشافعي والثوري هذا الحديث على عمومه في كل بيع وجعله مالك ومن تابعه مجملا يفسره قوله صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه وكذلك حملوا ربح ما لم يضمن على الطعام وحده

وقال عيسى سألت بن القاسم عن ربح ما لم يضمن فقال ذكر مالك أن ذلك بيع الطعام قبل أن يستوفيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وربحه حرام قال وأما غير الطعام من العروض والحيوان والثياب فإن ربحها حلال لا بأس به لأن بيعها قبل استيفائها حلال وكذلك قال مالك وقال بن وهب عن مالك أرى أن ربح ما لم يضمن بيع الطعام قبل أن يستوفي وبيع كل ما ابتاع المرء بالخيار شهرا أو شهرين أو أقل أو أكثر من ذلك وكل ما ضمنه من البائع والله أعلم قال أبو عمر يختلف في حديث حكيم بن حزام وأسانيده ما ذكرنا إلا أن عبد الله بن عصمة هذا لم يره وعنه عن يوسف بن ماهك فيما علمت ويوسف ثقة وما أعلم لعبد الله بن عصمة جرحة إلا أن من لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو مجهول عندهم إلا أني أقول إن كان معروفا بالثقة والأمانة والعدالة فلا يضره إذا لم يرو عنه إلا واحد مالك عن نافع أن حكيم بن حزام ابتاع طعاما أمر به عمر بن الخطاب للناس فباع حكيم الطعام قبل أن يستوفيه فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فرده عليه وقال لا تبع طعاما ابتعته حتى تستوفيه قال أبو عمر قوله طعاما ابتعته حتى تستوفيه يبين لك أن العرض بخلاف البيع والله أعلم وروى هذا الحديث معمر عن أيوب عن نافع أن حكيم بن حزام كان يشتري الأرزاق في زمن عمر بن الخطاب فنهاه عمر أن يبيعها حتى يقبضها مالك أنه بلغه أن صكوكا خرجت للناس في زمان مروان بن

الحكم من طعام الجار فتبايع الناس تلك الصكوك بينهم قبل ان يستوفوها فدخل زيد بن ثابت ورجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مروان بن الحكم فقالا أتحل بيع الربا يا مروان فقال أعوذ بالله وما ذاك فقالا هذه الصكوك تبايعها الناس ثم باعوها قبل أن يستوفوها فبعث مروان الحرس يتبعونها ينزعونها من أيدي الناس ويردونها إلى أهلها مالك أنه بلغه أن رجلا أراد أن يبتاع طعاما من رجل إلى أجل فذهب به الرجل الذي يريد أن يبيعه الطعام إلى السوق فجعل يريه الصبر ويقول له من أيها تحب أن أبتاع لك فقال المبتاع أتبيعني ما ليس عندك فأتيا عبد الله بن عمر فذكرا ذلك له فقال عبد الله بن عمر للمبتاع لا تبتع منه ما ليس عنده وقال للبائع لا تبع ما ليس عندك قال أبو عمر قد روي بن عيينة وغيره عن الزهري عن عبد الله بن عمرو أنه كان لا يرى ببيع الصكوك إذا خرجت بأسا ويكره لمن اشتراها أن يبيعها حتى يقبضها وعن معمر عن الزهري عن زيد بن ثابت مثله قال أبو عمر قول عمر لحكيم بن حزام وقول زيد بن ثابت وصاحبه لمروان أتحل الربا يا مروان وخبر بن عمر هذه الآثار كلها معناها واحد وهو معنى العينة التي تقدم تفسيرنا لها في صدر هذا الباب وإنما جعل زيد بن ثابت بيع الطعام قبل أن يستوفيه ربا لأنه عنده في باب العينة التي تشبه دراهم بأكبر منها نسيئة وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم وكذلك فقال بن عباس في السبائب التي أراد بيعها الذي سلف فيها قبل أن يقبضها تلك الورق بالورق لأن بيع العروض عنده قبل أن يستوفي بيع الطعام عند زيد بن ثابت

وإلى قول زيد ذهب مالك في ذلك واما بيع الذين خرجت لهم الصكوك بما فيها من الطعام قبل استيفائه لأن أخذهم لذلك الطعام لم يكن شراء اشتروه بنقد ولا دين وإنما كان طعاما خارجا عليهم في ديوان العطاء والعطاء شيء واجب لهم في الديون من الفيء فلم يكره لهم بيع ما في تلك الصكوك لما وصفنا وكره للذي ابتاع منهم ما فيها من الطعام بيعه قبل استيفائه لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما أن يبيعه حتى يستوفيه وهذا بين واضح لمن يبينه وبالله التوفيق لا شرك له وروى معمر عن الزهري أن زيد بن ثابت وبن عمر كانا لا يريان ببيع الصكوك بأسا إذا خرجت قال ولا يحل لمن ابتاعها أن يبيعها حتى يقبضها ومعمر عن قتادة مثله مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع جميل بن عبد الرحمن المؤذن يقول لسعيد بن المسيب إني رجل أبتاع من الأرزاق التي تعطى الناس بالجار ما شاء الله ثم أريد أن أبيع الطعام المضمون علي إلى أجل فقال له سعيد أتريد أن توفيهم من تلك الأرزاق التي ابتعت فقال نعم فنهاه عن ذلك قال أبو عمر هذا عندي ورع صادق لأنه كره له ما أضمر ونوى من أن يعطيهم من الطعام الذي اشترى قبل الاستيفاء خشية أن يقع في بيع الطعام قبل أن يستوفي ومعلوم أن الطعام المضمون الذي كان عليه لم يكن شيئا بعينه لا ذاك ولا غيره وإنما كان في ذمته القيمة مما شاء وقد كره مالك رحمه الله من ذلك الذي كرهه سعيد بن المسيب وروى أصبغ عن بن القاسم فيمن ابتاع طعاما على كيل أو وزن أو عدد أنه لا يبيعه ولا يواعد فيه أحدا حتى يقبضه ولا يبيع طعاما مضمونا عليه فنوى أن يقبضه من ذلك الطعام الذي اشترى كان ذلك الطعام بعينه أو بغير عينه قال أبو عمر قد يحتمل أن تكون الكراهة أن يحضرهم الكسل ويعطيهم إياه

على ذلك الكيل فقد جاء في الحديث النهي عن بيع ما اشترى من الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع المشتري الأول ثم الثاني وكذلك لو ولاه أو اشتركه إلا عند مالك وأصحابه وجماعة من أهل المدينة في الشركة والتولية والإقالة على ما يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال قلت لقتادة اشتريت طعاما ورجل ينظر إلي وأنا أكتاله فأبيعه إياه بكيله قال لي لا حتى يكتاله هو لك وقيل لعبد الرزاق وعبد الملك الصباح سمعنا الثوري يقول في رجلين يبتاع الطعام يكتالانه ثم يربح صاحبه فيه ربحا قال لا يحل حتى يكتالاه كيلا آخر يكتال كل واحد نصيبه ثم يكتال نصيبه الذي أربحه قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه من اشترى طعاما برا أو شعيرا أو سلتا أو ذرة أو دخنا أو شيئا من الحبوب القطنية أو شيئا مما يشبه القطنية مما تجب فيه الزكاة أو شيئا من الأدم كلها الزيت والسمن والعسل والخل والجبن والشبرق والشيرق واللبن وما أشبه ذلك من الأدم فإن المبتاع لا يبيع شيئا من ذلك حتى يقبضه ويستوفيه قال أبو عمر هذا لا خلاف فيه بين العلماء في الطعام كله والآدام كله مقتات وغير مقتات مدخر وغير مدخر كل ما يؤكل أو يشرب فلا يجوز بيعه عند جميعهم حتى يستوفيه مبتاعه وقد مضى بيعه هذا المعنى بينا وإنما اختلفوا فيما يرى الأشياء عن الطعام هل هي في ذلك مثل الطعام أم لا على ما ذكرناه ونذكره أيضا إن شاء الله عز وجل

باب ما يكره من بيع الطعام إلى أجل مالك عن أبي الزناد أنه سمع سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار ينهيان أن يبيع الرجل حنطة بذهب إلى أجل ثم يشتري بالذهب تمرا قبل أن يقبض الذهب مالك عن كثير بن فرقد أنه سأل أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن الرجل يبيع الطعام من الرجل بذهب إلى أجل ثم يشتري بالذهب تمرا قبل أن يقبض الذهب فكره ذلك ونهى عنه مالك عن بن شهاب بمثل ذلك قال مالك وإنما نهى سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وبن شهاب عن أن لا يبيع الرجل حنطة بذهب ثم يشتري الرجل بالذهب تمرا قبل أن يقبض الذهب من بيعه الذي اشترى منه الحنطة فأما أن يشتري بالذهب التي باع بها الحنطة إلى أجل تمرا من غير بائعه الذي باع منه الحنطة قبل أن يقبض الذهب ويحيل الذي اشترى منه التمر على غريمه الذي باع منه الحنطة بالذهب التي له عليه في ثمر التمر فلا بأس بذلك قال مالك وقد سألت عن ذلك غير واحد من أهل العلم فلم يروا به بأسا قال أبو عمر ما ذكره مالك وفسر به قول سعيد وسليمان وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وبن شهاب فهو كما ذكر لا خلاف علمته بين العلماء في ذلك إذا كان البائع للطعام قد اشترى طعاما من غير الذي باعه منه ثم أحاله بثمن ما اشتراه من ثمنه الذي باعه منه طعامه لأنها حوالة لا يدخلها شيء من بيع طعام بطعام وإنما اختلف العلماء فيما كرهه سعيد وسليمان وأبو بكر وبن شهاب فقالت طائفة من العلماء بقولهم إنه لا يجوز لبائع الطعام أن يأخذ من مبتاعه منه في ثمنه طعاما إذا حل الأجل لأن الطعام بالطعام لا يجوز فيه النسيء وجعلوا

ذكر الذهب لغوا لأن بائع الحنطة بالذهب إذا أخذ في الذهب تمرا لم يحصل بيده الإطعام بدلا من طعام باعه إلى أجل قال عيسى بن دينار سألت بن القاسم عن رجل باع طعاما بمائة دينار إلى شهر فلما حل الأجل اشترى بائع الطعام من رجل آخر طعاما فأحاله عليه بالثمن قال لا بأس به قال مالك وإنما نهى سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبو بكر بن حزم وبن شهاب عن أن يبيع الرجل حنطة بذهب فذكر مسألة الموطإ إلى آخر قوله فيها قال عيسى قلت لابن القاسم فلو أحال الذي عليه المائة الدينار بائع الطعام على غريم له عليه مائة دينار فيجوز لبائع الطعام أن يأخذ من الذي أحال عليه بالمائة طعاما قال لا يجوز ذلك قال أبو عمر لا فرق بين ذلك في قياس ولا أثر لأنه طعام مأخوذ من ثمن طعام من غير المشتري له قال أبو عمر وقد أجاز جماعة من أهل العلم لمن باع طعاما إلى أجل فحل الأجل أن يأخذ بثمن طعامه ما شاء طعاما وغيره وكذلك اختلفوا في الرجل يبيع سلعته بدراهم إلى أجل فحل الأجل هل له أن يأخذ فيها ذهبا أم لا فمذهب مالك وأصحابه أن ذلك جائز في الدراهم من الدنانير والدنانير من الدراهم يأخذها لما اتفقا عليه من الصرف في حين التراضي قبل الافتراق وهو قول أبي حنيفة وأصحابه إذا تقابضا في المجلس وقال عثمان البتي يأخذ الدنانير من الدراهم والدراهم من الدنانير بسعر يومه فإن افترقا لم يجز عند جميعهم وكان على المبتاع الدراهم التي ابتاع بها السلعة حتى يتفقا ويتقابضا قبل الافتراق ولم يجز مالك ولا أبو حنيفة أن يأخذ من ثمن الطعام المبيع إلى أجل طعاما وجعلوه طعاما بطعام ليس يدا بيد قال مالك فيمن له على رجل دراهم حالة فإنه يأخذ دنانير عنها إن شاء وإن كانت إلى أجل لم يجز أن يبيعها بدنانير ويأخذ في ذلك عوضا إن شاء

وقال أبو حنيفة وأصحابه جائز أن يأخذ الدنانير بالدراهم والدراهم من الدنانير حل الأجل أو لم يحل إذا تقابضا في المجلس وأما الشافعي فقوله في أخذ الدراهم من الدنانير واخذ الدنانير من الدراهم وهو قول مالك وأبي حنيفة وقال في الطعام من ثمن الطعام بخلافهما لا فرق عنده بأخذ الدنانير من دراهم أو طعام من ثمن طعام مخالف لاسمه قال ومن باع طعاما إلى أجل فحل الأجل فلا بأس أن يأخذ بالثمن طعاما وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن البصري وبن سيرين وجابر بن زيد وروى الثوري عن حماد فيمن باع طعاما إلى أجل ثم حل الأجل فلا بأس أن يشتري منه بدراهمه طعاما وهو قول بن شبرمة وكرهه عطاء وقال الثوري لا بأس به وقال مرة أخرى أحب إلي ألا يأخذ شيئا مما يكال أو يشرب وقال بن شبرمة لا يجوز أن يأخذ عن دراهم دنانير ولا عن دنانير دراهم وإنما يأخذ ما أقرض وعين ما باع قال أبو عمر قول بن شبرمة صده قول مالك في الوجهين لأنه أجازه في الطعام وكرهه في الدراهم وقال الحسن بن حي أكره أن يأخذ في ثمن ما يكال شيئا يكال ويأخذ ما لا يكال وكذلك إذ باع ما لا يوزن أكره أن يأخذ شيئا يوزن ويأخذ ما لا يوزن لا يأخذ من الحنطة تمرا ولا من السمن زيتا وهو قول بن شهاب وقال الليث بن سعد إذا كان له عليه دين مؤجل دونهم ولكن عليه دنانير لم يجز أن يبيع أحدهما بالآخر لأنه صرف إلى أجل ولو كان الأجل حل وهذا كقول مالك سواء وروى الشيباني عن عكرمة عن بن عباس أنه كره اقتضاء الذهب من الورق والورق من الذهب

وعن بن مسعود مثله وعن بن عمر أنه لا بأس به وذكر عبد الرزاق عن بن عيينة قال قلت لعمرو بن دينار أرأيت إذا بعت طعاما بذهب فحلت الذهب فجئت أطلبه فلم أجد عنده ذهبا فقال خذ مني طعاما فقال كره طاوس أن يأخذ منه طعاما وقال أبو الشعثاء إذا حل دينك فخذ ما شئت قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين قال إذا بعت شيئا طعاما أو غيره بدين فحل الأجل فخذ ما شئت من ذلك النوع أو غيره قال وأخبرنا الثوري عن حماد وبن سيرين عن رجل باع حنطة بدين إلى أجل قال يأخذ طعاما وغير ذلك إذا حل قال وأخبرنا معمر عن تميم بن خويص أنه أخبره عن أبي الشعثاء جابر بن يزيد قال إذا بعت بدنانير فحل الأجل فخذ بالدنانير ما شئت وأخبرنا معمر عن الزهري قال إذا بعت شيئا مما يكال أو يوزن بدينار فلا تأخذ شيئا مما يكال أو يوزن إلا أن يصرفك إلى غير ذلك وأن بعت شيئا مما يكال فصرفك إلى شيء مما يوزن فخذه إلا أن يكون طعاما قال أبو عمر المكيل كله عنده صنف واحد وهو مذهب أكثر الكوفيين فلا يجوز عندهم أن يؤخذ من الصنف الواحد غيره لمن وجب ذلك له من بيع أو سلم ولا أرى أن يأخذ من الصنف بدلا من ثمنه إلا مثل ما أعطى لا زيادة كما لا يجوز عند مالك في البر إذا باعه أن يأخذ في ثمنه تمرا أو زبيبا ولا أن يأخذ برا إلا مثل كيل البر الذي باعه في صفته وجود به لأنه بعده حينئذ برضا جر زيادة وسنذكر الأصناف عند مالك وغيره في باب بيع الطعام بالطعام إن شاء الله تعالى قال أبو عمر أما من كره أن يأخذ من الدراهم دنانير ومن الدنانير دراهم فحجته حديث أبي سعيد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز

ففي قوله لا تبيعوا منها غائبا بناجز ما يدل على أنه لا يجوز أن يأخذ من الدراهم دنانير لأن الغائب منها ما في الذمة من الدين والناجز ما يأخذه وهو مذهب بن عباس وبن مسعود ومن قال بقولهما على ما ذكرنا عنهم في هذا الباب وأما من أجاز أخذ الدراهم من الدنانير والدنانير من الدراهم حجته حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن بن عمر قال كنت أبيع الإبل بالبقيع أبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا بأس بذلك إذا كان بسعر يومكما حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني موسى بن إسماعيل ومحمد بن محبوب قالا حدثني حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير قال كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير آخذ هذه من هذه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا بأس أن تأخذها بسعر يومها قال أبو داود رواه إسرائيل عن سماك لم يذكر فيه بسعر يومهما قال أبو عمر حديث إسرائيل حدثناه سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني جعفر بن محمد بن مثنى الصائغ قال حدثني محمد بن سائق قال حدثني إسرائيل عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن بن عمر قال كنت أبيع الإبل ببقيع الفرقد كنت أبيع البعير بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يدخل حجرته فذكرت ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذت أحدهما بالآخر فلا تفارقه وبينك وبينه بيع ورواها أبو الأحوص عن سماك بنحو رواية إسرائيل فمن أجاز ذلك في الدين الحال والآجل قال لما لم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك دل على استواء الحال عنده ولو كان بينهما فرق في الشرع لوقفه عليه ومن قال لا يجوز إلا في الحال دون الآجل قال والآجل هو الغائب الذي لا ينسب بيعه بناجز ولا بغائب مثله وإنما

الحال بالذمة فيه كالعين الظاهرة إذا اجتمعا وتقابضا ولم يفترقا إلا بعد القبض ومن جعل الطعام بالطعام كالدنانير بالدراهم في ذلك قال لما أجمعوا أن البر بالبر ربا إلا هاء وهاء والذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء وثبتت بذلك السنة المجتمع عليها ثم وردت السنة في حديث بن عمر في أن قبض الدنانير من الدراهم جائز لا بأس به كانت مفسرة كذلك وكان قبض الطعام من ثمن الطعام كقبض الدنانير من الدراهم والدراهم من الدنانير لأنه بيع مستأنف لم يمنع الله منه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ومن فرق بين الطعام من الطعام وبين الدراهم من الدنانير ترك القياس ولم يعد بالرخصة موضعا وأما بن شبرمة في تجويزه ذلك في الطعام من الطعام وإبايته لذلك في الدنانير من الدراهم فلأنه لم يبلغه حديث بن عمر ورأى أن ثمن الطعام جائز لربه التصرف فيه بما شاء من المبتاع وغيره وأنه لا يحل تهمة مسلم ولو قضى بالظن عليه أنه أراد طعاما بطعام إلى أجل والربا لا يكون إلا لمن قصد إليه وأراده كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنما الربا على من أراد أن يربي وقد تقدم في باب الصرف حكم التصارف في الدينين باب السلفة في الطعام مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى ما لم يكن في زرع لم يبد صلاحه أو تمر لم يبد صلاحه قال أبو عمر قد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق الفقهاء على ذلك إذا كان المسلم فيه موجودا في أيدي الناس من وقت العقد إلى حلول الأجل واختلفوا فيما سوى ذلك فأما الحديث المسند في هذا الباب فقال حدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني بن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير الرازي عن أبي المنهال واسمه عبد الرحمن بن مطعم المكي عن بن

عباس قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث فقال الرسول صلى الله عليه وسلم من سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم وقال بن عباس أشهد أن السلم المضمون إلى أجل معلوم قد أحله الله عز وجل في كتابه وأذن فيه فقال الله تعالى يأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه البقرة وأما اختلاف الفقهاء في ذلك فقال مالك والشافعي يجوز السلم في التمر قبل حينه إذا كان مثله موجودا في أيدي الناس وقت حلول الأجل في الغالب فإن كان ينقطع حينئذ لم يجز وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور واحتج الشافعي بحديث بن عباس هذا قال والرطب من التمر فقد أجاز السلم فيه قبل حينه إذا أجازه السنتين والثلاث قال أبو عمر من الحجة لمالك والشافعي أيضا في ذلك ما رواه شعبة وغيره عن عبد الله بن أبي المجالد قال سألت عبد الله بن أبي أوفى عن السلف فقال كنا نسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في القمح والشعير والتمر والزبيب إلى أجل معلوم وكيل معلوم وما هو عند صاحبه أخبرناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني يحيى وعبد الرحمن قالا حدثنا شعبة فذكره وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يجوز سلم إلا أن يكون المسلم فيه موجودا في أيدي الناس من وقت العقد إلى وقت حلول الأجل فإن كان منقطعا في شيء من ذلك لم يصح ولم يجز وقال الأوزاعي والثوري لا يجوز السلم إلا فيما كان في أيدي الناس منه شيء ولا يجوز إذا لم يكن في أيدي الناس منه شيء

وقال الحسن بن حي لا يكون السلم إلا فيما لا يكون من السنة حين إلا وهو يوجد فيه كقول أبي حنيفة وقال الليث أكره السلم في الفاكهة الرطبة قبل أوانها قال أبو عمر إنما كره السلم بما ينقطع ولا يوجد بأيدي الناس العام كله والله أعلم من كرهه لأنهم يقولون من مات حل دينه فإذا لم يوجد كان عذرا والسنة أولى من كل من يرد النصوص بقياس على غيرها وليس في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يخلق وعن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ما يرد حديث السلم لأن ذلك بيع عين غير مضمونة وهذا بيع شيء موصوف ومضمون في الذمة وتقرير ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها إلا في السلم ولم يختلفوا أنه لا يجوز السلم في شيء بعينه إلى أجل وهذا معنى قول بن عمر في زرع لم يبد صلاحه وتمر لم يبد صلاحه قال مالك الأمر عندنا فيمن سلف في طعام بسعر معلوم إلى أجل مسمي فحل الأجل فلم يجد المبتاع عند البائع وفاء مما ابتاع منه فأقاله فإنه لا ينبغي له أن يأخذ منه إلا ورقة أو ذهبه أو الثمن الذي دفع إليه بعينه وإنه لا يشتري منه بذلك الثمن شيئا حتى يقبضه منه وذلك أنه إذا أخذ غير الثمن الذي دفع إليه أو صرفه في سلعة غير الطعام الذي ابتاع منه فهو بيع الطعام قبل أن يستوفى قال مالك وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل أن يستوفى قال أبو عمر اختلف الفقهاء في الشراء برأس مال المسلم من المسلم إليه شيئا بعد الإقالة فقول مالك ما وصفه في موطئه لا يجوز حتى يقبض منه رأس ماله قبضا صحيحا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن إلا أن مالكا لا يرى غير الطعام في ذلك كالطعام وإذا تقايلا عنده في غير الطعام جاز أن يأخذ من الطعام برأس ماله ما شاء إذا خالف جنس ما تقايلا فيه وتعجل ذلك ولا يؤخره وكذلك جائز عنده أن يشتري منه من غيره من جنسه وغير جنسه ويحيل عليه وإذا تقايلا في الطعام سلما كان أو غيره لم يجز له أن يأخذ منه برأس ماله شيئا من الأشياء لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى

وأما أبو حنيفة وأصحابه فلا يجوز عندهم شيء من ذلك في الطعام ولا في غيره من العروض كلها وهو قول أحمد وإسحاق قالا بيع السلم من بائعه ومن غيره قبل قبضه فاسدة وحجتهم حديث عطية الكوفي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره وما روي عن جماعة من السلف أنهم قالوا حين سئلوا عن ذلك خذ ما سلمت فيه أو رأس مالك ولا تأخذ غير ذلك روي ذلك عن بن عمر والحسن وعكرمة وجابر بن زيد وغيرهم وحجة مالك قد أوضحها على مذهبه وقال الشافعي والثوري وزفر لا بأس أن يشتري السلم إذا أقال من سلمه ما شاء برأس ماله من المسلم إليه ومن غيره قبل قبضه له لأنه قد ملك كل واحد منهما بالإقالة البدل منها فإذا ملك رأس ماله بالإقالة جاز له التصرف فيه لأن العقد الأول قد بطل بالإقالة ولا حجة لمخالفة في حديث أبي سعيد الخدري وما كان مثله لأنه لم يصرف ما سلم فيه في غيره ومعنى النهي عن ذلك عندهم هو بيع ما سلم فيه قبل استيفائه فذلك هو صرفه قال أبو عمر أصل هذه المسالة عند مالك وأصحابه الحكم بقطع الذرائع كان المسلم والمسلم إليه لما علما أن فسخ البيع في شيء آخر لا يجوز ذكر الإقالة ذكرا لا حقيقة له يستجيز بذلك صرف الطعام في غيره وذلك بيعه قبل استيفائه وقد أجمعوا أنه لو لم يستقيل لم يجز له صرف رأس المال في غيره كما لا يجوز له صرف رأس ماله في دراهم أو دنانير أكثر منها قال مالك فإن ندم المشتري فقال للبائع أقلني وأنظرك بالثمن الذي دفعت إليك فإن ذلك لا يصلح وأهل العلم ينهون عنه وذلك أنه لما حل الطعام للمشتري على البائع أخر عنه حقه على أن يقيله فكان ذلك بيع الطعام إلى أجل قبل أن يستوفى

قال مالك وتفسير ذلك أن المشتري حين حل الأجل وكره الطعام أخذ به دينارا إلى أجل وليس ذلك بالإقالة وإنما الإقالة ما لم يزدد فيه البائع ولا المشتري فإذا وقعت فيه الزيادة بنسيئة إلى أجل أو بشيء يزداده أحدهما على صاحبه أو بشيء ينتفع به أحدهما فإن ذلك ليس بالإقالة وإنما تصير الإقالة إذا فعلا ذلك بيعا وإنما أرخص في الإقالة والشرك والتولية ما لم يدخل شيئا من ذلك زيادة أو نقصان أو نظرة فإن دخل ذلك زيادة أو نقصان أو نظرة صار بيعا يحله ما يحل البيع ويحرمه ما يحرم البيع قال أبو عمر الأصل الذي ذكرناه في المسألة قبل هذه يغني عن القول في هذه ولم يختلف العلماء أنه إذا أقاله في جميع السلم وأخذ منه رأس ماله في حين الإقالة فإنه جائز وأن له التصرف فيه كيف شاء معه ومع غيره إذا بان بما قبض من رأس المال إلى نفسه وإنما اختلفوا في الشركة والتولية ويأتي ذلك بعد إن شاء الله عز وجل وإنما كره مالك له النظرة بالثمن لأنها عنده كالزيادة وإذا كانت كذلك صارت بيعا في الطعام قبل قبضه على أن مذهبه جواز الإقالة في بيع الطعام قبل بيعه لكن برأس المال لا زيادة وسيأتي القول في الإقالة من بيع الطعام والتولية فيه والشركة في باب جامع بيع الطعام إن شاء الله عز وجل ولسائر العلماء في التأخير برأس المال بعد الإقالة في السلم قولان أحدهما أنه لا يجوز لأنه من باب فسخ دين في دين والآخر أنه جائز لأن الإقالة معروف وفعل حسن مندوب إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقال مسلما صفقته أقال الله عثرته ومن أنظر معسرا أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله قال مالك من سلف في حنطة شامية فلا بأس أن يأخذ محمولة بعد محل الأجل قال مالك وكذلك من سلف في صنف من الأصناف فلا بأس أن يأخذ خيرا

مما سلف فيه أو أدنى بعد محل الأجل وتفسير ذلك أن يسلف الرجل في حنطة محمولة فلا بأس أن يأخذ شعيرا أو شامية وإن سلف في تمر عجوة فلا بأس أن يأخذ صيحا نيا أو جمعا وإن سلف في زبيب أحمر فلا بأس أن يأخذ أسود إذا كان ذلك كله بعد محل الأجل إذا كانت مكيلة ذلك سواء بمثل كيل ما سلف فيه قال أبو عمر هذا كله لا خلاف فيه إلا في قبض الشعير من القمح عند محل الأجل أو بعده فإن ذلك لا يجوز عند كل من يجعل الشعير صنفا غير القمح والقمح كله عند الجميع صنف واحد كماء الشعير صنف واحد وكماء الزبيب أحمره وأسوده صنف واحد وكذلك التمر وضروبه والسلت عندهم صنف واحد والذرة صنف والدخن صنف وما أشبه ذلك كله فإذا سلف في صنفه من ذلك الصنف وأخذ عند محل الأجل أو بعده أرفع من صفته فذلك إحسان من المعطي وإن أخذ أدون فهو تجاوز من الآخذ وفي الباب بعد هذا زيادة بيان في معنى هذا الباب والله الموفق للصواب وإنما اختار مالك والله أعلم لفظ سلف في طعام وسلف في كذا والسلعة في الطعام والسلعة في العروض ونحو هذا من لفظ السلف وإن كان لفظا مشتركا لجميع القرض والسلم ولم يكثر في موطئه كله ذكر السلم لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول الرجل أسلمت في كذا ويقول إنما الإسلام لله رب العالمين باب بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما مالك أنه بلغه أن سليمان بن يسار قال فني علف حمار سعد بن أبي وقاص فقال لغلامه خذ من حنطة أهلك فابتع بها شعيرا ولا تأخذ إلا مثله قال أبو عمر مذهب سعد بن أبي وقاص في أن البر عنده والسلت والشعير

صنف واحد لا يجوز بيعه بعضه ببعض إلا مثلا بمثل يدا بيد ألا ترى إلى حديث مالك في باب ما يكره من بيع التمر عن عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش أنه أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت فقال سعد أيهما أفضل قال البيضاء فنهاه عن ذلك والبيضاء الشعير ها هنا معروف ذلك عند العرب بالحجاز كما أن السمراء البر عندهم وإلى مذهب سعد في هذا ذهب مالك وإياه اختار وعليه أصحابه مالك عن نافع عن سليمان بن يسار أنه أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فني علف دابته فقال لغلامه خذ من حنطة أهلك طعاما فابتع بها شعيرا ولا تأخذ إلا مثله قال أبو عمر كان عبد الرحمن بن الأسود من كبار التابعين بالمدينة ومذهب سليمان بن يسار في أن الشعير لا يجوز بالبر إلا مثلا بمثل كمذهبه وقد روى هذا الحديث أيوب السختياني عن سليمان بن يسار ذكره معمر عن أيوب عن سليمان بن يسار قال أعطى عبد الرحمن بن الأسود صاعا من حنطة بصاعين من شعير علفا لفرسه فأمرهم برده مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد عن بن معيقيب الدوسي مثل ذلك قال مالك وهو الأمر عندنا هكذا روى يحيى هذا الحديث فقال فيه عن بن معيقيب وتابعه بن بكير وبن عفير وأما القعنبي وطائفة فإنهم قالوا عن معيقيب وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه رأى معيقيبا ومعه صاع من شعير قد استبدله بمد حنطة فقال له عمر لا يحل لك إنما الحب مدا بمد وأمره أن يرده إلى صاحبه فاحتمل أن يكون عمر رأى الحبوب كلها صنفا واحدا واحتمل أن يكون الشعير والبر عنده فقط صنفا واحدا

وهو مذهب أكثر أهل العلم وأهل الشام وبه قال الأوزاعي في البر والشعير هما عنده صنف واحدة لا يجوز بعضها ببعض إلا مثلا بمثل وأما اختلاف فقهاء الأمصار في هذا الباب فقد ذكرنا مذهب مالك وأصحابه في ذلك وبه قال الأوزاعي في البر والشعير وقال الليث بن سعد لا يصلح الشعير بالقمح إلا مثلا بمثل وكذلك السلت والذرة والدخن والأرز لا يباع بعض ذلك كله ببعض إلا مثلا بمثل لأنه صنف واحد وهو مما يختبز وقال والقطاني كلها العدس والحمص والحلباء والفول يجوز فيها التفاضل لأن القطاني مختلفة الطعم واللون والخلف قال أبو عمر لم يختلف قول مالك أن الدخن صنف منفرد وكذلك الذرة صنف والأرز صنف جائز التفاضل بينهما وكذلك العدس صنف عند أكثر أصحاب مالك وقال بن كنانة هو صنف من الحنطة وهو قول الشافعي واختلف قول مالك في القطاني فقال بن وهب القطاني كلها صنف واحد ورواه عن مالك لا يجوز إلا مثلا بمثل وروى أشهب عن مالك قال الحمص والعدس صنف واحد وسائر القطاني أصناف وروى بن القاسم عن مالك قال القطاني كلها أصناف مختلفة الفول والعدس والحمص ولا بأس في التفاضل في بيع بعضها ببعض وهو قول سحنون واكثر أصحاب مالك وقال بن القاسم وأشهب الجلبان والبسلة صنف واحد والحمص واللوبياء صنف واحد وما عدا ذلك من القطاني فأصناف مختلفة وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم البر والشعير صنفان مختلفان والسلت صنف كما أن الدخن صنف والذرة صنف

وبهذا قال أحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود وبن علية والقطاني كلها عندهم أصناف مختلفة قال أبو عمر أما حجتهم في أن البر والشعير صنفان يجوز فيهما التفاضل فمنها ما رواه الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن والبر بالبر مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل والتمر بالتمر مثلا بمثل والملح بالملح مثلا بمثل وبيع الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد والبر بالشعير كيف شئتم يدا بيد والملح بالتمر كيف شئتم يدا بيد وذكره عبد الرزاق ووكيع عن الثوري وفي لفظ وكيع وإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد وحدثني عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني حمزة بن محمد بن علي قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني بن علية عن خالد الحذاء قال أحمد بن شعيب وأخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال حدثني يزيد بن ذريع قال حدثني عبادة عن أبي الأشعث قال حدثني عبادة بن الصامت قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا مثلا بمثل سواء بسواء فمن زاد أو ازداد فقد أربى اللفظ مجمل والطرق بهذا عن عبادة كثيرة جدا قد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد ومنها ما حدثني عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني حمزة بن محمد بن علي قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال حدثنا يزيد قال حدثنا سلمة وهو بن علقمة عن محمد بن سيرين عن مسلم بن

يسار وعبد الله بن عتيك قالا جمع المنزل بين عبادة بن الصامت ومعاوية حدثهم عبادة قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر قال أحدهما والملح بالملح ولم يقله الآخر إلا مثلا بمثل يدا بيد وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا قال أحدهما فمن زاد أو ازداد فقد أربى قال أحمد بن شعيب وأخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا سلمة بن علقمة عن محمد قال حدثني مسلم بن يسار وعبد الله بن عبيد قالا جمع المنزل بين عبادة بن الصامت وبين معاوية فقال عبادة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر قال أحدهما والملح بالملح ولم يقل الآخر إلا سواء بسواء مثلا بمثل قال أحدهما من زاد أو ازداد فقد أربى ولم يقل الآخر وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا فبلغ هذا الحديث معاوية فقام فقال ما بال رجال يحدثون أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صحبناه ولم نسمعه منه فبلغ ذلك عبادة بن الصامت فقام فأعاد الحديث فقال لنحدثن بما سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رغم معاوية وهو مذهب عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمر وأبي هريرة والحسن وأهل البصرة وأكثر أهل الكوفة وروى معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال ما اختلفت ألوانه من الطعام فلا بأس به يدا بيد وأخبرنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل فمن زاد واستزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا عبد الوهاب قال أخبرنا سعيد عن قتادة عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت قال لا بأس ببيع الذهب بالفضة

والفضة بالذهب أكثرهما يدا بيد ولا بأس ببيع الحنطة بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني عاصم بن علي بن عاصم قال حدثني الربيع بن صبيح عن بن سيرين عن أنس بن مالك وعبادة بن الصامت أنهما قالا لا بأس بأكثر البر بالشعير اثنين بواحد يدا بيد ويرفعانه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى مسلمة بن علقمة عن بن سيرين عن مسلم بن يسار وعبد الله بن عبيد عن عبادة قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع الذهب بالورق والبر بالشعير كيف شئنا يدا بيد ومن الحجة في هذا أيضا حديث مالك عن بن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء ففصل بين البر والشعير كما فصل بين الشعير والتمر بواو فاصلة ولو كان البر والشعير صنفا واحدا لما فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما كما لم يفرق بين صنف من الذهب وصنوف الفضة وصنوف التمر وكما لم يفرق العلماء بين صنوف الزيت ومعلوم أن بعضه أجود من بعض قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن لا تباع الحنطة بالحنطة ولا التمر بالتمر ولا الحنطة بالتمر ولا التمر بالزبيب ولا الحنطة بالزبيب ولا شيء من الطعام كله إلا يدا بيد فإن دخل شيئا من ذلك الأجل لم يصلح وكان حراما ولا شيء من الأدم كلها إلا يدا بيد قال مالك ولا يباع شيء من الطعام والأدم إذا كان من صنف واحد اثنان بواحد فلا يباع مد حنطة بمدي حنطة ولا مد تمر بمدي تمر ولا مد زبيب بمدي زبيب ولا ما أشبه ذلك من الحبوب والأدم كلها إذا كان من صنف واحد وإن كان يدا بيد إنما ذلك بمنزلة الورق بالورق والذهب بالذهب لا يحل في شيء من ذلك الفضل ولا يحل إلا مثلا بمثل يدا بيد قال أبو عمر أجمع الفقهاء من التابعين فمن بعدهم أنه لا يجوز الورق بالورق إلا مثلا بمثل يدا بيد وكذلك الذهب بالذهب لا يجوز إلا مثلا بمثل يدا بيد وكذلك البر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر

وقد ذكرنا ما شذ فيه معاوية وما شذ فيه بن عباس أيضا فيما سلف من كتابنا والحجة في السنة لا فيما خالفها من الأقوال التي هي جهالة يلزم ردها إلى السنة وقول مالك في الطعام كله والأدام أنه لا يجوز في شيء منه النسيئة وقول جمهور علماء الأمة وقد ذكرنا في هذا الباب ما يدل على صواب القول في الأصناف مما يقطع عند ذوي الأفهام الاختلاف والحمد لله وشذ داود فأجاز النسيئة والتفاضل فيما عدا البر والشعير والتمر والملح من الطعام والادام لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعموم قول الله عز وجل وأحل الله البيع البقرة فلم يضم إلى النسيئة المنصوصة في حديث عبادة وغيره شيئا غيرها وهي الذهب والورق والبر والشعير والتمر والملح وشذ بن علية في ذلك أيضا فقال إذا اختلف النوعان كالبر بالشعير والبر بالزبيب فليس بواحد بأضعاف الآخر يدا بيد ونسيئة قياسا لكل ما يكال على ما يوزن قال ولما اجمعوا في الموزونات أنها جائز أن يشتري الحديد والقطن والعصفر وما يوزن من مثل ذلك كله كالذهب والفضة اثنان بواحد نقدا أو نسيئة لأنه لا يشبه الذهب والفضة شيء من الموزون فكذلك في القياس كل شيء يكال أبعد شبها من الذهب والفضة وأحرى أن يكون واحد بأضعافه بالنقد والنسيئة قال أبو عمر ما أصاب وجه القياس ولا اتبع الجمهور ولا اعتبر الآثار ولا أعلم له ولداود سلفا فيما ذهبا إليه من ذلك مع تضاد أصولهما في القياس إلا حديث يرويه بن جريج عن إسماعيل بن أمية وأيوب بن موسى أن نافعا أخبرهما أن بن عمر باع تمرا بالغابة صاعين بصاع حنطة بالمدينة وقد روي عن ربيعة وأبي الزناد نحو ذلك قال مالك وإذا اختلف ما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب فبان اختلافه فلا بأس أن يؤخذ منه اثنان بواحد يدا بيد ولا بأس أن يؤخذ صاع من تمر بصاعين من حنطة وصاع من تمر بصاعين من زبيب وصاع من حنطة بصاعين من سمن فإذا كان الصنفان من هذا مختلفين فلا بأس باثنين منه بواحد أو أكثر من ذلك يدا بيد فإن دخل ذلك الأجل فلا يحل قال مالك ولا تحل صبرة الحنطة بصبرة الحنطة ولا بأس بصبرة الحنطة بصبرة التمر يدا بيد وذلك أنه لا بأس أن يشترى الحنطة بالتمر جزافا

قال مالك وكل ما اختلف من الطعام والأدم فبان اختلافه فلا بأس أن يشترى بعضه ببعض جزافا يدا بيد فإن دخله الأجل فلا خير فيه وإنما اشتراء ذلك جزافا كاشتراء بعض ذلك بالذهب والورق جزافا قال مالك وذلك أنك تشتري الحنطة بالورق جزافا والتمر بالذهب جزافا فهذا حلال لا بأس به قال أبو عمر على ما رسمه مالك وذكره من هذا مذهب الشافعي والكوفي وجمهور العلماء في تحريم النسيئة في الطعام بعضه ببعض من صنف واحد كان أو من صنفين مختلفين وتحريم النسيئة دون التفاضل في الجنسين على ما ذكرنا من اختلاف أصولهم في الأصناف والأجناس وكل ما جاز فيه التفاضل من الطعام جاز بيع بعضه ببعض جزافا صبرا وغير صبر ومعلوما بمجهول ومجهولا بمجهول وأما ما لا يجوز فيه التفاضل فلا يجوز بيعه جزافا ولا يباع منه معلوم بمجهول المقدار ولا مجهول بمعلوم المقدار وهذا كله قد تقدم مثله في باب بيع الفاكهة وذكرنا هناك أيضا مذهب الكوفيين في أن الجنس بانفراده يحرم النسيئة وكذلك الكيل والوزن عندهم كل واحد منهما بانفراده يحرم النسيئة وإن اختلف الجنس والشافعي ومالك والكوفيون متفقون في أن الصنف الواحد يحرم فيه النسيء والتفاضل في المأكول والمشروب المدخر عند مالك وعند الشافعي المأكول مدخر وغير مدخر والجنسان من المأكول والمشروب يجوز فيهما التفاضل ويحرم النسيئة على ما ذكرنا من اختلاف مالك والشافعي في المأكول غير المدخر وزاد الكوفيون على الحجازيين مراعاة الكيل والوزن وإن اختلف الجنس لأن الكيل والوزن عندهم كالجنس وغير المأكول والمشروب عندهم كالمأكول والمشروب إذا كان بوزن فهو جنس أو كان يكال فهو جنس والجنس عندهم الصنف عندنا وقد مضى ذلك كله في باب بيع الفاكهة بأبسط من هذا

وأما الذهب والفضة وإن كانا موزونين فلا يشبهما غيرهما من الموزونات عند الجميع لأنهما مسلمان في كل شيء من الموزون وغيره ولا يسلم بعضها ببعض وقال مالك والشافعي لا يجوز أن يباع شيء من الطعام كله والإدام بعضه ببعض إلا يدا بيد وقال أبو حنيفة إن افترقا في المجلس ثم تقابضا بعد لم يصر العقد وقول الليث في ذلك كقول مالك والشافعي وذلك عندهم كالصرف وخالف أبو حنيفة في قوله هذا بينه وبين الصرف قال مالك ومن صبر صبره طعام وقد علم كيلها ثم باعها جزافا وكتم المشتري كيلها فإن ذلك لا يصلح فإن أحب المشتري أن يرد ذلك الطعام على البائع رده بما كتمه كيله وغره وكذلك كل ما علم البائع كيله وعدده من الطعام وغيره ثم باعه جزافا ولم يعلم المشتري ذلك فإن المشتري إن أحب أن يرد ذلك على البائع رده ولم يزل أهل العلم ينهون عن ذلك قال أبو عمر قد قال بقول مالك في ذلك الليث بن سعد والأوزاعي وروي ذلك عن بن سيرين وقد روي عن الأوزاعي أنه قال إذا اشترى شيئا مما يكال وحمله إلى بلد يوزن فيه لم يبعه جزافا وإن كان حيث حمله لا يكال ولا يوزن فلا بأس به وأما الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والحسن بن حي فقالوا لا بأس أن يبيع طعاما قد علم مقداره ممن لا يعلم مقداره وقد روى بن القاسم عن مالك أنه قال جائز بيع القثاء ونحوه جزافا وإن علم البائع عدده ولم يعلم المشتري لأن ذلك يختلف ولم يجز ذلك في الجزر وما أشبهه من المعدود قال أبو عمر ولا أعلم أصلا يحرم ذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوا الناس يرزق بعضهم من بعض

وكل تجارة عن تراض لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنها ولا كانت في معنى ما نهى عنه فجائز بظاهر القرآن ومن أبى من جواز ذلك جعله من باب الغش والتدليس بالعيب قال مالك ولا خير في الخبز قرص بقرصين ولا عظيم بصغير إذا كان بعض ذلك أكبر من بعض فأما إذا كان يتحرى أن يكون مثلا بمثل فلا بأس به وإن لم يوزن قال أبو عمر هذا تحصيل مذهب مالك عند أكثر أصحابه وقد روي عنه أن الخبز بالخبز فيه التفاضل والتساوي لأن الصناعة قد أخرجته عن أصل جنسه ذكره أبن خواز بنداذ عن مالك واختلف أصحابه في خبز القطاني بعضه ببعض أختلافا كثيرا قد ذكرناه في أختلاف قول مالك وأصحابه ولم يختلفوا في أن العجين بالعجين لا يجوز متفاضلا ولا متساويا وكذلك العجين بالدقيق عند أكثرهم وأما الشافعي فلا يجوز عنده بيع الخبز بالخبز متفاضلا ولا متماثلا وكذلك العجين بالعجين وكذلك عنده كل شيء لا يجوز أصله إلا مثلا بمثل لا يجوز إذا خرج عن اصله بيع بعضه ببعض بحال لأنه وقف على صحة ما في كل واحد منهما من الأصل وأنه لا يدري مقدار ما في العجين من الماء وبعض الدقيق يحمل من الماء أكثر مما يحمل غيره وكذلك الطبخ فبلغ من بعض الخبز ما لم يبلغ من غيره ولا يجوز عند الشافعي بيع الخل بالخل متماثلا ولا متفاضلا لأنه لا يوقف على ما في كل واحد منهما من الماء فإن كان خل العنب لا ماء فيه فلا بأس ببيع بعضه ببعض متماثلا يدا بيد وكذلك الشرف بالشرف ولا يجوز عنده بيع الدقيق بالبر لا متفاضلا ولا متساويا ولا يجوز عنده يتحرى في شيء من الأشياء التي لا يجوز التفاضل في بيع بعضها ببعض ولا يجوز بيعها إلا مثلا بمثل لا يجوز التحري في شيء من ذلك كله لا في اللحم ولا في غيره ولا بد من وزن ما يوزن منها وكيل ما يكال والكيل عنده أصله ما كان يكال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

والوزن ما كان يوزن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصرف إلى الكيل ما كان يوزن على عهد النبي عليه السلام ولا إلى الوزن ما كان يكال على عهد النبي عليه السلام وأما أبو حنيفة فجائز عنده التفاضل في الخبز لأنه قد خرج عن جنسه وكملت فيه الصناعة وما جاز فيه التفاضل جاز فيه التحري ولا يجوز عند مالك بيع الحنطة المقلوة بالحنطة ويجوز عنده السويق بالبر وبالدقيق متفاضلا لما دخله من الصنعة وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يباع السويق بالحنطة ولا بالدقيق متفاضلا ولا متساويا وهو قول الشافعي والثوري والأوزاعي والليث قال مالك لا يصلح مد زبد ومد لبن بمدي زبد وهو مثل الذي وصفنا من التمر الذي يباع صاعين من كبيس وصاعا من حشف بثلاثة أصوع من عجوة حين قال لصاحبه إن صاعين من كبيس بثلاثة أصوع من عجوة لا يصلح ففعل ذلك ليجيز بيعه وإنما جعل صاحب اللبن مع زبده ليأخذ فضل زبده على زبد صاحبه حين أدخل معه اللبن قال أبو عمر قول الشافعي في ذلك كقول مالك وأما أبو حنيفة فجائز ذلك كله عنده لأنه يجوز عنده مد لبن بمد لبن ومد زبد بمد زبد ويكون المد من الزبد بالمد من الزبد وأما الشافعي فلا يجوز عنده اللبن بالزبد بحال إذا كان من جنسه والألبان عنده أجناس لبن الغنم ماعزها وضأنها صنف واحد ولبن البقر غربيها وجواميسها صنف ولبن الإبل مهريها وعرابها صنف وإن اختلف الصنفان فلا بأس به متفاضلا يدا بيد واختلف قوله في اللحوم فقال المزني الأولى به أن تكون أصنافا كاللبن وهو قول الكوفي

قال مالك والدقيق بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به وذلك لأنه أخلص الدقيق فباعه بالحنطة مثلا بمثل ولو جعل نصف المد من دقيق ونصفه من حنطة فباع ذلك بمد من حنطة كان ذلك مثل الذي وصفنا لا يصلح لأنه إنما أراد أن يأخذ فضل حنطته الجيدة حتى جعل معها الدقيق فهذا لا يصلح قال أبو عمر اختلف قول مالك في بيع الدقيق بالحنطة فالأشهر عنه والأكثر انه أجازه مثلا بمثل وهو قول الليث وبن شبرمة وروي عنه أنه منع منه وهو قول الشافعي والكوفي وبه قال بن الماجشون وقال هذا مثل الرطب بالتمر وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما لا يجوز بيع الدقيق بالحنطة لا متماثلا ولا متفاضلا وكان عبد العزيز بن أبي سلمة يجيز بيع الدقيق بالقمح متفاضلا وروي عنه مثل قول الشافعي والأول أصح عنه وقال شعبة سألت بن شبرمة عن الدقيق بالبر فقال شيء لا بأس به قال شعبة وسألت الحكم وحمادا عن ذلك فكرهاه وأما قول مالك في نصف مد دقيق ونصف مد من حنطة بمد من دقيق فقد بين علته في ذلك ووافقه الشافعي وأبو حنيفة في الجواب دون العلة لأنهما لا يجيزان بيع الدقيق بالحنطة أصلا ونحن على مذهب من أجاز بيعها مثلا بمثل لأنه نصف مد دقيق بمثله من دقيق ونصف مد حنطة بمثله من حنطة باب جامع بيع الطعام مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب فقال إني رجل أبتاع الطعام يكون من الصكوك بالجار فربما ابتعت منه

بدينار ونصف درهم فأعطى بالنصف طعاما فقال سعيد لا ولكن أعط أنت درهما وخذ بقيته طعاما قال أبو عمر قوله يكون من الصكوك بالجار ليس عند القعنبي ولا بن القاسم ولا أكثر الرواة للموطأ وإنما عندهم إني رجل أبتاع الطعام فربما ابتعت منه وهذا الحديث عند القعنبي عن مالك أنه بلغه أن رجلا سأل سعيد بن المسيب قال إني رجل أبتاع ليس فيه عنده وذكره بن أبي مريم وفي هذا الخبر دليل على أن ذلك الزمن لم يكن عندهم دراهم مكسورة ولا دنانير مقطوعة ولذلك قال سعيد قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض فلما لم يجد مبتاع الطعام بدينار ونصف درهم نصف درهم أمره سعيد أن يعطيه درهما ويأخذ ببقيته طعاما والمال يعني في دراهم سعيد أن يعطيه بأكثر من درهم طعاما فذلك عند أصحاب مالك على وجهين أحدهما أن يكون الطعام الذي يعطيه بنصف الدرهم من الطعام الذي ابتاع منه فيدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى والآخر أن يكون الطعام من غير الذي اشترى منه فيكون حنطة وذهبا بطعام وفضة فيدخله التفاضل بين الطعامين على ما قدمنا من أصل مذهب مالك في ذلك وإذا تم له الدرهم وأخذ به حنطة كان حينئذ دينار ودرهم في حنطة فلم يدخله شيء وعند الكوفيين لا يجوز أن يعطيه في نصف الدرهم طعاما من غير ما ابتاع ومما ابتاع منه إذا قبضه لأنه يكون بيع الطعام بإزاء مثله من الطعام وسائره بالدينار وعند الشافعي يكون شريكا له في الدرهم إن أراد ويستحب أيضا ما قاله سعيد مالك أنه بلغه أن محمد بن سيرين كان يقول لا تبيعوا الحب في سنبلة حتى يبيض

قال أبو عمر وهذا قد روي مرفوعا مسندا أخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكير قال أخبرنا أبو داود قال حدثني عبد الله بن محمد النفيلي قال حدثني بن علية عن أيوب عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى تزهي وعن السنبل حتى تبيض ويأمن من العاهة نهى البائع والمشتري واخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بكير بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني عبد الوارث بن سعيد التنوري عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى تزهي وعن السنبل حتى تبيض نهى البائع والمشتري وفي نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع السنبل حتى تبيض دليل على أنه إذا ابيض جاز بيعه وفي مثل هذا حديث أنس بن مالك اخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني الحسن بن علي قال حدثني أبو الوليد الطيالسي عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود ونهى عن بيع الحب حتى يشتد وهذا دليل على أنه إذا أشتد الحب وابيض السنبل جاز بيعه قبل حصاده وهذا موضع اختلف الفقهاء فيه فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وأهل المدينة وأهل الكوفة وأكثر أهل العلم إلى أن بيع الحب في سنبله إذا يبس واستغنى عن الماء وابيض السنبل جائز واختلفوا فيمن عليه حصاده ودرسه فقال بعضهم هذا على البائع حتى يسلم الحبة إلى المشتري مميزا من التبن وهو قول الكوفيين وقال غيرهم حصاده على المشتري

وقال الشافعي لا يجوز بيع الحب في سنبله كما لا يجوز بيعه محصودا في تبنه إلا أن يجوز شراء شاة مذبوحة عليها جلدها الحائل دون لحمها قال ولم أجد أحدا من أهل العلم يأخذ عشر الحبوب في أكمامها ولا يجوز بيع الحنطة بالحنطة في سنبلها قال ومن أجاز بيع الحنطة في سنبلها لزمه أن يجيزه في تبنها قال أبو عمر قد روى الربيع بن سليمان عن الشافعي أنه سمعه يقول وقيل له في بيع الزرع إذا ابيض واشتد في سنبله خبر بإجازته عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال من رواه قيل له رواه إسماعيل بن علية عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الزرع حتى يبيض ويشتد قال ما أحفظ هذا الحديث ولا يجوز بيعه لأنه شيء غير معين وبيعه من بيع الغرر وإن صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل المعرفة بالحديث ما وسعنا إلا اتباعه إلا أتباعه والقول به ولا يحل لأحد استعمال قياس ولا معقول مع ثبوت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلافه وقال اضربوا عليه وكثيره من بيع الزرع في سنبله جائز كما جاء الخبر به عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر تحصيل مذهب الشافعي عند أصحابه أنه لا يجوز بيع ما لم يخلق كالمقاثي والموز والباذنجان والياسمين ولا بيع ما خلق فلم يقدر على تسليمه في حين البيع ولا بيع ما خلق وقدروا عليه إذا كان معينا في الأرض أو غيرها أو حال دون رؤيته حائل ولا بيع شيء خلط بغيره خلطا يمنع أن يعرف مقداره وهذا كله عنده من بيوع الغرر ولا يجوز شيء منه وإن وقع البيع فيه أبطله وسيأتي القول في بيع الغرر في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ولا يجوز عند الشافعي بيع الجزر ما دام عليه قشرتان حتى تزول القشرة العليا وتبقى في القشرة السفلى التي فيها بقاؤه ويصح النظر إليه قال مالك من اشترى طعاما بسعر معلوم إلى أجل مسمى فلما حل الأجل قال الذي عليه الطعام لصاحبه ليس عندي طعام فبعني الطعام الذي لك علي إلى أجل فيقول صاحب الطعام هذا لا يصلح لأنه قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى فيقول الذي عليه الطعام لغريمه فبعني طعاما إلى أجل حتى أقضيكه فهذا لا يصلح لأنه إنما يعطيه طعاما ثم يرده إليه فيصير الذهب الذي

أعطاه ثمن الذي كان له عليه ويصير الطعام الذي أعطاه محللا فيما بينهما ويكون ذلك إذا فعلاه بيع الطعام قبل أن يستوفى قال أبو عمر أما إذا كان على حسب ما وصفه مالك فإنه أمر مكشوف فقد عقدا عليه غريمتها وظهر ذلك في فعلهما إذا قال له لا أبيعك الطعام الذي سلمت فيه إليك وحتى أقبضه فقال له بعني طعاما إلى أجل أصرفه إليك فضامن طعامك ويبقى ثمنه على مكانه إنما باعه الطعام الذي كان عليه بالثمن الذي عقده في الطعام الآخر فصار بيع الطعام قبل قبضه إلى سائر ما يدخله من وجوه الربا لأنه قد صرف الطعام الذي اشترى منه إليه وصار فعلهما ذلك وذريعة إلى تحليل ما لا يحل في بيع الطعام قبل أن يستوفى وأما إذا ابتاع رجل طعاما من غريم له عليه طعام من غير شرط ولا إعادة معروفة ثم قضاه منه فإن ذلك جائز عند الشافعي وعند كل من لا يقول بإعمال الظن لقطع الذريعة لأن الله عز وجل لم يحرم على أحد أن يبتاع من غريمه سلعة بعد سلعة وأن يعامله معاملة بعد معاملة إذا كانا من أهل السلامة فإذا ملك الطعام الذي ابتاع منه بغير شرط ولا كلام هو كالشرط وقبضه وجائز فيه تصرفه جاز له أن يقضي منه ذلك الغريم ما عليه من الطعام كما له أن يفعل فيه ما أحب ولا يجوز ذلك عند مالك لأن الفعل القبيح عنده كأنه قد شرطه وقصده ولا ينفع عنده القول الحسن في البيع إذا كان الفعل قبيحا كما لا يضره عنده القول القبيح إذا كان الفعل حسنا ألا ترى أنه يجيز ما لا يجيزه أحد من العلماء غيره وذلك قول الرجل أبيعك سلعتي هذه بكذا وكذا درهما على أن تعطيني في تلك الدراهم دينارا فأجاز ذلك مالك مع قبح الكلام لأنه يجمع بيقين في بيعه وصرفا متأخرا عند غيره وأما عنده فإنما باعه تلك السلعة بالدينار وكان ذكر الدراهم عنده لغوا لم يلتفت إليه وأما الشافعي فإنه لا يراعي فيما يحل ويحرم من البيوع بين المتبايعين إلا ما اشترطا وذكرا بألسنتهما وظهر من قولهما لإجماع العلماء على أنه إذا قال له أبيعك هذه الدراهم بدنانير أنظرك بها حولا أو شهرا لم يحل ولو قال أسلفني

دراهم وأمهلني بها حولا أو شهرا جاز وليس بين ذلك الاختلاف لفظ القرض ولفظ البيع قال مالك في رجل له على رجل طعام ابتاعه منه ولغريمه على رجل طعام مثل ذلك الطعام فقال الذي عليه الطعام لغريمه أحيلك على غريم لي عليه مثل الطعام الذي لك علي بطعامك الذي لك علي قال مالك إن كان الذي عليه الطعام إنما هو طعام ابتاعه فأراد أن يحيل غريمه بطعام ابتاعه فإن ذلك لا يصلح وذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى فإن كان الطعام سلفا حالا فلا بأس أن يحيل به غريمه لأن ذلك ليس ببيع ولا يحل بيع الطعام قبل أن يستوفى لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك غير أن أهل العلم قد اجتمعوا على أنه لا بأس بالشرك والتولية والإقالة في الطعام وغيره قال مالك وذلك أن أهل العلم أنزلوه على وجه المعروف ولم ينزلوه على وجه البيع وذلك مثل الرجل يسلف الدراهم النقص فيقضي دراهم وازنة فيها فضل فيحل له ذلك ويجوز ولو اشترى منه دراهم نقصا بوازنة لم يحل ذلك ولو اشترط عليه حين أسلفه وازنة وإنما أعطاه نقصا لم يحل له ذلك قال مالك ومما يشبه ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة وأرخص في بيع العرايا بخرصها من التمر وإنما فرق بين ذلك أن بيع المزابنة بيع على وجه المكايسة والتجارة وأن بيع العرايا على وجه المعروف لا مكايسة فيه قال أبو عمر أما قوله في أن الحوالة بالطعام إذا كان من بيع لا يجوز وإذا كان من قرض جاز فقد مضى القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفى من ابتاعه لا من ملكه بأي وجه كان لأنه صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه أو قال حتى يقبضه فخص مبتاع الطعام بذلك لأنه في ضمان غيره لا في ضمانه وجاز للوارث بيعه قبل أن يستوفيه لأنه غير مضمون على غيره وخالف الشافعي مالكا في القرض فلم ير بيعه قبل قبضه لأنه من ضمان المستقرض وأما الحوالة به فرأى مالك أن الحوالة إن كانت نقل ذمة إلى ذمة وتحول ما

على ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه برضا المستحيل فإنه عنده بيع من البيوع لأن البيع كل ما تعارض عليه المتعاوضان فلم تجز الحوالة في الطعام لمن ابتاعه كما لا يجوز بيعه قبل قبضه وقول الشافعي في ذلك كقول مالك قال الشافعي ولرجل عليه طعام فأحال به على رجل له عليه طعام لم يجز من قبل أن أصل ما كان له بيع وإحالته به بيع منه له بالطعام الذي عليه بطعام على غيره وأما أبو حنيفة وأصحابه فلا بأس عندهم بالحوالة في السلم كله طعاما كان أو غيره وهو عندهم من باب الكفالة وجائز عندهم للمسلم أن يستحيل بما سلم فيه على من أحاله عليه المسلم إليه كما له أن يأخذ به رهنا وكفلا وأخرجوا الحوالة من البيع كما أخرجها الجميع من باب الدين بالدين ومن باب البيع أيضا ولو كانت الحوالة من البيع ما جاز أن يستحيل أحد بدنانير من دنانير أو بدراهم من دراهم لأنه ليس هاء وهاء وأما قول مالك بأن أهل العلم قد أجمعوا أنه لا بأس بالشركة والتولية والإقالة في الطعام وغيره إلى آخر كلامه وأحسبه أراد أهل العلم في عصره أو شيوخه الذين أخذ عنهم وأما سائر العلماء فأنهم لا يجيزون الشركة ولا التولية في الطعام لمن ابتاعه قبل أن يقبضه فأن الشركة والتوالية بيع من البيوع وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه وستأتي هذه المسألة في بابها إن شاء الله عز وجل وأما قوله أنزلوه على وجه المعروف قال المعروف عند غيره من العلماء ليس بمعارضه ولا بدل في غيره وإنما هو إحسان لا عوض منه إلا الشكر والأجر وأما السلف الذي هو القرض فقد وردت السنة المجتمع عليها فيه أن خير الناس أحسنهم قضاء وأن الزيادة فيه إذا اشترطت ربا وليس هكذا سبيل البيوع والعرايا بيع مخصوص في مقدار لا يتعدى وقد أنكروا على أبي حنيفة إذ لم يجعلها من البيوع وقد مضى ما للعلماء في العرايا مما أغنى عن تكراره ها هنا والحمد لله

قال مالك ولا ينبغي أن يشتري رجل طعاما بربع أو ثلث أو كسر من درهم على أن يعطي بذلك طعاما إلى أجل قال أبو عمر قوله يعطي بذلك طعاما يريد الكسر كذلك رواه القعنبي وهذا بين في مذهبه واضح لأنه اشترى منه ببعض درهم طعاما قبضه على أن يعطيه عند الأجل بالكسر من الدراهم طعاما والدرهم لم يكن يتبعض عندهم ولا يجوز كسره عند أهل المدينة على ما قدمنا عنهم فيما مضى من هذا الكتاب في موضعه فلم يدفعه وشرط أن يعطيه في ذلك الكسر طعاما عند الأجل بهذا لا يجيزك أحد لأنه طعام بطعام إلى أجل وذكر الكسر من الدرهم لا معنى له لأنه قد شرط أن يعطيه فيه طعاما عند الأجل فكان ذكره لغوا وكان في معنى الحيلة أو الذريعة إلى بيع الطعام بالطعام نسيئة هذا كله أصل مالك ومعنى قوله وقد ذكرنا قوله في الذي يبيع سلعته بدنانير على أن يعطيه بالدنانير كذا وكذا درهما أن بيعه لسلعته إنما هو بالدراهم وذكر الدينار لغو فكذلك ذكر الكسر من الدرهم هنا لغو وهو طعام بطعام إلى أجل وأما الشافعي وأبو حنيفة فهو عندهما من بيعتين في بيعة ويدخله أيضا عندهما بيع الطعام بالطعام نسيئة قال مالك ولا بأس أن يبتاع الرجل طعاما بكسر من درهم إلى أجل ثم يعطي درهما ويأخذ بما بقي له من درهمه سلعة من السلع لأنه أعطى الكسر الذي عليه فضة وأخذ ببقية درهمه سلعة فهذا لا بأس به قال أبو عمر لأنهما صفقتان لا يدخلهما شيء من المكروه قال مالك ولا بأس أن يضع الرجل عند الرجل درهما ثم يأخذ منه بربع أو بثلث أو بكسر معلوم سلعة معلومة فإذا لم يكن في ذلك سعر معلوم وقال الرجل آخذ منك بسعر كل يوم فهذا لا يحل لأنه غرر يقل مرة ويكثر مرة ولم يفترقا على بيع معلوم

قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه للجهل بمبلغ ما يأخذ كل يوم بسعره لانخفاض الأسعار وارتفاعها قال مالك ومن باع طعاما جزافا ولم يستثن منه شيئا ثم بدا له أن يشتري منه شيئا فإنه لا يصلح له أن يشتري منه شيئا إلا ما كان يجوز له أن يستثني منه وذلك الثلث فما دونه فإن زاد على الثلث صار ذلك إلى المزابنة وإلى ما يكره فلا ينبغي له أن يشتري منه شيئا إلا ما كان يجوز له أن يستثني منه ولا يجوز له أن يستثني منه إلا الثلث فما دونه وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا قال أبو عمر أما قوله وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فإنه أراد أن الرجل إذا باع ثمر حائط له أن له أن يستثني منه ما بينه وبين ثلث التمر لا يجاوز ذلك على ما ذكره في باب ما يجوز في استثناء التمر وقال آخر أنه الأمر المجتمع عليه عندهم والصبرة عنده والجزاف من الطعام كله كثمرة الحائط سواء في بيع ذلك قبل قبضه كالعروض وقد مضى القول بما للعلماء في ذلك من المذاهب في ذلك الباب من هذا الكتاب وأما قوله في هذه المسألة أنه إن زاد على الثلث صار إلى المزابنة فإنه يدل على أن بائع الطعام جزافا أراد أن يشتري منه طعاما بطعام مثله كيلا فرآه من الخطر والقمار والمزابنة لأنه لا يدري كم الباقي الذي وقعت عليه الصفقة الأولى وهذا ما كرهه جمهور العلماء على ما تقدم في باب الاستثناء وأجازه مالك في الثلث فما دون ولم يجزه فيما فوق ذلك وقد مضى القول فيه هنالك وقد سأل يحيى بن إبراهيم عيسى بن دينار عن تفسير هذه المسألة كلها فقال عيسى معنى هذا عند مالك قبل أن يعيب عليه المبتاع ويكون ذلك معاوضة من الثمن فإذا بان ذلك لا يصلح لأنه بيع وسلف قلت فإن كان قد غاب عليه فابتاعه منه كله معاوضة بنقد الثمن فيصلح ذلك أم لا قال لا قال قلت ولم قال لأنه زيادة في السلف كأنه أسلفه ذلك الطعام الذي غاب عليه ثم

رده إليه ويزيده الذي بقي عليه من الثمن إلى آخر الأجل قال أبو عمر أما الشافعي والكوفي فلا يجوز عندهما لمن اشترى طعاما جزافا أن يبيعه حتى يقبضه بما يقبض له مثله وأقل ذلك أن ينقله من موضعه فإذا كان ذلك جاز عندهما لمن اشتراه وقبضه أن يبيع منه ما شاء على سنة البيوع إن كان بطعام يدا بيد على كل حال وإن كان من صنف واحد مثلا بمثل يدا بيد وإن كان بالذهب والفضة فكيف شاء المتبايعان على سنة البيوع وما غاب عليه المبتاع مع ما وصفنا وما لم يعب عليه من ذلك سواء وقد اختلف بن القاسم وأشهب في بيع التمر في رؤوس النخل بطعام حاضر من غير جنسه فقال بن القاسم لا يجوز ذلك إلا أن يأخذه قبل أن يفترقا وقال سحنون إذا يبس التمر فلا بأس باشترائه بالطعام نقدا وإن تفرق قبل الجذ لأن العقد فيها قبض ألا ترى أنه ليس فيها جائحة إذا يبست قال وكذلك قال لي أشهب باب الحكرة والتربص مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال لا حكرة في سوقنا لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق من رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف

فذلك ضيف عمر فليبع كيف شاء الله وليمسك كيف شاء الله مالك عن يونس بن يوسف عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق فقال له عمر بن الخطاب إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا مالك أنه بلغه أن عثمان بن عفان كان ينهي عن الحكرة قال أبو عمر أما النهي عن الحكرة فقد روي فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الحكرة من وجه صحيح إلا أن معناها الطعام الذي يكون قوتا عند الحاجة إليه حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله بن نضلة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتكر إلا خاطئ ورواه محمد بن فضيل عن بن إسحاق بإسناده مثله وزاد قال وكان معمر محتكرا ورواه بن عجلان عن محمد بن عمرو عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول لا يحتكر إلا خاطئ قال فكان سعيد بن المسيب يحتكر فقيل له فقال كان معمر يحتكر قال أبو عمر إنما كان سعيد بن المسيب ومعمر يحتكران الزيت وليس عليه مخرج الحديث حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثني القاسم بن أمامة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتكر الطعام

قال وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار قال رأيت جرار سعيد بن المسيب التي كان يحتكر فيها الزيت قد أخرجت وأقيمت في الطريق قال أبو عمر وأما حديث عمر في قصة حاطب فروى سفيان بن عيينة عن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال من جاء أرضا بسلعة فليبعها كيف شاء وهذا سوقنا ولا يبع في سوقنا محتكر وذكر عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أنه سمع عبد الرحمن بن القاسم وعمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير ويحيى بن سعيد وذكر رجل في المجلس قول عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة إما أن يبيع بسعر السوق وإما أن يخرج من سوقنا فقالوا جميعا قد سمعنا هذا قالوا قال بن وهب وقال لي بن سمعان من فعل هذا من الولاة لا أصل أصاب ومن أقام على الناس ما بأيديهم من السلع جهل السنة وأثم في القيمة وأطعم المشتري بما لا يصلح له وإنما السعر يدا بيد هو يخفضه ويرفعه ليس إلى الناس من ذلك شيء قال وسمعت مالك بن أنس يقول لا يسعر على أهل الأسواق فإن ذلك ظلم ولكن إذا كان في السوق عشرة أصوع فحط هذا صاعا أمر أن يخرج من السوق وقال بن القاسم عن مالك لا تقوم على أحد سلعته وإنما يصنع في ذلك كما صنع بن الخطاب بحاطب قال بن القاسم الفواكه كلها والآدام والطعام وجميع الأشياء لا يقوم شيء منها بشيء منها على أهل الحوانيت ولا غيرهم وإنما يقال للواحد والاثنين إما أن تلحقا بأسعار الناس وإما قوما من السوق قال وإن كان واحدا واثنين أو ثلاثة رفعوا في السعر فحطوا مما يبيع الناس لم يقم لهم أهل السوق ولا يقام الكثير للقليل وأما الحكرة فإن مالكا قال إذا قل الطعام في السوق واحتاج الناس إليه فمن اشترى منه شيئا للحكرة فهو مضر للمسلمين معتد في فعله ذلك فمن فعله فليخرجه إلى السوق وليبعه من أهل السوق بما ابتاعه ولا يزدد فيه وأما إذا كثر الطعام في الأسواق وباروا استغنى المسلمون عنه فلا بأس حينئذ بالابتياع للحكرة قال وجميع الأشياء في ذلك كالطعام قال أبو عمر روى عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن داود بن صالح التمار

أنه سمع القاسم بن محمد يقول مر عمر بن الخطاب بحاطب وهو يبيع زبيبا فقال له عمر كيف تبيع فذكر له سعرا فقال له عمر إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع فرفع فجاء عمر بنفسه ثم رجع إلى حاطب فقال له إنما أخبرت أن عيرا مقبلة من الطائف بزبيب فأحببت أن تعتبر بسعرك فبع كيف شئت هكذا رواه طائفة عن الدراوردي منهم بن وهب وأبو أحمد الزبيري وعنه داود بن صالح التمار في هذا المعنى حديث مرفوع رواه عن أبيه عن أبي سعيد الخدري وداود هذا مدني مولى للأنصار وليس به بأس وأما الشافعي فروى عن الدراوردي عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر أنه مر بحاطب بن أبي بلتعة وبين يديه غرارتان فيهما زبيب فذكر نحو حديث مالك إما أن ترفع في السعر وإما أن تدخل زبيبك بيتك فتبيعه كيف شئت فلما رجع عمر حاسب نفسه ثم أتى حاطبا في داره فقال له عمر إن الذي قلت ليس بعزيمة مني ولا قضاء وإنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت وكيف شئت فبع قال الشافعي وليس هذا بخلاف لما رواه مالك لأن مالكا روى بعض الحديث وهذا العصاة قال الشافعي والناس مسلطون على أحد لهم ليس لأحد أن يأخذها ولا شيئا منها بغير طيب أنفسهم إلا في المواضع التي أوجب الله تعالى عليهم فيها الحقوق وليس هذا منها قال الشافعي والحكرة المكروهة فيما هو قوت وعن الناس قوام لأبدانهم كالحنطة والشعير وما كان مثلها عند عدمها فلا يجوز لأحد الحكرة في حاجة الناس حتى لا يجدوا منه إلا ما يتبلغون به فحينئذ لا ينبغي لأحد أن يخرج ذهبه وورقه فيزاحم الناس على شر الطعام ليحتكره ويغلي على الناس أسعارهم وليمنع من ذلك ويؤدب عليه وأما الفاكهة والآدام كله فلا بأس بحكرته في كل وقت وكان سعيد بن المسيب يحتكر الزيت وقول أبي حنيفة وأصحابه في الحكرة نحو ذلك وقالوا لا يجوز التسعير على الناس ولا يصلح لأن الله عز وجل يقول لا تأكلوا أمولكم بينكم بالبطل إلا أن تكون تجرة عن تراض منكم النساء وقال الليث بن سعد وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد لا بأس بالتسعير على البائعين للطعام إذا خيف منهم أن يفسدوا أسواق المسلمين ويغلوا أسعارهم

وحق على الوالي أن ينظر للمسلمين فيما يصلحهم ويعمهم نفعه قال الليث وقال ربيعة السوق موضع عصمة ومنفعة للمسلمين فلا ينبغي للوالي أن يترك أهل الأسواق وما أرادوه من أنفسهم إذا كان في ذلك فساد لغيرهم ولو كان في ذلك إخراجهم من السوق وإدخال غيرهم فيه والقيمة حسنة ولا بد منها عند الحاجة إليها مما لا يكون فسادا ينفر به الجالب ويمتنع به التاجر من البيع لأن ذلك أيضا باب فساد لا يدخل على الناس ولم يكن رأي الوالي إقامة السوق وإصلاحها قال ربيعة وإصلاح الأسواق حلال قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يمنع من التسعير من وجوه صحيحة لا بأس بها حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني قاسم بن إسماعيل قال حدثني عبد العزيز بن عبد الله الأويسي وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن عثمان الدمشقي قالا حدثني سليمان بن بلال قال حدثني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله سعر فقال بل أدعو الله ثم جاءه رجل فقال يا رسول الله سعر فقال بل الله يرفع ويخفض وإني لأرجو أن ألقى الله وليست لأحد عندي مظلمة وحدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني عثمان بن أبي شيبة قالا حدثني عثمان قال حدثني حماد بن سلمة قال أخبرنا ثابت وقتادة عن حميد عن أنس قال غلا السعر بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس يا رسول الله سعر لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق وأني لأرجو أن ألقى الله ولا أرى أحدا يطلبني بالمظلمة في مال ولا دم

ورواه سفيان بن موسى عن أنس عن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروي عن علي بن أبي طالب مثله أنه سئل التسعير وأن يقوم السوق فأبى وكره ذلك حتى عرفت الكراهة فيه وقال السوق بيد الله يخفضها ويرفعها باب ما يجوز من بيع الحيوان بعضه ببعض والسلف فيه مالك عن صالح بن كيسان عن حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب أن علي بن أبي طالب باع جملا له يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل هكذا هذا الخبر في الموطأ عند جميع الرواة بالموطأ بهذا الإسناد ورواه عبد الحميد بن سليمان عن مالك عن بن شهاب عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما أن عليا باع جملا له يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل فوهم فيه وأخطأ والصحيح في إسناده ما في الموطأ وأما إسناد عبد الحميد فإنما هو في حديث تحريم المتعة ولحوم الحمر الأهلية فاختلط عليه الإسناد ولم يقمه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالزبذة مالك أنه سأل بن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل فقال لا بأس بذلك قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا بأس بالجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم يدا بيد ولا بأس بالجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم الجمل بالجمل يدا بيد والدراهم إلى أجل قال ولا خير في الجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم الدراهم نقدا والجمل إلى أجل وإن أخرت الجمل والدراهم لا خير في ذلك أيضا

قال أبو عمر لا ربا عند مالك وأصحابه فيما عدا المطعوم والمشروب إذا ما كان أو قوتا والذهب والفضة إلا فيما دخل معناه الزيادة والسلف فإن الزيادة في السلف ربا عند جميع العلماء إذا كان ذلك مسلوفا معلوما مقصودا إليه مشترطا وعند مالك ما كان في معنى ذلك فله حكمه وإن لم يشترط ذلك ولا ذكر إذا آل إليه بالجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم يدا بيد ليس فيه شيء من معنى السلف والزيادة عليه لأن السلف بنسيئة أبدا كان حالا أو إلى أجل يدا بيد فليس فيه شيء من معنى الزيادة في السلف وكذلك الجمل بالجمل يدا بيد والدراهم إلى أجل لأن الجمل بالجمل قد حصل يدا بيد فيبطل أن يتوهم فيه السلف وعلم أنه بيع ولا ربا في الحيوان بالحيوان من جهة البيع إلا ما ظن به أن فاعله قصد به استسلافه والزيادة على المثل فيه لموضع الأجل كما وصفنا وأما الجمل بالجمل مثله وزيادة دراهم الدراهم نقدا والجمل إلى أجل فهذا لم يجز لأنه جمل بجمل مثله في صفته يأخذه إلى أجل وزيادة دراهم فصار كأنه أسلفه إياه قرضا إلى أجل على أن زاده دراهم معجلة وكذلك لو كان الجمل والدراهم جميعا إلى أجل لأنه كان استسلف الجمل على أن يرده إليه بصفته ويرد معه إليه دراهم لموضع السلف فهذا سلف جر منفعة وهي الزيادة على مثل ما أخذ المستسلف هذا كله مذهب مالك ومعنى قوله لأن الحيوان بالحيوان عنده لا يجوز فيه النسيئة إلا أن تختلف الأغراض فيه والمنافع بالنجابة والفراهة ونحو ذلك وإنما المراعاة في هذا الباب تأخير أحد الجملين وسواء كانت الدراهم نقدا أو نسيئة لأنه إذا تأخر أحد الجملين صار جملا بجمل نسيئة وزيادة دراهم فلا يجوز وقد قال بقول مالك في الجمل بالجمل محمد بن سيرين وقتادة ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين ومعمر عن قتادة قالا لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم الدرهم نسيئة قالا فإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو مكروه قال مالك ولا بأس أن يبتاع البعير النجيب بالبعيرين أو بالأبعرة من الحمولة من ماشية الإبل وإن كانت من نعم واحدة فلا بأس أن يشتري منها اثنان بواحد إلى

أجل إذا اختلفت فبان اختلافها وإن أشبه بعضها بعضا واختلفت أجناسها أو لم تختلف فلا يؤخذ منها اثنان بواحد إلى أجل قال مالك وتفسير ما كره من ذلك أن يؤخذ البعير بالبعيرين ليس بينهما تفاضل في نجابة ولا رحلة فإذا كان هذا على ما وصفت لك فلا يشتري منه اثنان بواحد إلى أجل ولا بأس أن تبيع ما اشتريت منها قبل أن تستوفيه من غير الذي اشتريته منه إذا انتقدت ثمنه قال أبو عمر يقول رحمه الله إن النجابة والفراهة في الرحلة والسرعة إذا كان في الجهة الواحدة ولم يكن في الثانية خرج من أن يتوهم فيه السلف وصح أنه بيع لأن السلف إنما على المستلف له أن يرد مثله فإذا كان الشرط أنه لا بد مثله إلا بزيادة دراهم على أنه لا بيع ولا ربا في الحيوان في البيوع وجائز أن يؤخذ منه اثنان بواحد يدا بيد على كل حال اختلفت أو لم تختلف واثنان بواحد إلى أجل إذا اختلفت فبان اختلافه من هذا كله وقد تكرر وبان والحمد لله وحكم العبيد وسائر الحيوان في الاختلاف نحو ذلك إلا أن الاختلاف في العبيد أن يكون العبد والجارية لهما صفة ظاهرة كالطبخ والرقم والتجارة وما أشبه ذلك من الصناعات وليس الجمال والفراهة عند بن القاسم باختلاف وقال أصبغ ذلك اختلاف وكذلك قال بن القاسم في الجارية الكاتبة له أن يبيعها باثنتين لا يكتبان نسيئة وهو رأي أصبغ ومعنى ما في الموطأ أن الفصاحة والتجارة والنفاذ والمعرفة جائز أن يسلم من كان كذلك من العبيد فيمن ليس كذلك منهم واحد في اثنين وأكثر وأما قوله إنه لا بأس أن تبيع منه ما اشتريت من قبل أن تستوفيه فقد مضى مذهبه أن الطعام مخصوص بذلك عنده دون ما عدا الطعام لقوله صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه فقد خص الطعام ومضى قول من خالفه في ذلك أيضا وأما قوله من غير الذي اشتريت منه فلانة لو باعه من الذي اشتراه منه بأكثر

كانت الدراهم بأكثر منها وكان الجمل محللا لما يحرم من ذلك فإن باعه منه بمثل ما اشتراه منه في صفته وحاله جاز وارتفعت فيه التهمة وأما قوله أنه جائز أن يبيعه من غير الذي اشتراه نقدا ولا يجوز إلى أجل فإنه عنده من باب فسخ دين في دين وذلك لا يجوز في غير الحوالة قال أبو عمر أما اختلاف العلماء في بيع الحيوان بعضه ببعض يدا بيد ونسيئة فقول مالك في ذلك ما تقدم وتقدم تفسير مذهبه فيه وأما الشافعي فلا ربا عنده في الحيوان بحال من الأحوال وجائز عنده بيع بعضه ببعض نقدا ونسيئة اختلف أو لم يختلف ولا ربا عنده إلا في الذهب والورق أو ما يكال أو يوزن مما يؤكل او يشرب على مذهب سعيد بن المسيب وحجته في جواز بيع الحيوان بعضه ببعض نسيئة حديث عبد الله بن عمرو بن العاص حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن أبي سفيان بن مسلم عن مسلم بن كثير عن عمرو بن حريش الزبيدي قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أنه ليس بأرضنا ذهب ولا فضة إنما نبيع البعير بالبعيرين والبقرة بالبقرتين والشاة بالشاتين فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ في قلائص الصدقة البعير بالبعيرين والشاة بالشاتين إبل الصدقة قال عثمان بن سعيد الدارمي قال قلت ليحيى بن معين أبو سفيان المزني روى عنه بن إسحاق ما حاله قال مشهور ثقة قال قلت عن مسلم بن كثير عن عمرو بن حريش الزبيدي قال هذا حديث مشهور قال أبو عمر قول أبي ثور في هذا الباب كقول الشافعي وقال أبو عبد الله المزني وهذا أصح الأقاويل وأقيسها وبه قال داود

وروى معمر عن الزهري أنه سأله عن الحيوان بالحيوان نسيئة فقال سئل سعيد بن المسيب عن الحيوان فقال لا ربا في الحيوان واحتج الشافعي لمذهبه في ذلك بأحاديث مالك في أول هذا الباب عن علي بن أبي طالب وبن عمر وبن شهاب ولا حجة له في ذلك لأنه قد روي عن علي بن أبي طالب خلاف ذلك رواه معمر عن بن طاوس عن أبيه أنه سأل بن عمر عن بعير ببعيرين نظرة قال لا فسأل أبي بن عباس فقال قد يكون البعير خيرا من البعيرين وروى عبد الرزاق عن الأسلمي عن عبد الله بن أبي بكر عن بن أبي بكر عن بن قسيط عن بن المسيب عن علي رضي الله عنه أنه كره بعيرا ببعيرين نسيئة قال أبو عمر حديث مالك عن علي أثبت من هذا والأسلمي ليس بالقوي وأما سعيد بن المسيب وبن شهاب فلا خلاف بينهما فيما ذهب إليه الشافعي وهو قول رافع بن خديج وبن عباس قال أبو عمر إذا حمل ما روي عن علي وبن عمر على معنى ما ذهب إليه مالك لم يختلف المعنى في ذلك وصح استعماله من غير تضاد وبالله التوفيق وقال سفيان الثوري والحسن بن حي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة اختلف أو لم يختلف ومن حجتهم حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة أخبرناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثني حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وروى معمر عن يحيى بن كثير عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الحيوان بالحيوان نسيئة هكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى عن عكرمة مرسلا

وذكر عن الثوري عن عبد العزيز بن رفيع قال سمعت محمد بن الحنفية يكره بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وقال عكرمة وعن معمر قال قال الحسن إذا اختلفا إلى أجل فلا بأس به يقول الغنم بالبقر والبقر بالإبل وأشباه هذا ولا خلاف بين العلماء الكوفيين والحجازيين وغيرهم أنه لا بأس ببيع الحيوان بالحيوان متفاضلا يدا بيد قال أبو عمر يحتمل أن يحتج لمذهب مالك بالحديثين المرفوعين في هذا الباب حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وحديث سمرة فيكون المعنى في حديث عبد الله بن عمرو وإذا اختلفت الأغراض والمنافع على ما وصفنا من مذهبه في ذلك ويكون معنى حديث سمرة إذا لم تختلف فلا يجوز بيع طعامها يقع بعضها ببعض نسيئة فيستعمل الحديثان على هذا إلا أن الأصل في البيوع أنها حلال إذا كانت تجارة عن تراض إلا ما حرمه الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم نصا أو كان في معنى النص فإن ذلك حرام وإن تراضى به المتبايعان وإذا تعارضت الآثار في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة سقطت وكانت الحجة في عموم ظاهر القرآن لأنها تجارة عن تراض وبالله التوفيق قال مالك ومن سلف في شيء من الحيوان إلى أجل مسمى فوصفه وحلاه ونقد ثمنه فذلك جائز وهو لازم للبائع والمبتاع على ما وصفا وحليا ولم يزل ذلك من عمل الناس الجائز بينهم والذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر اختلف السلف والخلف في السلم في الحيوان الموصوف فقال مالك والشافعي والليث والأوزاعي السلف في الحيوان الموصوف جائز كسائر الموصوفات وهو قول عبد الله بن عمر وقال الثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يجوز السلف في الحيوان وهو قول بن مسعود وعبد الرحمن بن سمرة قال أبو عمر احتج من لم يجز السلف في الحيوان بأنه لا يضبط ضبطا صحيحا

بالصفة لأن السن واللون يتباينان تباينا بعيدا لأن الفاره القوي يكون متقدما في الثمن والقيمة والجودة والفراهات ونحو هذا في سائر الحيوان واحتج أهل الحجاز بأن الحيوان يثبت في الذمة بالصفة بدليل ثبوت ذلك في الذمة من الإبل كبنت مخاض وبنت لبون وجذعة وحقة وخلفه ومعلوم أنها تختلف وقد جاءت السنة في الديات بثبوتها في ذمة من وجبت عليه واحتجوا أيضا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقرض بكرا على إبل الصدقة قال أبو عبد الله المروزي حدثني أبو قدامة قال سألت يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي عن السلم في الحيوان فقالا لا بأس به واحتجا بحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا وسيأتي الكلام في حديث بن رافع هذا في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل باب ما لا يجوز من بيع الحيوان مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله نهى عن بيع حبل الحبلة وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها قال أبو عمر جاء تفسير هذا الحديث في سياقه فإن لم يكن تفسيره مرفوعا من قول بن عمر وحسبك بتأويل من روى هذا الحديث وعلم مخرجه مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال لا ربا في الحيوان وإنما نهي من الحيوان عن ثلاثة عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة

والمضامين بيع ما في بطون إناث الإبل والملاقيح بيع ما في ظهور الجمال وتفسير سعيد بن المسيب هذا يدل على ما تدل عليه ترجمة الباب من بيع الحيوان وأنه لا يجوز منه بيع الأجنة ولا بيع ما لم يخلق أو لا بيع ما يقع عليه العين ويحيط به العلم والتفسير في الحديث الأول يحتمل مثل هذا أيضا والأظهر فيه النهي عن البيوع إلى الآجال المجهولة لقوله فيه أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها وبهذا التأويل قال مالك والشافعي وأصحابهما ولا خلاف بين العلماء أن البيع إلى مثل هذا الأجل المجهول لا يجوز وكفى بالإجماع علما وقد جعل الله عز وجل الأهلة مواقيت للناس وهي معلومة فما كان معلوما من الآجال لا يختلف مجيئة ولا يجهل وقته فجائز البيع إليه لا خلاف بين المسلمين فيه وقال آخرون معنى هذا الحديث بيع ولد الجنين في بطن أمه هذا قول أبي عبيد قال أبو عبيد عن بن علية هو نتاج النتاج وبهذا التأويل قال أحمد وإسحاق بن راهويه والتأويلات جميعا مجتمع عليها لا خلاف والحمد لله بين علماء المسلمين فيه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع المجر وهو بيع ما في بطون الإناث ونهى عن المضامين والملاقيح قال أبو عبيد المضامين ما في البطون وهي الأجنة والملاقيح ما في أصلاب الفحول وهذا قول سعيد بن المسيب واستشهد أبو عبيد بقول الشاعر ملقوحة في بطن ناب حائل

وفي البيت الذي استشهد به ملقوحة وكان وجه ما استشهد به أن يقول مضمونة في بطن الحامل وقال غيره المضامين ما في أصلاب الفحول والملاقيح ما في بطون الإناث وذكر المزني عن بن هشام شاهدا بأن الملاقيح ما في البطون لبعض الأعراب منيتني ملاقحا في الأبطن تنتج ما تلقح بعد أزمن وأي الأمرين كان فعلماء المسلمين مجمعون على أن ذلك كله لا يجوز في بيوع الأعيان ولا في بيوع الآجال والحمد لله كثيرا قال أبو عمر في رواية بن عمر لحديث هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يرد ما روي عنه من تجويز ذلك البيع إلى الأجل المجهول ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال بلغني أن بن عمر كان يبتاع إلى ميسرة ولا يسمي إلى أجل قال وأخبرني إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن القاسم بن أبي بزة عن يعقوب أنه كان يبتاع منه إلى الميسرة ولا يسمي أجلا قال مالك لا ينبغي أن يشتري أحد شيئا من الحيوان بعينه إذا كان غائبا عنه وإن كان قد رآه ورضيه على أن ينقد ثمنه لا قريبا ولا بعيدا قال مالك وإنما كره ذلك لأن البائع ينتفع بالثمن ولا يدري هل توجد تلك السلعة على ما رآها المبتاع أم لا فلذلك كره ذلك ولا بأس به إذا كان مضمونا موصوفا قال أبو عمر أما بيع الحيوان الغائب وغير الغائب أيضا عن العلماء في ذلك ثلاثة أقوال أحدها قول مالك إن ذلك جائز فإن وجده على الصفة لزم فيه البيع والشراء ولا خيار للرؤية في ذلك إلا أن يشترط المشتري

والثاني أن بيع الغائب على الصفة وعلى غير الصفة جائز وللمبتاع خيار الرؤية فإذا رآه ورضيه تمت الصفقة وصح البيع هذا قول الكوفيين والشافعي والثالث أنه لا يجوز بيع الغائب على الصفة ولا على غير الصفة ولا يجوز إلا بيع عين مرئية أو صفة مضمونة في الذمة وهو السلم هذا هو المشهور من قول الشافعي وسنذكر هذه المسألة في باب بيع الغرر أن شاء الله تعالى وأما النقد المذكور في هذه المسألة فإنما كرهه مالك وقد ذكر الوجه الذي له كرهه لأن ما كرهه مالك لانه زعم أنه يدخله بيع وسلف وقد اختلف أصحابه في جواز النقد في باب بيع الحيوان الغائب وغير الحيوان وذكر بن المواز عن بن القاسم أنه قال إن كانت الغيبة مثل البريد أو البريدين فلا بأس بالنقد فيه وقال أشهب لا بأس بالنقد فيه اليوم واليومين كان حيوانا أو طعاما قال أشهب لا بأس به وإن كان بعيدا لم يجز النقد فيه كان المبيع ضارا أو ما كان من شيء وروى بن القاسم عن مالك أنه قال لا بأس بالنقد في الدور والعقار كله لأنه مأمون وروى أشهب عن مالك مثل ذلك وخالفه فلم ير النقد في شيء منه وأجاز بن القاسم النقد في المبيع على الصفة طعاما كان أو غيره إذا كان على اليوم واليومين قال أبو عمر إنما كره مالك النقد في الحيوان الغائب لأن الحيوان يسرع إليه التغيير ما لا يسرع إلى غير الحيوان فكان عنده في معنى البيع والسلف إذا نقد فيه يدخله ذلك على مذهبه في الأغلب السرعة تغيره وليس العقار كذلك وعلة أشهب في تسويته بين العقار وغيره ما جعله مالك علة في ذلك لأنه ربما لم يوجد على الصفة فيكون البائع قد انتفع بالثمن فأشبه البيع والسلف وأما قوله ولا بأس به إذا كان مضمونا موصوفا فإنه أراد السلم المعروف على شروطه

باب بيع الحيوان باللحم مالك عن زيد بن اسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان باللحم مالك عن داود بن الحصين أنه سمع سعيد بن المسيب يقول من ميسر أهل الجاهلية بيع الحيوان باللحم بالشاة والشاتين مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول نهي عن بيع الحيوان باللحم قال أبو الزناد فقلت لسعيد بن المسيب أرأيت رجلا اشترى شارفا بعشرة شياه فقال سعيد إن كان اشتراها لينحرها فلا خير في ذلك قال أبو الزناد وكل من أدركت من الناس ينهون عن بيع الحيوان باللحم قال أبو الزناد وكان ذلك يكتب في عهود العمال في زمان أبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل ينهون عن ذلك قال أبو عمر لا أعلم حديث النهي عن بيع الحيوان باللحم يتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه ثابت وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب على ما ذكره مالك في موطئه وقد روي فيه عن مالك إسناد منكر قد ذكرناه في التمهيد ورواه معمر عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اللحم بالشاة الحية قال معمر قال زيد بن أسلم نظرة ويدا بيد وقد اختلف الفقهاء في القول بهذا الحديث والعمل به والمراد منه فكان مالك يقول معنى هذا الحديث تحريم التفاضل في الجنس الواحد حيوانه بلحمه وهو عنده من باب المزابنة والغرر والقمار لأنه لا يدري هل في

الحيوان مثل اللحم الذي أعطى أو أقل أو أكثر وبيع اللحم باللحم لا يجوز متفاضلا فكان بيع الحيوان باللحم كبيع اللحم المغيب في جلده بلحم إذا كانا من جنس واحد والجنس الواحد عنده الإبل والبقر والغنم والظباء والوعول وسائر الوحوش وذوات الأربع المأكولات هذا كله عنده جنس واحد لا يجوز بيع شيء من حيوان هذا الصنف والجنس كله بشيء من لحمه بوجه من الوجوه لأنه عنده من باب المزابنة كأنه الزبيب بالعنب والزيت بالزيتون والشيرج بالسمسم ونحو ذلك والطير كله عنده جنس واحد الدجاج والأوز والبط والحمام واليمام والنعام والحدأ والرخم والنسور والعقبان والبزاة والغربان وطير الماء وطير البر كله لأنه يرى أكل الطير كله سباعه وغير سباعه ذي المخلب منه وغير ذي المخلب والحيتان عنده كلها جنس واحد وكذلك كل ما في الأنهار والبحار من السمك وغير السمك وقد روي عن مالك أن الجراد وحده صنف واحد وما ذكرت لك من أصله من بيع الحيوان باللحم هو مذهبه المعروف عنه وعن جماعة أصحابه إلا أشهب فإنه لا يقول بقول مالك في بيع الحيوان باللحم ومال فيه إلى مذهب الكوفيين ولم يقل فيه بما روي من الحديث عن مالك وعمل أهل المدينة هذا فيما أحسب مما رواه أبو إسحاق البرقي عن أشهب والمعروف عن أشهب أن اللحم الذي لا حياة فيه لا يجوز بيعه بشيء من الحيوان من جنسه وإنما ما يقتنى من الحيوان لأنه حيوان كله فخالف سعيد بن المسيب في الشارف بعشر شياه وخالف مالكا وبن القاسم في ذلك قال أبو عمر إذا اختلف الجنسان فلا خلاف عند مالك وأصحابه أنه جائز حينئذ بيع الحيوان باللحم وجائز عندهم بيع ما شئت من الأنعام بما شئت من الطير والحيتان وبيع ما شئت من الطير والأنعام بما شئت من الحيوان ونحو ذلك ولا يجوز عند مالك وأصحابه إلا أشهب أن يباع الدجاج بطير الماء لأن طير الماء لا يقتنى فهو كاللحم والأصل في هذا قول سعيد بن المسيب في الشارف إن كان اشتراها لينحرها فلا يجوز يعني بيعها بغنم أحياء

وكان بن القاسم لا يجيز حي ما يقتنى بحي ما لا يقتنى لا مثلا بمثل ولا متفاضلا لأنه حيوان بلحم وأجاز حي ما لا يقتنى على التحري وأما حي ما يقتنى بحي ما لا يقتنى فجائز عندهم متفاضلا يدا بيد على ما ذكرنا من أصولهم في بيع الحيوان بعضه ببعض وقال أحمد بن حنبل لا يجوز بيع اللحم بالحيوان وقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف لا بأس باللحم بالحيوان من جنسه وغير جنسه على كل حال بغير اعتبار وقال أحمد بن حنبل لا يجوز إلا على الاعتبار قال أبو عمر الاعتبار عنده كالتحري عند بن القاسم وقال المزني إن لم يصح الحديث في بيع الحيوان باللحم فالقياس أنه جائز وإن صح بطل القياس واتبع الأثر وقال الليث بن سعد والشافعي وأصحابه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان على كل حال من الأحوال من جنس واحد كان أو من جنسين مختلفين على عموم الحديث قال أبو عمر ذهب الشافعي إلى القول بهذا الحديث وان كان مرسلا وأصله إلا تقبل المراسيل لأنه زعم أنه افتقد مراسيل سعيد بن المسيب فوجدها أو أكثرها مسنده صحاحا وكره جميع أنواع الحيوان بأنواع اللحوم على ظاهر الحديث وعمومه لأنه لم يأت أثر يخصه ولا اجماع ولا يجوز عنده أن يخص النص بالقياس والحيوان عنده أشهر لكل ما يعيش في البر والماء وإن اختلفت أجناسه كالطعام الذي هو اسم لكل مأكول ومشروب وروي عن بن عباس أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر فقسمت على عشرة أجزاء فقال رجل أعطوني جزءا منها بشاة فقال أبو بكر لا يصلح هذا قال الشافعي ولست أعلم لأبي بكر في ذلك مخالفا من الصحابة قال أبو عمر قد روي عن بن عباس أنه أجاز بيع الشاة باللحم وليس بالقوى وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كره أن يباع حي بميت يعني الشاة المذبوحة بالقائمة

وقال سفيان ونحن لا نرى به بأسا قال أبو عمر للكوفيين في أنه جائز بيع اللحم بالحيوان حجج كثيرة من جهة القياس والاعتبار لانه إذا صح الأثر بطل القياس والنظر وبالله التوفيق باب بيع اللحم باللحم قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في لحم الإبل والبقر والغنم وما أشبه ذلك من الوحوش أنه لا يشترى بعضه ببعض إلا مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد ولا بأس به وإن لم يوزن إذا تحرى أن يكون مثلا بمثل يدا بيد قال مالك ولا بأس بلحم الحيتان بلحم الإبل والبقر والغنم وما أشبه ذلك من الوحوش كلها اثنين بواحد وأكثر من ذلك يدا بيد فإن دخل ذلك الأجل فلا خير فيه قال مالك وأرى لحوم الطير كلها مخالفة للحوم الأنعام والحيتان فلا أرى بأسا بأن يشترى بعض ذلك ببعض متفاضلا يدا بيد ولا يباع شيء من ذلك إلى أجل قال أبو عمر هذا مذهب مالك لا خلاف عنه في ذلك وذكر بن القاسم وغيره في الألبان مثل ذلك وهو قول الليث بن سعد في اللحوم والألبان سواء وأما الشافعي فذكر المزني عنه قال اللحم كله صنف واحد وحشيه وإنسيه وطائره لا يحوز بيعه إلا مثلا بمثل وزنا بوزن وجعله في موضع آخر على قولين أحدهما ما ذكرنا والآخر أن لحم البقر صنف غير لحم الإبل وغير لحم الغنم قال المزني قد قطع بأن ألبان البقر والغنم والإبل أصناف مختلفة قال فلحومها التي هي أصول الألبان أولى أولى بالاختلاف وقال الشافعي في الإملاء إذا اختلفت أجناس الحيتان فلا بأس ببيع بعضها ببعض متفاضلا قال وكذلك لحوم الطير إذا اختلفت أجناسها

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لحم الضأن والماعز شيء واحد وكذلك البختي من الإبل مع القوهي وكذلك البقر مع الجواميس فلا يباع الجنس منها متفاضلا ويباع لحم البقر بلحم الغنم متفاضلا وكذلك الأجناس المختلفة وهو قول الحسن بن حي والقول عندهم في الألبان كالقول في اللحمان وقال أحمد بن حنبل اللحمان كلها جنس واحدة لا يجوز بعضه ببعض رطبا ويجوز إذا تناهى جفافه مثلا بمثل قال أبو عمر لا يجوز التحري عند الشافعي ولا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وأكثر العلماء في اللحم باللحم ولا فيما يحرم فيه التفاضل والزيادة والله أعلم قال أبو عمر ليس في هذا الباب أصل مجتمع عليه ولا سنة يصدر عنها وإنما هو الرأي والاجتهاد والقياس والله الموفق باب ما جاء في ثمن الكلب مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن يعني بمهر البغي ما تعطاه المرأة على الزنى وحلوان الكاهن رشوته وما يعطى على أن يتكهن قال مالك أكره ثمن الكلب الضاري وغير الضاري لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب قال أبو عمر لا خلاف بين علماء المسلمين في أن مهر البغي حرام وهو على ما فسره مالك لا خلاف في ذلك

والبغي الزانية والبغاء الزنى قال الله عز وجل وما كانت أمك بغيا مريم يعني زانية وقال تبارك اسمه ولا تكرهوا فتيتكم على البغاء النور أي على الزنى وكذلك لا خلاف في حلوان الكاهن أنه ما يعطاه على كهانته وذلك كله من أكل المال بالباطل والحلوان في أصل اللغة العطية قال الشاعر فمن رجل أحلوه رحلي وناقتي يبلغ عني الشعر إذا مات قائله وأما بيع الكلاب وأثمانها وقيمتها على من قتلها فقد اختلف العلماء في ذلك والصحيح فيه من مذهب مالك ما ذكره في موطئه والحجة له من جهة الآثار صحيحة منها ما ذكره بن وهب عن يونس عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو ماشية قال أبو عمر فإذا كان غير الضاري من الكلاب مأمور بقتله فإنما وقع النهي عن ثمن الكلب المباح اتخاذه لا المأمور بقتله لأن المأمور بقتله معدوم ولأنه محال إلا يطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما أمر به من قتله وقد اختلف أصحاب مالك واختلفت الرواية عنده في ثمن الكلب الذي أبيح اتخاذه فأجاز مرة ثمن الكلب الضاري ومنع منه أخرى ووجه إجازة بيع ما أبيح اتخاذه من الكلاب لأن الحديث الذي ورد بالنهي

عن ثمن الكلب فمن نذر معه حلوان الكاهن ومهر البغي وهذا لا يباح شيء منه على أنه الكلب الذي لا يجوز اتخاذه والله أعلم لان من الكلاب ما أبيح اتخاذه والانتفاع به فذلك جائز بيعه ولا خلاف عنه من قتل كلب صيد أو ماشية أو زرع فعليه القيمة ومن قتل كلب الدار فلا شيء عليه إلا أن يكون يسرح مع الماشية وقد ذكرنا اختلاف أصحاب مالك في هذا الباب في كتاب اختلافهم واختلاف قول مالك وأما الشافعي فلا يجوز عنده بيع الكلب الضاري ولا غير الضاري ولا يحل عنده ثمن كلب الصيد ولا كلب الماشية ولا كلب الزرع لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وليس على من قتل كلب الصيد أو لغير صيد قيمة عندهم بحال من الأحوال قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الكلب من حديث علي بن أبي طالب وبن عباس وأبي مسعود الأنصاري وأبي هريرة وأبي جحيفة ورافع بن خديج وغيرهم رضي الله عنهم حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني عبد الله بن جعفر قال حدثني عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم يعني الجزري عن قيس بن حبتر عن بن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الخمر ومهر البغي وثمن الكلب وقال إذا أتاك صاحب الكلب وطلب ثمنه فاملأ كفيه ترابا وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز بيع الكلاب التي للصيد والماشية وبيع الهر وعلى من قتل أو أتلف من ذلك شيئا قيمته

واحتج الطحاوي للكوفيين بحديث عبد الله بن مغفل قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال ما لي وللكلب ثم رخص في كلب الصيد وكلب ماشية قال فأخبر أن كلب الصيد كان مقتولا فكان بيعه والانتفاع به حراما وكان قاتله مؤديا لفرض عليه في قتله ثم نسخ ذلك وأباح الاصطياد به فصار كسائر الجوارح في جواز بيعه قال ومثل ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام وقال كسب الحجام خبيث وثمن الكلب خبيث ثم أعطى الحجام أجره فكان ذلك ناسخا لمنعه وتحريمه ونهيه قال أبو عمر لم يختلف في ألفاظ حديث بن عبد الله بن مغفل هذا حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني شبابة قال حدثني شعبة عن أبي التياح قال سمعت مطرفا يحدث عن بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ثم قال ما لهم والكلاب ثم رخص لهم في كلب الصيد وقال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروا الثامنة بالتراب وروى الحسن عن عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن الكلاب أمة من الأمم أكره أن أفنيها لأمرت بقتلها إلا فاقتلوا منها كل أسود بهيم قال وأيما أهل دار حبسوا كلبا ليس كلب صيد أو زرع أو ماشية نقص من أجرهم كل يوم قيراط وقال أحمد بن حنبل بيع الكلاب باطل وإن كان معلما ومن قتله وهو معلم فقد أساء ولا غرم عليه

قال وبيع الفهد والصقر جائز وكذلك من بيع الهر وكل ما فيه منفعة والله أعلم قال أبو عمر وهو قول مالك والشافعي والكوفيين في بيع كل ما ينتفع به انه جائز ملكه وشراؤه وبيعه ولم يختلفوا في القرد والفأر وكل ما لا منفعة فيه أنه لا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا أكل ثمنه وقد روي في ثمن الهر حديث لا يثبت رفعه في النهي عنه فذكرناه وعلته في التمهيد والله يوفقنا أفضل ما رضوه وبه العون باب السلف وبيع العروض بعضها ببعض مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف قال مالك وتفسير ذلك أن يقول الرجل للرجل آخذ سلعتك بكذا وكذا على أن تسلفني كذا وكذا فإن عقدا بيعهما على هذا فهو غير جائز فإن ترك الذي اشترط السلف ما اشترط منه كان ذلك البيع جائزا قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وسلف من وجوه حسان منها ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن أيوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بيع وسلف وذكر تمام الحديث وحديث عمرو بن شعيب مقبول عند جمهور أهل العلم بالحديث يحتجون بهذا روى عنه الثقات وإنما الواهي من حديثه ما يرويه الضعفاء عنه

وأما صحيفة التي كانت عندهم فصحيفة مشهورة صحيحه معلوم ما فيها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لعبد الله بن عمرو في الكتاب عنه روينا عن أبي هريرة أنه قال ليس أحد أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحفظ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كتب ولم أكتب وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكتب كل ما أسمع منك قال نعم قال في الرضا والغضب قال نعم فإني لا أقول إلا حقا وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في كتاب العلم روينا عن علي بن المديني أنه قال حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيح متصل يحتج به لأنه سمع من أبيه وسمع شعيب من جده عبد الله بن عمرو وقول علي هذا مع إمارته وعلمه بالحديث أولى ما قيل به في حديث عمرو بن شعيب مشروع وبالله التوفيق ولا خلاف بين الفقهاء بالحجاز والعراق أن البيع إذا انعقد على أن يسلف المبتاع البائع سلفا مع ما ذكر من ثمن السلعة أو سلف البائع المبتاع مع سلعته المبيعة سلفا ينعقد على ذلك والصفقة بينهما أن البيع فاسد عندهم لأنه يصير الثمن بالسلف مجهولا والسنة المجتمع عليه أنه لا يجوز الثمن إلا معلوما ألا ترى أنه إذا اشترى منه سلعة بعشرة على أن أسلفه خمسة أو عشرة فلم يكن الثمن عشرة إلا بما ينتفع به من السلف وذلك مجهول فلذلك صار الثمن غير معلوم وأما قول مالك فإن ترك السلف الذي اشترطه كان البيع جائزا فهذا موضع اختلف فيه الفقهاء وكان سحنون يقول إنما يصح البيع إذا لم يقبض السلف وترك وإما إذا قبض السلف فقد تم الربا بينهما والبيع حينئذ مفسوخ على كل حال قال أبو عمر قد رواه بعضهم عن بن القاسم عن مالك فإن رد السلف وهو خطأ والصواب جاء في الموطأ ترك السلف لأن رده لا يكون إلا بعد القبض وإذا قبض السلف فهو كما قال سحنون وقال محمد بن مسلمة من باع عبدا بمائة واشترط أن يسلفه سلفا كان البيع مفسوخا إلا أن يقول المشتري لا حاجة لي في السلف قبل أن يقبضه فيجوز البيع

قال أبو عمر تحصيل مذهب مالك في البيع والسلف انه إذا أدرك فسخ وان فات ترك الذي قبض السلف السلف وكان للبائع قيمة سلعته يوم قبضها المبتاع ما بينه وبين ما باعها به فأدنى من ذلك إذا كان البائع هو الذي اسلف المبتاع سلفا ذهبا أو ورقا معجلا فإن زادت قيمة السلعة على الثمن الذي باعها به لم يرد عليه شيء لأنه قد رضي به على أن أسلف معه سلفا ولو أن المشتري كان هو الذي أسلف البائع فسخ البيع أيضا بينهما ورجع البائع بقيمة سلعته بالغا ما بلغت إلا أن تنقص قيمتها من الثمن فلا ينقص المشتري من الثمن لأنه قد رضي به على أن أسلف معه سلفا وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم لا يجوز البيع وان رضي مشترط السلف بتركه وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما وسائر العلماء لأن البيع إذا وقع فاسدا لم يجز وإن أجيز حتى يفسخ ويستأنف فيه عقد آخر والقيمة عنده بالغا ما بلغت وسواء كان المسلف البائع أو المشتري وقال الأبهري قد روى بعض المدنيين عن مالك أنه لا يجوز وإن ترك السلف قال وهو القياس أن يكون عقد البيع فاسدا في اشتراط السلف كالبيع في الخمر والخنزير لأن البيع قد وقع فاسدا فلا بد من فسخه إلا أن يفوت فيرد السلف ويصلح بالقيمة قال أبو عمر قد سأل محمد بن أحمد بن سهل البركاني عن هذه المسألة إسماعيل بن إسحاق فقال ما الفرق بين البيع والسلف وبين رجل باع غلاما بمائة دينار وزق خمر أو شيء حرام ثم قال أنا أدع الزق أو الشيء الحرام قبل أن يأخذه وهذا البيع مفسوخ عند مالك غير جائز فقال إسماعيل الفرق بينهما أن مشترط السلف هو مخير في أخذه وتركه وليس مسألتك كذلك وإنما ذلك يكون مثل مسألتك لو قال أبيعك غلامي بمائة دينار على أني ان شئت أن تزيدني زق خمر زدتني وإن شئت تركته ثم ترك زق الخمر فجاز البيع ولو أخذه فسخ البيع قال أبو عمر لم يصنع إسماعيل شيئا لأن مشتري الزق من الخمر إذا شاء أن يتركه تركه كصاحب السلف سواء ولم تقع مسألة السلف المشترط ولا مسألة الزق من الخمر المشترط أيضا في أصل البيع وعقد الصفقة على التخيير في واحدة من المسألتين ليس في واحدة منهما إن شئت أن تريد ولا إن شئت أن تسلفني فاعتل

إسماعيل بغير علة واحتج بغير حجة والأصل ما قدمت لك من أن البيع والسلف لا يقع من مجهولا وكذلك الزق من الخمر يقع به الثمن مجهولا لسقوط بيع الخمر في الشريعة ولأنها صفة جمعت حلالا وحراما فلو صححنا الحلال منها رجع الثمن إلى القيمة والبيع بالقيمة بيع بثمن مجهول قال مالك ولا بأس أن يشتري الثوب من الكتان أو الشطوي أو القصبي بالأثواب من الإتريبي أو القسي أو الزيقة أو الثوب الهروي أو المروي بالملاحف اليمانية والشقائق وما أشبه ذلك الواحد بالاثنين أو الثلاثة يدا بيد أو إلى أجل وإن كان من صنف واحد فإن دخل ذلك نسيئة فلا خير فيه قال مالك ولا يصلح حتى يختلف فيبين اختلافه فإذا أشبه بعض ذلك بعضا وإن اختلفت أسماؤه فلا يأخذ منه اثنين بواحد إلى أجل وذلك أن يأخذ الثوبين من الهروي بالثوب من المروي أو القوهي إلى أجل أو يأخذ الثوبين من الفرقبي بالثوب من الشطوي فإذا كانت هذه الأجناس على هذه الصفة فلا يشتري منها أثنان بواحد إلى أجل قال مالك ولا بأس أن تبيع ما اشتريت منها قبل أن تستوفيه من غير صاحبه الذي اشتريته منه إذا انتقدت ثمنه قال أبو عمر أما قوله لا بأس أن تبيع ما اشتريت منها يعني الثياب قبل أن

تستوفيه فقد مضى القول في ذلك في باب بيع الطعام وإن مالكا لا يرى غير الطعام في ذلك كالطعام وسيأتي ذلك المعنى بأبسط مما مضى في هذا الباب بعد هذا إن شاء الله عز وجل قال عبد الملك بن حبيب إلاتريبي ثياب تعمل بقرية من قرى مصر يقال لها إتريب وأما القسي فثياب تعمل في القس ناحية من نواحي مصر وأما الزيقة فثياب تعمل بالصعيد غلاظ ردية وأما الشقائق فالأزر الضيقة الردية قال أبو عمر في هذا الباب أن العروض كلها من الثياب وغير الثياب لا بأس بالعرض المعجل من جنسه ومن غير جنسه إذا اختلفا فبان اختلافهما اثنان بواحد فكيف شئت ولا يضره اتفاق أجناسهما إذ اختلفت الأعراض فيهما واختلفت منافعها فإن اتفقت الأعراض والمنافع لم يجز فلا يجوز ثوب شطوي بثوبين من الشطوي إلى أجل ولا بأس بالثوب الشطوي نقدا بالثوبين من المروي إلى أجل وإن كان ذلك كله من الكتان وتفسير ذلك انه يجوز تسليم غليظ الكتان في رقيقه ورقيقه في غليظه اثنين في واحد وواحد في اثنين وكذلك ثياب القطن والصوف رقيقها في غليظها وغليظها في رقيقها ولا ينظر إلى اتفاق أسمائها ولا إلى أصلها إذا اختلفت منافعها وأغراض الناس فيها وكذلك العبد الصانع العامل أو الكاتب أو الفصيح يسلم في الأعبد الذين ليسوا مثله وإن كانوا أصلهم كلهم العجم لأن الغرض مختلف هذا معنى قول مالك ومذهبه وقد أوضحنا مذهب مالك في الكتاب الكافي وأتينا فيه بالبيان الشافي والحمد لله وقال الزهري لا يصلح ثوب بثوبين دينا إلا أن يختلفا وقال سليمان بن يسار لا يصلح ثوب بثوبين إلا يدا بيد وقال يحيى بن سعيد الأنصاري لا يجوز النسأ في الشيء يباع في صنفه إلا أن تختلف الصفة والتسمية وقال ربيعة الذي يحرم من ذلك الثوب بالثوبين إلى أجل من ضرب واحد كالسائرية بالسائرتين والقبطية بالقبطتين والريطة بالريطتين من نسج الولائد وأما الليث بن سعد فقال نسيج مصر كلها كله صنف واحد ولا يجوز فيه النسأ بعضه ببعض قال ويجوز نسيج مصر كله بنسيج العراق نسيئة

وأما أبو حنيفة فمذهبه في هذا الباب قريب من مذهب مالك ولم يختلف هو وأصحابه في أنه يجوز بيع الثياب بعضها ببعض نسيئة إذا اختلف الجنس فيها نحو الهروي بالقوهي وما كان مثلها به ونحوه عن الثوري وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم وعن معمر عن إبراهيم وعن حماد عن إبراهيم أنه كان لا يرى بأسا بالثوب بالثوبين نسيئة إذا اختلفت ويكره من شيء واحد وعن معمر عن من سمع الحسن يقول مثل ذلك في كل العروض وقال الحسن بن حي أكره النسأ في الثياب إذا كان أصلها واحدا قال وإن كان أحدهما قطنا والآخر كتانا أو صوفا فلا بأس بالنسيئة فيهما وقال الشافعي كل ما خرج من المأكول والمشروب والذهب والفضة فجائز فيه النسيئة والتفاضل كيف شاء المتبايعين ولا ربا في شيء منه وهو قول سعيد بن المسيب وبه قال الأوزاعي قال سعيد بن المسيب لا بأس بقبضة بقبضتين إلى أجل وكذلك سائر الثياب قال أبو الزناد وخالفه الفقهاء كلهم في هذا وقال الأوزاعي يجوز أن يعطى عشرة أثواب وقال أحمد بن حنبل كل ما لا يكال ولا يوزن فجائز التفاضل فيه ولا يجوز نسيئة وعن معمر والثوري فجائز التفاضل وعن إسماعيل بن أمية عن بن المسيب في قبطية بقبطيتين نسيئة كان لا يرى بذلك بأسا وزاد معمر في حديثه إنما الربا فيما يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبو عمر بن أبي زيد قال حدثني بن وضاح قال حدثني زيد بن البشير قال حدثني بن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد قال كان الناس يخالفون سعيد بن المسيب فذكر أشياء منها قوله لا بأس بقبطية بقبضتين إلى أجل من صنف واحد

حدثني خلف بن قاسم قال حدثني الحسن بن رشيق قال حدثني علي بن سعيد قال حدثني أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال حدثني يونس بن بكير قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني مكحول قال طفت الأرض كلها أطلب العلم فما لقيت رجلا أعلم من سعيد بن المسيب باب السلفة في العروض مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال سمعت عبد الله بن عباس ورجل يسأله عن رجل سلف في سبائب فأراد بيعها قبل أن يقبضها فقال بن عباس تلك الورق بالورق وكره ذلك قال مالك وذلك فيما نرى والله أعلم أنه أراد أن يبيعها من صاحبها الذي اشتراها منه بأكثر من الثمن الذي ابتاعها به ولو أنه باعها من غير الذي اشتراها منه لم يكن بذلك بأس قال أبو عمر السبائب عمائم الكتان وغيره وقيل شفق الكتان وغيره وقيل الملاحف وأما بيع ما سلف فيه من العروض قبل قبضها فقد اختلف فيها السلف والخلف من العلماء فمنهم من رأى العروض والطعام في ذلك سواء وهو مذهب بن عباس ولذلك كره بيع السبائب للذي سلف فيها قبل أن يقبضها وذلك معروف محفوظ عن بن عباس لأنه عنده من باب ربح ما لم يضمن على خلاف ما ظنه مالك رحمه الله وروى معمر والثوري وبن عيينة عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس وعن عمرو بن دينار عن طاوس عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه

قال بن عباس وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام وحجة من ذهب هذا المذهب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن ومعناه ما كان في ضمان غيره فليس له أن يبيعه لأن المعنى أنه نهي عن بيع ما لم يضمن فصار الربح وغير الربح في ذلك سواء لأنه ما جاز بيعه برأس المال ودونه وهذا ما لا خلاف فيه فأغنى عن الكلام عليه وروى معمر عن أيوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف وعن شرطين في بيع وعن بيع ما ليس عندك وعن ربح ما لم يضمن وروى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى وكان يقف أنه لا يباع بيع حتى يقبض فدل أنه قبض منه ما فهم بن عباس وروى حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا ابتعت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه وأما اختلافه عن الفقهاء أئمة الفتوى في هذا الباب فجملة مذهب مالك فيه أنه قال لا بأس ببيع غير المأكول والمشروب نحو الثياب والعروض لكل من سلم فيها أو أشتراها قبل أن يقبضها فمن اشتراها منه إلا أنه إذا سلف فيها فلا يجوز بيعها من الذي نهى عليه إلا بمثل رأس المال أو اقل لا يريد إلا على رأس ماله ولا يؤخذ لأنه إن باعه بأكثر كان ذلك فضة أو ذهبا بأزيد منها إلى أجل وكذلك إذا أخره كان أيضا عنده دينا في دين فإن باع منه شيئا مما يسلم فيه إليه من العروض بعرض وكان قد سلم فيه إليه عينا جاز قبل محل الأجل وبعده إذا قبض العرض ولم يؤخره وكذلك لو كان رأس مال المسلم عرضان وباعه منه بعرض مخالف خلافا بينا لعرضه الذي سلم فيه ويجوز عنده أن يبيعه من غير من أسلم فيه إليه بأقل أو أكثر إذا انتقد الثمن وقد بينا مذهب مالك في هذا المعنى وغيره في كتاب البيوع من الكتاب الكافي وحجة مالك ومن قال بقوله في هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خص الطعام إلا

يبيعه كل من ابتاعه حتى يستوفيه ويقبضه فإدخال غير الطعام في معناه ليس بأصل ولا قياس لأنه زيادة على النص بغير نص وهذا أيضا مذهب أحمد بن حنبل وداود بن علي لأن الله تعالى قد أحل البيع مطلقا إلا ما خصه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وذكره في كتابه وأما حديث حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا ابتعت بيعة فلا تبعه حتى تقبضه فإنما أراد الطعام بدليل رواية الحفاظ لحديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتى تقبضه وقال الشافعي لا يجوز بيع شيء أتبعته حتى تقبضه طعاما كان أو غيره قال وكذلك العقار والعروض كلها وكل ما ملك بشراء أو خلع أو نكاح وقال أبو حنيفة لا يجوز بيع شيء ملك بعقد ينتقض العقد بهلاكه قبل القبض كالبيع والإجارة إلا العقار فإنه يجوز بيعه قبل القبض في ذلك كله قال وجائز بيع ما ملك بعقد لا ينتقض العقد بهلاكه قبل القبض كالمهر والجعل في الخلع وقال أبو يوسف ومحمد مثل قول أبي حنيفة في ذلك كله إلا في العقار فإنهما قالا لا يجوز بيع العقار وبيع العقار قبل القبض إذا ملك كالشراء ثم رجع أبو يوسف إلى قول أبي حنيفة وقال الثوري لا يجوز بيع شيء من المسلم قبل القبض وقال الأوزاعي من اشترى ثمرة لم يجز له بيعها قبل القبض وقال عثمان البتي لا بأس أن يبيع كل شيء قبل أن يقبضه وإن كان ما يكال أو يوزن قال أبو عمر قول البتي خلاف السنة الثابتة من أخبار الآحاد العدل وخلاف الجمهور فلا معنى له ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى وروي ذلك من وجوه شتى صحاح كلها وروى أبو الزناد عن عبيد بن حنين عن بن عمر عن زيد بن ثابت قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تباع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم

قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن سلف في رقيق أو ماشية أو عروض فإذا كان كل شيء من ذلك موصوفا فسلف فيه إلى أجل فحل الأجل فإن المشتري لا يبيع شيئا من ذلك من الذي اشتراه منه بأكثر من الثمن الذي سلفه فيه قبل أن يقبض ما سلفه فيه وذلك أنه إذا فعله فهو الربا صار المشتري أن أعطى الذي باعه دنانير أو دراهم فانتفع بها فلما حلت عليه السلعة ولم يقبضها المشتري باعها من صاحبها بأكثر مما سلفه فيها فصار أن رد إليه ما سلفه وزاده من عنده قال أبو عمر هذه المسألة قد أوضح مالك فيها مذهبه وذلك على أصله في قطع الذرائع وأما غيره من فقهاء الأمصار فلا يجيزون بيع شيء سلم فيه لأحد حتى يقبضه على ما تقدم من مذهبهم في أن العروض في ذلك كالطعام ومن حجتهم في هذه المسألة بعينها أنه يجوز بيع السلم من المسلم إليه فيه حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من سلف في شيء فلا يصرفه في غيره وقد تكرر هذا المعنى لتكرير مالك له قال مالك من سلف ذهبا أو ورقا في حيوان أو عروض إذا كان موصوفا إلى أجل مسمى ثم حل الأجل كذا روى يحيى ثم حل الأجل وليس في سائر الموطأ فإنه لا بأس أن يبيع المشتري تلك السلعة من البائع قبل أن يحل الأجل أو بعد ما يحل بعرض من العروض يعجله ولا يؤخره بالغا ما بلغ ذلك العرض إلا الطعام فإنه لا يحل أن يبيعه حتى يقبضه وللمشتري أن يبيع تلك السلعة من غير صاحبه الذي ابتاعها منه بذهب أو ورق أو عرض من العروض يقبض ذلك ولا يؤخره لأنه إذا أخر ذلك قبح ودخله ما يكره من الكالئ بالكالئ والكالئ بالكالئ أن يبيع الرجل دينا له على رجل بدين على رجل آخر

قال أبو عمر الكلام في التي قبلها أغنى عن الكلام فيها لأنه بيع ما لم يقبض وإذا كان طعاما جاز عند مالك وأحمد وداود ومن قال بقولهم في ذلك ولا يجوز عند غيرهم طعاما كان أو غير طعام بما قدمنا ذكره لأنه سلم عنده صرف في غيره أن يبيع من صاحبه وإن بيع من غيره فهو بيع ما لم يقبض وقد مضى القول فيه والحمد لله كثيرا قال مالك ومن سلف في سلعة إلى أجل وتلك السلعة مما لا يؤكل ولا يشرب فإن المشتري يبيعها ممن شاء بنقد أو عرض قبل أن يستوفيها من غير صاحبها الذي اشتراها منه ولا ينبغي له أن يبيعها من الذي ابتاعها منه إلا بعرض يقبضه ولا يؤخره قال مالك وإن كانت السلعة لم تحل فلا بأس بأن يبيعها من صاحبها بعرض مخالف لها بين خلافه يقبضه ولا يؤخره قال أبو عمر العرض المخالف هو الذي يجوز أن يسلم في أكثر منه وما لم يجز سلمه في أكثر منه من العروض لم يجز أن يقتضي من السلم في عرض ومن سلم في عرض لا يؤكل ولا يشرب فلا يأخذ عرضا وإن كان لا يؤكل ولا يشرب إلا أن يكون مثله في صفته ووزنه أو كيله أو عدده أو زرعه وجميع أحواله كلها فيكون قد أقال وأخذ رأس ماله بعينه أو يكون عرضا مخالفا بينا خلافه فيأخذ الفضل مما أعطى أو أدون إن شاء كما يكون له لو سلفه فيه يقف على هذا الأصل وهو في الكافي مبسوط مع سائر معاني مالك وأغراضه في البيوع والحمد لله قال مالك فيمن سلف دنانير أو دراهم في أربعة أثواب موصوفة إلى أجل فلما حل الأجل تقاضى صاحبها فلم يجدها عنده ووجد عنده ثيابا دونها من صنفها فقال له الذي عليه الأثواب أعطيك بها ثمانية أثواب من ثيابي هذه إنه لا بأس بذلك إذا أخذ تلك الأثواب التي يعطيه قبل أن يفترقا فإن دخل ذلك الأجل فإنه لا يصلح وإن كان ذلك قبل محل الأجل فإنه لا يصلح أيضا إلا أن يبيعه ثيابا ليست من صنف الثياب التي سلفه فيها قال أبو عمر هذا عنده من باب من سلف في قمح قبل الأجل جاز له عنده أن يأخذ فيئه شعيرا لأنه تجاوز عنه

وكذلك لو سلف في شعير فتفضل الذي هو عليه بأن يعطيه فيه قمحا عند محل الأجل جاز عنده لأنه أحسن إليه وليس ذلك كله عنده بيعا لأن الشعير والقمح عنده صنف واحد فكذلك الثياب الثمانية الدون إذا كانت من صنف الثياب الأربعة وجنسها ولو كان ذلك قبل محل الأجل أو دخله الأجل كان كذلك بيعا للقمح بالشعير من أكل البغل لأنه إذا أعطاه قبل محل الأجل شعيرا في القمح فقد باع منه الأجل يفصل ما بين الشعير والقمح وأخذ شيء من الزيادة أو النقصان من أجل الأجل ربا فأما الزيادة فهو الربا بعينه وأما النقصان فذلك عندهم لطرح الضمان في بقية الأجل وهو عندهم من باب ضع وتعجل فهذا أصل مالك رحمه الله في هذا الباب وأصل الشافعي والكوفي ما قدمنا عنهما وقال الشافعي فيمن سلم في ثوب وسطه فجاءه بأجود منها وزاده درهما إن ذلك لا يجوز في أجود منها ولا في أطول وكذلك لا يجوز عنده أن يسترجع درهما في أدون ولا أكثر لأنه بيع له قبل قبضه وهو أيضا من باب يتعين في بيعه وقال أبو حنيفة ذلك جائز في الثوب ولو كان مكيلا أو موزونا لم يجز وقال أبو يوسف ومحمد لا يجوز ذلك في المكيل ولا الموزون أيضا وقال مالك يجوز في الثوب أن يؤخذ أطول ويزيده درهما ولا يجوز أن يأخذ دون ثوبه ويسترجع شيئا والمكيل والموزون الذي لا يؤكل ولا يشرب عنده كالثياب وإنما فرق بين الأطول والزيادة وبين الأدون والنقصان لأن الزيادة على الجنس من الجنس صفقة أخرى فهما صفقتان في وقتين جائزتان وإما إذا أخذ الأدون واسترجع شيئا قبل حله فيدخله عنده ذهب وعوض بذهب أو فضة وذلك غير جائز على أصل مالك وقال الثوري هما جميعا مكروهان لأنه صرف الشيء في غيره وبيعتان في بيعة قال أبو عمر احتج الطحاوي للكوفيين بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يأخذ ابنه لبون

عن ابنة مخاض ويرد عليه عشرين درهما ويأخذ الناقص وزيادة عشرين درهما وهذا حديث لم يروه مالك ولم يصح عنده ولم يأخذ به في الزكاة ولا في غيرها ومن كره ذلك جعله من باب بيع ما اشترى قبل قبضه وفي المدونة قال مالك فيمن أسلم في ثوب موصوف ثم زاده دراهم على أن يزيده في طوله إن ذلك جائز قبل الأجل وبعده وهو عنده صفقتان وقال سحنون لا أرى ذلك وهو من باب فسخ الدين في الدين فإن زاده دراهم على أن يكون الثوب أرفع من الصفة الأولى لم يجز ذلك إذا كان قبل الأجل عند مالك وأصحابه فإن كان عند حلول الأجل جاز عندهم إذا تعجله ولم يؤخره باب بيع النحاس والحديد وما أشبههما مما يوزن قال مالك الأمر عندنا فيما كان مما يوزن من غير الذهب والفضة من النحاس والشبه والرصاص والآنك والحديد والقضب والتين والكرسف وما أشبه ذلك مما يوزن فلا بأس بأن يؤخذ من صنف واحد اثنان بواحد يدا بيد ولا بأس أن يؤخذ رطل حديد برطلي حديد ورطل صفر برطلي صفر قال مالك ولا خير فيه اثنان بواحد من صنف واحد إلى أجل فإذا اختلف الصنفان من ذلك فبان اختلافهما فلا بأس بأن يؤخذ منه اثنان بواحد إلى أجل فإن كان الصنف منه يشبه الصنف الآخر وإن اختلف في الاسم مثل الرصاص والآنك والشبه والصفر فإني أكره أن يؤخذ منه اثنان بواحد إلى أجل

قال مالك وما اشتريت من هذه الأصناف كلها فلا بأس أن تبيعه قبل أن تقبضه من غير صاحبه الذي اشتريته منه إذا قبضت ثمنه إذا كنت اشتريته كيلا أو وزنا فإن اشتريته جزافا فبعه من غير الذي اشتريته منه بنقد أو إلى أجل وذلك أن ضمانه منك إذا اشتريته جزافا ولا يكون ضمانه منك إذا اشتريته وزنا حتى تزنه وتستوفيه وهذا أحب ما سمعت إلي في هذه الأشياء كلها وهو الذي لم يزل عليه أمر الناس عندنا قال أبو عمر الصفر النحاس المصنوع الأصفر والشبه ضرب منه يقال له اللاطون والآنك القزدير وقال الخليل الآنك الأسرب والقطعة منها أنكة والقضب هو القضقضة والكرسف القطن فما كان من هذه الأشياء كلها فلا ربا فيها عند مالك إذا اختلفت أصنافها لا من تفاضل ولا في نسيئة وأما الصنف الواحد إذا بيع منه اثنان بواحد إلى الأجل فذلك عنده سلف أسلفه ليأخذ أكثر منه شرط ذلك وأظهر فيه لفظ البيع ليجيز بذلك ما لا يجوز من السلف في الزيادة فلا يجوز فإن باع الصنف الواحد اثنين بواحد يدا بيد جاز لأنه ارتفعت فيه التهمة وبعدت منه الظنة وعلم أنه لم يدخله شيء من القرض وهو السلف هذا أصل مالك وأصحابه في كل ما عدا المأكول والمشروب والذهب والورق إلا أن مالكا كره الفلوس اثنين بواحد يدا بيد فخالف اصله في ذلك ورآها كالذهب والفضة وحمل ذلك عند أصحابه على الكراهة لا على التحريم فلا وأما الشافعي فلا ربا عنده في شيء من ذلك كله على حال من الأحوال وجائز عنده بيع كل صنف منه يدا بيد ونسيئة كيف شاء المتبايعان اثنان بواحد وأكثر ولا يتهم أحد ذكر بيعا لأنه أراد سلفا كما لو قال أسلفك لم يكن عنده بمعنى بعتك وأما الكوفيون فقد ذكرت ذلك فيما تقدم من أبواب هذا الكتاب أن الكيل

والوزن عندهم فيما لا يؤكل ولا يشرب كالجنس من المأكول والمشروب كل واحد منهما بانفراده يحرم النسيئة فيه فإن اختلف الجنسان حرمت النسيئة فيهما دون التفاضل وأما التفاضل فلا يحرم إلا باجتماع الجنس أو الكيل أو الوزن وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز الحديد بالحديد ولا الصفر بالصفر ولا النحاس بالنحاس إلا واحدا بواحد ولا يجوز نسيئة وأجازوا سكينا بسكين لأن ذلك قد خرج من أن يباع وزنا وكذلك عندهم حكم كل آنية تصنع من الحديد وغيره ولا يجوز ذلك عندهم ولا عند أحد من العلماء في آنية الذهب والفضة وهذا ترك منهم للقياس لأن الإجماع لما انعقد في آنية الذهب والفضة كالعين والتبر من الذهب وآنية الفضة كالتبر والعين من الفضة وجب أن يكون ما خرج من الصنعة في الحديد ومن النحاس ومن الصفر وكالحديد وكالنحاس وكالصفر وخلاف هؤلاء في آنية الحديد بالحديد كخلاف مالك رحمه الله في الفلوس ونذكر ها هنا اختلافهم في الفلوس ملخصا بحمد الله تعالى قال مالك لا يجوز بيع فلس بفلسين يدا بيد فجعل الفلوس ها هنا كالذهب أو كالفضة وقال لا بأس ببيع الفلوس بالذهب والورق فإن لم يتقايضا جميعا حتى افترقا فأكرهه وأفسخ البيع فيه ولا أراه كتحريم الدنانير والدراهم وقول عبيد الله بن الحسن في بيع بفلسين كقول مالك وهو قول محمد بن الحسن وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا بأس ببيع فلس بفلسين وهو قول الشافعي وزاد الشافعي فأجاز السلم في الفلوس ولا ربا عنده في عين الذهب والورق والمأكول كله والمشروب لا في نسيئة ولا في تفاضل وهو قول أبي ثور وداود وقال أبو حنيفة وأصحابه من ابتاع الفلوس بالدنانير والدراهم وقبض أحدهما فافترقا قبل قبض الآخر لم يبطل العقد قال وإن لم يقبض واحدا منهما حتى افترقا بطل العقد ليس لأنه فرق ولكن لأن كل واحد منهما ثمن فصار دينا بدين

قال أبو عمر لما اجتمع العلماء على أنه لا بأس بشراء النحاس والصفر والحديد والمسك والعنبر والزعفران وما أشبه ذلك من الموزونات بالذهب والورق نقدا ونسيئة دل والله أعلم على فساد ما أحله الكوفيون في أن الوزن جنس لا يجوز فيه التفاضل ولا النسأ ولهم ولسائر العلماء في أصول هذا الباب اعتراضات وتنازع واحتجاجات يطول ذكرها وليس كتابنا هذا موضعا لها وقد أجمعوا على جواز بيع الزعفران والقطن والحديد والرصاص وكل ما يوزن بالذهب والفضة بالنقد والنسيئة وأجمعوا أنه لا يباع الذهب بالفضة نسيئة فدل على مخالفتها لسائر الموزونات وأجمعوا على أنها قيم للمتلفات والمستهلكات دون غيرها فدل على خصوصها وخروجها على سائر الموزونات وأما قول مالك وما اشتريت من هذه الأصناف كلها فلا بأس أن تبيعه قبل أن تقبضه لى آخر كلامه فقد مضى القول فيها مكررا فلا معنى لإعادته قال مالك الأمر عندنا فيما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب مثل العصفر والنوى والخبط والكتم وما يشبه ذلك أنه لا بأس بأن يؤخذ من كل صنف منه أثنان بواحد يدا بيد ولا يؤخذ من صنف واحد منه اثنان بواحد إلى أجل فإن اختلف الصنفان فبان اختلافهما فلا بأس بأن يؤخذ منهما اثنان بواحد إلى أجل وما اشترى من هذه الأصناف كلها فلا بأس بأن يباع قبل أن يستوفى إذا قبض ثمنه من غير صاحبه الذي اشتراه منه قال أبو عمر العصفر نوار معروف وصبغ معلوم وأما النوى فنوى التمر يرضخ بالمراضخ فتعلفه الإبل وأما الخبط فهو ورق الشجر يجمع ويدق وتعلفه الإبل وأما الكتم فشجرة يخضب بها الشعر مع الحناء وكل ما في هذا الفصل فقد تقدم القول فيه مستوعبا في الفصل الذي قبله لأنه واحد كله

قال مالك وكل شيء ينتفع به الناس من الأصناف كلها وإن كانت الحصباء والقصة فكل واحد منهما بمثليه إلى أجل فهو ربا وواحد منهما بمثله وزيادة شيء من الأشياء إلى أجل فهو ربا قال أبو عمر إنما جعله ربا لأنه عنده سلف جر منفعة اشترطها وازدادها على ما أعطى إلى أجل في الصنف الواحد ولم يلتفت مالك إلى ذكر البيع وإنما اعتبر ما يصير الفعل إليه منهما فإذا حصل بيد الآخر شيء على أن يرد مثله في صفقة وزيادة مثله أو أقل أو أكثر فهو زيادة في السلف والزيادة في السلف مجتمع على تحريمها في الأشياء كلها وأما الشافعي فالقرض عنده ما استقرضه المسقرض ولا نظن بالبائع ولا بالمبتاع أنه مقرض ولا مستقرض لأن البيع معنى والقرض معنى آخر ألا ترى أن القرض إنما يكون إلى أجل أو حالا ولا يكون يدا بيد وليس هذا معنى البيع ولا يشبهه في شيء ولكن لا يجب به حكم وإنما الأحكام الدنيا بيننا على ما ظهر لنا ولا ربا عنده إلا فيما تقدم ذكرنا له وأما الكوفيون فأصولهم قد وصفناها ومذهبهم في ذلك أشد وأضيق من مذهب مالك وقد أوضحنا ذلك في باب بيع الحيوان بعضه ببعض فهم لا يجيزونه نسيئة البتة اختلف أو لم يختلف وكذلك سائر العروض وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين قال أعياني أن أعرف ما العروض إذا بيع بعضها ببعض نظرة باب النهي عن بيعتين في بيعة مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة هذا الحديث مسند متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم عن حديث بن عمر و حديث بن مسعود وحديث أبي هريرة وكلها صحاح من نقل العدول وقد تلقاها أهل العلم

بالقبول إلا أنهم اتسعوا في تخريج وجوه هذا الحديث على معان كثيرة وكل يتأول فيه على أصله ما يوافقه وسنذكر من ذلك هنا ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى ومن أحسن أسانيد هذا الحديث ما حدثناه سعيد بن نصر ويحيى بن عبد الرحمن قالا حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال حدثنا بن وضاح وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني يحيى بن معين قال أخبرني هشيم قال أخبرنا يونس بن عبيد عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة ورواه محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا كثيرا من طرق هذه الأحاديث في التمهيد وقد روى شعبة حديث بن مسعود مرفوعا وقال هو ربا أخبرنا أحمد بن قاسم ومحمد بن عبد الله بن جابر قالا حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أبو حنيفة قال حدثني أبو الوليد الطيالسي قال حدثني شعبة عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال لا تصلح صفقتان في صفقة واحدة وقال بن مسعود هو ربا وأما أقاويل الفقهاء ومذاهبهم في ذلك فنذكر أولا ما رسمه مالك في الموطأ ثم نتبعه بأقوال سائر الفقهاء إن شاء الله تعالى مالك أنه بلغه أن رجلا قال لرجل ابتع لي هذا البعير بنقد حتى أبتاعه منك إلى أجل فسئل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه قال أبو عمر هذا الحديث عند مالك فيه وجهان أحدهما العينة وقد تقدم تفسيرها بمثل هذا الحديث عند مالك عن بن شهاب وغيره والثاني أنه من باب بيعتين في بيعة لأنها صفقة جمعت بيعتين أصلها البيعة الأولى

مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد سئل عن رجل اشترى سلعة بعشرة دنانير نقدا أو بخمسة عشر دينارا إلى أجل فكره ذلك ونهى عنه قال أبو عمر هذا من بيعتين في بيعة عند الجميع إذا افترقا على ذلك إلا أنهم اختلفوا في المعنى الذي له وجبت الكراهة والتحريم في ذلك على ما نذكره بعد إن شاء الله تعالى فمن ذلك ما قاله مالك بأثر هذا الحديث قال مالك في رجل ابتاع سلعة من رجل بعشرة دنانير نقدا أو بخمسة عشر دينارا إلى أجل قد وجبت للمشتري بأحد الثمنين إنه لا ينبغي ذلك لأنه إن أخر العشرة كانت خمسة عشر إلى أجل وإن نقد العشرة كان إنما اشترى بها الخمسة عشر التي إلى أجل قال مالك في رجل اشترى من رجل سلعة بدينار نقدا أو بشاة موصوفة إلى أجل قد وجب عليه بأحد الثمنين إن ذلك مكروه لا ينبغي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيعتين في بيعة وهذا من بيعتين في بيعة قال مالك في رجل قال لرجل أشتري منك هذه العجوة خمسة عشر صاعا أو الصيحاني عشرة أصوع أو الحنطة المحمولة خمسة عشر صاعا أو الشامية عشرة أصوع بدينار قد وجبت لي إحداهما إن ذلك مكروه لا يحل وذلك أنه قد أوجب له عشرة أصوع صيحانيا فهو يدعها ويأخذ خمسة عشر صاعا من العجوة أو تجب عليه خمسة عشر صاعا من الحنطة المحمولة فيدعها ويأخذ عشرة أصوع من الشامية فهذا أيضا مكروه لا يحل وهو أيضا يشبه ما نهي عنه من بيعتين في بيعة وهو أيضا ما نهي عنه أن يباع من صنف واحد من الطعام اثنان بواحد وقد فسر مالك مذهبه في معنى النهي عن بيعتين في بيعة واحدة وأن ذلك عنده على ثلاثة أوجه أحدها العينة والثاني أنه يدخله مع الطعام من جنس واحد متفاضلا والثالث أنه من بيوع الغرر ونحو ذلك فسره بن القاسم

قال عيسى بن دينار سألت بن القاسم عن تفسير بيعتين في بيعة فقال لي بيعتين في بيعة أكثر من أن يبلغ لك تفسيره وأصل ما بنينا عليه وتعرف به مكروههما أنهما إذا تبايعا بأمر يكون إذا فسخت إحداهما في صاحبه كان حراما أو يكون إذ فسخت إحداهما في صاحبه لم يكن حراما وكان غررا لا يدري ما عقد به بيع سلعته ولا ما وجب له وهذا من بيعتين في بيعة وأصلها الغرر والمخاطرة وهو فسخ إن وقع إلا أن تفوت السلعة عند مبتاعها فيكون له بقيمتها يوم ابتاعها قال عيسى وتفسير ذلك أن تقول سلعتي هذه لك إن شئت بدينار نقدا وإن شئت بدينارين إلى أجل قد وجب عليك الأخذ بأحدهما فهو إن أخذها بالدينار كان نقدا قد فسخ دينارين إلى أجل في دينار نقدا وإن أخذها بدينار إلى أجل كان قد فسخ دينارا نقدا بدينارين إلى أجل فهذا الذي إن فسخه في صاحبه لم يحل وأما الذي إن فسخه من صاحبه كان حلالا وكان غررا لا يدري ما عقد به بيع سلعته فهو أن يقول خذها بدينار نقدا أو بشاة قائمة نقدا فذلك ملك الآخر يأخذها فهو الذي إن فسخ أحدهما في صاحبه كان حلالا وكان غررا لأنه لا يدري ما عقد عليه بيعه قال أبو عمر ما زاد عيسى على أن أتى بما ذكره مالك في الموطإ إلا أنه سمى الغرر حلالا وذهب إلى تفسير ظنه في الدينار نقدا في الشاة وجعل الوجه من الآخر حراما لأنه عنده في ظنه دينار بدينارين إلى أجل معلوم أن بيع الغرر ليس بحلال لأن رسول الله صلى الله عليه وسلمنهى عنه كما نهى عن بيع الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد فكيف صار فعل من واقع ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيع الغرر حلالا وصار فعل من واقع ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجه الآخر حراما على أن كل واحد من الفاعلين لم يقصد في ظاهر أمره ما نهى عنه ولكنه فعل فعلا يشبهه وحصل عند مالك ومن تابعه في حكم من فعله قاصدا إليه فلما صار فعل من واقع أحد النهيين قاصدا أو جاهلا حلالا و من لم يكن من واقع النهي الثاني مثلها وكلاهما متساويان في فسخ البيع إن أدرك وإصلاحه بالقيمة إن فات والله أعلم قال أبو عمر قول مالك في هذا الباب هو قول ربيعة وأبي الزناد وسليمان بن يسار وبه قال عبد العزيز بن أبي سلمة

وأما الشافعي فذكر المزني والربيع والزعفراني عنه معنى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة أن أبيعك عبدا بألف نقدا أو ألفين إلى سنة ولا أعقد البيع بواحد منهما فهذا تفرق عن ثمن غير معلوم قال المحتمل أن يقول أبيعك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك بألف إذا وجب لك عبدي وجبت لي دارك فيكون العبد بثمن غير معلوم لأني ما نقصت في العبد أدركته بما ازددت في الدار فتكون الدار بغير ثمن معلوم إني ما ازددت في الدار أدركت في العبد وكل واحد منهما بائع مشتر بثمن لا يوقف على حقيقته فبيعهما مفسوخ وهو يشبه ما نهى عنه من بيعتين في بيعة وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا اشترى الرجل بيعا من رجل إلى أجلين فتفرقا على ذلك فلا يجوز وذلك أنه لا يكون إلى أجلين إلا عن ثمنين فإن قال هو بالنقد بكذا وبالنسيئة بكذا ثم افترقا على قطع أحد البيعتين فهو جائز قالوا ومن باع عبده من رجل على أن يبيعه الآخر عبده بثمن ذكره لم يجز فمعنى قول الكوفيين في هذا الباب نحو قول الشافعي وقال مالك فيمن قال أبيعك هذا الثوب بعشرة نقدا أو بخمسة عشر إلى أجل إذا كان البائع والمبتاع كل واحد منهما إن شاء أن يترك البيع ترك ولا يلزمه فلا بأس بذلك ولا يجوز عند مالك والشافعي وأبي حنيفة إن افترقا على ذلك بالالتزام حتى يفترقا على وجه واحد وهو قول الثوري وقال الأوزاعي إن افترقا على ذلك وقبض السلعة فهي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين وقال بن شبرمة إذا فارقه على ذلك فضاع فعليه أقل الثمنين نقدا وبيان ذلك انه إذا افترق على إلزام إحدى البيعتين بغير عينهما فلا يجوز عند جميعهم لأنه من باب بيعتين في بيعة وافترقا على غير ثمن معلوم فإن افترقا على البيعتين معا على غير التزام بثمن يلزم إحداهما بعد ذلك فأجازه مالك وجعله من باب بيع الخيار وعند أبي حنيفة والشافعي لا يجوز إذا افترقا على غير ثمن معلوم ولا بالتزام

ولا بغير التزام لأنهما قد افترقا على ثمن مجهول ودخلا تحت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة وقال مالك من باع سلعة بدينار نقدا أو بدينارين إلى شهر فسخ ذلك وردت إلى قيمتها نقدا ولا يعطى أقل الثمنين إلى أقصى الأجلين وقال الوليد بن مسلم سألت الأوزاعي عن حديثهم لا تحل السومتان هو بكذا نقدا أو بكذا نسيئة قال يأخذ في ذلك بقول عطاء بن أبي رباح قال لا بأس بذلك ولكن لا يفارقه حتى يأتيه بإحدى البيعتين قلت فإنه ذهب بالسلعة على ذينك الشرطين قال هي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين وقال الثوري إن بعت بيعا فقلت هو لك بالنقد بكذا وبالنسيئة بكذا فذهب به المشتري وهو بالخيار في البيعتين فإن لم يكن وقع بيعك على أحدهما فهو مكروه وهو بيعان في بيعة واحدة وهو مردود لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه فإن وجدت متاعك بعينه أخذته وإن كان قد استهلك فلك أوكس الثمنين وأبعد الأجلين وإذا ذهب به المشتري على وجه واحد نقدا كان أو نسيئة فلا بأس بذلك وروى الثوري عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال الصفقتان في صفقة ربا قال سفيان يقول إن يأخذ سلعة بيعا فقال أبيعك هذه بعشرة دنانير وتعطيني بها صرف درهم والثوري عن جابر عن الشعبي عن مسروق قال هو ربا وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود وهو عندهم من بيعتين في بيعة وهو عند مالك جائز على ما ذكرناه عنه ومعمر عن الزهري عن قتادة وعن بن طاوس عن أبيه عن قتادة عن بن المسيب قال لا بأس بأن يقول أبيعك هذا الثوب بعشرة دنانير إلى شهر أو بعشرين إلى شهرين إذا باعه على أحدهما قبل أن تفارقه ومعمر وبن عيينة عن بن طاوس عن أبيه قال إذا وقع البيع على هذا فهو بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين

باب بيع الغرر مالك عن أبي حازم بن دينار عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر قال أبو عمر هذا الحديث متصل من حديث عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رواه يحيى القطان وعبد الله بن إدريس وأبو أسامة والدراوردي وغيرهم عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا كثيرا من طرق هذا الحديث في التمهيد وأما بيوع الغرر فإنها لا يحاط بها ولا تحصى ولكنا نذكر منها ما ذكره مالك في الموطأ ويأتي في ذلك ما هو دليل على ما سواه إن شاء الله عز وجل قال مالك ومن الغرر والمخاطرة إن يعمد الرجل قد ضلت دابته أو أبق غلامه وثمن الشيء من ذلك خمسون دينارا فيقول رجل أنا آخذه منك بعشرين دينارا فإن وجده المبتاع ذهب من البائع ثلاثون دينارا وإن لم يجده ذهب البائع من المبتاع بعشرين دينارا قال مالك وفي ذلك عيب آخر إن تلك الضالة إن وجدت لم يدر أزادت أم نقصت أو ما حدث بها من العيوب فهذا أعظم المخاطرة قال أبو عمر اختلف الفقهاء في بيع الآبق فتحصيل مذهب مالك عند أصحابه أنه لا يجوز بيع الآبق إلا أن يدعي مشتريه معرفته فيشتريه ويتواضعان الثمن فإن وجده على ما يعرف قبضه وجاز البيع وإن وجده قد تغير أو تلف كان من مال البائع ويرد الثمن إلى المشتري قال مالك وإذا اشتريت عبدا في أباقه فضمانه على البائع لأن البيع فاسد فإن قدرت على العبد فقبضته لم يجز البيع

قال وإن كان الآبق عند المشتري فإن علم البائع حاله جاز البيع لأنه قد يزيد وينقص فجائز من أن يعرف البائع حاله كما يعرف المشتري وقال الشافعي والحسن بن حي والثوري وعبيد الله بن الحسن لا يجوز بيع الآبق على حال قال أبو عمر لعدم التسليم لأن بيع الأعيان غائبه لا يجوز وصفت أو لم توصف عند الشافعي ولا يجوز عنده بيع الموصوف إلا مضمونا في الذمة وقد أجمعوا أنه من اشترى شيئا من الحيوان معينا واشترط إلا يسلمه إلا بعد شهر أو نحوه أن ذلك لا يجوز وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز بيع الآبق إلا أن يكون في يد مشتريه وقال عثمان البتي لا بأس ببيع العبد الآبق والبعير الشارد وإن هلك فهو من مال المشتري وإن اختلفا في هلاكه فالبينة على المشتري أنه هلك قبل عقد الشراء وكذلك المبتاع كله عنده قال أبو عمر قول عثمان البتي مردود بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ولا حجة لأحد في جهل السنة ولا في خلافها وقد أجمع علماء المسلمين أن مبتاع العبد الآبق والجمل الشارد وإن اشترط عليه البائع أنه لا يرد الثمن الذي قبضه منه قدر على العبد أو الجمل ولم يقدر أن البيع فاسد مردود وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث شهر بن حوشب عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد وهو آبق وعن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع وعن شراء ما في ضروعها إلا بكيل وعن شراء الغنائم حتى تقسم قال أبو عمر اختلفوا مما في هذا الحديث في بيع لبن الغنم أياما فقال مالك لا بأس بذلك إذا عرف حلابها ولم يجز ذلك في الشاة الواحدة وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما وسائر الفقهاء لا يجوز ذلك إلا بكيل قال أبو عمر لم يجيزوا بيع لبن الغنم في ضروعها لوجهين أحدهما أن ذلك بيع عين غير مرئية ولا معلوم مبلغها وقدرها لأنها قد تزيد وتنقص على قدر المرعى والسلامة من الآفات وإن كان أياما فهو بيع شيء غير مخلوق ولأنه لا يتميز الطاوي من اللبن بعد العقد

وأجازه مالك ذلك لأنه عنده من المعلوم في الأغلب حلاب غنم بأعيانها قد عرف ذلك منها وإن اختلفت في الأيام فذلك يسير والغرر باليسير معفو عنه عند الجميع قال مالك والأمر عندنا أن من المخاطرة والغرر اشتراء ما في بطون الإناث من النساء والدواب لأنه لا يدري أيخرج أم لا يخرج فإن خرج لم يدر أيكون حسنا أم قبيحا أم تاما أم ناقصا أم ذكرا أم أنثى وذلك كله يتفاضل إن كان على كذا فقيمته كذا وإن كان على كذا فقيمته كذا قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه وقد اتفق العلماء على أن بيع ما في بطون الإناث لا يجوز لأنه غرر وخطر ومجهول وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن بيع الغرر وعن بيع الملامسة وعن بيع الحصى وعن بيع حبل حبلة وهذا كله بيع ما لا يتأمل وبيع ما لا يرى ويجهل وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع ما في بطون الإناث لأنه غرر حتى تضع قال مالك ولا ينبغي بيع الإناث واستثناء ما في بطونها وذلك أن يقول الرجل للرجل ثمن شاتي الغزيرة ثلاثة دنانير فهي لك بدينارين ولي ما في بطنها فهذا مكروه لانه غرر ومخاطره قال أبو عمر قد مضى القول في هذه المسألة في أول هذا الكتاب قال مالك ولا يحل بيع الزيتون بالزيت ولا الجلجلان بدهن الجلجلان ولا الزبد بالسمن لان المزابنة تدخله ولأن الذي يشتري الحب وما أشبهه بشيء مسمى مما يخرج منه لا يدري أيخرج منه أقل من ذلك أو أكثر فهذا غرر ومخاطرة قال مالك ومن ذلك أيضا اشتراء حب البان بالسليخة فذلك غرر لأن الذي يخرج من حب البان هو السليخة ولا بأس بحب البان بالبان المطيب لان البان المطيب قد طيب ونش وتحول عن حال السليخة قال أبو عمر ما ذكره مالك رحمه الله فهو كما ذكره يدخله المزابنة والغرر

وكذلك هو عند الشافعي وأحمد وأكثر العلماء لا يجوز عندهم بيع الزيتون بالزيت على حال ولا الشيرج بالسمسم ولا نبيذ التمر بالتمر وقال الأوزاعي يجوز شراء زيتونة فيها زيتونة بإمداد من زيتون وكذلك شاة بها لبن بأقساط من لبن لأن ما في الشجرة والضرع لغو قال مالك لا بأس بشاة عليها صوف بصوف ولا بأس بالشاة اللبون باللبن يدا بيد ولا يجوز نسيئه وإن كانت غير لبون جاز الأجل قال ولا بأس بالشاة اللبون بطعام إلى أجل لأن اللبن من الشاة وليس الطعام منها قال وكذلك التمر بالنوى لا بأس به إلى أجل قال والشاة يريد ذبحها بطعام إلى أجل جائز إن لم تكن شاة لحم وكانت تقتنى وإن كانت شاة لحم فلا قال وكذلك السمن إلى أجل بشاة لبون ولا يجوز وإن لم يكن منها لبن جاز ويجوز الجميع يدا بيد وفي العتبية لابن القاسم عن مالك أنه لا يجوز اللبن بالشاة أيهما عجل وأخذ صاحبه وقال سحنون الذي أعرفه من بن القاسم وقاله لي غير مرة أنه إذا قدم اللبن في الشاة اللبون فلا بأس به إذا كانت الشاة معجلا واللبن إلى أجل وأما إذا كانت الشاة اللبون معجلة واللبن إلى أجل فهو حرام لا يجوز وروى يحيى عن بن القاسم أنه قال لم يحرم مالك الشاة اللبون باللبن إلى أجل من أجل أنه طعام بطعام إلى أجل ولكن من أجل المزابنة قال أبو عمر اختلاف أصحاب مالك في هذا الباب من المزابنة وشبهها كثير جدا وقد ذكرناه في كتاب اختلافهم ويجوز عند أبي حنيفة وأصحابه بيع الزيت بالزيتون وبيع الصوف بالشاة والنوى بالتمر على الاعتبار وكذلك الشاة التي في ضرعها لبن بلبن وذلك بأن يكون اللبن الذي في ضرع الشاة أقل من اللبن فيكون ما زد على مقداره ثمنا للشاة وكذلك الزيت يكون أقل مما في الزيتون من الزيت وكذلك الصوف والشاة

وقد ذكرنا هذا المعنى من مذهبهم واضحا في الصرف وذكرنا مذهب الشافعي في المزابنة وما كان مثلها فيما تقدم وأما قول مالك أنه لا بأس تجب ألبان المطيب فهو مذهبه في اللحم الطري بالمطبوخ وكل ما غيرته الصنعة وخالفته في الغرض فيه بينه وبين غيره لا بأس عنده باللحم المطبوخ بالإناء بل باللحم النيء متفاضلا ومتماثلا يدا بيد ولا يباع عنده اللحم الرطب بالقديد إلا مثلا بمثل ولا متفاضلا وقال الشافعي لا يجوز بيع اللحم من الجنس الواحد مطبوخا منه بنيء منه بحال إذا كان إنما يدخر مطبوخا وكذلك المطبوخ بالمطبوخ لأنه لا يدري التساوي فيهما ولا ما أخذت النار من كل واحد منهما وقال الطحاوي قياس قول أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يباع النيء بالمشوي إلا يدا بيد مثلا بمثل إلا أن يكون في احدهما شيء من التوابل فيكون الفصل في الآخر للتوابل قال أبو عمر يجيء على قياس قول أبي حنيفة ما ذكره الطحاوي قياسا على قوله في البر المقلو بالبر ويجيء أيضا على قوله في جواز الحنطة المبلولة باليابسة جواز ذلك وقد خالفه أبو يوسف فيه وقد تقدم ذكر ذلك في بابه والحمد لله كثيرا قال مالك في رجل باع سلعة من رجل على أنه لا نقصان على المبتاع إن ذلك بيع غير جائز وهو من المخاطرة وتفسير ذلك أنه كأنه استأجره بربح أن كان في تلك السلعة وإن باع برأس المال أو بنقصان فلا شيء له وذهب عناؤه باطلا فهذا لا يصلح وللمبتاع في هذا أجرة بمقدار ما عالج من ذلك وما كان في تلك السلعة من نقصان أو ربح فهو للبائع وعليه وإنما يكون ذلك إذا فاتت السلعة وبيعت فإن لم تفت فسخ البيع بينهما قال مالك فأما أن يبيع رجل من رجل سلعة يبت بيعها ثم يندم المشتري فيقول للبائع ضع عني فيأتي البائع ويقول بع فلا نقصان عليك فهذا لا بأس به لأنه ليس من المخاطرة وإنما هو شيء وضعه له وليس على ذلك عقدا بيعهما وذلك الذي عليه الأمر عندنا

قال أبو عمر هذا البيع لا أعلم خلافا في انه لا يجوز فيه لأن الثمن فيه مجهول الشرط البائع للمبتاع أنه ما خسر فيه وانحط من ثمنه فهو ضامن له وذلك في عقد صفقته فهو بيع فاسد لأنه يؤول إلى ثمن مجهول وأما قوله له بعد تمام البيع بع ولا نقصان عليك فهي عدة وعده بها وقد اختلف قول مالك في وجوبها والقضاء بها وقال بن وهب يرضيه بحسب ما يشبه من ثمن السلعة أن يقبضه البيع من ثمنها وقال أشهب يرضيه بحسب ما أراد ونوى وأما الشافعي وأبو حنيفة فلا يريان وجوب شيء من العدات ويستحبان الوفاء بها والله الموفق باب الملامسة والمنابذة مالك عن محمد بن يحيى بن حبان وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة قال مالك والملامسة أن يلمس الرجل الثوب ولا ينشره ولا يتبين ما فيه أو يبتاعه ليلا ولا يعلم ما فيه والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الاخر إليه ثوبه على غير تأمل منهما ويقول كل واحد منهما هذا بهذا فهذا الذي نهي عنه من الملامسة والمنابذة قال أبو عمر كان بيع الملامسة و بيع المنابذة وبيع الحصى بيوعا يتبايعها أهل الجاهلية وكذلك روي عن أبي سعيد وبن عمر فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ومعناها يجمع الخطر والغرر والقمار لأنه بغير تأمل ولا نظر ولا تقليب ولا يدري حقيقة ما اشترى وتفسير مالك لذلك وغيره من العلماء قريب من السواء وهو معنى ما ذكرنا

وكذلك بيع الحصى وذلك أن تكون ثياب مبسوطة فيقول المبتاع للبائع أي ثوب من هذه الثياب وقعت عليه الحصى التي أرمي بها فهي لي فيقول له البائع نعم فهذا كله وما كان مثله من شراء ما لا يقف المبتاع على عينه وقوف تأمل له وعلم به ولا يعرف مبلغه هو بيع فاسد في معنى ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني المطلب بن شعيب قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يونس عن بن شهاب قال أخبرني عامر بن سعد أن أبا سعيد الخدري قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين ونهى عن الملامسة والمنابذة في البيع والملامسة أن يلمس الرجل الثوب بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر إليه ثوبه ويكون ذلك بيعهما على غير نظر ولا تأمل وقد ذكرنا الاختلاف في إسناد هذا الحديث وفي ألفاظه في التمهيد وسيأتي ذكر اللبستين عند ذكر اللبسة الصماء من الجامع إن شاء الله تعالى وتفسير الشافعي في الملامسة والمنابذة على نحو تفسير مالك لذلك قال الشافعي ومعنى الملامسة أن يأتي بالثوب مطويا فيلمسه المشتري أو يأتي به في ظلمة ويقول رب الثوب أبيعك هذا على أنه إذا وجب البيع فنظرت إليه فلا خيار لك والمنابذة أن يقول أنبذ إليك ثوبي هذا وتنبذ إلي ثوبك على أن كل واحد منهما بالآخر ولا خيار لنا إذا عرفنا الطول والعرض قال أبو عمر هذا قول الشافعي يدل على صحة ما روي عنه وما روى عنه الربيع في أنه يجيز البيع على خيار الرؤية

وقال أبو حنيفة وأصحابه الملامسة والمنابذة بيعان لأهل الجاهلية كان إذا وضع يده على ما ساوم به فقد ملكه وإذا نبذه إليه فقد ملكه ووجب الثمن المذكور عليه وإن لم تطب بذلك نفسه فذلك قمار لا يتابع وقال بن شهاب الزهري الملامسة كان القوم يتبايعون السلع ولا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها والمنابذة أن ينابذ القوم السلع ولا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها وقال ربيعة الملامسة والمنابذة من أبواب القمار قال أبو عمر مما اتفقوا عليه أنه من باب الملامسة بيع الأعمى والمس بيده أو بيع البز وسائر السلع ليلا دون صفة قال مالك في الساج المدرج في جرابه أو الثوب القبطي المدرج في طيه إنه لا يجوز بيعهما حتى ينشرا وينظر إلى ما في أجوافهما وذلك أن بيعهما من بيع الغرر وهو من الملامسة قال مالك وبيع الأعدال على البرنامج مخالف لبيع الساج في جرابه والثوب في طيه وما أشبه ذلك فرق بين ذلك الأمر المعمول به ومعرفة ذلك في صدور الناس وما مضى من عمل الماضين فيه وأنه لم يزل من بيوع الناس الجائزة والتجارة بينهم التي لا يرون بها بأسا لأن بيع الأعدال على البرنامج على غير نشر لا يراد به الغرر وليس يشبه الملامسة قال أبو عمر سيأتي القول في بيع البرنامج في بابه إن شاء الله عز وجل وأما بيع الثوب في طيه دون أن ينظر إليه فلا يجوز عند الجميع لأنه في معنى بيع الملامسة لأنه لا يرى فيه إلا طاقة واحدة فإن عرف ذرعه في طوله وعرضه ونظر إلى شيء منه فاشترى عليه كان ذلك جائزا فإن خالف كان ذلك عينا كسائر العيون إن شاء قام به وإن شاء رضيه باب بيع المرابحة قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في البز يشتريه الرجل ببلد ثم يقدم به بلدا آخر فيبيعه مرابحة إنه لا يحسب فيه أجر السماسرة ولا أجر الطي

ولا الشد ولا النفقة ولا كراء بيت فأما كراء البز في حملانه فإنه يحسب في أصل الثمن ولا يحسب فيه ربح إلا أن يعلم البائع من يساومه بذلك كله فإن ربحوه على ذلك كله بعد العلم به فلا بأس به قال مالك فأما القصارة والخياطة والصباغ وما أشبه ذلك فهو بمنزلة البز يحسب فيه الربح كما يحسب في البز فإن باع البز ولم يبين شيئا مما سميت أنه لا يحسب له فيه ربح فإن فات البز فإن الكراء يحسب ولا يحسب عليه ربح فإن لم يفت البز فالبيع مفسوخ بينهما إلا أن يتراضيا على شيء مما يجوز بينهما قال أبو عمر هذا كله لمن باع مرابحة للعشرة أحد عشر أو للدينار درهم أو نحو ذلك ومن باع السلعة على أن الربح في جميع ثمنها كلا فإنه يحسب فيها ما كان لدنانيره في عين السلعة كالصبغ والخياطة والقصارة وله أن يعرفه بكل ما قامت عليه السلعة من كراء فأخذه سمسار وطي وشد ونحو ذلك فإن رضي فأخذ السلعة على ذلك وأربحه عليه طاب ذلك له وأما الشافعي فلم أجد في كتبه جوابا في هذه المسألة لا في كتاب المزني ولا في كتاب البويطي إلا أن من قوله إن كل ما كان صلاحا للمبتاع مما هو عين قائمة فيه أو أمر له قيمة فسبيله سبيل نفس المبتاع وقوله مثل ما قاله أبو ثور على ما نذكره إن شاء الله عز وجل وقال أبو حنيفة إذا اشترى متاعا فله أن يحمل عليه ما أنفق في القصارة والخياطة والكراء ويلحق بالرقيق الكسوة والنفقة وكذلك أجر السمسار ويقول في جميع ذلك قام علي بكذا ولم يختلف أصحابه في هذه الجملة وقال الأوزاعي يرفع فيه كراؤه ونفقته ثم يبيعه بعد ذلك مرابحة وقال أبو ثور الذي نقول به إن المرابحة لا تجوز إلا على الثمن الذي اشتراه به ولكنه إن أحب أن يحسب جميع ما أنفق عليه وما لزمه فيه من شيء لم يقل قام علي بكذا وكذا فذلك جائز ولا يقل اشتريته بكذا وكذا فيكون فإن باعه

على أنه اشتراه بكذا وقد حمل عليه ما أنفق فالبيع مفسوخ وإن استهلك المشتري المتاع كان عليه القيمة ويرجع بالثمن قال وما أنفق على المتاع وعلى الرقيق في طعامهم ومؤنتهم وكسوتهم حسب عليه قام علي بكذا أو كذا ولا يحسب في ذلك نفقة ولا كراء قال مالك في الرجل يشتري المتاع بالذهب أو بالورق والصرف يوم اشتراه عشرة دراهم بدينار فيقدم به بلدا فيبيعه مرابحة أو يبيعه حيث اشتراه مرابحة على صرف ذلك اليوم الذي باعه فيه فإنه إن كان ابتاعه بدراهم وباعه بدنانير أو ابتاعه بدنانير وباعه بدارهم وكان المتاع لم يفت فالمبتاع بالخيار ان شاء أخذه وإن شاء تركه فإن فات المتاع كان للمشتري بالثمن الذي ابتاعه به البائع ويحسب للبائع الربح على ما اشتراه به على ما ربحه المبتاع قال أبو عمر قوله هذا قول حسن جدا وهو قول الليث وهو من باب الكذب والخيانة في المرابحة وستأتي المسألة في ذلك بعد وقال مالك فيمن اشترى سلعة بدنانير فأعطى في الدنانير عروضا أو دراهم أنه لا يبيع مرابحة حتى يبين ما نفذ وكذلك لو اشترى بدين له على رجل لم يبعه حتى يبين وهو قول الليث وكذلك لو وجد عيبا لم يرجع إلا ما أعطى وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا اشترى سلعة بألف درهم ثم باعه بالألف الدرهم عروضا أو أعطى فيها ذهبا فإنه يبيعها مرابحة على ألف درهم ولايبين وهوقول الحسن بن حي وقالوا لو وجد المشتري عيبا ورد السلعة بالعيب لم يرجع إلا بالثمن الذي عقد سلعته عليه ومن حجتهم أنه جائز له بيعها مرابحة على ما عقد قبل أن ينقض ثم يعطيه بعد ذلك فيه عروضا أو ذهبا أو ما اتفقا عليه

وقد اختلف بن القاسم وأشهب في الذي يشتري السلعة بطعام أو عرض هل يبيعها مرابحة فقال بن القاسم ذلك جائز على ما اشترى من العروض والطعام ولا يجوز له أن يبيعها على قيمتها وقال أشهب لا يجوز لمن اشترى سلعة بشيء من العروض أن يبيعها مرابحة لأن ذلك من بيع ما ليس عنده وقال الأوزاعي لو اشترى السلعة بنسيئة وباعها مرابحة ولم يبن فإن للمشتري مثل أجله وقال أبو ثور وهو كالعيب وقال أبو عمر قول الأوزاعي هو قول شريح له مثل نقده وأجله وبه قال أبو ثور قال مالك وإذا باع رجل سلعة قامت عليه بمائة دينار للعشرة أحد عشر ثم جاءه بعد ذلك أنها قامت عليه بتسعين دينارا وقد فاتت السلعة خير البائع فإن أحب فله قيمة سلعته يوم قبضت منه إلا أن تكون القيمة أكثر من الثمن الذي وجب له به البيع أول يوم فلا يكون له أكثر من ذلك وذلك مائة دينار وعشرة دنانير وإن أحب ضرب له الربح على التسعين إلا أن يكون الذي بلغت سلعته من الثمن أقل من القيمة فيخير في الذي بلغت سلعته وفي رأس ماله وربحه وذلك تسعة وتسعون دينارا قال مالك وإن باع رجل سلعة مرابحة فقال قامت علي بمائة دينار ثم جاءه بعد ذلك أنها قامت بمائة وعشرين دينارا خير المبتاع فإن شاء أعطى البائع قيمة السلعة يوم قبضها وإن شاء أعطى الثمن الذي ابتاع به على حساب ما ربحه بالغا ما بلغ إلا أن يكون ذلك أقل من الثمن الذي ابتاع به السلعة فليس له أن ينقص رب السلعة من الثمن الذي ابتاعها به لأنه قد كان رضي بذلك وإنما جاء رب السلعة يطلب الفضل فليس للمبتاع في هذا حجة على البائع بأن يضع من الثمن الذي ابتاع به على البرنامج قال أبو عمر إنما قال على البر نامج لأن بيع المرابحة عنده للعشرة أحد عشر والمعهود عند أهل المدينة في بيع البرنامج وهو الذي يسميه أهل العراق ده دوازده للعشرة أحد عشر

وذكر أبو عبد الله المروزي هذه المسألة فقال إذا أقر البائع أنه كذب في الشراء وزاد وقامت بذلك بينة فلذلك كله سواء عند بن أبي ليلى وأبي يوسف والشافعي وعبيد الله بن الحسن وأحمد بن حنبل وأبي ثور كلهم يقول تحط عن المشتري الزيادة التي كذب فيها البائع وما أصابها من الربح واختاره المزني وقال أبو حنيفة وزفر ومحمد بن الحسن إذا اشترى إذا علم المشتري فهو بالخيار في أخذه السلعة بالثمن الذي سمى له أو يفسخ البيع وروى الربيع عن الشافعي في مسألة الخيانة والكذب في المرابحة أن المشتري بالخيار بين أن يأخذ المبيع بالثمن الذي سمى به البائع أو يفسخ البيع قال ولا ترد عنه الخيانة فيرجع إلى ثمن مجهول لم ينعقد البيع بينهما به والقولان عند الشافعي في هذه المسألة محمولان ولم يختلف قوله أن البائع لو ادعى الغلط وذكر زيادة في الثمن فأقام بذلك بينة أنه لا يسمع القاضي منها لأنه مكذب لها ويسمع البينة عند مالك ويخير المبتاع على حسب ما ذكر وروى زيد بن أبي الزرقاء عن الثوري قال إذا ابتاع الرجل بيعا بمائة دينار فقال للمشتري اشتريته بمائتين فاشتراه منه على ذلك بربح خمسين فالبيع جائز فإذا تبين بعد ذلك أنه اشتراه بمائة دفع للمشتري الزيادة وما أصابها من الربح قال وإن ابتاعه بذهب أو ده دوازده وكذلك أيضا قال فإن اشتراه بمائة ثم قال اشتريته بمائتين ثم باعه مساومة بمائتين وخمسين فأكثر فالبيع جائز وله ما باعه به وذكر الجوزجاني عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد قال إذا علم المشتري فهو بالخيار بين رد المتاع وأخذ الثمن الذي اشتراه به لا ينقص منه شيئا وإن كان المشتري قد استهلك المتاع أو بعضه فالثمن لازم له لا يحط عنه شيء من ذلك وكذلك لو أقر البائع بخيانته في الزيادة أو قامت عليه بينة بذلك لم يرجع المشتري في شيء من الثمن

وذكره الطحاوي عنهم قال أبو حنيفة يحط في التولية ولا يحط في المرابحة وله الخيار قال وقال محمد لا يحط فيهما وله الخيار وهو قول زفر وقال أبو يوسف وعبيد الله بن الحسين يحط منهما وهو قول بن أبي ليلى وقال عثمان البتي والحسن بن حي في المرابحة له الخيار وهو قول مالك ولا يحط عنه شيء قال مالك وإذا دخلها عيب عند المشتري أو حالت الأسواق فالبيع فاسد فلا يردها ويرد القيمة قال مالك فإن فاتت السلعة وكانت قيمتها نصف ما وزن مثل ما وزن المبتاع أو أكثر فلا شيء وإن كانت أقل لزمته القيمة تمام القيمة إلا أن يكون أكثر مما وزن فلا تلزمه الزيادة وإن كانت قائمة أخذ الجميع أو رد قال وقال الشافعي يحط في المرابحة قال أبو عمر يعني مثل قول الثوري وهو قول أبي ثور قال أبو ثور إذا خانه ثم علم المشتري حط عنه من الثمن الزيادة وربح الزيادة وقال الطبري قياس قول الشافعي أن يكون المشتري بالخيار إذا قامت له البينة بإقرار البائع بالخيانة بين أن ينتقص البيع ويرد السلعة ويرجع بالثمن وبين أن يمضي البيع بما ابتاعها به إن كانت السلعة قائمة وإن كانت مستهلكة فإن له أن يأخذها بما خانه فيه من الثمن وربحه قال أبو عمر من لم ير أن يحط عن المشتري ما كذب فيه البائع وخيره قاسه على العيب لأن العيب نقض دخل على المبتاع وهو فيه مخير إن شاء أخذ وإن شاء رد ومن رأى أن يحط عنه فلأن المشتري إنما ربحه على ما ابتاع به السلعة على غير ذلك فلما خانه وجب أن يرد ما خانه به كما لو خانه في الوزن أو الكيل وجب رد ذلك إلى الحق

باب البيع على البرنامج قال مالك الأمر عندنا في القوم يشترون السلعة البز أو الرقيق فيسمع به الرجل فيقول لرجل منهم البز الذي اشتريت من فلان قد بلغتني صفته وأمره فهل لك أن أربحك في نصيبك كذا وكذا فيقول نعم فيربحه ويكون شريكا للقوم مكانه فإذا نظر إليه رآه قبيحا واستغلاه قال مالك ذلك لازم له ولا خيار له فيه إذا كان ابتاعه على برنامج وصفة معلومة قال مالك في الرجل يقدم له أصناف من البز ويحضره السوام ويقرأ عليهم برنامجه ويقول في كل عدل كذا وكذا ملحفة بصرية وكذا وكذا ريطة سابرية ذرعها كذا وكذا ويسمي لهم أصنافا من البز بأجناسه ويقول اشتروا مني على هذه الصفة فيشترون الأعدال على ما وصف لهم ثم يفتحونها فيستغلونها ويندمون قال مالك ذلك لازم لهم إذا كان موافقا للبرنامج الذي باعهم عليه قال مالك وهذا الأمر الذي لم يزل عليه الناس عندنا يجيزونه بينهم إذا كان المتاع موافقا للبرنامج ولم يكن مخالفا له قال أبو عمر بيع البرنامج هو من باب بيع الغائب على الصفة وقد اختلف في ذلك السلف والخلف فمنهم من أجازه وأبطل فيه خيار الرؤية إذا وجد على الصفة وهو قول مالك وأكثر أهل المدينة وهو أحد قولي الشافعي في بيع الغائب على الصفة ومنهم من قال للمشتري فيه خيار الرؤية على كل حال وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو أحد قولي الشافعي وللشافعي قول ثالث هو الذي اختاره المزني أن البيع في ذلك باطل لأنه لا عين مرئية ولا صفة مضمونة وانهما يفترقان في خيار الرؤية على غير تمام بيع ولا صفقة ومن حجته في ذلك على مالك أنه لم يجز بيع الساج المدرج في جرابه ولا الثوب القبطي في طيه حتى ينشر وينظر إلى ما في أجوافهما قال والنظر إليهما

دون نشرهما لصفة البرنامج أو أكثر منها قال وإذا لم يجز ذلك في الثوب الواحد وغرره أقل كان الغرر في الكثير من الثياب أكثر قال أبو عمر قد وقف مالك على معنى ما ذكره الشافعي وقال فرق بين ذلك الأمر المعمول به وما في صدور الناس من معرفة ذلك وأنه لم يزل بيع البرنامج من عمل الناس الجائز بينهم ولا يشبه الملامسة ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن بن سيرين قال إذا ابتاع الرجل منك شيئا على صفة فلم تخالف ما وصفت له فقد وجب البيع قال أيوب وقال الحسن له خيار الرؤية وعن معمر قال أخبرنا الزهري عن بن المسيب قال قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وددنا لو أن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف تبايعا حتى يعلم أنهما أعظم جدا في التجارة قال فاشترى عبد الرحمن من عثمان فرسا من أرض أخرى بأربعين ألف درهم أو أربعة آلاف أو نحو ذلك إن أدركتها الصفقة وهي سالمة ثم أجاز قليلا فرجع فقال أزيدك ستة آلاف إن وجدها رسولي سالمة قال نعم فوجدها رسول عبد الرحمن قد هلكت وخرج منها بالشرط الآخر قال رجل للزهري فإن لم يشرط قال هي من مال البائع وروى بن وهب عن يونس عن بن شهاب قال كان عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فذكر الخبر بمعناه ولم يذكر سعيد بن المسيب وفيه عن الصحابة جواز بيع الغائب إلا أن ظاهره ليس فيه صفة فهو حجة لأبي حنيفة الذي يجيز بيع الغائب على غير صفة فإذا رآه ورضيه صارت الصفقة وتم البيع وإن لم يرضه فلا بيع بينهما والصفة وغير الصفة عند أبي حنيفة وأكثر الكوفيين في باب بيع الغائب سواء لأنه فيه خيار الرؤية ومالك لا يجيزه على ذلك حتى يتواصفاه فإن وجد البيع على الصفة لزم المشتري ولا خيار له إذا رأى وأما بيع البرنامج فهو أيضا من بيوع المرابحة وهو الذي يسميه أهل العراق بيع ده دوازده وهو بيع البز والمتاع على الصفات العشرة من رأس المال أحد عشر بالربح ونحو ذلك وقد كرهه قوم وأجازه آخرون

فمن كرهه يوجه كراهيته أنه بيع غير حاضرة لم ينظر إليها فدخلت من باب الملامسة والمنابذة والغرر ولم يلتفت من كره ذلك إلى الصفة لأن الصفة إنما تكون في بيع المضمونات على الصفة في الذمة وهو بيع السلم وفيه وجه آخر من الكراهة لأنه قد حسب في برنامجه كل ما اتفق عليه ومن أجازه فلما وصفنا من تبايع الصحابة الأشياء الغالية إما على الصفة وإما على خيار الرؤية ذكر عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن خالد عن بن سيرين قال لا بأس ببيع ده دوازده وتحسب النفقة على الثياب وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد في البيع على البرنامج مرابحة إذا أربحه وهو لا يعلم الثمن فهو بالخيار إذا علم وقال أبو ثور إذا اشترى منه متاعا بربح العشرة واحدا ولم يعلم رأس المال كم هو فالبيع باطل وإنما يكون الربح بعد العلم بالثمن ونحو ذلك عند مالك وعن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم وعن جعدة بن ذكوان عن شريح قال لا بأس ببيع ده دوازده وبه يقول الثوري وعن معمر قال أنبئت أن بن مسعود كره أن يأخذ للنفقة ربحا وعن معمر عن قتادة عن بن المسيب أنه سأله عن بيع عشرة باثني عشر قال لا بأس به ما لم يأخذ للنفقة ربحا وعن معمر عن قتادة عن نوح بن أبي بلال قال سمعت سعيد بن المسيب يقول لا بأس ببيع ده دوازده ما لم يحسب الكراء وقال عبد الرزاق أخبرنا إسماعيل بن عبد الله قال أخبرني عبد الرحمن بن عجلان عن إبراهيم النخعي قال لا بأس أن يأخذ للنفقة ربحا قال عبد الرزاق قال سفيان ربح النفقة أجر الغسال وأشباهه قال وأخبرنا الثوري عن عمار الدهني عن بن أبي نعم عن بن عمر قال بيع ده دوازده ربا قال وأخبرنا الثوري عن جابر عن القاسم بن عبد الرحمن عن مسروق أنه كره بيع ده دوازده قال وأخبرنا بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال سمعت بن عباس يكره بيع ده دوازده وقال ذلك بيع الأعاجم

قال وأخبرنا الثوري عن سالم الضبي عن إبراهيم قال لا بأس أن يرقم على الثوب أكثر ما قام به ويبيعه مرابحة لا بأس بالبيع على الرقم قال وأخبرنا إسماعيل بن عبد الله قال أخبرنا عبد الرحمن بن عجلان قال سألت إبراهيم النخعي قلت الرجل يشتري الثوب فيرقمه فيزيد في رقمه كراءه وغيره ثم يبيعه مرابحة على الرقم قال أليس ينظر المتاع وينشره قلت بلى قال لا بأس به قال أبو عمر أما قول إبراهيم في تجويزه أنه يريد في الرقم الكراء والنفقة فقد أجاز ذلك من الفقهاء من ذكرنا قوله واختلفوا هل يأخذ لذلك ربحا أم لا ولا قوله لا بأس بأن يرقم على الثوب أكثر ما قام به ويبيعه مرابحة فالمعنى فيه أنه يقول قد ربحت على ثوبي وربحت كذا وكذا وأنا لا أبيعه إلا بكذا وكذا زيادة على ما رقمه به فهذا كالمساومة لأنه لا يقول له مقام علي بكذا ولا أشتريه بكذا وكذا قال مالك والكذب لم يحل له بإجماع العلماء وللمشتري أن يقول له لا أرضاه برأس ماله فكيف بالزيادة عليه وبما كسبته فيه وقد كره جماعة من العلماء ذلك لأنه باب من المكر والخديعة وليس كل العامة يعرف ذلك وربما توهم المشتري أنه يقول له بذلك اشتريت أو بكذا قام علي وذكر عبد الرزاق قال اخبرنا الثوري وقال أخبرني واصل بن سليم عن طاوس أنه ذكر له قول إبراهيم فقال لا أبيعن سلعتي بالكذب قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين أنه كان يكره أن يقول أربحني على هذا الرقم ولا أرى بأسا أن يقول زدني على الرقم بكذا وكذا قال أبو عمر هذا لما ذكرت لك لأنه إذا قال له ربحني على الرقم كذا أوهمه أن الرقم هو ما اشتراه به أو ما قام عليه به عند من أجاز ذلك أيضا وبالله التوفيق وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد في البيع على البرنامج مرابحة إذا أربحه وهو لا يعلم الثمن فهو بالخيار إذا علم

باب بيع الخيار مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار قال مالك وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما بيعين تبايعا فالقول ما قال البائع أو يترادان قال أبو عمر جعل مالك رحمه الله حديث بن مسعود هذا كالمفسر لحديث بن عمر يقول إن المتبايعين قد يختلفان قبل الافتراق فلو كان كل واحد منهما بالخيار لم تجب على البائع يمين ولا تراد لأن التراد إنما يكون فيما قد تم من البيوع والله أعلم فكأنه عنده منسوخ لأنه لم يدرك العمل عليه واستدل على نسخه بحديث بن مسعود الذي أردفه بقول القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا وقد قال مالك وذكر له حديث البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فقال قد جاء هذا الحديث ولعله أن يكون شيئا قد ترك فلم يعمل به وقال في رجل وقف سلعته للسوم فأعطى بها ما طلب فيها فقال لا أبيعها فالبيع له لازم فإن قال إنما كنت لاعبا وأردت اعتبار ثمنها فيحلف على ذلك فإن لم يحلف لزمه البيع قال الطحاوي كل من لم يقل بحديث البيعان بالخيار ما لم يفترقا من مكانهما يلزمه البيع ولا يلتفت إلى يمينه في قوله كنت لاعبا ومن يقول المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار حتى يفترقا أحرى ألا يقول بقول مالك في ذلك

قال ولم يقل بقول مالك أحد من الفقهاء في أنه لا يلزمه البيع وقد أعطى ما طلب في سلعته التي وقفها للبيع وساوم الناس فيها قال أبو عمر حديث بن مسعود حديث منقطع لا يكاد يتصل وإن كان الفقهاء قد عملوا به كل على مذهبه الذي تأوله فيه فمن أسانيد هذا الحديث ما رواه حفص بن غياث عن أبي العميس قال أخبرني عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده قال اشترى الأشعث رقيقا من رقيق الخمس من عبد الله بن مسعود بعشرين ألفا فأرسل عبد الله إليه في ثمنهم فقال إنما أخذتهم بعشرة آلاف فقال عبد الله فاختر رجلا يكون بيني وبينك قال الأشعث أنت بيني وبين نفسك قال عبد الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان هذا رواه أبو داود عن محمد بن يحيى بن فارس عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه وكذلك هو في روايتنا في مصنفه من السنن وذكره بن الجارود عن محمد بن يحيى عن عمرو بن حفص عن أبيه عن أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث وكيف كان الأمر فهو غير متصل ولا مسند وذكر أبو داود أيضا قال حدثني عبد الله بن محمد النفيلي قال حدثني هشيم قال أخبرنا بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه أن بن مسعود باع من الأشعث بن قيس رقيقا فذكر معناه وهذا لا يتصل لأن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يختلفوا أنه لم يسمع من أبيه وروى هذا الحديث أيضا الشافعي وبن أبي شيبة والحميدي عن بن عيينة عن بن عجلان عن عوف بن عبد الله عن بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اختلف البيعان فالقول ما قال البائع والمبتاع بالخيار ورواه القطان عن بن عجلان مثله بإسناده

وهذا أيضا غير متصل بل هو بين الانقطاع وسنذكر ما للعلماء في معنى هذا الحديث بعد الفراغ من القول في حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يفترقا إن شاء الله عز وجل وأجمع العلماء من أهل الفقه بالحديث أن قوله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يفترقا من أثبت ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد العدول لا يختلفون في ذلك وإنما اختلفوا في القول به وادعا النسخ فيه وتخريج معانيه وقد اختلف الحفاظ في ألفاظه فرواية مالك عن نافع ما ذكرناه عنه في الموطأ ورواية أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر هكذا قال حماد بن زيد عن أيوب ورواه شعبة وسعيد بن أبي عروبة عن أيوب بإسناده بلفظ حديث مالك ومعناه ورواه بن عليه عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال البيعان بالخيار حتى يفترقا أو يكون بيع خيار قال وربما قال فيه نافع أو يقول أحدهما لصاحبه اختر ولفظ عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كل بيع فلا بيع بينهما حتى يفترقا إلا بيع الخيار ورواه بن جريج عن نافع قال أملى علي نافع أنه سمع بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبايع المتبايعان فكل واحد منهما بالخيار حتى يفترقا أو يكون بيعهما عن خيار وإذا كان عن خيار فقد وجب قال نافع كان بن عمر إذا تبايع الرجل ولم يخبره وأراد أن لا يقبله قام فمشى هنيهة ثم وقع وهذه الألفاظ كلها معناها واحد ولا تدافع في شيء منها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا من وجوه كثيرة من حديث سمرة بن جندب وأبي برزة الأسلمي وعبده الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وحكيم بن حزام وقد ذكرت أسانيدها وطرقها في التمهيد وأما اختلاف الفقهاء في القول

فقول مالك ما ذكره في موطئه ومذهبه في جماعة أصحابه أنه لا خيار للمتبايعين إذا عقدا بيعهما بالكلام وإن لم يفترقا بأبدانهما وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقول إبراهيم النخعي وأهل الكوفة وربيعة بن أبي عبد الرحمن وطائفة من أهل المدينة وهو قول الثوري في رواية عبد الرزاق عنه قال سفيان الصفقة باللسان وقال محمد بن الحسن معنى الحديث إذا قال البائع قد بعتك فله أن يرجع ما لم يقل المشتري قبلت ورواه عن أبي حنيفة وقال عن أبي يوسف المتبايعان في هذا الحديث هما المتساويان فإذا قال بعتك بعشرة فللمشتري خيار القبول في المجلس وللبائع خيار الرجوع فيه قبل قبول المشتري وعن عيسى بن أبان نحوه وقال بعض أصحاب أبي حنيفة التفرق أن يتراضيا بالبيع فإذا تراضيا فقد تفرقا قال والتفرق قد يكون بالقول كما يقال للمتناظرين إذا قاموا عن المجلس عن أي شيء افترقتم وقال الله تعالى وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته النساء وأما افتراقهما بالكلام قال ومعنى قوله في المتبايعين أنهما بالخيار وهو قول الرجل للرجل قد بعتك عبدي هذا بألف درهم فله أن يرجع عن قوله ذلك ما لم يقل الآخر قد قبلت فهذا موضع خيار البائع فلو قال المشتري قد قبلت فقد افترقا وتم البيع بينهما وقال غيره من الكوفيين التفرق أن يقبل في المجلس فإذا قام أحدهما من المجلس قبل أن يقبل صاحبه بطل الخيار قال وفائدة هذا الوجه أن المشتري إذا لم يجب البائع من فوره أي قد قبلت لم يضره ذلك فلم ينقطع خيارهما حتى يتفرقا من مجلسهما قال أبو عمر هذان التأويلان فاسدان مخالفان لمعنى الحديث وظاهره لأن الخيار فيهما للبائع خاصة وحديث مالك في أول الباب يقتضي بفسادهما لقوله

صلى الله عليه وسلم المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا وسنبين ضعف تأولهما في الحديث فيما بعد إن شاء الله عز وجل وكان أبو حنيفة يرد هذا الحديث بالاعتبار كفعله في سائر أخبار الآحاد يعرضها على الأصول المجتمع عليها ولا يقبلها إذا خالفها ويقول أرأيت إن كانا في سفينة أو قيد متى يفترقان وهذا أكثر عيوبه وأعظم ذنوبه عند أهل الحديث واحتجاجهم بمذهبهم في رفع ظاهر الحديث طويل أكثره تشعيب لا معنى له لأن الأصول لا يرد بعضها ببعض وقد ذكرنا أكثرها في التمهيد وقال الثوري في جامعه والليث بن سعد وعبيد الله بن الحسن والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود إذا عقد المتبايعان بيعهما فكل واحد منهما بالخيار في إتمامه وفسخه ما داما في مجلسهما لم يفترقا بأبدانهما والتفرق في ذلك كالتفرق في الصرف سواء وهو قول بن أبي ذئب في طائفة من أهل المدينة وقول سوار قاضي البصرة وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وشريح القاضي وسعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء وطاوس والزهري وبن جريج ومعمر ومسلم بن خالد الزنجي والدراوردي ويحيى القطان وبن مهدي وقال الأوزاعي المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلا في بيوع ثلاثة بيع السلطان في الغنائم وبيع الشركاء في الميراث وبيع الشركة في التجارة فإذا صافقه فقد وجب البيع وليسا فيه بالخيار قال وحد الفرقة ما كانا في مكانهما ذلك حتى يتوارى كل واحد منهما عن صاحبه قال وإذا خيره فاختار فقد وجب البيع وإن لم يفترقا قال أبو عمر كل من أوجب الخيار يقول إذا خيره في المجلس فاختار فقد وجب البيع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو يقول أحدهما لصاحبه اختر وفعل بن عمر تفسير ذلك وقد تقدم ذكره وهو راوي الحديث والعالم بمخرجه ومعناه وقال الليث بن سعد التفرق أن يقوم أحدهما وقال الشافعي كل متبايعين في بيع عين حاضرة أو سلم إلى أجل أو دين أو صرف أو غير ذلك تبايعا وتراضيا ولم يتفرقا عن مقامهما أو مجلسهما الذي

تبايعا فيه فلكل واحد منهما إن شاء فسخ البيع كان ذلك له ما داما في الموضع الذي عقدا فيه بيعهما إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر إن شئت إمضاء البيع أو رده فإن اختار وجها من ذلك لزمه وانقطع عنه خيار المجلس وإن لم يتفرقا فإن عقدا بيعهما على خيار مدة يجوز الخيار إليها كانا على ما عقدا من ذلك ولم يضرهما التفرق وسنذكر اختلافهم في مدة أيام الخيار بعد إن شاء الله تعالى وبهذا كله قال أبو ثور وأحمد وهو معنى قول الجميع واختلف المتأخرون من أصحابنا المالكيين في معنى قول مالك في الموطأ بأكثر قول النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يفترقا قال مالك وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه فقال بعضهم دفع مالك هذا الحديث بإجماع أهل المدينة على معنى الخلاف به فلما لم ير أحد يعمل به قال ذلك القول وإجماعهم عنده حجة كما قال أبو بكر بن عمرو بن حزم إذا رأيت أهل المدينة قد أجمعوا على شيء فاعلم أنه الحق قال وإجماعهم عند مالك أقوى من خبر الواحد فقال بعضهم لا يجوز لأحد أن يدعي في هذه المسألة إجماع أهل المدينة لأن الاختلاف فيها موجود بها قال وإنما معنى قول مالك وليس لهذا عندنا حد معروف أي ليس للخيار عندنا حد معروف لان الخيار عنده ليس محدودا بثلاثة أيام كما حده الكوفيون والشافعي بل هو على حسب حال المبيع فمرة يكون ثلاثة ومرة أقل ومرة أكثر وليس الخيار في العقار كهو في الدواب والثياب هذا معنى قوله ذلك قال أبو عمر لا يصح دعوى إجماع أهل المدينة في هذه المسألة لأن الاختلاف فيها بالمدينة معلوم وأي إجماع يكون في هذه المسألة إذا كان المخالف فيها منهم عبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وبن شهاب وبن أبي ذئب وغيرهم وهل جاء فيها منصوصا الخلاف إلا عن أبي الزناد وربيعة ومالك ومن تبعه وقد اختلف فيها أيضا عن ربيعة فيما ذكر بعض الشافعيين وقال بن أبي ذئب وهو من جلة فقهاء المدينة من قال إن البيعين ليسا

بالخيار حتى يفترقا استتيب وجاء بقول فيه خشونة تركت ذكره وهو محفوظ عند العلماء وأما احتجاج الكوفيين وغيرهم بعموم قول الله عز وجل أوفوا بالعقود المائدة قالوا وهذان قد تعاقدا وفي هذا الحديث إبطال الوفاء بالعقد فهذا ليس بشيء لأن المأمور به من الوفاء به من العقود ما لم يبطله الكتاب أو السنة كما لو عقدا بيعهما على ربا أو سائر ما لا يحل لهما واحتجوا أيضا بقوله عليه السلام من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه قالوا فقد أطلق بيعه إذا استوفاه قبل الافتراق وبعده وهذا عند من خالفهم مرتب على خيار المتبايعين قبل الافتراق لأنه ممكن استعمالهما معا فكيف يدفع أحدهما بالآخر مع إمكان استعمالهما واحتجوا بكثير من الظواهر والعموم مع إجماعهم على أنه لا يعترض في العموم بالخصوص ولا بالظواهر على النصوص وقالوا قوله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يفترقا على الندب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم من أقال نادما في بيع أو قال في بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا إلا أن يكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله وقال الشافعي أما قوله صلى الله عليه وسلم من أقال نادما بيعته أقاله الله عثرته فهذا على الندب لا شك فيه ولفظه يدل على ذلك وأما قوله البيعان بالخيار ما لم يفترقا فليس في لفظه شيء يدل على الندب وإنما هو حكم وقضاء وشرع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحد خلافه برأيه قالوا وأما قوله في حديث عمرو بن شعيب لا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله فلفظ منكر لإجماع علماء المسلمين أنه جائز له أن يفارقه ليتم بيعه وله أن لا يقيله إلا أن يشاء وقوله لا يحل لفظة منكرة بإجماع وبان أن الإقالة ندب وحصر لا إيجاب وفرض ومما يزيد ذلك بيانا فعل بن عمر رضي الله عنه فإنه كان إذا أراد أن يجب

له البيع مشى حتى يفارق صاحبه ويغيب عنه وهو الذي روى الحديث وعلم معناه ومخرجه وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني مطلب بن شعيب قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يوسف عن سالم قال قال بن عمر كنا إذا تبايعنا كان كل واحد منا بالخيار ما لم نفترق فتبايعت أنا وعثمان ما لا بالوادي بمال كثير فلما بايعته طفقت القهقري على عقبي خشية أن يرادني عثمان البيع قبل أن أفارقه قال أبو عمر في قول بن عمر كنا إذا تبايعنا كان كل واحد منا بالخيار ما لم نفترق دليل على أن الافتراق عن المجلس كان أمرا معمولا به عندهم في بيعاتهم ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال أخبرنا إسماعيل بن أمية عن نافع قال كان بن عمر إذا اشترى شيئا مشى ساعة قليلا ليتم له البيع ثم يرجع وروى سفيان بن عيينة عن بن جريج عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا اشترى السلعة فأراد ألا يقيل صاحبه مشى شيئا قليلا ثم رجع وعن أبي برزة الأسلمي في رجل اشترى فرسا من رجل ثم أقام بقية يومهما وليلتهما لم يفترقا وندم أحدهما فلم يرد الآخر إقالته فاختصما إلى أبي برزة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يفترقا وما أراكما افترقتما وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده في التمهيد ولا أعلم أحدا خالفهما من الصحابة فيما ذهبا إليه من ذلك وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين عن شريح أنه شهده يختصم إليه في رجل اشترى من رجل بيعا فقال إني لم أرضه فقال الآخر بل قد رضيته فقال شريح بينتك أنكما تصادرتما عن رضا بعد البيع أو خيار وإلا فيمينه بالله ما تصادرتما بعد البيع عن رضا ولا خيار قال وأخبرنا الثوري عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن شريح قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا قال عبد الرزاق قال هشام بن يوسف قاضي صنعاء إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس ينبغي أن يترك إلا أن يأتي عنه خلافه ومما احتج به من لم ير للمتبايعين خيارا في المجلس أن يكون التفرق بالكلام كعقد النكاح أو كوقوع الطلاق الذي سمى الله فراقا

قالوا والتفرق بالكلام في لسان العرب معروف كما هو بالأبدان واحتجوا بقول الله عز وجل وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته النساء وبقوله تعالى ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا آل عمران وبقوله عز وجل فرقوا دينهم الأنعام وبقوله صلى الله عليه وسلم تفترق أمتي ونحو هذا مما لم يرد به الافتراق بالأبدان فيقال لهم أخبرونا عن الكلام الذي وجب به الإجماع في البيع وتمت به الصفقة أهو الكلام الذي أريد به الافتراق في الحديث المذكور أو غيره فإن قالوا هو غيره فقد أحالوا وجاؤوا بما لا يعقل لأنه ليس ثم كلام غيره وإن قالوا هو ذلك الكلام بعينه قيل لهم كيف يجوز أن يكون الكلام الذي به اجتمعا عليه وبه تم بيعهما له افترقا هذا ما لا يفهمه ذو عقل وإنصاف وأما قول من قال المتبايعان هما المتساومان فلا وجه له لأنه لا يكون حينئذ في الكلام فائدة لأنه معقول أن كل واحد في ماله وسلعته بالخيار قبل السوم وما دام قبل الشراء متساوما حتى يمضي البيع ويعقده ويرضاه وكذلك المشتري بالخيار قبل الشراء وفي حين المساومة أيضا هذا معلوم بالعقل والفطرة والشريعة وإذا كان هذا كذلك بطلت فائدة الخبر وقد جل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخبر بما لا فائدة فيه وأما حديث بن مسعود في اختلاف المتبايعين فقد قال مالك في الموطأ الأمر عندنا في الرجل يشتري السلعة من الرجل فيختلفان في الثمن فيقول البائع بعتكها بعشرة دنانير ويقول المبتاع ابتعتها منك بخمسة دنانير إنه يقال للبائع أن شئت فأعطها للمشتري بما قال وإن شئت فاحلف بالله ما بعت سلعتك إلا بما قلت فإن حلف قيل للمشتري إما أن تأخذ السلعة بما قال البائع وإما أن تحلف بالله ما اشتريتها إلا بما قلت فإن حلف بريء منها وذلك أن كل واحد منهما مدع على صاحبه وروى بن القاسم عن مالك أن السلعة إن كانت قائمة بيد البائع أو بيد المشتري فسواء ويتحالفان ويترادان وقال بن القاسم ان قبضها المبتاع وفاتت عنده بتمام أو نقصان أو تغير سوق أو بيع أو كتابه أو هبة أو هلال أو تقطيع في الثياب أو كانت دارا

فبناها أو طال الزمان فتغيرت المساكن ثم اختلفا في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه وروى بن وهب عن مالك أنهما يتحالفان إذا كانت السلعة قائمة عند البائع وأما إذا بان بها المشتري إلى نفسه فالقول قوله مع يمينه ولا يتحالفان وقال سحنون رواية بن وهب عن مالك هو قول مالك الأول وعليه أكثر الرواة ثم رجع مالك إلى ما رواه بن المسيب قال وقال بن القاسم إذا تحالف رد البيع إلا أن يرضى المبتاع أن يأخذها بما قال البائع قبل الفسخ وقال سحنون بل بتمام التحالف ينفسخ البيع قال وهو قول شريح إذا تحالفا ترادا وإن نكلا ترادا وإن حلف أحدهما ونكل الآخر ترك البيع يريد على قول الحالف وروى بن المواز عن بن القاسم مثل قول شريح وقال عبد الملك بن حبيب إن حلفا فسخ وإن نكلا كان القول قول البائع وذكره عن مالك قال أبو عمر الخبر الذي ذكره سحنون عن شريح من طرقه عنه ما ذكره عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين عن شريح قال إذا اختلف البيعان في البيع حلفا جميعا فإن حلفا رد البيع وإن نكل أحدهما وحلف الآخر فهو للذي حلف فإن نكلا رد البيع وقال بن وهب وبن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع ويبدأ البائع باليمين ثم يقال للمشتري إما أن تأخذ بما حلف عليه البائع وإما أن تحلف على دعواك وتبرأ فإن حلفا جميعا رد البيع وإن نكلا جميعا رد البيع وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان البيع لمن حلف وسواء عند جميعهم كانت السلعة حاضرة قائمة العين بيد البائع أو بيد المبتاع فإن فاتت السلعة بيد المشتري وهلكت وذهب عينها فإن الثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف والحسن بن حي والليث بن سعد ومالكا وأصحابه إلا أشهب قالوا القول قول المشتري مع يمينه ولا يتحالفان وقال أبو يوسف قال أبو حنيفة القياس في المتبايعين إذا اختلفا فادعى البائع

ألفا وخمس مائة وادعى المشتري ألفا أن يكون القول قول المشتري ولا يتحالفان ولا يترادان لأنهما قد أجمعا على ملك المشتري السلعة المبيعة واختلفا في ملك البائع على المشتري من الثمن ما لا يقر به المشتري فهما كرجلين ادعى أحدهما على الآخر ألف درهم وخمس مائة وأقر هو بألف فالقول قوله إلا أنا تركنا القياس للأثر في حال قيام السلعة فإذا فاتت السلعة عاد القياس قال أبو عمر كأنه يقول لما جاء في الحديث أو يترادان علم أنه أراد رد الأعيان فإذا ذهبت الأعيان خرج من ظاهر الحديث لأن ما قد فات بيد المبتاع لا سبيل إلى رده وصار البائع مدعيا لثمن لا بينة له به وقد أقر له المشتري ببعضه فكان القول قوله مع يمينه لأنهما قد دخلا في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على المنكر وقال الشافعي ومحمد بن الحسن وعبيد الله بن الحسن قاضي البصرة وهو قول أشهب صاحب مالك أن المتبايعين إذا اختلفا في الثمن يتحالفان ويتفاسخان أبدا كانت السلعة قائمة بيد البائع أو المبتاع أو فاتت عند المبتاع فإن كانت قائمة تراداها وإن كانت فائته ترادا قيمتها ومن حجتهم معنى قولهم إن البائع لم يقر بخروج السلعة من ملكه إلا بصفة قد ذكرها أو ثمن قد وصفه لم يقر له المبتاع به وكذلك المشتري لم يقر بانتقال الملك إليه إلا بصفة لم يصدقه البائع عليها لأنه متى ذكر ثمنها كذبه البائع فيه والأصل أن السلعة للبائع فلا تخرج عن ملكه إلا بيقين من إقرار أو بينة وإقراره منوط بصفة لم تقم للمشتري بينه بتكذيبها فحصل كل واحد منهما مدعيا ومدعى عليه وقد وردت السنة بأن يبدأ البائع باليمين وذلك والله أعلم لأن السلعة له فلا يعطاها أحد بدعواه فإذا حلف خير المبتاع في أخذها بما حلف عليه البائع أن شاء وإلا حلف أنه ما ابتاع إلا بما ذكر كدعوى البائع عليه بأكثر مما ذكر ثم يفسخ البيع بينهما وبهذا وردت السنة مجملة لم تخص كون السلعة بيد واحد دون الآخر ولا فوتها ولا قيام عينها

ومعلوم أن التراد إذا وجب بالتحالف والسلعة حاضرة وجب أيضا بعد هلاكها لأن القيمة تقوم مقامها كسائر ما فات في البيوع فقد وجب رده كانت القيمة عند الجميع فيه بدلا منه وقال زفر إن اتفقوا أن الثمن من جنس واحد كان القول في الثمن قول المشتري وإن اختلفا في جنسه تحالفا وترادا قيمة المبيع إن فاتت عينه وقال أبو ثور إذا اختلف المتبايعان في الثمن فالقول قول المشتري أبدا مع يمينه إذا لم تكن بينه وسواء كانت السلعة قائمة بيد البائع أو بيد المشتري أو فاتت عند البائع أو عند المشتري وهو قول داود وضعفا حديث بن مسعود في هذا الباب ولم يقولا بشيء من معناه وقال أبو ثور البائع مقر بزوال ملكه للسلعة مصدق للمشتري في ذلك وهو مدع عليه من الثمن ما لا يقر له به المشتري ولا بينة معه فصار القول قول المشتري مع يمينه على كل حال وهو قول داود قال مالك فيمن باع من رجل سلعة فقال البائع عند مواجبة البيع أبيعك على أن أستشير فلانا فإن رضي فقد جاز البيع وإن كره فلا بيع بيننا فيتبايعان على ذلك ثم يندم المشتري قبل أن يستشير البائع فلانا إن ذلك البيع لازم لهما على ما وصفنا ولا خيار للمبتاع وهو لازم له إن أحب الذي اشترط له البائع أن يجيزه قال أبو عمر سواء عند مالك البائع والمشتري باشتراط خيار البيع المستشار إذا رضي المستشار الذي اشترط رضاه فالبيع جائز وليس للبائع ولا للمشتري الخيار والخيار لفلان الذي أشترط رضاه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه يجوز عنده شرط الخيار لغير العاقد فإن أمضى البيع جاز وإن نقضه انتقض فإن رضيه المشتري وقال الذي له الخيار لا أرضى فالقول قول المشتري ولو رضي الذي له الخيار وإن أراد المشتري رده لم يكن ذلك للمشتري وعن الشافعي روايتان إحداهما أنه لا يجوز اشتراط الخيار لغير العاقد إلا أن يجعله وكيلا

والأخرى كقول مالك لأن من باع واشترط رضا غيره فالرضا للغير وإن قال على أن أستأمر فلانا لم يرد إلا أن يقول استأمرته فأمرني بالرد وقال أبو ثور إن أختار المشتري الرد والذي له الخيار والإمساك فالقول قول الذي اشترط خياره والمشتري والبائع في ذلك عندهم كلهم سواء واختلفوا في الوكيل يشترط الخيار للآمر فقال مالك لا يجوز رضا الوكيل إذا اشترط الخيار للموكل حتى يرضى الموكل وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا اشترط الوكيل بالشراء الخيار للآمر وادعى البائع أن الآمر قد رضى وادعى لم يصدق ولا يمين على الوكيل المشتري وإن أقام بينه قبلت ولو قال المشتري قد رضي الآمر تم البيع ولو قال الآمر في مدة الخيار لم أرض فالقول قوله ويلزم البيع الوكيل المشتري ويجيء على قول الشافعي ومذهبه قولان في هذه المسألة أحدهما كقول مالك والآخر أن للوكيل أن يرد إذا اشترط الخيار في الآمر دون استئمار الآمر قياسا على قوله إن للوكيل أن يرد بالعيب دون الآمر واختلفوا فيما يجوز اشتراطه من المدة في شرط الخيار فقال مالك يجوز اشتراط شهر وأكثر وروى عنه أشهب فيشترط ما شاء من الخيار ما لم يطل جدا وهو قول عبيد الله بن الحسن وقال لا يعجبني طول الخيار وقال بن القاسم وغيره عن مالك يجوز شرط الخيار في بيع الثوب اليوم واليومين وما أشبه ذلك وما كان أكثر من ذلك فلا خير فيه وفي الجارية تكون أبعد من ذلك قليلا الخمسة الأيام والجمعة ونحو ذلك وفي الدابة اليوم وما أشبهه لركبها المعرف ويخير وسيستشير فيها وما بعد من أجل الخيار فلا خير فيه ولا فرق عند مالك بين شرط الخيار للبائع أو المشتري وقال الحسن بن حي إذا قال البائع للمبتاع اذهب فأنت بالخيار أبدا فهو بالخيار أبدا حتى يقول قد رضيت ولا أدري ما الثلاث

قال والوطء في الجارية رضا قال أبو عمر سنذكر اختلافهم في مدة الخيار جملة بغير توقيت فيما بعد إن شاء الله عز وجل وقال الأوزاعي أحب الأجل إلينا في الخيار ثلاثة أيام للذي جاز عن النبي صلى الله عليه وسلم في المحفلة أنه بالخيار ثلاثة أيام ورواه الوليد بن مسلم عنه وروى غيره عنه جواز شرط الخيار شهر أو أكثر وهو قول بن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وأبي ثور وإسحاق كل هؤلاء لا يجوز عندهم اشتراط الخيار شهر أو أكثر وذلك لازم عندهم إلى الوقت المشترط المحدود وهو قول داود ولم يفرقوا بين أجناس المبيعات كما ذكر بن القاسم عن مالك وحجة من أجاز الخيار أكثر من ثلاث قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم وقال الليث بن سعد يجوز الخيار اليوم واليومين والثلاثة وما بلغنا فيه وقت إلا أنا نحب أن يكون ذلك قريبا من ثلاثة أيام وقال الثوري وبن شبرمة لا يجوز اشتراط الخيار للبائع بحال قال الثوري إن اشترط البائع الخيار فالبيع فاسد قال ولا يجوز الخيار للمشتري عشرة أيام وأكثر وقال الشافعي وأبو حنيفة وزفر لا يجوز اشتراط الخيار أكثر من ثلاث في شيء من الأشياء فإن اشترط البائع أو المبتاع الخيار أكثر من ذلك فسد البيع وإن كان الخيار ثلاثا فما دونها جاز للبائع والمبتاع

قال الشافعي ولولا أن الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما جاز الخيار أصلا في الثلاث ولا في غيرها قال أبو عمر لا يجوز الخيار عند جمهور العلماء وجماعتهم فيما يجب تعديله في المجلس مثل الصرف والسلم لأنه خلاف الأصول المجتمع عليها ومن الأصول المجتمع عليها عند الفقهاء أنه لا يجوز أن يشترط على البائع في عقد الصفقة منعه من التصرف في ثمن ما باعه ولا على المبتاع مثل ذلك فيما ابتاعه وشرط الخيار يوجب جواز ما منعت السنة المجتمع عليها قبل جوازه فلما ورد الحديث بأن ذلك جائز في ثلاثة أيام لم يجز أن تزاد على ذلك كما لا يجوز أن يزاد على الخمسة الأوسق في العرايا قال أبو عمر حد الخيار ثلاث مذكور في حديث المصراة رواه عبيد الله بن عمر وغيره عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه هشام عن بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام ومن حديث نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وكان يخدع في البيوع إذا بعت فقل لا خلابة وأنت بالخيار ثلاثة أيام هكذا يرويه بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن نافع عن بن عمر واختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث هذا الباب إلا بيع الخيار وفي قوله في غير رواية مالك فيه أن يكون بيعهما عن خيار فقال منهم قائلون هو الخيار المشروط من كل واحد منهما ثلاثة أيام أو نحوها مما يجوز في مدة الخيار

هذا قول الشافعي وأبي ثور وجماعة وقال آخرون معنى قوله صلى الله عليه وسلم إلا بيع الخيار قوله إلا أن يكون بيعهما عن خيار هو أن يقول أحدهما بعد تمام البيع لصاحبه أختر إنفاذه أو فسخه فإن اختار إمضاء البيع تم البيع بينهما وإن لم يفترقا بأبدانهما ولا خيار لواحد منهما بعد ذلك هذا قول الثوري والليث بن سعد والأوزاعي وبن عيينة وعبيد الله بن الحسن وإسحاق بن راهويه وروي هذا المعنى أيضا عن الشافعي وروي نحوه عن طاوس وجماعة من التابعين وكان أحمد بن حنبل يقول هما بالخيار أبدا قالا هذا القول أو لم يقولا حتى يفترقا بأبدانهما من مكانهما للاختلاف في اللفظ الزائد وأجمع الجمهور من الفقهاء أن مدة الخيار قبل أن يفسخ من له الخيار البيع تم البيع ولزمهما جميعا ساعة انقضاء المدة وقال مالك إذا اشترط المشتري الخيار لنفسه ثلاثة أيام فأتى به بعد مغيب الشمس من آخر أيام الخيار أو من الغد أو قرب ذلك فله أن يرد وإن تباعد ذلك لم يرد وهو رأي بن القاسم قال وقال مالك إن اشترط أنه إن غابت الشمس من أيام الخيار فلم يأت بالثوب لزم البيع فلا خير في هذا البيع وهذا مما انفرد به مالك لم يتبعه عليه إلا بعض أصحابه واختلفوا في اشتراط الخيار إلى مدة غير معلومة فقال مالك ذلك جائز ويجعل السلطان له في ذلك من الخيار ما يكون في مثل تلك السلعة وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا جعل الخيار بغير مدة معلومة فسد البيع كالجعل الفاسد والثمن الفاسد وإن أجازه في الثلاث جاز عند أبي حنيفة وإن لم يجزه حتى مضت الثلاثة الأيام لم يكن له أن يجيز وقال أبو يوسف ومحمد له أن يختار بعد الثلاث وكذلك قولهم فيمن اشترط له الخيار أكثر من ثلاث أنه إذا أجازه في الثلاث جاز

وقال الشافعي لا يجوز وإن أجازه في الثلاث لأنه بيع قد فسد باشتراط أكثر من ثلاث وقياس قوله فيمن اشترط الخيار لمدة غير معلومة أنه لا يجوز وإن أجازه في الثلاث وقالت طائفة منهم الحسن بن حي وغيره جائز إذا اشترط الخيار بغير مدة مذكورة ويكون له الخيار أبدا وقال الطبري إذا لم يذكر للخيار وقتا معلوما كان البيع صحيحا والثمن حالا وكان له الخيار في الوقت إن شاء أمضى وإن شاء رد واختلفوا في الخيار هل يورث فعند مالك والشافعي وأصحابهما وعبيد الله بن الحسن يورث ويقوم ورثة من له الخيار مقامه إلى انقضاء الأمر وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابهما يبطل الخيار بموت من له الخيار ويتم البيع واختلفوا فيمن المصيبة منه إذا هلك المبيع في أيام الخيار فعند مالك والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي هلاكه من البائع والمشتري أمين وهو قول بن أبي ليلى إذا كان الخيار للبائع خاصة وقال الثوري إذا كان الخيار للمشتري فعليه الثمن وقد قدمنا عنه أن الخيار للبائع ولا يجوز وقال أبو حنيفة إذا كان الخيار للبائع فالمشتري ضامن للقيمة وإن كان الخيار للمشتري فعليه الثمن وقد تم البيع على كل حال بالهلاك وحكى الربيع مثل ذلك عن الشافعي وذكر المزني عنه إذا كان له الخيار فالمشتري ضامن للقيمة إذا هلك في يده بعد قبضه له فهذه أصول مسائل الخيار وأما الفروع فلا تكاد تحصى وليس في مثل كتابنا هذا نتقصى باب ما جاء في الربا في الدين مالك عن أبي الزناد عن بسر بن سعيد عن عبيد أبي صالح

مولى السفاح أنه قال بعت بزا لي من أهل دار نخلة إلى أجل ثم أردت الخروج إلى الكوفة فعرضوا علي أن أضع عنهم بعض الثمن وينقدوني فسألت عن ذلك زيد بن ثابت فقال لا آمرك أن تأكل هذا ولا توكله وكذلك رواه الثوري عن أبي الزناد عن بسر عن أبي صالح عن زيد بن ثابت ورواه بن عيينة عن أبي الزناد عن بسر عن زيد بن ثابت لم يذكر عبيدا أبا صالح وهو مجهول لا يعرف بغير هذا مالك عن عثمان بن حفص بن خلدة عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أنه سئل عن الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل فيضع عنه صاحب الحق ويعجله الآخر فكره ذلك عبد الله بن عمر ونهى عنه مالك عن زيد بن أسلم أنه قال كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل فإذا حل الأجل قال أتقضي أم تربي فإن قضى أخذ وإلا زاده في حقه وأخر عنه في الأجل قال مالك والأمر المكروه الذي لا اختلاف فيه عندنا أن يكون للرجل على الرجل الدين إلى أجل فيضع عنه الطالب ويعجله المطلوب قال مالك وذلك عندنا بمنزلة الرجل الذي يؤخر دينه بعد محله عن غريمه ويزيده الغريم في حقه قال فهذا الربا بعينه لا شك فيه قال أبو عمر قد بين مالك رحمه الله أن من وضع من حق له لم يحل أجله يستعجله فهو بمنزلة من أخذ حقه بعد حلول أجله لزيادة يزدادها من غريمه لتأخيره ذلك لأن المعنى الجامع لهما هو أن يكون بإزاء الأمد الساقط والزائد بدلا وعوضا يزداده الذي يزيد في الأجل ويسقط عن الذي يعجل الدين قبل محله فهذان وإن كان أحدهما عكس الآخر فهما مجتمعان في المعنى الذي وصفنا وقد اختلف العلماء في معنى قوله ضع عني وأعجل لك ولم يختلفوا في معنى قولهم إما أن تقضي وإما أن تربي إنه الربا المجتمع عليه الذي نزل القرآن بتحريمه

ولم تعرف العرب الربا إلا في السنة المذكورة فنزل القرآن بذلك ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذهب بالذهب والورق بالورق والوزن بالوزن والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح متفاضلا ربا وأن النسيئة في الذهب بالورق وفي البر بالبر وفي الشعير بالشعير وفي التمر بالتمر وفي الملح بالملح ربا وأن ذلك لا يجوز إلا هاء وهاء عند جماعة العلماء وقد أوضحنا مذاهب العلماء في معنى هذه السنة المذكورة المنصوص عليها في حديث عبادة وحديث عمر والحمد لله فكان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في الربا زيادة على معنى ما نزل به القرآن وأما اختلاف العلماء في ضع وتعجل فإن بن عباس خالف في ذلك عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وكذلك اختلف فيها التابعون ومن بعدهم من العلماء ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن عيينة عن عمرو بن دينار قال أخبرني أبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم قال سألت بن عمر عن رجل لي عليه حق إلى أجل فقلت عجل لي وأضع عنك فنهاني عنه وقال نهانا أمير المؤمنين أن نبيع العين بالدين قال وأخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس أنه سئل عن الرجل يكون له الحق على الرجل فيقول عجل لي وأضع عنك قال لا بأس بذلك وعن بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يقول عجل لي وأضع عنك قال بن عيينة وأخبرني عمرو قال قال بن عباس إنما الربا أخر لي وأنا أزيدك وليس عجل لي وأضع عنك وروى بن وهب عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأله فقال إن لي دينا على رجل إلى أجل فأردت أن أضع عنه ويعجل لي فقال لا تفعل واتفق مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلا زفر على أن ضع وتعجل ربا وقال سفيان بن عيينة تفسير عجل لي وأضع عنك إذا كان لي عليك ألف درهم إلى أجل فقلت أعطني من حقي الذي عندك تسع مائة ولك مائة فقال

بعضهم ليس به بأس والذين كرهوه قالوا إنما بعت الألف بالتسع مائة واختلف في ذلك قول الشافعي فقال مرة لا بأس فيه ورآه من المعروف ومرة قال ضع وتعجل لا يجوز وأما زفر بن الهذيل فذكر الطحاوي عن محمد بن العباس عن يحيى بن سليمان الجحفي عن الحسن بن زياد عن زفر في رجل له على رجل ألف درهم إلى سنة من متاع أو ضمان فصالحه منهما على خمس مائة نقدا أن ذلك جائز وأجاز مالك وأصحابه أن يتعجل في دينه الأجل عوضا يأخذه وإن كانت قيمته أقل من دينه وأجاز الثوري والحسن وبن سيرين وطائفة ممن يرى ضع وتعجل ربا وهو مذهب بن عمر لم يختلف عنه أنه لا يقاطع المكاتب إلا بالعروض واختلف عن سعيد بن المسيب في ضع وتعجل فحدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي وحدثني عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثني عبد الله بن محمد بن علي قال أملى علي أبو عمر بن أبي زيد قال حدثني بن وضاح قال حدثني زيد بن البشر قال حدثني بن وهب عن ليث بن سعد عن يحيى بن سعيد قال كان الناس يخالفون سعيد بن المسيب في عشر خصال فذكرها سعيد قال كان الناس و فيها وكان يقول لا بأس أن تضع من دين لك إلى أجل فيعجل لك وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن بن المسيب وعن بن عمر قال من كان له على رجل دين إلى أجل معلوم فعجل بعضه وترك له بعضه فهو ربا قال عبد الرزاق وأخبرنا الثوري وبن عيينة عن داود بن أبي هند قال سألت سعيد بن المسيب عن ذلك فقال تلك الدراهم عاجلة بآجله قال وأخبرنا الثوري عن حماد ومنصور عن إبراهيم في الرجل يكون له الحق على الرجل إلى أجل فيقول ضع عني وأعجل لك كان لا يرى بذلك بأسا قال وأخبرنا بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال قلت للشعبي إن إبراهيم قال في الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل فيضع له بعضا ويعجل له بعضا أنه ليس به بأس

وكرهه الحكم بن عتيبة فقال الشعبي أصاب الحكم وأخطأ إبراهيم قال أبو عمر احتج من لم ير بذلك بأسا بحديث رواه مسلم بن خالد الزنجي قال أخبرنا علي بن يزيد بن ركانة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمرنا بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا يا نبي الله إنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوا وتعجلوا وقال من كره ذلك جائز أن يكون ذلك قبل نزول القرآن بتحريم الربا قال مالك في الرجل يكون له على الرجل مائة دينار إلى أجل فإذا حلت قال له الذي عليه الدين بعني سلعة يكون ثمنها مائة دينار نقدا بمائة وخمسين إلى أجل قال مالك هذا بيع لا يصلح ولم يزل أهل العلم ينهون عنه قال مالك وإنما كره ذلك لأنه إنما يعطيه ثمن ما باعه بعينه ويؤخر عنه المائة الأولى إلى الأجل الذي ذكر له آخر مرة ويزداد عليه خمسين دينارا في تأخيره عنه فهذا مكروه ولا يصلح وهو أيضا يشبه حديث زيد بن أسلم في بيع أهل الجاهلية إنهم كانوا إذا حلت ديونهم قالوا للذي عليه الدين إما أن تقضي وإما أن تربي فإن قضى أخذوا وإلا زادهم في حقوقهم وزادوهم في الأجل قال أبو عمر كل من قال بقطع الذرائع يذهب إلى هذا ومن لم يقل بذلك ولم يلزم المتبايعين إلا ما ظهر من قولهما في تبايعهما ولم يستعمل الظن السوء فيهما لم ير بذلك بأسا وقد تقدم هذا المعنى وتنازع العلماء فيه والحمد لله كثيرا باب جامع الدين والحول مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع قال أبو عمر إنما يكون المطل من الغني إذا كان صاحب الدين طالبا لدينه راغبا في أخذه فإذا كان الغريم مليئا غنيا ومطله وسوف به فهو ظالم له والظلم محرم قليله وكثيره وقد أتى الوعيد الشديد في الظالمين بما يجب أن يكون كل من فقهه عن قليل الظلم وكثيره منتهيا وإن كان الظلم ينصرف على وجوه بعضها أعظم من بعض وقد ذكرنا أكثرها في التمهيد وأعظمها الشرك بالله عز وجل قال الله عز وجل إن الشرك لظلم عظيم لقمان وقال وقد خاب من حمل ظلما طه أي خاب من رحمه الله تعالى ومن بعضها أو من كثير منها على حسب ما ارتكب من الظلم والله يغفر لمن يشاء وقال ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا الفرقان وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حاكيا عن الله تبارك وتعالى يا عبادي إني حرمت عليكم الظلم فلا تظالموا وقد ذكرنا إسناده في التمهيد ومن الدليل على أن مطل الغني ظلم محرم موجب للإثم ما ورد به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من استحلال عرضه والقول فيه ولولا مطله لم يحل ذلك منه قال الله عز وجل لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم النساء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي الواجد يحل عرضه وعقوبته فمعنى قوله يحل عرضه أي يحل من القول فيه ما لم يكن يحل لولا مطله وليه ومعنى وعقوبته قالوا السجن حتى يؤدي أو يثبت عسرته فيجب حينئذ نظرة

حدثني قاسم بن محمد قال حدثني خالد بن سعد قال حدثني يحيى قال حدثني محمد بن عمر بن لبابة قال حدثني عثمان بن أيوب قال سمعت سحنون بن سعيد يقول إذا مطل الغني بدين عليه لم تجز شهادته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه ظالما وأما قوله إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع فمعناه الحوالة يقول إذا أحيل أحدكم على مليء فليحل عليه وهذا عند أكثر العلماء إرشاد ليس بواجب فرضا وجائز عندهم لصاحب الدين إذا رضي بذمة غريمة وطابت نفسه على الصبر عليه أو علم منه غني ألا يستحيل إلا أن يشاء وأما أهل الظاهر فأوجبوا ذلك عليه فرضا إذا كان المحال عليه مليئا وأما الحوالة فسيأتي ما للعلماء من التنازع فيها في بابها من كتاب الأقضية إن شاء الله تعالى مالك عن موسى بن ميسرة أنه سمع رجلا يسأل سعيد بن المسيب فقال إني رجل أبيع بالدين فقال سعيد لا تبع إلا ما آويت إلى رحلك هذا خبر فيه من الفقه النهي عن الدين بالدين وعن بيع ما ليس عندك وهما معنيان قد مضى القول فيهما قال مالك في الذي يشتري السلعة من الرجل على أن يوفيه تلك السلعة إلى اجل مسمى إما لسوق يرجو نفاقها فيه وإما لحاجة في ذلك الزمان الذي اشترط عليه ثم يخلفه البائع عن ذلك الأجل فيريد المشتري رد تلك السلعة على البائع إن ذلك ليس للمشتري وإن البيع لازم له وإن البائع لو جاء بتلك السلعة قبل محل الأجل لم يكره المشتري على أخذها قال أبو عمر أما قوله لو أن البائع جاء بتلك السلعة قبل محل الأجل لم يكره المشتري على أخذها فهو كذلك عند سائر العلماء لأن أعراض الناس ومنافعهم تختلف في الاحتيال للسلع التي يبتاعونها وليست السلعة كالدنانير والدراهم التي تلزم من عجلت له قبل محل أجلها أخذها لأنها لا مؤنة لها ولا يختلف العرض فيها فإن اختلف ما يصرف فيه

وأما من سلم في شيء من المأكول أو الحيوان إلى أجل له فيه منفعة إذا قبضه عند ذلك الأجل فقد اختلف العلماء في ذلك واختلف فيه أصحاب مالك فروى أشهب وبن وهب عن مالك فيمن سلم في كباش يؤتى بها في الأضحى فلم يأته بها حتى مضى الأضحى أنه يلزمه أخذها كما لو سلم في وصائف في الشتاء فأتى بها المسلم إليه في الصيف أو سلم في قمح لأبان فعلوا فيه فيأتيه بعد كل ذلك يلزمه أن يقبله وهذا معنى ما ذكره في الموطأ قاله بن وهب وقال غيره لا يلزمه أحدها يعني الضحايا إذا أتاه بها بعد الأضحى بيوم أو يومين قال أشهب قيل له فالرجل يتكارى إلى الحج فيأتيه به بعد أبان الحج أيكون مثل ذلك يعني ما تقدم ذكره من الضحايا والوصائف قال وليس الحج من هذا فيما أرى ولا هو مثله قال أبو عمر ما ألزمه مالك أخذ الضحايا بعد الأضحى والوصائف بعد انقضاء الشتاء قياسا والله أعلم على غيرها من السلع المسلم فيها وعلى الدنانير والدراهم يشترط فيها أجلا فلا يوفيه إلا بعد الأجل ومن أبى من ذلك قال لم أدفع في ثمن ما سلمت إليك فيه من الضحايا وشبهها إلا ليأتي به بها في وقت أدرك سوقها فلذلك اشترطت عليه ذلك الوقت والمسلمون عند شروطهم وقاسه على المكتري إلى الحج لا يأتيه كرية إلا بعد انقضاء الحج أو في وقت لا يدرك فيه الحج فلم يلزمه أخذ ذلك وقال الشافعي كل من سلف في شيء فجاءه به المسلف إليه خلاف جنسه أو صفته أو خالف في منفعته أو ثمن كان ألا يقبله قال ولو جاءه به قبل محله فإن كان نحاسا أو تبرا أو عرضا غير مأكول ولا مشروب ولا ذي زوج أجبرته على أخذه وإن كان مأكولا أو مشروبا فقد يريد أكله وشربه جديدا وإن كان حيوانا فلا غنى به عن العلف والرعي فلا يجبر على أخذه قبل محله لأنه يلزمه فيه مؤنة إلى أن ينتهي إلى وقته قال أبو عمر يجب على أصله هذا إذا كان لا يلزمه أخذه لما فيه عليه من المؤنة إلى وقت مثله إلا يلزمه أيضا إذا فاتت السوق والموسم الذي له قصد بالشراء

كالضحايا وشبهها لأن ما يفوته هنا من الفائدة كالذي يلحقه فيه من المؤنة قبل الأجل إلى وقت حلوله والقياس ما قاله مالك أنه يلزمه أخذه لأنه ليس بظلمة له في المطل والتأخر عن الوقت تبطل صفقته ويفسد ما كان صحيحا من بيعه والله أعلم قال مالك في الذي يشتري الطعام فيكتاله ثم يأتيه من يشتريه منه فيخبر الذي يأتيه أنه قد اكتاله لنفسه واستوفاه فيريد المبتاع أن يصدقه ويأخذه بكيله إن ما بيع على هذه الصفة بنقد فلا بأس به وما بيع على هذه الصفة إلى أجل فإنه مكروه حتى يكتاله المشتري الآخر لنفسه وإنما كره الذي إلى أجل لأنه ذريعة إلى الربا وتخوف أن يدار ذلك على هذا الوجه بغير كيل ولا وزن فإن كان إلى أجل فهو مكروه ولا اختلاف فيه عندنا قال أبو عمر اختلاف العلماء في هذه المسألة في البيع كهذا في السلم وكذلك روى بن القاسم وغيره عن مالك قال إذا قال المسلم إليه للمسلم هذا قد كلته وصدقه المسلم جاز له أن يأخذه بذلك الكيل وكذلك لو كان المسلم الذي اشتراه من غيره وقبضه جاز للمسلم أخذه بذلك قال أبو عمر الذي كرهه مالك في البيع إلى أجل وجعله ذريعة إلى الربا معناه أنه لم يصدقه إلا من أجل الأجل فكأنه أخذ الأجل ثمنا لأنه يمكن أن يكون دون ما قاله له من الكيل فرضي بذلك الأجل فصار كذلك إذا كان ربا لما وصفنا ولهذا والله أعلم أدخل مالك هذه المسألة في باب الربا في الدين وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي والليث بن سعد إذا اكتال المسلم إليه كراء لنفسه من بائعه ثم سلمه إلى المسلم بغير كيل لم يجز ذلك وليس له أن يبيعه ولا يتصرف فيه بأكل ولا غيره حتى يكتاله قال أبو عمر أصلهم في هذا أنه لما كان المصدق القابض لما ابتاعه من الطعام من سلم أو غيره لا يجوز له أن يبيعه حتى يكتاله بحديث بن عباس أنه قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله وهذا عندهم تفسير معنى حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تبعه حتى تستوفيه

والاستيفاء لا يكون إلا بالكيل فيما بيع كيلا كان كذلك سائر التصرف ودل على أن من لم يكتل ولم يستوف على ذلك لا يصح قبضه معلوما لإمكان الزيادة فيه والنقصان وقال الشافعي فإن هلك الطعام فذلك الطعام في يد المشتري قبل أن يكيله فالقول قوله في الكيل مع يمينه وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن استهلكه المشتري وتصادفا أنه كرء كان مستوفيا وقال الحسن بن حي إن استهلكه المشتري ضمنه قيمته كالبيع الفاسد وقال أبو ثور القول فيه قول المشتري مع يمينه ويرجع عليه بما بقي وإن باعه كان بيعه جائزا وروى بن وهب في موطأه عن مالك أنه سأل عن رجل ابتاع من رجل طعاما وأخذه بكيله الأقل وصدقه فيه فلما جاز به كاله فوجد فيه زيادة إردب أو إردبين أترى أن يرد ذلك على البائع قال إن كان ذلك شيئا بينا فنعم قال أبو عمر يعني أنه ما زاد على أنه يمكن أن يكون بين الكيلين فعليه رده وما كان معهودا مثله بين الأكيال فليس عليه رده وأما إن وجده ناقصا فالقول قول البائع عند مالك مع يمينه لأنه قد صدقة المشتري إذا قبضه منه بقوله قال مالك لا ينبغي أن يشترى دين على رجل غائب ولا حاضر إلا بإقرار من الذي عليه الدين ولا على ميت وإن علم الذي ترك الميت وذلك أن اشتراء ذلك غرر لا يدري أيتم أم لا يتم قال أبو عمر هو كما قال عند سائر العلماء لأن الغائب ربما ينكر الدين أو أتى بالبراءة منه إذا حضر وكذلك الحاضر إذا لم يعرف والميت في ذلك كذلك لأنه قد ثبتت عليه ديون تستغرق ماله أو أكثره وعلى هذا أو نحوه فسره مالك في كتابه فقال وتفسير من كره من ذلك أنه إذا اشترى دينا على غائب أو ميت أنه لا يدري ما يلحق الميت من الدين الذي لم يعلم به فإن لحق الميت دين ذهب الثمن الذي أعطى المبتاع باطلا قال مالك وفي ذلك أيضا عيب آخر أنه اشترى شيئا ليس بمضمون له وإن لم يتم ذهب ثمنه باطلا فهذا غرر لا يصلح

قال مالك وإنما فرق بين لا يبيع الرجل إلا ما عنده وأن يسلف الرجل في شيء ليس عنده أصله أن صاحب العينة إنما يحمل ذهبه التي يريد أن يبتاع بها فيقول هذه عشرة دنانير فما تريد أن أشتري لك بها فكأنه يبيع عشرة دنانير نقدا بخمسة عشر دينارا إلى أجل فلهذا كره هذا وإنما تلك الدخلة والدلسة وقد تقدم هذا المعنى في باب العينة مجودا والحمد لله باب ما جاء في الشركة والتولية والإقالة قال مالك في الرجل يبيع البز المصنف ويستثني ثيابا برقومها إنه إن اشترط أن يختار من ذلك الرقم فلا بأس به وإن يشترط أن يختار منه حين استثنى فإني أراه شريكا في عدد البز الذي اشتري منه وذلك أن الثوبين يكون رقمهما سواء وبينهما تفاوت في الثمن قال أبو عمر قد تقدم في باب الثنيا من هذا الكتاب أن أكثر العلماء لا يجيزون أن يستثنى من جملة الثياب و الغنم والدواب وما أشبه ذلك شيئا يختاره البائع لأن ما عدا المختار ليس بزائد عندهم وكذلك من استثنى من التمر أو الصبر كيلا وقد تقدم هذا المعنى فلا وجه لتكراره وقول مالك هذا على أصله وقد بين وجه قوله قال مالك الأمر عندنا أنه لا بأس بالشرك والتولية والإقالة منه في الطعام وغيره قبض ذلك أو لم يقبض إذا كان ذلك بالنقد ولم يكن فيه ربح ولا وضيعة ولا تأخير للثمن فإن دخل ذلك ربح أو وضيعة أو تأخير من واحد منهما صار بيعا يحله ما يحل البيع ويحرمه ما يحرم البيع وليس بشرك ولا تولية ولا إقالة قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء أن الإقالة إذا كان فيها نقصان أو زيادة أو تأخير أنها بيع وكذلك التولية والشركة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى

وإنما اختلفوا في الإقالة على وجهها بلا زيادة ولا نقصان لا نظرة ولا هي بيع فيحل فيها ويحرم ما يحل في البيع ويحرم أم هي معروف وإحسان وفعل خير ليست ببيع وكذلك الشركة والتولية وكذلك ذهب مالك إلى أن الشركة والتولية والإقالة جائز ذلك كله في السلم قبل قبضه وفي الطعام كله لأنه من فعل الخير وصنع المعروف والحجة له قوله عز وجل وافعلوا الخير الحج وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة وقد لزم الإقالة والتولية والشركة اسم غير اسم البيع فكذلك جاز ذلك في السلم و الطعام قبل الاستيفاء والقبض وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والليث بن سعد لا تجوز التولية والشركة في السلم قبل القبض ولا في الطعام المأخوذ بعوض قبل القبض وأما الإقالة فاختلافهم هل هي بيع أم فسخ على ما أضيف لك بقول مالك ما تقدم ذكره أنها معروف وإحسان وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما الإقالة قبل القبض فسخ بيع وقال أبو حنيفة هي بعد القبض فسخ أيضا ولا تقع إلا بالثمن الأول لا زيادة ولا نقصان سواء تقابلا بزيادة أو نقصان أو ثمن غير الأول وهو قول الشافعي وقال أبو يوسف هي بيع بعد القبض وتجوز بالزيادة والنقصان وبثمن آخر ولأبي حنيفة وأصحابه في هذا المعنى كثير مذكور في كتبهم قد ذكرنا كثيرا منه في غير هذا الموضع وقال الشافعي إن أقالة على زيادة أو نقصان بعد القبض فلا خير فيه لأن الإقالة فسخ وليست ببيع قال أبو عمر قد أجمعوا أن الإقالة بيع جائز في السلف برأس المال ولو

كانت بيعا دخلها بيع الطعام قبل أن يستوفى وبيع ما ليس عند البائع فدل على أنهما فسخ بيع ما لم تكن فيها زيادة أو نقصان وإنما يستغني عن ذكر الثمن وهو معروف عند مالك على ما تقدم إلا أن حكمها عند حكم البيع المستأنف والعهدة على المشتري فيما قبض وبان به إلى نفسه ثم ظهر به عيب عنده ولم يختلف قوله ولا قول أصحابه في الجارية المواضعة للحيضة إذا وقعت الإقالة بعد قبض سترها لها وعينه عليها أن العهدة عليه والمصيبة منه واختلف بن القاسم وأشهب لو ماتت الجارية ولم يبن بها حمل فقال بن القاسم على أصله المصيبة فيها على المشتري وقال أشهب المصيبة فيها من البائع المقالي وليس هذا الموضع بموضع لذكر هذا المعنى وإنما يذكر في الباب معناه دون ما سواه وبالله التوفيق وقال الأوزاعي يجوز أن يقول المشتري للبائع أقلني ولك دراهم ويقول له البائع أقلني وأعطيك كذا وكذا درهما أنه لا بأس بذلك وقال في رجل اشترى طعاما ولم يقبضه حتى قال أقلني وأعطيك كذا وكذا درهما أنه لا بأس بذلك قال ابو عمر قد مضى في صدر كتاب البيوع من الإقالة ما يوجب أن يكون قول الأوزاعي هذا فيه ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه قال لا بأس بالتولية إنما هو معروف قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن الحسن مثله قال وقال بن سيرين لا حتى يقبض ويكال قال وأخبرنا معمر عن ربيعة قال التولية والإقالة والشركة سواء لا بأس به قال وأخبرنا بن جريج قال أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا مستفاضا بالمدينة قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه إلا أن يشرك فيه أو يوليه أو يقيله وروى داود بن عبد الرحمن عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال كل بيع لا يجوز بيعه حتى يقبض إلا التولية والشركة والإقالة

قال داود وأخبرني رجل عن مجاهد مثله وأما الذين جعلوا ذلك بيعا فلم يجيزوا أشياء منه ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال التولية بيع في الطعام وغيره قال وأخبرنا الثوري عن جابر عن الشعبي وعن سليمان التيمي عن الحسن وبن سيرين وعن فطر عن الحكم قالوا التولية بيع وقال الثوري من اشترى شيئا فلا يؤله ولا يشرك فيه ولا يبعه حتى يقبضه مما يكال أو يوزن أو غير ذلك لأن كل هذا عندنا بيع قال مالك من اشترى سلعة بزا أو رقيقا فبت به ثم سأله رجل أن يشركه ففعل ونقدا الثمن صاحب السلعة جميعا ثم أدرك السلعة شيء ينتزعها من أيديهما فإن المشرك يأخذ من الذي أشركه الثمن ويطلب الذي أشرك بيعه الذي باعه السلعة بالثمن كله إلا أن يشترط المشرك على الذي أشرك بحضرة البيع وعند مبايعة البائع الأول وقبل أن يتفاوت ذلك أن عهدتك على الذي ابتعت منه وإن تفاوت ذلك وفات البائع الأول فشرط الآخر باطل وعليه العهدة واختلف أصحاب مالك على من تكون العهدة في التولية والشركة في السلم وغيره فروى عيسى عن بن القاسم أنه قال العهدة في ذلك أبدا على البائع الذي عليه الثمن وقال بن حبيب إذا كان في نسق واحد فالعهدة على البائع الأول وإن كان على غير نسق فعلى المشتري الأول وقال بن المواز إن ولى أو أشرك بحضرة البائع فتبعه الموكل او المشرك على البائع اشترط ذلك المشتري الأول أو لم يشترطه فإن كان باعها فالتباعة على المشتري إلا أن يشترط ذلك على البائع الأول أو يكون قريبا فيلزمه قال أبو عمر لم يختلف قول مالك في أنه يلزمه أن يشترط الرجل ما شاء في كل ما يشتريه قبل أن يقبضه وهو مذهب الأوزاعي

ذكر الوليد بن مسلم عنه قال لا بأس إن أنت اشتريت سلعة فسألك رجل أن تشركه قبل أن تقبضها فلا بأس بذلك قبل قبض السلعة وبعده فيكون عليك وعليها الربح والوضيعة لأن الشركة معروفة ولو كانت الشركة بيعا لم يصلح أن يشرك فيها حتى يقبضها وقال الشافعي لا تجوز الشركة في شراء اشتراه حتى يقبضه وهو قول أبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة مثل ذلك إلا في العقار فإنه أجاز فيه الشركة والتولية فبطل القبض وقال أبو ثور لا تجوز الشركة قبل القبض في شيء مما يكال أو يوزن وقال أبو ثور لا تجوز الشركة في شيء يؤكل أو يشرب مما يكال أو يوزن قبل القبض لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه وهو مأكول مكيل وما كان سوى ذلك فلا باس ببيعه قبل أن يقبضه والشركة فيه والتولية جائزة وأما العهدة في الشركة فمذهب مالك أنها على المشرك دون البيع الأول إلا أن يقول له المشتري عهدتك على البائع كعهدي فيجوز ذلك إن كان بحضرة البيع وإن تفاوت كان شرطه باطلا وكانت عهده الشريك عليه لا على البائع الأول وسواء كانت الشركة قبل القبض أو بعده ومعنى العهدة الرد بالعيب والقيام في الاستحقاق والخصومة في ذلك هل يكون ذلك بين الشريك والذي أشركه وبين البائع الأول فيكونان في ذلك سواء وأما الشافعي والكوفيون فالشركة عندهم جائزة بعد القبض والخصام في كل ما ينزل فيها بين الشريكين وليس للشريك إلى البائع الأول سبيل لأنه لم يعامله في شيء وأما قبل القبض فلا شركة ولا خصام ولا عهدة عندهم في شيء من ذلك قال مالك في الرجل يقول للرجل اشتر هذه السلعة بيني وبينك وانقد عني وأنا أبيعها لك إن ذلك لا يصلح حين قال انقد عني وأنا أبيعها لك وإنما

ذلك سلف يسلفه إياه على أن يبيعها له ولو أن تلك السلعة هلكت أو فاتت اخذ ذلك الرجل الذي نقد الثمن من شريكه ما نقد عنه فهذا من السلف الذي يجر منفعة قال مالك ولو أن رجلا ابتاع سلعة فوجبت له ثم قال له رجل أشركني بنصف هذه السلعة وأنا أبيعها لك جميعا كان ذلك حلالا لا بأس به وتفسير ذلك أن هذا بيع جديد باعه نصف السلعة على أن يبيع له النصف الآخر قال أبو عمر قد بين مالك رحمه الله الوجه الذي لم يجز عنده قوله الذي يشركه انقد عني وأنا أبيعها لك أنه من باب سلف جر منفعة وهو إذا صح وصرح به مجتمع على تحريمه وأجاز الوجه الآخر لأنه لا يدخله عنده إلا بيع واجارة والبيع والإجارة جائز عنده في أصل مذهبه وعند جماعة أصحابه وأما الشافعي والكوفيون فلا يجوز عندهم بيع والاجارة لأن الثمن حينئذ يكون مجهولا عندهم لأنه لا يعرف مبلغه من مبلغ حق الإجارة في عقد السلعة والإجارة أيضا بيع منافع فصار ذلك بيعتان في بيعة والوجه الأول أيضا غير جائز عندهم لما ذكره مالك ولأنها إجارة مجهولة انعقدت مع الشركة والشركة لا تجوز عندهم قبل القبض لأنها بيع على ما ذكرنا عنهم ولا يجوز أن ينعقد معها ما تجهل به مبلغ ثمنها على ما وصفنا وقد اختلف قول مالك في الذي يسلف رجلا سلفا لمشاركه فمرة أجازه ومرة كرهه وقال لا يجوز على حال واختار بن القاسم جواز ذلك فروى ذلك كله عن مالك قال وإن كان الذي أسلفه ليقاده ويضره بالتجارة ثم جعل مثل ما أسلفه وتشاركا على ذلك فلا يجوز لأنه جر إلى نفسه بسلفه منفعة وإن كان ذلك منه على وجه الرفق والمعروف قال بن القاسم قد اختلف قول مالك في ذلك فمرة أجازه ومرة كرهه باب ما جاء في إفلاس الغريم مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن

الحارث بن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه منه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع فيه أسوة الغرماء مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره قال أبو عمر الحديث الأول مرسل في الموطإ عند جميع رواته عند مالك ورواه عبد الرزاق عن مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الموطأ سواء واختلف فيه أصحاب بن شهاب فمنهم من أسنده فجعله عن بن شهاب عن أبي بكر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من جعله عن بن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الرواة بذلك كله والأسانيد عنهم في التمهيد وأما حديث يحيى بن سعيد فمتصل صحيح مسند إلا أن قوله في حديث بن شهاب عن أبي بكر وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع إسوة الغرماء ليس في حديث يحيى بن سعيد وهو موضع اختلف فيه العلماء على ما نذكره إن شاء الله عز وجل وقد روى هذا الحديث بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أفلس الرجل فوجد غريمه متاعه بعينه فهو أحق به لم يذكر الموت ولا حكمه كذلك رواه قتادة وغيره عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

وكذلك رواه أيوب وبن جريج وبن عيينة عن عمرو بن دينار عن هشام بن يحيى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها دون الغير لم يذكر الموت ولا حكمه ورواه بن أبي ذئب عن أبي المعتمر بن عمرو بن نافع عن عمر بن خلدة الزرقي قال أتينا أبا هريرة في صاحب لنا أفلس فقال أبو هريرة قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه فسوى في روايته بين الموت والفلس قال أبو عمر حديث التفليس حديث صحيح من نقل الحجازيين والبصريين رواه العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم ودفعه طائفة من العراقيين منهم أبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين وردوه بالقياس على الأصول المجتمع عليها وهذا مما عيبوا به وعد عليهم من السنن التي ردوها بغير سنة صاروا إليها لأنهم أدخلوا القياس والنظر حيث لا مدخل له وإنما يصح الاعتبار والنظر عند عدم الآثار وحجتهم أن السلعة من المشتري وثمنها في ذمته فغرماؤه أحق بها كسائر ماله وهذا لا يجهله عالم ولكن الانقياد إلى السنة أولى بمعارضاتها بالرأي عند أهل العلم وعلى ذلك العلماء ذكر بشر بن عمر سمعت مالك بن أنس كثيرا إذا حدث بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيقال له ما تقول أنت أو ما رأيك فيقول فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة النور ومثل هذا في كتاب الشافعي كثير وممن قال بحديث التفليس جملة واستعمله وإن تنازعوا في أشياء من فروعه فقهاء المدينة والشام والبصرة وجماعة أهل الحديث ولا أعلم لأهل الكوفة سلفا في هذه المسألة إلا ما رواه قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي رضي الله عنه قال وفيه إسوة الغرماء إذا وجدها بعينها وأحاديث خلاس عن علي رضي الله عنه ضعيفة عند أهل العلم بالحديث لا يرون في شيء منها إذا انفرد بها حجة وروى الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال هو والغرماء فيه شرع سواء

وليس قول إبراهيم حجة عند الجمهور ويشبه قوله في هذه المسألة قوله في المسكر قال مالك في رجل باع من رجل متاعا فأفلس المبتاع فإن البائع إذا وجد شيئا من متاعه بعينه أخذه وإن كان المشتري قد باع بعضه وفرقه المتاع أحق به من الغرماء لا يمنعه ما فرق المبتاع منه أن يأخذ ما وجد بعينه فإن اقتضى من ثمن المبتاع شيئا فأحب أن يرده ويقبض ما وجد من متاعه ويكون فيما لم يجد إسوة الغرماء فذلك له قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين الفقهاء القائلين بأن البائع أحق بغير ماله في الفلس أنه أحق أيضا بما وجد عنه إذا كان المشتري قد باع ذلك أو فوته بوجوه الفوت لأن الذي وجد من سلعته هو عين ماله لا شك فيه لأنه قطعة منه قال مالك فيمن وجد نصف سلعته بعينها عند رجل قد أفلس قال أرى أن يأخذها بنصف الثمن ويحاص الغرماء في النصف الثاني وكذلك قال الشافعي قال لو كانت السلعة عبدين بمائة فقبض نصف الثمن وبقي أحد العبدين وقيمتهما سواء كان له نصف الثمن أو النصف الذي قبض ثمن الهالك كما لو رهنهما بمائة فقبض تسعين فهلك أحدهما كان الآخر رهنا بعشرة هكذا روى المزني وروى الربيع عنه قال لو كانا عبدين أو ثوبين فباعهما بعشرين قبض عشرة وبقي من ثمنهم عشرة كان شريكا فيها بالنصف يكون نصفهما له والنصف للغرماء يباع في دينه وجملة قول الشافعي أنه لو بقي من ثمن السلعة في التفليس درهم لم يرجع من السلعة إلا بقدر الدرهم ومعناه أن ما بقي في يد المشتري المفلس عين مال البائع وقيمته بمقدار ما بقي له من الثمن الذي من أجله جعل له أخذه فله أخذه دون سائر غرماء المفلس وقال أشهب عن مالك عن رجل باع من رجل عبدين بمائة دينار وانتقد من ذلك خمسين وبقيت على الغريم خمسون ثم أفلس غريمه فوجد عنده أحد عبديه وفاته الآخر فأراد أخذه بالخمسين التي بقيت له على غريمه وقال

الخمسون التي أخذت ثمن العبد الذاهب وقال الغرماء بل الخمسون التي أخذت ثمن هذا فقال مالك إذا كان العبدان سواء رد نصف ما قبض ولك خمسة وعشرون دينارا وأخذ العبد وذلك أنه إنما اقتضى من ثمن كل عبد خمسة وعشرين دينارا قال ولو كان باعه عبدا واحدا بمائة دينار فاقتضى من ثمنه خمسين رد الخمسين إن أحب وأخذ العبد قال أشهب وكذلك العمل في روايا الزيت وغيرها على هذا القياس وقال الشافعي في مسألة أشهب عن مالك العبد أحق به من الغرماء إذا كان قيمة العبدين سواء لأنه ماله بعينه وجده عند غريمه وقد أفلس والذي قبضه وثمن ما فات إذا كانت القيمة سواء كما لو باع عبدا واحدا وقبض نصف لبه كان ذلك النصف للغرماء وكان النصف الباقي له فإنه لم يقبض ثمنه ولا يرد شيئا مما أخذ لأنه مستوف لما أخذ وأما قول مالك في الموطأ فإن اقتضى من ثمن المبتاع شيئا فأحب أن يرده إلى آخر قوله فقد خالفه الشافعي وغيره في ذلك فقالوا ليس له أن يرده وإنما له أخذ ما بقي من سلعته لا غير ذلك لإجماعهم على أنه لو قبض ثمنها كله لم يكن له إليها سبيل فكذلك إذا أخذ ثمن بعضها لم يكن إلى ذلك البعض سبيلا وليس له أن يرد بعض الثمن كما ليس له ان يرد جميعه لو قبضه وحجتهم حديث مالك في هذا الباب قوله ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا وقال جماعة من أهل العلم إذا قبض من ثمن سلعته شيئا لم يكن له أخذها ولا شيئا منها وممن قال هذا داود وأهل الظاهر أيضا وأحمد وإسحاق واختلف مالك والشافعي أيضا في المفلس يأبى غرماؤه دفع السلعة إلى صاحبها وقد وجدها بعينها ويريدون دفع الثمن إليه من قبل أنفسهم لما لهم في قبض السلعة من الفضل فقال مالك ذلك لهم وليس لصاحب السلعة أخذها إذا دفع إليه الغرماء ثمنها وقال الشافعي ليس للغرماء هذا مقال قال وإذا لم يكن للمفلس ولا لورثته

أخذ السلعة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل صاحبها أحق بها منهم فالغرماء أبعد من ذلك وإنما الخيار لصاحب السلعة إن شاء أخذها وإن شاء تركها وضرب مع الغرماء بثمنها وبهذا قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وجماعة واختلف قول مالك والشافعي أيضا في المفلس يموت قبل الحكم عليه وقبل توفيقه فقال مالك ليس حكم الفلس كحكم الموت وبائع السلعة إذا وجدها بعينها إسوة الغرماء في الموت بخلاف الفلس وبهذا قال أحمد بن حنبل وحجة من قال بهذا القول حديث بن شهاب المذكور في أول هذا الباب عن أبي بكر بن عبد الرحمن لأنه حديث نص فيه على الفرق بين الموت والفلس وهو قاطع لموضع الخلاف ومن جهة القياس بينهما فرق آخر وذلك أن المفلس يمكن أن تطرأ له ذمة وليس الميت كذلك وقال الشافعي الموت والفلس سواء وصاحب السلعة أحق بها إذا وجدها بعينها في الوجهين جميعا وحجة من قال بهذا القول حديث بن أبي ذئب المذكور في هذا الباب وفيه أن أبا هريرة قال قد قضى رسول الله إيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق به إذا وجده بعينه فجعل الشافعي ذكر الموت زيادة مقبولة وردت في حديث مسند وحديث بن شهاب الصحيح فيه الإرسال قال أبو عمر قد وصله عبد الرزاق على نص ما رواه أصحاب مالك وسائر أصحاب بن شهاب وذكر فيه الذي ذكروا وذلك قوله وإن مات الذي ابتاعه فصاحب المتاع أسوة الغرماء بعد ذكره حكم المفلس ففرق بين الموت والفلس فينبغي ألا تكون زيادة أبي المعتمر عن عمرو بن خلدة عن أبي هريرة في التسوية بين الميت والمفلس مقبولة لأنها قد عارضها ما يدفعها والأصل أن كل مبتاع أحق بما ابتاعه حياته وموته وأن ذلك موزون عنده شيء من ذلك بدليل لا معارض له ولم يوجد ذلك إلا فيمن وجد عين ماله عند مفلس

هذا هو الذي لم تختلف فيه الآثار المرفوعة وما عداها فمصروف إلى الأصل المجتمع عليه وبالله التوفيق قال مالك ومن اشترى سلعة من السلع غزلا أو متاعا أو بقعة من الأرض ثم أحدث في ذلك المشتري عملا بنى البقعة دارا أو نسج الغزل ثوبا ثم أفلس الذي ابتاع ذلك فقال رب البقعة أنا آخذ البقعة وما فيها من البنيان إن ذلك له ولكن تقوم البقعة وما فيها مما أصلح المشتري ثم ينظر كم ثمن البقعة وكم ثمن البنيان من تلك القيمة ثم يكونان شريكين في ذلك لصاحب البقعة بقدر حصته ويكون للغرماء بقدر حصة البنيان قال مالك وتفسير ذلك أن تكون قيمة ذلك كله ألف درهم وخمسمائة درهم فتكون قيمة البقعة خمسمائة درهم وقيمة البنيان ألف درهم فيكون لصاحب البقعة الثلث ويكون للغرماء الثلثان قال مالك وكذلك الغزل وغيره مما أشبهه إذا دخله هذا ولحق المشتري دين لا وفاء له عنده وهذا العمل فيه قال أبو عمر قال الشافعي فيما روى الربيع وغيره عنه ولو كانت السلعة دارا فبنيت أو بقعة فغرست ثم أفلس الغريم ردت للبائع الدار كما كانت والبقعة حين باعها ولم أجعل له الزيادة ثم خيرته بين أن يعطي قيمة العمارة والغراس ويكون ذلك له أو يكون له ما كان في الأرض لا عمارة فيها وتكون العمارة الحادثة فيها تباع للغرماء سواء بينهم إلا أن يشاء الغرماء والغريم أن يقلعوا البنيان والغرس ويضمنوا لرب الأرض ما نقص الأرض القطع فيكون ذلك لهم قال ولو باع أرضا فغرسها المشتري ثم أفلس فأبى رب الأرض أن يأخذ الأرض بقيمة الغرس الذي فيها وأبى الغرماء أو الغريم أن يقلعوا الغرس ويسلموا الأرض إلى ربها لم يكن لرب الأرض إلا الثمن الذي باع به الأرض يحاص به الغرماء قال أبو عمر تلخيص قول الشافعي في ذلك أن للبائع ما فيه من الأرض وأما ما كان فيه بناء فهو مخير إن شاء أعطى قيمة البناء وأخذ الأرض والبناء وإن شاء ضرب مع الغرماء ليس له غير ذلك وأما الكوفيون فعلى ما قدمت لك مال المفلس كله عندهم للغرماء الذي فلسه القاضي لهم دون صاحب المساقاة وهو فيها كأحدهم

وقال الشافعي ومن باع أرضا فزرعها المشتري ثم فلس قيل لصاحب الأرض إن شئت فلك الأرض إذا حصد الطعام وإن شئت فاضرب مع الغرماء قال والغريم يأخذ ماله بعينه إذا وجده عند مفلس قد وقف القاضي ماله يأخذه ناقصا في بدنه إن شاء وزائدا ولا يمنع من أخذه بعينه لسمن ولا لهزال إن أراد أخذ سلعته بعينها وليس له غيرها إلا أن يشاء تركها والضرب بثمنها مع الغرماء فذلك له وكل ما استغله المشتري فيها قبل توقيف القاضي ما له فهو له بضمانه على سنة الغلة و الخراج في القيام بالعيب قال ولو كانت السلعة قمحا فطحنة أخذ الغريم الدقيق وغرم ثمن الطحن وإن شاء أخذ الدقيق ويكون الغرماء شركاءه في قيمة الطحن والطحان عند الشافعي إسوة الغرماء وله قول آخر رواه الربيع أن للطحان حبس الدقيق حتى يأخذ حقه كالرهن قال الشافعي وإن اشترى ثوبا فصبغه أو خاطه أو قصره فالغرماء شركاء في قيمة الصبغ وأما القصار والخياط فإسوة الغرماء لأن عملهم ليس بشيء قائم بعينه مثل الصبغ في الثوب واختلف قول بن القاسم في الحائك يجد الثوب الذي نسجه بيد ربه مفلسا فروى عيسى عن بن القاسم أن كل صانع يجد صنعته عند مفلس وليس فيها غير عمل يده فهو أسوة الغرماء وروى أبو زيد عنه أنه شريك بالنسج كما يكون الصباغ شريكا بالصبغ قال سحنون والخياط شريك لخياطته وخالف سحنون بن القاسم في الأجير على السقي في الزرع والثمرة إذا أفلس صاحبها قال بن القاسم هو إسوة الغرماء وقال سحنون بل هو كالصباغ هم أحق بما في أيديهم في الموت والفلس والاختلاف في هذا الباب كثير بينهم قد ذكرناه في كتاب اختلافهم وذكرنا ما يحصل عليه المذهب في الكتاب الكافي والحمد لله قال مالك فأما ما بيع من السلع التي لم يحدث فيها المبتاع شيئا إلا أن تلك السلعة نفقت وارتفع ثمنها فصاحبها يرغب فيها والغرماء يريدون إمساكها فإن

الغرماء يخيرون بين أن يعطوا رب السلعة الثمن الذي باعها به ولا ينقصوه شيئا وبين أن يسلموا إليه سلعته وإن كانت السلعة قد نقص ثمنها فالذي باعها بالخيار إن شاء أن يأخذ سلعته ولا تباعة له في شيء من مال غريمه فذلك له وإن شاء أن يكون غريما من الغرماء يحاص بحقه ولا يأخذ سلعته فذلك له قال أبو عمر إذا نقصت السلعة فلا خلاف فيما حكاه مالك عند كل من استعمل حديث التفليس جميعهم يقول بذلك فأما إذا زادت السلعة في سوقها لزيادة في سعرها أو لغير ذلك فقد ذكرنا خلاف الشافعي ومن تبعه لمالك في ذلك وأنهم لا يرون للغرماء خيارا في السلعة كما ليس للمفلس خيار ووجه أقوالهم بينة يستغني عن القول فيها وقال مالك فيمن اشترى جارية أو دابة فولدت عنده ثم أفلس المشتري فإن الجارية أو الدابة وولدها للبائع إلا أن يرغب الغرماء في ذلك فيعطونه حقه كاملا ويمسكون ذلك قال أبو عمر أما قول الشافعي في الولد الحادث عند المفلس فإنه لا سبيل للبائع إليه لأنه كالغلة والخراج وإنما ذلك للغرماء دون البائع قال الشافعي لو باعه أمة فولدت ثم أفلس كانت له الأمة إن شاء والولد للغرماء وإن كانت حبلى كانت له حبلى لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الآباء كالولادة وبه قال أبو ثور والكوفيون على أصلهم المتقدم ذكره وأما قول مالك في آخر هذه المسألة إلا أن يرغب الغرماء في ذلك ويعطونه حقه كاملا ويمسكون ذلك وقد تقدم جواب الشافعي ومن تابعه على خلاف مالك في ذلك فيما سلف من هذا الباب باب ما يجوز من السلف مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع مولى

رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا فجاءته إبل من الصدقة قال أبو رافع فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكره فقلت لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء مالك عن حميد بن قيس المكي عن مجاهد أنه قال استسلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم ثم قضاه دراهم خيرا منها فقال الرجل يا أبا عبد الرحمن هذه خير من دراهمي التي أسلفتك فقال عبد الله بن عمر قد علمت ولكن نفسي بذلك طيبة قال أبو عمر أما القول في حديث زيد بن أسلم المكتوب في أول هذا الباب وما فيه من المعاني فمعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يأكل الصدقة وإنما كانت محرمة عليه لا تحل له وفي ذلك دليل على أن استسلافه الجمل البكر المذكور في هذا الحديث لم يكن لنفسه لأنه قضاه من إبل الصدقة وإذا كان ذلك كذلك صح أنه إنما استسلفه الجمل لمساكين بلدة لما رأى من شدة حاجتهم فاستقرضه عليهم ثم رده من إبل الصدقة كما يستقرض ولي اليتيم عليه نظرا له ثم يرده من ماله إذا طرأ له مال وهذا كله لا تنازع فيه والحمد لله وقد اختلف العلماء في حال المستقرض منه الجمل البكر المذكور في هذا الحديث فقال منهم قائلون لم يكن المستقرض منه ممن تجب عليه صدقة ولا تلزمه زكاة عند انقضاء الحول إما لجائحة لحقت ماله قبل الحول فصار المال لغيره أو لغير ذلك من الأسباب المانعة للزكاة لأنه قد رد عليه صدقته ولم يحتسب له بها وكان وقت أخذ الصدقات وخروج السعاة وقتا واحدا يستوي الناس فيه واستوفى منه أصحاب المواشي فلما لم يحتسب له بما أخذ منه صدقة علم أنه لم يكن ممن تلزمه صدقة في ماشيته في ذلك الحول الذي له أخذت صدقته إما لقصور نصابه بالآفة الداخلة على ماشيته قبل تمام حوله أو بغير ذلك مما قد وصفنا بعضه فوجب رد ما أخذ منه إليه ومثال الاستسلاف في هذا الموضع أن يقول الإمام للرجل أقرضني على

زكاتك لأهلها فإن وجبت عليه زكاة بتمام ملكك النصاب حولا فذلك وإلا فهو دين لك أرده عليك من الصدقة وهذا كله على مذهب من أجاز تعجيل الزكاة قبل وقت وجوبها بحول واحد وممن ذهب إلى ذلك سفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وإسحاق وأبو عبيد وروي ذلك عن إبراهيم وبن شهاب والحكم بن عتيبة وبن أبي ليلى وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يجوز تعجيل الزكاة لما في يده ولما يستفيده في الحول وبعده لسنين وقال التعجيل عما في يده جائز ولا يجوز عما يستفيده وقال بن شبرمة يجوز تعجيل الزكاة لسنين وقال مالك وأصحابه لا يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول إلا بيسير والشهر ونحوه عندهم يسير وقالت طائفة لا يجوز تعجيل الزكاة قبل محلها بيسير ولا كثير ومن عجلها قبل محلها لم يجزئه وكان عليه إعادتها كالصلاة روي ذلك عن الحسن البصري وروى خالد بن خداش عن مالك مثله واختلف على أشهب في الرواية عن مالك في ذلك فروي عنه مثل رواية خالد بن خداش أنه لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقتها بقليل ولا كثير كالصلاة وروي عنه مثل رواية بن القاسم واختلف أصحاب داود على القولين جميعا قول من أجاز تعجيلها وقول من لم يجز ومن حجة من قال أنه لا يجوز تعجيل الزكاة قبل وجوبها فالقياس لها على الصلاة وعلى سائر ما يجب مؤقتا كالحج وعرفة ورمضان وما أشبه ذلك من المؤقتات التي لا يجوز عملها قبل أوقاتها وأزمانها ومن أجاز تعجيلها قبل سنتها قاسها على الديون المؤجلة لأنه لا خلاف في جواز تعجيلها قبل إحالها إذا تبرع بذلك وفرق بين الصلاة والزكاة بأن الصلاة يستوي الناس كلهم في وقتها وليس

كذلك أوقات الزكاة لأن حول زيد في الزكاة غير حول عمرو وأحوال الناس في ذلك مختلفة فلم تشبه الصلاة لما وصفنا وأما من أبي جواز تعجيل الصدقة فقد تأول حديث أبي رافع المذكور في أول هذا الباب أن ذلك كان قبل تحريم الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وعلى الأغنياء ودليل ذلك أنه لو كان استقرض على المساكين لم يرد من أموالهم أكثر مما أخذ لهم ودليل آخر أن المستقرض منه غني فكيف يجوز أن يعطيه من أموال المساكين أكثر مما استقرض منه وهو غني لا تحل له الصدقة وقد ذكرنا احتجاج الفريقين فيما ذهب كل واحد منهما إليه وتأويله في هذا الحديث المذكور في كتاب التمهيد وفي هذا الحديث أيضا إثبات الحيوان دين في الذمة من جهة الاستقراض وهو الاستسلاف وإذا جاز استقراض الحيوان في الذمة من جهة الاستقراض وهو الاستسلاف جاز السلم فيه لأنه عرض يثبت في الذمة بصفة معلومة وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في السلم في الحيوان فيما مضى من هذا الكتاب والحمد لله كثيرا قال مالك لا بأس بأن يقبض من أسلف شيئا من الذهب أو الورق أو الطعام أو الحيوان ممن أسلفه ذلك أفضل مما أسلفه إذا لم يكن ذلك على شرط منهما أو عادة فإن كان ذلك على شرط أو أي أو عادة فذلك مكروه ولا خير فيه وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى جملا رباعيا خيارا مكان بكر استسلفه وأن عبد الله بن عمر استسلف دراهم فقضى خيرا منها فإن كان ذلك على طيب نفس من المستسلف ولم يكن ذلك على شرط ولا وأي ولا عادة كان ذلك حلالا لا بأس به قال أبو عمر لا أعلم خلافا فيمن اشترط للزيادة في السلف أنه ربا حرام لا يحل أكله وأما العادة فيكره ذلك عند الشافعي والكوفيين ولا يرون ذلك حراما

لأنه معروف إذا وقع ولا تعلم صحته ما لم يقع لأن العادة تقطع دونها وأن اختلاف الأموال ومن حكم بذلك استعمل الظن وحكم بغير اليقين فالأحكام إنما هي على الحقائق لا على الظنون ومن تورع عن ذلك نال فضلا والله أعلم ومن هذا الباب أكل هدية الغريم واختلاف الفقهاء فيه على نحو ما ذكرنا قال مالك لا يصلح أن يقبل هدية تحريمه إلا أن يكون ذلك بينهما معروفا قبل ذلك وهو يعلم أن ليس هديته إليه لمكان دينه وقال الثوري مثل ذلك وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما إن اشترط في السلف زيادة كان حراما وإن اشترط على الغريم هدية كان حراما ولا بأس أن يقبل هديته بغير شرط قالوا وكل قرض جر منفعة لا خير فيه وروي عن إبراهيم مثله قال الطحاوي وهذا عندهم إذا كانت المنفعة مشروطة وأما إذا أهدى إليه من غير شرط أو أكل عنده فلا بأس به عندهم وقال الليث بن سعد أكره أن يقبل هديته أو يأكل عنده وقال عبيد الله بن الحسن لا بأس أن يأكل الرجل هدية غريمه وقال الشافعي لا بأس أن يقضيه أجود من دينة أو دونه إذا تراضيا ذلك قال أبو عمر اختلف السلف والخلف في هذه المسألة وعلى حسب ذلك كان اختلاف الخلف من الفقهاء فيها فروي عن أبي بن كعب وعبد الله بن سلام أنهما كرها كل هدية الغريم وروى نافع عن بن عمر أنه كان له صديق يسلفه وكان عبد الله بن عمر يهدي له وروى شعبة عن يحيى بن سعيد عن أنس قال إذا أ قرضت رجلا قرضا فلا تركب دابته ولا تقبل هديته إلا أن يكون قد جرت بينك وبينه قبل ذلك مخالطة وروي عن بن عباس فيها رخصة وفي هذا الباب حديث مسند جيد وهو حجة وملجأ لمن قال به قال أبو عمر قال حدثني سعيد بن نصر قال حدثني عبد الوارث بن

سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح وحدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الله بن نمير قال حدثني يزيد بن زياد بن أبي الجعد قال حدثني أبو صخر جامع بن شداد عن طارق المحاربي قال لما ظهر الإسلام خرجنا في ركب ومعنا ظعينة لنا حتى نزلنا قريبا من المدينة فبينا نحن قعود إذ أتى رجل عليها ثوبان أبيضان فسلم ثم قال من أين أقبل القوم فقلنا له من الربذة ومعنا جمل أحمر أتبيعوني الجمل قال قلنا نعم قال بكم قلنا بكذا أو كذا صاعا من تمر فأخذه ولم يعطنا شيئا قال قد أخذته وأخذ برأس الجمل حتى توارى بحيطان المدينة قال فتلاومنا فيما بيننا قلنا أعطيتم جملكم رجلا لا تعرفونه فقالت الظعينة لا تلاوموا لقد رأيت وجه رجل ما كان ليحقركم ما رأيت أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه فلما كان العشي أتانا رجل فقال السلام عليكم أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم وهو يأمركم أن تأكلوا حتى تشبعوا وأن تكتالوا حتى تستوفوا وأكلنا حتى شبعنا واكتلنا حتى استوفينا ففي هذا الحديث إباحة أكل طعام من له عليه دين وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطعم ما لا يحل ويشهد لهذا حديث أبي رافع المذكور في صدر هذا الباب ومثله حديث أبي هريرة وقد ذكرناه في التمهيد وذلك كله يدل على أنه جائز لمن له دين على رجل من دين أقرضه أو بيع باعه أن يقبل منه ما زاد به بطيب نفسه شكرا لها وأن يأكل طعامه ويقبل هديته وما كان مثل ذلك كله ومثله فليس بربا وقضى الإجماع أن من اشترط شيئا من ذلك فهو ربا فكان الوجه الأول من الحلال البين والوجه الآخر من الحرام البين والحمد لله

باب ما لا يجوز من السلف مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال في رجل أسلف رجلا طعاما على أن يعطيه إياه في بلد آخر فكره ذلك عمر بن الخطاب وقال فأين الحمل يعني حملانة قال أبو عمر هذا بين لأنه قد اشترط عليه فيما أسلفه زيادة ينتفع بها وهي مؤنة حمله وكل زيادة من عين أو منفعة يشترطها المسلف على المستسلف فهي ربا لا خلاف في ذلك مالك أنه بلغه أن رجلا أتى عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إني أسلفت رجلا سلفا واشترطت عليه أفضل مما أسلفته فقال عبد الله بن عمر فذلك الربا قال فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن فقال عبد الله السلف على ثلاثة وجوه سلف تسلفه تريد به وجه الله فلك وجه الله وسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك فلك وجه صاحبك وسلف تسلفه لتأخذ خبيثا بطيب فذلك الربا قال فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن قال أرى أن تشق الصحيفة فإن أعطاك مثل الذي أسلفته قبلته وإن أعطاك دون الذي أسلفته فأخذته أجرت وإن أعطاك أفضل مما أسلفته طيية به نفسه فذلك شكر شكره لك ولك أجر ما أنظرته مالك عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر يقول من أسلف سلفا فلا يشترط إلا قضاءه مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول من أسلف سلفا فلا يشترط أفضل منه وإن كانت قبضة من علف فهو ربا قال أبو عمر هذا الباب كله عن عمر وبن عمر وبن مسعود بذلك على أنه لا ربا في الزيادة في السلف إلا أن يشترط تلك الزيادة ما كانت فهذا ما لا شك فيه أنه ربا والوأي والعادة من قطع الذرائع

ومن ترك ما ليس به بأس مخافة مواقعة ما به بأس كما جاء في الحديث وأترك ما يريبك إلى ما لا يريب كما قال صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك لما لا يريبك وقال عمر رضي الله عنه اتركوا الربا والريبة والوأي والعادة من هذا الباب الريبة والله أعلم قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من استسلف شيئا من الحيوان بصفة وتحلية معلومة فإنه لا بأس بذلك وعليه أن يرد مثله إلا ما كان من الولائد فإنه يخاف في ذلك الذريعة إلى إحلال ما لا يحل فلا يصلح وتفسير ما كره من ذلك أن يستسلف الرجل الجارية فيصيبها ما بدا له ثم يردها إلى صاحبها بعينها فذلك لا يصلح ولا يحل ولم يزل أهل العلم ينهون عنه ولا يرخصون فيه لأحد قال أبو عمر اختلف العلماء قديما وحديثا في استقراض الحيوان واستسلافه فكرهه قوم وأباه قوم منهم ورخص فيه آخرون فمن كرهه ولم يجزه ولا أجاز السلم فيه من الصحابة عبد الله بن مسعود وحذيفة وعبد الرحمن بن سمرة وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح وسائر الكوفيين وحجتهم أن الحيوان لا يوقف على حقيقة صفته لأن مشيته وحركته وجريه وملاحته كل ذلك يزيد في ثمنه ولا يدرك ذلك بوصف ولا يضبط بنعت لأن قارحا أخضر غير قارح غير أخضر ونحو هذا من صفات سائر الحيوان وادعوا النسخ في حديث أبي رافع المذكور في أول هذا الباب لما فيه من استقراض رسول الله صلى الله عليه وسلم البكر ورده الجمل الخيار ومثله حديث أبي هريرة فادعوا النسخ في ذلك بحديث بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الذي أعتق نصيبه من عبد له بينه وبين غيره بقيمة نصيب شريكه ولم يوجب عليه نصف عبد مثله وقال داود وطائفة من أهل الظاهر لا يجوز السلم في الحيوان ولا في شيء من الأشياء إلا في المكيل والموزون خاصة وما خرج عن الكيل والوزن فالسلم فيه غير جائز لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند البائع ولقوله صلى الله عليه وسلم من سلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ويخص المكيل والموزون

من سائر ما ليس عند البائع فكل ما لم يكن مكيلا ولا موزونا قد دخل في بيع ما ليس عندك قال أبو عمر قد نقض داود وأهل الظاهر ما أصلوا في قولهم في بيع ما ليس عندك كل بيع جائز بظاهر قول الله عز وجل وأحل الله البيع وحرم الربوا البقرة إلا بيع ثبتت السنة بتحريمه وبالنهي عنه أو اجتمعت الأمة على فساده فلم يلزمهم السلم في الحيوان بظاهر القرآن لأن بيع ما ليس عندك غير مدفوع بما قاله الحجازيون في معناه أنه بيع ما ليس عندك من الأعيان وأما ما كان مضمونا في الذمة موصوفا فلا وقال مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي والليث بن سعد استقراض الحيوان جائز والسلم فيه جائز وكذلك كل ما يضبط بالصفة في الأغلب وحجتهم حديث أبي رافع واستقراض رسول الله صلى الله عليه وسلم البكر وفي استقراضه الحيوان إثبات الحيوان في الذمة بالصفة المعلومة ومن حجتهم أيضا إيجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دية الخطأ في ذمة من أوجبها عليها ودية العمد المقبولة ودية شبه العمد المغلظة كل ذلك قد ثبت بالسنة المجتمع على ثبوتها وذلك بإثبات الحيوان بالصفة في الذمة فكذلك الاستقراض والسلم وقد كان بن عمر يجيز السلم في الوصف وأجاز أصحاب أبي حنيفة أن يكاتب الرجل عبده على مملوك بصفة وذلك منهم تناقض على ما أصلوه وأجاز الجميع النكاح على عبد موصوف وذكر الليث عن يحيى بن سعيد قال قلت لربيعة إن أهل أنطابلس حدثوني أن جبير بن معين كان يقضي عندهم بأن لا يجوز السلم في الحيوان وقد كان يجالسك ولا أحسبه قضى به إلا عن رأيك فقال ربيعة قد كان بن مسعود يقول ذلك فقلت وما لك ولابن مسعود في هذا قد كان بن مسعود يتعلم منا ولا نتعلم منه وقد كان يقضي في بلاده بأشياء

فإذا جاء إلى المدينة وجد القضاء على غير ما قضى به فيرجع إليه قال أبو عمر إنما يؤخذ هذا على صحة لابن مسعود وفي مسألة أمهات النساء والربائب كان قد أفتى بالكوفة بأن الشرط في الأم والربيبة فلما قدم المدينة قال له عمر وعلي إن الشرط في الربيبة والأم مهملة فرجع إلى ذلك وهذا لم يسلم منه أحد قد كان عمر بالمدينة يعرض له مثل هذا في أشياء يرجع فيها إلى قول علي وغيره على جلالة عمر وعلمه وبن مسعود أحد العلماء الأخيار الفقهاء من الصحابة وهو المعروف فيهم بصاحب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله عليه السلام له آذنك على أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادي حتى أنهاك وفسر العلماء السواد ها هنا بالسرار وقال أبو وائل لما أمر عثمان بالمصاحف أن تشقق قال عبد الله لا أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني قال أبو وائل فقمت إلى الخلق لأسمع ما يقولون فما سمعت أحدا من أصحاب محمد ينكر ذلك عليه قال أبو عمر يعني بمن كان بالكوفة من الصحابة يومئذ ونزلها منهم جماعة وقال عقبة بن عمرو الأنصاري أبو مسعود ما أرى رجلا أعلم بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن مسعود وقال أبو موسى الأشعري ليوم أو ساعة أجالس فيها عبد الله بن مسعود أوثق في نفسي من عمل سنة كان يسمع حتى لا نسمع ويدخل حين لا ندخل وقال لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم يعني بن مسعود وأخباره في ذلك كثيرة وقد ذكرنا كثيرا منها في بابه من كتاب الصحابة والحمد لله كثيرا وأما اعتلال العراقيين بأن الحيوان لا يمكن صفته بغير مسلم لهم لأن الصفة في الحيوان أن يأتي الواصف فيها بما يرفع الإشكال ويوجب الفرق بين الموصوف وغيره كسائر الموصوفات من غير الحيوان وحسب المسلم إليه إذا جاء بما تقع عليه تلك الصفة أن بعته منه وأما اختلاف الفقهاء في استقراض الإماء

فقال بقول مالك في ذلك الليث والأوزاعي والشافعي يجوز استقراض الحيوان كله إلا الإماء فإنه لا يجوز استقراضهن وكذلك قول أبي حنيفة على أصولهم أنه لا يجوز استقراض شيء من الحيوان لأن رد المثل لا يمكن لعذر المماثلة عندهم في الحيوان ولا خلاف عن مالك ومن ذكرنا معه فيمن استقرض أمة فلم يطأها حتى علم ذلك من فعله أنه يردها بعينها وينفسخ استقراضه واختلفوا في حكمها إن وطئها فقال مالك إن وطئها لزمته بالقيمة ولم ترد بردها وقال الشافعي يردها ويرد معها عقرها وإن حملت أيضا ردها بعد الولادة وقيمة ولدها إن ولدت أحياء يوم سقطوا من بطنها ويرد معها ما نقصتها الولادة وإن ماتت لزمه مثلها فإن لم يوجد مثلها فقيمتها وقال داود بن علي وأبو إبراهيم المزني صاحب الشافعي وأبو جعفر الطبري استقراض الإماء جائز قال الطبري والمزني قياسا على بيعها وأن ملك المستقرض صحيح يجوز له فيه التصرف كله وكل ما جاز بيعه جاز قرضه في القياس وقال داود لم يحظر الله استقراض الإماء ولا رسوله ولا اتفق الجميع عليه وأصول الأشياء عنده على الإباحة واستدل بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز استسلاف الحيوان والإماء من الحيوان وحجة من لم يجز استقراض الإماء وهم جمهور العلماء أن الفروج محظورة لا تستباح إلا بنكاح أو ملك يمين بعقد لازم والقرض ليس بعقد لازم لأن المستقرض يرده متى شاء فأشبه الجارية المشتراة بالخيار فلا يجوز وطؤها بإجماع حتى تنقضي أيام الخيار فيلزم العقد فيها وهذه قياس عليها وبالله التوفيق باب ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يبع بعضكم على بيع بعض

هكذا روى يحيى بعض هذا الحديث لم يزد على قوله لا يبع بعضكم على بيع بعض وتابعه بن بكير وبن القاسم وجماعة ورواه قوم عن مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تلقوا السلعة حتى يهبط بها إلى السوق وممن رواه بهذه الزيادة بن وهب والقعنبي وعبد الله بن يوسف وسليمان بن برد وليست هذه الزيادة في هذا الحديث لغيرهم عن مالك والله أعلم وإنما هذا اللفظ في حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما يأتي بعد من هذا الباب إن شاء الله عز وجل ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم لا يبع بعضكم على بيع بعض بمعنى قوله عليه السلام لا يبع أحدكم على بيع أخيه ولا يسم على سومه رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ومن حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ومن حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة كلهم قال فيه لا يسم على سوم أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه وقد فسر مالك في الموطأ قوله لا يبع بعضكم على بيع بعض قال مالك وتفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله أعلم لا يبع بعضكم

على بيع بعض أنه إنما نهى أن يسوم الرجل على سوم أخيه إذا ركن البائع إلى السائم وجعل يشترط وزن الذهب ويتبرأ من العيوب وما أشبه هذا مما يعرف به أن البائع قد أراد مبايعة السائم فهذا الذي نهى عنه والله أعلم قال مالك ولا بأس بالسوم بالسلعة توقف للبيع فيسوم بها غير واحد قال ولو ترك الناس السوم عند أول من يسوم بها أخذت بشبه الباطل من الثمن ودخل على الباعة في سلعهم المكروه ولم يزل الأمر عندنا على هذا وقال سفيان الثوري معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا يبع بعضكم على بيع بعض أن يقول عندي خير منه وقول أبي حنيفة وأصحابه في ذلك نحو قول مالك قالوا لا ينبغي أن يسوم الرجل على سوم أخيه إذا جنح البائع إلى بيعه وقال الشافعي معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا يبع بعضكم على بيع بعض أن يبتاع الرجل سلعة فيقبضها ولم يفترقا وهو مغتبط بها غير نادم عليها فيأتيه قبل الافتراق من يعرض عليه مثل سلعته أو خيرا منها بأقل من ذلك من الثمن فيفسخ بيع صاحبه لأن الخيار قبل التفرق فيكون هذا فسادا ومذهب الشافعي في قوله صلى الله عليه وسلم لا يسوم الرجل على سوم أخيه نحو مذهب مالك ومذاهب الفقهاء في ذلك متقاربة متداخلة وكلهم يكرهون أن يسوم الرجل على سوم أخيه أو يبيع على بيعه بعد الركون والرضا على نحو ما وصفنا من أقوالهم في ذلك والبيع عندهم مع ذلك صحيح لأن سوم المساوم لم يتم به عقد بيع وقد كان لكل واحد منهما ألا يتمه إن شاء وأهل الظاهر يفسخونه وقد روي عن مالك وبعض أصحابه فسخه أيضا ما لم يفت وفسخ النكاح ما لم يفت بالدخول وقد أنكر بن الماجشون ذلك أن يكون قاله مالك في البيع قال وإنما قال ذلك في نكاح الذي يخطب على خطبة أخيه وقد تقدم قول مالك وغيره فيمن خطب على خطبة أخيه بعد الركون إليه ونكح على ذلك في صدر كتاب النكاح والحمد لله كثيرا

وأما دخول الذمي في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يسم أحدكم على سوم أخيه فقد اختلف فيه فكان الأوزاعي يقول لا بأس بدخول المسلم على الذمي في سومه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خاطب المسلمين في أن لا يبع بعضهم على بيع بعض فقال لا يبع أحد على بيع أخيه يعني المسلم وقال الثوري ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم لا يجوز أن يبيع المسلم على بيع الذمي والحجة لهم أنه كما دخل الذمي في النهي عن النجش وعن ربح ما لم يضمن وغير ذلك مما الذمي فيه تبع المسلم فكذلك يدخل في هذا وقد يقال هذا طريق المسلمين ولا يمنع ذلك من سلوك أهل الذمة إياه وقد أجمع العلماء على كراهة سوم الذمي على سوم المسلم وعلى سوم الذمي إذا تحاكموا الينا فدل أنهم داخلون في ذلك والله أعلم مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تلقوا الركبان للبيع ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لباد ولا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد

ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر قال أبو عمر أما قوله لا تلقوا الركبان للبيع فقد روي هذا المعنى بألفاظ مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وغيره فروى الأعرج عن أبي هريرة كما ترى لا تلقوا الركبان للبيع وروى بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تلقوا الجلب وروى أبو صالح وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تتلقى السلع حتى تدخل الأسواق وروى بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تستقبلوا السوق ولا يتلق بعضكم لبعض والمعنى في كل ذلك واحد وجملة قول مالك في ذلك أنه لا يجوز أن يشتري أحد من الجلب والسلع الهابطة إلى الأسواق شيئا حتى تصل السلعة إلى سوقها هذا إذا كان التلقي في أطراف المصر أو قريبا منه وقيل لمالك أرأيت إن كان ذلك على رأس ستة أميال فقال لا بأس بذلك قال والحيوان وغيره في ذلك سواء وروى بن وهب عن مالك أنه سئل عن الرجل يخرج في الأضحى إلى مثل الإصطبل وهو نحو من ميل يشتري ضحايا وهو موضع فيه الغنم والناس يخرجون إليهم يشترون منهم هناك فقال مالك لا يعجبني ذلك وقد نهي عن تلقي السلع فلا أرى أن يشترى شيء منها حتى يهبط بها إلى الأسواق

قال مالك والضحايا أفضل ما احتيط فيه لأنها نسك يتقرب به إلى الله عز وجل فلا أرى ذلك وسئل عن الذي يتلقى السلعة فيشتريها وتوجد معه أترى أن تؤخذ منه فتباع للناس فقال مالك أرى أن ينهى عن ذلك فإن نهي عن ذلك ثم وجد قد عاد نكل وقد روى بن وهب عن مالك أنه كره تلقي السلع في مسيرة اليوم واليومين وتحصيل مذهب مالك في ذلك أنه لا يجوز تلقي السلع والركبان ومن تلقاهم فاشترى منهم سلعة شركة فيها أهل سوقها إن شاؤوا وكان فيها واحدا منهم وسواء كانت السلعة طعاما أو بزا وروى عيسى وسحنون وأصبغ عن بن القاسم أن السلعة إذا تلقاها متلق واشتراها قبل أن يهبط بها إلى سوقها فإنها تعرض على الذين يتجرون في السوق بها فيشتركون فيها بذلك الثمن لا زيادة إن شاؤوا فإن لم يكن لتلك السلعة سوق عرضت على الناس في المصر فيشتركون فيها إن أحبوا فإن نقصت عن ذلك الثمن لزمت المشتري المتلقي لها قال سحنون وقال لي غير بن القاسم يفسخ البيع وقال عيسى عن بن القاسم يؤدب متلقي السلع إذا كان معتادا لذ لك وروى سحنون عنه أيضا أنه يؤدب إلا أن يعذر بالجهالة وقال عيسى عن بن القاسم إن فاتت السلعة فلا شيء عليه وقد ذكرنا في التمهيد وفي كتاب اختلاف أقوال مالك وأصحابه ما اختلفوا فيه من هذا الباب وهذا المعنى وقال الليث بن سعد أكره تلقي السلع وشراءها في الطريق ولو على بابك حتى تقف السلعة في سوقها التي تباع فيها فإن تلقى أحد سلعة فاشتراها ثم علم به فإن كان بائعها لم يذهب ردت إليه حتى تباع في السوق وإن كان قد ذهب أخذت من مشتريها وبيعت في السوق ودفع إليه ثمنها قال فإن كان على بابه أو في طريقه فمرت به سلعة يريد صاحبها سوق تلك السلعة فلا بأس أن يشتريها إذا لم يقصد التلقي لأنه ليس بمتلق وإنما التلقي أن يعمد إلى ذلك

قال أبو عمر يتفق معنى قول مالك والليث في أن النهي أريد به نفع أهل الأسواق لا رب السلع وقال الشافعي يكره تلقي السلعة من أهل البادية فمن تلقاها فقد أساء وصاحب السلعة بالخيار إذا قدم إلى السوق في إنفاد البيع أو رده وذلك أنهم يتلقونهم فيخبرونهم بانكسار سلعهم وكساد سوقهم وهم أهل غرة فيبيعونهم على ذلك وهذا ضرب من الخديعة حكى ذلك عن الشافعي الزعفراني والربيع والمزني وتفسير قول الشافعي عند أصحابه أن يخرج أهل السوق فيخدعون أهل القافلة ويشترون منهم شراء رخيصا فلهم الخيار لأنهم غروهم قال أبو عمر فمذهب الشافعي في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي السلع إنما أريد به نفع رب السلعة لا نفع أهل سوقها في الحاضرة وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان التلقي في أرض لا يضر بأهلها فلا بأس به وإن كان يضر بأهلها فهو مكروه وقال الأوزاعي إذا كان الناس من ذلك شباعا فلا بأس به وإن كانوا محتاجين فلا يقربوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق ولم يجعل الأوزاعي القاعد على بابه تمر به السلع لم يقصد إليها فيشتريها متلقيا والمتلقي عنده التاجر القاصد إلى ذلك الخارج إليه وقال الحسن بن حي لا يجوز تلقي السلع ولا شراؤها في الطريق حتى يهبط بها إلى الأسواق وقالت طائفة من المتأخرين من أهل الفقه والحديث لا بأس بتلقي السلع في أول السوق ولا يجوز ذلك خارج السوق على ظاهر الحديث وقال بن خواز بنداد البيع في تلقي السلع صحيح عند الجميع وإنما الخلاف في أن المشتري لا يفوز بالسلعة ويشركه فيها أهل السوق ولا خيار للبائع أو أن البائع بالخيار إذا هبط بها إلى السوق قال أبو عمر قد ذكرنا عن بعض أصحاب مالك أن البيع فاسد يفسخ وما أظن أن بن خواز بنداد وافق على ذلك من قوله ولم يره خلافا لمخالفة الجمهور وفي هذا الباب حديث مسند صحيح حجة لمن ذهب إليه وبالله التوفيق وحدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن

أصبغ قال حدثني عبد الله بن روح قال حدثني يزيد بن هارون قال حدثني هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تلقوا الجلب فمن تلقى منه شيئا فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو أسامة عن هشام بن حسان عن بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أبو توبة الربيع بن نافع قال حدثني عبيد الله بن عمرو الرقي عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تلقي الجلب فإن تلقاه متلق فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا وردت السوق وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا يبع أحدكم على بيع بعض فقد مضى القول فيه في أول هذا الباب في حديث بن عمر وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولا تناجشوا في حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة على ما ذكرنا في هذا الباب ف قال مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش قال مالك والنجش أن تعطيه بسلعته أكثر من ثمنها وليس في نفسك اشتراؤها فيقتدي بك غيرك قال أبو عمر تفسير العلماء لمعنى النجش المنهي عنه متقارب المعنى وإن اختلفت ألفاظهم فيه بل المعنى فيه سواء عندهم قال الشافعي بعد أن ذكر الحديث في النهي عن النجش قال والنجش خديعة وليس من أخلاق أهل الدين وهو أن يحضر السلعة تباع فيعطي بها الشيء وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السوام فيعطوا بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يعلموا سومه وهو عاص لله عز وجل بارتكابه ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وعقد الشراء نافذ لأنه غير النجش

وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يحل النجش وفسروه بنحو ما فسره مالك والشافعي وتفسير النجش عنهم في تحصيل مذاهبهم أن يدس الرجل إلى الرجل ليعطي في سلعته التي عرضها للبيع عطاء هو أكثر من ثمنها وهو لا حاجة به إلى شرائها ولكن ليغتر به من أراد شراءها فيرغب فيها ويغتر بعطائه فيزيد في ثمنها لذلك أو يفعل ذلك البائع نفسه ليغر الناس بذلك وهم لا يعرفون أنه ربها وأجمعوا أن فاعل ذلك عاص بفعله واختلفوا في البيع على هذا إذا صح فقال مالك لا يجوز النجش في البيع فمن اشترى سلعة بنجوشه فهو بالخيار إذا علم وهو عيب من العيوب قال أبو عمر الحجة في هذا لمالك ومن تابعه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التصرية والتحصيل في الشاة والبقرة والناقة ثم جعل المشتري بالخيار إذا علم بأنها كانت محفلة ولم يقض بفساد البيع ومعلوم أن التصرية غش وخديعة فكذلك النجش يصح فيه البيع ويكون المبتاع بالخيار من أجل ذلك قياسا ونظرا والله أعلم وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما بيع النجش مكروه والبيع لازم ولا خيار للمبتاع في ذلك لأنه ليس بعيب في نفس المبيع وإنما هي خديعة في الثمن وقد كان على المشتري أن يتحفظ ويحضر من يميز إن لم يكن يميز وقالت طائفة من أهل الحديث وأهل الظاهر البيع في النجش مفسوخ مردود على بائعه لأنه طابق النهي ففسد وقال بن حبيب من فعل ذلك جاهلا أو مختارا فسد البيع إن أدرك قبل أن يفوت إلا أن يحب المشتري التمسك بالسلعة بذلك الثمن فإن فاتت في يده كانت عليه بالقيمة هذا إذا كان البائع هو الناجش ولو كان بأمره وإذنه أو بسببه وإن لم يكن شيء من ذلك وكان أجنبيا لا يعرف فلا شيء على البائع وأما البيع فهو صحيح

وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي الزناد في هذا الباب عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يبع حاضر لباد فإن العلماء اختلفوا في ذلك فكان مالك يقول تفسير ذلك أهل البادية وأهل القرى وأما أهل المدائن من أهل الريف فإنه ليس بالبيع لهم بأس ممن يرى أنه يعرف السوم إلا أن من كان منهم يشبه أهل البادية فإني لا أحب أن يبيع لهم حاضر وقال في البدوي يقدم المدينة فيسأل الحاضر عن السعر أكره أن يخبره قال ولا بأس أن يشتري له إنما يكره أن يبيع له وأما ما أن يشترط له فلا بأس هذه رواية بن القاسم عنه قال بن القاسم ثم قال بعد ذلك ولا يبع مصري لمدني ولا مدني لمصري ولكن يشير عليه وقال بن وهب عن مالك لا أرى أن يبيع الحاضر للبادي ولا لأهل القرى وحدثني خلف بن القاسم قال حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني المفضل بن محمد الجندي قال حدثني علي بن زياد قال حدثني أبو قرة موسى بن طارق قال قلت لمالك قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يبع حاضر لباد ما تفسيره قال لا يبع أهل القرى لأهل البادية سلعهم قلت فإن بعت بالسلعة إلى أخ له من أهل القرى ولم يقدم مع سلعته قال لا ينبغي له قلت ومن أهل البادية قال أهل العمود قلت له القرى المسكونة التي لا يفارقها أهلها يقيمون فيها تكون قرى صغارا في نواحي المدينة العظيمة فيقدم بعض أهل تلك القرى الصغار إلى أهل المدينة بالسلعة فيبيعها لهم أهل المدينة قال نعم إنما معنى الحديث أهل العمود وروى أصبغ عن بن القاسم في بيع الحاضر للبادي أنه يفسخ وروى عيسى عن بن القاسم مثله قال وإن فات فلا شيء عليه وروى سحنون عن بن القاسم أنه يمضي البيع قال سحنون وقال لي غير بن القاسم أنه يرد البيع وروى زونان عن بن وهب أنه يرد عالما كان بالنهي عن ذلك أو جاهلا وروى عيسى وسحنون عن بن القاسم أنه يؤدب الحاضر إذا باع للبادي

زاد عيسى في روايته إن كان معتادا لذلك قال أبو عمر لم يختلف قول مالك في كراهية بيع الحاضر للبادي واختلف قوله في شرائه له فمرة قال لا يشتري له ولا يشير عليه ولا يبيعه وبه قال بن حبيب قال الشراء للبادي مثل البيع قال وكذلك قوله لا يبع بعضكم على بيع بعض أي لا يشتري على شراء أخيه ولا يبع على بيع أخيه قال ولا يجوز للحاضر أن يشتري للبدوي ولا يبيع له ولا أن يبعث الحضري للبدوي متاعا فيبيعه له ولا يشيره في البيع إن قدم عليه وقال الأوزاعي لا يبع حاضر لباد ولكن لا بأس أن يخبره بالسعر وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس أن يبيع الحاضر للبادي ومن حجتهم أن الحديث في النهي عن ذلك قد عارضه قوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة لكل مسلم وحديث البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسلم على المسلمة سبع فذكر منها أن ينصح له وقال الشافعي لا يبع حاضر لباد فإن باع حاضر لباد فهو عاص إذا كان عالما بالنهي ويجوز البيع لقوله صلى الله عليه وسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض قال أبو عمر الدين النصيحة عام ولا يبع حاضر لباد خاص والخاص يقضي على العام لأن الخصوص استثناء كما قال الدين النصيحة حق على

المسلم أن ينصح اخاه إلا أنه لا يبع حاضر لباد لم يختلفوا أنه يستعمل على هذا الحديثان يستعمل العام منهما في ما عدا المخصوص ومعنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد لم يختلفوا أنه أريد به نفع أهل السوق ونحوها من الحاضرة وعلى هذا المعنى عند مالك وأصحابه نهيه صلى الله عليه وسلم عن تلقي السلع وأما الشافعي فجعل لكل واحد منهما معنى على ما قدمنا من قوله في معنى النهي عن تلقي الجلب أنه في صاحب السلعة الجالب لها إلى المصر إلا يخدع قبل أن يصل إلى السوق أخبرنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني النفيلي قال حدثني زهير قال حدثني أبو الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبع حاضر لباد ذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وقد أوضحنا هذا المعنى بالآثار المرفوعة وعن الصحابة والتابعين في التمهيد وقد روي عن مجاهد في ذلك ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن عمر قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يبيع حاضر لباد في زمانه أراد أن يصيب الناس بعضهم من بعض فأما اليوم فليس به بأس قال بن أبي نجيح وقال عطاء لا يصلح ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وأخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان بن عيينة عن مسلم الخياط سمع بن عمر ينهي أن يبيع حاضر لباد قال مسلم وقال أبو هريرة لا يبيعن حاضر لباد وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في هذا الباب لا تصروا الإبل والغنم فهو من صريت اللبن في الضرع والماء في الحوض فالشاة مصراة وكذلك الناقة وهي المحفلة سميت مصراة لأن اللبن صري في ضرعها أياما حتى اجتمع وكثر ومعنى صرى حبس وجمع ولم يحلب حتى عظم ضرعها ليظن المشتري إن ذلك لبن ليلة ونحوها فيغتر بما يرى من عظم ضرعها

وقيل للمصراة محفلة لأن اللبن اجتمع في ضرعها فصارت حافلة والحافل الكثيرة اللبن العظيمة الضرع ومنه قيل مجلس حافل إذا كثر فيه القوم أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أبو يحيى بن أبي مسرة قال حدثني المقرئ قال حدثني المسعودي عن جابر عن أبي الضحى عن مسروق قال قال عبد الله بن مسعود واشهد على الصادق المصدوق أبي القاسم صلى الله عليه وسلم أنه قال بيع المحفلات خلابة ولا تحل خلابة المسلم قال أبو عمر من روى لا تصروا الإبل ولا الغنم فقد اخطأ ولو كانت تصروا لكانت مصرورة وهذا لا يجوز عنده وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر فقد اختلف الفقهاء في القول بهذا الحديث فمنهم من قال به واستعمله ومنهم من رده ولم يستعمله وممن قال به مالك بن أنس وهو المشهور عنه وهو تحصيل مذهبه وبه قال الشافعي وأصحابه والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجمهور أهل الحديث ذكر أسد وسحنون عن بن القاسم أنهما قالا له أيأخذ مالك بهذا الحديث فقال قلت لمالك أتأخذ بهذا الحديث قال نعم قال مالك أو في الأخذ بهذا الحديث رأي وقال بن القاسم وأنا آخذ به لأن مالكا قال لي أرى لأهل البلدان إذا نزل بهم هذا أن يعطوا الصاع من عيشهم قال وأهل مصر عيشهم الحنطة قال أبو عمر رد أبو حنيفة وأصحابه هذا الحديث وادعوا أنه منسوخ وأنه كان قبل تحريم الربا وأتوا بأشياء لا يصح لها معنى غير مجرد الدعوى وقد روى أشهب عن مالك نحو ذلك

ذكر القعنبي من سماع أشهب عن مالك أنه سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابتاع مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر وقال سمعت ذلك وليس بالثابت ولا الموطإ عليه وإن لم يكن ذلك أنه له اللبن بما أعلف وضمن قيل له نراك تضعف الحديث قال كل شيء يوضع موضعه وليس بالموطأ ولا الثابت وقد سمعته قال أبو عمر هذه رواية الله أعلم بصحتها عن مالك وما رواها عنه إلا ثقة ولكنه عند اختلاف من رواية الحديث عند أهل العلم بالحديث صحيح ثابت وهو أصل في النهي عن الغش والدلسة بالعيوب وأصل أيضا في الرد بالعيب لمن وجد فيما يشتريه من السلع وفيه دليل على أن بيع المعيب بيع يقع صحيحا بدليل التخيير فيه لأنه إن رضي المبتاع بالعيب جاز ذلك ولو كان بيع المعيب فاسدا أو حراما لم يصح الرضا به وهذا أصل مجتمع عليه وأما سائر ما في حديث المصراة فمختلف فيه أما أهل الحجاز منهم مالك في المشهور من مذهبه والشافعي وأصحابهما والليث وبن أبي ليلى وأكثر أهل الحديث وأحمد وإسحاق وأبو ثور وغيرهم فقد استعملوه على وجهه وعمومه وظاهره وقالوا إذا بان له أي مشتري المصراة إذا بان أنها مصراة محفلة ردها في الثلاث أو عند انقضائها ورد معها صاعا من تمر اتباعا للحديث حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني إبراهيم بن حمزة قال حدثني عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إيما رجل اشترى محفلة فله أن يمسكها ثلاثا فإن أحبها أمسكها وإن أسخطها ردها وصاعا من تمر هكذا رواه محمد بن سيرين ومحمد بن زياد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل بيع المصراة بالخيار ثلاثة أيام وقد قدمنا في باب الخيار قول من جعل الخيار ثلاثة أيام في كل شيء ولم يره أكثر من ثلاثة لهذا الخبر قال مالك من اشترى مصراة فاحتلبها ثلاثا فإن رضيها أمسكها وإن

سخطها لاختلاف لبنها ردها ورد معها صاعا من قوت ذلك البلد تمرا كان أو برا أو غير ذلك وبه قال الطبري وقال عيسى بن دينار إن علم مشتري المصراة أنها مصراة بإقرار البائع فردها قبل أن يحلبها لم يكن عليه غرم لأنه لم يحلب اللبن الذي من أجله يلزم غرم الصاع قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه فقف عليه قال عيسى ولو حلبها مرة ثم حلبها ثانية فنقص لبنها ردها ورد معها صاعا من تمر لحلبته الأولى ولو جاء باللبن بعينه كما حلبه لم يقبل منه ولزمه غرم الصاع لأن الصاع قد وجب عليه فليس له أن يعطيه فيه لبنا لأنه يدخله بيع الطعام قبل أن يستوفى وقال الشافعي في المصراة يردها ويرد معها صاعا من تمر لا يرد غير التمر إن كان موجودا وهو قول بن أبي ليلى والليث بن سعد وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود ويحيى على أصولهم أن التمر إذا عدم وجب رد قيمته لا قيمة اللبن وقد روي عن بن أبي ليلى وأبي يوسف أنهما قالا لا يعطي مع الشاة المصراة إذا ردها قيمة اللبن ومن حجة من قال إنه لا يرد إلا التمر ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثني بن حمدان قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني يزيد قال حدثني هشام عن محمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها صاعا من تمر لا سمراء وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثني حماد عن أيوب وهشام وحبيب عن محمد عن بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من

اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء ردها وصاعا من طعام لا سمراء وقال بعضهم وصاعا من تمر لا سمراء والسمراء عندهم البر يقول تمر لا بر قال أبو عمر قوله في هذا الحديث فهو بالخيار ثلاثة أيام دليل على أن مبتاع المصراة إذا حلبها مرة وثانية بعد لبن التصرية ليتبين أنها كانت مصراة لم يكن في حلبته الثالثة دليل على رضاه به إذا قام طالبا لردها بما قام له من تصريتها فلو حلبها بعد الثالثة كان منه رضى بها ولم يكن له ردها وقد قيل إن الحلبة الثالثة رضا منه بها وكل ذلك لأصحاب مالك والاصح الأول قال أبو عمر المعنى والله أعلم في هذا الحديث أن المصراة لما كان لبنها مغيبا لا يوقف على مبلغه لاختلاط لبن التصرية بغيره مما يحدث في ملك المشتري من يومه وجهل مقداره وأمكن التداعي في قيمة قطع النبي صلى الله عليه وسلم الخصومة في ذلك بما حده فيه من الصاع المذكور كما فعل صلى الله عليه وسلم في دية الجنين قطع فيه بالغرة حسما لتداعي الموت فيه والحياة لأن الجنين لما أمكن أن يكون حيا في حين ضرب بطن أمه فتكون فيه الدية كاملة وأمكن أن يكون ميتا فلا يكون فيه شيء قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم التنازع فيه والخصام بأن جعل فيه غرة عبد أو أمة لأنه لا يوقف على صحته في بطن أمه إذا رمته ميتا وفي اتفاق العلماء على القول بحديث الجنين في دية الجنين دليل على لزوم القول بحديث المصراة اتباعا للسنة وتسليما لها وبالله التوفيق وقالت طائفة منهم أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز القول بحديث المصراة وادعوا أنه منسوخ بالحديث الوارد في أن الخراج بالضمان والغلة بالضمان قالوا ومعلوم أن اللبن المحلوب في المرة الأولى وهو لبن التصرية وقد خالطه جزء من اللبن الحادث في ملك المبتاع وكذلك المرة الثانية وكذلك لو حلبها ثالثة مثل ذلك غلة طارئة في ملك المشتري فكيف يرد له شيئا قالوا والأصول المجتمع عليها في المستهلكات أنها لا تضمن إلا بالمثل أو بالقيمة من الذهب والورق فكيف يجوز القول في ضمان لبن التصرية الذي حلبه المشتري في أول حلبة وهو ملك البائع في حين البيع لم يضمن بصاع من تمر

فات عند المشتري أو لم يفت وهو مما قد وقعت عليه الصفقة كما وقعت على المصراة نفسها وقالوا وهذا كله يبين أن الحديث في المصراة منسوخ كما نسخت العقوبات في غرامة مثلي الشيء وذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حريسة الجبل التي لا قطع فيها غرامة مثليها وجلدات نكال نسخة قول الله عز وجل فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم البقرة وكذلك قوله وصاعا من تمر منسوخ أيضا بتحريم الربا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الطعام بالطعام ربا إلا هاء وهاء وجعل فيمن استهلك طعاما طعاما مثله قال فإن فات فقيمته ذهبا أو ورقا قالوا وهذا كله يدل على أن حديث المصراة منسوخ قال أبو عمر حديث المصراة حديث صحيح لا يدفعه أحد من أهل العلم بالحديث ومعناه صحيح في أصول السنة وذلك أن لبن التصرية لما اختلط باللبن الطارئ في ملك المشتري لم يتهيأ تقدير ما للبائع من ذلك فيكون على المشتري قيمته لأن تقويم ما لا يعرف غير ممكن ولما كان لكل واحد منهما شيء من اللبن وكانا جميعا عاجزين عن تحديده حكم النبي صلى الله عليه وسلم للبائع بصاع من تمر لأن ذلك كان الغالب في قوتهم يومئذ وفي الأصول ما يشهد لذلك مثل حكمه في الجنين وفي الأصابع والأسنان جعل الصغير منها كالكبير وكذلك الموضحة حكم في صغيرها وكبيرها بحكم واحد لأنه لا يوقف على صحة تفضيل بعضها على بعض في الجمال والمنفعة وروى الشافعي ومطرف بن عبد الله المزني وعبد الأعلى بن حماد المزني وغيرهم قالوا حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رجلا اشترى عبدا فاستغله ثم ظهر منه على عيب فخاصم فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى له برده فقال البائع يا رسول الله إنه قد أخذ خراجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان

هذا لفظ الشافعي وقال المزني فقال الرجل إنه قد استغله يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلة بالضمان وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن بن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف بن إيماء عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخراج بالضمان قال أبو عمر لم يختلف العلماء أن المصراة إذا ردها مشتريها بعيب التصرية أو بعيب غير التصرية لم يرد اللبن الحادث في ملكه لانه غلة طرأت في ملكه وكان ضامنا لأصلها ولما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في لبن التصرية التي وقعت عليه الصفقة مع الشاة أو الناقة صاعا من تمر علم أن ذلك عبادة ليس بقيمة ولما كان لبن الشاة يختلف وكذلك لبن البقرة والنافة ولم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في لبن المصراة كيف كانت إلا الصاع المذكور علم أن ذلك عبادة لما وصفنا من قطع شعب الخصومة أو كما شاء الله وإذا كان ذلك كذلك فينبغي ألا يجب في لبن شاة غرة أو بقرات غرة أو نوق غرة إلا الصاع عبادة وتسليما فيكون ذلك خارجا عن سائر البيوع والله أعلم ويشهد لما وصفنا قوله صلى الله عليه وسلم لا تصروا الإبل ولا الغنم فمن اشترى مصراة يعني من الإبل والغنم ورواية من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة من اشترى غنما مصراة ورواية من روى شاة مصراة ذكره البخاري وأبو داود فهو بالخيار ثلاثا فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر فلم يجعل في الغنم المصراة إلا ما جعل في الشاة المصراة ولم يخص المصراة من الغنم ولا البقر ولا الإبل مع علمه بأن ذلك يختلف ويتباين وبالله التوفيق باب جامع البيوع مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلا ذكر

لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بايعت فقل لا خلابة قال فكان الرجل إذا بايع يقول لا خلابة قال أبو عمر يقال إن الرجل المذكور في هذا الحديث هو منقذ بن عمرو الأنصاري المازني جد واسع بن حبان وذلك محفوظ في حديث بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن نافع عن بن عمر أن منقذا سفع في رأسه مأمومة في الجاهلية فخبلت لسانة فكان يخدع في البيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بع وقل لا خلابة وأنت بالخيار ثلاثا من بيعك قال أبو عمر فسمعته يقول إذا بايع لا خلابة لا خلابة وعن بن إسحاق في حديث منقذ هذا إسناد آخر رواه عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان أن جده منقذا كان قد أتى عليه مائة وثلاثون سنة فكان إذا باع غبن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا بعت فقل لا خلابة فأنت بالخيار وقد ذكرنا في التمهيد الإسنادين عن بن إسحاق في هذا الحديث وقد قيل إن حبان بن منقذ هو الذي كان يخدع في البيوع وفيه جاء الحديث والأول أصح وأثبت فيه أنه منقذ أبوه إن شاء الله تعالى واختلف العلماء في معنى هذا الحديث فقال منهم قائلون هو خصوص في ذلك الرجل وحده وجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار في البيوع ثلاثة أيام في كل سلعة اشتراها شرط الخيار أو لم يشترطه لما كان فيه من الحرص على الشراء والبيع مع ضعف كان فيه يقولون في عقله ولسانه وكان يخدع كثيرا فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار ثلاثا فيما باع أو ابتاع فإن رأى أنه خدع كان له الرد وإن لم يجد عيبا إلا الغبن وحده خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقيل إنما جعل له أن يشترط لنفسه الخيار ثلاثا مع قوله لا خلابة لا خلابة كأنه يقول لمن بايعه إذا بان لي في الثلاثة الأيام أني خدعت فلي الرد إن شئت أو الإمساك وإن لم أجد عيبا كسائر مشترطي الخيار

وعلى هذا القول يكون هذا الحديث مستعملا معناه في كل من اشترى وباع إذا اشترط الخيار ثلاثا وظهر إليه فيها أنه غبن وخدع وقد مضى ما للعلماء في اشتراط الخيار ومدته فيما مضى من كتابنا فلا وجه لإعادته واتفق أهل العلم فيما علمت أن الوكيل والمأمون ببيع شيء أو شرائه إذا باع أو اشترى بما لا يتغابن الناس في مثله أن فعله ذلك باطل مردود وكذلك فعل الوصي في مال يتيمه إذا فعل في البيع له أو الشراء ما لا يتغابن الناس بمثله لأن ذلك إفساد لمال غيره واستهلاك كما لو وهب مال غيره أو تصدق به بغير إذنه وكان أبو بكر الأبهري وأصحابه يذهبون إلى أن ما لا يتغابن الناس بمثله هو الثلث فما فوقه من ثمن السلعة أو قيمتها وما كان دون ذلك لم يرد فيه البيع إذا لم يقصد إليه ويمضى فيه اجتهاد الوصي والوكيل ومن جرى مجراهما وأما من لم يشترط في بيعه وشرائه أنه إن غبن غبنا بينا فيما باع أو ابتاع فهو بالخيار ثلاثا وهو مالك لنفسه جائز الأمر في ماله فقال بن القاسم في سماع عيسى منه في كتاب الرهون من المستخرجة باب سماع بن القاسم عن مالك قال مالك ولو باع رجل من غير أهل السفه جارية بخمسين دينارا قيمتها ألف دينار أو باعها بألف دينار وقيمتها خمسون دينارا جاز ذلك له قال أبو عمر لا أعلم خلافا في بيع المالك لنفسه الجائز الأمر في ماله ما لم يكن مستسئلا مستنصحا للذي عامله أنه حلال له أن يبيع بيعا بأكثر ما يساوي أضعافا إذا لم يدلس له بعيب إلا أن يبيع منه أو يشتري عينا من السلع قد جهلها مبتاعها أو باعها منه على أنها غير تلك العين كرجل باع قصديرا أو اشتراه على أنه فضة أو رخاما أو نحوه على أنه ياقوت أو ما أشبهة من نحو ذلك فإن هذا لا يحل ولا يجوز عند أهل العلم وللمشتري ذلك رده ولبائعه الرجوع فيه إذا باع لؤلؤا على أنه عظم أو فضة على أنه قصدير أو نحو ذلك وأما أثمان السلع في الرخص والغلاء وارتفاع الأسعار وانخفاضها فجائز التغابن في ذلك كله إذا كان كل واحد من المتبايعين مالكا لأمره وكان ذلك عن تراض منهما

قال الله تعالى لا تأكلوا أمولكم بينكم بالبطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم النساء وكل بيع كان عن تراض من المتبايعين لم ينه الله عز وجل عنه ولا رسوله ولا اتفق العلماء عليه فجائز وظاهر هذه الآية وظاهر قوله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربو البقرة ودليل ذلك من السنة نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يبيع حاضر لباد وقوله دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الفرس الذي جعله في سبيل الله ثم وجده يباع في السوق لا يشتره وإن أعطاكه بدرهم وقال في الأمة إذا زنت في الثالثة أو في الرابعة بيعوها ولو بضفير يعني حبل الشعر ولا خلاف عن مالك وأصحابه أن المقاسمة إذا وقعت على المرضاة بغير تقويم فلا خيار في الغبن لها كثر أو قل وكذلك المعاوضة والبيع وأما الغبن والخلابة فحرام وكذلك خديعة المستسئل المستنصح حرام وهو في معنى حديث بن عمر في قصة منقذ وقوله لا خلابة كأن يقول انصح لي ولا تخدعني فإن فعلت فأنا بالخيار إذا بان ذلك لي وقد احتج بحديث بن عمر هذا من لم ير الحجر على السفيه المتلف لماله وسيأتي القول في ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وروى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن رجلا كان في عقدته ضعف وكان يبايع وأن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله احجر عليه فدعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم فنهاه فقال يا رسول الله إني لا أصبر على البيع فقال إذا بايعت فقل لا خلابة مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول إذا جئت أرضا يوفون المكيال والميزان فأطل المقام بها وإذا جئت أرضا ينقصون المكيال والميزان فأقلل المقام بها

قال أبو عمر هذا يدل على أنه لا ينبغي المقام بأرض يظهر منها المنكر ظهورا لا يطاق تغييره وأن المقام بالموضع الذي يظهر فيه الحق والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأغلب محمود مرغوب فيه إذا وجد وأما بخس المكيال والميزان فمن الحرام البين والمنكر قال الله عز وجل ولا تبخسوا الناس أشياءهم الأعراف وقال ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون المطففين قال قتادة في تأويل هذه الآية بن آدم آوف كما تحب أن يوفى لك واعدل كما تحب أن يعدل عليك وقال بن عباس يا معشر الموالى إنكم قد وليتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم هذا المكيال وهذا الميزان ومر بن عمر برجل يكيل كيلا يعتدي فيه فقال له ويلك ما هذا فقال أمر الله تعالى بالوفاء فقال بن عمر ونهى عن العدوان وقال الفضيل بن عياض بخس المكيال والميزان سواد الوجه غدا في القيامة حدثني عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني أبو نعيم قال حدثني سفيان عن عبد الله بن حبان بن خثعم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع فقال يا معشر التجار إن التجار يحشرون يوم القيامة فجارا إلا من بر وصدق وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن الجهم السمري قال حدثني عبد الوهاب قال أخبرنا هشام الدستوائي عن أبي راشد أنه سمع عبد الرحمن بن سهل يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول التجار هم الفجار قالوا يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع وحرم الربا قال بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحزنون ويكذبون وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني مطلب بن شعيب قال

حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم اليمين الكاذبة ممحقة للبركة منفقة للسلعة رواه عن العلاء جماعة من أئمة أهل الحديث حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثني أبان بن يزيد قال حدثني عاصم عن أبي وائل عن قيس عن أبي غرزة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران بيعكم فشوبوه بالصدقة حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثني عبد الواحد بن زياد قال حدثني الأعمش عن شقيق عن قيس عن أبي غرزة قال خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر التجار إن البيع يحضره الحلف واللغو فشوبوه بالصدقة مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع محمد بن المنكدر يقول أحب الله عبدا سمحا إن باع سمحا إن ابتاع سمحا إن قضى سمحا إن اقتضى وهذا اللفظ قد روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طرق صالح قد ذكد ذكرناه في التمهيد وليس فيه ما يحتاج إلى تفسير وحديث حذيفة من هذا المعنى حديث حسن جدا صحيح ثابت روي من وجوه منها ما رواه منصور بن المعتمر عن ربيع بن خداش عن حذيفة عن

النبي صلى الله عليه وسلم قال وتلقت الملائكة لروح رجل ممن كان قبلكم فقالوا له هل عملت من الخير شيئا فقال ما أذكر أني عملت من الخير شيئا قط فقيل له اذكر فقال ما أذكر إلا أني كنت رجلا أداين الناس فكنت آمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن المعسر فقال الله عز وجل تجاوزوا عنه فإنه أحق بالتجاوز قال مالك في الرجل يشتري الإبل أو الغنم أو البر أو الرقيق أو شيئا من العروض جزافا إنه لا يكون الجزاف في شيء مما يعد عدا قال أبو عمر إنما كره الجزاف في المعدودات لانه عنده من الغرر المقصود إليه كالعبيد والدواب وسائر الحيوان وعلى هذا جمهور العلماء في العبيد والدواب والأنعام والثياب وما أشبه ذلك أنه لا يجوز في شيء منه الجزاف لأنه غرر بين إذا ترك عده وقد أمكن تأوله وتقليبه والنظر إليه فإن لم يكن ذلك فيه كان من الملامسة وكان أشد فسادا وقد قالت طائفة من أهل العلم ما لا يجوز فيه السلم لم يجز فيه الجزاف لأنه غرر بين وقد اتفق مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابهم على جواز السلم في الحيوان والبيض عدا وصغير ذلك وكبيره سواء وروى الحسن بن زياد عن زفر قال لا يجوز السلم في الجوز والبيض وقال الثوري الرمان والبيض لا يجوز السلم فيهما لأنه لا يضبط واحد منهما نصف فإن ضبط بكيل أو وزن جاز فيه السلم وقال الشافعي لا يجوز السلم في الجوز ولا في البيض ولا في الرمان الا أن يضبط بكيل أو وزن وقال مالك يجوز السلم في السمك الطري إذا سمى جنسا من الحيتان ويشترط الطول أو يكون وزنا وقال الشافعي يجوز السلم في السمك وزنا ويصف صغيرا أو كبيرا واختلف عن أبي حنيفة فالأشهر عنه أنه يجوز السلم في السمك الطري والمالح وزنا معلوما

وروى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه لا خير في السلم في السمك الطري ولا المالح وقال أبو يوسف يجوز في المالح والصغار التي تكال واختلف عن أصحاب مالك في بيع العدد والجزاف صفقة واحدة فروى أصبغ عن بن القاسم أنه لا يباع مع الجزاف شيء من الأشياء لا كيل ولا وزن ولا عرض ولا غيره وقال أصبغ وأجازه لنا أشهب وذكر بن حبيب أن بن القاسم كان يجيز ذلك قال بن حبيب لا يجوز أن يباع مع الجزاف عدد ولا غيره كما لا يجوز أن يباع مع الجزاف شيء من الكيل والوزن قال أبو عمر سائر العلماء يجيزون بيع كل ما ينظر إليه المتبايعان ويتفقون على مبلغه جزافا كان أو عددا ولا يضر الجزاف الجائز بيعه عندهم أن ينضاف إليه ما يجوز بيعه أيضا من غيره وبالله التوفيق قال مالك في الرجل يعطي الرجل السلعة يبيعها له وقد قومها صاحبها قيمة فقال إن بعتها بهذا الثمن الذي أمرتك به فلك دينار أو شيء يسميه له يتراضيان عليه وإن لم تبعها فليس لك شيء إنه لا بأس بذلك إذا سمى ثمنا يبيعها به وسمى أجرا معلوما إذا باع أخذه وإن لم يبع فلا شيء له قال مالك ومثل ذلك أن يقول الرجل للرجل إن قدرت على غلامي الآبق أو جئت بجملي الشارد فلك كذا فهذا من باب الجعل وليس من باب الإجارة ولو كان من باب الإجارة لم يصلح قال أبو عمر الأصل في جواز الجعل قول الله عز وجل ولمن جاء به حمل بعير يوسف وما أجمع عليه الجمهور من جواز الجعل في الإتيان بالآباق والضوال وكذلك إذا قال له إن بعت لي سلعتي هذه بكذا فلك كذا أو إلا فلا شيء لك لأن عمله ونصبه وتعبه في طلب ذلك الثمن في سلعة كنصبه في طلب

الآبق والضالة فإن وجده حصل على ما جعل له وإلا فلا قال مالك فأما الرجل يعطى السلعة فيقال له بعها ولك كذا وكذا في كل دينار لشيء يسميه فإن ذلك لا يصلح لانه كلما نقص دينار من ثمن السلعة نقص من حقه الذي سمى له فهذا غرر لا يدري كم جعل له قال أبو عمر هذا كما قال مالك عند جمهور العلماء لأنه إذا قال له لك من كل دينار درهم أو نحو هذا ولا يدري كم مبلغ الدنانير من ثمن تلك السلعة فتلك أجرة مجهولة وجعل مجهول ومن جعل الإجارة بيعا من البيوع واعتل بأنها بيع منافع لم يجز فيها البدل المجهول كما لا يجيزه الجميع في بيوع الأعيان وهذا هو قول جمهور الفقهاء منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وذهب أهل الظاهر وطائفة من السلف إلى جواز المجهولات في الإجارات من البدل فأجازوا أن يعطي الرجل حماره لمن يستقي عليه الماء وينتقل ويعمل بنصف ما يهيى ء الله له من الرزق وسعيه على ظهره وكذلك الحمام يعطيه لمن ينظر له فيه بجزء مما يحصل بيديه في كل يوم قياسا منه كل ذلك على القراض وكذلك الأرض يجيزون إجارتها ببعض ما يخرج منها وكذلك لفظ الزيتون بجزء مما يجمع منه في يومه وما أشبه هذا كله مما يطول ذكره واعتلوا بالقراض والمساقاة وبأن الله عز وجل أباح إجارة المرضع على علم بأن لبن الظئر وما يأخذ منه الصبي في اليوم والليلة مع اختلاف أحوال الصبيان في الرضاع واختلاف ألبان النساء كل ذلك اختلاف متباين وقد ورد القرآن بجواز ذلك والكلام في هذا الباب بين المختلفين يطول وفيما جئنا به منه كفاية إن شاء الله عز وجل مالك عن بن شهاب أنه سأله عن الرجل يتكارى الدابة ثم يكريها بأكثر مما تكاراها به فقال لا بأس بذلك

قال أبو عمر هذا موضع اختلف فيه الخلف والسلف فيمن أجاز ذلك فقال مالك قد ملك المكتري بالعقد منافع الأصل الذي اكترى فله التصرف فيه كيف شاء ويملك المكتري ثمن ما يقبض من ذلك ويتصرف فيه تصرف المالك بلا اختلاف في ذلك فكذلك المكتري والمستأجر لما يستأجره يتصرف فيه ويكريه بما شاء من زيادة أو نقصان قال الشافعي الإجارات صنف من البيوع يملك كل واحد منهما ما يجب له بالإجارة من غير منفعة في الدار والعبد والدابة إلى المدة التي اشترط ويكون أحق بها من ملك أصلها فهي كالعين المبيعة المقبوضة إذا قبض الأصل الذي تطرأ منه المنفعة ولو كان حكمها خالف العين كانت في حكم الدين فلم يجز أن يكترى بالدين لانه كان يكون حينئذ بدين وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدين بالدين قال أبو عمر وأما من كره أن يستأجر الرجل الدار أو الدابة ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به فإنه جعل ذلك من باب ربح ما لم يضمن لأن ضمان الأصل من المؤاجر صاحب الأصل لا من المستأجر قال أبو حنيفة وأصحابه من استأجر دارا أو دابة فليس له أن يؤاجرها حتى يقبضها وليس له بعد قبضه إياها أن يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به فإن فعل ذلك كانت الأجرة له وأمر أن يتصدق بفضلها عما استأجرها به وذكر عبد الرزاق قال سمعت الثوري يقول لمعمر ما كان بن سيرين يقول في رجل اكترى شيئا ثم ربح فيه فقال معمر أخبرني أيوب أنه سمع بن سيرين يسأل عن ذلك فقال كان إخواننا من الكوفيين يكرهونه قال وأخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسالم بن عبد الله وعروة بن الزبير قال كرهه منهم أثنان ورخص فيه اثنان قلت من قال لا أدري قال عبد الرزاق وسألت الثوري عنه فقال أخبرني عبيدة عن إبراهيم وحصين عن الشعبي ورجل عن مجاهد أنهم كانوا يكرهونه إلا أن يحدث فيه عملا قال أبو عمر مثل أن يبني في الدار أو الحانوت ما يزيده من أجرتها أو بحد القدوم أو بصقل السيف أو يصلح الإكاف أو نحو ذلك فيجوز له ما أراد به من الكراء فيه

وهو قول أبي جعفر محمد بن علي وغيره وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه أنه سئل عن الرجل يستأجر الشيء فيؤاجره بأكثر فقال لا بأس به قال وأخبرني بن التيمي عن أبيه عن الحسن قال لا بأس به وكرهه بن سيرين وإبراهيم وشريح وحماد قال أبو عمر القول عندنا قول من أجازه قال بن شهاب العلة التي وصفنا وبالله التوفيق تم كتاب البيوع بحمد الله وعونه

كتاب القراض باب ما جاء في القراض قال ابو عمر اما اهل الحجاز يسمونه القراض واهل العراق لا يقولون قراضا البتة وليس عندهم كتاب قراض وانما يقولون مضاربة وكتب مضاربة اخذوا ذلك من قوله تعالى واذا ضربتم في الارض النساء وقوله تعالى واخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله المزمل وفي قول الصحابة بالمدينة لعمر في قصته مع ابنتيه لو جعلته قراضا ولم يقولوا مضاربة دليل على انها لغتهم وان ذلك هو المعروف عندهم والقراض ماخوذ من الاجماع الذي لا خلاف فيه عند احد من اهل العلم وكان في الجاهلية فاقره الرسول صلى الله عليه وسلم في الاسلام مالك عن زيد بن اسلم عن ابيه انه قال خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على ابي موسى الاشعري وهو امير البصرة فرحب بهما وسهل ثم قال لو اقدر لكما على امر انفعكما به لفعلت ثم قال بلى ها هنا مال من مال الله اريد ان ابعث به إلى امير المؤمنين فاسلفكماه فتبتاعان به متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان راس المال إلى امير المؤمنين ويكون الربح لكما فقالا وددنا ذلك ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب ان ياخذ منهم المال فلما قدما باعا فاربحا فلما دفعا ذلك إلى عمر قال اكل الجيش اسلفه مثل ما اسلفكما قالا لا فقال عمر بن

الخطاب ابنا أمير المؤمنين فاسلفكما اديا المال وربحه فاما عبد الله فسكت واما عبيد الله فقال ما ينبغي لك يا امير المؤمنين هذا لو نقص هذا المال او هلك لضمناه فقال عمر ادياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا فقال عمر قد جعلته قراضا فاخذ عمر رأس المال ونصف ربحه واخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال قال ابو عمر هذا اجتهاد من عمر رضي الله عنه لانهما ابناه وحاباهما ابو موسى الاشعري بما اعطاهما فاجتهد للمسلمين في ذلك واحتاط عليهم كما فعل بعماله اذ شاطرهم اموالهم احتياطا لعامة المسلمين مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن ابيه عن جده ان عثمان بن عفان اعطاه مالا قراضا يعمل فيه على ان الربح بينهما قال ابو عمر اصل هذا الباب اجماع العلماء على ان المضاربة سنة معمول بها مسنونة قائمة وروي عن عمر بن الخطاب وعائشة وبن مسعود وبن عمر انهم كانوا يقولون اتجروا في اموال اليتامى لا تأكلها الزكاة وكانوا يضاربون باموال اليتامى وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ابتغوا في اموال اليتامى لا تاكلها الزكاة وقال لا تذهبها الزكاة وهو حديث مرسل وروى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ألا من ولي مال يتيم فليتجر له فيه ولا يتركه فتاكله الزكاة وهذه الاثار وما كان مثلها عما ذكرناه من الصحابة تدل على جواز القراض فيما ذكرنا من اجماع العلماء واتفاق الفقهاء ائمه الفتوى على جواز القراض حجة كافية شافية ان شاء الله وبالله التوفيق

باب ما يجوز في القراض قال مالك وجه القراض المعروف الجائز ان يأخذ الرجل المال من صاحبه على ان يعمل فيه ولا ضمان عليه ونفقة العامل في المال في سفره من طعامه وكسوته وما يصلحه بالمعروف بقدر المال اذا شخص في المال اذا كان المال يحمل ذلك فان كان مقيما في اهله فلا نفقة له من المال ولا كسوة قال ابو عمر اما قوله في وجه القراض الجائز المعروف ان يأخذ الرجل من الرجل المال على ان يعمل فيه ولا ضمان عليه ولا خلاف بين العلماء ان المقارض مؤتمن لا ضمان عليه فيما يتلفه من المال من غير جناية منه فيه ولا استهلاك له ولا تضييع هذه سبيل الامانة وسبيل الامناء وكذلك اجمعوا ان القراض لا يكون الا على جزء معلوم من الربح نصفا كان او اقل او اكثر ذكر عبد الرزاق عن قيس بن الربيع عن ابي حصين عن الشعبي عن علي رضي الله عنه قال في المضاربة الوضيعة على رب المال والربح على ما اصطلحوا عليه ورواه الثوري عن ابي حصين عن علي وروي ذلك عن قتادة وبن سيرين وابي قلابة وجابر بن زيد وجماعة ولا اعلم فيه خلافا الا ان يشترط رب المال على العامل الضمان فان اشترط ذلك عليه فقال مالك لا يجوز ذلك القراض ويرد إلى قراض مثله وقد روي عنه إلى اجرة مثله وهو قول الشافعي وقال ابو حنيفة واصحابه المقارضة جائزة والشرط باطل واما قوله ونفقة العامل من المال في سفره إلى اخر كلامه فان الفقهاء اختلفوا في ذلك

فقال مالك وابو حنيفة واصحابهما ينفق العامل من المال اذا سافر ولا يكون حاضرا الا ان مالكا قال اذا كان المال كثيرا فحمل ذلك ونحو ذلك وقال الثوري ينفق ذاهبا ولا ينفق راجعا وقال الليث بن سعد يتغدى في المصر ولا يتعشى وقال الشافعي لا ينفق في سفره ولا في حضره الا باذن رب المال وقال اصحابه في المسالة ثلاثة اقوال احدهما هذا والآخر مثل قول مالك والاخر ينفق في المصر بقدر ما بين نفقة السفر والحضر وله في قرض نفقته قولان احدهما انه يقرض له النفقة والثاني لا يقرض له وينفق هو والمشهور عن الشافعي انه لا ينفق في الحضر وهو قول مالك وابي حنيفة والثوري وقال بن القاسم اذا كان للعامل في القراض اهل في البلد الذي يسافر إليه فلا نفقة له في ذهابه ولا رجوعه وقال اشهب له النفقة في ذهابه ورجوعه ولا نفقة له في مقامه عند اهله ولم يختلف قولهما انه لا نفقة له اذا كان مقيما في اهله وهو قول مالك وقال بن المواز قال لي عبد الله بن عبد الحكم في الذي ياخذ المال ببلده وهو يريد الخروج إلى بلد اخر في حاج ويريد بذلك المال قال احب الينا ان لا تكون له نفقة كالذي يكون بغير بلده فيتجهز يريد الرجوع إلى بلده فأعطاه رجل مالا قراضا فانه لا نفقة له فيه وانما النفقة للذي يخرج من أجل القراض خاصة وكالذي يخرج إلى الحج انه لا نفقة له قال بن المواز وروى بن القاسم عن مالك في التاجر له المال وياخذ مالا قراضا ويخرج في السفر انه لزم القراض حصته من نفقة العامل وقال قتادة النفقة في الربح والربح على ما اصطلحوا عليه والوضيعة في المال

وقال بن سيرين ما انفق المضارب على نفسه فهو دين عليه وقال ابراهيم ياكل ويلبس بالمعروف وقال الحسن ياكل بالمعروف قال ابو عمر القياس عندي الا ياكل المقارض في سفر ولا حضر ولا على انه لا يجوز القراض على جزء مجهول من الربح وهو اذا اطلق له الانفاق لم تكن له حصته من الربح ولا حصة ربح المال معلومة وايضا فانه ربما اغترفت النفقة كثيرا من المال ولم يكن ربح ولما اجمع الجمهور انه لا ينفق في الحضر وهو يتعب في الشراء والبيع وينصب كان كذلك في السفر والله اعلم فقال مالك ولا باس بان يعين المتقارضان كل واحد منهما صاحبه على وجه المعروف اذا صح ذلك منهما قال ابو عمر هذا اذا كان على غير شرط في عقد القراض فان اشترطه فسد عند جميعهم والعمل الخفيف بغير شرط قال مالك لا يختلفون في انه لا باس به قال مالك ولا باس بان يشتري رب المال ممن قارضه بعض ما يشتري من السلع اذا كان ذلك صحيحا على غير شرط قال ابو عمر اختلفوا في ذلك ايضا فقال مالك في المضارب يبتاع من رب المال لا يعجبني لانها ان صحت من هذين اخاف الا تصح من غيرهما ممن يقارض وقال ابو حنيفة ذلك جائز وقال الشافعي اذا كان مما يتغابن الناس فيه فلا باس به والبيع منه كالشراء عندهم سواء قال مالك فيمن دفع إلى رجل والى غلام له مالا قراضا يعملان فيه جميعا ان ذلك جائز لا باس به لان الربح مال لغلامه لا يكون الربح للسيد حتى ينتزعه منه وهو بمنزلة غيره من كسبه

وهذه أيضا اختلف فيها فقال مالك في الموطا ما ذكرنا وروى عنه بن القاسم وغيره ذلك المعنى وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما اذا شرط للعامل ثلث الربح ولرب المال ثلث الربح ولعبد رب المال ثلث الربح على ان يعمل العبد معه كان ذلك جائزا فكان لرب المال الثلثان وللعامل الثلث قال أبو عمر هذا على أصلهما في العبد لا يملك شيئا وقول مالك على اصله في ان العبد يصح ملكه لما بيده من المال ما لم ينتزعه منه سيده وقد مضى القول في هذه المسالة في موضعها وقال الليث لا باس أن يشترط رب المال عمل عبده مع العامل في المال ولا يجوز له أن يشترط عمل عبد المضارب شهرا أو أقل أو أكثر كان له اجر مثله والقراض على حاله باب ما لا يجوز في القراض قال مالك اذا كان لرجل على رجل دين فساله ان يقره عنده قراضا ان ذلك يكره حتى يقبض ماله ثم يقارضه بعد او يمسك وانما ذلك مخافة ان يكون اعسر بماله فهو يريد ان يؤخر ذلك على ان يزيده فيه قال ابو عمر قد بين مالك العلة عنده في كراهة ما كره من القراض بدين على العامل وكذلك لا يجوز ان يقول الرجل للرجل اقبض مالي على زيد من الدين واعمل به قراضا وهو عنده قراض فاسد لانه ازداد عليه فيما كلفه من قبضه وقال الشافعي لا يجوز ان يقول لغريمه اعمل بمالي عليك من المال قراضا لان ما في الذمة لا يعود امانة حتى يقبض الدين ثم يصرفه على وجه الامانة ولا يبرا الغريم بما عليه الا بابرائه او القبض منه او الهبة له وقول أبي حنيفة في ذلك نحو قول الشافعي واختلفوا في ان عمل الذي عليه الدين بما عليه قراضا بعد اتفاقهم انه لا يصلح القراض في ذلك فقال الشافعي ما اشترى وباع فهو للعامل المديان له ربحه وخسارته

وهو قول ابي حنيفة ومالك وبن القاسم ولصاحب الدين دينه على ما كان وقال ابو يوسف ومحمد ما اشترى وباع فهو للامر رب الدين وللغريم المضارب اجره وهو قول اشهب واصل ابي حنيفة وابي يوسف ومحمد في المدين يأمره رب الدين ان يشتري له فيه شيئا بعينه انه يبرا من دينه اذا اشتراه له وان امره ان يشتري له شيئا بغير عينه انه لا يبرا حتى يقبض الامر الشيء المشتري واجاز الشافعي والكوفي اذا قال له اقبض مالي على فلان واعمل به قراضا ان يكون له قراضا اذا قبضه لانه لم يجعل له قبض المال شرطا في المضاربة وانما وكله بقبضة فاذا حصل بيده كان مضاربة واختلف قول بن القاسم واشهب في الذي له الوديعة يقول للذي هي عنده اعمل به قراضا فكرهه بن القاسم ولم يجزه وكرهه اشهب واجازه اذا وقع وقال بن المواز لا باس به وهو قول سائر الفقهاء لانها امانة كلها قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فهلك بعضه قبل ان يعمل فيه ثم عمل فيه فربح فاراد ان يجعل راس المال بقية المال بعد الذي هلك منه قبل ان يعمل فيه قال مالك لا يقبل قوله ويجبر راس المال من ربحه ثم يقتسمان ما بقي بعد راس المال على شرطهما من القراض قال ابو عمر لم يقبل قوله فكذلك الزمه ان يجبر راس المال وهذا يدل على انه لو قبل قوله وصح ان بعض المال تلف قبل ان يشرع في العمل به لم يكن راس المال الا الذي بقي بعد الباقي وفي المدونة في الرجل العامل يخسر في المال ثم يجبر ربه فيصدقه ويقول له خذ ما بقي عندك مالا قراضا واستأنف العمل فيعمل على ذلك ويربح

قال بن القاسم ليس قوله بشيء حتى يفاضله ويقبض منه ماله وينقطع القراض الاول بينهما ثم يرده إليه قراضا ثانيا والا فهو على القراض الاول ويجبر الخسارة من الربح قال وكذلك بلغني عن مالك وذكر بن حبيب قال اصحاب مالك كلهم على انه يلزمه ذلك القول ويكون راس المال ما ذكر وما رضي به من ذلك وروى عيسى بن دينار ان اشهب كان يقول الذي اسقط عنه ساقط والباقي هو راس المال قال عيسى وهو احب الي قال ابو عمر مسألة مالك في هذا الباب من الموطأ اولى بهذا الجواب وعليه جمهور الفقهاء وهو الصواب ان شاء الله عز وجل قال مالك لا يصلح القراض الا في العين من الذهب او الورق ولا يكون في شيء من العروض والسلع قال ابو عمر اختلف الفقهاء في صفة المال الذي يجوز به القراض فقال مالك في الموطأ ما ذكرناه وزاد في غيره ولا بالفلوس وقول مالك في ذلك كله كقول الليث والثوري والشافعي وابي حنيفة وقال بن ابي ليلى يجوز القراض بالعروض وقال اذا دفع إليه ثوبا على أن يبيعه فما كان من ربح فبينهما نصفين او اعطاه دارا بينهما ويؤاجرها على ان اجرها بينهما نصفين جاز والاجر والربح بينهما نصفين قال وهذا بمنزلة الارض المزارعة وقال محمد بن الحسن يجوز القراض بالفلوس كالنفقة بالدنانير والدراهم قال ابو عمر القراض بالمجهول يجوز عند جميعهم وكذلك لا يجوز عندهم ان يؤخذ الربح الا بعد حصور راس المال فلما كانت العروض تختلف

قيامها واثمانها عاد القراض إلى جهل راس المال والى جهل الربح ايضا ففسد القراض على ذلك ولا يجوز عند جميعهم ان يقول بع عبدك الذي لك ان تبيعه به ثمنا لسعي هذه لان ذلك مجهول وجائز عندهم ان يقول اشتر لي بدراهمك هذه عبدا بعينه فكذلك جاز القراض بالعين ولم يجز بالعروض والله اعلم واختلفوا في القراض بنقد الذهب والفضة فروى اشهب عن مالك قال يجوز القراض بالنقد من الذهب والفضة لان الناس قد تقارضوا قبل ان يضرب الذهب والفضة قال بن القاسم سمعت ان مالكا يسهل في القراض بنقد الذهب والفضة ولا يجوز القراض بالمصوغ وقد روى عنه بن القاسم ايضا كراهية القراض بنقد الذهب والفضة ويجيزه في المدونة والعتبية وزاد في العتبية فان نزل ذلك لم يفسخ وبعد على شرط من الربح وقال الليث لا يجوز القراض بالنقد ولا يجوز الا ثمنا قبل الذهب والفضة وهو قول الشافعي والكوفي وروى يحيى عن بن القاسم ان كان ذلك في بلد يجيز فيه الذهب والفضة غير مضروبين فلا باس وان كان ذلك ببلد لا يجزئ ذلك فيه فهو مكروه واذا تفاضلا رد مثل وزن ذلك في طيبه ثم يقتسمان ما بقي واختلف بن القاسم واشهب في القراض بالفلوس فأجازه اشهب ولم يجزه بن القاسم قال لانها تحول إلى الفساد والكساد مسألة وقعت في هذا الباب من رواية يحيى في الموطا قال مالك ومن البيوع ما يجوز اذا تفاوت امره وتفاحش رده فاما الربا فانه لا يكون فيه الا الرد ابدا ولا يجوز منه قليل ولا كثير ولا يجوز فيه ما يجوز في غيره لان الله تبارك وتعالى قال في كتابه وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون البقرة قال ابو عمر هذا قول صحيح في النظر وصحيح من جهة الاثر فمن قاده

ولم يضطرب فيه فهو الخير الفقيه وما التوفيق الا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم باب ما يجوز من الشرط في القراض قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضان وشرط عليه ان لا تشتري بمالي الا سلعة كذا وكذا او ينهاه ان يشتري سلعة باسمها قال مالك من اشترط على من قارض ان لا يشتري حيوانا او سلعة باسمها فلا باس بذلك ومن اشترط على من قارض ان لا يشتري الا سلعة كذا وكذا فان ذلك مكروه الا ان تكون السلعة التي امره ان لا يشتري غيرها كثيرة موجودة لا تخلف في شتاء ولا صيف فلا باس بذلك قال ابو عمر اختلف الفقهاء في المقارض يشترط عليه رب المال خصوص التصرف فقول مالك ما وصفنا وقال الشافعي لا يجوز ان يقارضه ويشترط عليه الا ان لا يشتري الا من فلان او الا سلعة واحدة بعينها او يشتري نخلا او دوابا فان فعل ذلك فذلك كله فاسد وان اشترط ان يشتري صنفا موجودا في الشتاء والصيف فذلك جائز وقال ابو حنيفة اذا اشترط على المقارض الا يشتري الا من فلان الا الرقيق او على ان لا يبيع ولا يشتري إلا الرقيق أو على ألا يبيع ولا يشتري الا بالكوفة كان ذلك على ما شرط ولا ينبغي ان يتجاوزه فان تعداه ضمن قال ابو عمر قول مالك رحمه الله في هذا الباب اعدل الاقاويل واوسطها لانه اذا قصر العامل على ما لا يوجد الا نادرا غبا فقد حال بينه وبين التصرف وهذا عند الجميع فساد في عقد القراض واذا اطلعه على صنف موجود لا يعدم فلم يحل بينه وبين التصرف ومذهب مالك والشافعي في هذا الباب سواء ومن اشترط عندهما على العامل في القراض الا يشتري الا سلعة بعينها يعني عين صنف او الا يشتري الا من فلان او يوقت في القراض وقتا ويضرب له اجلا فالقراض في ذلك كله فاسد

وسياتي حكم القراض الفاسد في موضعه ان شاء الله قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا واشترط عليه فيه شيئا من الربح خالصا دون صاحبه فان ذلك لا يصلح وان كان درهما واحدا الا ان يشترط نصف الربح له ونصفه لصاحبه او ثلثه او ربعه او اقل من ذلك او أكثر فاذا سمى شيئا من ذلك قليلا او كثيرا فان كل شيء سمى من ذلك حلال وهو قراض المسلمين قال ولكن ان اشترط ان له من الربح درهما واحدا فما فوقه خالصا له دون صاحبه وما بقي من الربح فهو بينهما نصفين فان ذلك لا يصلح وليس على ذلك قراض المسلمين قال ابو عمر لا اعلم خلافا انه اذا اشترط العامل او رب المال على صاحبه شيئا يختص به من الربح معلوما دينارا او درهما او نحو ذلك ثم يكون الباقي في الربح بينهما نصفين او على ثلث او ربع فان ذلك لا يجوز لأ نه يصير النصيب لتلك الزيادة مجهولا ولا يجوز عند جميعهم ذلك لان الاصل في القراض الا يجوز الا على نصيب معلوم ولا تخالف به سنة وبالله التوفيق باب ما لا يجوز من الشرط في القراض قال مالك لا ينبغي لصاحب المال ان يشترط لنفسه شيئا من الربح خالصا دون العامل ولا ينبغي للعامل ان يشترط لنفسه شيئا من الربح خالصا دون صاحبه ولا يكون مع القراض بيع ولا كراء ولا عمل ولا سلف ولا مرفق يشترطه احدهما لنفسه دون صاحبه الا ان يعين احدهما صاحبه على غير شرط على وجه المعروف اذا صح ذلك منهما ولا ينبغي للمتقارضين ان يشترط احدهما على صاحبه زيادة من ذهب ولا فضة ولا طعام ولا شيء من الاشياء يزداده احدهما على صاحبه قال فان دخل القراض شيء من ذلك صار اجارة ولا تصلح الاجارة الا بشيء ثابت معلوم ولا ينبغي للذي اخذ المال ان يشترط مع اخذه المال ان يكافئ ولا يولي من سلعته احدا ولا يتولى منها شيئا لنفسه فاذا اوفر المال وحصل عزل راس المال ثم اقتسما الربح على شرطهما فان لم يكن للمال

ربح او دخلته وضيعة لم يلحق العامل من ذلك شيء لا مما انفق على نفسه ولا من الوضيعة وذلك على رب المال في ماله والقراض جائز على ما تراضى عليه رب المال والعامل من نصف الربح او ثلثه او ربعه او اقل من ذلك او اكثر قال ابو عمر قد تقدم معنى هذا الباب كله واضحا فيما مضى من كتاب القراض في الباب الذي قبل هذا او فيما قبله ولا يجوز من الشرط في القراض عند مالك واصحابه اشياء كثيرة فمنها ان يزداد احد المتقارضين على صاحبه زيادة على الحصة التي تعاملا عليها من الربح على ما ذكر مالك في هذا الباب وفي الذي قبله ومنها ان يعطيه المال قراضا على الضمان او على ان يعمل به إلى اجل او يدفع إليه المال على قراض منه او يشترط عليه الا يشتري الا من فلان او من متاع فلان او من عمل فلان او على الا يتحرى الا في حانوت بعينه او على ان يشتري به سلعة غير موجودة في الاغلب تخلف في شتاء او في صيف او على ان يسلف احدهما صاحبه سلفا او على ان يبيع احدهما من صاحبه سلعة او يهب له هبة او على ان لا ينفق منه ان سافر أو على أن يضع عنه نصف النفقة او على ان ينفق ولا يكتسي او على ان يكتسي ولا ينفق او على ان يدفع إليه مالين احدهما على النصف والاخر على الثلث او على ان لا يخلطهما او على ان يجعل معه حافظا يحفظ عليه او غلاما او ولدا يعلمه له او على ان يشترط زكاة الربح في المال وزكاة المال في الربح او على ان يبتاع بالمال دواب يطلب نسلها او شجرا يطلب ثمرتها او على ان يشتري بالمال سلعة يخرج بها إلى بلد يبيعها به او يقدم بها من البلد الذي ابتاعها فيه ومن هذه الوجوه ما قد اختلف فيه اصحاب مالك وغيرهم من العلماء ومنها ما يرد إلى قراض مثله ان وقع ومنها ما يرد إلى اخرة مثله نذكر من ذلك كله ما حضرنا ذكره بعون الله عز وجل ان شاء الله تعالى بعد ذكرنا ما رسمه مالك رحمه الله في هذا الباب قال مالك لا يجوز للذي يأخذ المال قراضا ان يشترط ان يعمل فيه سنين لا

ينزع منه قال ولا يصلح لصاحب المال ان يشترط انك لا ترده الي سنين لاجل يسميانه لأ ن القراض لا يكون إلى اجل ولكن يدفع رب المال ماله إلى الذي يعمل له فيه فان بدا لاحدهما ان يترك ذلك والمال ناض لم يشتر به شيئا تركه واخذ صاحب المال ماله وان بدا لرب المال ان يقبضه بعد ان يشتري به سلعة فليس ذلك له حتى يباع المتاع ويصير عينا فان بدا للعامل ان يرده وهو عرض لم يكن له حتى يبيعه فيرده عينا كما اخذه قال ابو عمر اما القراض إلى اجل فلا يجوز عند الجميع لا إلى سنة ولا إلى سنين معلومة ولا إلى اجل من الاجال فان وقع فسخ ما لم يشرع العامل في الشراء بالمال فان كان ذلك مضى ورد إلى قراض مثله عند مالك واما الشافعي فيرد عنده إلى اجرة مثله وكذلك كل قراض فاسد هذا قوله وقول عبد العزيز بن ابي سلمة الماجشون وأما ابو حنيفة فقال في المضاربة إلى اجل انها جائزة الا ان يتفاسخا واجمعوا ان القراض ليس عقدا لازما وان لكل واحد منهما ان يبدو له فيه ويفسخه ما لم يشرع العامل في العمل به بالمال ويشتر ي به متاعا او سلعا فان فعل لم يفسخ حتى يعود المال ناضا عينا كما اخذه قال مالك ولا يصلح لمن دفع إلى رجل مالا قراضا ان يشترط عليه الزكاة في حصته من الربح خاصة لان رب المال اذا اشترط ذلك فقد اشترط لنفسه فضلا من الربح ثابتا فيما سقط عنه من حصة الزكاة التي تصيبه من حصته قال ابو عمر هذا قول الشافعي لانه يعود إلى ان تكون حصة العامل ورب المال مجهولة لانه لا يدري لمن يكون المال في حين وجوب الزكاة لانه قد يمكن ان يتوى كله او بعضه بالخسارة او افات الدهر وفي المدونة قال بن القاسم جائز ان يشترط احدهما على صاحبه ان يكون عليه زكاة الربح لانه يرجع إلى نصيب معروف وفي الاسدية عن بن القاسم انه لا يجوز ان يشترط العامل على رب المال زكاة الربح كما لا يجوز له ان يشترط عليه زكاة المال وروى اشهب عن مالك ان ذلك لا يجوز

وقال اشهب هو جائز لانه يعود إلى الاجراء قال ابو عمر هذا في زكاة الربح لا في زكاة المال قال مالك ولا يجوز لرجل ان يشترط على من قارضه ان لا يشتري الا من فلان لرجل يسميه فذلك غير جائز لانه يصير له اجيرا باجر ليس بمعروف وقد تقدم القول في هذه المسالة وقد اتفق الشافعي ومالك ان العامل اذا عمل على ذلك رد إلى اجر مثله وقد اختلف اصحاب مالك فيما يرد في القراض الفاسد إلى قراض المثل وما يرد منه إلى اجرة المثل فقال بن القاسم كل ما دخله التزيد والتحجير فان العامل يرد فيه إلى اجرة مثله ويكون في ذلك كله اجيرا حاشا مسالتين فانهما خرجتا عن اصله احداهما العامل يشترط عليه ضمان مال القراض فقال يرد إلى قراض مثله ممن لا ضمان عليه والمسالة الثانية اذا ضرب اجلا فانه يرد إلى قراض مثله وسائر ذلك من هذا الباب خاصة يكون اجيرا وما عدا التزيد والتحجير فانه يكون فيه على قراض مثله وذكر بن حبيب عن اشهب وبن الماجشون انهما قالا يرد في القراض الفاسد كله إلى قراض مثله قال وقال عبد العزيز بن ابي سلمة القراض الفاسد كله يرد العامل فيه إلى اجرة المثل وهو قول ابي حنيفة والشافعي في القراض الفاسد انه يرد العامل فيه إلى اجرة مثله والمال كله وربحه لرب المال وذكر بن خواز بنداذ قال الاصل من قول مالك في القراض الفاسد انه يرد إلى اجرة المثل الا في مسائل يسيرة مثل القراض على جزء مجهول من الربح والقراض إلى مدة والقراض بعرض والقراض على الضمان قال واظن ذلك كله استحسانا والاصل فيه الرد إلى اجرة المثل قال ابو عمر قد اختلف قول مالك في القراض الذي يشترط فيه على العامل

ضمان المال فمرة قال يرد إلى قراض مثله ومرة قال يرد إلى اجرة مثله وهو قول الشافعي وقال ابو حنيفة المضاربة جائزة والشرط باطل واما القراض إلى اجل فاجازه الكوفيون وقالوا المضاربة جائزة الا ان يتفاسخا وقال مالك والشافعي لا يجوز الا ان مالكا قال ان وقعت ردت إلى قراض المثل وقال الشافعي ان اخذ المال قراضا إلى اجل فسخ القراض فان عمل على ذلك رد إلى اجرة مثله وقال مالك في هذا الباب من الموطا في الرجل يدفع إلى رجل مالا قراضا ويشترط على الذي دفع إليه المال الضمان قال لا يجوز لصاحب المال ان يشترط في ماله غير ما وضع القراض عليه وما مضى من سنة المسلمين فيه فان نما المال على شرط الضمان كان قد ازداد في حقه من الربح من اجل موضع الضمان وانما يقتسمان الربح على ما لو اعطاه اياه على غير ضمان وان تلف المال لم ار على الذي اخذه ضمانا لان شرط الضمان في القراض باطل قال ابو عمر السنة المجتمع عليها في القراض ان البراء في المال من رب المال وان الربح بينهما على شرطهما وما خالف السنة فمردود اليها قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ردوا الجهالات إلى السنة قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا واشترط عليه ان لا يبتاع به الا نخلا او دواب لاجل انه يطلب ثمر النخل او نسل الدواب ويحبس رقابها قال مالك لا يجوز هذا وليس هذا من سنة المسلمين في القراض الا ان يشتري ذلك ثم يبيعه كما يباع غيره من السلع قال ابو عمر هذا قول سائر الفقهاء لان القراض باب مخصوص خارج عن الاجارات والبيوع فلا يتجاوز به سنته ولا يقاس عليه غيره كما لا يقاس على

العرايا غيرها لانها سنة ورخصة مخصوصة من المزابنة خارجة عن اصلها فلا تقع ولا تنعقد الا على سنتها فان اشترى النخل للثمر لا للبيع والدواب للنسل لا للبيع لم يصح ذلك وكان له فيما اشتراه اجرة مثله وكان الدواب والنخل لرب المال قال مالك لا باس ان يشترط المقارض على رب المال غلاما يعينه به على ان يقوم معه الغلام في المال اذا لم يعد ان يعينه في المال لا يعينه في غيره قال ابو عمر قد تقدم معنى هذه المسالة في شرط المقارض عمل عبد رب المال وهل يستحق العبد لذلك نصيبا من الربح من اجل عمله او يستحقه سيده فيما تقدم من كتابنا هذا في القراض وقال بن القاسم في العامل في القراض يشترط على رب المال الغلام والدابة ان ذلك جائز في القراض وغير جائز في المساقاة وقال سحنون لا يجوز ذلك في القراض ولا في المساقاة وهو الصواب ان شاء الله عز وجل لانها زيادة ازدادها العامل على قدر حصته وقد مضى من قولهم وقول غيرهم ان ذلك غير جائز وعلتهم ان تلك الزيادة لو كانت درهما ربما لم يكن في المال ربح سواها فصار ذلك إلى المجهول والغرر باب القراض في العروض قال مالك لا ينبغي لاحد ان يقارض احدا الا في العين لانه لا تنبغي المقارضة في العروض لان المقارضة في العروض انما تكون على احد وجهين اما ان يقول له صاحب العرض خذ هذا العرض فبعه فما خرج من ثمنه فاشتر به وبع على وجه القراض فقد اشترط صاحب المال فضلا لنفسه من بيع سلعته وما يكفيه من مؤونتها او يقول اشتر بهذه السلعة وبع فاذا فرغت فابتع لي مثل عرضي الذي دفعت اليك فان فضل شيء فهو بيني وبينك ولعل صاحب العرض ان يدفعه إلى العامل في زمن هو فيه نافق كثير الثمن ثم يرده العامل حين

يرده وقد رخص فيشتريه بثلث ثمنه او اقل من ذلك فيكون العامل قد ربح نصف ما نقص من العرض في حصته من الربح او ياخذ العرض في زمان ثمنه فيه قليل فيعمل فيه حتى يكثر المال في يديه ثم يغلو ذلك العرض ويرتفع ثمنه حين يرده فيشتريه بكل ما في يديه فيذهب عمله وعلاجه باطلا فهذا غرر لا يصلح فان جهل ذلك حتى يمضي نظر إلى قدر اجر الذي دفع إليه القراض في بيعه اياه وعلاجه فيعطاه ثم يكون المال قراضا من يوم نض المال واجتمع عينا ويرد إلى قراض مثله قال ابو عمر قد بين مالك رحمه الله في هذا الباب معنى الكراهية للقراض بالعروض بيانا شافيا لا يشكل على من له ادنى تامل وقد تقدم من اقوال الفقهاء في المال الذي تجوز فيه المضاربة ما اغنى عن تكراره ها هنا ولا خلاف بينهم في ان القراض جائز بالعين من الذهب والورق واختلفوا في القراض بالفلوس والنقد على ما ذكرناه في صدر هذا الكتاب والحمد لله وذكرنا عن بن ابي ليلى انه اجاز القراض بالعروض وقد بان وجه قوله بما ذكرناه هنالك وما ذكره مالك رحمه الله هنا يبين انه لا وجه لقوله يصح ان شاء الله عز وجل باب الكراء في القراض قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فاشترى به متاعا فحمله إلى بلد التجارة فبار عليه وخاف النقصان ان باعه فتكارى عليه إلى بلد اخر فباع بنقصان فاغترق الكراء اصل المال كله قال مالك ان كان فيما باع وفاء للكراء فسبيله ذلك وان بقي من الكراء شيء بعد اصل المال كان على العامل ولم يكن على رب المال منه شيء يتبع به وذلك ان رب المال انما امره بالتجارة في ماله فليس للمقارض ان يتبعه بما سوى ذلك من المال ولو كان ذلك يتبع به رب المال لكان ذلك دينا عليه من غير المال الذي قارضه فيه فليس للمقارض ان يحمل ذلك على رب المال

قال ابو عمر لست اعلم فيما ذكره مالك خلافا وهو اصل واجماع ومذهب مالك في العامل يشتري من مال المضاربة شيئا ثم ينفق من ماله من كراء او صبغ انه يرجع بالكراء ولا ربح فيه هذا قوله وقول اكثر اصحابه واما الصبغ فرب المال يخير عندهم ان شاء وزن ما اصبغ به ويكون ذلك في القراض وان شاء كان شريكا وله ربحه وقاسه بن القاسم على قول مالك اذا زاد في السلعة ان شاء رب المال عوض وإ لا فهو شريك وفي المدونة قال سحنون وقال غيره فان شاء ضمنه وان شاء دفع إليه قيمة الصبغ وان شاء كان معه شريكا بقيمة الصبغ فان دفع إليه قيمة الصبغ لم يكن على القراض لانه يصير كانه قراض ثان ولا يشبه الذي يريد عنده مالا قراضا فيرضي به رب المال بان يدفعه إليه لان ذلك في صفقة واحدة وهذا في صفقتين قال مالك وليس للمضارب ان يستدين على المضاربة فكذلك لا يجوز ان يجعل ماله دينا فيه وقال الشافعي ان استدان العامل لم يلزم المال ولا رب المال الا ببينة انه ادان وقال ابو حنيفة ما استدان العامل فهو بينهما شركة على ما اشترطا وجائز عند ابي حنيفة والشافعي ان يأذن رب المال للعامل ان يستدين على المال ويكون الربح بينهما على شرطهما وقال مالك لا يحل هذا باب التعدي في القراض قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فعمل فيه فربح ثم اشترى من ربح المال او من جملته جارية فوطئها فحملت منه ثم نقص المال قال مالك ان كان له مال اخذت قيمة الجارية من ماله فيجبر به المال فان كان

فضل بعد وفاء المال فهو بينهما على القراض الاول وان لم يكن له وفاء بيعت الجارية حتى يجبر المال من ثمنها قال ابو عمر ذكر بن وهب هذه المسألة في موطئه على ما في الموطأ لم يعتبر فضل قيمة الجارية يوم وطئها وانما اعتبر قيمتها في الوقت الذي وفى به المال راس ماله قال بن وهب ثم رجع عنه وقال اقف فيه وقال الاوزاعي اذا وطئها قبل ان يقع له ربح في المال فعليه حد الزاني وان كان له فيها ربح جلد مائة جلدة ان كان محصنا فان حملت قومت ودفعت إليه ورد على صاحب المال ما قارضه فيه وقال الليث اذا ابتاع جاريتين فاعتق احداهما واحبل الاخرى فانهما ينتزعان منه جميعا ويكون الولد لابيه بقيمته فما نقص من القراض فعليه ضمانه وما زاد فهو بينهما ولم يذكر فرقا بين ان يكون ثمن كل واحدة منهما اكثر من راس المال او مثله وقياس قول الشافعي انه إن وطى ء الجارية التي اشتراها من مال القراض كان عليه صداقها لدرء الحد عنه بالشبهة ولانه لا يملك منها شيئا ملكا صحيحا لانه لا يستحق من الربح شيئا الا بعد حصول راس المال ناضا كما اخذه وتباع الجارية في القراض ان لم تحمل فان حملت ضمنها فان كان موسرا جعل قيمتها في القراض وان كان معسرا بيعت لانها مال غيره اراد استهلاكه ولا مال له هذا قياس قوله عندي ولم اجد هذه المسألة في شيء من كتبه في القراض الا انه قال في كتاب القراض ولو اشترى العامل اباه بمال رب المال فسواء كان في المال فضل أو لم يكن ولا يعتق عليه لانه لا شيء له في المال قبل ان ينض وهو لا ينض الا وقد باع اباه قال ولو كان يملك من الربح قبل ان يكون المال نضا كان شريكا وكان له النماء والنقصان لان من ملك شيئا زائدا ملكه ناقصا وليس هذا سنة القراض لانه ليس بشريك في نماء ولا نقصان وانما له اذا حصل راس المال حصته من الربح حينئذ وله في الزكاة في حصه العامل في القراض قولان هذا اظهرهما في مذهبه ولم يختلف قوله ان العامل لو اشترى بالمال عبدا انه لا يجوز عتقه ولا يقومن عليه أن كان موسرا

واما ابو حنيفة واصحابه فمذهبهم ان المضارب لو اشترى بمال المضاربة عبدا فيه فضل او اشتراه ولا فضل فيه ثم صار فيه فضل كان المضارب مالكا لحصته من ذلك الفضل ما كان الفضل موجودا قالوا ولو اعتق المضارب العبد وفيه فضل جاز عتقه فيه وكان كعبد بين رجلين اعتقه احدهما ففي قياس قولهم اذا وطى ء العامل جارية في مال القراض وفيه فضل كان حكمه كحكم الشريكين في الجارية يطؤها احدهما وان لم يكن في المال فضل لا حين الشراء ولا حين الوطء فهو كمن وطى ء مال غيره واما مالك واصحابه فقالوا اذا وطى ء العامل جارية من مال القراض فحملت فان كان مليئا غرم قيمتها وكانت القيمة قراضا وصارت له ام ولد وهذا قول بن القاسم واشهب وعبد الملك وغيرهم واختلفوا اذا كان معدما فروى بن القاسم عن مالك انه يتبع بالثمن دينا وقاله بن القاسم وقال سحنون هذا كلام غير معتدل وارى ان تباع عليه الا ان يكون فيها فضل فيباع بالقيمة والباقي يكون منها بحساب ام ولد وروى عيسى عن بن القاسم انه قال ان كان استسلف المال من القراض فاشترى به الجارية فالثمن عليه دينا يتبع به مليئا كان او معدما و اما اذا عدا عليها وهي من مال القراض فانها تباع ان لم يكن له مال قال عيسى ويتبع بثمن الولد الا ان يكون له ربح فيكون بمنزلة الجارية بين الشريكين يطؤها احدهما وان ضمنها قيمتها يوم الوطء فلا شيء له من قيمة الولد وذكر بن حبيب قال اذا استسلف من المال فعليه الاكثر من قيمتها او من الثمن لانه منعه وقد كان لرب المال الخيار في ذلك قبل الحمل فكذلك بعد الحمل وروى ابو زيد عن بن القاسم انه إن لم يظهر ذلك بعد الحمل الا باقرار السيد الوطء لم يقبل قوله لانه يريد بيع ام ولده قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فتعدى فاشترى به سلعة وزاد في ثمنها من عنده قال مالك صاحب المال بالخيار ان بيعت السلعة بربح او

وضيعة او لم تبع ان شاء ان يأخذ السلعة اخذها وقضاه ما اسلفه فيها وان ابى كان المقارض شريكا له بحصته من الثمن في النماء والنقصان بحساب ما زاد العامل فيها من عنده قال ابو عمر هذا قول الشافعي وابي حنيفة ان اقر رب المال بالزيادة او قيمت بذلك بينة واما مالك فالعامل مصدق عنده ابدا اذا جاء بما نسيه وروى بن القاسم عن مالك انه قال لا باس ان يخلط المال القراض بماله يكون به شريكا قال بن القاسم واذا اخذ مائة دينار قراضا فاشتروا سلعة بمائتي دينار نقدا المائة من عنده والمائة القراض كان شريكا في السلعة ولا خيار لرب المال في ان يدفع إليه المئة الثانية وان كانت المائة التي زاد اخذها سلفا على القراض فرب المال بالخيار ان شاء اجاز إليه ودفع إليه ما زد وان شاء لم يجز ذلك وكان معه شريكا قال ابو عمر اتفق الشافعي والليث وابو حنيفة في العامل يخلط ماله بمال القراض بغير اذن رب المال انه ضامن الا ان يأخذ قال ان قيل له اعمل فيه برايك فخلطه لم يضمن فقال مالك له ان يخلطه بغير اذن رب المال بماله وبمال غيره وهو قول الاوزاعي وقال مالك ان دفع إليه الفاعل ان يخلطها الفاعل بألف له وله في الربح الثلثان فلا يصلح رواه بن القاسم عنه وروى عنه اشهب انه لا باس بها قال قال لي مالك اياك وهذا التخليط قال مالك في رجل اخذ من رجل مالا قراضا ثم دفعه إلى رجل اخر فعمل فيه قراضا بغير اذن صاحبه انه ضامن للمال ان نقص فعليه النقصان وان ربح فلصاحب المال شرطه من الربح ثم يكون للذي عمل شرطه بما بقي من المال

قال ابو عمر لا اعلم خلافا في هذا الا ان المزني قال ليس للثاني الا اجر مثله لانه عمل على فساد وزعم انه اصل الشافعي في الجديد وان قوله كالغريم مجملة فقد اختلف اصحاب مالك فيه لو دفعه بعد ان خسر فيه فقال بن القاسم في المدونة في الرجل يدفع إلى آخر ثمانين دينارا قراضا فيخسر فيها اربعين ثم يدفع تلك الاربعين قراضا إلى غيره فيعمل فيها فتصير مائة في يد العامل الثاني انه يبدا برب المال الاول فياخذ راس ماله ثمانين دينارا وعشرة دنانير نصف الربح تمام التسعين وياخذ العامل الثاني العشرة الباقية تمام المائة ويرجع العامل الثاني على العامل الاول بعشرين دينارا قيمة الثلاثين دينارا وذلك نصف ما ربح قال سحنون وقال غيره ياخذ رب المال السبعين الباقية وينظر إلى الاربعين التي تلفت في يد العامل الاول فان كان تعدى عليها رجع عليه بها كلها تمام عشرة دنانير ومائة دينار وإن كان انما ذهبت بخسارة بعد رجع بعشرين تمام تسعين قال مالك في رجل تعدى فتسلف مما بيديه من القراض مالا فابتاع به سلعة لنفسه قال مالك ان ربح فالربح على شرطهما في القراض وان نقص فهو ضامن للنقصان قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فاستسلف منه المدفوع إليه المال مالا واشترى به سلعة لنفسه ان صاحب المال بالخيار ان شاء شركه في السلعة على قراضها وان شاء خلى بينه وبينها واخذ منه راس المال كله وكذلك يفعل بكل من تعدى قال ابو عمر معنى المسالتين متقارب بل هو واحد لان العامل اشترى بمال القراض او ببعضه سلعة لنفسه يتجر فيها او يقتنيها فصاحب المال يخير على ما قال مالك في ذلك ولا مخالف علمته له فيه لانه مال قد قبضه على ان يعمل به قراضا فما عمل به فيه بما فيه ربح فهو على القراض لان ذلك هو المعنى المقصود إليه في القراض ولا يضره نية العامل الفاسدة وان لم يكن فيه ربح لزمه ما اخذ من مال القراض لنفسه كما لو استهلكه وتعدى فيه فافسده وبالله التوفيق

باب ما يجوز من النفقة في القراض قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا انه اذا كان المال كثيرا يحمل النفقة فاذا شخص فيه العامل فان له ان ياكل منه ويكتسي بالمعروف من قدر المال ويستاجر من المال اذا كان كثيرا لا يقوى عليه بعض من يكفيه بعض مؤونته ومن الاعمال اعمال لا يعملها الذي ياخذ المال وليس مثله يعملها من ذلك تقاضي الدين ونقل المتاع وشده واشباه ذلك فله ان يستاجر من المال من يكفيه ذلك وليس للمقارض ان يستنفق من المال ولا يكتسي منه ما كان مقيما في اهله انما يجوز له النفقة اذا شخص في المال وكان المال يحمل النفقة فان كان انما يتجر في المال في البلد الذي هو به مقيم فلا نفقة له من المال ولا كسوة قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فخرج به وبمال نفسه قال يجعل النفقة من القراض ومن ماله على قدر حصص المال قال ابو عمر قد تقدم معنى هذا الباب في درج غيره ولا بد من اعادة بعض ما للعلماء فيه ليكون المعنى المراد قائما في الباب إن شاء الله عز وجل أتفق مالك وابو حنيفة واصحابهما ان العامل بالقراض ينفق من مال القراض على نفسه اذا سافر ولا ينفق اذا كان حاضرا وقال الثوري ينفق في ذهابه في سفره ومقامه ولا ينفق راجعا وقال الليث يتغدى في المصر ولا يتعشى وقال الشافعي لا ينفق في سفر ولا حضر الا باذن رب المال وقال اصحابه في المسالة ثلاثة اقاويل احدها هذا والاخر مثل قول مالك والثالث ينفق في المصر بمقدار ما بين نفقة السفر والحضر ولهم في فرض النفقة قولان احدهما انه لا ينفق حتى يفرض له باتفاق له ومن رب المال

والثاني انه لا يفرض له وينفق هو واما التابعون فروي عن بن سيرين ان المضارب لا ياكل شيئا من المال وان اكل او انفق فهو دين عليه ذكره عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن هشام عن بن سيرين وذكر الثوري عن اشعث عن ابراهيم قال ياكل ويلبس بالمعروف وعن الربيع عن الحسن مثله باب ما لا يجوز من النفقة في القراض قال مالك في رجل معه مال قراض هو يستنفق منه ويكتسي انه لا يهب منه شيئا ولا يعطي منه سائلا ولا غيره ولا يكافئ فيه احدا فاما ان اجتمع هو وقوم فجاؤوا بطعام وجاء هو بطعام فارجو ان يكون ذلك واسعا اذا لم يتعمد ان يتفضل عليهم فان تعمد ذلك او ما يشبهه بغير اذن صاحب المال فعليه ان يتحلل ذلك من رب المال فان حلله ذلك فلا باس به وان ابى ان يحلله فعليه ان يكافئه بمثل ذلك ان كان ذلك شيئا له مكافاة قال ابو عمر هذا الباب ليس فيه اختلاف والاصل المجتمع عليه ان المال القراض لن يعطه العامل ليهبه ولا ليتصدق به ولا ليتلفه وانما اعطيه ليثمره ويطلب فيه الربح والنماء ولا يعرضه للهلاك والتوى وهذا ما لا اختلاف فيه بين العلماء باب الدين في القراض قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فاشترى به سلعه ثم باع السلعة بدين فربح في المال ثم هلك الذي اخذ المال قبل ان يقبض المال قال ان اراد ورثته ان يقبضوا ذلك المال وهم على شرط ابيهم من الربح فذلك لهم اذا كانوا امناء على ذلك فان كرهوا ان يقتضوه وخلوا بين صاحب المال وبينه لم يكلفوا ان يقتضوهن ولا شيء عليهم ولا شيء لهم اذا اسلموه إلى رب المال فان اقتضوه فلهم فيه من الشرط والنفقة مثل ما

كان لابيهم في ذلك هم فيه بمنزلة ابيهم فان لم يكونوا امناء على ذلك فان لهم ان ياتوا بامين ثقة فيقتضي ذلك المال فاذا اقتضى جميع المال وجميع الربح كانوا في ذلك بمنزلة ابيهم قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا على انه يعمل فيه فما باع به من دين فهو ضامن له ان ذلك لازم له ان باع بدين فقد ضمنه قال ابو عمر ظاهر قول مالك هذا في الموطا ان العامل يضمن اذا باع بالدين لانه على ذلك اخذ المال انه ان باع بالدين ضمن فان كان ذلك ضمن وتلخيص مذهب ائمة الفتوى في بيع المقارض بالدين ان مالكا والشافعي قالا لا يبيع العامل في القراض سلعة بنسيئة الا ان ياذن له رب المال فان فعل بغير اذنه ضمن وقال ابو حنيفة واصحابه له ان يبيع بالدين الا ان ينهاه رب المال او ينص ذلك له اذا قارضه واما موت العامل في سلع او دين فقول مالك فيما تقدم ذكره قال الشافعي ان مات العامل لم يكن لورثته ان يعمل مكانه ويبع ما كان في يديه حتى ثياب سفره وغير ذلك مما قل او كثر فان كان فيه فصل كان لورثته حصته وان كان خسرانا كان ذلك في المال وان مات رب المال صار المال لورثته فان رضوا ترك المقارض على قراضه والا فقد انفسخ قراضه وقال الشافعي ومتى شاء رب المال اخذ ماله قبل العمل وبعده كان ذلك له ومتى شاء العامل ان يخرج من القراض فذلك له قال ابو عمر هذا خلاف قول مالك وليس للعامل عنده ولا لرب المال ان يفسخ القراض الا اذا كان المال عينا فاذا صار في السلع اجبر المقارض على ان يرده عينا كما اخذه واجبر رب المال على ذلك ايضا في أ عجل ما يمكن من بيع السلع قال مالك يجبر العامل على تقاضي ما باع بالدين وان كان فيه وضيعة حتى يرد المال عينا ولرب المال ان لا يرضى بالحوالة وقال ابو حنيفة واصحابه اذا باع المضارب بنسيئة واحب رب المال ان يفسخ القراض فان كان في المال فضل اجبر على التقاضي وان لم يكن له فضل لم يجبر على تقاضيه واجل الذي له المال حتى يتقاضاه

هذا يدل من قولهم ان للمقارض ولرب المال ان يفسخ كل واحد منهما القراض قبل العمل وبعده كما قال الشافعي باب البضاعة في القراض قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا واستسلف من صاحب المال سلفا او استسلف منه صاحب المال سلفا او ابضع معه صاحب المال بضاعة يبيعها له او بدنانير يشتري له بها سلعة قال مالك ان كان صاحب المال انما ابضع معه وهو يعلم انه لو لم يكن ماله عنده ثم ساله مثل ذلك فعله لاخاء بينهما او ليسارة مؤونة ذلك عليه ولو ابى ذلك عليه لم ينزع ماله منه او كان العامل انما استسلف من صاحب المال او حمل له بضاعته وهو يعلم انه لو لم يكن عنده ماله فعل له مثل ذلك ولو ابى ذلك عليه لم يردد عليه ماله فاذا صح ذلك منهما جميعا وكان ذلك منهما على وجه المعروف ولم يكن شرطا في اصل القراض فذلك جائز لا باس به وان دخل ذلك شرط او خيف ان يكون انما صنع ذلك العامل لصاحب المال ليقر ماله في يديه او انما صنع ذلك صاحب المال لان يمسك العامل ماله ولا يرده عليه فان ذلك لا يجوز في القراض وهو مما ينهى عنه اهل العلم قال ابو عمر ما قاله مالك رحمه الله في هذا الباب صحيح واضح لان الاصل المجتمع عليه في القراض ان تكون حصة العامل في الربح معلومة وكذلك حصة رب المال من الربح لا تكون ايضا الا معلومة فاذا شرط احدهما على صاحبه بضاعة يحملها له ويعمل فيها فقد ازداد على الحصة المعلومة ما تعود به مجهوله لان العمل في البضاعة له اجرة يستحقها العامل فيها قد ازدادها عليه رب المال والسلف من كل واحد هو في هذا المعنى اذا كان شيء من ذلك مشترطا في اصل عقد القراض واما ان تطوع منهما متطوع فلا باس اذا سلم عقد القراض من الفساد هذا وجه الفقه في هذه المسالة وما عداه فاستحباب وورع وترك مباح خوف مواقعة المحذور والله اعلم وهذا المعنى هو قياس قول الشافعي أيضا والكوفي وسائر اهل العلم ان شاء الله

وللتابعين فيه كراهية واجازة ذكر عبد الرزاق عن معمر عن ايوب عن بن سيرين قال لا باس ان يدفع الرجل مالا مضاربة على ان يحمل له بضاعة وعن معمر عن بن طاوس عن ابيه انه كرهه وعن الثوري وعن مغيرة عن ابراهيم انه كره ان يدفع إليه الفا مضاربه والفا قراضا والفا بضاعة باب السلف في القراض قال مالك في رجل اسلف رجلا مالا ثم ساله الذي تسلف المال ان يقره عنده قراضا قال مالك لا احب ذلك حتى يقبض ماله منه ثم يدفعه إليه قراضا ان شاء او يمسكه قال ابو عمر اختلف الفقهاء في هذه المسألة فمذهب مالك انه لا يجوز فان فعل فالقراض فاسد وما اشترى وباع فهو العامل الذي كان عليه الدين وهو قول ابي حنيفة واحد قولي الشافعي وقال ابو يوسف ومحمد لا يجوز وما اشترى وباع فهو للامر وللمقارض اجر مثله قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فاخبره انه قد اجتمع عنده وسأله ان يكتبه عليه سلفا قال لا احب ذلك حتى يقبض منه ماله ثم يسلفه اياه ان شاء او يمسكه وانما ذلك مخافة ان يكون قد نقص فيه فهو يحب ان يؤخره عنه على ان يزيده فيه ما نقص منه فذلك مكروه ولا يجوز ولا يصلح قال ابو عمر قد بين مالك الفقه لكراهية ما كره في هذه المسألة وسائر اهل العلم على كراهة ذلك وهو غير جائز عندهم الا ان علتهم في ذلك ان الدين لا يعود امانة حتى يقبض ثم يعاد وكذلك الامانة لا تعود في الذمة ولا تكون مضمونة الا بان يقبضها ربها ثم يسلفها فتنتقل إلى الذمة حينئذ وكره بن القاسم ان يقول رب الوديعة للمودع عنده اعمل بما تراها ولم يجبره

وكره اشهب ان يوقع وقال بن المواز لا بأس به ولم يختلفوا في انه لا يجوز ان يعمل بالدين قراضا باذن صاحبه قبل قبضه واختلفوا اذا اذن له رب الدين فعمل به قراضا فروى سحنون عن بن القاسم قال الربح والخسارة جميعا للمديان وعليه وقال اشهب ان عمل فالخسارة والربح على رب الدين باب المحاسبة في القراض قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فعمل فيه فربح فاراد ان ياخذ حصته من الربح وصاحب المال غائب قال لا ينبغي له ان ياخذ منه شيئا الا بحضرة صاحب المال وان اخذ شيئا فهو له ضامن حتى يحسب مع المال اذا اقتسماه قال مالك لا يجوز للمتقارضين ان يتحاسبا ويتفاصلا والمال غائب عنهما حتى يحضر المال فيستوفي صاحب المال راس ماله ثم يقتسمان الربح على شرطهما قال ابو عمر الاصل في القراض انه لا يجوز للعامل فيه ان يأخذ شيئا من ربحه الا بعد حضور راس المال عند صاحبه او بحضرته ولا يجوز عند الجميع ان يكون احد مقاسما لنفسه عن نفسه ولا احرى عنها ومعطيا لها ولو كان الشريك وصيا ما جاز له ان يقاسم نفسه عن ايتامه وانما يقاسمه عنهم وكيل الحاكم ولا بد من وكيل رب المال على المقاسمه او حضوره لنفسه وحضور مال القراض عند قسمة الربح لما وصفنا وللعلة التي ذكرنا في الباب قبل هذا فان اخذ المقارض حصته من الربح قبل القسمة ثم ضاع المال فقد اختلف الفقهاء فقال مالك اذا اذن له رب المال وقال رجوت السلامة والعامل مصدق فيما ادعاه من الضياع

وقال الشافعي والثوري وابو حنيفة اذا اقتسما الربح ومال المضاربة بيد المضارب على حاله فضاع بعد ذلك فان قسمتها باطل وما اخذه رب المال محسوب من راس ماله وما اخذه المضارب يرده قال مالك في رجل اخذ مالا قراضا فاشتري به سلعة وقد كان عليه دين فطلبه غرماؤه فادركوه ببلد غائب عن صاحب المال وفي يديه عرض ربح بين فضله فارادوا ان يباع لهم العرض فيأخذوا حصته من الربح قال لا يؤخذ من ربح القراض شيء حتى يحضر صاحب المال فيأخذ ماله ثم يقتسمان الربح على شرطهما قال ابو عمر ما تقدم من الكلام في هذا الباب يغني عن اعادته هنا قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فتجر فيه فربح ثم عزل راس المال وقسم الربح فاخذ حصته وطرح حصة صاحب المال في المال بحضرة شهداء اشهدهم على ذلك قال لا تجوز قسمة الربح الا بحضرة صاحب المال وان كان اخذ شيئا رده حتى يستوفي صاحب المال راس ماله ثم يقتسمان ما بقي بينهما على شرطهما قال ابو عمر الكلام فيما تقدم انه لا يكون مقاسما لنفسه ولا حاكما في اخذ حصته بمحضر شهود وبغير شهود يغني عن اعادته ها هنا قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فعمل فيه فجاءه فقال له هذه حصتك من الربح وقد اخذت لنفسي مثله وراس مالك وافر عندي قال مالك لا احب ذلك حتى يحضر المال كله فيحاسبه حتى يحصل راس المال ويعلم انه وافر ويصل إليه ثم يقتسمان الربح بينهما ثم يرد إليه المال ان شاء او يحبسه وانما يجب حضور المال مخافة ان يكون العامل قد نقص فيه فهو يحب ان لا ينزع منه وان يقره في يده وقد بين مالك رحمه الله وجه قوله واعتلاله في هذه المسألة وما قدمناه مما اعتل به غيره وجه ايضا وهو امر لا اختلاف فيه ان شاء الله تعالى وبالله التوفيق

باب ما جاء في القراض قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فابتاع به سلعة فقال له صاحب المال بعها وقال الذي اخذ المال لا ارى وجه بيع فاختلفا في ذلك قال لا ينظر إلى قول واحد منهما ويسأل عن ذلك اهل المعرفة والبصر بتلك السلعة فان راوا وجه بيع بيعت عليهما وان راوا وجه انتظار انتظر بها قال ابو عمر خالفه الشافعي والكوفيون فقالوا تباع في الوقت لان حصة رب المال في الربح كحصة العامل فلكل واحد منهما ان ينقض القراض قبل العمل وبعده لانه ليس بعقد لازم لواحد منهما وقد خالف سحنون بن القاسم في العامل بالقراض يبيع السلع بدين ثم يابى من تقاضي الثمن ويسلم ذلك إلى ربه ويرضى بذلك رب المال فقال بن القاسم لا باس بذلك وهو بمنزلة العامل يموت ويسلم ورثته المال إلى ربه يتقاضاه على انه لا شيء لهم من الربح وانكر ذلك سحنون ولم يبين الوجه الذي كرهه قال مالك في رجل اخذ من رجل مالا قراضا فعمل فيه ثم سأله صاحب المال عن ماله فقال هو عندي وافر فلما اخذه به قال قد هلك عندي منه كذا وكذا لمال يسميه وانما قلت لك ذلك لكي تتركه عندي قال لا ينتفع بانكاره بعد اقراره انه عنده ويؤخذ باقراره على نفسه الا ان ياتي في هلاك ذلك المال بامر يعرف به قوله فان لم يات بامر معروف اخذ باقراره ولم ينفعه انكاره قال ابو عمر هذا كما قال مالك لا خلاف في ذلك واما لو قال هلك بعد ذلك كان مصدقا عند الجميع الا ان يتبين كذبه قال مالك وكذلك ايضا لو قال ربحت في المال كذا وكذا فساله رب المال ان يدفع إليه ماله وربحه فقال ما ربحت فيه شيئا وما قلت ذلك الا لان تقره في يدي فذلك لا ينفعه ويؤخذ بإقراره الا ان ياتي بامر يعرف به قوله وصدقه فلا يلزمه ذلك

وهذا ايضا لا خلاف فيه وقد اجمعوا ان الرجوع في حقوق الادميين بعد الاقرار لا ينفع الراجع عما اقر به وانه يلزمه اقراره في اموال الادميين كلها قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فربح فيه ربحا فقال العامل قارضتك على ان لي الثلثين وقال صاحب المال قارضتك على ان لك الثلث قال مالك القول قول العامل وعليه في ذلك اليمين اذا كان ما قال يشبه قراض مثله قال ابو عمر لم يختلف اصحاب مالك في ان القول قول العامل في ذلك وذكر بن حبيب ان الليث خالفه في ذلك فقال يحملان على قراض مثلهما واختار بن حبيب قول مالك وذكره بن وهب في موطئه قال قال الليث يحملان على قراض المسلمين للنصف قال ابو عمر قد قال مالك ان العامل اذا جاء بما يستنكر لم يصدق ورد إلى قراض مثله وهو قول الليث وانما الاختلاف بينهما ان العامل لا يرد إلى قراض مثله اذا جاء بما يشبه ان يتقارض الناس عليه وانما يرد إلى قراض مثله اذا جاء بما يستنكر وبما لا يستنكر وقال ابو حنيفة واصحابه والثوري اذا ربح فقال رب المال شرطت لك النصف وقال العامل شرطت لك الثلثين فالقول قول رب المال وقال الشافعي يتحالفان ويكون للعامل اجر مثله على رب المال قال مالك في رجل اعطى رجلا مائة دينار قراضا فاشترى بها سلعة ثم ذهب ليدفع إلى رب السلعة المائة دينار فوجدها قد سرقت فقال رب المال بع السلعة فان كان فيها فضل كان لي وان كان فيها نقصان كان عليك لانك انت ضيعت وقال المقارض بل عليك وفاء حق هذا انما اشتريتها بمالك الذي اعطيتني قال مالك يلزم العامل المشتري اداء ثمنها إلى البائع ويقال لصاحب المال القراض ان شئت فاد المائة الدينار إلى المقارض والسلعة بينكما وتكون

قراضا على ما كانت عليه المائة الاولى وان شئت فابرأ من السلعة فان دفع المائة دينار إلى العامل كانت قراضا على سنة القراض الاول وان ابى كانت السلعة للعامل وكان عليه ثمنها قال ابو عمر قول الليث بن سعد في هذه المسالة كقول مالك سواء فان لم يكن للمقارض مال بيعت عليه السلعة وكان الربح له وعليه النقصان فان كان له مال وادى ثمنها كانت السلعة له اذا ابى رب المال من ادائه وان ادى رب المال الثمن كان القراض مستانفا على شرط القراض الاول هذا كله عندي معنى قول الشافعي لانه قال اذا اشترى العامل وجاء ليدفع الثمن فوجد المال قد ضاع فليس على رب المال شيء والسلعة للمقارض واما ابو حنيفة واصحابه فقالوا اذا اشترى وهلك المال في يده قبل ان ينتقد كان له الرجوع على رب المال ويكون راس المال ما دفع اولا واخرا مثال ذلك ان يكون المال الذي اخذه قراضا الف درهم فيشتري سلعة بالف درهم ويهلك المال في يده قبل ان ينتقده فانه يرجع على رب المال بالف درهم ويكون راس ماله في تلك المضاربة العين لا يستحق شيئا من الربح حتى تتم الالفان ثم الربح قال مالك في المتقارضين اذا تفاصلا فبقي بيد العامل من المتاع الذي يعمل فيه خلق القربة او خلق الثوب او ما اشبه ذلك قال مالك كل شيء من ذلك كان تافها لا خطب له فهو للعامل ولم اسمع احدا افتى برد ذلك وانما يرد من ذلك الشيء الذي له ثمن وان كان شيئا له اسم مثل الدابة او الجمل او الشاذكونه او اشباه ذلك مما له ثمن فاني ارى ان يرد ما بقي عنده من هذا الا ان يتحلل صاحبه من ذلك قال ابو عمر روى بن القاسم عن مالك انه سئل عن الجبة تفضل للعامل في القراض او نحو ذلك من ثيابه ثم يعامله رد المال هل ينزع ذلك منه فقال ما علمت انه يؤخذ مثل هذا منه وقال سحنون ما كان له بال اخذ منه وحسب في المال وما لم يكن له بال مثل الحبل والقربة والشيء الخفيف فانه يترك له قال ابو عمر قول الليث في هذه المسالة كقول مالك لانه قال لا يرد خلقا

تافها من الثياب ولا من الاسقية ولا الحبل وشبهه واما ابو حنيفة والشافعي واصحابهما فقالوا يرد قليل ذلك وكثيره واحتج بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضى الله عنها يا عائشة اياك ومحقرات الذنوب فان لها من الله طالبا

كتاب المساقاة باب ما جاء في المساقاة مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر يوم افتتح خيبر اقركم فيها ما اقركم الله عز وجل على ان الثمر بيننا وبينكم قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم ثم يقول ان شئتم فلكم وان شئتم فلي فكانوا ياخذونه مالك عن بن شهاب عن سليمان بن يسار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر قال فجمعوا له حليا من حلي نسائهم فقالوا له هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم فقال عبد الله بن رواحة يا معشر اليهود والله انكم لمن ابغض خلق الله الي وما ذاك بحاملي على ان احيف عليكم فاما ما عرضتم من الرشوة فانها سحت وانا لا ناكلها فقالوا بهذا قامت السماوات والارض قال ابو عمر هكذا روى مالك في حديثه عن سعيد بن المسيب مرسلا وتابعه معمر واكثر اصحاب بن شهاب على ارساله وقد وصلته منهم طائفة منهم صالح بن ابي الاخضر عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر دعا اليهود فقال نعطيكم الثمر على ان تعملوها اقركم ما اقركم الله فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة

فيخرصها عليهم ثم يخبرهم أياخذون بخرصه ام يتركون واختلف العلماء في افتتاح خيبر هل كان عنوة او صلحا او خلا اهلها عنها بغير قتال فحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني يعقوب بن ابراهيم وزياد بن ايوب قالا حدثني إسماعيل بن ابراهيم عن عبد العزيز بن صهيب عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فاصبناها عنوة فاحتج بهذا من جعل فتح خيبر عنوة واحتجوا ايضا برواية معمر عن بن شهاب في هذا الحديث فقال خمس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ولم يكن له ولا لاصحابه عمال يعملونها ويزرعونها فدعا يهود خيبر وكانوا قد اخرجوا منها فدفع اليهم خيبر على ان يعملوها على النصف يؤدونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه وقال لهم اقركم على ذلك ما اقركم الله وذكر تمام الخبر قالوا ولا يخمس الا ما كان اخذ عنوة واوجف المسلمون عليه بالخيل والرجل وقال اخرون كانت خيبر حصونا كثيرة فمنها ما اخذ عنوة بالقتال والغلبة ومنها ما صالح عليه اهلها ومنها ما اسلمه اهله للرعب والخوف بغير قتال طلبا لحقن دمائهم وروى بن وهب عن مالك عن بن شهاب ان خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحا قال و الكتيبة اكثرها عنوة ومنها صلح قال بن وهب قلت لمالك وما الكتيبة قال من ارض خيبر وهي اربعون الف عذق قال مالك وكتب المهدي امير المؤمنين ان تقسم الكتيبة مع صدقات النبي صلى الله عليه وسلم فهم يقسمونها في الاغنياء والفقراء وقيل لمالك افترى ذلك للاغنياء قال لا ولكن ارى ان تفرق على الفقراء

وقال موسى بن عقبة كان مما افاء الله على المسلمين من خيبر نصفها فكان النصف لله ولرسوله والنصف الاخر للمسلمين فكان الذي لله ولرسوله النصف وهي الكتيبة والوطيحة وسلالم ووحدة وكان النصف الثاني للمسلمين نطاة والشق قال ابو عمر قد ذكرنا في التمهيد في باب بن شهاب عن سعيد بن المسيب من الاثار المرفوعة وغيرها في فتح خيبر وكيف كانت قسمتها ما فيه كفاية ولم يختلف اهل العلم في ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم نصفها وانما اختلفوا في قسمه جميعها وذكرنا هناك اختلاف العلماء في قسمة الارضين وفي توقيفها واختصار ذلك ان مالكا واصحابه كانوا يرون ان كل بلدة تفتح عنوة فان ارضها موقوفة حكمها حكم التي لكل من حضرها ومن لم يحضرها ومن ياتي من المسلمين بعد إلى يوم القيامة على ما صنع عمر رضي الله عنه بارض سواد العراق وارض مصر والشام جعلها موقوفة مادة للمسلمين اهل ذلك المصر ومن يجيء بعدهم واحتج عمر رضي الله عنه في ذلك بالاية في سورة الحشر ما افاء الله على رسوله من اهل القرى الاية إلى قوله والذين جاءو من بعدهم الحشر وقال ما احد الا وله في هذا المال حق حتى الراعي وكان يفرض للمنفوس والعبد وروى مالك عن زيد بن اسلم عن ابيه عن عمر قال لولا اخر الناس ما افتتحت قرية الا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر رواه بن مهدين وغيره عن مالك وكان فعل عمر في توقيف الارض بمحضر من الصحابة من غير نكير فدل ذلك على ان معنى قول الله عز وجل واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول الانفال فيما عدا الارضين وان الارض لا تدخل في عموم هذا اللفظ واستدل من ذهب إلى هذا بان الغنائم التي احلت للمسلمين ولم تحل لاحد قبلهم انما كانت ما تاكله النار

وذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني يحيى بن عبد الحميد قال حدثني ابو معاوية عن الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتاكلها وذكر تمام الخبر وروى معمر عن همام بن منبه عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا نبي من الانبياء فقال لا ينبغي احد ملك بضع امراة وهو يريد ان يبني بها وذكر الحديث وفيه انه غزا قرية فدنا منها بعد العقد فقال للشمس انك مامورة وانا مامور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه فجمع الغنائم فجاءت النار لتاكلها فلم تطعمها فقال ان فيكم غلولا فليبايعني من كل قبيلة رجل فبايعوه فلصقت يد رجل بيده فقال فيكم الغلول فلتبايعني قبيلتك فبايعته قال فلصقت بيد رجلين او ثلاثة فقال فيكم الغلول انتم غللتم فجاؤوا براس بقرة من ذهب فوضعوها فجاءت النار فاكلتها ثم احل الله لنا الغنائم لما راى من عجزنا وضعفنا احلها لنا رواه عبد الرزاق وهشام بن يوسف وبن المبارك ومحمد بن ثور عن معمر بمعنى واحد ومما روي ان هارون عليه السلام امر بني إسرائيل ان يحرقوا ما كان بايديهم من متاع فرعون فجمعوه واحرقوه فالقى السامري فيه القبضة التي كانت في يده من اثر الرسول يقال من اثر جبريل عليه السلام فصارت عجلا له خوار ومعلوم ان الارض لم تجر هذا المجرى إلى اشياء اخرى احتجوا بها ليس فيها بيان قاطع احسنها حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها ومنعت ها هنا بمعنى ستمنع قالوا وهو ما ضربه عمر على كل جديب من الارضين المفتتحة وعلى ما ذهب إليه مالك في توقيف الأرضين جماعة الكوفيين الا انهم قالوا ان الامام مخير

في الارض ان شاء قسمها واهلها بين الغانمين كسائر الغنيمة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وان شاء اقر اهلها عليها وجعل عليهم الخراج وتكون ملكا لهم يجوز بيعهم لها كسائر ما يملكون واما مالك فلا يرى الامام مخيرا في ذلك وارض العنوة عنده غير مملوكة وانما المملوكة عنده ارض الصلح التي صالح عليها اهلها وقد شرحنا هذه المعاني في التمهيد وكان الشافعي واصحابه يذهبون إلى ان الامام يقسم الارض في كل ما افتتح عنوة كما يقسم سائر الغنائم وان اربعة اخماسها مملوكة للموجفين عليها بالخيل والركاب ومن حضر القتال والفتح من مقاتل ومكتر بالغ حر وانما الخمس عنده المقسوم على ما نص الله تعالى في كتابه في سورة الانفال وقد ذكرنا معاني الخمس واختلاف اهل العلم في كتاب الجهاد وانما ذكرنا ها هنا طرفا من احكام الارضين المفتتحات عنوة لما جرى من فتح خيبر واختلف العلماء في ذلك وحجة الشافعي فيما ذهب إليه من هذا الباب عموم قول الله عز وجل واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه الاية الانفال يعني والاربعة الاخماس للغانمين فملكهم كل ما غنموا من ارض وغيرها مع ما روي في خيبر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمها بين اهل الحديبية الذين وعدهم الله تعالى بها وهم الذين افتتحوها واما قوله في حديث مالك في هذا الباب اقركم ما اقركم الله فالمعنى في ذلك والله اعلم انه صلى الله عليه وسلم كان يكره ان يكون بارض العرب غير المسلمين وكان يحب الا يكون فيها دينان كنحو محبته في استقبال الكعبة حتى نزلت قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضها الاية البقرة وكان لا يتقدم في شيء الا بوحي وكان يرجو ان يحقق الله رغبته في ابعاد اليهود عن جواره فذكر ليهود خيبر ما ذكر منتظرا للقضاء فيهم فلم يوح إليه في ذلك شيء حتى حضرته الوفاة فاتاه الوحي في ذلك فقال لا يبقين دينان بارض العرب وأوصى بذلك والشواهد بما ذكرنا كثيرة جدا منها ما ذكره معمر عن بن شهاب عن بن

المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى اليهود على ان يعملوا فيها ولهم شطرها قال فمضى على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وصدرا من خلافة عمر ثم اخبر عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي مات فيه لا يجتمع دينان بارض الحجاز او قال بارض العرب ففحص عنه حتى وجد الثبت عليه فقال من كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليات به والا فاني مجليكم فاجلاهم عمر وقد ذكرنا كثيرا من الاثار بهذا المعنى في التمهيد والحمد لله وليس في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود اقركم الله دليل على ان المساقاة تجوز إلى مجهول او إلى غير اجل لان في قوله اقركم ما اقركم الله دليلا واضحا على ان ذلك خصوص لانه كان ينتظر في ذلك القضاء من ربه وليس كذلك غيره وقد احكمت الشريعة معاني الاجارات وسائر المعاملات وجمهور العلماء بالمدينة وغيرها المجيزون للمساقاة لا تجوز عندهم الا إلى سنين معلومة او اعوام معدودة الا انهم يكرهونها فيما طال من السنين وقد قيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم اقركم ما اقركم الله وكان يخرص عليهم لان الله عز وجل كان قد افاء عليه وعلى من معه خيبر بمن فيها فكانوا له عبيدا كما قال بن شهاب افاءها الله واهلها عليهم فاقرهم فيها صلى الله عليه وسلم ليعملوها على الشطر ومعلوم انه جائز بين السيد وعبده في البيع وغيره ما لا يجوز بين الاجنبيين لان العبد لسيده اخذ ما بيده من المال عند الجميع لا يختلف في ذلك من يراه يملك ومن يقول انه لا يجوز ان يملك واما الخرص في المساقاة فان ذلك غير جائز عند جمهور العلماء لان المتساقيين شريكان فلا يقتسمان الثمرة الا بما يجوز من بيع الثمار بعضها ببعض وبما لم يدخله المزابنة لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ومن قال هذا قال انما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إلى يهود خيبر من يخرص الثمار عليهم عند طيبها لاحصاء الزكاة لان المساكين ليسوا شركاء متعينين والشركاء اليهود ولو تركوا واكل الثمر رطبا والتصرف فيه بالعطية اضر ذلك بالمسلمين وبسهم المساكين فخرصت عليهم لذلك واهل الاموال امناء في ذلك مع ما وصفنا من قولهم ان اليهود كانوا عبيدا للمسلمين والله اعلم

وسنذكر اختلاف قول مالك واصحابه في قسمة الثمار بين الشركاء في رؤوس الشجر عند اختلاف اغراضهم في ذلك في موضعه ونذكر من خالفهم في ذلك ومن تابعه عليه ان شاء الله عز وجل وقد اختلف العلماء قديما في جواز المزارعة والمساقاة فقال مالك المساقاة جائزة والمزارعة لا تجوز وهو قول الليث بن سعد في رواية وقول الشافعي في المزارعة عندهم اعطاء الارض بالثلث او الربع او جزء مما تخرج الارض الا ان مالكا اجاز من المزارعة في الارض البيضاء ما كان من النخل والشجر اذا كان تبعا لثمن الشجر وذلك ان تكون الارض بين النخل الثلث والنخل الثلثين ويكون ما تخرج الارض للعامل او بينهما وقال ابو حنيفة وزفر لا تجوز المزارعة ولا المساقاة بوجه من الوجوه وادعوا ان المساقاة منسوخة بالنهي عن المزابنة وان المزارعة منسوخة بالنهي عن الاجارة المجهولة وكراء الأرض ببعض ما تخرج ونحو هذا وقال بن ابي ليلى والثوري وابو يوسف ومحمد تجوز المساقاة والمزارعة جميعا وهو قول الاوزاعي والحسن بن حي واحمد واسحاق وحجتهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقى يهود خيبر على شرط ما تخرج الارض والثمرة وسياتي القول فيما يجوز به كراء الارض في باب كراء الارض ان شاء الله عز وجل واختلفوا فيما تجوز فيه المساقاة فقال مالك تجوز المساقاة في كل اصل ثابت يبقى نحو النخل والرمان والتين والفرسك والعنب والورد والياسمين والزيتون وما كان مثل ذلك مما له اصل يبقى وهو قول ابي ثور قال مالك ولا تجوز المساقاة في كل ما يجنى ثم يخلف نحو القصب والموز والبقول لان بيع ذلك جائز وبيع ما يجنى بعده قال مالك وتجوز المساقاة في الزرع اذا استقل على وجه الارض وعجز صاحبه عن سقيه ولا تجوز مساقاته الا في هذه الحال بعد عجز صاحبه عن سقيه

قال مالك لا باس بمساقاة القثاء والبطيخ اذا عجز عنه صاحبه ولا تجوز مساقاة الموز والقصب بحال حكى ذلك كله عن مالك بن القاسم وبن وهب وبن عبد الحكم وقال الشافعي لا تجوز المساقاة الا في النخل والكرم لان ثمرهما بائن من شجره ولا حائل دونه يمنع احاطة النظر به قال وثمر غيرهما متفرق بين اضعاف ورق شجره لا يحاط بالنظر إليه قال واذا ساقى على نخل فيها بياض فان كان لا يوصل إلى عمل البياض الا بالدخول على النخل وكان لا يوصل إلى سقية الا بشرك النخل في الماء وكان غير مثمر جاز ان يساقي عليه في النخل لا منفردا وحده قال ولولا الخبر في قصة خيبر لم يجز ذلك لانه كراء الارض ببعض ما يخرج منها وهي المزارعة المنهي عنها قال وليس للعمل في النخل ان يزرع البياض الا باذن ربه فان فعل كان كمن زرع ارض غيره قال ابو عمر ما اعتل به الشافعي في جواز المساقاة في النخل والعنب دون غيرها من الاصول فان ثمرتها ظاهرة لا حائل دونهما يمنع منها لاحاطة النظر اليها ليس بشيء لان الكمثري والتين وحب الملوك وعيون البقر والرمان والاترج والسفرجل وما كان مثل ذلك كله يحاط بالنظر إليه كما يحاط بالنظر إلى النخل والعنب والعلة له ان المساقاة لا تجوز الا فيما يجوز فيه الخرص والخرص لا يجوز الا فيما وردت به السنة فأخرجته عن المزابنة كما اخرجت العرايا منهما وذلك النخل والعنب خاصة بحديث عتاب بن اسيد في ذلك حدثناه خلف بن قاسم حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا خالد بن النفر بالبصرة قال حدثنا عمرو بن علي قال حدثني يزيد بن زريع وبشر بن المفضل قالا حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عتاب بن اسيد وامره ان يخرص العنب وتؤدى زكاته كما تؤدى زكاة النخل تمرا

ورواه بشر بن منصور عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن اسيد فوصله في الظاهر وليس بمتصل عند اهل العلم لان عتاب بن اسيد مات بمكة في اليوم الذي مات فيه ابو بكر الصديق رضي الله عنه او في اليوم الذي ورد النعي بموته بمكة وسعيد بن المسيب انما ولد لسنتين مضتا لخلافة عمر رضي الله عنه فالحديث مرسل على كل حال واجاز المساقاة في الاصول كلها ابو يوسف ومحمد واما الخرص في المساقاة وغيرها للزكاة فأجازه مالك والشافعي والاوزاعي والليث ومحمد بن الحسن وذكر محمد بن الحسن في الاملاء ان ابا حنيفة اجاز الخرص للزكاة خاصة في غير المساقاة وكره الثوري الخرص ولم يجزه بحال من الاحوال وقال الخرص غير مستعمل قال واما على رب الحائط ان يؤدي عشر ما يصير في يده للمساكين اذا بلغ خمسة اوسق وروى الثوري وغيره عن الشيباني عن الشعبي قال الخرص اليوم بدعه وقال داود بن علي الخرص للزكاة جائزة في النخل خاصة دون العنب ودون غيرهما من الثمار ودفع حديث عتاب بن اسيد من وجهين احدهما انه مرسل والثاني انه انفرد به عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري وليس بالقوي قال ابو عمر اكثر العلماء لا يجيزون القسمة في الثمار الا كيلا بعد تناهيها ويبسها وقد أجازها منهم قوم واختلف فيها اصحابنا فذكر بن حبيب ان بن القاسم كان يقول به ورواه عن مالك انه لا تجوز قسمة الثمار في رؤوس النخل والاشجار اذا اختلف حاجة الشريكين الا التمر والعنب فقط واما الخوخ والرمان والسفرجل والقثاء والبطيخ وما اشبه ذلك من

الفواكه التي يجوز فيها التفاضل يدا بيد فان مالكا لم يجز قسمتها على التحري وكان يقول المخاطرة تدخله حتى يتبين فضل احد النصيبين على صاحبه قال وقال مطرف وبن الماجشون واشهب لا بأس باقتسامه على التحري والتعديل او على التجاوز والرضا بالتفاضل وهو قول اصبغ قال وبه اقول لان ما جاز فيه التفاضل جاز فيه التحري وذكر سحنون عن بن القاسم عن مالك انه سأله غير مرة عن قسمة الفواكه بالخرص فأبى ان يرخص في ذلك قال وذلك ان بعض اصحابنا ذكر انه سأل مالكا عن قسمة الفواكه بالخرص فأرخص فيه فسألته عن ذلك فأبى ان يرخص لي فيه وقال اشهب سألت مالكا مرات عن تمر النخل والاعناب وغيرها من الثمار تقسم بالخرص فكل ذلك يقول لي اذا طابت الثمرة من النخل وغيرها اقسمت بالخرص واختار هذه الرواية يحيى بن عمر قياسا على جواز العرايا وغيرها بالخرص في غير النخل والعنب كما تجوز في النخل والعنب قال ويجوز بيع ذلك كله بعضه ببعض بخرصه إلى الجذاذ قال ابو عمر اما قوله ويجوز بيع ذلك كله بخرصه إلى الجذاذ فلا اعلم احدا قاله قبل يحيى بن عمر في بيع الثمار بعضها ببعض الا في العرايا خاصة واما في غير العرايا فلا وكيف يجوز ذلك وهو تدخله المزابنه المنهي عنها ويدخله بيع الرطب باليابس وبيع الطعام بالطعام نسيئة وانما اجاز مالك ذلك في العرايا خاصة لما ورد فيها من تخصيص مقدارها من المزابنة قال يحيى بن عمر اشهب لا يشترط في الثمار الا طيبها ثم يقسمها بين اربابها بالخرص ولا يلتفت إلى اختلاف حاجاتهم ورواه عن مالك قال وبن القاسم يقول لا يجوز ان يقتسم بينهم بالخرص الا ان يختلف غرض كل واحد منهم فيريد احدهما ان يبيع ويريد الاخر ان ييبس ويدخر ويريد الاخر ان يأكل فحينئذ يجوز لهم قسمتها بالخرص اذا وجد من اهل المعرفة من

يعرف الخرص فان لم تختلف حاجتهم لم يجز ذلك وان اتفقوا على ان يبيعوا او على ان يأكلوا رطبا او على ان يجدوها تمرا لم يقتسموها بالخرص واما الشافعي فتحصيل مذهبه ان الشركاء في النخل المثمر اذا اقتسمت الاصول بما فيها من الثمرة جاز لان الثمرة تبع الاصول بالقسمة والقسمة عنده مخالفة للبيوع قال لانها تجوز بالقرعة والبيع لو وقع بالقرعة لم يجز وايضا فان الشريك يجبر على القسمة ولا يجبر على البيع وايضا فان التحابي في قسمة الصدقة وغيرها جائز وذلك معروف وتطوع ولا يجوز ذلك في البيع ولا يجوز عند الشافعي قسمة الثمرة دون الاصول قبل طيبها بالخرص على حال وتجوز عنده قسمتها مع الاصول على ما وصفنا وقد قال في كتاب الصرف تجوز قسمتها بالخرص اذا طابت وحل بيعها والاول اشهر في مذهبه عند اصحابه قال مالك اذا ساقى الرجل النخل وفيها البياض فما ازدرع الرجل الداخل في البياض فهو له قال وان اشترط صاحب الارض انه يزرع في البياض لنفسه فذلك لا يصلح لان الرجل الداخل في المال يسقي لرضب الارض فذلك زيادة ازدادها عليه قال وان اشترط الزرع بينهما فلا بأس بذلك اذا كانت المؤونة كلها على الداخل في المال البذر والسقي والعلاج كله فان اشترط الداخل في المال على رب المال ان البذر عليك كان ذلك غير جائز لانه قد اشترط على رب المال زيادة ازدادها عليه وانما تكون المساقاة على ان على الداخل في المال المؤونة كلها والنفقة ولا يكون على رب المال منها شيء فهذا وجه المساقاة المعروف قال ابو عمر لم يجز مالك في المساقاة الا ما وردت به السنة فيها والعمل لانها خارجة عن اصول البياعات والاجارات فلم يتعد بها موضعها كسائر المخصوصات الخارجة عن اصولها الاستثناء بها منها وغيره يجيز ان يكون البذر في البياض منهما معا ويقول ذلك ما جوز وابعد من المزارعة عندهما بالثلث وهي كراء الارض ببعض ما تخرجه هذا قول الشافعي واصحابه واما ابو يوسف ومحمد فالمزارعة عندهما بالثلث والربع جائزة

وهو قول الليث بن سعد فيما رواه يحيى بن يحيى عنه وهو قول احمد بن حنبل وغيرهم وجائز عندهم المساقاة على النخل والارض نحو مما يخرج هذه وهذه على ما روى في مساقاة خيبر على النصف مما تخرج الارض والنخل وقد تقدم عن ابي حنيفة وزفر انه لا يجوز عندهما المزارعة ولا المساقاة وقد تقدم القول في معنى هذه المسألة كلها والحمد لله قال مالك في العين تكون بين الرجلين فينقطع ماؤها فيريد احدهما ان يعمل في العين ويقول الاخر لا اجد ما اعمل به انه يقال للذي يريد ان يعمل في العين اعمل وانفق ويكون لك الماء كله تسقي به حتى يأتي صاحبك بنصف ما انفقت فاذا جاء بنصف ما انفقت اخذ حصته من الماء وانما اعطي الاول الماء كله لانه اتفق ولو لم يدرك شيئا بعمله لم يعلق الاخر من النفقة شيء قال ابو عمر قول مالك هذا قول حسن وحجته له بذلك وقول الكوفيين نحوه الا انهم قالوا لا يكون ذلك الا بقضاء قاض وحكومة حاكم فان انفق دون قضاء الحاكم رغبة في ان يتميز له ما يريده من عمل حصته كان متطوعا بنفقته ولا شيء له على شريكه ويأخذ حصته كاملة يعتلها معه وقال الشافعي لا يجبر الشريك على الانفاق ويقال لشريكه ان شئت تطوع بالانفاق وان شئت فدع وقضاء القاضي وغيره في ذلك سواء لان ليس لاحد ان يلزم غيره دينا لم يجب عليه بغير رضا منه قال مالك واذا كانت النفقة كلها والمؤونة على رب الحائط ولم يكن على الداخل في المال شيء الا انه يعمل بيده انما هو اجير ببعض الثمر فان ذلك لا يصلح لانه لا يدري كم اجارته اذا لم يسم له شيئا يعرفه يعمل عليه لا يدري ايقل ذلك ام يكثر قال ابو عمر هذا قول كل من يجيز المساقاة انه لا يجوز الا على سنتها وان العمل على الداخل لا رب الحائط والقائم كل ما يحتاج إليه بالمزارعة عند من يجيزها قال مالك وكل مقارض او مساق فلا ينبغي له ان يستثني من المال ولا من

النخل شيئا دون صاحبه وذلك انه يصير له اجيرا بذلك يقول اساقيك على ان تعمل لي في كذا وكذا نخلة تسقيها وتأبرها واقارضك في كذا وكذا من المال على ان تعمل لي بعشرة دنانير ليست مما اقارضك عليه فان ذلك لا ينبغي ولا يصلح وذلك الامر عندنا قال ابو عمر تشبيه مالك صحيح لان القول في المساقاة كالمعنى الواحد لا تجوز في واحد منهما الزيادة على الخبر الذي يقع عليه الشرط والعقد فيهما لانه اذا كان ذلك كان الاجر ان يكون ذلك الجزء مجهولا وقد اوضحنا هذا المعنى في القراض والحمد لله كثيرا قال مالك والسنة في المساقاة التي يجوز لرب الحائط ان يشترطها على المساقي شد الحظار وخم العين وسرو الشرب وابار النخل وقطع الجريد وجذ الثمر هذا واشباهه على ان للمساقي شطر الثمر او اقل من ذلك او اكثر اذا تراضيا عليه غير ان صاحب الاصل لا يشترط ابتداء عمل جديد يحدثه العامل فيها من بئر يحتفرها او عين يرفع راسها او غراس يغرسه فيها يأتي بأصل ذلك من عنده او ضفيرة يبنيها تعظم فيها نفقته وانما ذلك بمنزلة ان يقول رب الحائط لرجل من الناس بن لي ها هنا بيتا او احفر لي بئرا او اجر لي عينا او اعمل لي عملا بنصف ثمر حائطي هذا قبل ان يطيب ثمر الحائط ويحل بيعه فهذا بيع الثمر قبل ان يبدو صلاحه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها قال مالك فأما اذا طاب الثمر وبدا صلاحه وحل بيعه ثم قال رجل لرجل اعمل لي بعض هذه الاعمال لعمل يسميه له بنصف ثمر حائطي هذا فلا بأس بذلك انما استأجره بشيء معروف معلوم قد راه ورضية فأما المساقاة فانه ان لم يكن للحائط ثمر او قل ثمره او فسد فليس له الا ذلك وان الاجير لا يستأجر الا بشيء مسمى لا تجوز الاجارة الا بذلك وانما الاجارة بيع من البيوع انما يشتري منه عمله ولا يصلح ذلك اذا دخله الغرر لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر قال ابو عمر اراد مالك رحمه الله بكلامه هذا بيان الفرق بين المساقاة والاجارة وان المساقاة ليست من الاجارة في شيء فإنها اصل في نفسها كالقراض لا يقاس عنده عليها شيء من الاجارات

ان الإجارات عنده بيع من البيوع لا يجوز فيها الغرر وقوله في ذلك كله هو قول جمهور العلماء ومنهم من يأبى ان يجعل الاجارة من باب البيوع وهو قول اهل الظاهر لانها منافع لم تخلق وقد نهى رسول الله عن بيع ما لم يخلق لانها ليست عينا وليست البيوع الا في الاعيان وقالوا الاجازة باب منفرد بسنته كالمساقاة وكالقراض واما قوله في هذه المسألة شد الحظار فروي بالشين المنقوطة وهو الاكثر عن مالك في الرواية ويروى عنه بالسين على معنى سد الثلمة واما بالشين معناه تحصين الزروب التي حول النخل والشجر وكل ذلك متقارب المعنى واما خم العين فتنقيتها والمخموم النقي ومنه يقال رجل مخموم القلب اذا كان نقي القلب من الغل والحسد واما سرو الشرب فالسرو الكنس للحوض وللشرب جمع شربة وهي الحياض التي حول النخل والشجر وجمعها شرب وهي حياض يستنقع فيها الماء حول الشجر ويقال في القليل منها شربات كما قال زهير يخرجن من شربات ماؤها طحل وابار النخل تذكيرها بطلع الفحل وقطع الجريد قطع جرائد النخل اذا كسرت وقد يصنع مثل ذلك بالشجر وهو ضرب من قطع قضبان الكرم و جذ الثمر جمعه وهو مثل حصاد الزرع وقطع العنب واختلف الفقهاء في الذي عليه جذاذ الثمر منهما فقال مالك ما وصفنا عليه جماعة اصحابه الا انهم قالوا ان اشترط المساقي على رب المال جذاذ الثمر وعصر الزيتون جاز وان لم يشترطه فهو على العامل ومن اشترط عليه منهما جاز وقال محمد بن الحسن الشيباني والتلقيح والخبط حتى يصير تمرا على

العامل فاذا بلغ الجذاذ كان عليهما بنصفين ان كان الشرط نصفين قال ولو ان صاحب النخل اشترط في اصل المساقاة الجذاذ والخبط حتى يصير ثمرا على العامل فاذا بلغ الجذاذ والخبط بعد ما بلغ على العامل كانت المساقاة فاسدة وقال الشافعي ان اشترط المساقي على رب المال جذاذ الثمر او قطف العنب لم يجز فكانت المساقاة فاسدة وانما شد الحظار عند مالك على العامل كما عليه كما وصفنا من ابار النخل وقطع الجريدة ونوى النطيح والخبط حتى يصير تمرا وقال الشافعي كل ما كان داعيته إلى الاستزادة في العدة من اصلاح الماء بطريقه وقطع الحشيش المضر بالنخل ونحوه فشرطه على العامل واما شد الحظار فليس عنه مشترى في الثمن ولا صلاح لها ولا يجوز اشتراطه على العامل وقال محمد بن الحسن لا يجوز اشتراط تنقية المسقاة والانهار على العامل وان اشترط ذلك عليه كانت المعاملة فاسدة قال ابو عمر قول مالك في هذا الباب أولى بالصواب لان ذلك كله عمل في الحائط يصلحه وينعقد وعلى ذلك يستحق المساقي نصيبه من عدمه فأما الذي لا يجوز اشتراطه على العامل مما لا يعود منه فائدة على العامل في حصته ما ينفرد به رب الحائط دونه لانه حينئذ يصير زيادة استاجره عليها المجهول من الثمن قال مالك السنة في المساقاة عندنا انها تكون في اصل كل نخل او كرم او زيتون او رمان او فرسك او ما اشبه ذلك من الاصول جائز لا باس به على ان لرب المال نصف التمر من ذلك او ثلثه او ربعه او اكثر من ذلك او اقل قال مالك والمساقاة ايضا تجوز في الزرع اذا خرج واستقل فعجز صاحبه عن سقيه وعمله وعلاجه فالمساقاة في ذلك ايضا جائزة قال ابو عمر قد مضى القول فيما تجوز فيه المساقاة من الشجر المثمر كله على اختلاف انواعه وما في ذلك بين العلماء من المذاهب وقول ابي يوسف ومحمد في ذلك نحو قول مالك

واما المساقاة في الزرع فتجوز عند مالك على ما شرط وذكر في موطئه ولا تجوز عنده اذا لم يعجز صاحبه عن سقيه وقال الليث بن سعد لا يساقي الزرع بعد ان يستقل قال فاما القصب فيجوز فيه المساقاة فان القصب اصل وقال محمد بن الحسن جائز ان يساقي الزرع قبل ان يستحقه ولا تجوز المساقاة عند الشافعي في غير النخل والعنب ولا يجوز عند داود الا في النخل خاصة وقد تقدم ذكر ذلك واختلف اصحابنا في استثناء العامل زرعا يكون بين النخل فروى بن وهب عن مالك ان ذلك جائزن وهو بمنزلة البياض يشترطه العامل لنفسه ذكره بن عبدوس قال وانكر ذلك عليه سحنون الا هاء ولا يجوز له ان يستثني البذر فكيف يستثني الزرع واختلفوا ايضا في مساقاة الموز وقد ذكر بن المواز عن بن القاسم واشهب انهما قالا يجوز فيه المساقاة قال وقد كان بن القاسم اجازه في مجلس ابي زيد وليس بشيء قال ابو عمر قد تقدم عن مالك انه لا تجوز المساقاة في القصب وهو تحصيل مذهبه عند اصحابه الا ما يجوز في الزرع والمقتات ونحوها واختلف الفقهاء في مساقاة البصل فاجازها مالك والشافعي واصحابهما ومحمد بن الحسن والحسن بن حي وذلك عندهم على التلقيح والزبر والحضر والحفظ وما يحتاج إليه من العمل وقال الليث لا تجوز المساقاة في البصل ولا يجاز الا فيما يسقى قال مالك لا تصلح المساقاة في شيء من الاصول مما تحل فيه المساقاة اذا كان فيه ثمر قد طاب وبدا صلاحه وحل بيعه وانما ينبغي ان يساقي من العام المقبل وانما مساقاة ما حل بيعه من الثمار اجارة لانه انما ساقى صاحب الاصل ثمرا قد بدا صلاحه على ان يكفيه اياه ويجذه له بمنزل الدنانير والدراهم يعطيه

اياها وليس ذلك بالمساقاة انما المساقاة ما بين ان يجذ النخل إلى ان يطيب الثمر ويحل بيعه قال مالك ومن ساقى ثمرا في اصل قبل ان يبدو صلاحه ويحل بيعه فتلك السماقاة بعينها جائزة قال ابو عمر قد كرر هذا المعنى وهو مفهوم جدا وكل من اجاز المساقاة لم يجزها الا فيما لم يخلق وفيما لم يبد صلاحه من الثمار ويعمل العامل في الشجر من الحفر والزبر وسائر العمل ما يحتاج إليه وتصلح ثمرتها به على حد ما يخرجه الله فيها من الثمر كالقراض يعمل العامل في المال حد ما يرزقه الله فيه من الربح وهذان اصلان مخالفان للبيوع وللاجارات وكل عندنا اصل في نفسه يجب التسليم له والعمل به وذكر بن عبدوس ايضا عن سحنون انه قال لا باس بمساقاة التي يعلم ان يبدو صلاحها لانها اجارة شيء معلوم والعامل في ذلك اجير باجره معلومة قال ابو عمر اذا كان هذا فليست مساقاة وانما الذي يعطيه في عمله من الثمر الذي حل بيعه بمنزلة الدنانير والدراهم كما قال مالك رحمه الله واما الشافعي فاختلف قوله فمرة قال مثل مالك تجوز المساقاة في الحائط وان بدا صلاحه ومرة قال لا تجوز قال مالك ولا ينبغي ان تساقى الارض البيضاء وذلك انه يحل لصاحبها كراؤها بالدنانير والدراهم وما اشبه ذلك من الاثمان المعلومة قال ابو عمر ظاهر هذا الكلام يدل على انه يخبر ان تكرى الارض بكل ثمن معلوم وليس ذلك بمذهب مالك وانما هو قول الشافعي جائز عنده ان تكرى الارض بكل ما تكرى به الدور والحوانيت من العين المعلوم وزنها والعروض كلها الجائز بيعها في ملكها على سنتها طعاما كانت او غير طعام ان تكون بجزء ما تخرجه يقل مرة ويكثر اخرى وربما لم يخرج شيئا فلا هذا عنده المزارعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال بن نافع جائز كراء الارض بشيء من الطعام والادام وغير ذلك ما عدا الحنطة واخواتها يعني البر والشعير والسلت فانها محاقلة

وقال بن كنانه لا تكرى الارض بشيء اذا اعيد فيها نبت ولا باس ان تكرى بما سوى ذلك من الطعام وغيره من جميع الاشياء كلها ما يؤكل وما لا يؤكل ذكر ذلك عنه بن حبيب وقال واما مالك واصحابه بن القاسم واشهب وبن حبيب ومطرف وعبد الله وبن عبد الحكم وأصبغ فانهم قالوا لا تكرى الارض بشيء يخرج منها اكلا ولم يؤكل فلا شيء ما يؤكل او يشرب خرج منها او لم يخرج منها وفي المدونة لابن القاسم عن مالك مثل ذلك ان الارض لا تكرى بشيء من الطعام كان ما يخرج منها او لم يخرج منها كان ما تزرع فيها او لا تزرع ولا من الادام كله قال العسل والسمن واللبن وسائر الادام والطعام كله وذكر بن سحنون عن المغيرة انه كان يقول لا بد من ان تكرى الارض بطعام لا يخرج منها وذكر يحيى بن عمر عن المغيرة انه لا يجوز ذلك قال فاما الرجل الذي يعطي ارضه البيضاء بالثلث او الربع مما يخرج منها فذلك مما يدخله الغرر لان الزرع يقل مرة ويكثر مرة وربما هلك راسا فيكون صاحب الارض قد ترك كراء معلوما يصلح له ان يكري ارضه به واخذ امرا غررا لا يدري ايتم ام لا فهذا مكروه وانما ذلك مثل رجل استاجر اجيرا لسفر بشيء معلوم ثم قال الذي استاجر الاجير هل لك ان اعطيك عشر ما اربح في سفري هذا اجارة لك فهذا لا يحل ولا ينبغي قال مالك ولا ينبغي لرجل ان يؤاجر نفسه ولا ارضه ولا سفينته الا بشيء معلوم لا يزول إلى غيره قال مالك وانما فرق بين المساقاة في النخل والارض البيضاء ان صاحب النخل لا يقدر على أن يبيع ثمرها حتى يبدو صلاحه وصاحب الارض يكريها وهي ارض بيضاء لا شيء فيها قال ابو عمر الفرق بين المساقاة وكراء الارض البيضاء ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وهي اعطاء الارض بالثلث والربع وساقى اهل خيبر على نصف ما تخرج الثمرة

فروى ثابت بن الضحاك ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وروى يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له ارض فليزرعها او ليزرعها اخاه ولا يكريها بثلث ولا بربع وروى عطاء عن جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من كانت له ارض فليزرعها او ليزرعها ولا يؤاجرها وقد ذكرنا الاسانيد في التمهيد وفي حديث جابر ورافع ما يدل على ان النهي عن ذلك كان بعد خيبر لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقاهم على نصف ما تخرج الارض والثمرة على حسب ما كانوا عليه قبل ان ينهى ثم نهى عن ذلك ونهى عن المخابرة وقيل انما فعله بخيبر والله اعلم وقد قيل غير ذلك على ما ذكرناه في التمهيد وما ذهب إليه مالك في كراهية كراء الارض بجزء مما تخرجه هو مذهب الشافعي وقد تقدم ذكر ذلك ولكنا كررناه كما كرره مالك واختلف عن الليثي في المزارعة بالثلث والربع ونحو ذلك فروي عنه كراهتها وروى عنه اجازتها وروي عن يحيي عن الليث بن سعد انه قال انما تكرى الارض بشيء مما يخرج منها اذا كان ذلك ضامنا على المشتري دفع او لم يدفع فاما ان يلزمها ببعض ما يخرج منها ويزرع فيها نصفا او ثلثا او ربعا فذلك حلال قال ابو عمر يقول الليث هذا في اجازته المزارعة بجزء ما تخرج الارض ما يزرع فيها

قال بن ابي ليلى والحسن بن حي والثوري والاوزاعي وابو يونس ومحمد واحمد بن حنبل وحجتهم في ذلك حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقى اهل خيبر على نصف ما تخرج الارض والثمرة قال احمد هذا حديث صحيح واحاديث رافع مضطربة الالفاظ واحتج غيره على مالك في اجازته المزارعة في الارض بين الشجر اذا كانت الثلث فاقل فان ذلك لو لم يجز منفردا ما جاز بين النخل واذ لم يجز منفردا لم يجز بين النخل قالوا وتوقيت الثلث فما دونه حكم بغير حجة لان التوقيت يحتاج إلى توقيت قالوا وليس في اصول الشريعة ما يبيح العقد الفاسد للضرورة لمن ادعى في ذلك ضرورة فاما قول مالك لا ينبغي لاحد ان يؤاجر نفسه ولا ارضه ولا سفينته الا بشيء معلوم فهذا قول الشافعي والكوفي وقد اجازت طائفة من التابعين ومن بعدهم ان يعطي الرجل سفينته ودابته كما يعطي ارضه بجزء مما يرزقه الله تعالى في الصلاح بها وجعلوا اصلهم في ذلك بالقراض المجتمع عليه قال مالك والامر عندنا في النخل ايضا انها تساقي السنين الثلاث والاربع واقل من ذلك واكثر قال وذلك الذي سمعت وكل شيء مثل ذلك من الاصول بمنزلة النخل يجوز فيه لمن ساقى من السنين مثل ما يجوز في النخل قال ابو عمر قد اختلف في اجل المساقاة وقد ذكرنا ذلك عند قول النبي صلى الله عليه وسلم ليهود خيبر اقركم ما اقركم الله

وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لهم اقركم ما شئنا والمعنى واحد ونعيد هنا منها ذكرا كما اعاده مالك رحمه الله فنقول ان مالكا والشافعي ومحمد بن الحسن متفقون على اجازة المساقاة سنينا معلومة والمساقاة انما هي عندهم إلى الجذاذ وقد ذكرنا اختلافهم عن العلماء ورب الاصل فيما مضى من هذا الباب واذا كان الاصل في المساقاة إلى الجذاذ قبل ان يبدو في الشجر شيء من الثمر فحكم السنين المعلومات في ذلك حكم السنة الواحدة لانه كله شيء لم يخلق او لم يظهر وقد اجازت طائفة المساقاة إلى غير توقيت من السنين من اهل الظاهر واحتجوا بان رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل اليهود على شطر النخل والزرع ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من غير توقيت وقد مضى القول عليهم فيما تقدم من هذا الباب والحمد لله فان دفع رجل إلى رجل نخلا او شجرا معاملة على جزء معلوم ولم يذكروا وقتا معلوما فقالت طائفة منهم ابو ثور ذلك سنة واحدة وهو يشبه مذهب بن الماجشون فمن اكترى دارا مشاهرة انه يلزمه شهر واحد وقول ابي ثور فيمن ساقى حائضا ولم يذكر في وقت المساقاة مرة معلومة قول حسن قال مالك في المساقي انه لا ياخذ من صاحبه الذي ساقاه شيئا من ذهب ولا ورق يزداده ولا طعام ولا شيئا من الاشياء لا يصلح ذلك ولا ينبغي ان ياخذ المساقي من رب الحائط شيئا يزيده اياه من ذهب ولا ورق ولا طعام ولا شيء من الاشياء والزيادة فيما بينهما لا تصلح قال مالك والمقارض ايضا بهذه المنزلة لا يصلح اذا دخلت الزيادة في المساقاة او المقارضة صارت اجارة وما دخلته الاجارة فانه لا يصلح ولا ينبغي ان تقع الاجارة بامر غرر لا يدري ايكون ام لا يكون او يقل او يكثر

قال ابو عمر لا خلاف بين مجيزي المساقاة انه لا يجوز ان تكون من واحد منهما زيادة يزدادها على جزئه المعلوم لانه حينئذ يعود الجزء مجهولا ولا يجوز ان تكون المعاملة على جزء مجهول وانما تجوز على جزء معلوم ثلث او نصف او ربع او نحو ذلك من الاجزاء المعلومات فيما يخرجه إليه في الثمرة وقد ذكرنا ما في هذا المعنى في القراض ايضا قال مالك في الرجل يساقي الرجل الارض فيها النخل والكرم او ما اشبه ذلك من الاصول يكون فيها الارض البيضاء قال مالك اذا كان البياض تبعا للاصل وكان الاصل اعظم ذلك او اكثره فلا باس بمساقاته وذلك ان يكون النخل الثلثين او اكثر ويكون البياض الثلث او اقل من ذلك وذلك ان البياض حينئذ تبع للاصل ثم ذكر إلى اخر الباب هذا المعنى مكررا وشبهه بالسيف والمصحف يكون في احدهما الحلية من الورق فيباع بالورق اذا كان الورق بيعا للنصل والمصحف وكذلك القلادة والخاتم وذلك ان يكون الثلث فادنى على ما ذكر في الارض البيضاء مع الاصول وقد مضى القول في ذلك في البيوع وذكرنا هنالك اختلاف العلماء في ذلك المعنى بين السلف وما جرى مجراه فاما مساقاة الارض البيضاء فقد ذكرنا في هذا الباب اصول اقوال العلماء من اجاز المزارعة جملة ومن اجازها في النخل والشجر لانه يجيز المساقاة ما اغنى عن اعادته وقد ذكرنا الاقاويل بذلك ومن لا يجيز المزارعة مالك والشافعي قد اختلفا على ما ذكرناه عنهما فيما تقدم في هذا الباب بقول مالك ما قد اوضحه في موطئه واما الشافعي فقد ابطل المزارعة في قليل الارض البيضاء لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة الا انه قال واذا ساقاه على نخل فكان فيه بياض لا يوصل إلى عمله الا بالدخول على النخل وكان لا يوصل إلى سقيه الا بترك النخل في الماء وكان غير متميز جاز ان يساقي عليه من النخل الا منفردا وحده ولولا الخبر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه دفع إلى اهل خيبر النخل على ان لهم

النصف من النخل والزرع وله النصف فكان الزرع كما وصفت بين ظهراني النخل لم يجز ذلك قال وليس للمساقي في النخل ان يزرع الارض الا باذن ربها فان فعل كان كمن زرع ارض غيره قال ولا تجوز المساقاة الا بجزء معلوم قل او كثر وان ساقاه على ان له نخلات بعينها من الحائط لم يجز ولو اشترط احدهما على صاحبه صاعا من تمر زيادة لم يجز وكان له اجر مثله فيما عمل باب الشرط في الرقيق في المساقاة قال مالك ان احسن ما سمع في عمال الرقيق في المساقاة يشترطهم المساقي على صاحب الاصل انه لا باس بذلك لانهم عمال المال فهم بمنزلة المال لا منفعة فيهم للداخل الا انه تخف عنه بهم المؤونة وان لم يكونوا في المال اشتدت مؤونته وانما ذلك بمنزلة المساقاة في ا لعين والنضح ولن تجد احدا يساقي في ارضين سواء في الاصل والمنفعة احداهما بعين واثنة غزيرة والاخرى بنضح على شيء واحد لخفة مؤنة العين وشدة مؤنة النضح قال وعلى ذلك الامر عندنا قال والواثنة الثابت ماءها التي لا تغور ولا تنقطع إلى اخر كلامه في الباب ومعنى كلامه انه لا يجوز للعامل ان يشترط ان يعمل برقيق الحائط في غيره ولا ان يشترط في الرقيق ما ليس فيه ولا لرب المال ان يخرج من رقيق المال من كان فيه في عقد في المساقاة وله ذلك قيل وانما يساقيه على حاله ومن مات من الرقيق او لحقته افة فعلى رب المال ان يخلفه هذا كله معنى قوله إلى اخر الباب وانما لم يجز له ان يشترط في العقد على العامل ان ياخذ من رقيق الحائط احدا كان فيخرجه عنه بشرط العقد لانه اذا فعل ذلك فقد ازداد عليه زيادة كما لو اشترط عليه نخله بعينها او عملا يعمله له خاصة في الحائط واما اذا خرج الرقيق

من الحائط قبل عقد المساقاة فقد فعل ما كان له فعله في ماله وساقى الحائط على ماله قال ابو عمر كلامه رحمه الله انما هو في اشتراط العامل على رب الحائط ما كان في الحائط من الرقيق فهذا لم يختلف قوله ولا قول اصحابه فيه فان اشترط العامل رقيقا لم يكونوا عنده في الحائط فقد اختلفوا في ذلك فقال بن القاسم في المدونة بلغني ان مالكا سهل في الدابة الواحدة يشترطها العامل على رب الحائط اذا لم تكن فيه قال وذلك عندي اذا كان الحائط كثيرا له قدر فاما الحائط الصغير فلا يجوز وفي العتبية روى عيسى عن بن القاسم عن مالك مثل ذلك وقاله بن القاسم وروى يحيى بن يحيى عن نافع انه قال لست اخذ بقول مالك في ذلك ولا ارى باسا ان يشترط العامل عدا من الرقيق وان لم يكونوا في الحائط يومئذ واما الشافعي فقال لا باس ان يشترط المساقي على رب النخل غلمانا يعملون معه لا يستعملهم في غيره ونفقة الرقيق على ما يتشارطان عليه وليس نفقة الرقيق باكثر من اجرتهم فاذا جاز ان يعملوا للمساقي بغير اجر جاز ان يعملوا له بغير نفقة وقال محمد بن الحسن لا باس ان يشترط رب المال في المساقاة والمزارعة على المساقي دولابا والات يستقي عليها الزرع ولو اشترطه العامل على رب الارض لم يجز

كتاب كراء الارض باب ما جاء في كراء الارض مالك عن ربيعة بن ابي عبد الرحمنن عن حنظلة بن قيس الزرقي عن رافع بن خديج ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع قال حنظلة فسالت رافع بن خديج بالذهب والورق فقال اما بالذهب والورق فلا باس به مالك عن بن شهاب انه قال سالت سعيد بن المسيب عن كراء الارض بالذهب والورق فقال لا باس به مالك عن بن شهاب انه سال سالم بن عبد الله بن عمر عن كراء المزارع فقال لا باس بها بالذهب والورق قال بن شهاب فقلت له ارايت الحديث الذي يذكر عن رافع بن خديج فقال اكثر رافع ولو كان لي مزرعة اكريتها مالك انه بلغه ان عبد الرحمن بن عوف تكارى ارضا فلم تزل في يديه بكراء حتى مات قال ابنه فما كنت اراها الا لنا من طول ما مكثت في يدى ه حتى ذكرها لنا عند موته فامرنا بقضاء شيء كان عليه من كرائها ذهب او ورق

مالك عن هشام بن عروة عن ابيه انه كان يكري ارضه بالذهب والورق وسئل مالك عن رجل اكرى مزرعته بمائة صاع من تمر او مما يخرج منها من الحنطة او من غير ما يخرج منها فكره ذلك قال ابو عمر قد مضى والحمد لله في المساقاة مذهب مالك في كراء الارض وما يجوز ان تكرى به وما اختلف فيه اصحابه من ذلك واما هذا الباب فانما يقتضي اشارة كلها اجازة كراء الارض بالذهب والورق ويقتضي ايضا الرد على من كره كراء الارض بكل حال ونحن بحول الله تعالى نبين ذلك ان شاء الله عز وجل فاما حديث مالك في هذا الباب عن ربيعة عن حنظلة عن رافع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع فظاهره يقتضي النهي عن كرائها بكل حال الا ان رافعا استثنى من ذلك كراءها بالذهب والورق وقد روى عنه بن عمر هذا الخبر وحمله على العموم فترك كراء المزارع وروى معمر ويونس وعقيل عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر كان يكري ارضه حتى بلغه ان رافع بن خديج كان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن كراء المزارع فترك بن عمر كراءها ورواه جويريه عن مالك عن بن شهاب كذلك وروى الليث بن سعد عن يزيد بن ابي حبيب عن ابي بجير ان رافع بن خديج كان يقول منعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نكري المحاقل وروى عبد الكريم عن مجاهد عن بن رافع بن خديج عن ابيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اجارة الارض فهذه الرواية في حديث رافع بن خديج وظاهرها انه لا يجوز كراء المزارع بحال لا بذهب ولا بفضة ولا بغير ذلك

والى هذا ذهب طاوس اليماني فقال انه لا يجوز كراء الارض بالذهب ولا بالورق ولا بالعروض وبه قال ابو بكر عبد الرحمن بن كيسان الاصم قال لا يجوز كراء الارض بشيء من الاشياء لانها اذا استؤجرت وحضرها المستأجر واصلحها لعله ان يحرق زرعه فيردها وقد زادت وانتفع رب الارض ولم ينتفع المستاجر فمن هنا لم يجز لاحد ان يستاجرها والله اعلم قال ابو عمر هذا ليس بشيء وانما كره كراءه من كرهه للحديث الماثور عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال ابو عمر ومن حجة من لم يجز كراء الارض بشيء من الاشياء وابى من ذلك حديث ضمرة بن ربيعة عن بن شوذب عن مطر عن عطاء عن جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كانت له ارض فليزرعها او ليزرعها ولا يؤاجرها وقد ذكرنا اسانيد هذه الاحاديث في التمهيد وقال اخرون جائز كراء الارض لمن شاء ولكنه لا يجوز بشيء غير الذهب والورق واحتجوا بحديث طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال انما يزرع ثلاثة رجل له ارض فهو يزرعها ورجل منح ارضا فهو يزرع ما منح ورجل اكترى بذهب او فضة قالوا فلا يجوز ان يتعدى ما في هذا الحديث لما فيه من البيان والتوفيق وهو مذهب ربيعة وسعيد بن المسيب وروى بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب انه كان لا يرى باسا بكراء الارض البيضاء بالذهب والورق وبن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير عن بن عباس وبن جريج عن عطاء عن بن عباس انه لم يكن يرى بكراء الارض البيضاء باسا بالذهب والورق

وقال اخرون جائز ان تكرى الارض البيضاء بكل شيء من الاشياء ما خلا الطعام فانه لا يجوز كراؤها بشيء من الطعام كله واحتجوا بحديث يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له ارض فليزرعها او ليزرعها اخاه ولا يكريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى والى هذا ذهب مالك واكثر اصحابه قالوا فقد حاجز في هذا الحديث ومنع من كراء الارض بالطعام المعلوم وغير المعلوم وتاولوا في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة انه كراء الارض بالطعام وذكروا حديث سعيد بن المسيب مرفوعا وفيه المحاقلة استكراء الارض بالحنطة قالوا وسائر طعامه كله في معناها وجعلوه من باب الطعام بالطعام نسيئة وقال اخرون جائز كراء الارض بالذهب والورق والطعام كله وسائر العروض كلها اذا كان معلوما قالوا وكل ما جاز ان يكون ثمنا لشيء فجائز ان يكون اجرة في كراء الارض ما لم يكن مجهولا او غررا وهو قول سالم وغيره وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار انه حدثه قال سمعت سالم بن عبد الله يقول اكثر رافع على نفسه في كراء الارض والله لنكرينها كراء الابل وذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني بن اخي جويريه قال حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري ان سالم بن عبد الله اخبره وساله عن كراء المزارع فقال اخبر رافع بن خديج عبد الله بن عمر عن عميه وكانا قد شهدا بدرا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع قال فترك عبد الله كراءها وقد كان يكريها قبل ذلك قال الزهري فقلت لسالم افتكريها انت قال نعم قد كان عبد الله يكريها قلت فاين حديث رافع بن خديج فقال ان رافعا اكثر على نفسه والى هذا ذهب الشافعي واصحابه

ومن حجتهم حديث الاوزاعي عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن عن حنظلة بن قيس الانصاري قال سالت رافع بن خديج عن كراء الارض بالذهب والورق فقال لا باس بذلك انما كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤاجرون الارض بما على الماذيانات في اقبال الجداول فيهلك هذا ويسلم هذا ويهلك هذا فكذلك زجر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاما شيء مضمون معلوم فلا قالوا فقد اخبرنا رافع بالعلة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع وكذلك جهل البدل واخبر ان كراءها بكل شيء معلوم جائز وروى الثوري وبن عيينة ويزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الانصاري قال اخبرني حنظلة بن قيس انه سمع رافع بن خديج قال كنا اكثر الانصار حقلا فكنا نخابر فنقول لهذا هذا الجانب ولهذا هذا الجانب يزرعها لنا فربما اخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فاما بذهب او ورق فلم ينه عنه وهذا لفظ بن عيينة قال ابو عمر يعني وما كان في معنى الذهب والورق من الاثمار المعلومات وقيل لابن عيينة ان مالكا يروي هذا الحديث عن ربيعة فقال وما يريد منه وما يرجو منه يحيى بن سعيد احفظ منه وقد حفظناه عنه قال ابو عمر رواية مالك لهذا الحديث عن ربيعة مختصرة فقد ذكرنا اثار هذا الباب كلها باسانيدها من طرق في التمهيد وقال اخرون جائز كراء الارض بجزء مما يزرع فيها مكتريها بثلث او ربع او نصف واحتجوا بحديث بن المبارك وغيره عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطى يهود خيبر النخل والارض على ان يعملوها ويزرعوها وله شطر ما يخرج فيها قالوا هذا الحديث اصح من احاديث رافع لانها مضطربة المتون جدا وقد ذكرنا القائلين بجواز المزارعة وهي اعطاء الارض على النصف والثلث والربع فيما مضى من المساقاة والحمد لله كثيرا

وروى سفيان عن بن عيينة عن عمرو بن دينار وبن طاوس قالا كان طاوس يخابر قال عمرو فقلت له يا ابا عبد الرحمن لو تركت هذه المخابرة فانهم يزعمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها قال حدثنا عمر واخبرني بذلك اعلمهم يعني بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها يمنح احدكم اخاه خير له ممن ياخذ عليها اجرا معلوما وقدم معاذ بن جبل اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يخابرون واقرهم وانا اعطيهم فاكون شريكهم فان نقصوا كنت قد نقصت معهم قال سفيان يقول لي نصيبي مما ربحوا وعلي ما نقصوا وذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني بن اخي جويرية قال حدثني جويرية عن مالك قال سالت الزهري عن كراء الارض بالثلث والربع فقال ذلك حسن

كتاب الشفعة باب ما تقع فيه الشفعة مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن ابي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء فاذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة فيه قال مالك وعلى ذلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا هكذا روى هذا الحديث مرسلا جمهور رواة الموطا ورواه ابو عاصم النبيل و عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون ويحيى بن ابراهيم بن داود بن ابي قتيلة وابو يوسف وسيد بن داود الزنبري هؤلاء الخمسة رووه كلهم عن مالك عن بن شهاب عن سعيد وابي سلمة عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه فاسندوه وجعلوه عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الاسانيد عنهم بما ذكرنا في التمهيد وذكرنا الاختلاف على بن شهاب في ارساله واسناده ايضا وقد رواه بن إسحاق عن بن شهاب باسناده فجعله عن ابي هريرة كما قال كل من رواه كذلك عن مالك

وحديث بن شهاب هذا قد اتفق جماعة العلماء على القول به لانهم يوجبون الشفعة للشريك في المبتاع من الدور والارضين وكل ما تاخذه الحدود ويحتمل القسمة من ذلك كله وما كان مثله وانما اختلف العلماء فيما بعد ذلك على ما نذكره ان شاء الله تعالى قال مالك انه بلغه ان سعيد بن المسيب سئل عن الشفعة هل فيها من سنة فقال نعم الشفعة في الدور والارضين ولا تكون الا بين الشركاء مالك انه بلغه عن سليمان بن يسار مثل ذلك وهذا قول مالك والشافعي واصحابه وجمهور فقهاء اهل الحجاز انه لا شفعة الا في المشاع مما تصلح فيه الحدود عند القسمة بين الشركاء قال ابو عمر اجمع العلماء على ان الشفعة في الدور والأرضين والحوانيت والرباع كلها بين الشركاء في المشاع من ذلك كله وانها سنة مجتمع عليها يجب التسليم لها ولم يجمعوا أنها لا تكون الا بين الشركاء لان منهم من اوجبها للجار الملاصق وهم اكثر اهل العراق ومنهم من اوجبها اذا كانت الطريق واحدة ومنهم من اوجبها في كل شيء مشاع بين الشركاء من جميع الاشياء من الحيوان والعروض والاصول كلها وغيرها وهو قول شاذ قاله بعض اهل مكة وروى فيه حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم واما السنة المجتمع عليها فعلى ما قال سعيد بن المسيب وعلى ما حكاه مالك انه الامر الذي لا اختلاف فيه عندهم يعني في المدينة وفيه من الاخبار المنقولة بنقل العدول الاحاد حديث بن شهاب المذكور في هذا الباب وقد أسند ه معمر وجوده ذكر عبد الرزاق وغيره عن معمر انه اخبرهم عن الزهري عن ابي سلمة عن جابر بن عبد الله انه قال انما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة

وكان احمد بن حنبل يقول حديث معمر عن بن شهاب في الشفعة عن ابي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم اصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال يحيى بن معين مرسل مالك احب الي ذكره ابو زرعة الدمشقي عنهما وذكر عبد الله بن احمد بن حنبل قال سمعت ابي يقول اهل المدينة لا يرون الشفعة الا للشريك على حديث الزهري عن ابي سلمة عن جابر اذا وقعت الحدود فلا شفعة قال ورواه مالك عن الزهري عن سعيد وابي سلمة مرسلا وبه اقول لا ارى الشفعة لغير الشريك لا أراها للجار قال ابو عمر في حديث بن شهاب ما ينفي الشفعة بالجوار فاذا لم تجب الشفعة للشريك اذا قسم وضرب الحدود كان الجار الملاصق لم يقسم ولا ضرب الحدود ابعد من ان يجب ذلك له وفي حديث بن شهاب ايضا ما ينفي الشفعة في كل ما لا يقسم ولا يحتمل قسمة ولا يصلح ان يصرف فيه الحدود وذلك ينفي الشفعة في الحيوان والعروض كلها لانها ليست لموضع الحدود واما قول ابي حنيفة واصحابه والثوري في هذا الباب فقالوا لا شفعة فيما سوى الدور والارضين والشفعة في ذلك مقسوما كان او مشاعا واوجبوا الشفعة للجار بحديث ابي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الجار احق بسقبه وهو حديث يرويه جماعة من ائمة اهل الحديث عن ابراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن ابي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث بن شهاب يعارضه وهو اصح اسنادا والشفعة عند الكوفين مرتبة واولى الناس بالشفعة عندهم الذي لم يقاسم ثم الشريك المقاسم اذا بقيت له في الطريق شركة ثم الجار الملاصق وانما تجب عندهم الشفعة في الطريق اذا لم يكن الشريك في المشاع وكذلك لا يجب للجار الذي لا شركة له في الطريق الا عند عدم من ذكرنا او عدم ارادته الاخذ بها

وحجتهم في اعتبار الشركة في الطريق حديث عبد الملك بن ابي سليمان العرزمي عن عطاء عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجار احق بسقبه ينتظر بها اذا كان غائبا اذا كانت طريقهما واحدة وهذا حديث انفرد به عبد الملك بن ابي سليمان العرزمي وهو ثقة وانكره عليه شعبة وقال لو جاء عبد الملك بحديث اخر مثل هذا لاسقطت حديثه وما حدثت عنه بشيء وقال سفيان الثوري عبد الملك بن ابي سليمان اعدل من الميزان قال ابو عمر قد روي مثل قول الكوفيين عن طائفة من التابعين وروي مثل قول الحجازيين عن عمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز وغيرهم وهو اصح ما قيل في ذلك من جهة الأثر ومن جهة النظر ايضا لان المشتري لا يجب ان يخرج ماله عن يده بغير طيب نفس منه الا بيقين يجب التسليم له وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد بن ابي وقاص ان عمر كتب إلى شريح ان اقض بالشفعة للجار فكان يقضي بها وسفيان عن ابراهيم بن ميسرة قال كتب الينا عمر بن عبد العزيز اذا حدت الحدود فلا شفعة قال ابراهيم فذكرت ذلك لطاووس فقال لا الجار احق قال مالك في رجل اشترى شقصا مع قوم في ارض بحيوان عبد او وليدة او ما اشبه ذلك من العروض فجاء الشريك ياخذ بشفعته بعد ذلك فوجد العبد او الوليدة قد هلكا ولم يعلم أحد قدر قيمتهما فيقول المشتري قيمة العبد أو الوليدة مائة دينار ويقول صاحب الشفعة الشريك بل قيمته خمسون دينارا قال مالك يحلف المشتري ان قيمة ما اشترى به مائة دينار ثم ان شاء ان ياخذ صاحب الشفعة اخذ او يترك الا ان ياتي الشفيع ببينة ان قيمة العبد او الوليدة دون ما قال المشتري قال ابو عمر الشفيع طالب اخذ والمشتري مطلوب ماخوذ منه فوجب ان يكون القول قول المشتري مع يمينه لانه مدعى عليه والشفيع مدع ولا بينة له ولو كانت له بينة اخذ بها وعلى هذا القول جمهور الفقهاء

وهو قول الشافعي والكوفيين وقد خالف في ذلك بعض التابعين وجعل القول قول الشفيع لوجوب الشفعة له وجعل المشتري مدعيا في الثمن أو قيمته ان كان عرضا لانه اخذ له والقول الاول أولى بالصواب لما ذكرنا وبالله توفيقنا وكذلك لو اختلف المشتري والشفيع في مبلغ الثمن ولم يكن لواحد منهما بينة كان القول قول المشتري لانه المطلوب بالشفعة والماخوذ منه الشقص ولو أقام كل واحد منهما البينة على ما ادعى ففيها قولان للفقهاء احدهما البينة بينة الشفيع والاخرى البينة بينة المشتري وكذلك لو أقام كل واحد منهما البينة على ما حكاه من ثمن العرض الذي هو للشفعة واما اختلاف أصحاب مالك في هذه المسألة وفي سائر مسائل الشفعة فكثيرة لا يحصى كثرة وفي المدونة قال بن القاسم القول قول المشتري مع يمينه اذا اختلفا في ثمن الشقص وكان قد اتى بما يشبه فان اتي بما لا يشبه واتى الشفيع بما يشبه فالقول قوله مع يمينه ومن اتى منهما ببينة قضي له فان اتيا جميعا بالبينة فان تكافئا في العدالة سقطتا وكان القول قول المشتري فان لم يتكافئا قضي باعدلهما وقال سحنون البينة بينة المشتري لانها زادت علما وروى اشهب عن مالك قال اذا كان المشتري ذا سلطان فالقول قوله في الثمن فلا يمين لان مثله يرغب في الثمن عنده وان لم يكن فارى عليه اليمين وقال اشهب القول قول المشتري مع يمينه اذا ادعى ما لا يشبه فان ادعى ما يشبه فالقول قوله بلا يمين وذكر بن حبيب عن مطرف انه قال القول قول المشتري مع يمينه اذا ادعى ما لا يشبه واتى بالسرف لانه مدعى عليه قال بن حبيب انما يكون القول قول المشتري ما لم يات بالسرف فان اتى بالسرف رد إلى القيمة وخير الشفيع ان شاء اخذ وان شاء ترك قال مالك من وهب شقصا في دار او ارض مشتركة فاثابه الموهوب له

بها نقدا او عرضا فان الشركاء ياخذونها بالشفعة ان شاؤوا ويدفعون إلى الموهوب له قيمة مثوبته دنانير او دراهم قال مالك من وهب هبة في دار او ارض مشتركة فلم يثب منها ولم يطلبها فاراد شريكه ان ياخذها بقيمتها فليس ذلك له ما لم يثب عليها فان اثيب فهو للشفيع بقيمة الثواب قال ابو عمر قد كان مالك في صدر من عمره يرى في الهبة الشفعة وان كانت لغير ثواب لانه انتقال ملك ثم رجع عن ذلك ولم ير الهبة لغير ثواب شفعة ذكر ذلك عنه بن عبد الحكم واما الهبة للثواب فهي عنده كالبيع وفيها الشفعة لم يختلف قوله في ذلك ولا قول اصحابه الا انهم اختلفوا فيه لو ان الموهوب له اثاب الواهب باكثر من قيمة الشقص الموهوب فقال بن القاسم لا ياخذه الا بقيمة الثواب كله قال ولهذا يهب الناس من الهبات ولم يذكر قوتا بل قال ذلك مجملا وقال اشهب اذا اتى به اكثر من قيمته قبل ان يدخل الهبة قولان فليس للشفيع ان ياخذه الا بجميع الثواب او شركه وان كان بعد الفوت فله ان يستشفع بقيمة الشقص فقط واما الشافعي فالهبة للثواب عنده باطل مردودة لانها عنده من باب البيع بثمن مجهول وسياتي ذلك في باب الهبات ان شاء الله قال ولا شفعة للشافعي في الهبة للثواب لانه مردود من فعل من فعله واما الكوفيون فيجيزون الهبة للثواب ويضمنونها اتباعا لعمر بن الخطاب وسنذكر ذلك في موضعه ان شاء الله عز وجل ولكنهم لا يرون الهبة للثواب شفعة لانها عندهم هبة ليست ببيع وكذلك لا شفعة عندهم في صداق ولا اجرة ولا جعل ولا خلع ولا في شيء صولح عليه من دم عمد قال مالك في رجل اشترى شقصا في ارض مشتركة بثمن إلى اجل فاراد الشريك ان ياخذها بالشفعة

قال مالك ان كان مليا فله الشفعة بذلك الثمن إلى ذلك الاجل وان كان مخوفا ان لا يؤدي الثمن إلى ذلك الاجل فاذا جاءهم بجميل ملي ثقة مثل الذي اشترى منه الشقص في الارض المشتركة فذلك له قال ابو عمر لم يختلف قول مالك واصحابه في هذه المسالة على ما ذكره في موطئه الا انهم اختلفوا في الذي يشتري شقصا من ربع بثمن إلى اجل فلا يقوم الشفيع حتى يحل الاجل على المشتري فذكر بن حبيب عن بن الماجشون انه قال ياخذها الشفيع ويكون الثمن عليه مؤجلا إلى مثل ذلك الاجل الذي كان على المشتري وقال اصبغ لا ياخذه الشفيع بالشفعة الا بثمن حال واما الشافعي فقال فيما ذكر عنه المزني ان اشترى النصيب من الدار وسائر الرباع والارض بثمن إلى اجل قيل للشفيع ان شئت فعجل الثمن وتعجل الشفعة وان شئت فدع حتى يحل الاجل وقول الكوفيين في ذلك نحو قول الشافعي وذكر عبد الرزاق عن الثوري انه سئل عن رجل باع من رجل ارضا فيها شفعة لرجل إلى اجل فجاء الشفيع فقال انا اخذها إلى اجلها قال لا ياخذها الا بالنقد لانها قد دخلت في ضمان الاول قال سفيان ومنا من يقول يقر في يد الذي ابتاعها فاذا بلغ الاجل اخذها الشفيع قال مالك لا تقطع شفعة الغائب غيبته وان طالت غيبته وليس لذلك عندنا حد تقطع إليه الشفعة قال يحيى قلت لابن القاسم هل ترى الاسكندرية يعني من مصر غيبة وهو يبلغه ان صاحبه قد باع فيقيم على ذلك المشتري سنين العشرة ونحوها ثم ياتي بعد ذلك يطلب الشفعة فقال بن القاسم هذه غيبة لا تقطع على المشتري شفعته وان بلغه ذلك فنرى السلطان ان يكتب إلى قاضي البلد الذي هو به ان يوقف ويعلمه شريكه قد باع فاما اخذ واما ترك

قال بن القاسم لا ارى ذلك على القاضي الا ان يطلب ذلك المبتاع فيكتب له القاضي الذي بمكانه إلى قاضي البلد بما ثبت عنده من اشترائه وما يطلب من قطع الشفعة عنه فيوقفه فاما اخذ واما ترك فان ترك فلا شفعة له قال قلت لابن القاسم فما ترى القرب الذي يقطع الشفعة قال ما وقت لنا مالك فيه شيئا قد تكون المرأة الضعيفة والرجل الضعيف على البريد فلا يستطع ان ينهض ولا يسافر فلم يحد لنا حدا وانما فيه اجتهاد للسلطان على افضل ما يرى قال ابو عمر اما شفعة الغائب فان اهل العلم مجمعون على انه اذا لم يعلم ببيع الحصة التي هو فيها شريك من الدور والارضين ثم قدم فعلم فله الشفعة مع طول مدة غيبته واختلفوا اذا علم في حال الغيبة فقال منهم قائلون لم يشهد حين علم انه اخذ بالشفعة متى قدم فلا شفعة له لانه تارك لها وقال اخرون هو على شفعته ابدا حتى يقدم ولم يذكروا اشهادا واما القول في أمد شفعة الحاضر العاجل فياتي في اخر كتاب الشفعة حيث رسمه مالك ان شاء الله عز وجل وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر وقد ذكرنا فيما تقدم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجار احق بسقبه او قال بشفعته ينتظر بها اذا كان غائبا روى عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن سليمان الشيباني عن حميد الازرق قال مضى عمر بن عبد العزيز بالشفعة بعد أربع عشرة سنة يعني للغائب قال مالك في الرجل يورث الأرض نفرا من ولده ثم يولد لأحد النفر ثم يهلك الأب فيبيع احد ولد الميت حقه في تلك الارض فان اخا البائع احق بشفعته من عمومته شركاء ابيه قال مالك وهذا الامر عندنا قال ابو عمر اختلف اصحاب مالك وسائر الفقهاء في ميراث الشفعة وهل تورث او لا تورث وفي كيفية الشفعة بين الورثة هل هي للكبير كالولاء وهل تدخل العصبة فيها على ذوي الفروض او يدخل بعض اهل السهام فيها على بعض

فاما ميراث الشفعة فذهب الثوري وسائر الكوفيين إلى انها لا توهب ولا تورث لانها لا ملكه ولا ماله واما مالك والشافعي وسائر اهل الحجاز فانهم يرون الشفعة موروثة لانها حق من حقوق الميت يرثه عنه ورثته واما الشفعة بين ذوي السهام في الميراث فالمشهور من مذهب مالك عند اصحابه معنى ما ذكره في الموطا ان اهل السهم الواحد احق بالشفعة فيه من غيرهم من الشركاء في سائر الميراث وانه لا يدخل العصبات على ذوي السهام في الشفعة وان ذوي السهام يدخلون على العصبات فيها واختلف اصحابه فقال بن القاسم بما وصفت لك وقال اشهب لا يدخل ذوو السهام على العصبات ولا يدخل العصبات على ذوي السهام لا يدخل هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء ولا يتشافع اهل السهم فيما بينهم خاصة وقال المغيرة المخزومي يدخل العصبات على ذوي السهام وذوو السهام على العصبات لانهم كلهم شركاء وقول الشافعي في ذلك كقول المغيرة وقول الكوفيين كقول اشهب مثال ذلك رجل توفي على ابنتين واختين ورثن عنه ارضا او دارا فباعت بعضهن حصتها منها فقال بن القاسم تدخل البنات على الاخوات ولا تدخل الاخوات على البنات لانهن ها هنا عصبة البنات وقال اشهب لا تدخل الابنة على الاخت كما لا تدخل الاخت عليها وذكر المزني عن الشافعي في هذه المسالة قولين قال ولو ورثه رجلان فمات احدهما وله ابنان فباع احدهما نصيبه واراد اخذ الشفعة دون عمه فكلاهما في الشفعة سواء لانهما فيه شريكان قال المزني هذا اصح من قوله الاخر ان اخاه احق بنصيبه قال ولم يختلف قوله في المعنيين لنصفين من عبد لاحدهما اكثر من الاخر في ان عليهما قيمة الباقي على السواء ان كانا موسرين قال ابو عمر ليس هذا القياس يصح في مسالته هذه لان الشركاء في سهم

قد حصلوا شركاء في الشقص وشركاء في السهم فكانوا اولى ممن هو شريك في الشقص خاصة لانهم كانوا ادلوا بسببين وكانوا اولى ممن هو اولى بسبب واحد وليس الشريكان يكون نصيب احدهما من العبد اكثر من نصيب صاحبه في مسالة الشفعة في شيء والحجة عندي لما اختاره المزني من قول الشافعي ان الشفعة اوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الشركاء ولم يخص شريكا من شريك فكل شريك في الشقص يستحق الشفعة بعموم السنة وظاهر المعنى والله اعلم قال مالك الشفعة بين الشركاء على قدر حصصهم ياخذ كل انسان منهم بقدر نصيبه ان كان قليلا فقليلا وان كان كثيرا فبقدره وذلك ان تشاحوا فيها قال ابو عمر قد اختلف السلف والخلف في هذه المسالة على قولين احدهما ان الشفعة بالحصص مثال ذلك دار بين ثلاثة رجال لاحدهم نصفها وللاخر ثلثها وللاخر سدسها فباع صاحب النصف نصفه ووجب لشريكه الشفعة فياخذ صاحب الثلث الثلثين وصاحب السدس الثلث وهذا قول مالك واصحابه وجماعة من السلف منهم شريح القاضي وعطاء وبن سيرين ثلاثة ائمة من ثلاثة امصار وهو قول جمهور اهل المدينة القول الثاني ان الشفعة على الرؤوس وان صاحب النصف الصغير والكبير فيها سواء وبه قال الكوفيون وهو قول الشعبي وابراهيم والحكم وسياتي اختلافهم في اجرة القسام هل هي على الرؤوس او على السهام في موضعه من الاقضية ان شاء الله تعالى قال مالك فاما ان يشتري رجل من رجل من شركائه حقه فيقول احد الشركاء انا اخذ من الشفعة بقدر حصتي ويقول المشتري ان شئت ان تاخذ الشفعة كلها اسلمتها اليك وإن شئت ان تدع فدع فان المشتري اذا خيره في هذا واسلمه إليه فليس للشفيع الا ان ياخذ الشفعة كلها او يسلمها إليه فان اخذها فهو احق بها والا فلا شيء له قال ابو عمر على نحو هذا مذهب الشافعي ايضا ذكره المزني عنه قال فان

حضر احد الشفعاء اخذ الكل بجميع الثمن فان حضر الثاني اخذ منه النصف بنصف الثمن فان حضر الثالث اخذ منه الثلث بثمن الثلث حتى يكونوا سواء فان كانوا اثنين اقتسما كان للثالث نقص قسمتها وان اسلم بعضهم لم يكن لبعض الا اخذ الكل او الترك قال وكذلك لو اصابها هدم من السماء اما اخذ الكل بالثمن كله واما ترك وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد لو اشترى رجل دارا من رجلين فقبضها او لم يقبضها صفقة واحدة واراد الشفيع ان ياخذ ما باع احدهما دون ما باع الاخر فليس ذلك للاخر وانما له ان ياخذها كلها او يدعها كلها وان كان الذي ابتاع الدار رجلين كان للشفيع ان ياخذ ما باع ويدع ما ابتاع الاخر قالوا ومن اشترى دارين صفقة واحدة من رجلين ولهما شفيع واحد فاراد الشفيع ان ياخذ احداهما دون الاخرى فليس له ذلك واختلف اصحاب مالك في هذه المسائل ايضا فقال بن القاسم في ثلاثة شركاء في ارض او دار باع الاثنان منهما نصيبهما صفقة واحدة من رجلين انه ليس للثالث الشفيع الا ان ياخذ الجميع او يدع وقال اشهب ياخذ من ايهما شاء وقال بن القاسم اذا وجبت الشفعة لرجلين فسلم احدهما فليس للاخر الا ان ياخذ الجميع او يدع وروي ذلك عن مالك وعليه اكثر اصحابه وذكر بن حبيب عن اصبغ انه قال ان كان تركه وتسليمه رفقا بالمشتري وتجافيا له كانه وهبه شفعته فلا ياخذ الاخر حصته فلو كان المشتري رجلين فاراد الشفيع ان ياخذ حصة احدهما فابن القاسم قال ليس له ان ياخذ الا حصتهما جميعا او يتركهما جميعا اذا طلبت صفقة واحدة وقال اشهب له ان ياخذ من احدهما ويدع الاخر وقال المزني فيما اجاز فيه من المسائل على معنى قول الشافعي ولو ان رجلين باعا من رجل شقصا فقال الشفيع انا اخذ ما باع فلان وادع حصة فلان فذلك جائز في قياس قوله قال وكذلك لو اشترى رجلان من رجل شقصا كان للشفيع ان ياخذ حصته ايهما شاء

قال المزني ولو اشترى شقصا وهو شفيع فجاء شفيع اخر فقال له المشتري خذها كلها بالثمن او دع فقال هو بل اخذ نصفها فان ذلك له لانه مثله وليس عليه ان يلزم شفعة غيره قال مالك في الرجل يشتري الارض فيعمرها بالاصل يضعه فيها او البئر يحفرها ثم ياتي رجل فيدرك فيها حقا فيريد ان ياخذها بالشفعة انه لا شفعة له فيها الا ان يعطيه قيمة ما عمر فان اعطاه قيمة ما عمر كان احق بالشفعة والا فلا حق له فيها قال ابو عمر القيمة عند مالك واصحابه في البنيان قائما لانه بنى في ملكه وحقه لان المشتري يملك ما اشترى وان كان فيه شفعة اخبره فان الاخذ بالشفعة ليس بلازم للشفيع وهو بالخيار ان شاء شفع وان شاء لم يشفع فكانه اذا شفع بيع حادث وعهدته على المشتري واما الشافعي فمذهبه ان الباني متعد ببنيانه فيما فيه للشفيع الشفعة فليس له الا قيمة بنيانه معلوما ان شاء الشفيع او ياخذه بنصفه وكذلك لو قسم بغير حكم حاكم وبنى في نصيبه فهو متعد فان قضى الحاكم بالقسمة وحكم بها لما ثبت ما يوجب ذ لك واقام للغائب وكيلا في القسمة فقسم وقبض المشتري حصته وبنى فيها فهو حينئذ غير متعد فان استحق الشفيع الحصة مشاعة لم يمنعه قضاء القاضي شفعته لان الغائب على شفعته ابدا الا ان يعلم فيترك فان علم فلا شفعة له ان ترك الطلب بعد العلم قادرا على الطلب وان لم يعلم شفع اذا قدم ان شاء واعطى المشتري قيمة الشقص وقيمة البنيان تاما لانه بنى في غير اعتداء واما الكوفيون فذكر الطحاوي عنهم قال ومن اشترى دارا وقبضها فبنى فيها بناء ثم حضر شفيعها فطلب اخذها بالشفعة فقضى له بذلك فيها فانه يقال للمشتري انقض بناءك لانك بنيته فما كان الشفيع اولى بها منك الا ان يشاء الشفيع ان يمنعه من ذلك ويعطيه قيمة بنيانه منقوضا فيكون ذلك له فهذا قول ابي حنيفة ومحمد بن الحسن وهو الصحيح عن ابي يوسف قال وبه قال احمد

وقد روي عن ابي يوسف انه قال ان شاء الشفيع اخذها بالثمن الذي باعها به وبقيمة البناء قائما وان شاء ترك ليس له غير ذلك قال مالك من باع حصته من أرض او دار مشتركه فلما علم ان صاحب الشفعة يأخذ بالشفعة استقال المشتري فأقاله قال ليس ذلك له والشفيع احق بها بالثمن الذي كان باعها به قال أبو عمر والشفعة تجب بالبيع لمن ارادها وطلبها واجمعوا انه ليس للمشتري ان يمتنع من ذلك ولا البائع فالاقالة لا نقطعها عمن جعلها بيعا مستأنفا وعمن يجعلها فسخ بيع لان في فسخ البيع فسخا للشفعة والشفعة واجبة بالسنة وقياس قول الشافعي والكوفيين وجوب الشفعة لا تنقضها الاقالة وقد اختلف قول بن القاسم واشهب في عهده الشفيع في الاقالة فقال بن القاسم عهدة الشفيع على المشتري وقال اشهب الشفيع مخير فان شاء اخذ الشفعة بعهده البيع الاول وان شاء بعهده الاقالة قال مالك من اشترى شقصا في دار او ارض وحيوانا وعروضا في صفقة واحدة فطلب الشفيع شفعته في الدار او الارض فقال المشتري خذ ما اشتريت جميعا فاني انما اشتريته جميعا قال مالك بل يأخذ الشفيع شفعته في الدار او الارض بحصتها من ذلك الثمن يقام كل شيء اشتراه من ذلك على حدته على الثمن الذي اشتراه به ثم يأخذ الشفيع شفعته بالذي يصيبها من القيمة من راس الثمن ولا يأخذ من الحيوان والعروض شيئا الا ان يشاء ذلك قال ابو عمر على ما قاله مالك في هذه المسألة اكثر الفقهاء قال الشافعي ولو كان مع الشقص الذي فيه الشفعة عرض في صفقة واحدة بثمن واحد فانه يشفع في الشقص بحصته من الثمن وهو قول الكوفيين

وذكر عبد الرزاق قال سألت معمرا عن رجلين بينهما خربة لم تقسم فباع احدهما نصيبه منها مع خربه له اخرى بثمن واحد فجاء الشفيع فقال انا اخذ نصيبه من الخربة التي بيني وبينه فقال قال عثمان البتي يأخذ البيع جميعا يتركه جميعا وقال بن شبرمة وغيره من اهل الكوفة يأخذ نصف الخربة التي بينه وبين صاحبه بالقيمة ويترك الاخرى ان شاء قال عبد الرزاق وسمعت الثوري وسفيان يقولان مثل قول بن شبرمه قال مالك ومن باع شقصا من ارض مشتركة فسلم بعض من له فيها الشفعة للبائع وابى بعضهم الا ان يأخذ بشفعته ان من ابى أن يسلم يأخذ بالشفعة كلها وليس له ان يأخذ بقدر حقه ويترك ما بقي قال مالك في نفر شركاء في دار واحدة فباع احدهم حصته وشركاؤه غيب كلهم الا رجلا فعرض على الحاضر ان يأخذ بالشفعة او يترك فقال انا اخذ بحصتي واترك حصص شركائي حتى يقدموا فان اخذوا فذلك وان تركوا اخذت جميع الشفعة قال مالك ليس له الا ان يأخذ ذلك كله او يترك فان جاء شركاؤه اخذوا منه او تركوا ان شاؤوا فاذا عرض هذا عليه فلم يقبله فلا ارى له شفعة قال ابو عمر قد مضى هذا المعنى وما فيه لسائر العلماء وانما هم في هاتين المسألتين على قولين احدهما ما ذكر مالك رحمه الله والاخر ان له أن يأخذ بحصته ويدع حصه شركائه فان جاؤوا كانوا على شفعتهم ان شاؤوا وقد تقدم ذكر ذلك فلا وجه لاعادته باب مالا تقع فيه الشفعة مالك عن محمد بن عمارة عن ابي بكر بن حزم ان عثمان بن عفان قال اذا وقعت الحدود في الارض فلا شفعة فيها ولا شفعة في بئر ولا في فحل النخل

قال مالك وعلى هذا الامر عندنا قال مالك ولا شفعة في طريق صلح القسم فيها او لم يصلح قال مالك والامر عندنا انه لا شفعة في عرصه دار صلح القسم فيها او لم يصلح قال ابو عمر اما قول عثمان اذا وقعت الحدود في الارض فلا شفعة فيها فانه ينفي الشفعة في ذلك للجار وقد تقدم القول في ذلك عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم فاذا وقعت الحدود في الارض فلا شفعة ولا وجه لتكرار ما تقدم وأما قوله ولا شفعة في بئر ولا في فحل نخل فذكر بن عبد الحكم عن مالك قال الحديث الذي جاء لا شفعة في بئر انما ذلك في بئر الاعراب فأما بئر الزرع والنخل ففي ذلك الشفعة اذا كان النخل لم يقسم فان قسم الحائط وترك البئر فلا شفعة فيها وكذلك اذا قسمت بيوت الدار وكذلك اذا قسم الحائط وترك الفحل والفحلان للابار واكل الطلع انه لا شفعة فيها وكذلك إذا قسمت بيوت الدار وتركت العرصه للارتفاق فباع احد الشركاء نصيبه فيها فلا شفعة في ذلك قال ابو عمر يريد بقوله بئر الاعراب البئر التي في موات الارض لسقي الماشية والمسقاة ليست بئرا يسقى بها شيء من الارض والشجر وذكار الشجر حكمه عند مالك واصحابه كحكم النخل وحكم العين عندهم كحكم البئر عندهم سواء ان كان لها بياض وزرع ونخل وبيع ذلك كله بيعا فيه شفعة دخلت العين في ذلك والبئر فاذا انفردت العين او البئر بين الشركاء فلا شفعة فيها اذا باع أحدهم نصيبة منها وكذلك حكم الطرق والمرافق المتروكة للارتفاق لا شفعة فيها الا ان تكون بيعا لما فيه شفعة من الارض وتجمعها صفقة واما الشافعي فانه قال لا شفعة في بئر لا بياض لها وكذلك اذا كان لها بياض ولا تحتمل القسمة

ولا شفعة عنده إلا فيما تحتمله القسمة وتضرب فيه الحدود ولا شفعة عنده في طريق وانما العرصة اذا احتملت القسمة وبيع منها شيء ففيه الشفعة عنده خلاف قول مالك وسواء تركت للارتفاق او لم تترك وانما اصله ان كل ما كان من الارضين يحتمل القسمة وضرب الحدود وكان مشاعا ففيه الشفعة واما الكوفيون فالقياس على اصولهم الا شفعة في بئر ولا فحل نخل واما العرصة فقياسهم ان فيها الشفعة لانها من الارض المحتملة للقسمة واختلف اصحاب مالك في النخلة المطعمة تكون بين الشريكين يبيع احدهما حصته منها فذكر بن القاسم عن مالك في المدونة انه لا شفعة فيها قال ابو عمر قاسها على فحل النخل والله اعلم وقال اشهب وعبد الملك بن الماجشون واصبغ بن الفرج ومحمد بن عبد الحكم فيها الشفعة ذكرا كان او انثى قال ابو عمر حجتهم في ايجاب الشفعة ان النخلة عندهم من جنس ما فيه الشفعة ولم يختلفوا في الحائط المثمر من الشجر وان لم يكن فيه موضع لزراعة وكان مشاعا ان الشفعة فيما بيع منه وحكم النخلة الواحدة عندهم كحكم الحائط كله واختلفوا في هذا الباب في اشياء منها الرحا ففي المدونة قال بن القاسم الشفعة في الارض ولا شفعة في الرحا كما ان بيعت منفردة دون شيء من الارض لم تكن فيها شفعة وروى أبو زيد عن بن القاسم مثل ذلك وقال يقضي الثمن على الارض والرحى وذكر انه كالشقص يباع مع عبد وقال اشهب للشريك الشفعة في جميع ذلك وقال الا ترى ان الشفعة تكون في رقيق الحائط فكيف بالرحى مع الارض وبقول اشهب قال سحنون واختلفوا من ذلك في الاندر احد الشركاء نصيبه منه

فذكر العتبي عن عبد الملك بن الحسن عن اشهب وبن وهب ان فيه الشفعة وهو كغيره من الارضين وقال اشهب لا شفعة في الاندر وكذلك الاقبية لا شفعة فيها اذا بيعت قال والاندر عندي مثل الأقبية واختلفوا من ذلك ايضا في الحمام فقال مالك فيه الشفعة وقال بن القاسم لا شفعة فيه وقال إسماعيل بن إسحاق روى بن القاسم وبن ابي اويس عن مالك ان فيه الشفعة قال وذكر احمد بن المعذل عن عبد الملك عن مالك انه لا شفعة فيه قال عبد الملك وانا ارى فيه الشفعة قال إسماعيل وروى بن القاسم ان الحمام يقسم قال ابو عمر كان احمد بن خالد ومحمد بن عمرو بن لبانة يفتيان في الحمام واختلفوا في الثمرة تباع منفردة دون الاصل فقال مالك وبن القاسم واشهب فيها الشفعة لانها تقسم بالحدود قال ابو عمر على ما ذكرنا من مذاهبهم في قسمة الثمار في رؤوس الاشجار وروى ابو جعفر الدمياطي وعبد الملك انهما كانا لا يريان فيها الشفعة واختلفوا ايضا في الشفعة في الكراء او الدور والرباع والارضين وفي المساقاة وفي الدين هل يكون المديان احق بها وقد ذكرنا ذلك كله في كتاب اختلافهم وحديث بن شهاب ينفي الشفعة ويسقطها الا في المشاع من الارضين والرباع حيث يمكن ضرب الحدود وتصريف الطرق وهذا هو الصحيح وبالله التوفيق قال مالك في رجل اشترى شقصا من ارض مشتركة على انه فيها

بالخيار فاراد شركاء البائع ان يأخذوا ما باع شريكهم بالشفعة قبل ان يختار المشتري ان ذلك لا يكون لهم حتى يأخذ المشتري ويثبت له البيع فاذا وجب له البيع فلهم الشفعة قال ابو عمر لا فرق عند مالك في هذه المسألة كان البائع بالخيار او كان المشتري ولا اعلم خلافا بين الفقهاء انه اذا كان الخيار للبائع ان الشفعة لا تجب للشفيع حتى تنقضي ايام الخيار ويصير الشقص إلى المشتري فحينئذ يشفع الشفيع ان اراد لا قبل ذلك واختلفوا فيما اذا كان الخيار للمشتري خاصة فقال الشافعي ومن اشترى شقصا على انها جميعا بالخيار او البائع بالخيار فلا شفعة حتى يسلم البائع وان كان الخيار للمشتري دون البائع فقد خرج الشقص المبيع من ملك البائع ففيه الشفعة وعلى هذا ايضا مذهب الكوفيين ذكر الطحاوي عنهم قال من باع دارا من رجل على انه بالخيار في بيعها اياما ثلاثة لم يكن للشفيع اخذها بالشفعة حتى ينقطع الخيار فيجوز البيع فيها وان لم يكن البائع بالخيار فيها ثلاثة ايام كان للشفيع اخذها بالشفعة وكان اخذه اياها قطعا بخيار المشتري وامضى البيع فيها واختلف اصحاب مالك في الشريك يبيع نصيبه من دار له فيها شركاء بالخيار ثم بيع بعض اشراكه نصيبه بيعا بتلا ففي المدونة ان قبل المشتري فالسلعة للبائع بالخيار وقال سحنون الشفعة في المبيع بالخيار للمشتري بعد ذلك بثلاث وقال ابو إسحاق البرقي وعبد الله بن الحكم حكم الشفعة في الشقص المبيع بتلا للبائع بالخيار لان الشقص كان له ومنه ضمانة فان سلم فللمشتري ولا تبالي لمن كان الخيار منهما وبهذا القول يقول بن الماجشون واشهب وقال مالك في الرجل يشتري ارضا فتمكث في يديه حينا ثم يأتي رجل

فيدرك فيها حقا بميراث ان له الشفعة ان ثبت حقه وان ما اغلت الارض من غلة فهي للمشتري الاول إلى يوم يثبت حق الاخر لانه قد كان ضمنها لو هلك ما كان فيها من غراس او ذهب به سيل قال فان طال الزمان او هلك الشهود او مات البائع او المشتري او هما حيان فنسي اصل البيع والاشتراء لطول الزمان فان الشفعة تنقطع ويأخذ حقه الذي ثبت له وان كان امره على غير هذا الوجه في حداثة العهد وقربه وانه يرى ان البائع غيب الثمن واخفاه ليقطع بذلك حق صاحب الشفعة قومت الارض على قدر ما يرى انه ثمنها فيصير ثمنها إلى ذلك ثم ينظر إلى ما زاد في الارض من بناء او غراس او عمارة فيكون على ما يكون عليه من ابتاع الارض بثمن معلوم ثم بنى فيها وغرس ثم اخذها صاحب الشفعة بعد ذلك قال ابو عمر اما قوله في المستحق بميراث نصيبا في ارض ان له الشفعة فان الخلاف في ذلك قديم فمن اوجب الشفعة له زعم انه كان حقا له ما اظهره شهوده فصار بمنزلة شريك ظاهر الملك في ذلك وكذلك المستحق باع شريكه نصيبه في ارض مشاعة بينهما فلا خلاف ان له الشفعة في ذلك وكذلك المستحق لانه بتقدم ملكه استحق ما استحق ومن قال لا شفعة له زعم ان المستحق انما يثبت له الملك يوم استحق فلا شفعة له فيما كان له قبل ذلك الا ترى انه لا يأخذ الغلة من المشتري ولا من البائع الجاحد له وكذلك لو استحق العبد حرية على مولاه والمولى جاحد لها فلما قامت للعبد بينة بالحرية قضي له بها ولم يلزم المولى خراجه وقيمة خدمته لانه جاحد لما شهد به الشهود وانما تجب شهادتهم حكما ظاهرا من يوم شهدوا وحكم الحاكم بشهادتهم والقائلون بالقول الاول يوجبون للمستحق الخراج او الغلة فيما يستحقه ويأتي القول في ذلك في موضعه ان شاء الله واما قوله فان طال الزمان او هلك الشهود أو مات البائع او المشتري إلى اخر كلامه في الفصل فان طول الزمان لمن كان غائبا وقامت بينته بما يوجب له الشفعة

وقد مضى القول في شفعة الغائب وما قاله مالك وغيره في ذلك والخلاف فيه كلا خلاف واما هلاك الشهود فلا يخلو من ان يكونوا شهودا على البيع فهلكوا او المشتري والبائع يتجاحدان ولا بينة هناك فلا شفعة في ذلك ان يكون الشهود على مبلغ الثمن هلكوا فالقول قول المشتري وان خالفه الشفيع وقد مضت هذه المسالة ايضا بخلافها وكذلك موت البائع والمشتري لمن كان له القيام بالشفعة لا يضر قال مالك في هذا الموضع من الموطا والشفعة ثابتة في مال الميت كما هي في مال الحي وقد تقدم القول في هل تورث الشفعة وذكرنا الاختلاف في ذلك وقال احمد بن حنبل وغيره الشفعة لا تورث الا ان يكون الميت طالبا لها قال ابو عمر الشفعة تورث عند كل من يورث عنده الخيار في البيع ومن لا يورث عنده الخيار فقد تورث عنده الشفعة وقد مضى ذلك في كتاب البيوع واما قوله في المشتري والبائع او هما حيان فليبتني اصل البيع والاشتراء لطول الزمان فان الشفعة تنقطع وياخذ يعني المستحق حقه الذي ثبت له فقط فقد ذكرنا ان اهل العلم منهم من لا يرى للمستحق شفعة ومنهم من راها على ما وصفنا وهم في هذه المسالة على قولين احدهما انه يشفع بقيمة الشقص كما لو جهلا الثمن بحداثة الوقت سواء وكان مالك ومن تابعه لا يرون الشفعة عند جهل الثمن اذا طال الزمان ونسي البيع ويرونها واجبة في حداثة العهد وقوله او لما يرى ان البائع غيب ذكر الثمن واخفاء ليقطع بذلك حق صاحب الشفعة فحينئذ يرون الشفعة في الشقص بقيمته على ما في الموطا وقال به جماعة من اصحابه وذكر بن عبدوس عن بن الماجشون قال اذا مات المشتري واتى الشفيع يطلب من ورثته الشفعة مع طول الزمان وقد جهل الثمن حلف الورثة ما عندهم علم ولم تكن شفعة

قال ولو ان المشتري قال لا ادري بكم اشتريت حلف وشفع بالقيمة قال فان ابى ان يحلف فقد مضت من اصحابنا فيه قضية انه ياخذها الشفيع ثم يقول للمشتري اطلب حقك ممن شئت او تحلف فتاخذ منه قيمة الشقص فان قال الشفيع لا اقبضه لعل ثمنه يكون كثيرا ولا يقدر على ثمنه فلا بد حينئذ ان يحلف او يسجن واما قوله والشفعة ثابتة في مال الميت فهي في مال الحي فان خشي اهل الميت ان ينكسر مال الميت قسموه ثم باعوه فليس عليهم فيه شفعة فقد تقدم القول في وراثة الشفعة وفي ان كل مقسوم لا شفعة فيه عند من لا يقول بالشفعة للجار او من اجل الاشتراك في الطريق قال مالك ولا شفعة عندنا في عبد ولا وليدة ولا بعير ولا بقرة ولا شاة ولا في شيء من الحيوان ولا في ثوب ولا في بئر ليس لها بياض انما الشفعة فيما يصلح انه ينقسم وتقع فيه الحدود من الارض فاما ما لا يصلح فيه القسم فلا شفعة فيه قال ابو عمر على هذا مذهب الشافعي والكوفيين وقد تقدم ذلك كله والحجة له والحمد لله كثيرا وقد شذت طائفة فاوجبت الشفعة في كل شيء وروت روايات في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما ذكره عبد الرزاق قال اخبرنا اسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن بن ابي مليكة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريك شفيع في كل شيء اخبرنا احمد بن عبد الله قال حدثني ابي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني ابو بكر بن عياش قال حدثني عبد العزيز بن رفيع عن بن ابي مليكة قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شيء في الارض والدار والدابة فقال عطاء انما الشفعة في الارض والدار وقال بن ابي مليكة سمعتني لا ام لك اقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول هذا

قال ابو عمر هذا الحديث مرسل وليس له اسناد غير هذا فيما علمت ومن قال بمراسيل الثقات لزمه القول به واما من جهة النظر فالمشتري مالك لما اشترى فلا يخرج ملكه عن يده الا بكتاب او سنة ثابتة او اجماع ولا اجماع في هذا بل الاكثر على خلافه في هذا الحديث ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا معمر قال قلت لايوب اتعلم احدا كان يجعل في الحيوان شفعة قال لا قال معمر ولا اعلم احدا جعل في الحيوان شفعة قال واخبرنا بن سمعان عن بن شهاب عن بن المسيب قال ليس في الحيوان شفعة قال واخبرنا ابو حنيفة عن حماد قال لا شفعة الا في ذلك دار او ارض قال واخبرنا اسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن عطاء بن ابي رباح قال لا شفعة الا في الارض قال واخبرنا معمر عن بن شبرمة قال في الماء الشفعة قال معمر ولم يعجبني ما قال قال ابو عمر قد راى قوم من العلماء الشفعة في الدين وفي المكاتب يباع ما عليه فقالوا المديان والمكاتب اولى بذلك اذا اعطى المشتري ما ارى ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا معمر عن الزهري قال لم ار القضاة الا يقضون فيمن اشترى دينا على رجل فصاحب الدين اولى به قال واخبرنا معمر عن رجل من قريش ان عمر بن عبد العزيز قضى في مكاتب اشترى ما عليه بعرض فجعل المكاتب اولى بنفسه وقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع دينا على رجل فصاحب الدين اولى اذا ادى مثل الذي ادى صاحبه قال وحدثني الاسلمي قال اخبرني عبد الله بن ابي بكر عن عمر بن عبد العزيز ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في الدين وهو الرجل يبيع دينا له على رجل فيكون صاحب الدين احق به

واختلف اصحاب مالك في ذلك فقال بن القاسم لا شفعة في الدين ولا يكون المديان احق به وقال اشهب هو احق به بالضرر الداخل عليه وياخذه بقيمة العرض ان كان الثمن عرضا او بمثل العين ان كان عينا كالمكاتب وانما ذلك في المكاتب لحرمة العتق الا ترى ان التقويم والاستهام يجب على الشريك اذا اعتق نصيبه وان العتق بيد اعلى سائر الوصايا قال فان قال قائل ان البائع ممن دخل مدخله كالشريكين في العبد باع شريك ودخل شريك قيل له ان العبد المشترك فيه ان راى الشريك ما يضره دعا شريكه إلى البيع معه وليس كذلك الدين قال ابو عمر قد ذكرنا ان الاصل المجتمع عليه انه لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس وان التجارة لا تجوز الا عن تراض فلا يخص منها في الاصل شيء الا بمثله من الاصول التي يجب التسليم لها وحديث الشفعة للشريك في الدور والارضين حديث متفق على القول والعمل به وسائر ما اختلف فيه وليس في الاختلاف حجة فالواجب الوقوف عند اليقين ولا يخرج عنه الا بيقين مثله وبالله التوفيق قال مالك ومن اشترى ارضا فيها شفعة لناس حضور فليرفعهم إلى السلطان فاما ان يستحقوا واما ان يسلم له السلطان فان تركهم فلم يرفع امرهم إلى السلطان وقد علموا باشترائه فتركوا ذلك حتى طال زمانه ثم جاؤوا يطلبون شفعتهم فلا ارى ذلك لهم قال ابو عمر هذا قول مجمل الا ان ظاهره يدل على ان ما قرب من الامد لطالب الشفعة لم يضره قعوده عن الطلب اذا قام فيما لم يطل من الزمان فان طال فلا قيام له ولم يحد في الطول حدا ولا وقت في موطئه وقتا وقد اختلفت الرواية عنه في ذلك واصحابه فروى بن القاسم عنه السنة ليست بالكثير وهو على حقه وقال مرة اخرى السنة ونحوها

وروى اشهب عن الثقات عن مالك انه قال للحاضر تنقطع بمرور السنة وروى بن الماجشون عن مالك ان الخمسة الاعوام ليست بكثير ولا يقطع الشفعة الا الطول وذكر بن حبيب عن مطرف وبن الماجشون انهما استنكرا ان يحد مالك في الشفعة سنة وقالوا ربما سمعنا مالكا يسال عن الحاضر يقوم على شفعته بعد الخمس سنين وربما قيل له اكثر من ذلك فيقول في ذلك كله لا ارى في ذلك طولا ما لم يحدث المبتاع بنيانا او هدما او تغييرا ببناء والشفيع حاضر فان كان ذلك ولم يقم في شفعته في الحين او يحدثان ذلك فلا قيام له لان هذا مما يقطع شفعته وقد تقصيت اختلافهم في اختلاف قول مالك واصحابه وهذا الاختلاف انما هو ما لم يوقف المشتري الشفيع عند الحاكم فان وقفه لياخذ او ليترك فان ترك لم يكن له قيام بعد وان اخذ اجل بالمال ثلاثة ايام وقال بن الماجشون عشرة ايام ونحوها وقال اصبغ يؤخذ بالمال على قدر قلة المال وكثرته وعلى قدر عسره ويسره ويقضي ذلك شهر ثم لا يدري ما وراء ذلك وقال الشافعي للشفيع الشفعة بالثمن الذي وقع به البيع فان فضلت مكانه فهو له وان امكنه الطلب فلم يطلب بطلت شفعته وان علا فاخذ الطلب فان كان له عذر من حبس او غيره فهو على شفعته يعني وان لم يكن له عذر نافع فلا قيام له وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد اذا وقع البيع فيما تجب فيه الشفعة فعلم بذلك الشفيع فان اشهد مكانه انه على شفعته والا بطلت شفعته وسواء احضر عند ذلك مالا او ثمن البيع او لم يحضر وقد روي عن محمد بن الحسن انه قال ينبغي ان يكون الاشهاد بمحضر مطلوب بالشفعة او بحضرة المبيع المشفوع فيه قال ابو عمر لا معنى لاشهاد الحاضر على الطلب الا ان يشهد طلابه وطلبه بذلك واما اذا تراخى بذلك وطال فلا شفعة له لان تركه للطلب به اختيار منه لاسقاط الشفعة وذلك ضرب من ركوب الدابة وتسخيرها ووطء الجارية بعد الاطلاع على العيب وانما الاشهاد عندي معتبر في الغائب الذي يبلغه خبر شفعته

فيشهد على انه مختار للطلب اذا قدم وبلغ موضع الطلب ينفعه اشهاده ولا يضره علمه بماله من الشفعة لموضع غيبته ومن اهل العلم من اصحابنا وغيرهم من لا يرى على الغائب اشهادا ولا يمينا فانه لم يترك اذا علم وقال محمد بن الحسن اذا قضى القاضي بالشفعة كان للمقضى عليه بها احتباس المشفوع فيه حتى يدفع إليه ثمنه وقد روي عن محمد بن الحسن انه قال لا يقضي القاضي بالشفعة للشفيع حتى يحضره مثل الجزء الذي وجبت له به الشفعة وهو اختيار الطحاوي واختلف اصحاب مالك وغيرهم فيمن وجبت له شفعة فباع الشقص الذي من اجله بدفع قبل ان ياخذ بالشفعة فذكر اشهب عن مالك ان قوله اختلف في ذلك فمرة قال تجب له الشفعة ومرة قال لا تجب واختار اشهب انه لا شفعة له قال انما لو اخذ بالشفعة ثم باع حصته لم يضر ذلك شفعته وروى عيسى عن بن القاسم انه لا يقطع بيعه بحصته في الدار ما وجب له من الشفعة اذا كان قيامه في امدها وروى يحيى بن يحيى عن بن القاسم مثل ذلك وزاد فان سلم الشفعة ولم ياخذ وجبت الشفعة للمشتري في البيع الثاني قال ابو عمر قياس قول الشافعي والكوفيين وانه لا شفعة له الا ان يقضي له بها القاضي قبل بيعه بحصته عند الكوفيين وعند الشافعي لا تجب له شفعة لانه لا يستحق الشفعة الا بالشركة وليس للشريك بعد بيع حصته شفعة فاي شفعة تجب له والشفعة انما تستحق بالشركة في المبتاع بالطلب واداء الثمن وان كان اصل وجوبها البيع وبالله التوفيق

كتاب الاقضية باب الترغيب في القضاء بالحق مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن زينب بنت ابي سلمة عن ام سلمة زوج النبي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انما انا بشر وانكم تختصمون الي فلعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو ما اسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق اخيه فلا ياخذن منه شيئا فانما اقطع له قطعة من النار قال ابو عمر لم يختلف في اسناد هذا الحديث ولا على هشام وقد رواه عن هشام الثوري وبن عيينة ويحيى القطان وغيرهم ورواه ايضا معمر عن الزهري عن عروة عن زينب عن امها ام سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد روي من حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك كله في التمهيد وفي هذا الحديث من الفقة ان البشر لا يعلمون الغيب واذا كان الانبياء يعرفون بهذا فكيف يصح لاحد دعوى ذلك وهل يحصل من علم الغيب عند مدعيه الا التخرص والتظنن بالنجامة او بالتكهن الذي هو كله الا يسير منه ظن كذب لان الظن اكذب الحديث

واما علم صحيح متيقن متبين فلا سبيل إليه والله اعلم وأما قوله فلعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض يعني افطن لها واجدل بها قال ابو عبيدة اللحن بفتح الحاء الفطنة واللحن بجزم الحاء الخطا في القول وفيه ان القاضي انما يقضي على الخصم بما يسمع منه من اقرار او انكار او بينات على حسب ما امكنته السنة في ذلك وفيه ان القاضي يقضي بكل ما يقر به عنده المقر لمن ادعى عليه لقوله صلى الله عليه وسلم فاقضي له بمعنى اقضي عليه بما اسمع منه يريد او من بينة المدعي لان هذا هو الذي يسمع مما يحتاج ان يقضي به ولو اقر المقر عنده في مجلس حكمه بما قد استوعب سماعه منه ثم جحد المقر اقراره ذلك ولم يحضر مجلسه ذلك شهيدان وجب على القاضي الحاكم القضاء بما سمع حضرة احد او لم يحضره هذا قول جمهور الفقهاء وهو قول الكوفيين والشافعيين وغيرهم واستحب مالك رحمه الله ان يحضره شاهدان واجاز في ذلك شهادة العدل وغيره ولو علم ان ما شهد به الشهود على ما شهدوا به ان ينفد علمه في ذلك دون شهادتهم وذلك دليل على ان ذلك استحباب عنده والله الموفق للصواب وفي ذلك ايضا رد وابطال للحكم بالهوى وبالظنون ايضا قال الله عز وجل يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله الاية ص وقد احتج بعض اصحابنا بهذا الحديث في رد حكم القاضي بعلمه لقوله فاقضي له على نحو ما اسمع منه ولم يقل على نحو ما علمت منه او من قصته قال وانما تعبدنا بالحكم بالبينة والاقرار وهو المسموع الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم انما اقضي على نحو ما اسمع وذلك المسموع من المقر في مجلس الحكم

وقد قيل في تاويل قول الله عز وجل واتيناه الحكمة وفصل الخطاب ص ان فصل الخطاب البينات او اقرار من يلزمه اقراره والعلة في القضاء بالبينة او الاقرار دون العلم التهمة لان الحاكم اذا قضى بعلمه كان مدعيا علم ما لم يعلم الا من جهته وقد اجمعوا ان القاضي لو قتل اخاه لعلمه بانه قاتل لم يجب له القود منه فانه قاتل عمدا والقاتل عمدا لا يرث منه شيئا لموضع التهمة في وراثته ومن احسن ما يحتج به في ان القاضي لا يقضي بعلمه حديث معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث ابا جهم على صدقه فلاجه رجل في فريضة فوقع بينهم شجاج فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فاخبروه فاعطاهم الارش ثم قال اني خاطب الناس ومخبرهم انكم قد رضيتم ارضيتم قالوا نعم فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب وذكر القصة وقال ارضيتم قالوا لا فهم بهم المهاجرون فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فاعطاهم ثم صعد المنبر فخطب ثم قال ارضيتم قالوا نعم وهذا بين لانه لم ياخذ منهم بما علم منهم ولا قضى بذلك عليهم وقد علم رضاهم وهذا معظم ما يحتج به من لم ير للقاضي ان يقضي بعلمه واما من راى للقاضي ان يقضي بعلمه منهم الشافعي والكوفي وسنذكرهم بعد ان شاء الله عز وجل فمن حجتهم انه مستيقن قاطع لصحة ما يقضي به اذا علمه علم يقين وليست الشهادة عنده كذلك لانها قد تكون كاذبة وواهمة وعلمه بالشيء اوكد لانه ينتفي عنه في علمه الشك والارتياب وقد اجمعوا ان له ان يعدل ويسقط العدول بعلمه فكذلك ما علم صحته واجمعوا ايضا على انه اذا علم ان ما شهد به الشهود على غير ما شهدوا به انه ينفذ علمه في رد شهادتهم ولا يقضي بشهادتهم ويردها بعلمه ومما احتج به الشافعي وغيره بقضاء القاضي بعلمه حديث عبادة بن الصامت

عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله وان نقوم بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم وقول الله عز وجل كونوا قوامين بالقسط شهداء لله النساء وحديث عائشة في قصة هند بنت عتبة مع زوجها ابي سفيان بن حرب في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ولم يكلفها بينة لانه علم صدق قولها من قبل زوجها وحاله التي عرف منه وقالوا انما يقضي بما يسمع فيما طريقه السمع من الاقرار والبينة واما ما كان طريقه علمه فانه يقضي فيه بعلمه ولهم في هذا الباب منازعات اكثرها تشغيب والسلف من الصحابة والتابعين مختلفون في قضاء القاضي بعلمه على حسب اختلاف فقهاء الامصار من ذلك ومما احتج به من قال ان القاضي يقضي بعلمه فيما قضى به علمه مع ما قدمنا ذكره ما رويناه من طريق غير واحد عن عروة وعن مجاهد جميعا بمعنى واحد ان رجلا من بني مخزوم استعدى عمر بن الخطاب على ابي سفيان بن حرب انه ظلمه حدا في موضع كذا وكذا فقال عمر اني لاعلم الناس بذلك وربما لعبت انا وانت فيه ونحن غلمان فاذا قدمت مكة فاتني بابي سفيان فلما قدم مكة اتاه المخزومي بابي سفيان فقال له عمر يا ابا سفيان انهض بنا إلى موضع كذا فنهضوا ونظر عمر فقال يا ابا سفيان خذ هذا الحجر من هنا فضعه ها هنا فقال والله لا افعل ذلك فقال عمر والله لتفعلن فقال لا والله لا افعل فقال والله لتفعلن فقال لا افعل فعلاه عمر بالدرة وقال خذه لا ام لك وضعه ها هنا فانك قديم الظلم فاخذ ابو سفيان الحجر ووضعه حيث قال

عمر ثم ان عمر استقبل القبلة وقال اللهم لك الحمد اذ لم تمتني حتى غلبت علي ابا سفيان على رايه فاذللته لي بالاسلام قال فاستقبل القبلة ابو سفيان وقال اللهم لك الحمد الذي لم تمتني حتى جعلت في قلبي من الاسلام ما ذللت به لعمر ففي هذا الخبر قضاء عمر بعلمه فيما قد علمه قبل ولايته والى هذا ذهب ابو يوسف ومحمد والشافعي وابو ثور سواء عندهم علم القاضي قبل ان يلي القضاء او بعد ذلك في مصره كان او غير مصره له ان يقضي في ذلك كله عندهم بعلمه وقال ابو حنيفة ما علمه قبل ان يلي القضاء او راه في غير مصره لم يقض فيه بعلمه لانه شاهد واحد في ذلك وما علمه بعد ان استقضي او راه بمصره قضى في ذلك بعلمه لانه في ذلك قاض لا يحتاج ان يضم إليه فيما يقضي به غيره وهذا القول ماخوذ من اجتماع السلف وجمهورهم على ان ما اقر به المقر عند القاضي وهو قاض يومئذ انه يقضي به واتفق ابو حنيفة واصحابه ان القاضي لا يقضي بعلمه في شيء من الحدود لا فيما علمه قبل ولايته ولا فيما علمه بعد ذلك ولا فيما راه بمصره ولا بغير مصره وقال الشافعي وابو ثور حقوق الناس وحقوق الله سواء في ذلك والحدود وغيرها في ذلك سواء جائز ان يقضي القاضي في ذلك كله بعلمه وقال مالك واكثر اصحابه لا يقضي القاضي في شيء من الاشياء بما علمه لا قبل ولايته ولا بعدها ولا يقضي القاضي الا بالبينات او الاقرار وبه قال احمد بن حنبل و هو قول شريح والشعبي وفي هذا الحديث ايضا ايجاب الحكم بالظاهر دون اعمال الظن والاستحسان الا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في المتلاعنين بظاهر امرهما وما ادعاه كل واحد منهما ونفاه صاحبه واحلفهما بايمان اللعان ولم يلتفت إلى غير ذلك وكانت المراة حاملا فقال صلى الله عليه وسلم ان جاءت بالولد على صفة كذا وكذا فهو للزوج وان جاءت به على صفة كذا وكذا فهو للذي رميت به فجاءت به على النعت المكروه فلم يلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك لان الشبه قد ينتزع عنه وقد لا ينتزع بل امضى حكم الله فيما بعد ان سمع منها ولم يعرج على الظن ولا اوجب بالشبهة

حكما ولا رد به قضاء سلف منه مجتهدا فيه على ما اوجبه الظاهر واما قوله صلى الله عليه وسلم فمن قضيت له بشيء من حق اخيه فلا ياخذه فانما اقطع له قطعة من النار ففيه بيان واضح بان قضاء القاضي بالظاهر الذي يعتد به لا يحل حراما في الباطن على من علمه واجمع العلماء على ان ذلك في الاموال صحيح كما وصفنا لقول الله عز وجل ولا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتاكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم وانتم تعلمون البقرة واختلفوا في حل عصمة النكاح او عقدها بظاهر ما يقضي به الحكم وهو خلاف الباطن فقال مالك والثوري والاوزاعي والشافعي واحمد واسحاق وابو ثور وداود وجمهور العلماء الاموال والفروج في ذلك سواء وهي حقوق كلها لا يحل منها القضاء الظاهر ما هو حرام في الباطن لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم فمن قضيت له بشيء من حق اخيه فلا ياخذه فانما اقطع له قطعة من النار ولم يخص حقا من حق وقال ابو حنيفة وابو يوسف وكثير من اصحابنا انما ذلك في الاموال وقالوا في رجلين تعمدا الشهادة بالزور على رجل انه طلق امراته فقبل القاضي بشهادتهما بظاهر عدالتهما عنده وهما قد تعمدا الكذب ففرق القاضي بشهادتهما بين الرجل وامراته ثم اعتدت المراة انه جائز لاحد الشاهدين ان يتزوجها فانه عالم بانه كان من شهادته كاذبا وهو قول الشعبي لانها لما حلت للازواج في الظاهر كان الشاهد وغيره سواء لان قضاء القاضي وحكمه فرق بينها وبين زوجها وانقطعت عصمتها منه ولولا ذلك ما حلت لزوج غيره واحتجوا بحكم اللعان وقالوا معلوم ان الزوجة انما وصلت إلى فراق زوجها باللعان الكاذب الذي لو علم الحاكم كذبها فيه ما فرق بينها وبين زوجها ولا حكم فيها بغير ذلك من وجوب الحد عليها الجلد او الرجم قالوا فلم يدخل هذا في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم من قضيت له بشيء من حق اخيه فلا ياخذه قالوا الا ترى ان من شهد عليه بالنكاح او بالطلاق وقضى القاضي عليه بذلك لم يكن له الامتناع منه وجاز الحكم بشهادة الشهود عليه ولزمه التسليم له

وكانت فرقته بالظاهر فرقة عامة فلما كان ذلك كذلك دخل عليه الشاهد وغيره ولهم في ذلك كلام يطول ذكره في ذلك اكثره لا يصح وليس هذا موضعه والصحيح في ذلك ما ذهب إليه مالك والشافعي وجمهور فقهاء المسلمين انه لا يحل للشاهد بالزور ان يتزوجها وهو عالم بان زوجها لم يطلقها وكذلك غيره اذا علم لم يحل له وبالله التوفيق مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ان عمر بن الخطاب اختصم إليه مسلم ويهودي فراى عمر ان الحق لليهودي فقضى له فقال له اليهودي والله لقد قضيت بالحق فضربه عمر بن الخطاب بالدرة ثم قال وما يدريك فقال له اليهودي انا نجد انه ليس قاض يقضي بالحق الا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك يسددانه ويوفقانه للحق ما دام مع الحق فاذا ترك الحق عرجا وتركاه قال ابو عمر انما ضرب عمر اليهودي والله اعلم لانه كره مدحه وتزكيته لحكمه في وجهه واما جواب اليهودي له بعد ضربه اياه فقوله له وما يدريك فليس عندي بجواب لقوله وما يدريك والله اعلم ولكن اليهودي لما علم ان عمر كره مدحه له اخبره أنه يجد في كتبه ان الله تعالى ذكره يعين القاضي على الحق ويسدد له ويوفقه لاصابته اذا اراده وقصده ومن عونه له ان يامر الملكين عن يمينه وعن شماله لتسديده وهذا كله ترغيب وندب للحاكم ان القضاء بالحق على ما ترجم به مالك الباب والله الموفق للصواب وروى بن عيينة هذا الخبر عن يحيى عن سعيد بن المسيب ان عمر اختصم إليه مسلم ويهودي فراى ان الحق لليهودي فقضى له فقال اليهودي والله ان الملكين جبريل ومكائيل ليتكلمان بلسانك وانهما عن يمينك وشمالك فضربه عمر بالدرة وقال له لا ام لك ما يدريك قال انهما مع كل قاض يقضي بالحق ما دام مع الحق فاذا ترك الحق عرجا وتركاه فقال عمر والله ما اراك ابعدت

وفي هذا الحديث من الفقة ان المسلم والكافر والذمي في الحكم بينهما والقضاء كالمسلمين سواء وفيه كراهية المدح في الوجه الا من ادب فافعله فلا حرج عليك وان الذي يرضى بان يمدح في وجهه ضعيف الراي وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال سمع رجلا يمدح رجلا فقال له اما انك لو صنعته لقطعت ظهره وروي عنه انه قال المدح في الوجه هو الذبح وروي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال احثوا في وجوه المداحين التراب وهو حديث صحيح من حديث المقداد بن الاسود وهذا عندهم في المواجهة وفيه ترك الرد على اهل الكتاب فيما يخبرون به عن كتابهم فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم لئلا يصدق بباطل او يكذب بحق قال صلى الله عليه وسلم حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج وحدثوا عني ولا تكذبوا علي وقد فسر الشافعي معنى هذا الحديث بما قد ذكرته في غير هذا الموضع حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني وكيع قال حدثني اسرائيل عن عبد الاعلى التغلبي عن بلال بن أبي بردة بن ابي موسى عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سال القضاء وكل إلى نفسه ومن يجبر عليه نزل عليه ملك يسدده

قال ابو عمر روى بن عيينة عن مسعر عن محارب بن دثار قال قال عمر بن الخطاب ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فان قضاء القاضي يورث الضغائن بين الناس وعن ايوب عن بن سيرين قال لم ار شريحا اصلح بين خصمين قط الا امراة استودعها رجل شيئا ف نقلت متاعها فضاع فاصلح بينهما وسفيان عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال لان اقضي يوما بالحق احب الي من عمل سنة سفيان عن ابي إسحاق عن الشعبي عن مسروق قال لان اقضي يوما بحق احب الي من عمل سنة سفيان عن ابي إسحاق عن الشعبي عن شريح قال كتب الي عمر بن الخطاب رضي الله عنه اذا جاءك امر في كتاب الله فاقضي به ولا يلفتنك عنه الرجال فان لم تجده في كتاب الله ففيما مضى من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فان لم تجده فيما مضى من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيما قضى به الصالحون وائمة العدل فان لم تجد فان شئت ان تجتهد رايك وان شئت ان تؤامرني ولا ارى مؤامرتك فاني لا اسلم لك والسلام عليك وروى عيسى بن دينار عن بن القاسم قال سئل مالك ايجبر الرجل على ولاية القضاء فقال لا الا ان لا يوجد منه عوض قيل له ايجبر بالحبس والضرب قال نعم قيل له فالفتيا قال لا يجوز الفتيا الا لمن علم ما اختلف الناس فيه قيل له اختلاف اهل الراي قال لا اختلاف اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويعلم الناسخ والمنسوخ من القران والحديث وقد اشبعنا هذا المعنى في كتاب العلم والحمد لله كثيرا باب ما جاء في الشهادات مالك عن عبد الله بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن

ابيه عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابي عمرة الانصاري عن زيد بن خالد الجهني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الا اخبركم بخير الشهداء الذي ياتي بشهادته قبل ان يسألها او يخبر بشهادته قبل ان يسالها قال ابو عمر اختلف على مالك في ابي عمرة هذا في اسناد هذا الحديث فقال فيه يحيى بن يحيى وبن القاسم وابو مصعب الزهري ومصعب الزبيري عن ابي عمرة الانصاري وقال القعنبي ومعن بن عيسى ويحيى بن بكير عن بن ابي عمرة وكذلك قال بن وهب وعبد الرزاق عن مالك وسمياه فقالا عن عبد الرحمن بن ابي عمرة فرفعا الاشكال جودا في ذلك واصابا وبعيد ان يروي ابو عمرة الانصاري مع كبر سنه عن زيد بن خالد الجهني واما رواية ابنه عبد الرحمن بن ابي عمرة عنه فغير بعيدة ولا مرفوعة وعبد الرحمن بن ابي عمرة من خيار التابعين بالمدينة وقال بن وهب سمعت مالكا يقول في تفسير هذا الحديث انه الرجل تكون عنده الشهادة في الحق يكون للرجل ولا يعلم بذلك قبل فيخبر بشهادته ويرفعها إلى السلطان قال بن وهب وبلغني عن يحيى بن سعيد انه قال من دعي لشهادة عنده فعليه ان يجيب اذا علم انه ينتفع بها الذي يشهد له بها وعليه ان يؤديها لا يعلم بها صاحبها فليؤدها قبل ان يسال عنها ومن كانت عنده شهادة فانه كان يقال من افضل الشهداء شهادة رجل اداها قبل ان يسالها قال ابو عمر تفسير مالك لهذا الحديث حسن وتفسير يحيى بن سعيد نحوه واداء الشهادة بر وخير وقيام بحق فمن بدر إلى ذلك فله الفضل على غيره ممن لم يبدر بها قال الله عز وجل فاستبقوا الخيرات المائدة ومعلوم انه ربما نسي صاحب الشهادة شهادة فضل معلوما لا يدري اين هو ولا من هو ويخاف ذهاب حقه فاذا اخبره الشاهد العدل بان له شهادة عنده فرج كربه وادخل السرور عليه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس

الله عنه كربة من كرب الاخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمران بن الحصين وغيره على ما ذكرناه في التمهيد انه قال صلى الله عليه وسلم خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم ياتي قوم يتسمنون ويحبون السمن يعطون الشهادة قبل ان يسالوها وهذا ليس بمعارض لحديث مالك في هذا الباب وقد فسر ابراهيم النخعي هذا الحديث فقال فيه كلاما معناه ان الشهادة ها هنا اليمين أي يحلف احدهما قبل ان يستحلف ويحلف حيث لا تراد منه يمين واليمين قد تسمى شهادة قال الله تعالى ذكره اربع شهادات بالله النور و أي اربع ايمان مالك عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن انه قال قدم على عمر بن الخطاب رجل من اهل العراق فقال لقد جئتك لامر ما له راس ولا ذنب فقال عمر ما هو قال شهادات الزور ظهرت بارضنا فقال عمر او قد كان ذلك قال نعم فقال عمر والله لا يؤسر رجل في الاسلام بغير العدول قال ابو عمر اما شاهد الزور فقد جاء فيه ما يطول ذكره من ذلك ما ذكره البزار عن عباد بن يعقوب عن محمد بن فرات عن محارب بن دثار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال شاهد الزور لا تزول قدماه عن موضعه الذي شهد فيه حتى يتبوا مقعده من النار

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث خريم بن فاتك وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عدلت شهادة الزور بالشرك بالله وقرا فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور الحج واجمع العلماء ان شهادة الزور من الكبائر مالك انه بلغه ان عمر بن الخطاب قال لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين قال ابو عمر حديث ربيعة هذا عن عمر وان كان منقطعا فقد قلنا ان اكثر العلماء من السلف قبلوا المرسل من احاديث العدول وقد وجدنا خبر ربيعة هذا من حديث المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال قال عمر بن الخطاب لا يؤسر رجل في الاسلام يشهد الزور ومعنى يؤسر أي يحبس لنفوذ القضاء عليه فهذا الحديث عن عمر عند المدنيين والكوفيين والبصريين والمسعودي هذا هو من ثقات محدثي الكوفة وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود يقولون انه كان اعلم الناس بعلم بن مسعود واختلط في اخر عمره وروى عن جماعة من جلة اهل الكوفة منهم الحكم بن عتيبة وحبيب بن ابي ثابت وعلي بن مدرك وروى عنه جماعة منهم شعبة والثوري ووكيع وابو نعيم واخوه ابو العميس واسمه عتبة بن عبد الله بن مسعود ثقة ايضا وحديث ربيعة هذا يدل على ان عمر رجع عن قوله ومذهبه الذي كتب به إلى ابي موسى وغيره من عماله وهو خبر لا ياتي الا عن اهل البصرة نخرجه عنهم وهو قوله المسلمون عدول بينهم او قال عدول بعضهم على بعض الا خصما او ظنينا وقد كان الحسن البصري وغيره يذهب إلى هذا من قول عمر فيقبل شهادة كل مسلم على ظاهر دينه ويقول للمشهود عليه دونك فتخرج ان وجدت من يشهد لك فاني قد قبلتهم فيما شهدوا به عليك

وهذا المذهب عن عمر مشهور قرات على ابي عبد الله محمد بن ابراهيم حدثكم محمد بن احمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن ايوب قال حدثنا احمد بن عمر بن عبد الخالق البزار قال سمعت ابي يقول حدثني فضيل بن عبد الوهاب قال حدثني ابو معشر عن سعيد بن ابي بردة عن ابيه ابي بردة بن ابي موسى الاشعري قال كتب عمر بن الخطاب إلى ابي موسى الاشعري اعلموا ان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فالفهم الفهم اذا اختصم اليك فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له اس بين الناس في وجهك حتى لا يياس ضعيف من عدلك ولا يطمع شريف في جورك والمسلمون عدول بعضهم على بعض الا خصما او ظنينا متهما ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم راجعت فيه نفسك غدا ان تعود إلى الحق فان الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل واعلم انه من تزين للناس بغير ما يعلم الله شانه الله ولا يضيع عامل الله فما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه وجزاء رحمته واخبرنا عبد الوارث قال حدثني القاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن ابي عمر العدني قال حدثني سفيان عن ادريس بن يزيد الاودي عن سعيد بن ابي بردة عن ابي موسى الاشعري عن ابيه قال كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الاشعري اما بعد فان القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم اذا اولي اليك فانه لا ينفع تكلم بحق لانفاذ له اس بين الناس في مجلسك ووجهك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا يياس ضعيف من عدلك الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك ليس في كتاب ولا سنة ثم قس الامور بعضها ببعض ثم انظر اشبهها بالحق واحبها إلى الله تعالى فاعمل به ولا يمنعنك قضاء قضيت به اليوم راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك ان تراجع الحق فان الحق قديم لا يبطله شيء وان مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل اجعل لمن ادعى حقا غائبا او بينة امدا ينتهي إليه فان احضر بينته إلى ذلك اخذت له حقه والا اوجبت عليه القضاء فانه ابلغ للعذر واجلى للعمى الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا حرم حلالا او احل حراما والناس عدول بعضهم على بعض الا مجلودا في حد او مجربا عليه شهادة زور او ظنينا في ولاء او قرابة فان الله قد تولى منكم السرائر ودفع عليكم بالبينات ثم اياك

والقلق والضجر والتاذي بالناس والتنكر للخصوم التي يرى الله فيها الاجر ويحسن فيها الذكر فمن خلصت نيته كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين للناس بما يعلم الله منه غيره شانه الله فما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام عليك ورحمة الله وهذا الخبر روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وجوه كثيرة من رواية اهل الحجاز واهل العراق واهل الشام ومصر والحمد لله قال ابو عمر قد كان الليث بن سعد يذهب نحو مذهب الحسن قال الليث ادركت الناس لا يلتمس من الشاهد تزكية انما كان الوالي يقول للخصم اذا كان عندك من تجرح شهادتهم فات بهم والا اجزنا شهادتهم عليك قال ابو عمر في قول الله عز وجل واشهدوا ذوى عدل منكم الطلاق وقوله ممن ترضون من الشهداء البقرة دليل على انه لا يجوز ان يقبل الا العدل الرضي وان من جهلت عدالته لم تجز شهادته حتى تعلم الصفة المشترطة وقد اتفقوا في الحدود والقصاص وكذلك كل شهادة وبالله التوفيق واختلف الفقهاء في المسالة عن الشهود الذين لا يعرفهم القاضي فقال مالك لا يقضي القاضي بشهادتهم حتى يسال عنهم في السر وقال الشافعي يسال عنهم في السر فإذا عدلوا سال عن تعديلهم علانية ليعلم المعدل سرا احق ذاك ام لا لانه وافق اسم اسما ونسب نسبا وقال ابو حنيفة لا يسال عن الشهود في السر الا ان يطعن فيهم الخصم الا في الحدود والقصاص وقال ابو يوسف يسال عنهم في السر والعلانية ويزكيهم في العلانية وان لم يطعن عليهم الخصم وروي عن علي بن عاصم عن بن شبرمة قال اول من سال في السر اذا كان الرجل ياتي بالقوم اذا قيل له هات من يزكيك فيستحي القوم منه فيزكونه فلما رايت ذلك في السر فاذا صحت شهادته قلت هات من يزكيك في العلانية

باب القضاء في شهادة المحدود مالك انه بلغه عن سليمان بن يسار وغيره انهم سئلوا عن رجل جلد الحد اتجوز شهادته فقالوا نعم اذا ظهرت منه التوبة مالك انه سمع بن شهاب يسال عن ذلك فقال مثل ما قال سليمان بن يسار قال مالك وذلك الامر عندنا وذلك لقول الله تبارك وتعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا واولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فان الله غفور رحيم النور قال مالك فالامر الذي لا اختلاف فيه عندنا ان الذي يجلد الحد ثم تاب واصلح تجوز شهادته وهو احب ما سمعت الي في ذلك قال ابو عمر هذا يدل على انه قد سمع الاختلاف في هذه المسالة قال ابو عمر ذهب بن وهب في موطئه إلى ما ذكره مالك على حسب ما ذكرته هنا ثم قال اخبرني مخرمة بن بكير بن الاشج عن ابيه عن سليمان بن يسار وبن قسيط مثله في شهادة المفتري فدل ما ذكره بن وهب على ان مالكا اخذه بذلك والله اعلم عن مخرمة بن بكير انه من كتب ابيه بكير وقد كان مالك يستعيرها منه كثيرا ويقول كان بكير من علماء الناس قال بن وهب واخبرني مالك والليث ويونس عن بن شهاب بمثله يعني ما ذكره مالك عنه قال واخبرني الليث انه سال يحيى بن سعيد وربيعة عن المحدود اذا تاب اتجوز شهاداته فقالا اذا تاب جازت شهادته قال واخبرني الليث عن توبه بن نمر الحضرمي القاضي بمصر كان يرد شهادة القذف وان تاب قال الليث فذكرت ذلك ليحيى بن سعيد وبن شهاب وربيعة فكلهم راى ان من تاب من الحدود كلها جازت شهادته قال الليث وهو احب الي قال بن وهب وحدثني خالد بن يزيد عن بن قسيط انه قال شهادة الزاني

والسارق جائزة وان اقيم عليهما الحد اذا راي منهما اقبال على الخير وتوبة حسنة قال ابو عمر قال مالك ان احسن ما سمع في شهادة المحدود والمحدود في القذف وسائر الحدود عنده سواء تقبل شهادته اذا تاب وحسنت توبته وقد تقدم من قوله انه لا اختلاف فيه عندهم وقال الشافعي لا اعلم خلافا بين اهل الحرمين في ان القاذف اذا تاب قبلت شهاته قال ابو عمر قول مالك ها هنا في شهادة المحدود انها تقبل اذا تاب معناه عنده في المشهور من مذهبه انه لا تقبل فيما حد فيه قذفا كان او غيره وتقبل فيما سوى ذلك اذا كان عدلا وحسنت حالته هذه رواية بن القاسم وغيره عنه وهو قول بن الماجشون ومطرف وسحنون لانه يتهم في ذلك وروى عنه بن نافع انه إذا حسنت حالته قبلت شهادته في كل شيء وبه قال بن نافع وبن كنانة وذكره بن عبد الحكم عن مالك وبه يقول سائر ائمة الفتيا ان الحدود اذا تاب قبلت شهادته في كل ما شهد به وممن قال ان القاذف اذا تاب واصلح قبلت شهادته بن عباس وعطاء ورواية عن بن جبير ذكرها بن المبارك عن يعقوب عن محمد بن زيد عنه قال تجوز شهادة القاذف اذا تاب ورواية عن مجاهد ذكر الشافعي قال حدثني إسماعيل بن علية عن بن ابي نجيح في القاذف اذا تاب قبلت شهادته وقال كلنا نقوله قلت من قال عطاء وطاوس ومجاهد ورواية عن عكرمة رواها يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن عكرمة انه كان يقول في القاذف اذا تاب قبلت شهادته وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه يقضي ويكتب إلى البلدان وقال به من اهل العراق مسروق وعبد الله بن عتبة والشعبي ومحارب بن دثار واليه ذهب مالك والشافعي واصحابهما واحمد واسحاق وابو عبيد وابو ثور

واختلف القائلون بهذه المقالة في توبة القاذف اذا حد ما هي فقال مالك اذا تاب واصلح وحسنت حالة قبلت شهادته اكذب نفسه او لم يكذب وقال الشافعي توبته ان يكذب نفسه بلسانه كما كان القذف بلسانه وكذلك المرتد كان كفره بلسانه فلا تقبل توبته الا بالايمان حتى ينطق بها بلسانه وقال إسماعيل بن إسحاق انما تفترق توبة المحدود في القذف وتوبة غيره من المحدودين ان توبة القاذف لا تكون حتى يكذب نفسه واكذابه كلام يتكلم به واذا تكلم به واصلح في حاله قبلت شهادته وليس سائر المحدودين كذلك قال ابو عمر قول إسماعيل هذا كقول الشافعي سواء وهو قول عمر بن الخطاب في جماعة الصحابة من غير نكير وروى سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال لابي بكرة ان تبت قبلت شهادتك فابى ابو بكرة ان يكذب نفسه وروى محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب ان عمر بن الخطاب جلد ابا بكرة ونافع بن الحارث وشبل بن معبد فاما هذان فتابا وقبل عمر شهادتهما واستتاب ابا بكرة فابى واقام على قوله فلم يقبل شهادته وكان افضل القوم وروى الزهري وابراهيم بن ميسرة عن سعيد بن المسيب قال شهد على المغيرة ثلاثة رجال ونكل زياد فجلد عمر الثلاثة وقال لهم توبوا تقبل شهادتكم فتاب رجلان وابى ابو بكرة فلم تقبل شهادته حتى مات قال ابراهيم بن ميسرة في حديثه وكان قد عاد مثل النصل من العبادة وفي حديث الزهري قال وكان ابو بكرة اخا زياد لامه فلما كان من امره ما كان حلف ابو بكرة الا يكلمه ابدا فلم يكلمه حتى مات قال الزهري توبته ان يكذب نفسه ذكر الخبر عبد الرزاق عن محمد بن مسلم الطائفي عن ابراهيم بن ميسرة عن سعيد بن المسيب وعن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب

وروى بن وهب عن يونس بن يزيد عن بن شهاب قال وقد اجاز عمر شهادة من تاب من الذين شهدوا على المغيرة وابطل شهادة من لم يتب وممن قال ان توبة القاذف اذا جلد ان يكذب نفسه طاوس وعطاء و سعيد بن المسيب والشعبي و بن شهاب الزهري قال معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال توبته ان يكذب نفسه وقاله الزهري وبه قال احمد واسحاق وابو ثور وابو عبيد وقال سفيان الثوري وابو حنيفة واصحابه واكثر اهل العراق لا تقبل شهادة القاذف ابدا تاب او لم يتب لقول الله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا واولئك هم الفاسقون النور وقالوا توبته فيما بينه وبين ربه والاستثناء عندهم في قوله الا الذين تابوا ال عمران راجع إلى قوله فان الله غفور رحيم ال عمران لا إلى قبول الشهادة وممن قال لا تقبل شهادة القاذف المجلود ابدا شريح القاضي روي ذلك عنه من وجوه وبه قال ابراهيم النخعي وحماد بن ابي سليمان والحكم بن عتيبة ومعاوية بن قرة ومكحول ورواية عن سعيد بن المسيب والحسن رواها حماد بن سلمة عن قتادة عنهما وما تقدم عن سعيد من رواية الزهري وابراهيم بن ميسرة اثبت والله اعلم وقد روى سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن الحسن قال لا تقبل شهادة القاذف ابدا وتوبته فيما بينه وبين ربه ورواية عن عكرمة خلاف ما تقدم عنه رواها يعلى بن حكيم عنه ورواية عن بن شهاب الزهري رواها بن وهب عن يونس عن بن شهاب قال اذا جلد قاذف الحر او الحرة لم تقبل له شهادة حتى يموت وقد يحتمل قول بن شهاب ان يكون اراد لم تقبل شهادته ابدا حتى يكذب نفسه لا ينفعه غير ذلك من حاله وبهذا تتفق الروايات عنه لان الثقات قد نصوا عنه انه لا تقبل له شهادة حتى يكذب نفسه وقد

روي في حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال لا تجوز شهادة محدود ولا محدودة في الاسلام وقد روي هذا الحديث مرفوعا لكنه لم يرفعه من روايته حجة وذكر ابو يحيى الساجي قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني الوليد عن الاوزاعي وبن جابر وسعيد بن عبد العزيز عن مكحول قال الحر اذا جلد الحد في الفرية لم تقبل شهادته ابدا والعبد اذا جلد حدا في فرية على حر او حرة لم تقبل شهادته ابدا لقول الله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا النور قال فاما اليهودي والنصراني اذا جلدا حد الفرية على الحر المسلم ثم اسلما قبلت شهادتهما واختلفوا في شهادة القذف اذا شهد قبل ان يجلد فروى بن وهب وغيره عن مالك انه تقبل شهادته ما لم يجلد وبه قال بن القاسم واشهب وهو قول ابي حنيفة واصحابه قال ابو عمر لانه على اصل عدالته وربما اقام البينة بما قال او اعترف له مقذوفه وهو حق لا يجب الا حين يطلبه صاحبه فلا وجه لاسقاط شهادته والله اعلم وقال الليث والشافعي واصحابه وهو قول عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون لا تقبل شهادة القذف قبل الجلد ولا بعده اذا قذف حرا مسلما الا ان يتوب قال بن وهب سمعت الليث بن سعد يسال عن القاذف يشهد قبل ان يضرب الحد هل تجوز شهادته فقال اذا قذف لم تقبل له شهادة حتى يتوب ضرب الحد او عفي عنه ذلك سواء قال بن وهب وخالفه مالك فقال شهادته جائزة ما لم يضرب الحد فان ضرب سقطت شهادته حتى يتوب توبة ظاهرة قال الشافعي هو قبل ان يحد شر منه بعد لان الحدود كفارات فكيف تقبل شهادته في شر حالتيه وترد في احسن حالتيه

قال ابو عمر انما جعل الله الذين يرمون المحصنات فاسقين برميهم لهن لا بجلدهم والمحصنون في حكم المحصنات باجماع وكذلك وكل مؤمن محمول على العفاف حتى يصح غيره وقذف المؤمن من الكبائر فمن قذفه سقطت شهادته حتى تصح براءته والله اعلم وبالله التوفيق باب القضاء باليمين مع الشاهد م مالك عن جعفر بن محمد عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد قال ابو عمر هكذا هذا الحديث في الموطا مرسل عند جميع الرواة وقد رواه عن جعفر بن محمد مسندا جماعة ثقات منهم عبيد الله بن عمر وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ومحمد بن عبد الرحمن بن رداد المدني ويحيى بن سليم الطائفي وابراهيم بن ابي حية كل هؤلاء رووه عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الاسانيد عنهم بذلك في التمهيد ورواه سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن ابيه مرسلا كما رواه مالك ورواه بن عيينة ايضا عن خالد بن ابي كريمة سمع ابا جعفر محمد بن علي بن حسين يقول قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة الشاهد ويمين المدعي وكذلك رواه الحكم بن عتيبة وعمر بن دينار جميعا عن محمد بن علي مرسلا وفي اليمين مع الشاهد اثار مرفوعة حسان اصحها حديث بن عباس رواة كلها ثقات اثبات رواه سيف بن سليمان المكي عن قيس بن سعد المكي عن عمرو بن دينار عن بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وقد ذكرناه من طرق عن سيف بن سليمان في التمهيد وقال يحيى القطان سيف بن سليمان ثبت ما رايت احفظ منه

وقال احمد بن شعيب النسائي اسناد حديث بن عباس في اليمين مع الشاهد اسناد جيد وقيس ثقة وخرجة مسلم ولم يذكره البخاري وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد من حديث ابي هريرة وحديث زيد بن ثابت الا ان حديث ابي هريرة اكثر طرقا واصح نقلا وحديث زيد بن ثابت وهم من زهير بن محمد وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد ايضا من حديث سعد بن عبادة ومن حديث عمرو بن حزم وحديث سعد بن عبادة اكثر تواترا وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ايضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من رواية عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده وروي ايضا من حديث رجل من الصحابة يقال له سرق عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد وكلها لها طرق متواترة وقد ذكرناها باسانيدها في التمهيد والحمد لله كثيرا وروي عن جماعة من الصحابة انهم قضوا باليمين مع الشاهد ولم يرو عن احد منهم انه كره ذلك وروي عن جماعة من التابعين القضاء باليمين مع الشاهد منهم الفقهاء السبعة المدنيون وابو سلمة وسالم بن عبد الله بن عبد الرحمن وعلي بن حسين وابو جعفر محمد بن علي وعمر بن عبد العزيز وهو قول جمهور العلماء بالمدينة والى ذلك ذهب مالك والشافعي واصحابهما وبه قال احمد واسحاق وابو ثور وابو عبيد وداود بن علي لم يختلف عن مالك ولا عن احد من اصحابه في ذلك وله احتج مالك في موطئه ولم يحتج فيه بمسالة غيرها كاحتجاجه لها ولا يعرف من مذهب المالكيين غير ذلك الا عندنا بالاندلس فان يحيى بن يحيى تركه وزعم انه لم ير الليث يفتي به ولا يذهب إليه وكان مالك رحمه الله يقول يقضى باليمين مع الشاهد في كل البلدان ويحملون عليه

قال ولا يقضى بالعهدة في الرقيق الا بالمدينة او بين قوم يشترطونها بينهم في سائر الافاق وروى ابو ثابت عن بن نافع قال سئل مالك عن شهادة الرجل مع يمين صاحب الحق اترى ان يحمل الناس عليه بكل البلاد قال نعم وقال بن القاسم من اقام شاهدين على الغريم واقام اخر عليه شاهدا ويمينا فهما سواء في اسوة الغرماء قال ابو عمر قد كان جماعة من جلة العلماء يفتون ويقضون باليمين مع الشاهد اتباعا للسنة في ذلك روى حماد بن زيد عن ايوب عن محمد بن سيرين ان شريحا اجاز شهادة رجل واحد مع يمين الطالب قال حماد وحدثني عبد المجيد بن وهب قال شهدت يحيى بن يعمر قضى بذلك وروى هشيم قال اخبرنا حصين عن عبد الله بن عتبة مثله وروى محمد بن عبد الله الانصاري عن الاشعث عن الحسن مثله وروى حماد بن زيد عن خالد ان اياس بن معاوية اجاز شهادة عاصم الجحدري وحده يعني مع يمين الطالب وروى هشيم قال اخبرنا المغيرة عن الشعبي قال اهل المدينة يقولون شهادة الشاهدة ويمين الطالب ونحن لا نقول ذلك وقال ابو حنيفة واصحابه والثوري والاوزاعي لا يقضى باليمين مع الشاهد الواحد في شيء من الاشياء وهو قول ابراهيم والحكم بن عتيبة وعطاء واختلف فيه عن الزهري فروي عنه انه اذا ولي القضاء قضى به والاشهر عنه رده قال معمر سالت الزهري عن اليمين مع الشاهد فقال هذا شيء احدثه الناس لا بد من شاهدين هذه رواية عبد الرزاق عن معمر وقد حدثني خلف بن قاسم

قال حدثني بن المفسر ابو احمد بمصر قال حدثني احمد بن علي بن سعيد قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري قال ادركت العلماء وهم لا يجيزون الا شهادة عدلين ثم اخذت الناس شهادة رجل واحد ويمين صاحب الحق قال معمر وسمعته يقول لا تجوز شهادة رجل واحد مع يمين وقال عطاء اول من قضى به عبد الملك بن مروان وقال محمد بن الحسن يفسخ القاضي القضاء به لانه خلاف القران قال ابو عمر هذا جهل وعناد وكيف يكون خلاف القرآن وهو زيادة بيان كنحو نكاح المراة على عمتها وعلى خالتها مع قوله عز وجل واحل لكم ما وراء ذلكم النساء مثل ذلك المسح على الخفين مع ما ورد به القران من مسح الرجلين او غسلهما وكتحريم الحمر الاهلية وكل ذي ناب من السباع مع قوله تعالى قل لا اجد في ما اوحى إلي محرما على طاعم يطعمه الاية الانعام وكذلك ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمين مع الشاهد مع قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان البقرة بل هذا بين واضح لان قوله عز وجل فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان البقرة ليس فيه دليل على انه لا يجوز القضاء بغير ذلك لان القضاء باليمين مع الشاهد لا يمنع القضاء بالشهيدين وبالرجل والمراتين بل كل ذلك من حكم الله عز وجل وشريعة دينه في كتابه وعلى سنة نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد اجمع العلماء على القضاء باقرار المدعى عليه وليس ذلك في الاية والذين يرفعون اليمين مع الشاهد يقضون بنكول المدعى عليه مع اليمين وليس ذلك في الاية ويقضون معاقد القمط وانصاف اللبن والجزوع الموضوعة في الحيطان وليس ذلك ولا شيء منه في محكم القران فاليمين مع الشاهد اولى بذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به وسنة لامته ومن حجة ابي حنيفة واصحابه ان قالوا اليمين انما جعلت للنفي لا للاثبات وانما جعلها النبي صلى الله عليه وسلم على المدعى عليه لا على المدعي

فالجواب عن ذلك ان الوجه الذي منه علمنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه من مثله علمنا انه قضى باليمين مع الشاهد وفيه الاسوة الحسنة مالك عن ابي الزناد ان عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو عامل على الكوفة ان اقض باليمين مع الشاهد مالك انه بلغه ان ابا سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار سئلا هل يقضى باليمين مع الشاهد فقالا نعم واما قول مالك في هذا الباب ومن الناس من يقول لا يكون اليمين مع الشاهد ويحتج بقول الله تعالى فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان البقرة فلا يحلف احد مع شاهده قال مالك فمن الحجة على من قال ذلك ان يقال له ارايت لو ان رجلا ادعى على رجل مالا اليس يحلف المطلوب ما ذلك الحق عليه فان حلف بطل ذلك عنه وان نكل عن اليمين حلف صاحب الحق ان حقه لحق وثبت حقه على صاحبه فهذا ما لا اختلاف فيه عند احد من الناس ولا ببلد من البلدان إلى اخر الباب قال ابو عمر ليس في قول الله عز وجل فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان ما يقضي على الا يحكم الا بهذا بل المعنى فيه ان يحكم بهذا وبكل ما يجب الحكم به من الكتاب والسنة وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاء باليمين مع الشاهد فكان زيادة بيان على ما وصفنا واما قوله وهذا ما لا خلاف فيه عند احد من الناس ولا ببلد من البلدان فقد ظهر من علم مالك باختلاف من قضى قبله ما يوجب ان لا يظن احد به جهل مذهب الكوفيين في الحكم بالنكول دون رد يمين وانما اراد والله اعلم ان من قال اذا نكل المدعى عليه عن اليمين حكم عليه بالحق للمدعي وكان أحرى ان

يحكم عليه بالنكول ويمين الطالب لانها زيادة على مذهبه كما لو قال قائل ان العلماء قد اجمعوا على ان مدين تجزئ في كفارة اليمين كان قولا صحيحا لان من قال يجزئ المد كان احرى ان يجزئ عنه المدان هذا ما اراد والله اعلم اما اختلافهم في الحكم بالنكول فقال مالك واصحابه اذا نكل المدعي عليه عن اليمين حلف المدعي وان لم يدع المطلوب إلى يمين ولا يقضى له بشيء حتى يحلف وهو قول الشافعي لانه لا يقضي على الناكل عن اليمين بحق الطالب الا ان يحلف الطالب وقال الشافعي ولو رد المدعى عليه اليمين على الطالب فقلت له احلف ثم بدا للمدعى عليه فقال انا احلف لم اجعل ذلك له لاني قد ابطلت ان يحلف وجعلت اليمين قبله قال ابو عمر من راى رد اليمين في الاموال حديث القسامة لان رسول الله رد فيها اليمين على اليهود اذ ابى الانصار منها وليس بالاموال اعظم حرمة من الدماء وهو قول الحجازيين وطائفة من العراقيين وهو الاحتياط لان من لا يوجب رد اليمين لا يبطل الحكم بها مع النكول وقال بن ابي ليلى اذا نكل المدعى عليه انا ارد اليمين عليه رددتها عليه اذا كان يتهم فان لم يتهم لم اردها عليه وروي عنه انه يردها بغير تهمة واما ابو حنيفة واصحابه فقالوا اذا نكل المطلوب عن اليمين حكم عليه بالحق للمدعي ولا ترد اليمين على المدعى ومن حجة من ذهب إلى هذا ان عبد الله بن عمر اذا نكل عن اليمين في عيب الغلام للذي باعة قضى عليه عثمان بالنكول وقضى هو على نفسه بذلك وهذا لا حجة فيه لان بن عمر يحتمل فعله انه لما اوجب عليه عثمان اليمين لقد باع الغلام وما به اذى يعلمه كره اليمين فاسترجع العبد فكأنه اقاله فيه كراهية لليمين وليس في الحديث تصريح بالحكم بالنكول واحتج من ذهب مذهب الكوفيين في ذلك بحديث بن ابي مليكة عن بن

عباس انه جاوبه في المراتين ادعت احداهما على الاخرى انها اصابت يدها باشفى وانكرت فكتب إليه بن عباس ان ادعها واقرأ عليها ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا الاية ال عمران فان حلفت فخل عنها وان لم تحلف فضمنها قال ابو عمر الاستدلال من الحديث المسند اولى وبالله التوفيق لا شريك له ومن حجتهم ايضا ان النبي جعل البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه لا سبيل إلى نقل البينة إلى المدعى عليه ولا إلى نقل اليمين إلى المدعي قال ابو عمر هذا لا يلزم لان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سن رد اليمين على المدعي في القسامة واستعمال النصوص اولى من تأويل لم يتابع صاحبه عليه وهذا قياس صحيح وهو اصلهم جميعا في القول بالقياس قال مالك مضت السنة في القضاء باليمين مع الشاهد الواحد يحلف صاحب الحق مع شاهده ويستحق حقه فان نكل وابى يحلف احلف المطلوب فان حلف سقط عنه ذلك الحق وان ابى ان يحلف ثبت عليه الحق لصاحبه قال مالك وانما يكون ذلك في الاموال خاصة ولا يقع ذلك في شيء من الحدود ولا في نكاح ولا في طلاق ولا في عتاقة ولا في سرقة ولا في فرية قال ابو عمر هكذا قال عمرو بن دينار وهي رواية حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد قال عمرو وذلك في الاموال واجمع القائلون باليمين مع الشاهد من الحجازيين وغيرهم بأنه لا يقضي فيه بشهادة النساء مع الرجال دون ما عداها على ما ذكره مالك رحمه الله اخبرنا احمد بن عبد الله بن محمد بن علي قراءة مني عليه قال حدثني الميمون بن حمزة قال حدثني الطحاوي قال حدثني المزني قال حدثني الشافعي وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني عبد الرحمن بن يعقوب بن إسحاق بن ابي عباد

قالا حدثني عبد الله بن الحارث قال حدثني سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن بن عباس ان رسول الله قضى باليمين مع الشاهد قال عمرو في الاموال خاصة وحدثني ابراهيم بن شاكر ومحمد بن ابراهيم قالا اخبرنا محمد بن احمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن ايوب قال حدثني احمد بن عمرو بن الخالق البزار قال حدثني عبدة بن عبد الله ورزق الله بن موسى قالا حدثنا زيد بن الحباب قال حدثني سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد قال عمرو بن دينار في الاموال خاصة قال البزاز سيف بن سليمان وقيس بن سعد ثقتان ومن بعدهما يستغنى عن ذكرهما لشهرتهما في الثقة والعدالة كثيرا قال ابو عمر روى هذا الحديث عن سيف بن سليمان جماعة وعن زيد بن الحباب جماعة منهم ابو بكر بن ابي شيبة وابو كريب محمد بن العلاء والحسن بن شاذان وقد ذكرنا الاسانيد عنهم في التمهيد وذكره عبد الرزاق قال اخبرنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد قال ابو عمر راى مالك رحمه الله ان يحلف الرجل مع شهادة امراتين في الاموال ويستحق حقه كما يحلف مع الشاهد الواحد فكأنه جعل اليمين مقام الشاهد والمراتين معه فكأنه قضى برجل وامراتين قال الشافعي لا يحلف مع شهادة امراتين لان شهادة النساء دون الرجال لا تجوز في الاموال وانما يحلف الرجل مع الشاهد الواحد كما جاء في الحديث قال وفي معنى السنة ان تحلف المراة مع شاهدها كما يحلف الرجل فلو اخذنا شهادة المراتين مع يمينهما كما قد قضينا بخلاف السنة المجتمع عليها في شهادة النساء دون الرجال في الاموال ويلزم من قال هذا ان يجيز اربعا من النساء في الاموال فاتى في هذا بكلام كثير حسن كله ذكره المزني والربيع عنه وقال الشافعي وكل ما كان من الاموال المتنقلة من ملك مالك إلى ملك مالك

قضى فيه باليمين مع الشاهد عندهم في طلاق ولا عتق ولا فيما عدا الاموال على ما وصفنا واما من لا يقول باليمين مع الشاهد فهو أحرى بذلك ولكن الشافعي ومن قال بقوله موجبون اليمين وردها في كل دعوى مال وغير مال طلاقا كان او عتقا او نكاحا او دما الا ان يكون مع مدعي الدم دلالة كدلالة الجاريتين على يهود خيبر فيدعى حينئذ المدعون بالايمان وتكون قسامة وان لم تكن دلالة حلف المدعى عليه كما يحلف فيما سوى الدم وقول ابي حنيفة في دعوى المراة الطلاق وقول العبد العتق كقول الشافعي يستحلف السيد والزوج لهما الا انه يقضي عليهما بالنكول دون يمين على مذهبهم في ذلك وقال الشافعي ولو ادعى انه نكح امراة لم اقبل دعواه حتى يقول نكحتها بولي وشاهدي عدل ورضاها فان حلفت برئت وان نكلت حلف وقضى لها بأنها زوجته واختلف الفقهاء في تحليف زوج المراة المدعية للطلاق وتحليف سيد العبد المدعي للعتق عليه سيده هل تجب اليمين على السيد او الزوج بمجرد الدعوى من المراة او العبد ام لا فقال مالك لا يمين على الزوج ولا على السيد حتى تقيم المراة شاهدا واحدا عدلا بأنه طلقها او يقيم العبد شاهدا عدلا بأن سيده اعتقه فاذا كان كذلك وجبت اليمين على سيد العبد في دعوى العتق وعلى الرجل لامرأته في دعوى الطلاق وهذا نحو قوله رحمه الله في الخلطة لانه لم يوجب يمينا للمدعي على المدعى عليه بمجرد الدعوى حتى تثبت الخلطة بينهما وقال ابو حنيفة والشافعي وجمهور العلماء ان اليمين واجبة على زوج المراة المدعية بالطلاق وعلى سيد العبد المدعي للعتق بمجرد الدعوى ولا تجب عند الشافعي يمين مع شاهد في غير الاموال واما الكوفيون فلا يقولون باليمين مع الشاهد في الاموال ولا في غيرها على ما تقدم عنهم واختلف اصحاب مالك في معنى هذه المسألة في الذي شهد عليه شاهد واحد لزوجته انه طلقها او لعبد انه اعتقه فأبى من اليمين

فقال بن القاسم عن مالك يحبس حتى يحلف قال وقد كان مالك يقول يعتق عليه العبد وتطلق عليه الزوجة اذا ابى ونكل عن اليمين ثم رجع إلى ما قلت لك وقال بن القاسم ويقول الاخر اقول وقال اشهب اذا ابى من اليمين طلق عليه واعتق عليه وعن بن القاسم ايضا قال اذا طال سجنه اطلق ورد إلى زوجته قال وارى ان الطول في سجنه عام وقال بن نافع يسجن ويضرب له اجل الايلاء ولمالك في هذا الباب تنظير مسائل على ما ذهب إليه فيه احتجاجا لمذهبه يرد الاختلاف عليها ومذاهب العلماء فيها في موضعها ان شاء الله تعالى وبالله التوفيق باب القضاء فيمن هلك وله دين وعليه دين له فيه شاهد واحد مالك في الرجل يهلك وله دين عليه شاهد واحد وعليه دين للناس لهم فيه شاهد واحد فيأبى ورثته ان يحلفوا على حقوقهم مع شاهدهم قال فان الغرماء يحلفون ويأخذون حقوقهم فان فضل فضل لم يكن للورثة منه شيء وذلك ان الايمان عرضت عليهم قبل فتركوها الا ان يقولوا لم نعلم لصاحبنا فضلا ويعلم انهم انما تركوا الايمان من اجل ذلك فاني ارى ان يحلفوا ويأخذوا ما بقي بعد دينه قال ابو عمر خالفه في هذه المسألة طائفتان احداهما من يقول باليمين مع الشاهد والاخرى الدافعة باليمين مع الشاهد وهي بذلك أحرى فأما الشافعي فيحلف عنده الوارث مع الشاهد الذي لموروثه على دينه ولا

يجوز عنده ان يحلف الغريم ولكن اذا حلف الورثة كان الغرماء احق بالمال لانه لا ميراث الا بعد اداء الدين ذكرالمزني عن الشافعي قال ولو أتى قوم بشاهد واحد أن لأبيهم على فلان حقا أو أن فلانا أوصى لهم فمن حلف منهم مع شاهده استحق موروثه ووصيته دون من لم يحلف وان كان بعضهم غائبا أو صغيرا حلف الحاضر البالغ واخذ حقه وإن كان معتوها فهو على حقه حتى يعقل فيحلف أو يموت فيقوم وارثه مقامه يحلف ويستحق ولا يستحق احد بيمين لاخيه لان كلا انما يقوم الميت فيما ورث عنه كما لو كان لرجلين على رجل الفا درهم واقاما عليه شاهدا فحلف احدهما لم يستحق إلا الالف وهي التي يملك ولا يحلف احد على ملك غيره لان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما قضى باليمين لصاحب الحق قال الشافعي وان كان الورثة بالغين وابوا ان يحلفوا فان صاحبنا قال يحلف غرماء الميت وياخذون حقوقهم ولا ياخذ من ابى اليمين من الورثة شيئا الا ان يقولوا فذكر كلام مالك إلى اخره في الموطا قال الشافعي وهذا مذهب واحسبه ذهب إلى ان الغريم احق بالمال من الورثة فيحلف وياخذ حقه قال الشافعي وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لمن اقام شاهدا الحق له على اخر بيمينه واخذ حقه فانما اعطى باليمين من شهد له باصل الحق وانما جعلت للوارث اليمين لان الله تعالى نقل ملك الميت إلى الوارث فجعل يقوم فيه مقامه بقدر ما فرض له قال وليس الموصى له ولا الغريم من الوارث بسبيل الا ترى ان الغريم لا يلزمه من نفقة العبيد الذين تركهم المتوفى شيء وان الغريم لو حلف وطرا للميت مال كان للوارث ان يقضي دين الغريم من غير المال الذي حلف عليه قال ابو عمر اكثر الشافعي في هذا الباب فنقلت منه ما بالناظر في هذا الكتاب حاجة إليه وهو قول احمد واسحاق وابي ثور قال مالك واذا هلك رجل وعليه دين يغترف ماله فابى الوارث ان يحلف مع الشاهد لم يكن للغريم ان يحلف مع شاهد الميت ويستحق وان حلف الوارث مع الشاهد حكم بالدين ودفع إلى الغريم

باب القضاء في الدعوى مالك عن جميل بن عبد الرحمن المؤذن انه كان يحضر عمر بن عبد العزيز وهو يقضي بين الناس فاذا جاءه الرجل يدعي على الرجل حقا نظر فان كانت بينهما مخالطة او ملابسة احلف الذي ادعي عليه وان لم يكن شيء من ذلك لم يحلفه قال مالك وعلى ذلك الامر عندنا انه من ادعى على رجل بدعوى نظر فان كانت بينهما مخالطة او ملابسة أحلف المدعى عليه فان حلف بطل ذلك الحق عنه وان ابى ان يحلف ورد اليمين على المدعي فحلف طالب الحق اخذ حقه قال ابو عمر قد مضى القول في رد اليمين واختلف الفقهاء في اليمين على المدعي عليه هل تجب بمجرد الدعوى دون خلطة او ملابسة تكون بين المتداعيين ام لا فالذي ذهب إليه مالك واصحابه ما ذكره عمر بن عبد العزيز في الموطا ان اليمين لا تجب الا بالخلطة وهو قول جماعة من علماء المدينة ذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن سلمة عن اياس بن معاوية عن القاسم بن محمد قال اذا ادعى الرجل الفاجر على الرجل الصالح شيئا يعلم الناس انه فيه كاذب ولا يعلم انه كان بينهما اخذ ولا اعطاء لم يستحلف قال وحدثنا بن ابي اويس عن ابي الزناد قال كان عمر بن عبد العزيز يقول انا والله لا نعطي اليمين كل من طلبها ولا نوجبها الا بشبيه بما يوجب به المال قال ابو الزناد يريد بذلك المخالطة واللطخ والشبه قال وذلك الامر عندنا قال ابو عمر المعمول به عندنا ان من عرف بمعاملة الناس مثل التجار بعضهم لبعض ومن نصب نفسه للشراء والبيع من غريب وغيره وعرف به فاليمين عليه بمن ادعى معاملته ومداينته فيما يمكن وما كان بخلاف هذه الحال مثل المراة

المشهورة المحتجبة والرجل المستور المنقبض عن مداخلة المدعى عليه وملابسته فلا تجب اليمين عليه الا بخلطة وفي الاصول ان من جاء بما لا يشبه ولا يمكن في الاغلب لم تقبل دعواه اخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثني مضر بن محمد قال حدثني قبيصة بن عقبة قال حدثني سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال لما اوتي يعقوب بقميص يوسف عليهما السلام ولم ير فيه خرقا قال كذبتم لو اكله الذئب لخرق قميصه وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني مضر بن محمد قال حدثني الفضل بن دكين قال اخبرنا زكريا بن ابي زائدة عن عامر الشعبي قال كان في قميص يوسف عليه السلام ثلاث ايات حين قد قميصه من دبر وحين القي على وجه ابيه فارتد بصيرا وحين جاؤوا بالدم عليه وليس فيه شق علم انه كذب لانه لو اكله الذئب لخرق قميصه ومما يشهد بهذا قوله تعالى ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين يوسف وهذا اصل فيما ذكرنا في كل ما يشبهه والله اعلم وبالله التوفيق وقال بن القاسم لا يستحلف المدعى عليه القصاص ولا الضرب بالسوط وما اشبهه الا ان ياتي بشاهد واحد عدل فيستحلف له كالطلاق والعتق اذا جاءت المراة او العبد بشاهد واحد عدل استحلف الزوج او السيد ما طلق ولا اعتق قال ابو عمر قال الشافعي وابو حنيفة وأصحابهما والثوري واحمد واسحاق وابو ثور كل من ادعى حقا على غيره ولم يكن له بينة استحلف المدعى عليه في كل ما يستحق من الحقوق كلها وحجتهم حديث بن ابي مليكة عن بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو اعطي قوم بدعواهم لادعى اقوام دم اقوام واموالهم ولكن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه

ومن رواة هذا الحديث من لا يذكر فيه البينة على المدعي وانما يقول اليمين على المدعى عليه حدثني احمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني الحارث بن ابي اسامة ومحمد بن إسماعيل الصائغ قالا حدثني يحيى بن ابي بكير قال حدثني نافع بن عمر يعني الجمحي عن بن ابي مليكة قال كتبت إلى بن عباس في امراتين كانتا تجوزان في البينة واخرجت احداهما يدها تشخب دما فقالت اصابتني هذه وانكرت الاخرى فكتب الي بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ان اليمين على المدعى عليه وقال لو ان الناس اعطوا بدعواهم لادعى قوم دم قوم واموالهم وذكر تمام الخبر وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني ابو بكر وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم عن سفيان قال حدثني بكير بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني ابو الاخوص عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي عن ابيه قال جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي يا رسول الله ان هذا غلبني على ارض لي كانت لابي فقال الكندي هي ارضي في يدي ازرعها ليس له فيها حق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي الك بينة فقال لا قال فلك يمينه وذكر تمام الحديث وليس في شيء من الاثار المسندة ما يدل على اعتبار الخلطة وقال إسماعيل انما معنى قوله عليه السلام اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعي انه لا يقبل قول المدعي فيما يدعيه مع يمينه وان المدعى عليه يقبل قوله مع يمينه ان لم يقم عليه بينة لانه اراد بذلك العموم في كل من ادعي عليه دعوى ان عليه اليمين فجاء رحمه الله بعين المحال والى الله ارغب في السلامة على كل حال واما قوله في حديث وائل بن حجر الك بينة ففيه ان الحاكم يبدا بالمدعي فيساله هل لك بما تدعيه بينه ولا يسال المدعى عليه حتى يسمع ما يقول المدعي وهذا ما لا يختلفون فيه

باب القضاء في شهادة الصبيان مالك عن هشام بن عروة ان عبد الله بن الزبير كان يقضي بشهادة الصبيان فيما بينهم من الجراح قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا ان شهادة الصبيان تجوز فيما بينهم من الجراح ولا تجوز على غيرهم وانما تجوز شهادتهم فيما بينهم من الجراح وحدها لا تجوز في غير ذلك اذا كان ذلك قبل ان يتفرقوا او يخببوا او يعلموا فان افترقوا فلا شهادة لهم الا ان يكونوا قد اشهدوا العدول على شهادتهم قبل ان يفترقوا وذكر احمد بن المعدل عن عبد الملك قال لم يزل من امر الناس قديما وهو مجتمع عليه من راي اصحابنا في شهادة الصبيان ان يؤخذ بها ما لم يتفرقوا او يخببوا قال عبد الملك ولا تجوز منهم الا شهادة اثنين فصاعدا من الذكور او غلام وجاريتين قال ولا تكون اليمين مع شهادة الصبيان وانما اليمين مع الشاهد الواحد ولا يجوز من الصبيان واحد وهذا كله قول بن القاسم ايضا قال ابو عمر قد ذكرنا اختلاف اصحاب مالك في شهادة الجواري في الجراح وشهادة الصبيان العبيد في ذلك في كتاب اختلافهم واختلاف قول مالك ولم يختلفوا ان شهادة الصبيان الاحرار جائزة في الجراح اذا لم يحضرهم كبير فان حضر معهم كبير لم تجز شهادتهم عندهم لانه لا تجوز عندهم شهادة الصبيان حيث يكون الرجال وقال بن حبيب لا نعلم خلافا ان شهادة الصبيان لا تجوز حيث يكون الرجال الكبار العدول وقاله سحنون وقد روي انه اجازها وقال بن القاسم تجوز شهادة الصبيان في القتل والجراح اذا كانوا ذكورا قبل ان يتفرقوا

قال سحنون وقال غير واحد من كبار اصحاب مالك لا تجوز شهادتهم في القتل وانما تجوز في الجراح قال ابو عمر اختلف عن بن الزبير في اجازه شهادة الصبيان والاصح عنه انه كان يجيزها اذا جيء بهم من حال حلول المصيبة ونزول النازلة واما بن عباس فلم يختلف عنه انه لم يجزها وكان لا يراها شيئا وروي عن علي رضي الله عنه انه كان يجيز شهادة الصبيان بعضهم على بعض اذا اتوا في الحال قبل ان يعلمهم اهلوهم ولا يجيزها على الرجال والطرق عنه بذلك ضعيفة وهو قول سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وابي جعفر محمد بن علي بن حسين وعامر الشعبي وبن ابي ليلى وبن شهاب الزهري وابراهيم النخعي على اختلاف عنه الا انه ليست الروايات عنهم لم تذكر جراحا ولا غيرها الا اجازتها فيما بينهم مطلقة وقال الشافعي وابو حنيفة وأصحابهما وبن شبرمة والثوري لا تجوز شهادة الصبيان في شيء من الاشياء لا في جراح ولا غيرها بحال وان لم يتفرقوا قالوا وانما امر الله عز وجل بشهادة من يرضى وكيف تقبل شهادة من اذا فارق مكانه لم يؤمن عليه ان يعلم ويخبب ومن لا يرضى الله عليه في الشهادة فان قيل ان بن الزبير اجازها قيل له بن عباس ردها والقران يدل على ابطالها قال ابو عمر من حجة من لم يجزها ولم يرها شيئا ظاهر قول الله عز وجل واشهدوا ذوى عدل منكم الطلاق وقوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم البقرة ثم قال تعالى ممن ترضون من الشهداء البقرة والصبي ليس بعدل ولا رضي وقال عز وجل في الشهادة ومن يكتمها فانه اثم قلبه البقرة وليس الصبي كذلك لانه غير مكلف فدل على انه ليس من اهل الشهادة بنص القران والله المستعان ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج قال اخبرني عبد الله بن ابي مليكة انه ارسل إلى بن عباس وهو قاض لابن الزبير يساله عن شهادة الصبيان فقال لا ارى ان تجوز شهادتهم انما امر الله تعالى ممن يرضى والصبي ليس برضي

قال واخبرنا معمر عن ايوب عن بن ابي مليكة انه كان قاضيا لابن الزبير فارسل إلى بن عباس يساله عن شهادة الصبيان فلم يجزها ولم يرها شيئا قال معمر وسمعت من يقول تكتب شهادتهم ثم تقر حتى يكبر الصبي ثم يوقف عليها فان حفظها جازت قالت واخبرنا بن جريج قال زعم إسماعيل بن محمد ويعقوب بن عتبة وصالح ان ليس لمن لم يبلغ الحلم شهادة وهو قول شريح القاضي والشعبي وبن ابي ليلى على اختلاف عنهم في ذلك وقول القاسم وسالم ومكحول وعطاء والحسن وبه قال احمد واسحاق وابو عبيد وابو ثور والله الموفق باب ما جاء في الحنث على منبر النبي صلى الله عليه وسلم مالك عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن ابي وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله الانصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على منبري اثما تبوا مقعده من النار وهكذا قال مالك هاشم بن هاشم وهو هاشم بن هاشم بن هاشم بن عتبة بن ابي وقاص الزهري روى عنه مالك ابو ضمرة انس بن عياض ومكي بن ابراهيم وشجاع بن الوليد ابو بدر السكوني وقد قيل ان هاشم بن هاشم الذي روى عنه مالك هو ابو هاشم بن هاشم وقد جعلهما ابو حاتم الرازي واحدا فقال هاشم بن هاشم بن هاشم بن عتبة بن ابي وقاص الزهري روى عن سعيد بن المسيب وعامر بن سعد وعبد الله بن نسطاس روى عنه مالك والدراوردي وانس بن عياض ومروان الفزاري ومكي بن ابراهيم واما عبد الله بن نسطاس فهذلي تابعي ثقة

قال مصعب كان ابوه نسطاس مولى ابي بن خلف ادرك الجاهلية وقال بن بكير والقعنبي وبن القاسم وطائفة في هذا الحديث من حلف على منبري هذا فاليمين ائمة والمعنى في ذلك سواء وهو اشتراط الاثم في الوعيد دون البر ومذهبنا في الوعيد كله ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء ومثل هذا في الوعيد حديث مالك في هذا الباب ايضا عن العلاء بن عبد الرحمن عن معبد بن كعب السلمي عن اخيه عبد الله بن كعب بن مالك الانصاري عن ابي امامة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة واوجب له النار قالوا وان كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال وان كان قضيبا من اراك وان كان قضيبا من اراك وان كان قضيبا من اراك قالها ثلاث مرات وهذا ايضا وعيد شديد عام يدخل فيه اقتطاع الحقوق عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم وغير منبره قال مالك رحمه الله على منبري يريد عند منبري قال ابو عمر قوله صلى الله عليه وسلم من حلف على منبري تخصيص منه لمنبره صلى الله عليه وسلم بذلك الوعيد الشديد وفصل له ثم عمم صلى الله عليه وسلم ما في اقتطاع المرء المسلم بالوعيد ايضا عصمنا الله ووفقنا لما يرضاه وقد روى عبد الله بن مسعود والاشعث بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا المعنى في اقتطاع مال المسلم ولم يذكر منبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني وكيع قال حدثني الاعمش عن ابي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين صبر يقتطع

بها مال امرئ مسلم وهو فيها كاذب لقي الله تعالى وهو عليه غضبان قال فدخل الاشعث بن قيس فقال ما يحدثكم ابو عبد الرحمن قلنا كذا وكذا قال صدق في نزلت كان بيني وبين رجل خصومة في ارض فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بينتك فلم تكن لي بينة فقال له احلف قلت اذن يحلف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فنزلت ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا اولئك الاية ال عمران ورواه منصور عن ابي وائل مثله بمعناه باب جامع ما جاء في اليمين على المنبر مالك عن داود بن الحصين انه سمع ابا غطفان بن طريف المري يقول اختصم زيد بن ثابت الانصاري وبن مطيع في دار كانت بينهما إلى مروان بن الحكم وهو امير على المدينة فقضى مروان على زيد بن ثابت باليمين على المنبر فقال زيد بن ثابت احلف له مكاني قال فقال مروان لا والله الا عند مقاطع الحقوق قال فجعل زيد بن ثابت يحلف ان حقه لحق ويابى ان يحلف على المنبر قال فجعل مروان بن الحكم يعجب من ذلك قال مالك لا ارى ان يحلف احد على المنبر على اقل من ربع دينار وذلك ثلاثة دراهم قال ابو عمر جملة مذهب مالك في هذا الباب ان اليمين لا تكون عند المنبر من كل جامع ولا في الجامع حيث كان الا في ربع دينار ثلاثة دراهم فصاعدا او في عرض يساوي ثلاثة دراهم وما كان دون ذلك حلف فيه في مجلس الحاكم او حيث شاء من المواضع في السوق وغيرها

قال مالك يحلف المسلم في القسامة واللعان وفيما له بال من الحقوق على ربع دينار فصاعدا في جامع بلده في اعظم مواضعه وليس عليه التوجه إلى القبلة هذه رواية بن القاسم وروى بن الماجشون عن مالك انه يحلف قائما مستقبل القبلة قال ولا يعرف مالك اليمين عند المنبر الا منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط يحلف عنده في ربع دينار فاكثر قال مالك ومن ابى ان يحلف على المنبر فهو كالناكل عن اليمين ويحلف في ايمان القسامة عند مالك إلى مكة كل من كان من عملها فيحلف بين الركن والمقام ويحلف في ذلك إلى المدينة من كان من عملها فيحلف عند المنبر ومذهب الشافعي في اليمين بين الركن والمقام بمكة وعند منبر النبي عليه السلام بالمدينة نحو مذهب مالك الا ان الشافعي لا يرى اليمين عند المنبر بالمدينة ولا بين الركن والمقام بمكة الا في عشرين دينارا فصاعدا وذكر عن سعيد بن سالم القداح عن بن جريج عن عكرمة قال ابصر عبد الرحمن بن عوف قوما يحلفون بين المقام والبيت فقال اعلى دم قيل لا فقال على عظيم من الاموال قالوا لا قال لقد خشيت ان يتهاون الناس بهذا المقام هكذا رواه الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي يتهاون الناس ورواه المزني والربيع في كتاب اليمين مع الشاهد فقالا فيه لقد خشيت ان يبها الناس بهذا المقام وهو الصحيح عندهم ومعنى يبها يانس الناس به يقال بهات به أي انست به قال ومنبر النبي عليه السلام في التعظيم مثل ذلك لما ورد فيه من الوعيد على من حلف عنده بيمين كاذبة تعظيما له قال الشافعي وبلغني ان عمر بن الخطاب حلف عند المنبر في خصومة كانت بينه وبين رجل وان عثمان ردت عليه اليمين على المنبر فافتدى منها وقال اخاف ان يوافق قدر بلاء فيقال بيمينه قال الشافعي واليمين على المنبر ما لا خلاف فيه عندنا بالمدينة ومكة في قديم ولا حديث قال ابو عمر اليمين عند المنبر مذهب الشافعي واصحابه في كل البلدان قياسا على العمل من الخلف والسلف بالمدينة عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم

قال الشافعي وقد عاب قولنا هذا عائب ترك فيه موضع حجتنا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاثار بعده عن اصحابه وزعم ان زيد بن ثابت كان لا يرى اليمين على المنبر وانا روينا ذلك عنه وخالفناه إلى قول مروان بن الحكم بغير حجة قال وهذا مروان يقول لزيد وهو عنده احظى اهل زمانه وارفعهم لديه منزلة لا والله الا عند مقاطع الحقوق قال فما منع زيد بن ثابت لو يعلم ان اليمين على المنبر حق ان يقول لمروان ما هو اعظم من هذا وقد قال له اتحل الربا يا مروان فقال مروان اعوذ بالله وما هذا فقال فالناس يتبايعون الصكوك قبل ان يقبضوها فبعث مروان الحرس ينتزعونها من ايدي الناس فاذا كان مروان لا ينكر على زيد هذا فكيف ينكر على نفسه ان يلزمه اليمين على المنبر لقد كان زيد من اعظم اهل المدينة في عين مروان واثرهم عنده ولكن زيدا علم ان ما قضى به مروان حق وكره ان تصبر يمينه عند المنبر قال الشافعي وهذا الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا والذي نقل الحديث فيه كانه تكلف لاجتماعنا على اليمين عند المنبر لقد كان زيد من اعظم اهل المدينة ثم ذكر احاديث عن السلف من الصحابة في اليمين عند المنبر منها الحديث عن المهاجر بنابي امية قال كتب الي ابو بكر رضي الله عنه ان ابعث الي بقيس بن مكشوح في وثاق فبعثت إليه به فجعل قيس يحلف ما قتل داذويه فاحلفه ابو بكر خمسين يمينا عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله ما قتله ولا علم له قاتلا ثم عفا عنه قال ابو عمر واما اختلاف الفقهاء في اليمين عند المنبر بالمدينة وغيرها من البلدان وبمكة بين الركن والمقام فقد ذكرنا عن مالك والشافعي في ذلك ما بان به ما ذهبا إليه هما واصحابهما وقال بن ابي اويس قال مالك في الايمان التي تكون بين الناس في الدماء واللعان والحقوق لا يحلف فيها عند منبر الا عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم في القسامة في الدماء واللعان والحقوق فيما بلغ ثلاثة دراهم من الحقوق واما سائر المساجد فانهم يحلفون فيها ولا يحلفون عند منابرها واما ابو حنيفة فذكر الجوزجاني وغيره عن ابي حنيفة وابي يوسف ومحمد قالوا لا يجب الاستحلاف عند منبر صلى الله عليه وسلم على احد ولا بين الركن والمقام على احد في قليل الاشياء ولا كثيرها ولا في الدماء ولا في غيرها ولكن الحكام يحلفون من وجبت عليه اليمين في مجالسهم

باب ما لا يجوز من غلق الرهن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن قال مالك وتفسير ذلك فيما نرى والله اعلم ان يرهن الرجل الرهن عند الرجل بالشيء وفي الرهن فضل عما رهن به فيقول الراهن للمرتهن ان جئتك بحقك إلى اجل يسميه له والا فالرهن لك بما رهن فيه قال فهذا لا يصلح ولا يحل وهذا الذي نهي عنه وان جاء صاحبه بالذي رهن به بعد الاجل فهو له وارى هذا الشرط منفسخا قال ابو عمر قد ذكرنا في التمهيد من وصل الحديث فجعله عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة من رواة مالك ومن رواة بن شهاب ايضا ومنهم من يرويه عن بن شهاب عن سعيد وابي سلمة عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يزيد فيه مرسلا ومسندا الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه وجعله بعضهم من قول سعيد بن المسيب وقد حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني علي بن الحسن واحمد بن محمد بن يزيد الحلبي قالا حدثني علي بن عبد الحميد الغضائري قال حدثني مجاهد بن موسى قال حدثني معن بن عيسى عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن وهو من صاحبه هكذا جاء هذا الاسناد عن معن بن عيسى وليس كذلك في الموطا ورواه معمر وبن ابي ذئب ويحيى بن ابي انيسة كلهم عن الزهري عن سعيد عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه وقد ذكرنا الاسانيد بكل ذلك من طرق متواترة في التمهيد والحمد لله كثيرا واصل هذا الحديث عند اكثر اهل العلم به مرسل وان كان قد وصل من

جهات كثيرة الا انهم يعللونها على ما ذكرنا عنهم في التمهيد وهم مع ذلك لا يدفعه بل الجميع يقبله وان اختلفوا في تاويله والرواية فيه لا يغلق الرهن بضم القاف على الخبر بمعنى الرهن ليس يغلق أي لا يذهب ولا يتلف باطلا والله اعلم والنحويون يقولون غلق الرهن اذا لم يوجد له تخلص قال زهير وفارقتك برهن لا فكاك له يوم الوداع فامسى الرهن قد غلقا وقال قعنب بن ام صاحب بانت سعاد وامسى دونها عدن وغلقت عندها من قلبك الرهن وقال اخر كان القلب ليلة قيل يغدي بليلى العامرية او يراح قطاة عرها شرك فباتت تجاذبه وقد غلق الجناح وقد اكثرنا في التمهيد من الشواهد بالشعر في هذا المعنى وقال ابو عبيد لا يجوز في كلام العرب ان يقال في الرهن اذا ضاع قد غلق انما يقال قد غلق اذا استحقة المرتهن فذهب به ثم ذكر نحو تفسير مالك له في الموطا وعلى نحو تفسير مالك لذلك فسره سفيان الثوري وبمثل ذلك جاء تفسيره عن شريح القاضي وطاوس وابراهيم النخعي وقد كان الزهري يقوله ثم رجع عنه اخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن يحيى بن عمر قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان بن عيينة عن عمرو عن طاوس قال اذا رهن الرجل الرهن فقال صاحبه ان لم اتك إلى كذا وكذا فالرهن لك قال ليس بشيء ولكن يباع فياخذ حقه ويرد ما فضل

روى هشيم عن منصور عن ابراهيم قال اذا اقرض الرجل الرجل قرضا ورهنه رهنا وقال له ان اتيتك بحقك إلى اجل كذا والا فهو لك بما فيه قال ليس هذا بشيء هو رهن على حاله لا يغلق وهذا كله كما فسره مالك رحمه الله وهذا يدل على ان قوله لا يغلق الرهن انما هو في الرهن القائم الموجود لا فيما هلك من الرهون وانه لياخذه المرتهن اذا حل الاجل بماله عليه من الشرط الذي ابطلته السنة وجعلت صاحبه اولى به اذا اراد افتكاكه فادى دينه وذكر عبد الرزاق عن معمر قال قلت للزهري ارايت قوله لا يغلق الرهن اهو الرجل يقول ان لم اتك بمالك فهذا الرهن لك قال نعم قال معمر ثم بلغني انه ان هلك لم يذهب حق هذا انما هلك من رب المال له غنمه وعليه غرمه قال ابو عمر اختلف العلماء قديما وحديثا من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في الرهن يهلك عند المرتهن ويتلف من غير جناية منه ولا تضييع فقال مالك بن انس والاوزاعي وعثمان البتي اذا كان الرهن مما يخفي هلاكه نحو الذهب والفضة والثياب والحلي والسيف واللجام وسائر ما يغاب عليه من المتاع ويخفى هلاكه فهو مضمون على المرتهن ان هلك وخفي هلاكه ويترادان الفضل فيما بينهما وان كانت قيمة الرهن اكثر من الدين ذهب الدين كله ويرجع الراهن على المرتهن بفضل قيمة الرهن وان كانت قيمة الرهن مثل الدين ذهب بما فيه وان كانت اقل اتم الراهن للمرتهن دينه وان اختلفا فسياتي القول فيه في باب بعد هذا حيث ذكره مالك رحمه الله وكان مالك وبن القاسم يذهبان فيما يغاب عليه من الرهن انه ان قامت البينة على هلاكه فليس بمضمون الا ان يتعدى فيه المرتهن او يضيعه فيضمن وقال اشهب كل ما يغاب عليه مضمون على المرتهن خفي هلاكه او ظهر وهو قول الاوزاعي والبتي واتفق مالك واصحابه والاوزاعي وعثمان البتي في الرهن اذا كان مما يظهر

هلاكه نحو الدور والارضين والحيوان وما كان مثل ذلك كله فهلك انه من مال الراهن ومصيبته منه والمرتهن فيه امين وروى هذا القول الاوزاعي عن يحيى بن ابي كثير عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه وقال بن ابي ليلى وعبيد الله بن الحسن واسحاق وابو عبيد في هلاك الرهن عند المرتهن انهما يترادان الفضل بينهما على مثل قول مالك والاوزاعي والبتي الا انه لا فرق عندهم بين ما يظهر هلاكه وبين ما لا يظهر وبين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه والرهن عندهم مضمون على كل حال حيوانا كان او غيره وروي هذا القول ومعناه عن علي بن ابي طالب من حديث قتادة عن خلاس عن علي رضي الله عنه وروي ايضا عن بن عمر من حديث ادريس الاودي عن ابراهيم بن عميرة عن بن عمر الا ان ابراهيم بن عميرة مجهول لا يعرف وقال سفيان الثوري وابو حنيفة واصحابه والحسن بن حي ان كان الرهن مثل الدين او اكثر فهو بما فيه وان كان اقل من الدين ذهب من الدين بقدره ورجع المرتهن على الراهن بما نقص من قيمة الرهن عن الدين والرهن عندهم مضمون بقيمة الدين فما دون وما زاد على الدين فهو امانة وروي مثل هذا القول عن علي مثله من حديث عبد الاعلى عن محمد بن الحنفية عن علي وهو احسن الاسانيد في هذا الباب عن علي رضي الله عنه وقال شريح القاضي وعامر الشعبي وشريك وغير واحد من الكوفيين يذهب الرهن بما فيه من الدين اذا هلك سواء كانت قيمته مثل الدين او اقل او اكثر ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء وهو قول الفقهاء السبعة المدنيين الا انهم انما يجعلونه بما فيه اذا هلك وعميت قيمته ولم تقم بينه على ما فيه فان قامت بينة على ما فيه ترادا الفضل وبه قال الليث بن سعد ومالك بن انس اذا عميت قيمة الرهن واقر الراهن والمرتهن جميعا انهما لا يعرفان قيمته فهو بما فيه قال الليث وبلغني ذلك عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه والحيوان عند الليث لا يضمن الا ان يتهم المرتهن في دعوى الموت والاباق

قال الليث بالموت يكون ظاهرا معلوما لا يخفى وان اعلم المرتهن الراهن بموته او اباقه او اعلم السلطان ان كان صاحبه غائبا حلف وبرى ء وقالت طائفة من اهل الحجاز منهم سعيد بن المسيب وبن شهاب الزهري وعمرو بن دينار ومسلم بن خالد الزنجي والشافعي واصحابه الرهن كله امانة قليلة وكثيرة ما يغاب عليه منه وما لا يغاب عليه ولا يضمن الا بما يضمن به الودائع من التعدي والتضييع كسائر الامانات ولا يضير المرتهن هلاك الرهن ودينه ثابت على حاله وسواء عندهم الحيوان في ذلك والدور والرباع والثياب والحلي وغير ذلك وبه قال احمد بن حنبل وابو ثور وداود بن علي وجمهور اهل الحديث وحجتهم في ذلك حديث سعيد بن المسيب عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يرسله عن سعيد ومنهم من يجعله من قوله الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه وقد اوضحنا ذلك كله في التمهيد وقال هؤلاء يعني قوله صلى الله عليه وسلم له عنه أي له غلته وخراجه وفائدته كما له رقبته ومعنى عليه غرمه أي فكاكه ومصيبته قالوا والمرتهن ليس بمعتد حينئذ فيضمن وانما يضمن من تعدى وقال المزني قد قال مالك ومن تابعه ان الحيوان ما ظهر هلاكه امانة وقال ابو حنيفة ومن قال بقوله ما زاد على قيمة الرهن فهو امانة فالواجب بحق النظر ان يكون كله امانة ومعنى قوله له غنمة وعليه غرمه عند مالك واصحابه أي له غلته وخراجه واجرة عمله كما قال من تقدم ذكره قالوا ومعنى قوله وعليه غرمه أي نفقته ليس الفكاك والمصيبة قالوا لان الغنم اذا كان الخراج والغلة كان الغرم ما قابل ذلك من النفقة قالوا والاصل ان المرتهن اذا لم يتعمد لم يضمن ما ظهر هلاكه ويضمن ما غاب هلاكه من حيث ضمنه المستعير سواء لان لكل واحد منهما اخذ الشيء لمنفعة نفسه والمرتهن اخذه وتبعه بحقه والمستعير اخذ العارية للمنفعة بها دون صاحبها ما دامت عنده

وليس كذلك الامانه لان الامين ياخذها لمنفعة ربها وذلك حفظها عليه وحراستها له قالوا وفي معنى قوله له غنمه وعليه غرمه قوله صلى الله عليه وسلم الرهن مركوب ومحلوب أي اجر ظهره لربه ونفقته عليه ولا يجوز ان يكون ذلك للمرتهن لانه ربا من اجل الدين الذي له ولا يجوز ان يكون الراهن يلي الركوب والحلاب لانه كان يصير حينئذ الرهن عنده غير مقبوض والرهن لا بد ان يكون مقبوضا ولو ركبه لخرج من الرهن واما ابو حنيفة واصحابه فتاويل قوله عليه السلام عندهم له غنمه وعليه غرمه أي لا يكون غنمه للمرتهن ولكن يكون للراهن وغنمه عندهم ما فضل من الدين وغرمه ما نقص من الدين وهذا كله ايضا عندهم في سلامة الرهن لا في عطبه والرهن عندهم مضمون بالدين لا بنفسه ولا قيمته ومن حجتهم ان المرتهن لما كان احق بالرهن من سائر الغرماء في الفلس علم انه ليس كالوديعة فانه مضمون ولانه لو كان امانة لم يكن المرتهن احق به وقال الشافعي معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن قول عام لم يخص فيه ما يظهر هلاكه مما لا يظهر وما يعاب عليه مما لا يعاب عليه ومن فرق بين شيء من ذلك فقد قال بما لا يعضده نص ولا قياس ولو عكس هذا القول على قائله فقيل ما ظهر هلاكه لا يكون امانة لانهما قد رضيا ان يكون الرهن بما فيه او مضمونا بقيمته واما ما يخفى هلاكه فقد رضي صاحبه بدفعه إلى المرتهن وهو يعلم ان هلاكه يخفى فقد رضي فيه امانته فهو لامانته فان هلك لم يهلك من مال المرتهن وذلك لا يصح لانه لا دليل لقائله من نص كتاب ولا سنة ولا قياس قال ولا خلاف علمته بين العلماء ان ما ظهر هلاكه من الامانة وما خفي سواء انه مضمون وما ظهر او خفي هلاكه من المضمون سواء في انه مضمون

قال وكذلك قول اهل الكوفة لا يستقيم في قياس ولا نظر ولا فيه اثر يلزم انهم جعلوا الرهن مرة مضمونا بما فيه الدين ومرة مضمونا بالقيمة بما فيه والمضمونات انما تضمن بالقيمة اذا فاتت كانما فيها من الحق فان ذكروا رواية عن علي فالخلاف عن علي موجود والسنة تدل على انه امانة وبالله التوفيق اختصرت كلامه هذا ولكل هذه الطوائف حجج يطول ذكرها قد تقصاها اصحابهم كل لمذهبه وبالله التوفيق لا شريك له باب القضاء في رهن الثمر والحيوان قال مالك فيمن رهن حائطا له إلى اجل مسمى فيكون ثمر ذلك الحائط قبل ذلك الاجل ان الثمر ليس برهن مع الاصل الا ان يكون اشترط ذلك المرتهن في رهنه وان الرجل اذا ارتهن جارية وهي حامل او حملت بعد ارتهانه اياها ان ولدها معها قال مالك وفرق بين الثمر وبين ولد الجارية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من باع نخلا قد ابرت فثمرها للبائع الا ان يشترطه المبتاع قال والامر الذي لا اختلاف فيه عندنا ان من باع وليدة او شيئا من الحيوان وفي بطنها جنين ان ذلك الجنين للمشتري اشترطه المشتري او لم يشترطه فليست النخل مثل الحيوان وليس الثمر مثل الجنين في بطن امه قال مالك ومما يبين ذلك ايضا ان من امر الناس ان يرهن الرجل ثمر النخل ولا يرهن النخل وليس يرهن احد من الناس جنينا في بطن امه من الرقيق ولا من الدواب قال ابو عمر لم يختلف قول مالك واصحابه ان ما تلده المرهونة فهو رهن معها وان الثمرة الحادثة ليست برهن معها وان الثمرة مع الاصل لا مع الاشتراط وقال الليث بن سعد اذا كان الدين حالا دخلت الثمرة في الرهن واذا كان إلى اجل فالثمرة إلى صاحب الاصل وروي عنه انه لا تدخل فيه الا ان تكون موجودة يوم الرهن في الشجر

وقال الشافعي لا يدخل الولد الحادث ولا الثمرة الحادثة في الرهن كما لا يدخل مال العبد عند الجميع اذا رهن العبد وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد اذا ولدت المرهونة بعد الرهن دخل ولدها في الرهن وكذلك اللبن والصوف وثمر النخل والشجر وهو قول الثوري والحسن بن حي وبه قال ابو جعفر الطبري قال وكذلك الغلة والخراج كل ذلك داخل في الرهن بغير شرط قال ابو عمر قد اوضح مالك وجه الصواب فيما ذهب إليه في هذه المسالة واما الشافعي فحجته ان الثمرة لما لم تدخل في بيع الاصل الا بالشرط دل على انها شيء اخر غير الاصل ولا تدخل في الرهن الا بالشرط بعد ظهورها والامة لا يصح رهن جنينها في بطنها فاذا ولدت فهو مباين لها لم يقع عليه الرهن فهو للراهن واما ابو حنيفة فقاسه على المكاتبة التي ولدها مثلها اذا ولدته بعد الكتابة ولا فرق عنده بين الثمرة والولد لان ذلك كله نمى من الاصل والاحتجاج بمذاهبهم فيه تشعيب والاصل ما ذكرته لك باب القضاء في الرهن من الحيوان قال مالك الامر الذي لا اختلاف فيه عندنا في الرهن ان ما كان من امر يعرف هلاكه من ارض او دار او حيوان فهلك في يد المرتهن وعلم هلاكه فهو من الراهن وان ذلك لا ينقص من حق المرتهن شيئا وما كان من رهن يهلك في يد المرتهن فلا يعلم هلاكه الا بقوله فهو من المرتهن وهو لقيمته ضامن يقال له صفه فاذا وصفه احلف على صفته وتسمية ماله فيه ثم يقومه اهل البصر بذلك فان كان فيه فضل عما سمى فيه المرتهن اخذه الراهن وان كان اقل مما سمى احلف الراهن على ما سمى المرتهن وبطل عنه الفضل الذي سمى المرتهن فوق قيمة الرهن وان ابى الراهن ان يحلف اعطي المرتهن ما فضل بعد قيمة الرهن فان قال المرتهن لا علم لي بقيمة الرهن حلف الراهن

على صفة الرهن وكان ذلك له اذا جاء بالامر الذي لا يستنكر قال مالك وذلك اذا قبض المرتهن الرهن ولم يضعه على يدي غيره قال ابو عمر قد تقدم القول فيما يغاب عليه من الرهون وما لا يغاب عليه منها في الباب الذي قبل هذا باب غلق الرهن فلا معنى لاعادته ها هنا واما اختلاف الرهن والراهن والمرتهن فيما على الراهن من الدين فقول مالك ما ذكره في الموطا مما قد ذكرناه عنه في هذا الباب ولم يختلف اصحابه عنه ان القول قول المرتهن فيما بينه وبين قيمة الرهن ولا نعلم احدا راعى قيمة الرهن في هذه المسالة غير مالك ومن قال بقوله الا انهم لا يكون القول عندهم قول المرتهن الا إلى قيمة الرهن لان الرهن وثيقة بالدين فاشبه إليه وصار القول قول من الرهن في يده إلى مقدار قيمته ولا يصدق على اكثر من ذلك والقول قول الراهن فيما زاد على ذلك فان كان الرهن قائما واختلفا في الدين فان كان الرهن قدر حق المرتهن اخذه بحقه وكان اولى به من الراهن الا ان يشاء رب الرهن ان يعطيه حقه الذي حلف عليه وياخذ رهنه وقال الشافعي وابو حنيفة واصحابهما والثوري والحسن بن حي اذا هلك الرهن واختلف الراهن والمرتهن في مقدار الدين فالقول قول الراهن في الدين مع يمينه ولا قول للمرتهن ها هنا إلى قيمة الرهن ولا ما دون ولا ما فوق لانه مدع عندهم قال ابو عمر المرتهن مدع فاذا لم تكن بينة حلف الراهن على ظاهر السنة المجتمع عليها ولا يلزم الراهن من الدين الا ما اقر به او قامت عليه بينة فان اختلفا في قيمة الرهن الهالك او صفته فالقول قول المرتهن عند مالك واصحابه لانه الضامن لقيمته وهو مدعى عليه والراهن مدع باكثر مما يقر به المرتهن والشافعي والكوفيون على اصولهم المتقدمة وهذا باب مطرد لو وقف على المدعي من المدعى عليه فيه وبالله التوفيق باب القضاء في الرهن يكون بين الرجلين قال مالك في الرجلين يكون لهما رهن بينهما فيقوم احدهما ببيع

رهنه وقد كان الاخر انظره بحقه سنة قال ان كان يقدر على ان يقسم الرهن ولا ينقص حق الذي انظره بحقه بيع له نصف الرهن الذي كان بينهما فاوفي حقه وان خيف ان ينقص حقه بيع الرهن كله فاعطي الذي قام ببيع رهنه حقه من ذلك فان طابت نفس الذي انظره بحقه ان يدفع نصف الثمن إلى الراهن والا حلف المرتهن انه ما انظره الا ليوقف لي رهني على هيئته ثم اعطي حقه عاجلا قال وسمعت مالكا يقول في العبد يرهنه سيده وللعبد مال ان مال العبد ليس برهن الا ان يشترطه المرتهن قال ابو عمر قد مضى الكلام في باب القضاء في رهن الثمر والحيوان ما يغني عن الكلام في مال العبد ولا خلاف عن مالك فيه الا انهم اختلفوا فيما يستفيده العبد المرهون هل يدخل في الرهن ام لا واختلف في ذلك ايضا اصحاب مالك رحمه الله واتفق بن القاسم واشهب انه لا يكون ما يوهب العبد ولا خراجه رهنا وخالفهما يحيى بن عمر فقال ذلك كله رهن معه قال ابو عمر الصواب ان لا يكون الخراج ولا غيره مما يستفيده رهنا لانه ملك للراهن لم يتعاقد عليه الرهن وقد اتفق العلماء ان مال العبد لا يدخل في البيع الا بالشرط وهي السنة فالرهن احرى بذلك واولى واما القضاء في ارتهان الرجلين فقال مالك ما تقدم ذكره وقال ايضا اذا ارتهن رجلان بدين لهما على رجل دينا وهما فيه شريكان لم يصح قضاء احدهما دون الاخر ولا يقبض الرهن حتى يستوفي المرتهن ماله عليه ما فيه فان لم يكونا فيه شريكين فانه اذا قبض احدهما قبض حصته وقال ابو حنيفة سواء كانا شريكين او غير شريكين لا ياخذان الرهن حتى يستوفيا جميع الدين وقال الشافعي يصح الرهن من رجل لرجلين ومن رجلين لرجل ولكل واحد منهما نصف الرهن فاذا قضى احدهما نصيبه اخذ نصيبه من الرهن فان كان المرتهن واحدا والراهنان اثنين فاجر احدهما او قبض منه حصته من اثنين خرجت حصته من الرهن وكذلك لو كانا رجلين فاجر احدهما او قبض حصته فنصفه خارج من الرهن ويقاسمه ان كان مما يكال او يوزن

باب القضاء في جامع الرهون قال مالك فيمن ارتهن متاعا فهلك المتاع عند المرتهن واقر الذي عليه الحق بتسمية الحق واجتمعا على التسمية وتداعيا في الرهن فقال الراهن قيمته عشرون دينارا وقال المرتهن قيمته عشرة دنانير والحق الذي للرجل فيه عشرون دينارا قال مالك يقال للذي بيده الرهن صفه فاذا وصفه احلف عليه ثم أ قام تلك الصفة اهل المعرفة بها فان كانت القيمة اكثر مما رهن به قيل للمرتهن اردد إلى الراهن بقية حقه وان كانت القيمة اقل مما رهن به اخذ المرتهن بقية حقه من الراهن وان كانت القيمة بقدر حقه فالرهن بما فيه قال ابو عمر هذا كله من قوله على اصله فيما يغاب عليه من الرهون انه على المرتهن مضمون فلما كان مضمونا عليه وكان له دينه الذي اتفقا على تسميته ثم اختلفا في قيمة الرهن وهو تالف قد ضاع واصله ان القول في صفة الرهن قول المرتهن لانه كان بيده وثيقة بدينه فصار مدعى عليه فيما لا يقر به من قيمته فوجبت اليمين عليه في صفته ثم ضمن تلك الصفة وترادا الفضل في ذلك لانهما قد اتفقا على تسمية الدين ولو اختلفا في مبلغ الدين كان القول فيما زاد على الرهن قول الراهن لانه مدعى عليه واما الشافعي فالرهن عنده امانه على ما قدمنا ذكره عنهم ومن قال كقوله فلا يضر المرتهن إلى هلاكه ودينه فان على الراهن بماله فان اتفقا على مبلغ الدين لزم الراهن الخروج عنه والاداء إلى المرتهن وان اختلفا فالمرتهن مدع فان لم تقم له بينة فالقول قول الراهن مع يمينه حينئذ لانه مدعى عليه وهذا كله بين لا اشكال فيه واما ابو حنيفة فالرهن عنده بما فيه اذا هلك وكانت قيمته كالدين او اكثر وان كانت قيمته اقل رجع المرتهن على الراهن بتمام دينه وبكل قول من هذه الاقوال قال جماعة من السلف قد ذكرناهم فيما مضى والحمد لله كثيرا قال مالك الامر عندنا في الرجلين يختلفان في الرهن يرهنه احدهما

صاحبه فيقول الراهن ارهنتكه بعشرة دنانير ويقول المرتهن ارتهنته منك بعشرين دينارا والرهن ظاهر بيد المرتهن قال يحلف المرتهن حتى يحيط بقيمة الرهن فان كان ذلك لا زيادة فيه ولا نقصان عما حلف ان له فيه اخذه المرتهن بحقه وكان اولى بالتبدئة باليمين لقبضه الرهن وحيازته اياه الا ان يشاء رب الرهن ان يعطيه حقه الذي حلف عليه وياخذ رهنه قال وان كان الرهن اقل من العشرين التي سمى احلف المرتهن على العشرين التي سمى ثم يقال للراهن اما ان تعطيه الذي حلف عليه وتاخذ رهنك واما ان تحلف على الذي قلت انك رهنته به ويبطل عنك ما زاد المرتهن على قيمة الرهن فان حلف الراهن بطل ذلك عنه وان لم يحلف لزمه غرم ما حلف عليه المرتهن قال ابو عمر هذا بين كله على ما تقدم من اصل قوله لا خلاف عند اصحابه ومنتحلي مذهبه فيه الا في قوله احلف المرتهن على العشرين التي سمى ثم قيل للراهن اما ان تحلف على ما قلت ولا يلزمك اكثر من قيمة رهنك او مبلغ اقررت به من الدين واما ان يغرم ما حلف عليه المرتهن وهذا موضع اختلف فيه بعضهم فذهب بعضهم إلى قول مالك هذا وبعضهم قال قول الراهن مع يمينه فيما زاد على قيمة الرهن مما ادعاه المرتهن ان لم يقم المرتهن بينة بما ادعاه ولا يمين عليه الا ان يردها عليه الراهن واما الشافعي فقد تقدم وصفنا لمذهبه في ان الرهن امانة عنده وما ادعاه المرتهن من الدين عليه فيه البينة فان لم تكن له بينة حلف الراهن على ما اقر به وان لم يكن عليه غير ذلك وله ايضا عنده رد اليمين ان شاء على ما قدمنا من اصله في ذلك ايضا واما الكوفيون فحكى الطحاوي عنهم قال القول قول الراهن في مقدار الدين الذي وقع به الرهن اذا اختلف هو والمرتهن فيه مع يمينه بالله عز وجل على ذلك ان طلب المرتهن يمينه عليه والقول قول المرتهن في قيمة الرهن اذا ضاع في يده واختلف هو والراهن في قيمته مع يمينه بالله عز وجل على ذلك ان طلب الراهن يمينه عليه فان حلف بريء وان نكل عن اليمين لزمه ما ادعاه عليه الراهن فيه قال ابو عمر اتفق الشافعي وابو حنيفة واصحابهما والثوري ان القول قول الراهن اذا خالفه المرتهن في مبلغ ما رهن به الرهن ولم يراعوا مبلغ قيمة الرهن لان الرهن قد يساوي ما رهن به وقد لا يساوي والمرتهن يدعي فيه ما لا يقر له به الراهن فالقول قول الراهن لانه مدعى عليه والبينة في ذلك على المرتهن فان لم

تكن له بينة حلف الراهن واخذ رهنه وادعى ما اقر به وهذا القول قول ابراهيم النخعي وعطاء بن ابي رباح واياس بن معاوية وطائفة وحجة من قال بهذا القول اجماعهم على ان من اقر بشيء وليس عليه فيه بينة فالقول قوله واجماعهم ايضا على ان المتبايعين اذا اختلفا في ثمن السلعة انه لا يكون القول قول من ادعى من الثمن ما يكون قيمة السلعة والحجة لمالك ومن قال بقوله ما قاله إسماعيل بن إسحاق في قوله عز وجل ولم تجدوا كاتبا فرهن مقبوضة البقرة قال فجعل الرهن بدلا من الشهادة لان المرتهن اخذ بحقه وثيقة له فكانه شاهد له لانه يبني على مبلغ الحق فقام مقام الشاهد إلى ان يبلغ قيمته وما جاوز قيمته فلا وثيقة له فيه وكان القول في ذلك قول الراهن وهذا كله قول طاوس والحسن وقتادة ويحيى بن سعيد واكثر اهل المدينة قال مالك فان هلك الرهن وتناكرا الحق فقال الذي له الحق كانت لي فيه عشرون دينارا وقال الذي عليه الحق لم يكن لك فيه الا عشرة دنانير وقال الذي له الحق قيمة الرهن عشرة دنانير وقال الذي عليه الحق قيمته عشرون دينارا قيل للذي له الحق صفه فاذا وصفه احلف على صفته ثم اقام تلك الصفة اهل المعرفة بها فان كانت قيمة الرهن اكثر مما ادعى فيه المرتهن احلف على ما ادعى ثم يعطى الراهن ما فضل من قيمة الرهن وان كانت قيمته اقل مما يدعي فيه المرتهن احلف على الذي زعم انه له فيه ثم قاصه بما بلغ الرهن ثم احلف الذي عليه الحق على الفضل الذي بقي للمدعى عليه بعد مبلغ ثمن الرهن وذلك ان الذي بيده الرهن صار مدعيا على الراهن فان حلف بطل عنه بقية ما حلف عليه المرتهن مما ادعى فوق قيمة الرهن وان نكل لزمه ما بقي من حق المرتهن بعد قيمة الرهن قال ابو عمر هذا كله من قوله مكررا والمعنى لا خفاء فيه على من له ادنى فهم ولا مدخل فيه للكلام عليه الا مكررا معادا لانه قد مضى معنى ما ذهب إليه مالك وغيره من العلماء في ذلك واضحا غير مشكل على كل متامل والحمد لله كثيرا

باب القضاء في كراء الدابة والتعدي بها قال مالك الامر عندنا في الرجل يستكري الدابة إلى المكان المسمى ثم يتعدى ذلك المكان ويتقدم ان رب الدابة يخير فان احب ان ياخذ كراء دابته إلى المكان الذي تعدي بها إليه اعطي ذلك ويقبض دابته وله الكراء الاول وان احب رب الدابة فله قيمة دابته من المكان الذي تعدى منه المستكري وله الكراء الاول ان كان استكرى الدابة البداة فان كان استكراها ذاهبا وراجعا ثم تعدى حين بلغ البلد الذي استكرى إليه فانما لرب الدابة نصف الكراء الاول وذلك ان الكراء نصفه في البداءة ونصفه في الرجعة فتعدى المتعدي بالدابة ولم يجب عليه الا نصف الكراء الاول ولو ان الدابة هلكت حين بلغ بها البلد الذي استكرى إليه لم يكن على المستكري ضمان ولم يكن للمكري الا نصف الكراء قال وعلى ذلك امر اهل التعدي والخلاف لما اخذوا الدابة عليه ثم ذكر مسالة في المقارض يخالف فيشتري غير ما امره به صاحب المال ليكون له الربح كله ويضمن راس المال والمبضع معه يخالف رب البضاعة فيما امره به ويتعدى ليضمن البضاعة وياخذ ربحها فان رب المال في الوجهين جميعا يخير بين ان يضمنه وبين ان يجيز فعله ويكون على شرطه وقد تقدم ذكر ذلك كله في كتاب القراض واما تعدي المكتري بالدابة فان اكثر اهل العلم خالفوا مالكا في ذلك ولم يجعلوه من باب العامل في القراض ولا المبضع معه يخالفان ما امرا به في ذلك واما الشافعي فقال عنه المزني ولو اكتري دابة من مكة إلى مر فتعدى بها إلى عسفان فعليه كراؤها إلى مر وكراء مثلها إلى عسفان وعليه الضمان يعني ان عطبت وقال احمد بن حنبل من اكترى دابة إلى موضع فجاوز فعليه الاجرة المذكورة واجرة المثل لما جاوز وان تلفت فعليه ايضا قيمتها

ذكره المزني في مختصره على مذهب احمد وهذا كقول الشافعي سواء وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد فيما ذكر الطحاوي عنهم من اكترى دابة إلى مكان فجاوز بها إلى مكان اخر كان ضامنا لها ساعة جاوز بها وكان عليه الاجرة ولا شيء عليه في مجاوزته بها بعد سلامتها وان عطبت في مجاوزته بها كان عليه ضمان قيمتها ساعة تجاوز بها قال ابو عمر مذهبهم انه اذا جاوز بها كانت في ضمانه ان سلمت او عطبت فليس عليه اجرة لما هو ضامن له وهذا خلاف ظاهر القران وظاهر السنة قال الله عز وجل لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل البقرة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه والمتعدي بالدابة اذا تجاوز بها الموضع الذي اكتراها إليه فقد وجب لصاحبها عليه اجرة مثلها في ذلك فان لم يردها إليه كان قد اكل ماله باطلا بغير طيب نفسه ومن لم يوجب على المكتري كراء ما تعدى فيه بها فقد اعطاه مال غيره بغير طيب نفس منه وليس اعتلاله برايه انها صارت في ضمانه بشيء لان الله تعالى لم يجعل الدابة اذا سلمت في ضمان المتعدي بها ولا رسوله ولا اتفق الجميع عليه بل الجمهور يقولون اذا اسلمت فلا ضمان على المكتري فيها وانما عليه كراء المسافة التي تعدى عليها وقد تناقض ابو حنيفة فقال فيمن تعدى في بضاعة ابضعت معه فتجر فيها انه ليس له الربح وعليه ان يتصدق به وكذلك الغاصب وسنذكر هذه المسالة في موضعها من هذا الكتاب ان شاء الله باب القضاء في المستكرهة من النساء مالك عن بن شهاب ان عبد الملك بن مروان قضى في امراة اصيبت مستكرهة بصداقها على من فعل ذلك بها قال يحيى سمعت مالكا يقول الامر عندنا في الرجل يغتصب المراة بكرا كانت او ثيبا انها ان كانت حرة فعليه صداق مثلها وان كانت امة فعليه ما نقص من

ثمنها والعقوبة في ذلك على المغتصب ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله وان كان المغتصب عبدا فذلك على سيده الا ان يشاء ان يسلمه قال ابو عمر قوله والعقوبة في ذلك على المغتصب قد رواه القعنبي كما رواه يحيى ولم يروه بن بكير ولا بن القاسم ولا مطرف ورووا كلهم ولا عقوبة في ذلك على المغتصبة الا القعنبي فلم يروه وقد اجمع العلماء على ان على المستكره المغتصب الحد ان شهدت البينة عليه بما يوجب الحد او اقر بذلك فان لم يكن فعليه العقوبة ولا عقوبة عليها اذا صح انه استكرهها وغلبها على نفسها وذلك يعلم بصراخها واستغاثتها وصياحها وأن كانت بكرا فيما يظهر من دمها ونحوها مما يفصح به امرها فان لم يكن شيء من ذلك وظهر بها حمل وقالت استكرهت فقد اختلف العلماء في ذلك ونذكره عند قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه او كان الحمل والاعتراف في كتاب الرجم ان شاء الله تعالى ولا نعلم خلافا بين العلماء ان المستكرهة لا حد عليها اذا صح استكراهها بما ذكرنا وشبهه حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني معمر بن سليمان الزيني عن حجاج عن عبد الجبار بن وائل عن ابيه قال استكرهت امراة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فدرا عنها الحد وعن ابي بكر وعمر والخلفاء وفقهاء الحجاز والعراق مثل ذلك واختلف الفقهاء في وجوب الصداق على المغتصب فقال مالك والليث والشافعي عليه الصداق والحد جميعا وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد وسفيان الثوري عليه الحد ولا مهر عليه وهو قول بن شبرمة لا يجتمع عندهم صداق وحد قال ابو عمر هذا على مذاهبهم في السارق انه اذا قطع لم يجب عليه غرم ومسالة السارق مختلف فيها ايضا

والصحيح في المسالتين وجوب الصداق ووجوب الغرم لان حد الله تعالى لا يسقط به حق الادمي وهما حقان واجبان اوجبهما الله تعالى ورسوله فلا يضر اجتماعهما ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال اخبرني بن شهاب في بكر افتضت بصداق مثلها من النساء قال قضى بذلك عبد الملك بن مروان قال واخبرنا بن جريج قال قلت لعطاء البكر تستكره قال لها مثل صداق نسائها قال واية ذلك ان تصيح او ان يوجد بها اثر قال اخبرنا معمر عن الزهري قال من استكره امراة بكرا فلها صداقها وعليه الحد ولا حد عليها قال معمر وقال قتادة مثل ذلك قال واية البكر تستكره ان تصيح قال والثيب في ذلك مثل البكر وذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني هشيم عن ابي حرة عن الحسن قال استكره عبد امراة فوطئها فاختصما إلى الحسن وهو قاض يومئذ فضربه الحد وقضى بالعبد للمراة قال ابو عمر اسلمه سيده بجنايته والله اعلم وقد تقدم القول بما قاله ابو حنيفة وطائفة من علماء الكوفة ذكر ابو بكر قال حدثني شبابة بن سوار عن شعبة قال سالت الحكم وحمادا عن مملوك انتزع جارية فقالا عليه الحد وليس عليه صداق باب القضاء في استهلاك الحيوان والطعام وغيره قال مالك الامر عندنا فيمن استهلك شيئا من الحيوان بغير اذن صاحبه ان عليه قيمته يوم استهلكه ليس عليه ان يؤخذ بمثله من الحيوان ولا يكون له ان يعطي صاحبه فيما استهلك شيئا من الحيوان ولكن عليه قيمته يوم استهلكه القيمة اعدل ذلك فيما بينهما في الحيوان والعروض

قال وسمعت مالكا يقول فيمن استهلك شيئا من الطعام بغير اذن صاحبه فانما يرد على صاحبه مثل طعامه بمكيلته من صنفه وانما الطعام بمنزلة الذهب والفضة انما يرد من الذهب الذهب ومن الفضة الفضة وليس الحيوان بمنزلة الذهب في ذلك فرق بين السنة والعمل المعمول به قال ابو عمر اجمع العلماء لا خلاف بينهم فيما علمت ان من استهلك ذهبا او ورقا او طعاما مكيلا او موزونا انه عليه مثل ما استهلك من صنفه بوزنه وكيله على ظاهر قول الله عز وجل وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به النحل واختلفوا فيمن استهلك شيئا من الحيوان فقال منهم قائلون لا يقضى بالقيمة في شيء من الاشياء الا عند عدم المثل وممن قال ذلك الشافعي وابو حنيفة وداود واصحابهم وحجتهم قول الله عز وجل وان عاقبتم الاية ومن الاثر ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثنا ابو داود قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني خالد قال ابو داود وحدثني مسدد قال حدثني يحيى جميعا عن حميد عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فارسلت احدى امهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام قال فضربت بيدها فكسرت القصعة قال بن المثنى في حديثه فاخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم احداهما إلى الاخرى فجعل يجمع فيها الطعام ويقول غارت امكم كلوا فاكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها زاد بن المثنى كلوا فاكلوا حتى جاءت قصعتها التي في بيتها ثم رجع إلى لفظ حديث مسدد وقال كلوا وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته قال ابو داود وحدثني مسدد قال حدثني يحيى عن سفيان الثوري قال حدثني فليت العامري قال ابو داود وهو افلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة قالت قالت عائشة ما رايت صانعا طعاما مثل صفية صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما

فبعث به فاخذني افكل فكسرت الاناء فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت قال اناء مثل اناء وطعام مثل طعام واحتج بهذا كل من قال بالمثل في العروض وغيرها لانه ضمن القصعة بقصعة مثلها كما ضمن الطعام بطعام مثله وقال مالك ومن تابعه لا يقضى في الحيوان من العروض وغيره الا بالقيمة وحجتهم حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى فيمن اعتق شركا له في عبد بقيمة حصة شريكه دون حصته من عبد مثله قال ابو عمر المثل لا يوصل إليه الا بالاجتهاد وكما ان القيمة تدرك بالاجتهاد وقيمة العدل في الحقيقة مثل وقد قال العراقيون في قول الله عز وجل فجزاء مثل ما قتل من النعم المائدة ان القيمة مثل في هذا الموضع فتناقضوا والحديث في القضاء بالقيمة في الشقص من العبد اصح من حديث القصعة فهو اولى ان يمتثل ويعمل والله اعلم قال يحيى وسمعت مالكا يقول اذا استودع الرجل مالا فابتاع به لنفسه وربح فيه فان ذلك الربح له لانه ضامن للمال حتى يؤديه إلى صاحبه قال ابو عمر اختلف العلماء في هذه المسالة فكان ربيعة بن ابي عبد الرحمن ومالك بن انس والليث بن سعد وابو يوسف القاضي يقولون اذا رد المال طاب له الربح غاصبا كان المال او مستودعا عنده مستعديا فيه وكان ابو حنيفة وزفر ومحمد بن الحسن يقولون يؤدي المال ويتصدق بالربح كله ولا يطيب له بشيء منه

وقال الاوزاعي الذي هو اسلم له ان يتصدق بالربح وقال بن خواز بنداد من اشترى بدراهم مغصوبة فربح كان الربح له ويستحب له فيما بينه وبين الله تعالى ان يتنزه عنه ويتصدق به وقال الشافعي ان كان اشترى بالمال بعينه فالسلعة والربح لرب المال وحكى الربيع عن الشافعي قال اذا اشترى الغاصب السلعة بمال بغير عينه ثم نفد المال المغصوب او مال الوديعة بغير اذن ربها فالربح له وهو ضامن لما استهلك خاصة من مال غيره وان اشتراه بالمال بعينه فرب المال بالخيار بين اخذ المال والسلعة قال الربيع وله فيها قول اخر ان البيع فاسد اذا اشترى بالمال المغصوب بعينه وروي عن ابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعطاء بن ابي رباح مثل قول مالك وروي عن مجاهد انه يتصدق بالربح مثل قول ابي حنيفة وقالت طائفة الربح على كل حال لرب المال وروي ذلك عن ابي حنيفة وقالت طائفة الربح على كل حال لرب المال وروي ذلك عن عبد الله بن عمر حدثني خلف بن قاسم قال حدثني يعقوب المارودي قال حدثني يوسف بن يعقوب القاضي قال حدثني ابو الربيع الزهراني قال حدثني هشيم عن داود بن ابي هند عن رباح بن عبيدة عن بن عمر انه سئل عن رجل استبضع بضاعة فخالف فيها فقال بن عمر هو ضامن فان ربح فالربح لرب المال قال ابو عمر لم يجعل بن عمر رضي الله عنه العمل معنى يوجب به استحقاق ربح ولا غيره وقد روي عن عمر رضي الله عنه ما يدل على ان الربح له بالضمان رواه مالك عن زيد بن اسلم عن ابيه ان عبد الله وعبيد الله ابني عمر قفلا من غزوة فمرا بابي موسى فاسلفهما من بيت المال فاشتريا به متاعا فحملاه إلى المدينة فربحا فيه قال عمر اديا المال وربحه فقال عبيد الله ما ينبغي لك هذا لو هلك المال ونقص ضمناه وسكت عبد الله فاعاد القول عمر عليهما فراجعه عبيد الله فقال له رجل لو جعلته قراضا يا امير المؤمنين قال فاخذ عمر راس المال ونصف الربح

فلم ينكر عمر على ابنه عبيد الله قوله لو هلك المال او نقص ضمناه يعني فلذلك طاب لنا ربحه ودل على ما ذهب إليه مالك ومن قال بقوله ويحتمل بان يكون فعل ذلك عقوبة لهما لانفرادهما دون سائر المسلمين لمال من بيت المال فشاطرهما في ذلك كما فعل بعماله اذ شاطرهم اموالهم والله المستعان باب القضاء فيمن ارتد عن الاسلام مالك عن زيد بن اسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من غير دينه فاضربوا عنقه هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطا عن مالك مرسلا وقد روي فيه عن مالك اسناد منكر عن نافع عن بن عمر لا يصح به والصحيح فيه حديث بن عباس رواه حماد بن زيد وبن علية عن ايوب عن عكرمة عن بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من بدل دينه فاقتلوه وظاهر هذا الحديث يوجب على كل حال من غير دين الاسلام او بدله فليقتل ويضرب عنقه الا ان الصحابة قالوا انه يستتاب فان تاب والا قتل فكان الحديث عندهم خرج على من بدل دينه وتمادى على ذلك ولم يصرف عنه كما خرج ايضا على دين الاسلام دون غيره قال مالك ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله اعلم من غير دينه فاضربوا عنقه انه من خرج من الاسلام إلى غيره مثل الزنادقة واشباههم فان اولئك اذا ظهر عليهم قتلوا ولم يستتابوا لانه لا تعرف توبتهم وانهم كانوا يسرون الكفر ويعلنون الاسلام فلا ارى ان يستتاب هؤلاء ولا يقبل منهم قولهم واما من خرج من الاسلام إلى غيره واظهر ذلك فانه يستتاب فان تاب والا قتل وذلك

لو ان قوما كانوا على ذلك رايت ان يدعوا إلى الاسلام ويستتابوا فان تابوا قبل ذلك منهم وان لم يتوبوا قتلوا ولم يعن بذلك فيما نرى والله اعلم من خرج من اليهودية إلى النصرانية ولا من النصرانية إلى اليهودية ولا من يغير دينه من اهل الاديان كلها الا الاسلام فمن خرج من الاسلام إلى غيره واظهر ذلك فذلك الذي عني به والله اعلم قال ابو عمر على هذا جماعة العلماء فيمن خرج من دين اليهودية إلى النصرانية او من النصرانية إلى اليهودية او المجوسية انه لا يقتل ان كان ذميا وله ذمته لان النصرانية واليهودية والمجوسية اديان قد جاء القران والسنة بان يقر اهلها ذمة اذا بذلوا الجزية واعطوها للمسلمين على ذلك لا خلاف بين العلماء فيما وصفنا الا ان الشافعي قال اذا كان المبدل لدينه من اهل الذمة كان للامام ان يخرجه من بلده ويلحقه بارض الحرب وجاز له استحلال ماله مع اموال الحربيين ان غلب على الدار لانه انما جعل له الذمة على الدين الذي كان عليه في حين عقد العهد له هكذا حكاه المزني وغيره من اصحابه عنه وهو المعروف من مذهبه وحكى عنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ان الذمي اذا خرج من دين إلى دين كان للامام قتله بظاهر الحديث من بدل دينه فاقتلوه والمشهور عن الشافعي ما قدمنا ذكره من رواية المزني والربيع عنه قال ابو عمر ووجه رواية محمد عنه ان الذمي قبل ان تعقد له الذمة حلال الدم ثم صارت له الذمة بما عقد له الامام من العهد على ان يقره على ذلك الدين اذا بذل الجزية فلما خرج عن الدين الذي عقدت له الذمة عليه عاد حكمه إلى حكم الحربي فجاز قتله وهذا وجه محتمل والله اعلم واختلف الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم في استتابة المرتد فقال بعضهم يستتاب مرة واحدة في وقت واحد ساعة واحدة فان تاب وانصرف إلى الاسلام والا قتل وقال اخرون يستتاب شهرا وقال اخرون يستتاب ثلاثة ايام على ما روي عن عمر وعثمان وعلي وبن مسعود رحمه الله عليهم ولم يستتب بن مسعود بن النواحة وحده لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ جاءه من عند

مسيلمة لولا انك رسول لقتلتك فقال له بن مسعود إذ اظهرت الردة انت اليوم لست برسول فقتله واستتاب غيره وروى مالك في هذا الباب من الموطا عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ عن ابيه انه قال قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل ابي موسى الاشعري فساله عن الناس فاخبره ثم قال له عمر هل كان فيكم من مغربة خبر فقال نعم رجل كفر بعد اسلامه قال فما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه فقال عمر افلا حبستموه ثلاثا واطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع امر الله ثم قال عمر اللهم اني لم احضر ولم ارض إذ بلغني وحدثني خلف بن قاسم قال حدثني بن ابي العقيب قال حدثني ابو زرعة قال حدثني احمد بن خالد قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ عن ابيه قال قدم وفد اهل البصرة على عمر فاخبروه بفتح تستر فحمد الله ثم قال هل حدث فيكم حدث فقالوا لا والله يا امير المؤمنين الا رجل ارتد عن دينه فقتلناه قال ويلكم اعجزتم ان تطينوا عليه بيتا ثلاثا ثم تلقوا إليه كل يوم رغيفا فان تاب قبلتم منه وان اقام كنتم قد اعذرتم إليه اللهم اني لم اشهد ولم امر ولم ارض اذ بلغني ورواه بن عيينة فقال فيه عن محمد بن عبد الرحمن عن ابيه وقول مالك وبن إسحاق الصواب ان شاء الله تعالى وروى داود بن ابي هند عن الشعبي عن انس بن مالك ان نفرا من بكر بن وائل ارتدوا عن الاسلام يوم تستر فلحقوا بالمشركين فلما فتحت قتلوا في القتال قال فاتيت عمر بفتحها فقال ما فعل النفر من بكر بن وائل فعرضت عن حديثه لاشغله عن ذكرهم فقال لا ما فعل النفر من بكر بن وائل فقلت قتلوا قال لان اكون كنت اخذتهم سلما احب الي مما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء قلت وهل كان سبيلهم الا القتل ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين قال كنت اعرض عليهم ان يدخلوا في الباب الذي خرجوا منه فان قبلوا قبلت منهم والا استودعتهم السجن

قال ابو عمر يعني استودعتهم السجن حتى يتوبوا فان لم يتوبوا قتلوا هذا لا يجوز غيره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاضربوا عنقه وروى عبادة عن العلاء أبي محمد ان عليا رضي الله عنه اخذ رجلا من بكر بن وائل تنصر بعد الاسلام فعرض عليه الاسلام شهرا فابى فامر بقتله وذكر ابو بكر قال حدثني حفص بن غياث عن اشعث عن الشعبي قال قال علي يستتاب المرتد ثلاثا فان عاد قتل وروى ابو معاوية عن الاعمش عن ابي عمرو الشيباني ان عليا اتى بالمستورد العجلي وقد ارتد عن الاسلام فاستتابه فابى ان يتوب فقتله وقد ذكرنا في التمهيد من هذه الاثار كثيرا ولا اعلم بين الصحابة خلافا في استتابة المرتد فكانهم فهموا من قول النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه أي بعد ان يستتاب والله اعلم الا حديث معاذ مع ابي موسى فان ظاهره القتل دون استتابة وقد قيل ان ذلك المرتد قد كان استتيب رواه يحيى القطان وغيره عن قرة بن خالد عن حميد بن هلال عن ابي بردة عن ابي موسى الاشعري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على اليمن ثم اتبعه معاذ بن جبل فوجد عنده رجلا مقيدا بالحديد فقال ما شأن هذا فقال كان يهوديا فاسلم وارتد وراجع دينه دين السوء فقال معاذ لا انزل حتى يقتل قضاء الله ورسوله وروي هذا الحديث من وجوه عن ابي موسى الا ان بعضهم قال فيه قد كان استتيب قبل ذلك اياما ذكر ابو بكر قال حدثني عباد بن العوام عن سعيد عن قتادة عن حميد بن هلال ان معاذا لما اتى ابا موسى وعنده رجل يهودي فقال ما هذا قال يهودي اسلم ثم ارتد وقد استتابه ابو موسى شهرين فقال معاذ لا اجلس حتى اضرب عنقه

واحتج من لم ير الاستتابة بحديث معاذ هذا واحتجوا ايضا بان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر يوم فتح مكة بقتل قوم ارتدوا عن الاسلام منهم عبد الله بن خطل وعبد الله بن سعد بن ابي سرح العامري مع ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه وذكر سحنون ان عبد العزيز بن ابي سلمة كان يقول يقتل المرتد ولا يستتاب ويحتج بحديث معاذ مع ابي موسى وقال الليث بن سعد وطائفة معه لا يستتاب من ولد في الاسلام ثم ارتد اذا شهد عليه ولكنه يقتل تاب من ذلك او لم يتب اذا قامت البينة العادلة واختلفوا عن الحسن البصري فروي عنه انه قال يقتل دون استتابه وروي عنه انه قال يستتاب مئة مرة قال ابو عمر من راى قتله بالاستتابة جعله حدا من الحدود ولم يقبل فيه توبته وقال توبته بينه وبين الله في اخرته وراى ان حده اذا بدل دينه القتل وروى بن القاسم وغيره عن مالك قال يعرض على المرتد الاسلام ثلاثا فان اسلم والا قتل قال وان ارتد سواء قتل ولم يستتب كما تقتل الزنادقة قال وانما يستتاب من اظهر دينه الذي ارتد إليه قال مالك يقتل الزنادقة ولا يستتابون قال والقدرية يستتابون يقال لهم اتركوا ما انتم عليه فان تابوا والا قتلوا وقال بن وهب عن مالك ليس في استتابة المرتد امر من جماعة الناس وقال الشافعي يستتاب المرتد ظاهرا والزنديق جميعا فمن لم يتب منهما قتل وفي الاستتابة ثلاثا قولان احدهما حديث عمر والاخر انه لا يؤخر لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يامر فيه باناة وهذا ظاهر الخبر قال الشافعي ولو شهد عليه شاهدان بالردة قتل فان اقر بان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويبرا من كل دين خالف الاسلام لم يكشف عن غيره والمشهور من مذهب ابي حنيفة واصحابه ان المرتد لا يقتل حتى يستتاب وهو قول بن علية قالوا ومن قتله قبل ان يستتاب فقد اساء ولا ضمان عليه

وروى محمد بن الحسن في السير عن ابي يوسف عن ابي حنيفة ان المرتد يعرض عليه الاسلام فان اسلم والا قتل مكانه الا ان يطلب ان يؤجل فان طلب ذلك اجل ثلاثة ايام والزنديق عندهم مثل المرتد سواء الا ان ابا يوسف لما راى ما يصنع الزنادقة وانهم يرجعون بعد الاستتابة قال ارى ان اتيت بزنديق ان اضرب عنقه ولا استتيبه فان تاب قبل ان اقتله لم اقتله وخليته قال ابو عمر روي عن علي رضي الله عنه انه قال المرتد يستتاب فان تاب قبل منه ثم ان ارتد يستتاب فان تاب قبل منه ثم ان ارتد يستتاب فان تاب قبل منه فان ارتد بعد الثلاث قتل ولم يستتب وقالت به طائفة من العلماء ونزع بعضهم بقول الله عز وجل ان الذين امنوا ثم كفروا ثم امنوا ثم كفروا الاية النساء قال ابو عمر راى مالك وحده من بين سائر الفقهاء استتابة اهل القدر وسائر اهل الاهواء وسنذكر ذلك في موضعه من كتاب الجامع ان شاء الله عز وجل وقد مضى في كتاب الفرائض ميراث المرتد واختلاف العلماء فيه واما حكم فراقة لنسائه وسراريه وامائه وسائر ماله وحكم اولاده الصغار وهل يجب عليه قضاء صلاة وحج وزكاة اذا تاب فليس هذا الباب بموضع ذكر ذلك باب القضاء فيمن وجد مع امراته رجلا مالك عن سهيل بن ابي صالح السمان عن ابيه عن ابي هريرة ان سعد بن عبادة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرايت ان وجدت مع امراتي رجلا اامهله حتى اتي باربعة شهداء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم زعم ابو بكر البزار ان مالكا رحمه الله انفرد بهذا الحديث وليس كما زعم لانه قد رواه سليمان بن بلال والدراوردي كما رواه مالك عن سهيل عن ابيه عن ابي هريرة وفيه الفاظ زائدة قد ذكرتها في التمهيد

واظن البزار لما راى حماد بن سلمة قد ارسله ظن ان مالكا وحده ارسله فغلط في ظنه وفي هذا الحديث من الفقه النهي عن اقامة حد بغير سلطان وبغير شهود وقطع الذريعة إلى سفك دم مسلم بدعوى يدعيها عليه من يريد ان يبيح دمه ولا يعلم ذلك الا بقوله والله عز وجل قد عظم دم المسلم وعظم الاثم فيه فلا يحل الا بما اباحه الله وذلك إلى السلطان دون غيره ليمتثل فيه ما امره الله به في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقد اردف مالك هذا الحديث بقول علي رضي الله عنه فانه قد اوضح الحكم فيه مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ان رجلا من اهل الشام يقال له بن خيبرين وجد مع امراته رجلا فقتله او قتلهما معا فاشكل على معاوية بن ابي سفيان القضاء فيه فكتب إلى ابي موسى الاشعري يسأل له علي بن ابي طالب عن ذلك فسال ابو موسى عن ذلك علي بن ابي طالب فقال له علي ان هذا الشيء ما هو بارضي عزمت عليك لتخبرني فقال له ابو موسى كتب الي معاوية بن ابي سفيان ان أسالك عن ذلك فقال علي انا ابو حسن ان لم يات باربعة شهداء فليعط برمته رواه بن جريج ومعمر والثوري عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب مثله قال ابو عمر معناه عنده فليسلمه برمته إلى اولياء القتيل يقتلونه وقيل يسلم اليهم بحبل في عنقه للقصاص ان لم يقم اربعة شهدوا عليه بالزنى الموجب للرجم وقد روي عن عمر في ذلك شيء لا يصح عنه قد ذكرته في التمهيد واوضحته وعلى قول علي رضي الله عنه جماعة فقهاء الامصار واهل الراي والاثار والحمد لله كثيرا

ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال سال رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل يجد مع امراته رجلا ايقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا الا بالبينة ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني عبدة بن عاصم عن الحسن قال الحدود إلى السلطان وذكر عن بن محيريز وعطاء الخرساني وعمر بن عبد العزيز مثله وهو ما لا خلاف فيه واما خبر الشعبي في الذي اشرف على زوجة اخيه وهو غائب ومعها على فراشها رجل يتغنى واشعث غره الاسلام منا خلوت بعرسه ليل التمام يبيت على حسائها ويمسي على وهماء لاحقة الحزام كان مواضع الربلات منها نعام قد جمعن إلى نعام هكذا ذكره وكيع عن ابي عاصم عن الشعبي وذكره عبد الرزاق عن بن جريج فذكر فيه لهوت بعرسه وقال في البيت الثاني ابيت على ترائبها ويطوي على حمراء مائلة الحزام كان مجامع الربلات منها قيام يرجعون إلى قيام وهذان الخبران منقطعان وليس في شيء منهما شهادة قاطعة بمعاينة قتل ولا اقرار به ولا حجة فيه الا في ايجاب العقوبة الموجعة على من اقر بمثل ذلك وجحد الجماع وبالله التوفيق لا شريك له باب القضاء في المنبوذ مالك عن بن شهاب عن سنين ابي جميلة رجل من بني سليم انه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب قال فجئت به إلى عمر بن الخطاب فقال ما حملك على اخذ هذه النسمة فقال وجدتها ضائعة فاخذتها فقال له عريفه يا امير المؤمنين انه رجل صالح فقال له عمر اكذلك قال نعم فقال عمر بن الخطاب اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته

قال يحيى سمعت مالكا يقول الامر عندنا في المنبوذ انه حر وان ولاءه للمسلمين هم يرنونه ويعقلون عنه قال ابو عمر انما انكر عمر على سنين ابي جميلة اخذ المنبوذ لانه ظن والله اعلم انه يريد ان يفرض له وكان عمر يفرض للمنبوذ فظن انه اخذه ليلي امره وياخذ ما يفرض له فيصلح فيه ما شاء فلما قال له عريفة انه رجل صالح ترك ظنه واخبره بالحكم عنده فيه بانه حر ولا ولاء لاحد عليه لان الاحرار لا ولاء عليهم وقوله وعلينا نفقته يعني ان رضاعه ونفقته في بيت المال وانما جعله حرا والله اعلم لان لا يقول احد في عبد له يولد عنده فيطرحه ثم ياخذه ويقول وجدته منبوذا ليفرض له ما اختلف الفقهاء واختلف الفقهاء في المنبوذ تشهد البينة انه عبد فقالت طائفة من اهل المدينة لا يقبل قولها في ذلك والى هذا ذهب اشهب لقول عمر هو حر ومن قضى بحديثه لم يقبل البينة في انه عبد وقال بن القاسم تقبل البينة في ذلك وهو قول الشافعي والكوفيين واختلفوا في اقراره اذا بلغ فاقر بانه عبد وقال مالك لا يقبل اقراره انه عبد لانه ليس له ان يرق نفسه ولم يختلف في ذلك اصحاب مالك وقال ابو حنيفة والشافعي واصحابهم يقبل اقراره بانه عبد اذا كان بالغا قالوا واقراره بالرق اقوى من شهادة الشهود قالوا وما يقبل فيه البينة يقبل فيه اقراره واختلفوا في اللقيط في قرية فيها يهود ونصارى ومسلمون وقال بن القاسم يجعل على دين اكثرهم عددا وان وجد عليه زي اليهود فهو يهودي وان وجد عليه زي النصارى فهو نصراني والا فهو مسلم الا ان يكون اكثر اهل القرية على غير الاسلام وقال اشهب هو مسلم ابدا لاني اجعله مسلما على كل حال كما اجعله حرا على كل حال واختلفوا في قبول دعوى من ادعاه ابنا له

فقال اشهب تقبل دعواه الا ان يبين كذبه وقال بن القاسم لا تقبل دعواه الا ان يبين صدقه واما اختلاف اهل العلم في ولاء اللقيط فذهب مالك والشافعي وجماعة من اهل الحجاز ان اللقيط حر لا ولاء لاحد عليه وتاولوا في قول عمر لك ولاؤه أي لك ان تليه وتقبض عطاءه وتكون اولى الناس بامره حتى يبلغ رشده ويحسن النظر لنفسه فان مات كان ميراثه لجماعة المسلمين وعقله عليهم واحتج الشافعي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم انما الولاء لمن اعتق قال جمع بينهما الولاء عن غير المعتق واتفق مالك والشافعي واصحابهما على ان اللقيط لا يوالي احدا ولا يرثه احد بالولاء وهو قول الحسن البصري ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني عبد الاعلى عن هشام عن الحسن قال جريرته في بيت المال وعقله لهم وميراثه عليهم وقال أبو حنيفة واصحابه واكثر الكوفيين اللقيط يوالي من شاء فمن والاه فهو يرثه ويعقل عنه وعند ابي حنيفة له ان ينتقل بولائه حيث شاء ما لم يعقل عنه الذي والاه فان عقل عنه جناية لم يكن له ان ينتقل عنه بولائه ابدا

قال ابو عمر ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن ابيه قال قال علي رضي الله عنه المنبوذ حر فان احب ان يوالي الذي التقطه والاه وان احب ان يوالي غيره والاه وذكر ابو بكر قال حدثني عمر بن هارون عن بن جريج عن عطاء قال الساقط يوالي من شاء وهو قول بن شهاب وطائفة من اهل المدينة وقال حدثني حماد بن خالد عن بن ابي ذئب عن الزهري ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه اعطى ميراث المنبوذ للذي كفله قال ابو بكر وحدثني عبد السلام بن حرب عن مغيرة عن ابراهيم قال ميراث اللقيط بمنزلة اللقطة قال واخبرني عبد الاعلى عن معمر عن الزهري قال اذا والى رجل رجلا فله ميراثه وعليه عقله قال ابو عمر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث واثلة بن الاسقع انه قال ترث المراة عتيقها ولقيطها وابنها الذي لاعنت عليه وهو حديث ليس بالقوي انفرد به عمر بن روبة وهو شامي ضعيف وقد روى سفيان بن عيينة حديث مالك هذا المذكور في هذا الباب عن الزهري عن سنين ابي جميلة بالفاظ اتم من الفاظ حد يث مالك حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن عمر قال حدثني سفيان عن الزهري قال سمعت سنينا ابا جميلة يحدث سعيد بن المسيب قال وجدت منبوذا على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكره عريفي لعمر فارسل الي فجئت والعريف عنده فلما راني مقبلا قال عسى الغوير ابوسا كانه اتهمه فقال له عريفي يا امير المؤمنين انه غير متهم به فقال عمر علام أخذت هذه التسمية قلت وجدت نفسا بمضيعة فاحببت ان ياخذني الله عليها فقال عمر هو حر ولك ولاؤه وعلينا رضاعة

قال ابو عمر ذكر ابو عبيد القاسم بن سلام هذا الخبر في كتاب غريب الحديث لقول عمر رضي الله عنه فيه عسى الغوير ابوسا وذكر انه مثل تتمثل به العرب اذا خافت شرا او توقعته وظنته هذا معنى كلامه وذكر في اصل المثل عن الاصمعي وعن بن الكلبي خبرين مختلفين احدهما عن بن الكلبي ان اول من تكلم بهذا المثل الزباء اذ بعثت قصيرا اللخمي وكان يطلبها بدم جذيمة الابرش فكادها وخبا لها الرجال في صناديق او غرائر فلما احست بذلك قالت عسى الغوير ابوسا قال والغوير ماء لكلب موضع معروف في جهة السماوة وذكر عن الاصمعي انه غار اصيب فيه قوم قد انهار عليهم وقتلوا فيه والغوير تصغير غار والابؤس جمع الباس فصار هذا الكلام مثلا لكل شيء يخاف بان ياتي منه شر قال ابو عبيد وقول بن الكلبي عندي اشبه بالصواب قال ابو عمر تلخيص ما نزع به عمر رضي الله عنه في قوله عسى الغوير انه لما راى ابا جميلة مقبلا بالمولود المنبوذ قال ذلك المثل السائر يريد الا ياتي ملتقط المنبوذ بخير خوفا منه معنى ما تقدم ذكري له حتى اخبره عريفه انه رجل صالح لا ياتي الا بالحق فقضى فيه بما قضى وقد اوردنا في ذلك ما جاء فيه عن العلماء والحمد لله كثيرا باب القضاء بالحاق الولد بابيه مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم انها قالت كان عتبة بن ابي وقاص عهد إلى اخيه سعد بن ابي وقاص ان بن وليدة زمعة مني فاقبضه اليك قالت فلما كان عام الفتح اخذه سعد وقال بن اخي قد كان عهد الي فيه فقام إليه عبد بن زمعة فقال اخي وبن وليدة ابي ولد على فراشه

فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد يا رسول الله بن اخي قد كان عهد الي فيه وقال عبد بن زمعة اخي وبن وليدة ابي ولد على فراشه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لك يا عبد بن زمعة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة احتجبي منه لما راى من شبهه بعتبة بن ابي وقاص قالت فما راها حتى لقي الله عز وجل قال ابو عمر لم يختلف على مالك ولا على بن شهاب في هذا الحديث الا ان بعض اصحاب بن شهاب يرويه مختصرا لا يذكر فيه الا قوله عليه السلام الولد للفراش وللعاهر الحجر بهذا الاسناد عن عروة عن عائشة وعند بن شهاب ايضا عن سعيد بن المسيب وابي سلمة بن عبد الرحمن عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله الولد للفراش وللعاهر الحجر دون قصة عبد بن زمعة وسعد وكذلك رواه محمد بن زياد عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي ذلك ايضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ذلك كله في التمهيد وهو اثبت ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من اخبار الاحاد العدول واصحها قوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وهو ما تلقته الامة بالقبول ولم يختلفوا الا في شيء من معناه نذكره في اخر هذا الباب ان شاء الله عز وجل واما قصة عبد بن زمعة وسعد بن ابي وقاس فقد اشكل معناها على اكثر الفقهاء وتاولوا فيها تاويلات فخرج جوابها عن الاصول المجتمع عليها فمن ذلك ان الامة مجتمعة على ان احدا لا يدعي عن احد دعوى الا بتوكيل من المدعي ولم يذكر في هذا الحديث توكيل عتبة لاخيه سعد على ما ادعاه عنه باكثر من دعوى سعد لذلك وهو غير مقبول عند الجميع واما دعوى عتبة للولد من الزنى فانما ذكره سعد لانه كان في علمهم في الجاهلية وحكمهم دعوى الولد من الزنى فتكلم سعد بذلك لانهم كانوا على جاهليتهم حتى يؤمروا او ينهوا ويبين لهم حكم الله فيما تنازعوا فيه وفيما يراد منه التعبد به فكانت دعوى سعد سبب البيان من الله عز وجل على لسان رسوله

صلى الله عليه وسلم في ان العاهر لا يلحق به في الاسلام ولد يدعيه من الزنى وان الولد للفراش على كل حال والفراش النكاح او ملك اليمين لا غير فان لم يكن فراش وادعى احد ولدا من زنا فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يليط اولاد الجاهلية بمن استلاطهم ويلحقهم بمن استلحقهم اذا لم يكن هناك فراش لان اكثر اهل الجاهلية كانوا كذلك واما اليوم في الاسلام بعد ان احكم الله شريعته واكمل دينه فلا يلحق ولد من زنا بمدعيه ابدا عند احد من العلماء كان هناك فراش أولم يكن حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال لما فتحت مكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قام رجل فقال ان فلانا ابني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا دعوة في الاسلام ذهب امر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الاثلب قالوا وما الاثلب قال الحجر قال ابو عمر اجمع العلماء لا خلاف بينهم فيما علمته انه لا يلحق باحد ولد يستلحقه الا من نكاح او ملك يمين فاذا كان نكاح او ملك فالولد لاحق بصاحب الفراش على كل حال والفراش في الحرة عقد النكاح عليها مع امكان الوطء عند الاكثر والفراش في الامة عند الحجازيين اقرار سيدها بانه كان يلم بها وعند الكوفيين اقراره بالولد وسنبين ذلك في موضعه ان شاء الله عز وجل فلا ينتفى ولد الحرة اذا جاءت به لستة اشهر من يوم عقد النكاح الا بلعان وحكم اللعان في ذلك ما قد ذكرناه والحمد لله كثيرا وهذه الجملة كلها من حكم الله ورسوله مما نقلته الكافة ولم يختلفوا فيه الا فيما وصفت ومن ذلك ايضا مما هو خلاف الاصول المجتمع عليها ادعاء عبد بن زمعة على ابيه ولدا بقوله اخي وبن وليدة ابي ولد على فراشه ولم يات ببينة تشهد على ابيه باقراره بذلك وفي الاصول المجتمع عليها انه لا تقبل دعواه على

ابيه ولا دعوى احد على غيره قال الله عز وجل ولا تكسب كل نفس الا عليها الانعام واما قوله صلى الله عليه وسلم يا عبد بن زمعة فقد اختلف العلماء في معناه على ما نورده بعون الله تعالى فقالت طائفة منهم انما قال له هو لك أي هو اخوك كما ادعيت قضى في ذلك بعلمه لان زمعة بن قيس كان صهره وسودة بنت زمعة كانت زوجته صلى الله عليه وسلم فيمكن ان يكون علم ان تلك الامة كان يمسها زمعة سيدها فصارت فراشا له بذلك فالحق ولدها به لما قد علمه من فراش زمعة الا انه قضى به لاستلحاق عبد بن زمعة له وقد مضى ما للعلماء في قضاء القاضي بعلمه في صدر هذا الكتاب ومن قال بهذا لم يجز عنده ان يستلحق الاخ بحال من الاحوال وكان مالك يقول لا يستلحق احد غير الاب ولا يقضي القاضي بعلمه والكوفيون يقولون يقضي القاضي بعلمه على اختلافهم فيما علمه قبل ولاية القضاء وبعد ذلك وكلهم يقول لا يستلحق الاخ بحال وهو احد قولي الشافعي واليه ذهب المزني والبويطي وهو قول جمهور الفقهاء ان الاخ لا يستلحق وحده كان او مع اخ يخالفه وللشافعي قول اخر انه يقبل اقرار الوارث على الموروث بالنسب كما يقبل اقراره عليه بالدين اذا لم يكن له وارث غير المقر وهو قول ابراهيم النخعي وروى الربيع عنه في كتاب البويطي قال لا يجوز اقرار الاخ باخيه اذا كان ثم من يدفعه من الورثة ولا يلحق نسبه وان لم يكن ثم من يدفعه لحق نسبه واحتج بحديث عبد بن زمعة قال الربيع قال ابو يعقوب البويطي لا يجوز ذلك عندي كان من يدفعه ثم او لم يكن لانه انما يجوز اقرار الانسان على نفسه وهذا يقر على غيره وانما الحق النبي عليه السلام بن وليدة زمعة بابيه لمعرفته بفراشه والله اعلم قال ابو عمر المشهور من مذهب الشافعي ان الاخ لا يستلحق ولا يثبت بقوله نسب ولا يلزم المقر باخ ان يعطيه شيئا من الميراث من جهة القضاء لانه اقر له بما لم يثبت له اصله

وسنذكر اصل هذه المسالة في الباب بعد هذا ان شاء الله عز وجل وقد قال الشافعي في غير موضع من كتابه لو قبل استلحاق غير الاب كان فيه حقوق على الاب بغير اقراره ولا ببينة تشهد عليه وقال محمد بن جرير الطبري معنى قوله صلى الله عليه وسلم هو لك يا عبد بن زمعة أي هو عبد ملكا لانه بن وليدة ابيك وكل امة تلد من غير سيدها فولدها عبد يريد انه لما لم ينقل في الحديث اعتراف سيدها بوطئها ولا شهد بذلك عليه وكانت الاصول تدفع قبول ابنه عليه لم يبق الا القضاء بانه عبد تبع لامه وامر سودة بالاحتجاب منه لانها لم تملك منه الا شقصا وهذا ايضا من الطبري خلاف ظاهر الحديث لان فيه اخي وبن وليدة ابي ولد على فراشه فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من قوله ولكنه قول خارج محتمل على الاصول وقال الطحاوي واما قوله هو لك يا عبد بن زمعة فمعناه هو لك بيدك عليه لا انك تملكه ولكن تمنع بيدك عليه كل من سواك منه كما قال في اللقطة هي لك بيدك عليها تدفع غيرك عنها حتى يجيء صاحبها ليس على انها ملك له قال ولا يجوز ان يجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنا لزمعة ثم يامر اخته ان تحتجب منه هذا محال لا يجوز ان يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال وليس قول من قال ان ادعاء سعد في هذا الحديث كلا دعوى بشيء لان سعدا انما ادعى شيئا كان معروفا في الجاهلية من لحوق ولد الزنى بمن ادعاه قال وقد كان عمر يقضي بذلك في الاسلام اذا لم يكن فراش فادعى سعد وصية اخيه بما كان يحكم في الجاهلية به فكانت دعواه لاخيه كدعوى اخيه لنفسه غير ان عبد بن زمعة قابلة بدعوى توجب عتقا للمدعي على المدع عليه لان مدعيه كان يملك بعضه حين ادعى فيه ما ادعى ويعتق عليه ما كان يملك منه فكان ذلك هو الذي ابطل دعوى سعد ولما كان لعبد بن زمعة شريك فيما ادعاه وهي اخته سودة ولم يعلم منها في ذلك التصديق لمقالته الزم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد بن زمعة ما اقر به في نفسه ولم يجعل ذلك حجة على اخته اذ لم تصدقه ولم تجعله اخاها وامرها بالحجاب منه قال ابو عمر قول الطحاوي حسن كله الا قوله فكانت دعوى سعد لاخيه كدعوى اخيه لنفسه هذا ليس بشيء لانه لم يظهر في ذلك ما يصدق دعواه على اخيه ولم ينقل في الحديث ما يدل عليه

وقال المزني فيحتمل تاويل هذا الحديث عندي والله اعلم ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم اجاب فيه على المسالة فاعلمهم بالحكم انه هكذا يكون اذا ادعى صاحب فراش وصاحب زنا الا انه قبل على عتبة قول اخيه سعد ولا على قول زمعة قول ابنه عبد بن زمعة ان اباه اولدها الولد لان كل واحد منهما اخبر عن غيره وقد اجمع المسلمون انه لا يقبل اقرار احد على غيره وفي ذلك عندي دليل على انه حكم خرج على المسالة ليعرفهم كيف الحكم في مثلها اذا نزل ولذلك قال لسودة احتجبي منه لانه حكم على المسالة وقد حكى الله عز وجل في كتابه العزيز مثل ذلك في قصة داود اذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض ص ولم يكونا خصمين ولا كان لكل واحد منهما تسع وتسعون نعجة ولكنهم كلموه على المسالة ليعرف بها ما ارادوا فيحتمل ان يكون النبي صلى الله عليه وسلم حكم في هذه القصة على المسالة وان لم يكن احد يؤنسني على هذا التاويل وكان عندي فهو صحيح والله اعلم قال المزني لم تصح دعوى سعد على اخيه ولا دعوى عبد بن زمعة على ابيه ولا اقرت سودة انه بن ابيها فيكون اخاها منعه من رؤيتها وامرها بالاحتجاب منه ولو ثبت انه اخوها ما امرها ان تحتجب منه لانه صلى الله عليه وسلم بعث بصلة الارحام وقد قال لعائشة في عمها من الرضاعة انه عمك فليلج عليك ويستحيل ان يامر زوجته ان لا تحتجب من عمها من الرضاعة ويامر زوجة له اخرى ان تحتجب من اخيها لابيها قال ويحتمل ان تكون سودة جهلت ما علمه اخوها عبد بن زمعة فسكتت قال المزني فلما لم يصح انه اخ لعدم البينة بذلك او الاقرار ممن يلزمه اقراره زاده بعدا في القلوب شبهه بعتبة امرها بالاحتجاب منه فكان جوابه صلى الله عليه وسلم على السؤال لا على تحقيق زنا عتبة بقول اخيه ولا بالولد انه لزمعة بقول ابيه بل قال الولد للفراش على قولك يا عبد بن زمعة لا على ما قال سعد ثم اخبرنا بالذي يكون اذا ثبت مثل هذا

قال ابو عمر قول المزني هذا اصح في النظر واثبت في حكم الاصول من قول سائر اصحاب الشافعي القائلين انه يجوز للرجل ان يمنع امراته من رؤية اخيها وذهبوا إلى انه اخوها على كل حال لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالولد للفراش والحق بن امة زمعة بفراش زمعة قالوا وما حكم به فهو الحق لا شك فيه وكذلك قوله احتجبي منه حكم اخر يجوز به ان يمنع الرجل زوجته من رؤية اخيها وقال الكوفيون في قوله احتجبي منه يا سودة دليل على انه جعل للزنا حكما فحرم به رؤية ذلك المستلحق لاخته سودة وقال لها احتجبي منه لما راى من شبهه بعتبة فمنعها من اخيها في الحكم لانه ليس باخيها في غير الحكم لانه من زنا في الباطن اذ كان شبيها بعتبة فجعلوه كانه اجنبي لا يراها بحكم الزنى وجعلوه اخاها بالفراش وزعموا ان ما حرمه الحلال فالزنى اشد تحريما له قال ابو عمر قول من قال جعله اخاها في الحكم ولم يجعله اخاها في غير الحكم قول فاسد لا يعقل وتخليط لا يصح ولا يعقل ولا يفهم ولا يصح عنده ادنى تامل لان المراد المبتغى هو حكم الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فيما حكم به فهو الحق وخلافه باطل ولا يجوز ان يضاف إليه انه حكم بشيء وضده في امر واحد فيجعله اخاها من وجه وغير اخيها من وجه هذا لا يعقل ولا تحل اضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكيف يحكم لشبهه عتبة بحكم باطل وسنته في الملاعنة انها جاءت بالولد على النعت الذي رميت به ولم يلتفت إلى ذلك وامضى حكم الله فيه وقد حكى المزني عن الشافعي ان روية بن زمعة لسودة مباح في الحكم ولكنه كرهه للشبهة وامرها بالتنزه عنه اختيارا وهذا ايضا وجه محتمل وما قدمناه اصح لان سودة لم تعرفه ولم تقل انه اخوها ولم يلزمها اقرار اخيها وقد مضى في ذلك ما فيه كفاية وبيان والحمد لله كثيرا حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن ابي عمر قال حدثنا سفيان عن يعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من زنا بامراة حرة او بامة قوم فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث الولد للفراش وللعاهر الحجر

قال سفيان قال بن ابي نجيح قال اول حكم بدل في الاسلام استلحاق معاوية زيادا وروى شعبة عن سعد بن ابراهيم عن سعيد بن المسيب قال اول قضاء علمته من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رد دعوة زياد قال ابو عمر يعني والله اعلم قوله الولد للفراش وللعاهر الحجر وفي قوله صلى الله عليه وسلم ايجاب الرجم على الزاني اذا كان محصنا دون البكر وهذا اجماع من المسلمين ان البكر لا رجم عليه في ذلك وقد قيل ان قوله عليه السلام الولد للفراش وللعاهر الحجر أي ان الزاني لا شيء له في الولد اذا ادعاه على حال من الاحوال كقولهم بفيك الحجر أي لا شيء لك مما قلت والله اعلم مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن ابي امية ان امراة هلك عنها زوجها فاعتدت اربعة اشهر وعشرا ثم تزوجت حين حلت فمكثت عند زوجها اربعة اشهر ونصف شهر ثم ولدت ولدا تاما فجاء زوجها إلى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فدعا عمر نسوة من نساء الجاهلية قدماء فسالهن عن ذلك فقالت امراة منهن انا اخبرك عن هذه المراة هلك عنها زوجها حين حملت منه فاهريقت عليه الدماء فحش ولدها في بطنها فلما اصابها زوجها الذي نكحها واصاب الولد الماء تحرك الولد في بطنها وكبر فصدقها عمر بن الخطاب وفرق بينهما وقال عمر اما انه لم يبلغني عنكما الا خير والحق الولد بالاول قال ابو عمر اختلف العلماء في الاربعة الاشهر والعشر ليال التي جعلها الله تعالى ميقاتا لعدة المتوفى عنها زوجها هل تحتاج فيها إلى حيضة ام لا

فقال بعضهم لا تبرا اذا كانت ممن توطا الا بحيضة تاتي بها في الاربعة الاشهر والعشر والا فهي مسترابة وقال اخرون ليس عليها اكثر من اربعة اشهر وعشر الا ان تستريب نفسها ريبة بينة لان هذه المدة لا بد فيها من الحيض في الاغلب من امر النساء الا ان تكون المراة ممن لا تحيض او ممن عرفت من نفسها او عرف منها ان حيضتها لا تاتيها الا في اكثر من هذه المدة وقد ذكرنا حكم المسترابة وما للعلماء فيها من المذاهب في كتاب الطلاق والحمد لله كثيرا وقد اجمع علماء المسلمين بان الولد لا يلحق الا في تمام ستة اشهر من يوم النكاح فما زاد إلى اقصى مدة الحمل على اختلافهم فيها فمالك يجعله خمس سنين ومن اصحابه من يجعله إلى سبع سنين والشافعي مدته عنده الغاية فيها اربعة سنين والكوفيون يقولون سنتان لا غير ومحمد بن عبد الحكم يقول سنة لا اكثر وداود يقول تسعة اشهر لا يكون عنده حمل اكثر منها وهذه مسالة لا اصل لها الا الاجتهاد والرد إلى ما عرف من امر النساء وبالله التوفيق واذا اتت المراة بولد لاقل من ستة اشهر كاملة لم يلحق باجماع من العلماء واختلفوا في المراة يطلقها زوجها في حين العقد عليها بحضرة الحاكم او الشهود فتاتي بولد لستة اشهر فصاعدا من ذلك الوقت عقيب العقد فقال مالك والشافعي لا يلحق به لانها ليست بفراش له اذ لم يمكنه الوطء ولا تكون المراة فراشا بالعقد المجرد حتى ينضم إليه امكان الوطء في العصمة وهو كالصغير او الصغيرة الذي لا يمكن للواحد منهما الوطء وقال ابو حنيفة هي فراش له ويلحقه ولدها ان جاءت به لستة اشهر من يوم العقد كانه جعل الفراش ولحوق الولد به تعبدا كما لو راى رجل رجلا يطا امراته او سريته او قامت بذلك البينة وجاءت بولد لحقه دون الزاني بها اذا كان يطاها قبل او بعد

قال ابو عمر ذكر الطحاوي هذا القول عن ابي حنيفة واحتج له بقوله كما لو راى رجل رجلا يطا امراته وجاءت بولد الحق به دون الزاني اذا كان يطاها قبل او بعد وانما احتج له بذلك لانه اجماع عنده لم يعلم فيه خلافا لانه اذا اشترك الزنى والفراش في وقت واحد فالولد للفراش عند جمهور العلماء من السلف والخلف الا ان بن القاسم قال اذا قال رايتها اليوم تزني ووطاتها قبل الرؤية في اليوم او قبله ولم استبرا ولم ار بعد الرؤية لاعن ولم يلحق به ولده ان اتت به لستة اشهر او اكثر وانما يلحق به الولد اذا اتت به لاقل من ستة اشهر وهذا القول قد غلب فيه الزنى على الفراش ولم يقله احد علمته قبله وهو قول لا اصل له وقد ذكر ان مالكا قاله مرة ثم رجع عنه وقد روي عن المغيرة نحو قول بن القاسم وقال اشهب وبن عبد الحكم وبن الماجشون الولد لاحق بالزوج على كل حال اذا اقر بوطئها ولم يستبرئ وراها تزني وهذا هو الصحيح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر فنفى الولد عنه الاشتراك والامكان عن العاهر والزمه بالفراش على كل حال اذا امكن ان يكون للفراش وقد اجمعوا انه لو راها تزني ثم وطئها في يوم الزنى او بعده ان الولد لاحق به لا ينفيه بلعان ابدا وحسبك بهذا وبالله التوفيق مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار ان عمر بن الخطاب كان يليط اولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الاسلام فاتى رجلان كلاهما يدعي ولد امراة فدعا عمر بن الخطاب قائفا فنظر اليهما فقال القائف لقد اشتركا فيه فضربه عمر بن الخطاب بالدرة ثم دعا المراة فقال اخبريني خبرك فقالت كان هذا لاحد الرجلين ياتيني وهي في ابل لاهلها فلا يفارقها حتى يظن وتظن انه قد استمر بها حبل ثم انصرف عنها فاهريقت عليه دماء ثم خلف عليها هذا تعني الاخر فلا ادري من ايهما هو قال فكبر القائف فقال عمر للغلام وال ايهما شئت

قال ابو عمر روى هذا الحديث بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار بمعنى حديث مالك سواء فقال سفيان جعله عمر بينهما يرثانه ويرثهما حين اشتركا فيه وقال غيره هو للذي اتاها احرى قال سفيان وقوله وال ايهما شئت أي انتسب إلى ايهما شئت قال ابو عمر اما قوله ان عمر بن الخطاب كان يليط اولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الاسلام فقد مضى القول ان هذا منه كان خاصا في ولادة الجاهلية حيث لم يكن فراش واما في ولادة الاسلام فلا يجوز عند احد من العلماء ان يلحق ولد من زنا حدثني احمد بن عبد الله قال حدثني الميمون بن حمزة قال حدثني الطحاوي قال حدثني المزني قال حدثني الشافعي قال اخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن ابي يزيد عن ابيه قال ارسل عمر بن الخطاب إلى شيخ من بني زهرة من اهل دارنا فذهبت مع الشيخ إلى عمر وهو في الحجر فساله عن ولاد من ولاد الجاهلية قال وكانت المراة في الجاهلية اذا طلقها زوجها او مات عنها نكحت بغير عدة فقال الرجل اما النطفة فمن فلان واما الولد فهو على فراش فلان فقال عمر صدقت ولكن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن ابي عمر قال حدثني سفيان عن عبد الله بن ابي يزيد عن ابيه قال دخل عمر بن الخطاب الحجر فارسل إلى رجل من بني زهرة يساله عن ولاد من ولاد الجاهلية فخرج الي فذهبت معه فاتاه وهو في الحجر فساله وكان اهل الجاهلية اذا مات الرجل او طلق لم تعتد امراته فقال اما النطفة فمن فلان واما الفراش فلفلان فقال له عمر صدقت ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ان الولد للفراش قال ابو عمر لم يلتفت عمر إلى قول القائف مع الفراش وعلى هذا جماعة الناس واما القول بالقافة فاباه الكوفيون واكثر اهل العراق ورووا عن عمر من حديث الشعبي وابراهيم ان عمر قال لرجلين تداعيا ولد امراة هو ابنكما وهو للباقي منكما وذكره عبد الرزاق عن الثوري عن قابوس بن ابي ظبيان عن ابيه عن علي رضي الله عنه انه اتاه رجلان وقعا على امراة في طهر واحد فقال الولد بينكما وهو للباقي منكما

وعن ابي حنيفة عن حماد عن ابراهيم قال هو ابنهما يرثانه ويرثهما وعن سفيان الثوري في رجلين تنازعا ولدا يقول كل واحد منهما انه ولد على فراشه الا انه في يد احدهما قال هو للذي هو في يده اذا وضعته في ستة اشهر فان كان دون ستة اشهر فهو للاول الا ان يكون دون ستة اشهر بيوم او يومين قال هذا في الرجل يبيع الجارية من الرجل ثم يدعي ولدها ويدعي المشتري وقال سفيان الثوري في الولد يدعيه الرجلان انه يرث كل واحد منهما نصيب ذكر تام وهما جميعا يرثانه الثلث فاذا مات احدهما فهو للباقي منهما ومن نفاه احدهما لم يضرب الحد حتى ينفيه منهما جميعا فاذا صار للباقي منهما فانه يرث اخوته من الميت ولا يرثونه لانه يحجبهم ابوه الحي ويرثهم هو لانه اخوهم ويكون ميراثه الباقي وعقله عليه فاذا مات الاخر من الابوين صار عقله وميراثه للاخوة من الابوين جميعا وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد لا يقضى ببقول القافة في شيء لا في نسب ولا في غيره قالوا وان ادعى رجلان مسلمان ولدا جعل بينهما وجعلت الامة ام ولد لهما فان كانوا ثلاثة وادعوا ولدا لم يكن بينهم في قول ابي يوسف وقال محمد يكون بن الثلاثة اذا ادعوه معا كما يكون بين الاثنين ولو كانت الامة بين مسلم وذمي فجاءت بولد فادعياه جميعا فانه يجعل بن المسلم منهما عندهم ويضمن قيمة الامة لشريكه ونصف العقد وقال زفر يكون ابنهما جميعا ويكون مسلما وقد روي ذلك عن ابي حنيفة واختاره الطحاوي واما قول اهل الحجاز في القضاء بالقافة فروي عن عمر وبن عباس وانس بن مالك ولا مخالف لهم من الصحابة وهو قول عطاء بن ابي رباح وبه قال مالك واحمد والليث والاوزاعي والشافعي وابو ثور وهو قول عمر وبه قضى في محضر من الصحابة وقد زعم بعض من لا يرى القول بالقافة ان عمر انما ضرب القائف بالدرة لانه لم ير قوله شيئا يعمل به وهذا تعسف يشبه التجاهل لان قضاء عمر بالقافة اشهر واعرف من ان يحتاج إليه إلى شاهد بل انما ضربه بقولهف اشتركا فيه وكان

يظن ان ماءين لا يجتمعان في ولد واحد استدلالا بقوله تعالى انا خلقناكم من ذكر وانثى الحجرات ولم يقل من ذكرين وانثى الا ترى انه قضى بقول القائف وقال وال ايهما شئت قال احمد اذا ادعى اللقيط مسلم وكافر ارى القافة فبايهم الحقوه لحق به ولم يختلف قول مالك واصحاب اذا قالت القافة قد اشتركا فيه ان يوقف الصبي حتى يبلغ فيه فيقال له وال ايهما شئت وانه ان مات قبل البلوغ والموالاة كان ميراثه بين الابوين وان مات احد الابوين وقف ميراث الولد منه فان والاه اخذ ميراثه وان والى الحي لم يكن له من ميراث الميت شيء وان مات الصبي بعد موت احدهما قبل البلوغ فها هنا اختلفوا وقد ذكرنا اختلافهم في كتاب اختلاف اقوال مالك واصحابه واختلفوا هل يقبل قول القائف الواحد ام لا فعند مالك فيه روايتان احدهما لا يقبل الا قائفان والاخرى يقبل قول القائف الواحد وهو قول الشافعي لانه عنده كالحاكم لا كالشهود وهو الاشهر عن مالك وعليه اكثر اصحابهف وهو المروي عن عمر ومن لم يقبل من اصحاب مالك فيه الا قائفين جعلهما كالشاهدين وهو عندي احوط والله اعلم وقول الشافعي في ان الولد اذا كان صغيرا انتظر به البلوغ كقول مالك سواء فلا يكون ابنا لهما ولكن يوالي من شاء منهما على ما روى اهل المدينة عن عمر رضي الله عنه وفي دعاء عمر له القافة حين ادعاه اثنان دليل على انه لا يكون ابنا لاثنين ابدا وانما دعا له القائف ليلحقه باحدهما فلما قال اشتركا فيه قال له وال ايهما شئت وقد روي عن بعض المفسرين انه قال في قول الله عز وجل ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه الاحزاب

قال لم اجد الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم نسبا احدا الا إلى اب واحد وقال ابو ثور يكون ابنهما اذا قال القائف قد اشترك فيه يرثهما ويرثانه وروي عن عمر انه جعله ابنهما واختلف الشافعي ومالك في القضاء بالقافة في اولاد الحرائر فقال مالك واكثر اصحابه ليس للقافة في اولاد الحرائر قول وانما يقبل قولهم في الاماء وقال الشافعي الحرائر والاماء في ذلك سواء اذا امكنت الدعوى به وقال اشهب ما كانت القافة الا في الحرائر وبه نقول وقال الشافعي اذا ادعى الحر والعبد او المسلم والذمي مولودا قد وجد لقيطا فلا فرق بين واحد منهم كما لا يكون بينهم فرق فيما يملكون فراه القافة فان الحقوه بواحد منهما فهو ابنه ابدا وان الحقوه بأكثر لم يكن بن واحد منهم حتى يبلغ فينتسب إلى ايهم شاء ويكون ابنه وتنقطع عنه دعوى الاخر وهو حر في كل حالاته بأيهم الحقته القافة لان اصل الناس الحرية حتى يعلم العبودية ومن الحجة في القضاء بالقافة مع ما روي في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم حديث بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق اسارير وجهه فقال الم تسمعي ما قال مجزز المدلجي لزيد واسامة وراى اقدامهما فقال ان هذه الاقدام بعضها من بعض رواه جماعة من ثقات اصحاب بن شهاب عنه وروى معمر عن ايوب عن بن سيرين ان عمر دعا القافة فراوا شبه الولد في الرجلين وراى عمر مثل ما رأت القافة قال قد كنت اعلم ان الكلبة تلقح الاكلب فيكون كل جرو لابيه وما كنت ارى ان ماءين يجتمعان في ولد واحد ومعمر عن ايوب عن ابي قلابة في هذه القصة ان عمر قال في هذا امر لا اقضي فيه شيئا ثم قال للغلام اجعل نفسك حيث شئت ومعمر عن الزهري عن عروة بن الزبير ان رجلين ادعيا ولدا فدعا عمر بالقافة واقتدى في ذلك بنظر القافة والحقه بأحد الرجلين ومعمر عن الزهري في رجل وقع على امة في عدتها من زوجها فقال يدعى لولدها القافة فان عمر بن الخطاب ومن بعده قد اخذوا بنظر القافة في مثل هذا قال ابو عمر قد روي في هذا الحديث حديث مسند حسن اخذ جماعة من اهل الحديث به ومن اهل الظاهر

ورواه الثوري عن صالح بن يحيى عن الشعبي عن زيد بن ارقم قال كان علي رضي الله عنه باليمن فأتي بامراة وطئها ثلاثة في طهر واحد فسأل كل واحد منهم ان يقر لصاحبه فأبى فأقرع بينهم وقضى بالولد للذي اصابته القرعة وجعل عليه ثلثي الدية فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبه وضحك حتى بدت نواجذه ورواه بن عيينة عن الاجلح بن عبد الله الكندي عن الشعبي عن عبد الله بن الخليل عن زيد بن ارقم قال اتي علي بن ابي طالب رضي الله عنه باليمن في ثلاثة نفر وقعوا على جارية في طهر واحد فجاءت بولد فجاؤوا يختصمون في ولدها فقال علي لاحدهم تطيب نفسا وتدعه لهذين فقال لا وقال للاخر مثل ذلك فقال لا وقال للاخر مثل ذلك فقال لا فقال انتم شركاء متشاكسون واني اقرع بينكم فأيكم اصابته القزعة الزمته الولد وغرمته ثلثي القيمة او قال ثلثي قيمة الجارية فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه وقال ما اعلم فيها غير ما قال علي مالك انه بلغه ان عمر بن الخطاب او عثمان بن عفان قضى احدهما في امراة غرت رجلا بنفسها وذكرت انها حرة فتزوجها فولدت له اولادا فقضى ان يفدي ولده بمثلهم قال يحيى سمعت مالكا يقول والقيمة اعدل في هذا ان شاء الله قال ابو عمر قد روي ذلك عن عمر وعثمان جميعا ذكر عبد الرزاق قال اخبرنا بن جريج قال سمعت سليمان بن موسى يذكر ان عمر بن الخطاب قضي في الامة تأتي قوما فتخبرهم انها حرة فينكحها احدهم فتلد له فقضى عمر ان على ابيه مثل كل والد ولد له من الرقيق في الشبر والذرع قال بن جريج قلت لسليمان فان كان اولاده حسانا قال لا يكلف مثلهم في الحسن انما يكلف مثلهم في الزرع وقال بن جريج وقال عطاء ارى ان يفادي فيهم اباؤهم وعن معمر عن بن طاوس عن ابيه عن عمر بن الخطاب انه قال في ولد الامة تفر من نفسها عبدان قال معمر واخبرني من سمع الحسن يقول مكان كل عبد عبد ومكان كل

جارته جارية ومعمر عن قتادة في الامة ينكحها الرجل وهو يرى انها حرة فتلد اولادا فقضى فيها عثمان مكان كل ولد عبد او مكان كل جارية جاريتان قال عبد الرزاق واخبرنا محمد بن مسلم عن ابراهيم بن ميسرة قال نكح رجل امة فولدت له فكتبت بذلك إلى عمر بن عبد العزيز فكتب ان تفادي اولاده بوصيفين احمرين كل واحد باثنين احب اهل الجارية او كرهوا وروى شعبة عن مغيرة عن ابراهيم في الرجل يتزوج الامة يقال له انها حرة قال صداقها على الذي غره قال شعبة وقال حماد مثل ذلك وقال الحكم اذا ولدت ففداء الولد على الاب وذكر عبد الرزاق عن الثوري في الامة تغر من نفسها الحر فقال على الاب قيمة الولد قال ولو غرة غيرها كانت القيمة ايضا على الاب ويتبع الذي غره قال الثوري وقال ابراهيم يغرم القيمة قال وقال بن أبي ليلى يقومون حين ولدوا لانهم احرار وقال الثوري يقومون حين يقضي فيهم القاضي قال ابو عمر قال مالك اذا غرت الامة من نفسها وتزوجت على انها حرة ودخل بها فلا يؤخذ منها المهر وقال بن القاسم ارى ان يؤخذ منها ما فضل عن مهر المثل وقال الشافعي على الغار قيمة الاولاد للاب وعلى الاب المستحق ولا يرجع عليه بعقره وقال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد اذا زوج رجل رجلا امراة على انها حرة فولدت له اولادا ثم استحقها رجل فعلى الاب قيمة الاولاد والعقر ويرجع بالقيمة على الغار ولا يرجع بالعقر وقال بن القاسم اذا اخبره انها حرة وزوجها منه وهو يعلم انها أمة لم يرجع بقيمة الاولاد على الذي غره لانه لم يغره من الولد ويرجع عليه بالمهر في راي ولا اقوم على حفظه عن مالك انه لا يرجع بقيمة الولد قال واذا اعلمه انه ليس بولي لها ثم زوجة منها لم يرجع عليه بالمهر

قال ابو عمر يرجع عند الشافعي بقيمة الولد على الغار لان النكاح كان سبب الولد ولا يرجع بالمهر لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل للتي نكحت بغير اذن وليها صداقها بما استحل منها فنكاحها باطل وقال ان دخل بها فلها مهرها بما استحل منها واتفق مالك وابو حنيفة واصحابهما على ان القيمة انما تجب على الاب يوم يختصمون ويوم يحكم الحاكم بها قالوا ومن مات منهم قبل ذلك فلا شيء فيه وقال ابو حنيفة فان تخلف الابن الميت قبل الخصوم فيهم مالا لم يجب على الاب فيه شيء الا ان يكون قتل فأخذ الاب ديته وقال عبد الله بن الحسن استحبوا القيمة يوم يسقط الولد قال والقياس يوم يستحق وقال الشافعي على الاب القيمة يوم ولدوا وقال ابو ثور وداود الاولاد رقيق ولا قيمة فيهم على احد وقال الطحاوي القياس ان يكون الولد مملوكين الا انهم تركوا القياس باتفاق الصحابة على انهم احرار على الاب قيمتهم قال ابو عمر باجماعهم ان كل امة تلد من غير سيدها فولدها بمنزلتها فالقياس على ذلك ان يكون الولد مملوكا الا انه لا مدخل للقياس فيما يخالف فيه السلف فاتباعهم خير من الابتداع وبالله التوفيق باب القضاء في ميراث الولد المستلحق قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في الرجل يهلك وله بنون فيقول احدهم قد اقر ابي ان فلانا ابنه ان ذلك النسب لا يثبت بشهادة انسان واحد ولا يجوز اقرار الذي اقر الا على نفسه في حصته من مال ابيه يعطى الذي شهد له قدر ما يصيبه من المال الذي بيده قال مالك وتفسير ذلك ان يهلك الرجل ويترك ابنين له ويترك ستمائة دينار فيأخذ كل واحد منهما ثلاثمائة دينارظ ثم يشهد احدهما ان اباه الهالك اقر أن فلانا ابنه فيكون على الذي شهد للذي استلحق مائة دينار وذلك نصف ميراث

المستلحق لو لحق ولو اقر له الاخر اخذ المئة الاخرى فاستكمل حقه وثبت نسبه وهو ايضا بمنزلة المراة تقر بالدين على ابيها او على زوجها وينكر ذلك الورثة فعليها ان تدفع إلى الذي اقرت له بالدين قدر الذي يصيبها من ذلك الدين لو ثبت على الورثة كلهم ان كانت امراة ورثت الثمن دفعت إلى الغريم ثمن دينه وان كانت ابنة ورثت النصف دفعت إلى الغريم نصف دينه على حساب هذا يدفع إليه من اقر له من النساء قال مالك وان شهد رجل على مثل ما شهدت به المراة ان لفلان على ابيه دينا احلف صاحب الدين مع شهادة شاهده واعطي الغريم حقه كله وليس هذا بمنزلة المراة لان الرجل تجوز شهادته ويكون على صاحب الدين مع شهادة شاهده ان يحلف ويأخذ حقه كله فان لم يحلف اخذ من ميراث الذي اقر له قدر ما يصيبه من ذلك الدين لانه اقر بحقه وانكر الورثة وجاز عليه اقراره قال ابو عمر اما المقر بأخ مجهول وله اخ معروف يجحد ذلك فقد اختلف الفقهاء بما يلزمه اخيه الذي اقر به فالذي ذهب إليه مالك واصحابه ما ذكره في موطئه أنه يعطيه ثلث ما بيده لا يلزمه اكثر من ذلك لانه لو ثبت انه اخ لم يلزمه اكثر من ذلك فلا يلزمه باقراره اكثر مما كان يلزمه بالبينة انه بن ابيه وبه قال احمد بن حنبل والكوفيون يلزمه ان يعطيه نصف ما بيده لانه قد اقر انه شريك له فيما ترك ابوه فلا يستأثر عليه بشيء قالوا يدخل عليه من ظلم اخيه له كما يدخل على المجحود الذي اقره به وقال الشافعي لا يلزمه من جهة القضاء ان يعطيه شيئا لانه اقر له بشيء لا يستحقه الا من جهة النسب ولا يستحقه الا بإقرار اخيه وحده اذا كان ثم من الورثة من يدفعه فاذا لم يثبت نسبة باقرار اخيه وحده لم يستحق شيئا من الميراث وهذا اصح ما فيه عندنا وان شاء المقر ان يعطيه شيئا اعطاه وقول الليث بن سعد كقول الشافعي واتفقوا ان نسب الاخ المقر به يثبت لو اقر له الابنان جميعا وكذلك اذا اقر به جميع الورثة

واختلفوا اذا جحده بعض الورثة واقر بعضهم فالجمهور على انه لا يثبت نسبة الا ان يقر به اثنان فصاعدا وقد روي عن الشافعي خلاف ما تقدم ذكره في الابن الواحد يقر به الاخ اذا لم يكن هناك وارث غيره انه يلحق نسبه والمشهور عنه ما تقدم ذكره واما اقرار الوارث بدين اذا انكر سائر الورثة فالذي عليه مالك واصحابه والمعروف من مذهبهم في الحجاز والعراق ومصر انه لا يلزم المقر من الدين إلا مقدار ما يصيبه في حصته اذا كانت ابنة لا وارث له غيرها فالنصف وان كانت اما فالثلث وان كانت زوجا فالربع او الثمن وان كان اخا لام فالسدس على هذا جماعتهم ان الاقرار بالدين كالاقرار بالولد وكالاقرار بالوصية الا ما ذكره بن حبيب فانه قال اصحاب مالك كلهم يرون هذا القول من مالك وهما لانه لا ميراث لوارث الا بعد قضاء الدين قال ابو عمر بل اصحاب مالك كلهم على ما رواه مالك والمتأخرون منهم ينكرون على بن حبيب قوله هذا وكان ابو عمر احمد بن عبد الملك بن هاشم شيخنا رحمه الله ينكر على بن حبيب كل الانكار ينكر ويقول لا اعرف ما حكاه بن حبيب عن احد من اصحاب مالك وقال احمد بن حنبل كما قال مالك لا يلزم المقر بالدين من الورثة الا بمقدار ميراثه وقالت طائفة من الكوفيين وغيرهم يلزم المقر بالدين اداء الدين كله من حصته لانه لا يحل له ان يرث وعلى ابيه دين وجعلوا الجاحد كالغاصب ببعض مال الميت وقد اجمعوا انه يؤدي الدين مما بقي بعد الغصب اذا لم يقدر على الغاصب والسارق وكذلك اجمعوا انه لو كان وارثا واحدا واقر لزمه الدين كله الذي اقر به ولم يرث الا ما فضل عن الدين وروي ذلك عن عبد الملك بن الماجشون قال ابو عمر وجه قول مالك ومن تابعه على ذلك ان اقرار المقرين على انفسهم بمنزلة البينة ثبتت عليهم بما اقروا به ولو شهدت البينة بالدين لم يلزم المشهود عليه الا مقدار حصته من الميراث

وكذلك لو اقر بوصية او شهدت بذلك البينة ويدل على صحة قول مالك ايضا انهم قد اجمعوا انه لو شهد رجلان من الورثة على الميت بالدين قبلت شهادتهما وكان على كل وارث بمقدار ميراثه وقال الكوفيون لو كانا غير عدلين لزمهما الدين كله في حصتيهما ولم يلزم سائر الورثة شيء فكيف يقبلون شهادة من اذا ثبتت شهادته كان بها جارا إلى نفسه او دافعا عنها باب القضاء في امهات الاولاد قال مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابيه ان عمر بن الخطاب قال ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم يعزلوهن لا تأتيني وليدة يعترف سيدها ان قد الم بها الا الحقت به ولدها فاعزلوا بعد او اتركوا مالك عن نافع عن صفية بنت ابي عبيد انها اخبرته ان عمر بن الخطاب قال ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم يدعوهن يخرجن لا تأتيني وليدة يعترف سيدها ان قد الم بها الا قد الحقت به ولدها فأرسلوهن بعد او امسكوهن قال ابو عمر اتفق مالك والشافعي واصحابهما على القول بما روي عن عمر في هذا الباب والعزل عندهم وغير العزل سواء اذا اقر بالوطء الا ان يدعي بعده استبراء واختلف اصحاب الشافعي فمنهم من قال بما وصفنا ومنهم من قال لا ينفعه الاستبراء لان الحامل قد تحيض ومتى جاءت الامة التي اقر سيدها بوطئها بولد لستة اشهر فصاعدا الحق بها لانها فراش له قال ابو عمر فان انكر ان تكون ولدته لم يلحق به الا ان تشهد امراتان عدلان على انها ولدته بعد اقراره بالوطء عند مالك واصحابه واما الشافعي فلا بد من اربع نسوة يشهدن عنده على ذلك فلا يجوز عنده شهادة امراتين الا مع رجل في الديون وما كان مثلها

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة ابن الصلاح تقي الدين عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح

     مقدمة ابن الصلاح  تقي الدين عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح  يعد هذا الكتاب أشهر كتاب في علم مصطلح الحديث على الإطلاق ذكر في...