الدعاء

اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الأحد، 28 أغسطس 2022

ج3.وج4.الاستذكار أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

 

3.  الاستذكار أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

ويحتمل هذا أن يكون المار لم يجد بدا كما قال مالك ولكن الظاهر ما قدمنا في الباب قبل هذا من الآثار الدالة على أن الإمام سترة لمن خلفه وظاهرها يدل على أن الرخصة المترجم بها هذا الباب ليست في معنى التشديد في الباب قبله والآثار كلها دالة على ذلك ومن ذلك حديث عبد الله بن عمر وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رد البهيمة التي همت بالمرور بين يديه حتى ألصق منكبه بالجدار فمرت خلفه وقد استدل قوم بهذا الحديث على أن الحمار لا يقطع الصلاة وانفصل منهم مخالفهم في ذلك بأن قال مرور الآتان كان خلف الإمام بين يدي الصف وفيه إجازة شهادة من علم الشيء صغيرا فأداه كبيرا وهذا أملا لا خلاف فيه وكذلك العبد يعلم في حال عبوديته ما يؤديه في حال الحرية والفاسق يعلم فسقه ما يشهد به في حال عدالته وهذا لا اختلاف فيه بين العلماء إلا أنهم اختلفوا لو شهد أحد هؤلاء بشهادة في الحال الأولى فردت ثم شهد بها في الحال الثانية فقال مالك لا تقبل إذا ردت قبل وقال غيره تقبل لارتفاع العلة التي لها ردت أولا وأما حديثه أنه بلغه أن علي بن أبي طالب قال لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي فقد حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدة بن سليمان ووكيع عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي وعثمان قالا لا يقطع الصلاة شيء وادرؤوا عنكم ما استطعتم وأما حديثه عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يقول لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي

فلا خلاف عن بن عمر في ذلك وقد رواه عنه نافع كما رواه سالم ورواه عبيد الله بن عمرو وأيوب عن نافع عن بن عمر وذكر أبو بكر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم أن بن عمر قيل له إن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة يقول يقطع الصلاة الحمار والكلب قال لا يقطع صلاة المسلم شيء وبن عيينة عن عمرو بن دينار قال انصرف الإمام من العصر فقلت أبادر مجلس عبيد بن عمير فمررت بين يدي بن عمر وأنا لا أشعر فقال سبحان الله سبحان الله مرتين وحثى على ركبته ومد يده حتى ردني قال أبو عمر هذا في معنى حديث مالك في الباب قبل هذا عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يمر بين يدي أحد وهو يصلي ولا يدع أحدا يمر بين يديه قال أبو بكر وحدثنا بن عيينة عن عبد الكريم قال سألت سعيد بن المسيب فقال لا يقطع الصلاة إلا الحدث وحدثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه كان يقول لا يقطع الصلاة شيء إلا الكفر حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن المجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الصلاة شيء وادرؤوا ما استطعتم فإنه شيطان حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا مجالد قال حدثنا أبو الوداك قال مر شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري وهو يصلي فدفعه ثم عاد فدفعه ثلاث مرات فلما انصرف قال إن الصلاة لا يقطعها شيء ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ادرؤوا ما استطعتم فإنه شيطان وهذا الحديث يفسر حديث أبي سعيد الخدري في أول الباب الذي قبل هذا الباب والله الموفق للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل

باب سترة المصلي في السفر ذكر فيه مالك أنه بلغه عن بن عمر أنه كان يستتر براحلته إذا صلى وعن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يصلي في الصحراء إلى غير سترة قال أبو عمر أما الاستتار بالراحلة فلا أعلم فيه خلافا وحسب المصلي وما يستره ما يزيد على عظم الذراع وأما الصلاة في الصحراء أو غيرها إلى غير سترة فهذا عند أهل العلم محمول على الموضع الذي يأمن فيه المصلي أنه يمر أحد بين يديه فإن كان على غير ذلك فلا حرج على من فعله لأن الأصل في سترة المصلي استحباب وندب إلى اتباع السنة في ذلك وحسبك بما مضى فإنه لا يقطع صلاة المصلي شيء مما يمر بين يديه وإنما يقطعها ما يفسدها من الحدث وغيره حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن بن عباس قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضاء ليس بين يديه شيء وقال أبو بكر في المصنف حدثنا معن بن عيسى عن خالد بن أبي بكر قال رأيت القاسم وسالما يصليان في السفر إلى غير سترة قال وحدثنا شريك عن جابر قال رأيت أبا جعفر وعامر يصليان إلى غير أسطوانة قال وحدثنا وكيع عن مهدي بن ميمون قال رأيت الحسن يصلي في الجبانة إلى غير سترة قال وحدثنا بن عيينة عن عمرو بن دينار قال رأيت محمد بن الحنفية يصلي في مسجد منى والناس يمرون بين يديه فجاء فتى من أهله فجلس بين يديه

باب مسح الحصباء في الصلاة ذكر فيه مالك عن أبي جعفر القارئ قال رأيت عبد الله بن عمر إذا أهوى ليسجد مسح الحصباء لموضع جبهته مسحا خفيفا وعن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن أبا ذر كان يقول مسح الحصباء مرة واحدة وتركها خير من حمر النعم قال أبو عمر أما فعل بن عمر فإن عنده من الفعل الخفيف الذي لا يشغله عن صلاته وأما قول أبي ذر فهو الاختيار ألا يمسح موضع سجوده إلا مرة واحدة لأن ترك ذلك من التذلل والتواضع لله عز وجل وكذلك لا يمسح جبهته من التراب إلا مرة واحدة أيضا في آخر صلاته وقد روي حديث أبي ذر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة أنه سمع عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة يقول مر بي أبو ذر وأنا أصلي فقال إن الأرض لا تمسح إلا مرة واحدة وروي عن عمر بن الخطاب وجابر وأبي هريرة وجماعة من السلف أنهم كرهوا للمصلي مسح الحصى إلا مرة واحدة قال أبو الدرداء ما أحب أن لي حمر النعم وإني مسحت مكان جبيني من الحصباء إلا أن يغلبني فأمسحه مسحة واحدة والنعم الإبل والحمر منها أرفعها وروى بن أبي ذئب عن شرحبيل بن سعد عن جابر قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم

عن مسح الحصباء في الصلاة قال واحدة لأن تمسك عنها خير لك من مائة ناقة كلها سود الحدقة وأما مسح الجبهه فقال بن عباس إذا كنت في صلاة فلا تمسح جبهتك ولا تنفخ ولا تحرك الحصباء وقال بن مسعود أربع من الجفاء أن يصلي إلى غير سترة أو يمسح جبهته قبل أن ينصرف أو يبول قائما أو يسمع المنادي ثم لا يجيبه وعن بن بريدة مثله إلا أنه جعل الرابعة أو ينفخ في سجوده ولم يذكر فيها الصلاة إلى غير سترة وكان سعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري يكرهون أن يمسح الرجل جبهته قبل أن ينصرف ويقولون هو من الجفاء أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا طلق بن غنام بن طلق قال حدثنا سعيد أبو عثمان الوراق عن أبي صالح قال دخلت على أم سلمة فدخل عليها بن أخ لها فصلى في بيتها ركعتين فلما سجد نفخ التراب فقالت أم سلمة يا بن أخي لا يتنفخ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لغلام له يقال له يسار ونفخ ترب وجهك لله تعالى وأخبرنا عبد الله قال حدثنا أحمد قال حدثنا عبد الله قال حدثنا أبي قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا أبو حمزة عن أبي صالح عن أم سلمة أنها رأت نسيبا لها ينفخ إذا أراد أن يسجد فقالت له لا تنفخ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغلام لنا يقال له رباح ترب وجهك يا رباح باب تسوية الصفوف ذكر فيه مالك عن نافع أن عمر بن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف فإذا أخبروه أن قد استوت كبر

وعن عمه أبي سهيل عن أبيه عن عثمان معناه وفي ذلك جواز الكلام بين الإقامة والإحرام خلاف ما ذهب إليه العراقيون وأما تسوية الصفوف في الصلاة فالآثار فيها متواترة من طرق شتى صحاح كله ثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تسوية الصفوف وعمل الخلفاء الراشدين بذلك بعده وهذا ما لا خلاف فيما بين العلماء فيه وأسانيد الأحاديث في ذلك كثيرة في كتب المصنفين فلم أر لذكرها وجها باب وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة ذكر فيه مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري أنه قال من كلام النبوة إذا لم تستح فافعل ما شئت ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة يضع اليمنى على اليسرى وتعجيل الفطر والاستيناء بالسحور وعن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم لا أعلمه إلا أنه ينمي ذلك قد جرا في التمهيد من القول في عبد الكريم ما يغني عن ذكره هنا وما ذكر مالك عنه في هذا الباب معروف محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه صحاح كثيرة وأما قوله من كلام النبوة إذا لم تستح فافعل ما شئت رواه شعبة

والثوري وشريك وزهير بن معاوية عن منصور عن ربعي بن خراش عن أبي مسعود الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من ما أدرك الناس ولفظ الثوري آخر ما تعلق به الناس من كلام النبوة ولفظ شريك آخر ما كان من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت وفي حديث بعضهم فافعل ما شئت وهذا حديث ثابت لا يختلف في صحته ومن رواه عن ربعي عن حذيفة فقد أخطأ فيه وأما معناه فإنه لفظ يقتضي التحذير والذم على قلة الحياء وهو أمر في معنى الخبر فإن من لم يكن له حياء يحجزه عن محارم الله تعالى فسواء عليه فعل الكبائر منها والصغائر ومن هذا المعنى حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من باع الخمر فليشقص الخنازير فليس هذا على إباحة شقص الخنازير لمن باع الخمر ولكنه تقريع وتوبيخ يقول من استحل بيع الخمر وقد نهاه الله عن بيعها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس يمتنع عن شقص الخنازير ومن هذا الباب أيضا قول عمر بن الخطاب من استطاع إلى الحج سبيلا ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا ومعنى قوله ولم يحج أي لم ير الحج واجبا ومن ذلك قول أبي هريرة من وجد سعة ولم يضح فلا يشهد مصلانا يقول من ترك السنة في الصحبة مع السعة رغبة عنها فما له لا يرغب عن الصلاة معنا ونحو هذا ومن ذلك قول الشاعر إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستح فاصنع ما تشاء فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

وقال أبو دلف العجلي إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا وتستح مخلوقا فما شئت فاصنع وقد قيل إن معنى هذا الحديث افعل ما شئت مما لا تستحي من فعله أيما حل لك وأبيح فافعله ولا تستحي منه وهذا تأويل ضعيف والأول أولى عند العلماء بالنسة واللسان العربي وأما وضع اليمنى على اليسرى ففيه آثار ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها حديث وائل بن حجر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة هذه رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر ورواية علقمة بن وائل عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائما في الصلاة قبض على شماله بيمينه وبعضهم يقول فيه إذا كبر أدخل يده في ثوبه فأدخل شماله بيمينه وذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد وحديث بن مسعود قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم قد وضعت شمالي على يميني فأخذ يميني فوضعا على شمالي وحديث الحارث بن غطيف أو غطيف بن الحارث قال متى رأيت شيئا فنسيته فإني لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة وحديث سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة وعن علي رضي الله عنه قال من السنة وضع اليمين على الشمال في الصلاة وعنه أيضا أنه كان إذا قام إلى الصلاة وضع يمينه على رسغه فلا يزال كذلك حتى يركع إلا أن يصلح ثوبا ولحك جسده

وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد وروى عاصم الجحدري عن عقبة بن ظهير عن علي في قوله فصل لربك وانحر الكوثر قال وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة تحت الصدر وذكر بن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد العطار عن ثور ين يزيد عن خالد بن معدان عن أبي زياد مولى آل دراج قال ما رأيت فنسيت غير أني لم أنس أن أبا بكر الصديق كان إذا قام إلى الصلاة قال هكذا ووضع اليمنى على اليسرى قال أبو الدراداء من أخلاق النبيين وضع اليمين على الشمال في الصلاة وقال بن الزبير صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة وكل هذا مذكور في التمهيد بأسانيده وأما أقاويل الفقهاء في هذا الباب فذهب مالك في رواية بن القاسم عنده إلى إرسال اليدين في الصلاة وهو قول الليث بن سعد قال بن القاسم قال مالك في وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة إنما يفعل ذلك في النوافل من طول القيام قال وتركه أحب إلي وقال الليث سدل اليدين في الصلاة أحب إلي إلا أن يطول القيام فلا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى وروى بن نافع وعبد الملك ومطرف عن مالك أنه قال توضع اليمنى على اليسرى في الصلاة في الفريضة والنافلة قال لا بأس بذلك قال أبو عمر هو قول المدنيين من أصحابه وقال الأوزاعي ما شاء فعل ومن شاء ترك وهو قول عطاء وقال عبد الرزاق رأيت بن جريج يصلي في إزار وقميص ويمينه على شماله وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد وداود بن علي والطبري يضع المصلي يده على شماله في الفريضة والنافلة وهو عند جميعهم حسن وليس بواجب ومنهم من قال إنه سنة مسنونة

واختلفوا فقال بعضهم عند الصدر وقال بعضهم عند السرة وقد أوضحنا ذلك عنهم في التمهيد والحمد لله وأما قوله وتعجيل الفطر والاستيناء في السحور فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ذكرنا بعضها في التمهيد في باب عبد الرحمن بن حرملة وسيأتي في هذا الكتاب في كتاب الصيام إن شاء الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وقد حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن الحداد قال حدثنا زكريا بن يحيى خياط السنة قال حدثنا وهب بن بقية قال حدثنا محمد بن المطلب عن أبان بن بشير المعلم قال حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من النبوة تعجيل الفطر وتأخير السحور ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وأخبرنا خلف بن قاسم قال حدثنا إبراهيم بن محمد الديلي قال حدثنا محمد بن علي بن يزيد قال حدثنا سعيد بن منصور قال أخبرنا هشيم قال أخبرنا منصور بن زاذان عن محمد بن أبان الأنصاري عن عائشة قالت ثلاث من النبوة تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وأما قول سهل بن سعد كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة فالأغلب فيه أنه عمل معمول به في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده وقول أبي حازم لا أعلمه إلا أنه ينمي ذلك أو يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باب القنوت في الصبح مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يقنت في شيء من الصلاة

لم يذكر في رواية يحيى في هذا الباب غير ذلك وفي أكثر الموطآت بعد حديث بن عمر هذا مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان لا يقنت في شيء من الصلاة ولا في الوتر إلا أنه كان يقنت في صلاة الفجر قبل أن يركع الركعة الآخرة إذا قضى قراءته وعند أبي مصعب في باب السعي إلى الجمعة مالك أنه سأل بن شهاب عن القنوت يوم الجمعة فقال محدث وفي غير الموطآت عن طاووس وإبراهيم قالا القنوت في الجمعة بدعة وكان مكحول يكرهه ولي عن أحد من الصحابة أنه قنت في الجمعة وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبي قال أدركت الناس قبل عمر بن عبد العزيز يقنتون في الجمعة فلما كان زمن عمر بن عبد العزيز ترك القنوت في الجمعة وقد مضى كثير من هذا المعنى في باب القيام في رمضان وأما القنوت في صلاة الصبح فاختلف الآثار المسندة في ذلك وكذلك اختلف فيه عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبن مسعود وغيرهم فروي عنهم القنوت وترك القنوت من الفجر وكذلك اختلف عنهم في القنوت قبل الركوع وبعده وقد أكثر في ذلك المصنفون بن أبي شيبة وغيره والأكثر عن عمر بن الخطاب أنه كان يقنت في الصبح وروي ذلك عنه من وجوه متصلة صحاح وأما بن عمر فكان لا يقنت لم يختلف عنه في ذلك وروى سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح قال قلت لمجاهد صحبت بن عمر إلى المدينة فهل رأيته يقنت قال لا قال ولقيت سالم بن عبد الله فقلت له أكان بن عمر يقنت قال لا إنما هو شيء أحدثه الناس سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد ن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر بن الخطاب كان يقنت في الصبح وسفيان عن بن جريح عن عطاء عن عبيد بن عمير قال سمعت عمر بن الخطاب يقنت في الصبح ها هنا بمكة

وسفيان عن مخارق أنه حدثه عن طارق قال صليت خلف عمر بن الخطاب الصبح فقنت وقال سفيان قلت لابن طاووس ما كان أبوك يقول في القنوت قال كان يقول طاعة لله وكان لا يراه قال أبو عمر وكان الشعبي لا يرى القنوت وسئل بن شبرمة عنه فقال الصلاة كلها قنوت قال فقلت له أليس قنت علي يدعو على رجال فقال إنما هلكتم حين دعا بعضكم على بعض ذكره بن عيينة عن بن شبرمة وأما الفقهاء الذين دارت عليهم الفتيا في الأمصار فكان مالك وبن أبي ليلى والحسن بن حي والشافعي وأحمد بن حنبل وداود يرون القنوت في الفجر قال الشافعي وأحمد بعد الركوع وقال مالك قبل الركوع وقد روي عنه أنه خير في ذلك قبل الركوع وبعده وقال بن شبرمة وأبو حنيفة وأصحابه والثوري في رواية والليث بن سعد لا قنوت في الفجر وقال أبو حنيفة ومحمد إن صلى خلف من يقنت سكت وهو قول الثوري في رواية وقال أبو يوسف يقنت ويتبع الإمام وقد قال الشافعي إن احتاج الإمام عند نائبة تنزل بالمسلمين قنت في الصلاة كلها لحديث أبي هريرة وغيره في قنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ونحو ذلك من الآثار

وذكر بن أبي شيبة قال سمعت وكيعا يقول سمعت سفيان يقول من قنت فحسن ومن لم يقنت فحسن ومن قنت فإنما القنوت على الإمام وليس على من وراءه قنوت حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال لما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الآخرة من صلاة الصبح قال اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو حنيفة قال سمعت مسددا يقول كان يحيى بن سعيد يقول يجب الدعاء إذا وغلت الجيوش في بلاد العدو يعني القنوت قال وكذلك كانت الأئمة تفعل قال وكان مسدد يجهر بالقنوت قال أبو حنيفة والدليل على ذلك حديث أبي الشعثاء أنه سأل بن عمر عن القنوت فقال ما شهدت ولا رأيت ووجه ذلك أن عبد الله بن عمر كان لا يتخلف عن جيش ولا سرية أيام أبي بكر وأيام عمر فكان لا يشهد القنوت لذلك قال أبو حنيفة والعمل عندنا على ذلك وهو قول مالك في القنوت إنما هو دعاء فإذا شاء وإن شاء ترك واختلف الفقهاء فيما يقنت به من الدعاء فقال الكوفيون ومالك ليس في القنوت دعاء موقت ولكنهم يستحبون ألا يقنت إلا بقولهم اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجوا رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق وهذا يسميه العراقيون السورتين ويرون أنها في مصحف أبي بن كعب

وقال الحسن بن حي والشافعي وإسحاق بن راهويه يقنت باللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت اللهم قني شر ما قضيت وبارك لي فيما أعطيت فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك وأنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت وهذا يرويه الحسن بن علي من طرق ثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه هذا الدعاء يقنت به في الصلاة وقال عبد الله بن داود من لم يقنت بالسورتين فلا تصل خلفه قال أبو عمر هذا خطأ بين وخلاف للجمهور وللأصول باب النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة ولم يختلف الرواة للموطأ في إسناد هذا الحديث وقد ذكرنا الاختلاف فيه على هشام في التمهيد مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لا يصلين أحدكم وهو ضام بين وركيه قال أبو عمر أجمع العلماء على أنه لا ينبغي لأحد أن يصلي وهو حاقن إذا كان حقنة ذلك يشغله عن إقامة شيء من فروض صلاته وإن قل واختلفوا فيمن صلى وهو حاقن إلا أنه أكمل صلاته فقال مالك فيما روى بن القاسم عنه إذا شغله ذلك فصلى كذلك فإنني أحب أن يعيد في الوقت وبعده وقال الشافعي وأبو حنيفة وعبد الله بن الحسن يكره أن يصلي وهو حاقن وصلاته جائزة مع ذلك إن لم يترك شيئا من فروضها

وقال الثوري إذا خاف أن يسبقه البول قدم رجلا وانصرف قال أبو عمر في هذا الباب حديث حسن أيضا قد ذكرناه بإسناده في التمهيد وهو حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يصلي أحدكم بحضرة الطعام ولا هو يدافعه الأخبثان يعني البول والغائط وقد أجمعوا أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته ولم يترك من فرائضها شيئا أن صلاته مجزية عنه وكذلك إذا صلى حاقنا فأكمل صلاته وفي هذا دليل على أن الصلاة بحضرة الطعام إنما هو لأن لا يشتغل قلب المصلي بالطعام فيسهو عن صلاته ولا يقيمها بما يجب عليه فيها وكذلك الحاقن وإن كنا نكره لكل حاقن أن يبدأ بصلاته في حالته فإن فعل وسلمت صلاته جزت عنه وبئس ما صنع والمرء أعلم بنفسه فليست أحوال الناس في ذلك سواء ولا الشيخ في ذلك كالشاب والله أعلم وقد روي من حديث الشاميين في هذا الباب حديث لا حجة فيه لضعف إسناده منهم من يجعله عن أبي هريرة ومنهم من يجعله عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل لمؤمن أن يصلي وهو حاقن جدا وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وروي عن عمر فيه كراهية وعن علي مثل ذلك وعن بن عباس أنه قال لأن أصلي وهو في ناحية من ثوبي أحب إلي من أن أصلي وأنا أدافعه وعن عبد الله بن عمر مثله وعن سعيد بن جبير معناه وعن نافع مولى بن عمر كراهيته وعن عكرمة مثله كل هؤلاء يكرهون للحاقن الصلاة

وروي عن المسور بن مخرمة فيه رخصة وعن طاوس أنه قال إنا لنصره صرا ونضغطه ضغطا وعن إبراهيم النخعي أنه قال لا بأس به ما لم يعجله عن الركوع والسجود وعن أبي جعفر محمد بن علي وعطاء بن رباح والشعبي أنهم قالوا لا بأس أن يصلي وهو حاقن وذكر أبو بكر قال حدثنا أبو معاوية عن واصل قال قلت لعطاء أجد العصر من البول وتحضر الصلاة أفأصلي وأنا أجده قال نعم إذا كنت ترى أنك تحبسه حتى تصلي وفي هذا الحديث قوله إذا أراد أحدكم الغائط ما يدل على ما كان عليه العرب في مخاطباتها من البعد عن الفحش والبذاء والقذع ومجانبه الخنا ودناءة القول وفسولته ولهذا قالوا لموضع حاجة الإنسان الخلاء والمذهب والغائط والمخرج والكنيف والحش والمرحاض والمرفق وكل ذلك كناية وفرار عن التصريح باسم الرجيع باب انتظار الصلاة والمشي إليها ذكر فيه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث اللهم اغفر له اللهم ارحمه قال مالك لا أرى قوله ما لم يحدث إلا الحدث الذي ينقض الوضوء قال أبو عمر أما قوله الملائكة تصلي على أحدكم فقد بان في سياق الحديث معناه وذلك قوله اللهم اغفر اللهم ارحمه ومعنى تصلي على أحدكم يريد تدعو له وتترحم عليه ومصلاه موضع صلاته وذلك عندي في المسجد لأن هناك يحصل منتظرا

للصلاة في الجماعة وهذا هو الأغلب في معنى انتظار الصلاة ولو قعدت المرأة في مصلى بيتها تنتظر وقت الصلاة الأخرى فتقوم إليها لم يبعد أن تدخل في معنى الحديث لأنها حبست نفسها عن التصرف رغبة في الصلاة وخوفا من أن تكون في شغل يفوتها معه الصلاة ومن هذا المعنى قيل وانتظار الصلاة رباط لأن المرابط يحبس نفسه عن المكاسب والتصرف إرصادا للعدو وملازمة للموضع الذي يخشى فيه طريق العدو وللصلاة في كلام العرب وجوه قال أبو بكر بن الأنباري الصلاة تنقسم في لسان العرب على ثلاثة أقسام تكون الصلاة المعروفة التي فيه الركوع والسجود كما قال تعالى فصل لربك وانحر الكوثر قال أبو عمر أنشد نفطويه في هذا المعنى قول الأعشى يراوح من صلوات الملك طورا سجودا وطورا جؤارا والحوار ها هنا الرجوع إلى القيام والقعود ومن هذا قولهم للبكرة تدور على الحور قال بن الأنباري وتكون الصلاة الترحم من الله تعالى قال الله عز وجل أؤلئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة البقرة ومن ذلك قول كعب بن مالك صلى الإله عليهم من فتية وسقى عظامهم الغمام المسبل وقال آخر صلى على يحيى وأشياعه رب كريم وشفيع مطاع ومنه الحديث الذي يروى عن بن أبي أوفى قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة آل أبي أوفى فقال اللهم صل على آل أبي أوفى يريد اللهم ارحمهم

حدثنا إبراهيم بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد يعني بن حبابه ببغداد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد العزيز قال حدثنا علي بن الجعد بن عبيد الجوهري قال حدثنا شعبة قال أخبرني عمرو بن مرة قال سمعت عبد الله بن أبي أوفى وكان من أصحاب الشجرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال اللهم صل عليهم فأتاه أبي بصدقة فقال اللهم صل على آل أبي أوفى وتكون الصلاة الدعاء ومن ذلك الصلاة على الميت معناها الدعاء لأنها لا ركوع فيها ولا سجود ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل يريد يدعو وأما قوله عز وجل ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها الإسراء فقيل والصلاة ها هنا الدعاء وقيل غير ذلك مما نزلت بسببه الآية على ما قد أوردناه في التمهيد ويأتي في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله ومن معنى قوله اللهم اغفر له اللهم ارحمه ماروي عن سعيد بن المسيب إذ عوتب على تخلفه عن الجنائز فقال قعودي في المسجد انتظر الصلاة أحب إلي لأن الملائكة تصلي علي اللهم اغفر لسعيد بن المسيب وقد ذكرنا في التمهيد خبر سعيد هذا بتمامه وذكرنا قول من خالفه في مذهبه هذا ورأى شهود الجنائز أفضل لأنه فرض على الكفاية والفرض على الكفاية أفضل من التطوع والنافلة وأما قول مالك في معنى ما لم يحدث أنه الحدث الذي ينقض الطهارة وهو قول صحيح لأن المحدث في المسجد القاعد على غير وضوء لا يكون منتظرا للصلاة وقول مالك هذا أولى من قول من قال إن الحدث ها هنا الكلام القبيح وهذا قول ضعيف أن من تكلم بما لا يصلح من القول لا يخرجه ذلك من أن

يكون منتظرا للصلاة ويرجى له أن يدخل في دعاء الملائكة له بالمغفرة والرحمة لأنه منتظر للصلاة في حال يجوز له بها الصلاة إذا كان عقده ونيته انتظار الصلاة بعد الصلاة ويشهد لهذا التأويل حديث مالك في هذا الباب أيضا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة وهذا الحديث بين واضح لا يحتاج إلى القول فيه وكذلك حديثه أيضا عن نعيم المجمر عن أبي هريرة قال إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي والقول في الحديث قبل هذا يغني عن القول في هذا لأن معناهما سواء إلا أن في هذا أن قيام المصلي من مصلاه لا يخرجه من أن يكون له ثواب المصلي إذا كان منتظرا للصلاة إلا أنه لا يقال إنه لا تصلي عليه الملائكة كما تصلي على الذي في مصلاه ينتظر الصلاة والله أعلم على أنه ممكن يكون قوله ما دام في مصلاه شرطا يخرج ما خالفه عن حكمه وممن أن يكون له حكمه بالعلة الجامعة بينهما لانتظار الصلاة والله أعلم إذا لم يقم من مجلسه لشيء من عرض الدنيا وأقام لما يعنيه على ما كان يصنعه في مجلسه من الذكر

وأما حديثه عن سمي مولى أبي بكر أن أبا بكر بن عبد الرحمن كان يقول من غدا أو راح إلى المسجد لا يريد غيره ليتعلم خيرا أو ليعلمه ثم رجع إلى بيته كان كالمجاهد في سبيل الله فمعلوم أن هذا لا يدركه بالرأي والاجتهاد لأنه قطع على عيب من حكم الله وأمره في ثوابه وقد رويت في هذا المعنى آثار مرفوعة وقد أوردنا من ذلك أبوابا في كتاب جامع بيان العلم وفضله كافية والحمد لله وأما حديثه عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الربط وهو من أفضل حديث يروى في فضائل الأعمال وفيه من العلم طرح المسألة على المتكلم وابتداؤه بالفائدة وعرضها على من يرجو حفظها وحملها وأما قوله إسباغ الوضوء على المكاره الإكمال والإتمام من ذلك قول الله عز وجل وأسبغ عليكم نعمة لقمان يعني أتمها عليكم وأكملها وإسباغ الوضوء أن يأتي بالماء على كل عضو يلزمه غسله مع إمرار اليد فإذا فعل ذلك مرة وأكمل فقد توضأ مرة وأما قوله على المكاره فقيل إنه أراد شدة البرد وكل حال يكره المرء فيها نفسه على الوضوء ومنه دفع تكسيل الشيطان له عنه وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال من صدق الإيمان وبره إسباغ الوضوء في المكاره

ومن صدق الإيمان وبره أن يخلو الرجل بالمرأة الجميلة ويدعها لا يدعها إلا لله عز وجل وأما قوله فذلكم الرباط فإن الرباط ها هنا ملازمة المسجد لانتظار الصلاة وذلك معروف في اللغة قال صاحب العين الرباط ملازمة الثغور قال والرباط ملازمة الصلاة وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن في قول الله عز وجل يأيها الذي ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا آل عمران قال ما كان الرباط على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن نزلت في انتظار الصلاة بعد الصلاة وقال محمد بن كعب القرظي في ذلك اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدتكم ورابطوا عدوي وعدوكم حتى يترك دينه لدينكم واتقوا فيما بيني وبينكم لعلكم تفلحون قال أبو عمر قوله عز وجل لعلكم تفلحون أي إلي تفلحون وقال قتادة صابروا المشركين ورابطوا في سبيل الله وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وذكرنا فيه من حديث سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة تغسل الخطايا غسلا وذكر مالك في هذا الباب أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال يقال لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء إلا أحد يريد الرجوع إليه إلا منافق وهذا كما قال سعيد بن المسيب إذا كان ممن لا يصلي تلك الصلاة في جماعة وخرج مشتغلا لها أبيا لإقامتها فهذا لا شك في كفره ونفاقه وقد ذكر مالك رحمه الله قال دخل أعرابي المسجد وأذن المؤذن فقام يحل عقال ناقته ليخرج فنهاه سعيد بن المسيب فلم ينته فما سارت به ناقته إلا يسيرا حتى وقصت به فأصيب في جسده فقال سعيد بلغني أن من خرج من الأذان والإقامة لغير الوضوء فإنه شيطان

وأما حديثه عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قال مالك وذلك حسن وليس بواجب فعلى قول مالك في استحسانه الركوع لكل من دخل المسجد وهو طاهر في وقت تجوز النافة فيه وترك إيجاب الركوع على من دخل المسجد جماعة الفقهاء ويستحسنون لكل من دخله وهو على وضوء أن يحييه ولو بركعتين على ظاهر هذا الحديث ولا يوجبون ذلك عليه والدليل على صحة ما ذهبوا في ذلك إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مرة رجلا دخل المسجد وهو يخطب يوم الجمعة أن يركع الركعتين وأمر مرة أخرى رجلا رآه يتخطى رقاب الناس بالجلوس ولم يقل له اركع واستعمال الأحاديث في هذا الباب لا يكون إلا على ما قاله مالك وجمهور الفقهاء في الداخل المسجد إن شاء ركع ركعتين وإن شاء لم يركع حدثني خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الرحمن بن عمر قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا يزيد بن عبد الله بن أبي بردة قال رأيت الحسن دخل يوم الجمعة وبن هبيرة يخطب على المنبر فصلى ركعتين في مؤخر المسجد ثم جلس وأوجب أهل الظاهر على كل من دخل المسجد طاهرا في حين يجوز فيه الصلاة أن يركع وأوجب ذلك بعضهم في كل وقت وقالوا فعل الخير لا يمتنع منه إلا بدليل لا معارض له ولم يقولوا بالمجمل والمفسر من الكتاب والسنة والذي عليه السلف ما ذهب إليه الفقهاء في ذلك

وروى أبو مصعب الزهري عن المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله عن عبد الله بن عمر العمري عن أخيه عبيد الله بن عمر قال رأيت القاسم بن محمد يدخل المسجد فيجلس فيه ولا يصلي فيه وذكر بن أبي شيبة عن الدراوردي عن زيد بن أسلم قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون قال وقد رأيت بن عمر يفعله وروى حماد بن زيد عن الجريري عن جابر بن زيد قال إذا دخلت المسجد فصل فيه فإن لم تصل فيه فاذكر الله فكأنك قد صليت فيه وهذا كله يدلك على أن الأمر بالركعتين لمن دخل المسجد ندب وإرشاد لا إيجاب وفي قول الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس هل علي غيرهن قال لا إلا أن تطوع دليل على خطأ ما ذهب إليه أهل الظاهر وصواب ما ذهب إليه الفقهاء في ذلك وبالله التوفيق وأما قول أبي سلمة بن عبد الرحمن على عمر بن عبيد الله أنه لم يركع إذ دخل المسجد فيحتمل أن يكون عاب عليه تقصيره عن حظ نفسه في استعمال السنة مع قدرته عليها إلا أن ذلك كان واجبا عنده والله أعلم واختلف الفقهاء فيمن ركع ركعتي الفجر في بيته ثم دخل المسجد قبل أن تقام صلاة الصبح فاختلف في ذلك قول مالك أيضا فروى أشهب عنه أحب إلي أن يركع وروى بن القاسم عنه أحب إلي ألا يركع

وذكر بن عبد الحكم القولين وقال أحب إلي أن يركع وقال أبو حنيفة والليث والأوزاعي لا يركع وقال الشافعي وأحمد وداود يركع باب وضع اليدين على ما يوضع عليه الوجه في السجود ذكر فيه مالك عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا سجد وضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه قال نافع ولقد رأيته في يوم شديد البرد وإنه ليخرج كفيه من تحت برنس له حتى يضعهما على الحصباء وعن نافع عن بن عمر أنه كان يقول من وضع جبهته في الأرض فليضع كفيه على الذي يضع عليه جبهته ثم إذا رفع فليرفعهما فإن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه وهذا كله مستحب عند العلماء مرغوب فيه مأمور به إلا قوله في اليدين فليرفعهما فإن رفعهما عند الجميع فرض لأنه لا يعتدل من لم يرفعهما من الأرض والاعتدال في الركوع والرفع منه وفي السجود والرفع منه واجب فرضا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وفعله له وقوله عليه السلام صلوا كما رأيتموني أصلي وقوله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله عز وجل إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه ولا سجوده

ولا خلاف بين العلماء في ذلك وإنما اختلفوا في الطمأنينة بعد الاعتدال وقد أوضحنا هذا المعنى فيما تقدم من كتابنا هذا وإنما قلنا هذا لأنا لم نعد ما روي عن أبي حنيفة وبعض أصحابنا في ترك الاعتدال خلافا لأن مخالف الجمهور والآثار محجوج بهم وبالآثار منها ما رواه أبو مسعود عقبة بن عمرو قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فوصف الصلاة قال ثم سجد حتى استقر كل شيء منه ثم قعد حتى استقر كل شيء منه رواه زائدة بن قدامة عن عطاء بن السائب عن سالم بن عبد الله عن أبي مسعود حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثنا زائدة فذكره وروى الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تجزئ صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود وقد ذكرنا بإسناده فيما سلف من كتابنا وأما قوله كان يخرج يديه في اليوم الشديد البرد من تحت برنس له فإن ذلك مستحب مأمور به عند الجميع والدليل على ذلك إجماع الجميع على أن المصلي يسجد على ركبتيه مستورتين بالثياب وهي بعض الأعضاء التي أمر المصلي بالسجود عليها فكذلك سائر أعضائه إلا ما أجمعوا عليه من كشف الوجه إلا أن في قول بن عمر اليدان تسجدان كما يسجد الوجه ما يدل على أن حكم اليدين عنده حكم الوجه لا حكم الركبتين والذي أحب لكل مصل ألا يستر يديه بأكمامه عند سجوده وأن يباشر بهما ما يباشره بوجهه فإن لم يفعل فقد قصر عن حظ نفسه وصلاته ماضية جائزة عنه إن شاء اللعه

وإذا كانت اليدان كالوجه للحرمة كان الأولى للمصلي أن يخرج يديه قاسيا على الوجه ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن حسن بن صالح عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الرحمن بن أبي عاصم عن أبي هند الشامي قال قال عمر إذا سجد أحدكم فليباشر بكفيه الأرض لعل الله تعالى يصرف عنه الغل يوم القيامة قال وحدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد أن بن عمر كان يخرج يديه إذا سجد وأنهما ليقطران دما قال وحدثنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا إسحاق بن سويد قال رأيت قتادة العدوي إذا سجد يخرج يديه يمين بهما الأرض قال وحدثنا عبد العزيز بن محمد عن أسامة بن زيد قال رأيت سالما إذا سجد أخرج يديه من برنسه حتى يضعهما على الأرض قال وحدثنا أبو أسامة عن بن عون قال كان محمد يباشر بكفيه الأرض إذا سجد وذكر يعني بن أبي شيبة عن مجاهد والأسود بن يزيد والحسن البصري وسعيد بن جبير وعلقمة ومسروق وإبراهيم أنهم كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم وبرانسهم بالأسانيد عنهم قال وحدثنا عبد العزيز بن محمد عن إسماعيل بن أبي حبيبة عن عبد الله بن عبد الرحمن قال جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل فرأيته واضعا يديه في ثوبه إذا سجد قال أبو عمر إسماعيل بن أبي حبيبة ضعيف لا يحتج بما يرويه إذا انفرد به باب الالتفات والتصفيق في الصلاة عند الحاجة ذكر فيه مالك عن أبي حازم الأشجعي سلمة بن دينار عن سهل بن

سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر الصديق فقال أتصلي للناس فأقيم قال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس من التصفيق التفت أبو بكر فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف فقال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي رأيتكم أكثرتم من التصفيح من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيح للنساء قد ذكرنا في التمهيد اختلاف ألفاظ الناقلين لهذا الحديث عن أبي حازم وغيره وبان في ذلك أن الصلاة الذي ذكر أنها كانت صلاة العصر وأن المؤذن كان بلالا وفي هذا الحديث من الفقه أن الصلاة إذا خشى فوت وقتها المستحب المختار أنه لا ينتظر الإمام فيها وإن كان فاضلا وفيه أن الإقامة إلى المؤذن هو أولى بها وقد اختلف الفقهاء في هذا المعنى فقال قائلون من أذن فهو يقيم ورووا فيه حديثا أخرج عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد فيه لين يدور على عبد الرحمن بن زياد الأفريقي وقال مالك والكوفيون ولا بأس بأذان المؤذن وإقامة غيره واستحب الشافعي أن يقيم المؤذن فإن أقام غيره فلا بأس بذلك عنده وفي حديث عبد الله بن زيد إذ أري النداء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقه على

بلال فإنه أندى منك صوتا ففعل فلما أذن بلال قال لعبد الله بن زيد أقم أنت وفي هذا أذان رجل وإقامة غيره وإسناد حديث عبد الله بن زيد أثبت عند أهل العلم وفي حديث هذا الباب أيضا أنه لا بأس بتخلل الصفوف والمشي إلى الصف الأول حتى يصل إليه من يليق به الصلاة فيه لأن شأن الصف الأول أن يكون فيه أفضل القوم علما ودينا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى يعني ليحفظوا عنه ويعوا ما يكون منه في صلاته وكذلك ينبغي أن يكون في الصف الأول من يصلح أن يلقنه ما تعايا عليه ووقف فيه من القرآن ومن يصلح أيضا للاستخلاف في الصلاة إن ناب الإمام فيها ما يحمله على الاستخلاف وفيه أن التصفيق لا يفسد صلاة الرجال إن فعلوه فيها لأنهم لم يؤمروا بإعادة وإنما قيل لهم من نابه شيء في صلاته فليسبح وفيه أن من فضائل الرجل لا يلتفت في صلاته ولذلك وصف به أبو بكر رضي الله عنه من حاله فلما أكثر الناس التصفيق التفت في ذلك دليل على أن الالتفات الخفيف لأمر لابد منه لا يفسد الصلاة لأنه لم يؤمر بالإعادة لفعله ذلك وقد جاءت في النهي عن الالتفات آثار حسان ذكرتها في التمهيد محلها عند العلماء على ما ذكرت لك منها أن عبد الله بن عمر سئل أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت في الصلاة قال لا ولا في غير الصلاة

وفيه أن الإشارة في الصلاة باليد والغمز بالعين لا تضر المصلي وقد روى نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة وقد ذكرنا الأحاديث بأسانيدها في التمهيد وفيه أن رفع اليدين في الصلاة حمدا وشكرا ودعاء وضراعة إلى الله عز وجل لا تضر الصلاة وفيه دليل على جواز الاستخلاف في الصلاة إذا أحدث الإمام أو منعه من تمام صلاته مانع وقد تأخر أبو بكر من غير حدث ليتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن نابه في صلاته من حدث أو غيره مما يمنعه من التمادي فيها أحرى بأن يجوز له الاستخلاف والتأخر وقد كان يجوز لأبي بكر أن يبقى مكانه ولا يتأخر بدليل إشارة رسول الله أن امكث مكانك وأما تأخر أبي بكر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكانه فهو موضع خصوص عند أكثر العلماء وكلهم لا يجيز إمامين في صلاة واحدة من غير حدث يقطعها على الإمام وفي إجماعهم على هذا دليل على خصوص هذا الموضع لفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا نظير له ولا يجوز أن يتقدم بين يديه للنهي في ذلك إلا بأمره وسائر الناس تتقارب أحوالهم ولا يجوز لأحد أن يتقدم قوما إلا بإذنهم أو إذن من له الإذن منهم فلا ضرورة بأحد اليوم إلى مثل ذلك الفعل فلذلك بان فيه الخصوص والله أعلم وموضع الخصوص من هذا الحديث هو استئخار الإمام من غير حدث وأما من تأخر لعلة الحدث فجائز لم وصفنا وقد روى عيسى عن بن القاسم في رجل صلى بقوم ركعة من صلاتهم ثم أحدث فخرج وقدم رجلا ثم توضأ وانصرف فأخرج الذي قدمه وتقدم مكانه فأتم بهم هل تجزئهم صلاتهم فقال قد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تأخر له أبو بكر فصلى به وبالناس قال فإما أن يصلي بهم بقية صلاتهم ثم يجلسون حتى يتم هو لنفسه ثم يسلم ويسلمون قال عيسى قلت لابن القاسم فلو ذكر قبيح ما صنع بعد أن صلى ركعة

قال يخرج ويقوم الذي خرج قلت فإن لم يجد قال يقوم غيره ممن أدرك الصلاة كلها وفيه أن السنة لمن نابه شيء في صلاته أن يسبح ولا يصفق هذا ما لا خلاف فيه للرجال وأما النساء فإن العلماء اختلفوا في ذلك فذهب مالك وأصحابه أن التسبيح للرجال والنساء على ظاهر قوله من نابه شيء في صلاته فليسبح وهذا على عمومه في الرجال والنساء وتأولوا في قوله فإنما التصفيح للنساء أي أن التصفيح من أفعال النساء على جهة الذم لذلك وقال آخرون منهم الشافعي والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن حي وجماعة من نابه من الرجال شيء في صلاته سبح وأما المرأة فإنها تصفق إذا نابها في صلاتها شيء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرق بين الرجال والنساء في ذلك فقال التسبيح للرجال والتصفيق للنساء وكذلك رواه جماعة في حديث سهل بن سعد هذا وهو محفوظ ثابت من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عن أبي هريرة سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن سيرين وأبو صالح السمان وغيرهم وعلى هذا يكون قوله صلى الله عليه وسلم من نابه شيء في صلاته منكم يا معشر الرجال فليسبح إذ عليهم خرج الخبر وإليهم توجه الخطاب وقال بعض العلماء إن التصفيح للنساء أن تضرب المرأة بأصبعين من يمينها على كفها الشمال وقال بعضهم إنما كره التسبيح للنساء وأبيح لهن التصفيق لأن صوت المرأة فتنة ولهذا منعت من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في صلاتها وفي هذا الحديث دليل على جواز الفتح على الإمام إذا احتاج إلى ذكره لقوله صلى الله عليه وسلم من نابه شيء في صلاته فليسبح وإذا جاز التسبيح جازت التلاوة لأنها ذكر

وهذا إنما يكون إذا وقف الإمام ولم يجد ما يقرأ على ما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا استطعمك الإمام فأطعمه أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر بن الأثرم قال حدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان الثوري عن خالد الحذاء قال سمعت الحسن يقول إن أهل الكوفة يقولون لا يفتح على الإمام ولا بأس به أليس الرجل يقول سبحان الله وذكر الطحاوي أن الثوري وأبا حنيفة وأصحابه كانوا يقولون لا يفتح أحد على الإمام قالوا فإن فتح عليه لم تفسد صلاته وروى الكرخي عن أصحاب أبي حنيفة أنهم لا يكرهون الفتح على الإمام وقال مالك والشافعي وأصحابهما لا بأس بالفتح على الإمام اتفاقا وهذا هو الصحيح لأن تلاوة القرآن في الصلاة أجوز من التسبيح وقد قال أبو حنيفة إذا كان التسبيح جوابا قطع الصلاة وإن كان مرور إنسان بين يديه لم يقطع وقال أبو يوسف لا يقطع وإن كان جوابا وكذلك اختلافهم فيمن جاوب بالقرآن وهو يصلي جوابا مفهوما وأما حديثه عن نافع عن بن عمر أنه لم يكن يلتفت في صلاة فهذه السنة المجتمع عليها والالتفات مكروه عند الجميع إذا رمى ببصره وصعد عنقه يمينا أو شمالا ولا يكرهون له النظر بين يديه إلا إلى ما يشغله عن صلاة فإنه لا يجوز ذلك له وأما حديثه عن أبي جعفر القارئ أنه قال كنت أصلي وعبد الله بن عمر ورائي ولا أشعر به فالتفت فغمزني فهذا الغمز باليد بدليل رواية أبي المصعب له عن مالك في الموطأ قال فالتفت فوضع يده في قفاي فغمزني

وقد أجمع العلماء على أن من سلم عليه وهو يصلي فرد إشارة أنه لا شيء عليه وقد ثبت من حديث بن عمر عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي والأنصار يدخلون يسلمون عليه وكان يرد إشارة ومن أهل العلم من قال لا يرد إشارة ولكنه إذا سلم من الصلاة رد السلام كلاما وأكثرهم يجيزون رد السلام إشارة باليد للمصلي وكره السلام على المصلي جماعة من أهل العلم وأجازه الأكثر على ما وصفنا عنهم وبالله التوفيق باب ما يفعل من جاء والإمام راكع ذكر فيه مالك عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال دخل زيد بن ثابت المسجد فوجد الناس ركوعا فركع ثم دب حتى وصل إلى الصف مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يدب راكعا قال أبو عمر حديث زيد بن ثابت في هذا الباب متصل صحيح وحديث بن مسعود وإن كان بلاغا منقطعا عند مالك فإنه متصل صحيح أيضا من رواية أئمة أهل الحديث روى سفيان بن عيينة عن منصور بن المعتمر عن زيد بن وهب قال دخلت مع بن مسعود المسجد فوجدنا الناس ركوعا فركعنا جميعا قبل أن نصل إلى الصف ثم مشينا راكعين حتى دخلنا في الصف فلما سلم الإمام قمت لأقضي الركعة فأخذ بن مسعود بيدي فقال اجلس فقد أدركت وروى سفيان أيضا عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال رأيت زيد بن ثابت دخل المسجد والناس ركوع فركع ثم دب راكعا حتى وصل إلى الصف

وسفيان عن عبيد الله بن يزيد قا ل رأيت سعيد بن جبير ركع قبل أن يصل إلى الصف ثم مشى راكعا حتى وصل إلى الصف قال أبو عمر لا أعلم لزيد وبن مسعود مخالفا من الصحابة روى محمد بن إسحاق عن الأعرج قال قلت لأبي هريرة يركع الإمام ولم أصل إلى الصف أفأركع فأخذ برجلي وقال لا يا أعرج حتى تأخذ مقامك من الصف قال أبو عمر قد روي قول أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه بن عجلان عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف وعلى هذا مذهب الشافعي إلا أنه يستحب ألا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف فإن فعل فلا شيء عليه كأنه لم يقطع بصحة رفع حديث أبي هريرة مع ما روي عن بن مسعود وزيد وقال مالك والليث لا بأس أن يركع الرجل وحده دون الصف ويمشي إلى الصف إذا كان قريبا قدر ما يلحق وقال أبو حنيفة أكره للواحد أن يركع دون الصف ثم يمشي ولا أكره ذلك للجماعة وهو قول الثوري قال أبو عمر من هذا الباب صلاة الرجل الصف وحده وقد اختلف العلماء في ذلك قديما فقال مالك لا بأس أن يصلي الرجل خلف الصف وحده وقد كره أن يجذب إليه رجلا وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والليث بن سعد والثوري إن صلى رجل خلف الصف وحده أجزأه وقال الحسن بن حي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأكثر أهل الظاهر لا يصلي الرجل خلف الصف وحده وإن فعل فعليه الإعادة قال أبو عمر احتج من لم يجز ذلك بحديث وابصة بن معبد رواه جماعة من أئمة أهل الحديث عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف أنه سمع

وابصة بن معبد يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد ومن أجاز صلاة الرجل خلف الصف وحده احتج بحديث أبي بكرة أنه ركع دون الصف فلم يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعادة وقال له زادك الله حرصا ولا تعد وقالوا ليس في حديث وابصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالإعادة لصلاته خلف الصف وحده لعله قد أمره بالإعادة لشيء رآه منه وهذا خلاف ظاهر ما سبق له الحديث واحتجوا أيضا بابن مسعود وزيد في ركوعهما دون الصف والركوع ركن من أركان الصلاة قالوا فكذلك سائر الصلاة قال أبو عمر أجمع العلماء على أن المرأة تصلي خلف الرجل وحدها صفا وأن سنتها الوقوف خلف الرجل لا عن يمينه وهذا المعنى قد مضى في جامع سبحة الضحى والحمد لله قال إسماعيل بن إسحاق من دخل المسجد فوجد الناس ركوعا فلا يركع دون الصف إلا أن يطمع أن يصل إلى الصف راكعا قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركعة وهو معنى ما رواه بن القاسم عن مالك في ذلك وقال غيره له أن يركع دون الصف ويعقد ركعته قبل أن يرفع الإمام رأسه كما له أن يصلي خلف الصف وحده قال وهو قول مالك وأصل مذهبه في ذلك وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة حين ركع دون الصف زادك الله حرصا ولا

تعد فمعناه عند أهل العلم زادك الله حرصا إلى الصلاة ولا تعد إلى الإبطاء عنها حتى يقوتك شيء منها ولم يأمره بإعادة ركوعه الصف ولا لسعيه إليه حدثنا يعيش بن سعيد وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسحاق بن الحسن الجويني قال حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي قال حدثنا بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن أبي بكرة أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وهم ركوع فسعى إلى الصف فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من الساعي قال أبو بكرة أنا يا رسول الله قال زادك الله حرصا ولا تعد باب ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيه مالك حديث أبي حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته الحديث ذكره عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي أنه قال أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته الحديث وحديث أبي مسعود الأنصاري واسمه عقبة بن عمرو بمعناه إلا أنه قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد

ذكره أيضا عن نعيم بن عبد الله المجمر عن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري أنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري فذكر الحديث وقد ذكرنا في التمهيد الرواية عن أبي مسعود أنه قال لما نزلت إن الله وملئكته يصلون على النبي الأحزاب قالوا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة وذكر الحديث وفي هذين الحديثين من الفقه أنه يلزم من ورد عليه خبر محتمل لوجه أو لوجهين في الكتاب أو السنة ألا يقطع منهما على وجه حتى يقف على المراد إن وجد إلى ذلك سبيلا ألا ترى إلى قول سعد بن عبادة وغيره أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك وهذا والله أعلم لما يحتمله لفظ الصلاة من المعاني وقد بيناها فيما تقدم من هذا الكتاب وقد اختلف الناس فيما لم يرد به التوقيف هل العموم أولى بذلك أم الخصوص في أقل ما يقع عليه الاسم وذلك سبق لي كتاب الأصول والحمد لله وهذا الحديث يخرج في التفسير المسند ويبين قول الله تعالى إن الله وملئكته يصلون على النبي الأحزاب الآية فبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة عليه وبين لهم في التشهد كيف السلام عليه وهو قوله عليه السلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم والسلام كما قد علمتم ويشهد لما قلنا قول بن عباس وبن مسعود كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن

وقال بن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد وفي بعض الروايات عنه على المنبر كما يعلم المكتب الولدان وذكر أبو بكر قال حدثنا بن علية عن خالد بن الغلام المتوكل قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول كنا لا نكتب شيئا إلا القرآن والتشهد وقد قيل إنه التسليم من الصلاة الذي هو تحليلها وقال بعض أهل العلم إن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بن مسعود ومن روى مثل روايته اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كلام مجمل محتمل للتأويل يفسره قوله في حديث أبي حميد الساعدي ومن تابعه اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته لأن لفظ الآل محتمل لوجوه من الأهل ومنها الأتباع كما قال تعالى أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب غافر أي أتباعه فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الآل هنا الأهل وأن ما أجمله مرة فسره أخرى وأوقف على أن الأهل أزواجه وذريته ويدخل في قوله آل إبراهيم إبراهيم وفي آل محمد محمدا صلى الله عليهما كأنه قال إبراهيم وآله ألا ترى إلى قوله تعالى أدخلوا ءال فرعون يدخل فيه فرعون هذا ما يوحيه تهذيب الأحاديث وترتيبها والله ولي التوفيق لا شريك له وأجمع العلماء على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مؤمن لقوله عز وجل يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما الأحزاب ثم اختلفوا في كيفية ذلك وموضعه فذهب مالك وأصحابه وأبو حنيفة إلى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في الجملة بعقد الإيمان ولا يتعين في الصلاة ولا في وقت من الأوقات ومن قول بعضهم أن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة في عمره فقد سقط فرض ذلك عنه وبقي مندوبا إليه من عمره بمقدار ما يمكنه وروي عن مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي أنهم قالوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مستحب في التشهد الآخر مندوب إليها وتاركها مسيء ومع ذلك فصلاة من لم يفعل ذلك تامة

حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن زائدة عن منصور عن إبراهيم قال كانوا يرون حين فرض الله الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فكانوا يرون أن التشهد كاف من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال الشافعي إذا لم يصل المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الآخر بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة قال وإن صلى عليه قبل ذلك لم يجزئه وهذا قول حكاه عنه حرملة لا يكاد يؤخذ عنه إلا من رواية حرملة وغير حرملة إنما يروى عنه أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في كل صلاة وموضعها التشهد الآخر قبل التسليم ولم يذكروا إعادة فيمن وضعها قبل التشهد في الجلسة الآخرة إلا أن أصحابه قد تقلدوا رواية حرملة ومالوا إليها وناظروا عليها ومن حجة من قال إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست من فرائض الصلاة حديث بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فعلمه التشهد إلى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وقال له فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة فإن شئت أن تقوم وإن شئت أن تقعد وقد ذكرناه بإسناده وتمام ألفاظه في التمهيد وليس في هذا الحديث ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد وكذلك سائر الآثار عن بن مسعود وغيره في التشهد ليس في شيء منها ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم يدعو بما شاء ولم يأمر بإعادة ولو كان ذلك فرضا لأمره بالإعادة كما فعل بالذي لم يكمل ركوعه ولا سجوده

وحجة الشافعي ومن قال بقوله في هذه المسألة أن الله عز وجل أمرنا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأن نسلم عليه تسليما ثم جاء الأمر منه عليه السلام بالتشهد فعلمهم فيه كيف يسلمون عليه تسليما بقوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وكان يعلم أصحابه التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن وقال لهم إنه يقال في الصلاة لا في غيرها وقالوا له قد علمنا السلام عليك في التشهد يعنون فكيف الصلاة عليك فعلمهم الصلاة عليه وقال لهم السلام كما قد علمتم فدلهم على أن ذلك قرين التشهد في الصلاة قالوا وقد وجدنا الأمة بأجمعها تفعل الأمرين جميعا في صلاتها فلا يجوز أن يفرق بينها ولا تتم الصلاة إلا بهما وأراه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر المسلمين قولا وعملا قالوا وليس في حديث بن مسعود حجة لأنه حديث خرج على معنى في التشهد كانوا يقولون فقال لهم لا تقولوا وقولوا كذا ومعنى قوله فيه فإذا قلت كذلك فقد تمت صلاتك يعني إذا ضم إلى ذلك القول غيره من التسليم الذي به يسد الخلل منها وكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مثل قوله عليه السلام أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها على فقرائكم يعني إذا ضم إليهم من سمي معهم في القرآن وكذلك حديث أبي هريرة ورفاعة بن رافع في الذي لم يكمل صلاته فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له إذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك يعني إذا ضم إليه

فيها ما لابد منه فيها من القراءة والتسليم وما أشبه ذلك وإذا جاز المستدل أن يستدل على ظواهر أحاديث التشهد وما أشبهها بحديث تحليلها التسليم جاز لغيره أن يستدل على إيجاب الصلاة على النبي في الصلاة بما وصفنا وببعضه وبالله التوفيق قالوا وأبو مسعود هو الذي يروي الحديث في هذا الباب وهو القائل ما أرى أن صلاة لي تمت إذا لم أصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وذكرنا حديث سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم روى حديث أبي مسعود جابر الجعفي وجابر الجعفي وإن كان قد طعن عليه قوم منهم بن عيينة فقد أثنى عليه سفيان وشعبة وغيرهما ووصفوا بالحفظ والإتقان لما روى ومن حجة الشافعي أيضا ما رواه بن عيينة عن منصور قال لما أنزل الله تعالى إن الله وملئكته يصلون على النبي يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما الأحزاب فافترض الله على عباده الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليم علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله هذا كله ما احتج به الشافعي وأصحابه لمذهبهم في إيجاب الصلاة على النبي عليه السلام في الصلاة قال أبو عمر الأصل أن الفرائض لا تثبت إلا بدليل لا معارض له أو بإجماع لا مخالف فيه وذلك معدوم من هذه المسألة إلا أني رأيت الفقهاء وأصحابهم إذا قام لأحدهم دليلا من كتاب أو سنة أوجبوا به واستقصوا في موضع الخلاف

وحجة أصحاب الشافعي فيها ضعيف ولست أوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرضا في كل صلاة ولكن لا أحب لأحد تركها وبالله التوفيق قال أبو عمر رويت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة بألفاظ متقاربة ليس في شيء منها وارحم محمدا وآل محمد وإنما فيها كلها لفظ الصلاة والبركة لا غير قوله اللهم صل على محمد وليس في شيء منها وأرحم محمدا فلا أحب أحدا أن يقوله لأن الصلاة وإن كانت من الله الرحمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم خص بهذا اللفظ وذلك والله أعلم من معنى قول الله عز وجل لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا النور ولهذا أنكر العلماء على يحيى بن يحيى ومن تابعه في الرواية عن مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار قال رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر قالوا إنما الرواية لمالك وغيره عن عبد الله بن دينار عن بن عمر أنه كان يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأبي بكر وعمر ففرقوا بما وصفت لك بين يدعو لأبي بكر وعمر وبين يصلي على أبي بكر وعمر وإن كانت الصلاة قد تكون دعاء لما خص به صلى الله عليه وسلم من لفظ الصلاة عليه وكذلك روي عن عبد الله بن عباس قال لا يصلي على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الناس يدعى لهم ويترحم عليهم ومعلوم أن بن عباس قد يعلم أن الصلاة تكون الدعاء والرحمة أيضا وقد رد بن وضاح رواية يحيى إلى رواية بن القاسم فإنه روى رواية بن القاسم عن سحنون وحدث بها عنه وكما رواه بن القاسم كذلك رواه القعنبي وبن بكير ومن تابعهم في الموطأ وجعلها يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأبي بكر وعمر وهذا كله مذهب من لا يرى ألا يصلى على غير النبي عليه الصلاة والسلام حدثنا أحمد بن عبد الله عن أبيه عن عبد الله بن يونس عن بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا هشيم قال أخبرنا عثمان بن

حكيم عن عكرمة عن بن عباس قال ما أعلم الصلاة تنبغي من أحد على أحد إلا عن النبي عليه السلام وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن عثمان بن حكيم بن سهل عن عكرمة عن بن عباس قال لا تنبغي الصلاة على أحد إلا على النبيين قال عبد الرزاق وأخبرني الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا على أنبياء الله ورسوله فإن الله بعثهم كما بعثني وقد أجاز قوم الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد قالوا ومعلوم أن آل محمد غير محمد واحتجوا أيضا بحديث عبد الله بن أبي أوفى قال كان الناس يأتون بصدقاتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو لهم فجئت مع أبي بصدقته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم صلى على آل أبي أوفى ففي هذا الحديث لفظ الصلاة على غير النبي عليه السلام قال أبو عمر تهذيب هذه الآثار وحملها على غير التضاد والتدافع هو أن يقال أما النبي عليه السلام فجائز أن يصلي على من شاء لأنه قد أمر أن يصلي على كل من يأخذ صدقته وأما غيره فلا ينبغي له إلا أن يخص النبي عليه السلام بالصلاة عليه كما قال بن عباس فجائز أن يحتج في ذلك بعموم قوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا النور والذي اختاروه في هذا الباب أن يقال اللهم ارحم فلانا واغفر له ورحم الله فلانا وغفر له ورضي عنه ونحو هذا من الدعاء له والترحم عليه ولا يقال إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا صلى الله عليه إلا أنه جائز أن يدخل معه في ذلك آله على ما جاء في الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ولا يصلى على غيره بلفظ الصلاة امتثالا لعموم قول الله عز وجل لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم النور في حياته وموته صلى الله عليه وسلم

باب العمل في جامع الصلاة ذكر فيه مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد صلاة العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين هكذا رواية يحيى عن مالك لم يذكر في بيته إلا بعد المغرب فقط وتابعه القعنبي على ذلك وقال بن بكير في هذا الحديث في بيته في موضعين أحدهما في الركعتين بعد المغرب والأخرى في الركعتين بعد الجمعة في بيته وقال بن وهب فيه عن مالك في الركعتين بعد المغرب والركعتين بعد العشاء في بيته ولم يذكر الصرافة في الجمعة وقد تابعه أيضا جماعة من رواة الموطأ وقد اختلف في لفظ هذا الحديث أصحاب نافع واختلف فيه أيضا عن بن عمر وقد ذكرنا ذلك كله مبسوطا في التمهيد وقد اختلفت الآثار وعلماء السلف في صلاة النافلة في المسجد وكرهها قوم لهذا الحديث ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى قوم يصلون بعد المغرب في المسجد فقال هذه صلاة البيوت ورخص فيها آخرون لحديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد

وقد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد والذي عليه العلماء أنه لا بأس بالتطوع في المسجد لمن شاء إلا أنهم مجمعون على أن صلاة النافلة في البيوت أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة وقد تقدم هذا الحديث فيما مضى من هذا الكتاب وأما قوله في هذا الحديث وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين فإن الفقهاء اختلفوا في التطوع بعد الجمعة خاصة فقال الإمام مالك ينبغي للإمام إذا سلم من الجمعة أن يدخل منزله ولا يركع في المسجد ويركع الركعتين في بيته إن شاء على حسب ما رواه في ذلك قال مالك وأما من خلف الإمام فأحب إلي أيضا أن ينصرفوا إذا سلموا ولا يركعوا في المسجد فإن ركعوا فذلك واسع وقال الشافعي ما أكثر المصلي من التطوع بعد الجمعة فهو أحب إلي وقال أبو حنيفة يصلي بعد الجمعة أربعا وقال في موضع آخر وستا وقال الثوري إن صليت أربعا أو ستا فحسن وقال الحسن بن حي يصلي بعد الجمعة أربعا وقال أحمد بن حنبل أحب إلي أن يصلي بعد الجمعة ستا فإن صلى أربعا فحسن لا بأس به وكل هذه الأقاويل مروية عن الصحابة قولا وعملا وقد ذكرنا ذلك كله عنهم بالأسانيد في التمهيد ولا خلاف بين متقدمي العلماء ومتأخريهم أنه لا حرج من لم يصل بعد الجمعة ولا من فعل من الصلاة أكثر أو أقل مما اختاره كل واحد منهم وأما قولهم في ذلك على الاختيار لا على غير ذلك

واختار أكثر أهل العلم ركوع الركعتين بعد المغرب في البيت روى القعنبي عن سليمان بن بلال عن بلال عن ربيعة أنه سمع السائب بن يزيد يقول رأيت الناس في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينصرفون من الصلاة بعد المغرب ولا يصلون حتى يصيروا إلى أهليهم وربما انصرفوا جميعا حتى ما يبقى في المسجد أحد وروى حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن العباس بن سهل بن سعد أن الناس كانوا على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه يصلون الركعتين بعد المغرب في بيوتهم وروى الأعمش عن ثابت بن يزيد قال رأيت زيد بن ثابت صلى الركعتين بعد المغرب في بيته وكان إبراهيم النخعي إذا صلى المغرب لم يركع إلا في بيته ركعتين وكان سعد بن إبراهيم لا يصلي الركعتين بعد المغرب إلا في بيته فهذا عمل الصحابة والتابعين بالمدينة وروى سفيان عن منصور عن إبراهيم قال صلاة السنة اثنتا عشرة ركعة وهذا محفوظ من حديث أم حبيبة عن النبي عليه السلام أنه قال من صلى ثنتي عشرة ركعة بعد الفريضة وثابر عليها بني له بيت في الجنة أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه جعل موضع الركعتين بعد العشاء ركعتين قبل العصر مالك عن بن الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال أترون قبلتي ها هنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم إني لأراكم من وراء ظهري قال أبو عمر دفعت طائفة من أهل الزيغ هذا الحديث وقالوا كيف تقبلون مثل هذا وأنتم ترون ضده فذكروا حديث أبي بكرة إذ ركع دون الصف فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال أيكم الذي ركع دون الصف فقال أبو بكرة أنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد وذكروا حديث حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للرجل الذي دخل الصف وقد حفزه النفس فقال حين انتهى إلى الصف الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال من المتكلم الحديث وذكروا مثل هذا من الأحاديث وقالوا ألا ترون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم من الراكع دون الصف حتى استعلم ولا ومن المتكلم قال أبو عمر فالجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فضائله تزيد في كل وقت إلى أن مات صلى الله عليه وسلم ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم قال كنت عبدا قبل أن أكون نبيا وكنت نبيا قبل أن أكون رسولا وقال صلى الله عليه وسلم لا يقولن أحدكم إني خير من يونس بن متى

وقال له رجل يا خير البرية فقال ذاك إبراهيم وقال له آخر يا سيد بن السادة أو يا شريف بن الشرفاء فقال ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وذلك قوله كله قبل أن تنزل عليه سورة إنا فتحنا لك الفتح فلما نزلت عليه وفيها ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر الفتح ولم يغفر لأحد قبله ما تقدم من ذنبه فلما كان ذلك قال حينئذ أنا سيد ولد آدم ولا فخر وحينئذ قال والله أعلم إني لأراكم من وراء ظهري فكانت فضائله صلى الله عليه وسلم تزيد ولا تنقص وقد تأول قوم أن أرى هنا بمعنى أعلم كما قال عز وجل حاكيا عن شعيب عليه السلام وكان أعمى إني أراكم بخير هود وأرى بمعنى أعلم معلوم في لسان العرب فأراد بقوله أراكم أعلم خشوعكم وتمام ركوعكم بما يخفى عنكم ويلقي الله في قلبي معرفة أحوالكم قال أبو عمر هذه دعوى فيها تحديد لمخالفة الظاهر وغير نكير أن يكون ذلك برؤية العين كسائر ما أعطيه من خرق العادة وأعلام النبوة فيكون ذلك في آخر أمره فيكون قولنا على ظاهر ما قاله صلى الله عليه وسلم وإن كان لا سبيل إلى كيفيته وهو علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل قول النبي عليه السلام أراكم من وراء ظهري فقال كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه قلت له إن إنسانا هو في ذلك كغيره وإنما كان يراهم كما ينظر الإمام من عن يمينه وشماله فأنكر ذلك إنكارا شديدا قال أبو عمر وصحيح قول أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يلتفت في صلاته وقد روي سفيان بن عيينة عن داود وحميد وبن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى وتقلبك في السجدين الشعراء قال كان النبي عليه السلام يرى من خلفه في الصلاة كما يرى من بين يديه

وروى وكيع عن سفيان عن الليث عن مجاهد قال كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه وخالف مجاهد في تأويل هذه الآية عكرمة وقتادة وقد ذكرنا ذلك في التمهيد والحمد لله وذكر سند قال حدثنا حجاج عن بن أبي ذئب عن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأنظر من ورائي كما أنظر إلى من أمامي فسووا صفوفكم وأحسنوا ركوعكم وسجودكم مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكبا وماشيا قد ذكرنا في التمهيد اختلاف رواة الموطأ في إسناد هذا الحديث واختلاف أصحاب نافع في ألفاظه أيضا ورواية أيوب فيه عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء ولم يذكر مالك ولا عبيد الله مسجدا وجرد حماد بن زيد هذا الحديث فرواه عن أيوب عن نافع قال كان عبد الله بن عمر يأتي مسجد قباء في كل سبت إذا صلى الغداة وكان يكره أن يخرج منه حتى يصلي فيه ورواية أيوب هذه تفسير إتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء أنه كان للصلاة في مسجدها وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أن قصد مسجد قباء والصلاة فيه تعدل عمرة بإسناد فيه لين من حديث أهل المدينة قد ذكرناه في التمهيد وذكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن سعد بن إسحاق عن سليط بن سعد قال سمعت بن عمر يقول من خرج يريد مسجد قباء لا يريد غيره يصلي كانت كعمرة وهذا عن بن عمر تفسير حديثه في هذا الباب والله الموفق للصواب وليس في إتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء راكبا ما يعارض قوله عليه السلام لا تعمل

المطي إلا إلى ثلاثة مساجد لأن قوله ذلك معناه عند العلماء فيمن نذر على نفسه الصلاة في أحد الثلاثة المساجد أنه يلزمه إتيانها دون غيرها وأما إتيان قباء وغيرها من مواضع الرباط تطوعا دون نذر فلا بأس بإتيانها بدليل حديث قباء هذا وقد اختلف في المسجد الذي اسس على التقوى فقيل مسجد قباء وقيل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عن النبي عليه السلام من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال هو مسجدي هذا وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد وكذلك اختلفوا في الطائفة التي بنوا مسجد الضرار على ما قد أوردناه في التمهيد وقد قيل إن إتيان رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء كان زيارة منه للأنصار ونظرا إلى حيطانهم وتفرجا فيها ونحو هذا والأول أعلى عندي ذكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن هاشم بن هاشم عن عائشة بنت سعد قالت سمعت أبي يقول لأن أصلي في مسجد قباء أحب إلي من أن أصلي في بيت المقدس وأما قباء فموضع سكنى بني عمرو بن عوف أو قربهم وهي لفظه ممدودة وقد تقصر قال عبد الله بن الزبعري ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

حين ألقت بقباء رحلها واستحر القتل في عبد الأشل وقال عمرو بن الوليد بن عقبة أبو قطيفة ألا ليت شعري هل تغير بعدنا قباء وهل زال العقيق وحاضره وأما حديثه بعد هذا عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما ترون في السارق والشارب والزاني وذلك قبل أن ينزل فيهم قالوا الله ورسوله أعلم قال هن فواحش وفيهن عقوبة وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته قالوا وكيف يسرق صلاته يا رسول الله قال لا يتم ركوعها ولا سجودها هكذا الرواية في الموطأ أسوأ السرقة بكسر الراء والمعنى أسوأ السرقة سرقة من يسرق صلاته وقد جاء في القرآن ولكن البر من ءامن بالله البقرة والمعنى ولكن البربر من آمن بالله ومن روى أسوأ السرقة الذي يسرق صلاته بفتح الراء يريد أسوأ السرقة فعلا الذي يسرق صلاته والسرقة جمع سارق مثل الفاسق والفسقة والكافر والكفرة وهذا الحديث متصل ويستند من وجوه صحاح من حديث أبي سعيد الخدري وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله أسوأ السرقة الذي يسرق صلاته الحديث سواء وفي حديث عمران بن حصين قال ما تعدون الكبائر فيكم قالوا الشرك والزنا والسرقة وشرب الخمر قال هن كبائر وفيهن عقوبات وذكر الحديث وفي حديث مالك من الفقه طرح العالم على المتعلم المسائل ليختبره بها وفيه أن شرب الخمر والزنا فواحش والله عز وجل قد حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن

ومعلوم من قوله ما ترون في الشارب أنه لم يرد شارب الماء وكذلك كل ما أباح الله شربه فلم يبق إلا أنه أراد شارب ما حرم الله عليه ولا يعلم شرب شرابا مجتمعا على تحريمه إلا الخمر وكل مسكر عندنا خمر وفيه دليل على أن الشارب يعاقب وعقوبته كانت مردودة إلى الاجتهاد فلذلك جمع عمر رضي الله عنه الصحابة فشاورهم في حد الخمر فاتفقوا على ثمانين فصارت سنة وعليها العمل عند جمهور فقهاء المدينة وسيأتي بيان ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وأما السرقة والزنا فقد أحكم الله الحد فيهما في كتابه على لسان نبيه مما لا مدخل للرأي فيه وفيه دليل على أن ترك الصلاة وترك إقامتها على حدودها من أكبر الذنوب ألا ترى أنه ضرب المثل لذلك بالزاني والسارق وشارب الخمر ومعلوم أن السرقة والزنا وشرب الخمر من الكبائر ثم قال شر السرقة وفي رواية مالك وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته يريد وشر من ذلك كله من يسرق صلاته فلا يتم ركوعها ولا سجودها وقد مضى القول في تارك الصلاة فيما تقدم من هذا الكتاب وأما من لم يتم ركوعها ولا سجودها فلا صلاة له وعليه إعادتها وأقل ما يجزئه من ذلك أن يضع يديه على ركبتيه ويعتدل راكعا أقل ما يقع عليه اسم ركوع ويتمكن فيه وكذلك لا يجزئه في السجود أقل من وضع وجهه في الأرض ويديه متمكنا أقل ما يقع عليه اسم ساجد غير ناقر قرأت على أبي محمد قاسم بن محمد أن خالد بن سعد حدثهم قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا شعبة قال أخبرنا سليمان الأعمش قال سمعت عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا بن أخي جويرية قال حدثنا عبد الملك بن بحر قال حدثنا مهدي بن ميمون عن واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة أنه رأى رجلا يصلي لم يقم ركوعه ولا سجوده فلما قضى صلاته دعاه فقال له مذ كم صليت هذه الصلاة قال صليتها منذ كذا وكذا فقال حذيفة ما صليت لله صلاة وقد أوضحنا ما للفقهاء من تسبيح الركوع والسجود والطمأنينة في ذلك في غير موضع والحمد لله وأما حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا وهذا الحديث روي مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ذكرت بعضها في التمهيد وللعلماء في معناه قولان أحدهما أنه أراد النافلة كأنه قال اجعلوا صلاتكم في بيوتكم يعني النافلة وتكون من زائدة كما قالوا ما جاءني من أحد يريدون ما جاءني أحد وقال آخرون أراد اجعلوا صلاتكم يريد المكتوبات في بيوتكم ليقتدي بكم أهلوكم ومن لا يخرج إلى المسجد منكم ومن يلزمكم تعليمه لقول الله عز وجل قوا أنفسكم وأهليكم نارا التحريم يقول أدبوهم وعلموهم وقالوا معلوم أن الصلاة إذا أطلقت فإنما يراد بها المكتوبة لا غيرها حتى يقال الصلاة النافلة وشبهها قالوا وحقيقة من التبعيض فلا تخرج اللفظة عن حقيقة معناها إلا بدليل لا يحتمل التأويل

قالوا ومن تخلف عن الجماعة لجماعة أكثر منها أو أقل فلم يتخلف عنها وقد قال صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ولم يخص الجماعة من جماعة ومن صلى في بيته في جماعة فقد أصاب سنة الجماعة وفضلها ذكر أبو بكر قال حدثنا سهل بن هارون قال أخبرنا هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم قال إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهما التضعيف خمس وعشرين درجة قال وحدثنا وكيع عن سفيان عن هشام عن الحسن قال الثلاثة جماعة وروينا أن أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق وجماعة لم يحضرني حفظهم حين كتبت هذا اجتمعوا في دار أحمد فسمعوا النداء فقال أحدهم اخرج بنا إلى المسجد فقال أحمد خروجنا إنما هو للجماعة ولولاها لم نخرج إلى المسجد ونحن في جماعة فأقاموا الصلاة وصلوا في البيت أخبرنا أحمد بن عمر قال حدثنا عبد بن أحمد قال حدثنا علي بن عمر قال حدثنا أبو بكر النيسابوري قال حدثنا عجلان بن المغيرة قال حدثنا عمر بن الربيع بن طارق قال حدثنا عبد الله بن فروخ عن بن جريج عن عطاء عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم وأما حديثه عن نافع بن عن عمر أنه كان يقول إذا لم يستطع المريض السجود أومأ برأسه إيماء ولم يرفع إلى جبهته شيئا فعلى قول بن عمر هذا أكثر أهل العلم من السلف والخلف وقد روي عن أم سلمة أنها كانت تسجد على مرفقة من رمد كان بها وعن بن عباس أنه أجاز ذلك وعن عروة بن الزبير أنه فعله وليس العمل إلا ما روي فيه عن بن عمر وقد روي ذلك عن بن عمر من وجوه رواه معمر وغيره عن أيوب عن نافع عن بن عمر

ومعمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر قال إذا كان المريض لا يستطيع ركوعا ولا سجودا أومأ برأسه في الركوع والسجود وهو يكبر قال عبد الرزاق وأخبرنا إسماعيل بن عبد الله عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي قال أصاب والدي الفالج فأرسلني إلى بن عمر يرفع إليه شيئا إذا صلى فقال بن عمر أيضا بين عينيك أومئ إيماء قال وحدثنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء قال دخل بن عمر على صفوان بن الطويل يعوده فوجده يسجد على وسادة فنهاه وقال أومئ واجعل السجود أخفض من الركوع قال وأخبرنا الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن معاوية عن علقمة والأسود أن بن مسعود دخل على عتبة أخيه وهو يصلي على مسواك يرفعه إلى وجهه فأخذه فرمى به ثم قال له أومئ إيماء وليكن ركوعك أرفع من سجودك فعلى هذا العمل عند مالك وأكثر الفقهاء وبالله التوفيق وأما حديثه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عبد الله بن عمر كان إذا جاء المسجد وقد صلى الناس بدأ بالصلاة المكتوبة ولم يصل قبلها فقد ذهب إليه جماعة من أهل العلم قديما وحديثا ورخص آخرون في الركوع قبل المكتوبة إذا كان وقت تجوز فيه الصلاة النافلة وكان فيه سعة ركعوا ركعتين تحية المسجد ثم أقاموا الصلاة وصلوا وكل ذلك مباح حسن إذا كان وقت تلك الصلاة واسعا قال مالك من أتى مسجدا قد صلي فيه فلا بأس أن يتطوع قبل المكتوبة إذا كان في سعة من الوقت وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وكذلك قال الشافعي وداود بن علي وقال الثوري أبدأ بالمكتوبة ثم تطوع بما شئت وقال الحسن بن جني يبدأ بالفريضة ولا يتطوع حتى يفرغ من الفريضة

قال فإن كانت الظهر فرغ منها ثم من الركعتين بعدها ثم يصلي الأربع التي قبلها وقال الليث كل واجب من صلاة فريضة أو صلاة نذر أو صيام بدأ بالواجب قبل النفل وقد روي عنه خلاف هذا قال بن وهب سمعت الليث بن سعد يقول في الذي يدرك الإمام في قيام رمضان ولم يصل العشاء أنه يدخل معهم ويصلي بصلاتهم فإذا فرغ صلى العشاء قال وإن علم أنهم في القيام قبل أن يدخل المسجد فوجد مكانا طاهرا فليصل العشاء ثم ليدخل معهم في القيام وأما حديثه عن نافع أن عبد الله بن عمر مر على رجل وهو يصلي فسلم عليه فرد الرجل كلاما فرجع إليه عبد الله بن عمر فقال له إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم وليشر بيده وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب ولا أن سنة يسلم على المصلي واختلفوا هل يسلم عليه في المسجد أو غير أم لا فذهب منهم ذاهبون إلى أنه لا يجوز أن يسلم عليه لأنه في شغل عن رد السلام وإنما السلام على من يمكنه رده واحتجوا بحديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سلم عليه والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي فلم يرد عليه فلما سلم قال إن في الصلاة شغلا وقال آخرون جائز ان يسلم على المصلي ويرد إشارة لا كلاما لحديث بن عمر عن صهيب أنه حدثه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد بني عمرو بن عوف فكان الأنصار يدخلون وهو يصلي فيسلمون فيرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة بيده فكان بن عمر يفتي بهذا

رواه مالك وأيوب وبن جريج وعبيد الله عن نافع عن بن عمر عن صهيب بمعنى واحد كما ذكره مالك ورواه الزهري عن سالم عن بن عمر مثله وقد تأول بعض أهل العلم في حديث صهيب هذا أن إشارته صلى الله عليه وسلم كانت إليهم ألا تفعلوا وهذا وإن كان محتملا ففيه بعد والأول أظهر وقد روى عبد الرزاق وغيره عن بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء قال رأيت موسى بن عبد الله بن جميل الجمحي سلم على بن عباس وبن عباس يصلي في الكعبة فأخذ بن عباس بيده وهذا يحتمل التأويل أيضا وجاء عن بن مسعود في هذا الباب مثل مذهب بن عمر أنه كان إذا سلم عليه وهو يصلي أشار بيده وأما جابر بن عبد الله فذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال لو مررت بقوم يصلون ما سلمت عليهم وعن بن جريج عن عطاء قال أنا أكره أن أسلم عليهم وعن الثوري عن منصور عن إبراهيم قال إذا سلم عليه في الصلاة فلا ترد فإذا انصرفت فإن كان قريبا فرد وإن كان بعيدا قد ذهب فأتبعه السلام ولم يختلف الفقهاء أن من رد السلام وهو يصلي كلاما مفهوما مسموعا أنه قد أفسد صلاته وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأصحابهم وأحمد وإسحاق وجمهور أهل العلم وقد روي عن طائفة من التابعين منهم الحسن وقتادة أنهم أجازوا أن يرد السلام كلاما وهو يصلي وقال من ذهب مذهبهم من المتأخرين السالكين سبيل الشذوذ إن الكلام المنهي عنه في الصلاة هو ما لا يحتاج إليه في الصلاة وأما رد السلام فهو فرض على من سلم عليه في الصلاة وغيرها فمن فعل ما يجب عليه فعله لم تفسد صلاته وقد أجاز بن القاسم وأكثر أصحابنا الكلام في شأن إصلاح الصلاة قال أبو عمر الحجة في هذا الباب حديث زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة

حتى نزلت وقوموا لله قنتين البقرة فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وحديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث ألا تتكلموا في الصلاة فلا يجوز الكلام في الصلاة لأنه أمر كان ونسخ والمنسوخ لا يجوز العمل به وأما حديث هذا الباب فظاهره أن بن عمر لم يأمر الرجل بإعادة وقال له إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم وليشر بيده ويحتمل أن يكون مذهب بن عمر في هذا مذهب الحسن ومن قال بقوله ويحتمل أن يكون أمره بالإعادة فلم ينقل ذلك لعلم المخاطب بوجوبه فكأنه قد قال له فلا تتكلم فمن تكلم فقد أفسد على نفسه صلاته وقد أعلمتك بما عليه مذاهب أهل الفتوى من أئمة الأمصار وهو اللباب من العلم والاختيار وبالله التوفيق وأما حديث مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وراء امام فإذا سلم الإمام فليصل الصلاة التي نسي ثم يصل بعدها الأخرى فقد اختلف أهل العلم قديما في هذه المسألة وحديثا فجملة قول مالك أنه من ذكر صلاة وهو في صلاة أو في آخر وقت صلاة فإنه يبدأ بالفائتة قبل التي هو في آخر وقت وقتها وإن فات الوقت فإن كان في صلاة وراء إمام تمادى معه ولم يعتد بصلاته تلك معه وصلى الفائتة ثم عاد إليها وصلاها ومن نسي صلاة فذكرها في آخر صلاة فإن كانت المذكورة صلاة واحدة أو اثنتين أو أربعا وقد قيل أو خمسة بدأ بها

وإن كان فات وقت الذي حضر وقتها وإن كانت ستة صلوات أو أكثر بدأ بالتي حضر وقتها ثم صلى الفوائت وعلى هذا مذهب أبي حنيفة والثوري والليث إلا أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا الترتيب عندنا واجب في اليوم والليلة إذا كان في الوقت سعة للفائتة ولصلاة الوقت فإن خشي فوات صلاة الوقت بدأ بها فإن زاد على صلاة يوم وليلة لم يجب الترتيب عندهم والنسيان عندهم يسقط الترتيب أيضا وكذلك عند مالك وأصحابه لا يجب الترتيب في الفوائت مع صلاة الوقت إلا بالذكر وجوب استحسان بدليل إجماعهم أن من ذكر صلاة فائتة في وقت العصر أو صلوات يسيرة أنه إن قدم العصر على الفائتة أنه لا إعادة عليه للعصر التي صلاها وهو ذاكر فيها للفائتة إلا أن يبقى من وقتها ما يعيدها فيه قبل غروب الشمس وهذا يدلك على أن قولهم من ذكر صلاة في صلاة أنها تنهدم أو تفسد عليه أنه كلام ليس على ظاهره ولو كان على ظاهره لوجبت الإعادة عليه للعصر بعد غروب الشمس لأن ما ينفسد وينهدم يعاد أبدا وما يعاد في الوقت فإنما إعادته استحباب فقف على هذا الأصل وقال أبو حنيفة أيضا وأصحابه من فاتته صلاة فائتة وهو في صلاة أخرى من الصلوات الخمس فإن كان فيها أكثر من خمس صلوات مضى فيما هو فيه ثم صلى التي عليه وإن كان أقل من ذلك قطع ما هو فيه وصلى التي ذكر إلا أن يكون في آخر وقت التي دخل فيها فخاف فوتها أن يتشاغل بهذه فإن كان ذلك أتمها ثم قضى التي ذكر وقال أبو حنيفة ومحمد إن ذكر الوتر في صلاة الصبح فسدت عليه وإن ذكر فيها ركعتي الفجر لم تفسد عليه قال أبو عمر لأنهما يوجبان الوتر فجرت عندهما مجرى الخمس وقال أبو يوسف لا تفسد عليه بذلك الوتر ولا بركعتي الفجر وبه يأخذ الطحاوي وقد روي عن الثوري وجوب الترتيب ولم يفرق بين القليل والكثير واختلف في ذلك عن الأوزاعي وقال الشافعي الاختيار أن يبدأ بالفائتة إن لم يخف فوات هذه فإن لم يفعل وبدأ بصلاة الوقت أجزأه

وذكر الأثرم أن الترتيب عند أحمد بن حنبل واجب في ثلاث سنين وأكثر وقال لا ينبغي لأحد أن يصلي صلاة وهو ذاكر لما قبلها لأنها تفسد عليه قال أبو عمر ثم نقض هذا الأصل أحمد فقال أنا آخذ بقول سعيد بن المسيب في الذي يذكر صلاة في وقت صلاة كرجل ذكر العشاء في آخر وقت صلاة الفجر قال يصلي الفجر ولا يضيع صلاتين أو قال يضيع مرتين وقال إذا خاف طلوع الشمس فلا يضيع هذه لقول سعيد لا يضيع مرتين وهذا يشبه مذهب أبي حنيفة في مراعاتها الابتداء بالفائتة أبدا ما لم يخف فوات صلاة الوقت وقال الأثرم قيل لأحمد إن بعض الناس يقول إذا دخلت في صلاة وتحرمت بها ثم ذكرت صلاة أنسيتها لم تقطع التي دخلت فيها ولكنك إذا فرغت منها قضيت التي نسيت وليس عليك إعادة هذه فأنكره وقال ما أعلم أحدا قاله إنما أعرف من قال أنا أقطع وأنا خلف الإمام فأصلي التي ذكرت لقول النبي صلى الله عليه وسلم فليصلها إذا ذكرها قال وهذا شنيع أن يقطع وهو وراء إمام قيل له فما تقول أنت قال يتمادى مع الإمام فإن كان وحده قطع وقال الشافعي وداود يتمادى مع الإمام ثم يصلي التي ذكر ولا يعيد هذه واحتج داود وأصحابه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتي الفجر وهو ذاكر للصبح وهذا لا حجة فيه لأن ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح فلم يذكر فيهما ما قبلهما وأيضا فلا ترتيب بين ركعتي الفجر والصبح إنما الترتيب في الخمس صلوات صلاة اليوم والليلة واحتج أصحاب الشافعي بأن الترتيب إنما يلزم في صلاة اليوم والليلة في ذلك اليوم وتلك الليلة فإذا خرج الوقت سقط الترتيب استدلالا بالإجماع على أن شهر رمضان يجب الترتيب فيه ما دام قائما فإذا انقضى سقط الترتيب عن كل من يصومه عن مرض أو سفر وجاز له أن يأتي به على غير نسق قالوا فكذلك ترتيب الصلوات الخمس حدثنا عبد الله قال حدثنا عبد الحميد قال حدثنا الخضر قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا الحكم بن موسى قال حدثنا هقل قال حدثنا

الأوزاعي قال سمعت الزهري يقول في الذي ينسى الظهر فلا يذكرها حتى يدخل في العصر مع الإمام قال يمضي في صلاة الإمام فإذا انصرف استقبل الظهر ثم صلى العصر فهذا بن شهاب الزهري يفتي بقول بن عمر وهو الذي يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول وأقم الصلوة لذكرى طه وبهذا الحديث احتج من قدم الفائتة على صلاة الوقت قالوا وإن خرج الوقت قالوا قد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الفائتة وقتا لها عند ذكرها فكأنهما صلاتان اجتمعتا في وقت واحد فيبدأ بالأولى منهما ومن أبي من ذلك فعلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إعلاما به بأن الفائتة لا يسقطها خروج الوقت وإنما تجب بالذكر أبدا وليست كالجمار والضحايا والأعمال التي تفوت بخروج وقتها فلا تقضى وأما ترتيبها وتقديمها على صلاة الوقت فلا وقد أوضحنا معنى هذا الباب بآثار عن علماء السلف في التمهيد والحمد لله وأما حديثه في هذا الباب أيضا عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان أنه قال كنت أصلي وعبد الله بن عمر مسند ظهره إلى جدار القبلة فلما قضيت الصلاة انصرفت إليه من قبل شقي الأيسر فقال عبد الله بن عمر ما منعك أن تنصرف عن يمينك قال قلت رأيتك فانصرفت إليك قال عبد الله فإنك قد أصبت إن قائلا يقول انصرف على يمينك فإذا كنت تصلي فانصرف حيث شئت إن شئت على يمينك وإن شئت على يسارك هكذا الحديث عند يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان وتابعه طائفة من رواة الموطأ ورواه أبو مصعب وغيره في الموطأ عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان لم يذكروا يحيى بن سعيد وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن عبيد

عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان فذكر مثله سواء إلى آخره وفيه الاستناد إلى جدار القبلة في المسجد إلا أن ذلك لا ينبغي أن يفعله من يستقبل المصلي ولا ينبغي للمصلي أن يبتدئ صلاته موجها بها غيره فهذا مكروه وروى سفيان عن سعيد عن القاسم بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبصر رجلا يصلي وآخر مستقبله فضربهما جميعا وأما انصراف المصلي إذا سلم عن يمينه أو يساره فإن السنة أن ينصرف كيف شاء روى شعبة عن سماك بن حرب قال سمعت قبيصة بن ذؤيب يحدث عن أبيه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه ينصرف عن شقيه ووكيع عن الأعمش عن عمارة عن الأسود قال قال عبد الله لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءا ألا يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه فإن أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله وأكثر أهل العلم على أنه الأفضل الانصراف من الصلاة على اليمين وأنه كالانصراف على الشمال سواء وكذلك روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال انصرف نحو حاجتك إن شئت عن يمينك وإن شئت عن شمالك وقال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لرجل رآه قد انصرف عن شماله أصبت السنة وكان الحسن وطائفة من أهل العلم يستحبون الانصراف من ا لصلاة على اليمين لحديث وكيع وغيره عن سفيان عن السدي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينصرف عن يمينه لما تقدم ذكره وأما قوله كان صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في أمره كله في طهوره وانتعاله فقد بان بما

ذكرنا أن ذلك في غير انصرافه من الصلاة لأنه كان ينصرف منها عن يمينه وعن شماله وقال بن مسعود أكثر ما كان ينصرف عن شماله فلما خص في طهوره وانتعاله دل على خصوص ذلك والله أعلم وأما حديثه في هذا الباب عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل من المهاجرين لم ير به بأسا أنه سأل عبد الله بن عمرو بن العاص أأصلي في عطن الإبل فقال عبد الله لا ولكن صل في مراح الغنم هكذا هو في الموطأ عند جميع الرواة ورواه وكيع وعبده بن سليمان عن هشام قال حدثني رجل من المهاجرين وبعضهم يقول عن هشام عن رجل من المهاجرين لا يذكرون فيه عن أبيه وزعم مسلم أن مالكا وهم فيه وأن وكيعا ومن تابعه أصابوا وهو عندي ظن وتوهم لا دليل عليه ومعلوم أن مالكا أحفظ ممن خالفه في ذلك وأعلم بهشام ولو صح ما نقله غير مالك عن هشام ما كان عندي إلا وهما من هشام والله أعلم ومالك في نقله حجة ومثل ذلك من الفرق بين الغنم والإبل لا يدرك بالرأي وقد روي هذا الحديث يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة قال حدثني رجل سأل عبد الله بن عمر عن الصلاة في أعطان الإبل قال فنهاه وقال صل في مراح الغنم

والصواب في إسناده عن هشام والله أعلم ما قاله مالك عنه وأما يونس بن بكير فليس بالحافظ وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة من حديث أبي هريرة والبراء بن عازب وجابر بن سمرة وعبد الله بن معقل وكلها بأسانيد حسان وأكثرها تواتر وأحسنها حديث البراء وحديث عبد الله بن معقل رواه عن الحسن نحو خمسة عشر رجلا وأما عطن الإبل فهو موضع بروكها عند سقيها لأنها في سقيها لها شربتان ترد الماء فيها مرتين فموضع بروكها بين الشربتين هو عطنها لا موضع بيتها وموضع بيتها هو مراحها كما لمراح الغنم موضع مقيلها وموضع مبيتها وفي هذا الحديث دليل على أن ما يخرج من مخرج الحيوان المأكول لحمه ليس بنجس لأن مراح الغنم لا تسلم من بعرها وحكم الإبل حكمها وقد تنازع العلماء في المعنى الذي ورد له هذا الحديث من الفرق بين عطن الإبل ومراح الغنم فقال منهم قائلون كان هذا من أجل أنه كان يستتر بها عند الخلاء وهذا خوف النجاسة من غيرها لا منها وقال آخرون النهي عن ذلك من أجل أنها لا تستقر في عطنها ولها إلى الماء نزوع فربما قطعت صلاة المصلي أو هجمت عليه فآذنه وقطعت صلاته واعتلوا بقوله صلى الله عليه وسلم لا تصلوا في أعطان الإبل فإنها جن خلقت من جن وفي بعض الروايات في حديث عبد الله بن مغفل فإنها خلقت من الشياطين أو من عنان الشياطين وهذه ألفاظ موجودة محفوظة في حديث عبد الله بن مغفل في كتاب عبد الرزاق وأبي بكر بن أبي شيبة وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء أتكره أن تصلي في أعطان

الإبل قال نعم من أجل أنه يبول الرجل إلى البعير البارك ولولا ذلك لكان عطنها مثل مراحها قلت أتصلي في مراح الغنم قال نعم قلت فإذا لم أخش من عطنها إذا قال فهو بمنزلة مراحها قال أبو عمر لا أعلم في شيء من الآثار المعروفة ولا عن السلف أنهم كرهوا الصلاة في مراح الغنم وذلك دليل على طهارة أبعارها وأبوالها ومعلوم أن الإبل مثلها في إباحة أكل لحومها واختلف العلماء فيمن صلى في أعطان الإبل والموضع طاهر سالم من النجاسة وقال أهل الظاهر صلاته فاسدة لأنها طابقت النهي فهي فاسدة لقوله صلى الله عليه وسلم كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد أي مردود وقال أكثر العلماء بئس ما صنع إذا علم بالنهي وصلاته ماضية إذا سلم من ما يفسدها من نجاسة أو غيرها لأن النهي عندهم معناه عنهم واستحب بعض أصحابنا الإعادة في الوقت ولا أعلم أحدا أجاز الصلاة في أعطان الإبل إلا ما ذكر وكيع عن أبي بكر عن جابر عن عامر بن جندب بن عامر السلمي أنه كان يصلي في أعطان الإبل ومرابض الغنم وهذا لم يسمع بالنهي والله أعلم وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء أأصلي في مراح الشاء قال نعم قلت أو تكرهه من أجل بول الكلب بين أظهرها قال إن خشيت بول الكلب بين أظهرها فلا تصل فيها وعن بن جريج قال قلت لعطاء أأصلي في مراح الغنم قال نعم فقال له إنسان إن صليت في مراح الغنم أو البقر أسجد على البقر أو أفحص لوجهي قال بل افحص لوجهك وأما حديث مالك في هذا الباب عن بن شهاب عن سعيد بن

المسيب أنه قال ما صلاة يجلس في كل ركعة منها قال سعيد يعني المغرب إذا فاتتك منها ركعة قال وكذلك سنة الصلاة كلها في خبر سعيد هذا طرح العالم على جلسائه ومن يتعلم منه ليعلم ما عندهم ويعلمهم فيجيب عن ما وقفوا عنه من ذلك وهذا باب من أبواب أدب العالم والمتعلم قد أوضحناه بالآثار في كتاب جامع بيان العلم وفضله وأما قول سعيد هي المغرب إذا فاتتك منها ركعة فهو كما قال عند جماعة العلماء لا أعلم فيه خلافا وكذلك سنة المغرب أيضا إذا أدركت منها ركعة هي جلوس كلها كما قال إذا فاتتك منها ركعة سواء إلا أنه قد جاء عن جندب بن عبد الله بن سفيان وكانت له صحبة فيمن أدرك ركعة من المغرب قول لم يتابع عليه إلا أنه قد جوز بن مسعود فعله وإن كان الاختيار عند غيره روى هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم أن مسروقا وجندبا أدركا ركعة من المغرب فأما مسروق فقعد فيهن كلهن وأما جندب فلم يقعد بعد الإمام إلا في آخرهن فذكرا ذلك لعبد الله بن مسعود فقال كلاكما محسن ولو كنت صانعا لصنعت كما صنع مسروق قال أبو عمر معلوم أن المصلي إذا فاتته بعض الصلاة مع إمامه ثم خرج عن صلاة إمامه بسلام الإمام فإنما يصلي لنفسه ولا خلاف أن من صلى لنفسه يقعد في ثانيته ومن أدرك ركعة من المغرب مع الإمام وقام بعد سلامه فأتى بركعة فهي له ثانية ومن حق الثانية القعود فيها ثم إذا أتى الثالثة في المغرب جلس لأنها آخر صلاته وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار وأما قول سعيد وكذلك سنة الصلاة كلها فإنما أراد سنة الصلاة كلها إذا فاتت المأموم منها ركعة أن يقعد إذا قضاها لأنها آخر صلاته وكذلك لو أدرك منها ركعة قعد في الأولى من قضائه لأنها ثانية له وقد يحتمل أن يكون أراد بقوله وكذلك سنة الصلاة كلها أي سنة صلاة المغرب وحدها الجلوس في كل ركعة منها لمن فاتته منها ركعة أو أدرك منها ركعة والله أعلم

باب جامع الصلاة ذكر فيه مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها قد ذكرنا أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التمهيد وفي كتاب الصحابة أيضا وأما معنى هذا الحديث فمعناه أن حمل الطفلة أو الطفل على عنق المصلي ووضعها ورفعها لا يفسد ذلك كله صلاة المصلي ولا تضر ملامسته لها وضوءه وفي ذلك دليل على أن قول الله تعالى أو لمستم النساء النساء لم يرد به الأطفال ولا من يلمس بغير شهوة كالأم وسائر ذوات المحارم واللواتي لا ينبغي في لمسهن لذة وقد مضت هذه المسألة في الوضوء مجودة والحمد لله وقد روي عن مالك في ذلك روايتان إحداهما أن ذلك كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة النافلة وأن مثل هذا الفعل غير جائز عنده في الفريضة رواها أشهب عن مالك وقد روى أشهب أيضا وبن نافع عن مالك أنه سئل عن تأويل هذا الحديث فقال ذلك عندي على حال الضرورة إذا كان الرجل لا يجد من يكفيه وأما لحب الولد فلا أرى ذلك ففي هذه الرواية لم يفرق بين فريضة ونافلة وأجازه للضرورة وحسبك بتأويل مالك في ذلك بهذا الدال على صحة قوله هذا أني لا أعلم خلافا أن مثل هذا العمل في الصلاة المكتوبة مكروه وفي هذا ما يوضح لك أن هذا الحديث إما أن يكون في النافلة أو على ضرورة كما قال مالك وإما أن يكون منسوخا بتحريم العمل والاشتغال في الصلاة بغيرها

وقد قال بعض أهل العلم إن فاعلا لو فعل مثل ذلك لم أر عليه إعادة من أجل هذا الحديث وإن كنت لا أحب لأحد فعله قال أبو عمر ولو كان هذا الحديث عنده سنة وكان عنده لا مدفع فيه ما قال وإن كنت لا أحب لأحد فعله بل كان ينبغي فعله تأسيا برسول الله ففيه الأسوة الحسنة وقد ذكر أبو بكر الأثرم قال سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسأل أيأخذ الرجل ولده وهو يصلي قال نعم واحتج بحديث أبي قتادة هذا وغيره في قصة أمامة هذه وهذا يحتمل أن يكون الرجل يأخذ ولده مرة أو يدفعه أو يعمل من ذلك عملا لا يمنعه عن إكمال أحوال صلاته وقد أجمع العلماء على أن العمل الخفيف في الصلاة جائز وأن العمل الكثير الذي يبين به ترك الصلاة له لا يجوز وكذلك فهو مفسد للصلاة وقد يستدل على أن حمل الطفل في الصلاة خصوص للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يؤمن من الطفل البول لحمله وقد روى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن سعيد المقبري عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة قال بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر حتى خرج علينا وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه فذكر الحديث وبان فيه أن ذلك في الفريضة لا في النافلة ومعلوم أن النافلة منه كانت في بيته لا حيث يراه أبو قتادة ومثله والله أعلم وقد ذكرنا رواية محمد بن إسحاق هذه وحديث الليث وبن عجلان وغيرهم بذلك في التمهيد

وذكرنا هناك أيضا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب وحديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي والباب عليه مغلق فجئت واستفتحت فمشى ففتح لي ورجع إلى مصلاه وقال أحمد بن حنبل ذكرت أن الباب كان في القبلة قال أبو عمر كانت صلاته تلك في بيته نافلة وذكرت أيضا في التمهيد حديث أنس قال كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه في الأرض يبسط ثوبه ويسجد عليه وهذا كله يدل على أن العمل القليل في الصلاة مباح وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما سمع وهو في الصلاة بكاء الطفل فتجوز في صلاته وخفف وقرأ بالسورة القصيرة وقد ذكرنا الخبر بذلك في التمهيد وكان رءوفا رحيما بالصبيان وغيرهم وأما حديثه بعد في هذا الباب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار

ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ففيه من الفقه شهود الملائكة للصلاة والأظهر أن ذلك في الجماعات ويحتمل الجماعات وغيرها والله أعلم ومعنى يتعاقبون تأتي طائفة بإثر طائفة وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو بين رجلين مرة هذا ومرة هذا ومنه قولهم الأمير يعقب الجيوش والبعوث أن يرسل هؤلاء وقتا شهرا أو شهورا وهؤلاء مثل ذلك بعدهم ليجهز أولئك فهذا هو التعاقب ومعنى الحديث أن ملائكة النهار تنزل في صلاة الصبح فتحصي على بني آدم ويعرج الذين باتوا فيكم ذلك الوقت أي يصعدون وكل من صعد في شيء فقد عرج ولذلك قيل للدرج العرج فإذا كانت صلاة العصر نزلت ملائكة الليل فأحصوا على بني آدم وعرجت ملائكة النهار ويتعاقبون هكذا أبدا وفي الحديث أنهم يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الصبح الفجر وهو أكمل معنى من الحديث الذي روي أنهم يجتمعون في صلاة الفجر خاصة وأظن من مال إلى هذه الرواية احتج بقول الله عز وجل وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا الإسراء لأن أهل العلم قالوا في تأويل هذه الآية تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار وليس في هذا دفع لاجتماعهم في صلاة العصر لأن المسكوت عنه قد يكون في معنى المذكور ويكون بخلافه وقد بان في حديث مالك هذا وهو من أثبتها أنهم يجتمون في صلاة العصر أيضا وهي زيادة لها معنى قصر عنه من لم يأت به من الرواة وقد يحتمل أن يكون ذكر وقرءان الفجر الإسراء من أجل الجهر بالقراءة فيها لأن العصر لا تظهر فيها القراءة ومعنى وقرآن الفجر أي قراءة الفجر وقد زدنا معنى هذا الحديث بيانا في التمهيد والحمد لله وفي قوله أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون ولم يذكروا سائر الأعمال دليل على فضل المصلين من هذه الأمة وأن الصلاة أفضل الأعمال وحديثه بعد في هذا الباب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة

زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله قال مروا أبا بكر فليصل للناس فقالت عائشة إن أبا بكر يا رسول الله إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل للناس قال مروا أبا بكر فليصل للناس قالت عائشة فقلت لحفصة قولي له إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل للناس ففعلت حفصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل للناس فقالت حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا ففيه من الفقه أن القوم إذا اجتمعوا للصلاة فأحقهم وأولاهم بالإمامة فيها أفضلهم وأفقههم لأن أبا بكر قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة بجماعة أصحابه ومعلوم أنه كان منهم من هو أقرأ منه ولا سيما أبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة وبن مسعود وزيد فهذه مسألة اختلف الفقهاء فيها فقال مالك يؤم القوم أعلمهم إذا كانت حالته حسنة وللمسن حق قيل له فأكثرهم قرآنا قال لا قد يقرأ القرآن من لا يكون فيه خير وقال الثوري يؤمهم أقرؤهم فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن استووا فأسنهم وقال الأوزاعي يؤمهم أفقههم في دين الله وقال أبو حنيفة يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله وأعلمهم بالسنة فإن استووا في العلم والقراءة فأكثرهم سنا فإن استووا في السن والقراءة والفقه فأورعهم وقال محمد بن الحسن وغيره إنما قيل في الحديث أقرؤهم لأنهم أسلموا

رجالا فتفقهوا فيما علموا من الكتاب والسنة وأما اليوم فيعلمون القرآن وهم صبيان لا فقه لهم وقد قال الليث بن سعد يؤمهم أفضلهم وخيرهم ثم أقرؤهم ثم أسنهم إذا استووا وقال الشافعي يؤمهم أقرأهم وأفقههم فإن لم يجتمع ذلك قدم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكتفي به في صلاته وإن قدم أقرأهم إذا كان يعلم ما يلزم في الصلاة فحسن وقال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل رجلان أحدهما أفضل من صاحبه والآخر أقرأ منه فقال حديث أبي مسعود يؤم القوم أقرؤهم ثم قال ألا ترى أن سالما مولى أبي حذيفة كان مع خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمرو أبو سلمة بن عبد الأسد فكان يؤمهم لأنه جمع القرآن فقلت له حديث النبي صلى الله عليه وسلم مروا أبا بكر فليصل بالناس هو خلاف حديث أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم يؤم القوم أقرؤهم قال إنما قوله عليه السلام مروا أبا بكر فليصل بالناس أراد الخلافة وكان لأبي بكر فضل بين على غيره وإنما الأمر في الإمامة إلى القراءة وأما قصة أبي بكر فإنما أراد بها الخلافة قال أبو عمر معلوم أن الصلاة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت إليه لا إلى غيره وهو الإمام المقتدى به ولم يكن لأحد أن يتقدم إليها بحضرته فلما مرض واستخلف أبا بكر عليها والصحابة متوافرون ووجوه قريش وسائر المهاجرين وكبار الأنصار حضور وقال لهم مروا أبا بكر يصلي بالناس استدلوا بذلك على أن أبا

بكر كان أحق الناس بالخلافة بعده صلى الله عليه وسلم فارتضوا لإقامة دنياهم وأمانتهم من ارتضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لدينهم ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم من أن يصرح بخلافة أبي بكر رضي الله عنه إلا أنه كان لا ينظر في دين الله بهواه ولا يشرع فيه إلا بما يوحى إليه ولم يوح إليه في الخلافة شيء وكان لا يتقدم بين يدي ربه في شيء إلا أنه كان يحب أن يكون أبو بكر الخليفة بعده فأراهم بتقديمه إياه إلى الصلاة موضع اختياره وأراد به فعرف المسلمون ذلك منه فبايعوا أبا بكر بعده فنفعهم الله به وبارك لهم فيه فقاتل أهل الردة وقام بأمر الله وعدل في الرعية وقسم بالتسوية وسار سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله عز وجل وقد رويت في هذا الباب آثار تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أن أبا بكر الخليفة بعده ولكنه لم يؤمر بالاستخلاف لتكون شورى والله أعلم منها حديث حذيفة عنه عليه السلام أنه قال اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ومنها حديث جبير بن مطعم أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن شيء فأمرها أن ترجع فقالت يا رسول الله إن رجعت ولم أجدك كأنها تعني الموت قال فائت أبا بكر وقال بن مسعود كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة لكلام قاله عمر بن الخطاب أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس قالوا نعم قال فأيكم تطيب نفسه أن ينزعه عن مقامه الذي أقامه فيه رسول الله قالوا كلنا لا تطيب نفسه بذلك وقد ذكرنا هذه الآثار كلها بأسانيدها في التمهيد وذكرنا الحجة لخلافته وإمامته هناك من الكتاب والسنة واستوفينا القول في فضائله في كتاب الصحابة والحمد لله

وأما قول عائشة إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء ففيه دليل على أن البكاء في الصلاة لا يقطعها وذكر بن المبارك عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وبجوفه أزيز كأزيز المرجل يعني من البكاء والبكاء الذي لا يقطع الصلاة ما كان من خوف الله تعالى أو غلبه حزن لا يملكه ضعفا أو عبثا ولا فهم منه شيء من حروف الكلام وأما قوله إنكن لأنتن صواحب يوسف فإنه أراد النساء وأنهن يسعين أبدا إلى صرف الحق واتباع الهوى وأنهن لم يزلن فتنة يدعون إلى الباطل ويصدون عن الحق في الأغلب وقد روي في غير هذا الحديث في النساء هن صواحب يوسف وداود وجريج وقد قال صلى الله عليه وسلم في النساء إن منهن مائلات عن الحق مميلات لأزواجهن وقال ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وخرج كلامه هذا منه صلى الله عليه وسلم على جهة الغضب على أزواجه وهن فاضلات وأراد جنس النساء غيرهن والله أعلم وفي هذا الحديث أيضا من قول حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا قط ما يدل على ضيق صدور بني آدم بما يؤذيهم وأن المكترث ربما قال قولا عاما يحمله عليه الحرج لأنه معلوم أنها كانت لا تعدم من عائشة خيرا وأنها تصيب منها الخير لا الشر وإذا كان مثل هذا في السلف الصالح فمن دونهم أحرى أن يعذر في مثله وبالله التوفيق

وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن عائشة قالت والله ما كانت مراجعتي للنبي صلى الله عليه وسلم إذ قال مروا أبا بكر أن يصلي بالناس إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول رجل يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك الرجل أبي مالك عن بن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني أصحابه إذ جاءه رجل فساره فلم يدر ما ساره به حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يستأذن في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جهر أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال الرجل بلى ولا شهادة له قال أليس يصلي قال بلى ولا صلاة له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك الذين نهاني الله عنهم قد ذكرنا في التمهيد من وصله من أصحاب مالك وأسنده ومن أسنده أيضا من أصحاب بن شهاب واختلافهم فيه عليه وذكرنا طرقه واختلاف ألفاظ ناقليه كل ذلك في التمهيد والحمد لله وفيه من الفقه إباحة المناجاة والتسار مع الواحد دون الجماعة وإنما المكروه أن يتناجى الاثنان فما فوقهما دون الواحد فإن ذلك يحزنه وأما مناجاة الاثنين دون الجماعة فلا بأس بذلك بدليل هذا الحديث وغيره ويحتمل أن يستدل بهذا الحديث على أن الرجل الرئيس المحتاج إلى رأيه ونفعه جائز أن يناجيه كل من جاءه في حاجته وفيه أنه جائز للرجل أن يظهر الحديث الذي يناجيه به صاحبه إذا لم يكن في ذلك ضرر على المناجي أو كان ما يحتاج أهل المجلس إلى علمه وفيه أن من أظهر الشهادة بان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حقنت دمه وحرمته إلا أن يأتي بما يوجب إراقته لما فرض الله عليه من الحق المبيح لقتل النفس المحرم قتلها قال الله عز وجل ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق الإسراء وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس يشهد أن لا إله إلا الله دليل على أن الذي

يشهد بالشهادة ولا يصلي لا تمنع الشهادة من أراقة دمه إذا لم يصل وأبي من إقامة الصلاة إذا دعي إليها وقد تقدمت أحكام تارك الصلاة وتنازع العلماء فيها في هذا الكتاب وفيه دليل على من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وصلى لم يجز قتله إلا أن يرتد عن دينه أو يكون محصنا فيزني أو يسعى في الأرض بالفساد ويقطع السبيل ويحارب الناس على أموالهم ونحو هذا وإذا لم يجز قتل من يصلي جاز قتل من لا يصلي وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك الذين نهاني الله عنهم رد لقول القائل له بلى ولا صلاة بلى ولا شهادة له لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثبت له الشهادة والصلاة ثم أخبر أن الله عز وجل نهاه عن قتل من هذه صفته وأنه لا يكلف أكثر من أن يقر طاهرا ويصلي طاهرا وحسابه على الله فإن كان ذلك صادقا من قلبه يبتغي به وجه الله دخل الجنة ومن خادع بها فهو منافق في الدرك الأسفل من النار ولا يجوز قتله مع إظهاره الشهادة ويأتي القول في أحكام الزنديق بما للعلماء في ذلك بعد إن شاء الله والرجل الذي سار رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هو عتبان بن مالك والرجل الذي جرى فيه هذا القول هو مالك بن الدخشم وقد أوضحنا ذلك أيضا بالآثار المتواترة في التمهيد وفي بعضها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبعض من قال فيه أنه منافق لا يحب الله ورسوله وما نرى مودته ونصحته إلا للمنافقين لا تقل ذلك فقد قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله واختلف الفقهاء في استتابة الزنديق المشهود عليه بالكفر والتعطيل وهو مقر بالإيمان مظهر له جاحد لما شهد به عليه فقال مالك وأصحابه يقتل الزنادقة ولا يستتابون وسئل مالك عن الزندقة فقال ما كان عليه المنافقون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إظهار الإيمان وكتمان الكفر هو الزندقة عندنا اليوم قيل لمالك فلم يقتل الزنديق ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين وقد عرفهم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قتلهم لعلمه فيهم وهم يظهرون الإيمان لكان ذلك ذريعة إلى أن يقول الناس قتلهم للضغائن والعداوة أو لما شاء الله غير ذلك فيمتنع الناس من الدخول في الإسلام

هذا معنى قول مالك وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه قال لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي وقد احتج عبد الملك بن الماجشون في قول الزنديق لقول الله عز وجل لئن لم ينته المنفقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجارونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا الأحزاب يقول إن الشأن فيهم ان يقتلوا حيث وجدوا ولم يذكر استتابه فمن لم ينته عما كان عليه المنافقون في عمر النبي صلى الله عليه وسلم قتل والله أعلم وبن القاسم يورث ورثة الزنديق منه وهم مسلمون وهو تحصيل مذهب مالك والحجة له أن الزنديق مظهر لدين الإسلام والشهادة عليه أنه يسر الكفر لا توجب القطع على علم ما شهد به الشهود والأصل أن مال كل ميت أو مقتول لورثته إلا أن يصح أنهم على دين سوى دينه وراعى في ذلك الاختلاف في استتابته ومعلوم أنه لو استتيب لثبت على قوله أنه مسلم فلهذا كله لم ير نقل المال عن ورثته وأما بن نافع فجعل ميراثه فيئا لجماعة المسلمين وكلاهما يروي ذلك عن مالك ووجه رواية بن نافع أنه لم يقتل أحدا ولا لمحاربته وإنما قتل للكفر والدم أعظم حرمة من المال والمال تبع له يفيض على أصله وبالله التوفيق واختلف قول أبي حنيفة وأبي يوسف في الزنديق فقالا مرة يستتاب ومرة لا يستتاب ويقتل دون استتابة وقد روى أبو يوسف عن أبي حنيفة اقتلوا الزنديق فإن توبته لا تعرف وقاله أبو يوسف وقال الشافعي يستتاب الزنديق كما يستتاب المرتد طاهرا فإن لم يتب قتل قال ولو شهد شاهدان على رجل بالردة فأنكر قتل فإن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله وتبرأ من كل دين خالف الإسلام لم يكشف عن غيره واحتج بقصة المنافقين وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتلهم بشهادة ولا بعلمه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشهادة تعصم الدم والمال لقوله صلى الله عليه وسلم فإذا شهدوا أن لا إله إلا

الله وأني رسول الله عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله وكلهم مع علمه بهم فيما أظهروا إلى يوم تبلى السرائر ويمتاز المؤمن من الكافر وقد أجمعوا أن الزنديق إذا أظهر الزندقة يستتاب كغير الزنديق ودل قوله عصموا مني دماءهم على أن من أهل القبلة من يشهد بها غير مخلص وأنها تحقن دمه وحسابه على الله وأجمعوا أن أحكام الدنيا على الظاهر وإلى الله عز وجل السرائر وقال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل يستتاب الزنديق قال ما أدري قلت إن أهل المدينة يقولون يقتل ولا يستتاب فقال نعم يقولون ذلك ثم قال من أي شيء يستتاب وهو لا يظهر الكفر هو يظهر الإيمان وقد أفردت لحكم المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحكامهم في مناكحتهم لبنات المسلمين الصالحين المؤمنين كتابا أتيت فيه على معاني المنافقين وكيف أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على مناكحه بنات المؤمنين وكيف الحكم فيهم عند السلف والخلف بما فيه الشفاء من هذا المعنى والحمد لله مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وقد أتينا به متصلا مسندا في التمهيد ولم ينفرد به مالك كما زعم بعض الناس قال البزار لم يتابع أحد مالكا على هذا الحديث إلا عمر بن محمد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن زيد بن أسلم

قال وليس بمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه رواه عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر عمر بن محمد ثقة روى عنه الثوري وجماعة وليس فيه حكم أكثر من التحذير أن يصلي إلى قبره وأن يتخذ مسجدا وفي ذلك أمر بأن لا يعبد إلا الله وحده وإذا صنع من ذلك في قبره فسائر آثاره أحرى بذلك وقد كره مالك وغيره من أهل العلم طلب موضع الشجرة التي بويع تحتها بيعة الرضوان وذلك والله أعلم مخالفة لما سلكه اليهود والنصارى في مثل ذلك مالك عن بن شهاب عن محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنها تكون الظلمة والمطر وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين تحب أن أصلي فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا قال فيه يحيى بن يحيى عن مالك عن بن شهاب عن محمود بن لبيد وهو من الغلط والوهم الشديد ولم يتابعه أحد من رواه الموطأ ولا غيرهم على ذلك وإنما رواه بن شهاب عن محمود بن الربيع لم يختلف عليه أصحابه في ذلك فهو حديث محمود بن الربيع محفوظ لا محمود بن لبيد وفيه جواز إمامه الزائر إذا أذن له المزور لأن السنة الثابتة في حديث أبي مسعود الأنصاري لا يؤمن أحد في سلطانه ولا بيته ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه رواه شعبة والأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود

وعن جماعة من السلف أنهم قالوا صاحب البيت أعلم بعورة بيته فلا يقعد الزائر إلا حيث يشار إليه من البيت وفيه من الفقه إجازة إمامة الأعمى ولا أعلمهم يختلفون فيه وفيه أن من تخلف عن الجماعة أن يجمع بأهله وجلسائه ولم يتخلف عتبان بن مالك عن رسول الله إلا لعذر ومحال أن يتخلف عليه مؤمن إلا لعذر صلى الله عليه وسلم وكذلك الجماعة لا يجوز التخلف عنها لغير جماعة إلا لعذر فإن تخلف لعذر فلا حرج وإن تخلف لغير عذر فقد بخس نفسه حظها في فضل صلاة الجماعة وصلاته ماضية مجزئة عنه وفي هذا الحديث دليل على جواز التخلف عن الجماعة عمدا وهو أيضا معارض للحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا رخصة في التخلف عنها لمن سمع النداء وقد روي أن عتبان بن مالك هذا هو الذي قيل له أتسمع النداء قال نعم قال ما أجد لك رخصة وفي حديث مالك هذا ما يعارض ذلك الحديث وقد مضى في هذا المعنى ما فيه شفاء والحمد لله ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم ألا صلوا في الرحال وقد مضى هذا المعنى مجودا والحمد لله وفيه جواز إخبار الإنسان عن نفسه بعاهة نزلت به وليس ذلك شكوى منه بربه لقوله وأنا رجل ضرير البصر وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووطئها وقام عليها وأدخل مالك هذا الحديث بإثر الذي قبله والله أعلم ليبين لك أن معنى هذا الحديث مخالف للذي قبله والتبرك والتأسي بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيمان وتصديق وحب في الله ورسوله

وفي هذا الحديث أيضا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق وجميل الأدب في إجابته كل من دعاه إلى ما دعاه إليه ما لم يكن أثما وأما حديثه في هذا الباب عن بن شهاب عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى فإنني أظن والله أعلم أن السبب الموجب لإدخال مالك هذا الحديث في موطئه ما بأيدي العلماء من النهي عن مثل هذا المعنى وذلك أن الليث به سعد وبن جريج وحماد بن سلمة رووا عن أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره وروى محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى ويستلقي فيرى والله أعلم أن مالكا بلغه هذا الحديث وكان عنده عن بن شهاب عن عباد بن تميم خلاف ذلك يحدث به على وجه الرفع والمعارضة ثم أردفه في موطئه بما رواه عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر وعمر كانا يفعلان ذلك وكأنه ذهب إلى أن نهيه عن ذلك منسوخ بفعله واستدل على نسخه بعمل الخليفتين بعده وهما لا يجوز أن يخفى عليهما ذلك النسخ في ذلك وغيره من المنسوخ في سائر سننه صلى الله عليه وسلم

وأقل أحوال الأحاديث المتعارضة في هذا الباب أن تكون متعارضة فتسقط وترجع إلى الأصل والأصل الإباحة حتى يرد الحظر ولا يثبت حكما على مسلم إلا بدليل معارض له والله أعلم مالك عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن مسعود قال لإنسان إنك في زمان كثير فقهاؤه قليل قراؤه تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه قليل من يسأل كثير من يعطي يطيلون فيه الصلاة ويقصرون الخطبة يبدون أعمالهم قبل أهوائهم وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير قراؤه يحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده كثير من يسأل قليل من يعطي يطيلون فيه الخطبة ويقصرون الصلاة يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم فإن هذا الحديث قد روي عن بن مسعود من وجوه متصلة حسان متواترة وفيه من الفقه مدح زمانه لكثرة الفقهاء فيه وقلة القراء وزمانه هذا هو القرن الممدوح على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على أن كثرة القراء للقرآن دليل على تغير الزمان وذمه لذلك وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منافقي أمتي قراؤها من حديث عقبة بن عامر وغيره وقال مالك رحمه الله قد يقرأ القرآن من لا خير فيه والعيان في هذا الزمان على صحة معنى هذا الحديث كالبرهان وفيه دليل أن تضييع حروف القرآن ليس به بأس لأنه قد مدح الزمان الذي تضيع فيه حروفه وذم الزمان الذي يحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده وفيه أن كثرة السؤال مذموم وأن كثرة السائلين وقلة المعطين لا يكون إلا في زمن مذموم وبضد ذلك مدح قلة السؤال وكثرة العطاء وفيه أن طول الصلاة محمود ممدوح عليه صاحبه وأما من أم جماعة فقد أوضحنا السنة في إمامه الجماعة فيما تقدم من أبواب هذا الكتاب والحمد لله وإذا كان من أتى الصلاة على ما ينبغي فيها محمودا عليها فبضد ذلك ذم من لم يتمها ومن لم يأت بها على كمالها مذموم على ذلك وقد جاء فيه الوعيد الشديد وأما قصر الخطبة فسنة مسنونة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك ويفعله

وفي حديث عمار بن ياسر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصر الخطبة وكان يخطب بكلمات طيبات قليلات وقد كره التشدق والتفيهق وأهل العلم يكرهون من المواعظ ما ينسي بعضه بعضا لطوله ويستحبون من ذلك ما وقف عليه السامع الموعوظ فاعتبره بعد حفظه له وذلك لا يكون إلا مع القلة وبن مسعود هذا هو القائل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا وأما تبدأة العمل الصالح على الهوى فهو النور والهدى وآفة العقل الهوى فمن علا على هواه عقله فقد نجا مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أنه قال بلغني أن أول ما ينظر فيه من عمل الصلاة فإن قبلت منه نظر في سائر عمله وإن لم تقبل منه لم ينظر في شيء من عمله فهذا المعنى قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه قد ذكرناها في التمهيد ومثله لا يكون رأيا وإنما يكون توقيفا فمن ذلك حديث تميم الداري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته رواه حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن زرارة بن أبي أوفى عن تميم وحديث أبي هريرة رواه أبو الحسن البصري عن أنس بن حكيم الضبي

قال قال أبو هريرة إذا أتيت أهلك فأخبرهم أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أول ما يحاسب به العبد المسلم الصلاة المكتوبة فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك هذه رواية علي بن زيد ويونس بن عبيد عن الحسن وقد ذكرنا طرقه في التمهيد وهذا عندي معناه فيمن سها عن فريضة ونسيها ولم يذكرها إلى أن مات وأما من ترك صلاة مكتوبة عامدا أو نسيها ثم ذكرها فلم يقمها فهذا لا يكون له فريضة من تطوع أبدا والله أعلم لأن ترك الصلاة عمدا من الكبائر لا يكفرها إلا الإتيان بها لمن كان قادرا عليها هي توبته لا يجزئه غير ذلك وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبان بن يزيد قال حدثنا قتادة عن الحسن عن أنس بن حكيم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة يحاسب بصلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه قد مضى القول في معناه فيما تقدم من هذا الكتاب عند ذكر حديث الحولاء بنت تويت في باب صلاة الليل مالك أنه بلغه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال كان

رجلان أخوان فهلك أحدهما قبل أن يهلك صاحبه بأربعين ليلة فذكرت فضيلة الأول عند رسول الله فقال ألم يكن الآخر مسلما قالوا بلى يا رسول الله وكان لا بأس به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريكم ما بلغت به صلاته بعده إنما مثل الصلاة كمثل نهر غمر عذب بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات فما ترون ذلك يبقى من درنه فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته وقد ذكرنا في التمهيد أن قصة الأخوين لا يعرفها أهل العلم بالحديث من حديث سعد بن أبي وقاص وقال أبو بكر أحمد بن عمرو البزار لا نعرف قصة الأخوين من حديث سعد بن أبي وقاص بوجه من الوجوه ولم يعرف البزار حديث بن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن عامر بن سعد عن أبيه بذلك رواه بن وهب هكذا بهذا الإسناد مثل حديث مالك سواء وقد يمكن أن يكون مالك أخذه من كتاب بكير والله أعلم أو أخبره به مخرمة ابنه عنه وهو مع ذلك حديث انفرد به بن وهب لم يروه بهذا الإسناد غيره وإنما تحفظ فيه قصة الأخوين من حديث طلحة بن عبيد الله ومن حديث عبيد بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن حديث بن وهب عن مخرمة عن أبيه عن عامر بن سعد عن أبيه أقوى من بعض الأسانيد عن هؤلاء وأما آخر هذا الحديث مثل الصلوات الخمس كمثل نهر الحديث فهو محفوظ من حديث أبي هريرة وحديث جابر بن عبد الله وحديث أبي سعيد الخدري من طرق صحاح ويروي أيضا مثل الصلوات الخمس من حديث عامر بن سعد عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الأسانيد والطرق لهذه الأحاديث كلها في التمهيد والحمد لله وفي هذا الحديث من الفقه أن الصلوات الخمس ترفع بها الدرجات وتمحى بها السيئات وقد مضى هذا المعنى مجودا من حديث العلاء في باب انتظار الصلاة والمشي إليها

وبلغني أن أبا زرعة الرازي قال خطر ببالي تقصيري وتقصير أكثر الناس في الأعمال من الصيام والحج والجهاد والصلة فكبر ذلك علي فرأيت ليلة في منامي كان آتيا أتاني فضرب بين كتفي قال قد أكثرت في العبادة وأي عبادة أفضل من الصلوات الخمس في جماعة وأما النهر الغمر فهو الكثير الماء والدرن الوسخ ويدل هذا الحديث والله أعلم على أن العذب من الماء أشد إنقاء للدرن كما أن الكثير أشد إنقاء من اليسير وهذا مثل ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم للمصلي يخبر بأن صلاته تكفر عنه سيئاته وهذا محمول عندنا على اجتناب الكبائر وقد أوضحنا هذا المعنى في غير موضع من كتابنا هذا والرواية المحفوظة في الموطأ وغيره يبقي بالياء مالك عن عطاء بن يسار أنه كان إذا مر عليه بعض من يبيع في المسجد دعاه فسأله ما معك وما تريد فإذا أخبره أنه يريد بيعه قال عليك بسوق الدنيا وإنما هذا سوق الآخرة ففيه أن ذلك الزمان كان فيه من عوام أهله من يبيع ويشتري في المسجد ولكنه كان فيه من ينكر ذلك وكان عطاء بن يسار منهم ولا يزال الناس بخير ما أنكر المنكر فيهم ولم يتواطؤوا عليه فإن تواطؤوا عليه هلكوا وكان عطاء بن يسار فاضلا قاضيا واعظا من حملة العلم ورواة الثقات وأما قوله في المسجد أنه سوق الآخرة فمأخوذ من قوله عز وجل تجرة لن تبور فاطر وهي أعمال البر الزاكية ولا عمل أفضل من الصلاة وانتظارها ولزوم المساجد من أجلها حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطر بن محمد الأسدي الكوفي قال حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الرجل يبيع ويشتري في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم

الرجل ينشد الضالة في المسجد فقولوا لا ردها الله عليك وقد ذكر الله تعالى المساجد بأنها بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وأن يسبح له فيها بالغدو والآصال فلهذا بنيت فينبغي أن تنزه عن كل ما لم تبن له مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنى رحبة في ناحية المسجد تسمى البطيحاء وقال من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعرا أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة هذا الخبر عند القعنبي ومطرف وأبي مصعب عن مالك عن أبي النضر عن سالم بن عبد الله عن بن عمر أن عمر بن الخطاب بنى رحبة في المسجد الحديث ورواه طائفة كما رواه يحيى فقد عارض هذا الخبر بعض الناس بحديث أبي هريرة أن حسان بن ثابت لما أنكر عليه عمر إنشاده الشعر في المسجد قال قد كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك فسكت عمر وهذا محمله عندي أن يكون الشعر الذي ينشد في المسجد ما ليس فيه منكر من القول ولا زور وحسبك ما ينشد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما كان فيه من الفخر بالآباء الكفار والتشبيب بالنساء وذكرهن على رؤوس الملأ وشعر يكون فيه شيء من الخنا فهذا كله لا يجوز في المسجد ولا في غيره والمسجد أولى بالتنزيه من غيره والشعر كلامه موزون فحسنه حسن وقبيحه قبيح وقبيحه لا يزيده الوزن معنى وقد قال صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمة وروى الليث بن سعد قال حدثني بن العجلان عن عمرو بن شعيب عن

أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تتناشد الأشعار في المسجد وعن البيع والشراء في المسجد ذكره أبو داود وغيره حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا الليث فذكره بإسناده وعلى ما ذكرنا ترتيب الاثار في إنشاد الأشعار في المسجد وبالله توفيقنا إلا أن الشعر وإن كان حسنا فلا ينبغي أن يكون إنشاده في المسجد إلا غبا لأن إنشاد حسان كذلك كان وأما الشعر القبيح وما لا حكمة فيه ولا علم فينبغي أن تنزه المساجد عن إنشاده فيها والقول في رفع الصوت يعني التلاوة أو ما يفيد علم الدين وفي اللفظ كالقول في إنشاد الشعر الذي لا خير فيه باب جامع الترغيب في الصلاة مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنى فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل علي غيرهن قال لا إلا أن تطوع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيام شهر رمضان قال هل علي غيره قال لا إلا أن تطوع قال وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة فقال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع قال فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح الرجل إن صدق ورواه إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة أن أعرابيا جاء إلى رسول صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال يا رسول الله ماذا فرض الله علي من الصلاة قال

الصلوات الخمس إلا أن تطوع قال فأخبرني بما افترض الله علي من الصيام قال صيام شهر رمضان إلا أن تطوع قال أخبرني بما افترض الله علي من الزكاة فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فقال والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح والله إن صدق أو دخل الجنة والله إن صدق قد ذكرنا في التمهيد أن قوله في هذا الحديث وأبيه منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم وذكرنا إسناده عن إسماعيل بن جعفر من طرق وهذا الأعرابي النجدي هو ضمام بن ثعلبة السعدي من بني سعد بن بكر روى حديثه بن عباس وأبو هريرة وأنس بمعان متفقة وألفاظ متقاربة كلها أكمل من حديث طلحة هذا وقد ذكرناها بطرقها في التمهيد وفيها ذكر الحج وليس ذلك في الحديث من رواية مالك وفي رواية إسماعيل بن جعفر فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام وشرائع الإسلام فيها الحج لا شك فيه وفي هذا الحديث ما يدل على أن وصف الإنسان ببعض ما فيه من خلقته وإن لم تكن محمودة فليس بغيبة إذا لم يقصد الواصف عيبه وفيها أيضا من الفقه ألا فرض من الصلوات إلا خمس وفي ذلك رد قول من زعم أن الوتر واجب وممن ذهب إلى هذا أبو حنيفة وأصحابه لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم وهي الوتر وهذا لا حجة فيه لأنه يحتمل أن يكون زادنا في أعمالنا التي نؤجر عليها فضيلة ونافلة بقوله زادكم وزاد لكم ولم يقل زاد عليكم وما لنا هو خلاف لما علينا ويدل على ذلك قول الله عز وجل حفظوا على الصلوات والصلوة الوسطى البقرة ولو كانت ستا لم تكن فيهن وسطا

ودليل آخر وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر في سفره على راحلته وكان يصلي الفريضة بالأرض وقد مضى هذا المعنى في بابه من هذا الكتاب والآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الصلوات خمس كثيرة منها حديث عبادة خمس صلوات كتبهن الله على العباد ومنها حديث أبي هريرة وغيره الصلوات الخمس كمثل نهر الحديث ومنها حديث عوف بن مالك قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلوات الخمس الحديث ومنها حديث بن عباس في وفد عبد القيس وفيه ذكر الصلوات الخمس وقال علي رضي الله عنه الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة ولكنها سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الخبر عنه بذلك فيها سلف من هذا الكتاب وطرقا عنه في التمهيد وفي هذا الحديث أيضا من الفقه أن لا فرض من الصيام إلا شهر رمضان وهذا أمر مجتمع عليه وفيه أن الزكاة فريضة وهو أمر أيضا لا اختلاف في جملته لكن في تفصيله اختلاف كثير سيأتي في أبوابه من هذا الكتاب إن شاء الله وليس في حديث طلحة بن عبيد الله ذكر الحج وذكره بن عباس وأبو هريرة وأنس في حديث ضمام بن ثعلبة وقد ذكرناه بطرقه في التمهيد وأما قوله في حديث مالك فإذا هو يسأل عن الإسلام وفي رواية إسماعيل بن جعفر فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فإن الإسلام بني على خمس رواه بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان وقد ذكرنا خبر بن عمر هذا في التمهيد والعلماء يجمعون على أن أعمدة الدين وأركانه التي بني عليها خمس على ما في حديث بن عمر هذا وهو الدين عند الله الإسلام

وسيأتي القول في الإيمان والإسلام وما لعلماء الأمة في ذلك في المذاهب والتنازع في موضعه من هذا الكتاب وذلك قوله صلى الله عليه وسلم الحياء من الإيمان إن شاء الله ولا أعلم بهذا المعنى حديثا يخالف حديث بن عمر بني الإسلام على خمس إلا ما جاء عن بن عباس أنه قال عرى الإسلام ثلاث بني الإسلام عليها من ترك منها واحدة فهو حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة وصوم رمضان ثم قال بن عباس تجده كثير المال ولا يزكي فلا نراه بذلك كافرا ولا يحل بذلك دمه وتجده كثير المال ولا يحج فلا يحل بذلك دمه ولا نراه بذلك كافرا حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن علي العامري قال حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان قال حدثنا علي بن سعيد قال حدثنا أبو رجاء سعيد بن جعفر البخاري قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا عمرو بن مالك البكري عن أبي الجوزاء عن بن عباس قال حماد ولا أظنه إلا رفعه قال عرى الإسلام فذكره وجاء عن حذيفة أنه قال الإسلام ثمانية أسهم الشهادة سهم والصلاة سهم والزكاة سهم وحج البيت سهم وصوم رمضان سهم والجهاد سهم والأمر بالمعروف سهم والنهي عن المنكر سهم وقد خاب من لا سهل له رواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة بن زفر عن حذيفة وأما فرض الجهاد وتقسيمه على التعيين والكفاية فسيأتي في موضعه إن شاء الله وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان واجبا فإنه ليس يجري مجرى الخمس التي عليها بني الإسلام لقول الله عز وجل يأيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا أهتديتم المائدة ولقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك

وروي عن بن مسعود جماعة من الصحابة أن تأويل هذه الآية إذا اختلفت القلوب في آخر الزمان ألبس الناس شيعا وأذيق بعضهم بأس بعض وكان الهوى متبعا والشح مطاعا وأعجب ذو الرأي برأيه وذكر الدارقطني قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن حماد العسكري وقال حدثنا عيسى بن ذكويه قال حدثنا الخليل بن يزيد بمكة قال حدثنا الزبير بن عيسى أبو الحميدي عن هاشم بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قيل يا رسول الله متى لا نأمر بالمعروف ولا ننهي عن المنكر قال إذا كان البخل في كباركم والعلم في رذالكم والإدهان في خياركم والملك في صغاركم وقد ذكرت هذا الحديث من طرق في كتاب جامع بيان العلم والحمد لله وروي عن سعيد بن جبير ومجاهد وطائفة أنهم قالوا في قول الله تعالى يأيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم المائدة قالوا أقبلوا على أنفسكم لا يضركم من ضل من غير أهل دينكم إذا أدوا الجزية قال أبو عمر فلهذا قلنا إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان فرضا على قدر الطاقة فليس يجري مجرى الخمسة المذكورة في حديث بن عمر لأنها ما لا خلاف في وجوب جملتها وقال من ذهب من أصحابنا وغيرهم إلى أن الحج على الفور لم يكن الحج مفترضا في حين سؤال هذا الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام وشرائعه وهذا لا معنى له لأن الأعرابي هو ضمام بن ثعلبة من بني سعد بن بكر وفي خبره من رواية بن عباس وأبي هريرة وأنس ذكر الحج وكان قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما زعم أهل السير سنة خمس من الهجرة وليس من قصر عن حفظ الحج في ذلك الخبر بحجة على من حفظه وقد اختلف في هذه المسألة أصحاب مالك وأصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة على قولين أحدهما على الفور والآخر على التراخي وسنبين أقوالهم ووجوهها في كتاب الحج إن شاء الله وفي قوله عليه السلام لا إلا أن تطوع ندب إلى التطوع كأنه قال ما عليك فرض إلا الخمس ولكن إن تطوعت فهو خير لك وكذلك الصيام والحج والعمرة والجهاد وفي فضائل ذلك كله ما يضيق الكتاب عن مثله

وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم له أفلح إن صدق بعد قوله لا أزيد على ذلك ولا أنقص منه دليل على أن من أدى فرض الله واجتنب محارم الله عليه من الكبائر فهو في الجنة لأن الصغائر قد وعد الله غفرانها باجتناب الكبائر ووعد عباده المؤمنين إذا آمنوا به وصدقوا المرسلين وأدوا ما افترض الله عليهم واجتنبوا كبائر ما ينهون عنه أن لهم الجنة قال الله تعالى إن تجنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما والله لا يخلف الميعاد النساء آل عمران أتى رجل إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال له يا أبا عبد الله أشكو إليك أني لا أقدر على قيام الليل فقال له سلمان يا أخي لا تعصي الله بالنهار تستعين على القيام بالليل وكان عمر بن عبد العزيز يقول في خطبته ألا إن أفضل الفضائل أداء الفرائض واجتناب المحارم وأما قوله صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق فمعناه فاز بالبقاء الدائم في الخير والنعيم وهي الجنة لا يبيد نعيمها والفلاح والبقاء في كلام العرب وهو معنى قول المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح قال الأضبط بن قريع لكل ضيق من الأمور سعة والمسى والصبح لا فلاح معه أي لا بقاء معه لو كان حي مدرك الفلاح أدركه ملاعب الرماح وقال لبيد أعقلي إن كنت لما تعقلي فلقد أفلح من كان عقل مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب مكان كل عقدة عليه عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان الحديث القافية مؤخر الرأس وهو القذال وقافية كل شيء آخره ومنه قيل في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم المقفى لأنه آخر الأنبياء ومنها أخذت قوافي الشعر لأنها أواخر الأبيات وأما عقد الشيطان على قافية رأس بن آدم إذا رقد فلا يوصل إلى كيفية ذلك وأظنه كناية عن جنس الشيطان وتثبيطه للإنسان على قيام الليل وعمل البر وقيل إنها كعقد السحر من قول الله تعالى النفثت في العقد الفلق وفي هذا الحديث دليل على أن ذكر الله تعالى يطرد به الشيطان بالتلاوة والذكر والأذان مجتمع عليه معلوم ويروى في آخر هذا الحديث انحلت عقدتان كاللتين قبلهما ويروى عقدة ورواية يحيى انحلت عقدة على لفظ الواحدة وقد زعم قوم أن قوله في هذا الحديث أصبح خبيث النفس كسلان معارضة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة وغيرها لا يقولن أحدكم خبثت نفسي وليقل لقست نفسي وليس في هذا شيء من المعارضة وإنما في حديث عائشة كراهية لإضافة المرء إلى نفسه لفظه الخبث كما روي عنه إذ سئل عن العقيقة فقال لا أحب العقوق وكأنه كره الاسم وقال لينسك أحدكم عن ابنه

وسيأتي القول في هذا الحديث ولفظه في كتاب العقيقة إن شاء الله وحديث أبي هريرة فيه الإخبار عن حال نفس من لم يقم إلى صلاته وضيعها حتى خرج وقتها والله أعلم وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الصلاة فلم ير عليا فأقبل إلى بيته فألقاه نائما فنبهه وأهله وعاتبهما فقال له علي يا رسول الله إنما أرواحنا بيد الله إذا نمنا يرسلها إذا شاء فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما وهو يقول وكان الإنسن اكثر شيء جدلا الكهف قال أبو عمر أما من كانت عادته القيام إلى صلاته المكتوبة أو إلى نافلته من الليل فغلبته عينه فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه يكتب له أجر صلاته ونومه صدقة عليه وقد قال الله عز وجل الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى الزمر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قبض الله أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا وفي هذا كله القدر البين والمخرج الواسع لمن غلبه نومه عن صلاته وقال له بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فلم ينكر عليه ولم يبق بعد هذا من معنى هذا الباب إلا أنه ندب في قيام الليل وإلى الاستغفار بالأسحار وأقل أحواله أن يكون ندبا إلى أن يطلع الفجر على المؤمن إلا وقد ذكر الله وتأهب بالوضوء للصلاة

كتاب العيدين باب العمل في غسل العيدين والنداء فيهما والإقامة لم يذكر مالك رحمه الله في هذا الباب حديثا مسندا ولا مرفوعا ولا مقطوعا وإنما ذكر فيه أنه سمع غير واحد من علمائهم يقولون لم يكن في الفطر والأضحى نداء ولا إقامة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم قال مالك وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا وذكر عن نافع عن بن عمر أنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى فدل على أنه لم يكن عنده في هذا الباب في النداء والإقامة في العيدين حديث مسند ولا مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان لذكره على شرطه في أول كتابه والله أعلم وأما غسله للعيدين فمستحب عند جماعة علماء المدينة كان بن عمر وسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وعبيد الله بن عبد الله يغتسلون ويأمرون بالغسل للعيدين وروي ذلك عن جماعة من علماء أهل الحجاز والعراق والشام منهم علي بن

أبي طالب وعبد الله بن عباس وعلقمة والحسن وقتادة ومحمد بن سيرين ومجاهد ومكحول واتفق الفقهاء على أنه حسن لمن فعله والطيب يجري عندهم منه ومن جمعهما فهو أفضل وليس غسل العيدين كغسل الجمعة آكد في سبيل السنة وقد مضى القول في غسل الجمعة في موضعه من هذا الكتاب وكذلك يستحب العلماء الاغتسال لدخول مكة وللإحرام والوقوف بعرفة ولكل مجمع ومشهد إلا أن الطيب لا سبيل إليه لمن قد أحرم قال أبو عمر إني لأعجب من رواية أيوب السختياني عن نافع قال ما رأيت عبد الله بن عمر اغتسل للعيد قط كان يبيت بالمسجد ليلة الفطر ثم يغدو منه إذا صلى الصبح إلى المصلى ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال عبد الرزاق وأخبرنا مالك عن نافع أن بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو قال عبد الرزاق وأنا أفعله قال وأخبرني بن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر مثله وزاد ويتطيب وأما النداء والإقامة في العيدين فلا خلاف بين فقهاء الأمصار في أنه لا أذان ولا إقامة في العيدين ولا في شيء من الصلوات المسنونات ولا في شيء من النوافل في التطوع ولا أذان إلا في المكتوبات فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه والتابعين وجماعة فقهاء المسلمين فمن ذلك حديث عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله وبن عباس قالا لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى ولا يقام قال أبو عمر إنما قالا ذلك لأن بني أمية أحدثوا الأذان ولم يكن يعرفونه قبل قال جابر شهدت النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد بغير أذان ولا إقامة

وروي ذلك عن جابر من وجوه وكذلك حديث بن عباس مثله أيضا وقد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد وروى الشعبي عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم العيد بغير أذان ولا إقامة وذكر وكيع عن سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم يوم عيد عند دار كثير بن الصلت بغير أذان ولا إقامة وصلى قبل الخطبة وكذلك كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يفعلون يصلون العيدين بغير أذان ولا إقامة لا خلاف عنهم في ذلك وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا مروان بن معاوية عن عيسى بن المغيرة قال قلت لأبي وائل أكانوا يؤذنون في الأضحى والفطر قال لا قال وحدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر والحكم قالا الأذان يوم الأضحى والفطر بدعة قال وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن زائدة عن سماك قال رأيت المغيرة بن شعبة والضحاك وزيادا يصلون يوم ا لفطر والأضحى بلا أذان ولا إقامة قال أبو عمر كان هذا بالحجاز والعراق معلوما مجتمعا عليه قبل أن يحدث معاوية الأذان في العيدين وكان أمراؤه وعماله يفعلون ذلك حيث كانوا قال وحدثنا وكيع عن هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال أول من أحدث الأذان في العيدين معاوية قال وحدثنا بن إدريس عن حصين قال أول من أذن في العيد زياد قال وحدثنا يحيى بن سعيد عن بن جريج عن عطاء بن يسار أن بن الزبير سأل بن عباس وكان الذي بينهما حسنا يومئذ فقال لا تؤذن ولا تقم فلما ساء الذي بينهما أذن وأقام

قال وحدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين قال الأذان في العيد محدث باب الأمر بالصلاة قبل الخطبة في العيدين مالك عن بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي يوم الفطر ويوم الأضحى قبل الخطبة مالك وأنه بلغه أن أبا بكر وعمر كانا يفعلان ذلك وعن بن شهاب عن أبي عبيد مولى بن أزهر قال شهدنا العيد مع عمر بن الخطاب فصلى ثم انصرف فخطب الناس فقال إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم وفيه عن عثمان وعلي أن كلا منهما صلى ثم انصرف فخطب ورواه معمر عن بن شهاب عن أبي عبيد أنه شهد العيد مع عمر بن الخطاب فصلى قبل أن يخطب بلا أذان ولا إقامة ثم خطب وذكر الحديث ولم يذكر مالك في هذا الحديث بلا أذان ولا إقامة وقد أوضحنا في التمهيد معاني هذا الحديث فأما حديث بن شهاب المرسل فيتصل معناه ويستند من وجوه من حديث بن عباس

وحديث جابر بن عبد الله وحديث بن عمر وحديث البراء وحديث جندب بن عبد الله كلهم رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ثم يخطب في العيدين وقد ذكرناها في الحديث الصحيح والأسانيد في التمهيد حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبدة بن سليمان وأبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة قال وحدثنا وكيع عن سفيان عن بن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس عن بن عباس قال شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر فبدأوا بالصلاة قبل الخطبة قال وحدثنا بن عيينة عن الزهري عن أبي عبيد مولى بن أزهر قال شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فبدأ بالصلاة قبل الخطبة قال ثم شهدنا العيد مع عثمان فبدأ بالصلاة قبل الخطبة قال وشهدت العيد مع علي فبدأ بالصلاة قبل الخطبة قال وحدثنا بن إدريس عن حصين عن ميسرة بن جميلة قال شهدت العيد مع علي فلما صلى خطب قال وكان عثمان يفعله قال وحدثنا أبو خالد الأحمر عن حميد عن أنس قال كانت الصلاة في العيدين قبل الخطبة فهذا هو الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين المهديين بعده أنهم كانوا يصلون قبل الخطبة في العيدين بلا أذان ولا إقامة وعلى هذا فتوى جماعة الفقهاء بالحجاز والعراق وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن وعثمان البتي واحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيدة

وداود والطبري كلهم لا يرون في صلاة العيدين أذانا ولا إقامة ويصلون قبل الخطبة قال أبو عمر قد اختلف في أول من خطب قبل الصلاة فقيل عثمان بن عفان وهو الصحيح إن شاء الله عن عثمان لما حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الخشني قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال كانت الصلاة يوم العيد قبل الخطبة فلما كان عثمان بن عفان كثر الناس فقدم الخطبة قبل الصلاة وأراد ألا يفترق الناس وأن يجتمعوا فإن قيل قد روى مالك وغيره عن بن شهاب عن أبي عبيد مولى بن أزهر أنه قال شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى ثم انصرف فخطب فقال إن اجتمع لكم في هذا اليوم عيدان الحديث قيل له الحديثان صحيحان ويصحح معناهما أن عثمان صلى ست سنين أو سبعا كما في رواية مالك ثم قدم الخطبة على ما في حديث يحيى بن سعيد وكذلك فعل في إتمام الصلاة في السفر بعد قصرها ومن الرواية عن عثمان أنه أول من قدم الخطبة قبل الصلاة ما رواه حماد بن سلمة عن حميد عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون يوم العيد ثم يخطبون فلما كان عثمان ورأى الناس يجيئون بعد الصلاة قال لو حبسناهم بالخطبة فخطب ثم صلى وذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة عثمان بن عفان قال عبد الرزاق وأخبرنا بن جريج قال قال بن شهاب أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة معاوية قال عبد الرزاق وأخبرنا معمر بلغني أن أول من خطب ثم صلى معاوية وقد بلغني أيضا أن عثمان فعل ذلك وكان لا يدرك عامتهم الصلاة فبدأ بالخطبة حتى يجتمع الناس

قال أبو عمر قد روى بن نافع عن مالك أنه قال أول من قدم الخطبة في العيدين قبل الصلاة عثمان بن عفان قال مالك والسنة أن تقدم الصلاة قبل الخطبة وبذلك عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان صدرا من خلافته قال أبو عمر أما قول من قال أول من قدم الخطبة مروان فإنما أراد بالمدينة وهو عامل عليها لمعاوية ويدل على ذلك قول مروان لأبي سعيد الخدري إذ أنكر ذلك عليه قد ترك ما هنالك يا أبا سعيد وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في التمهيد وذكرنا هناك اسم أبو عبيد ومن قال فيه مولى بن أزهر ومن قال فيه مولى عبد الرحمن بن عوف والصحيح في الأذان في العيدين قول سعيد بن المسيب وبن شهاب وهما من أعلم الناس بالفقه وإماما الناس معاوية أول من فعل ذلك وإنما مروان وزياد من أمرائه وقول محمد بن سيرين إن أول من فعل ذلك زياد يعني عندهم بالبصرة كقول من قال أول من فعل ذلك مروان يعني بالمدينة وروى الليث قال حدثني هشام عن سعد عن عياض بن عبد الله بن سعد أنه حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول خرجت مع مروان يوما إلى المصلى ويده في يدي فأراد أن يرقى المنبر قبل أن يصلي فجذبت بيده فقلت صله قبل الخطبة فقال مروان هذا أمر قد ترك يا أبا سعيد إنا لو فعلنا ما تقول ذهب الناس وتركونا وقد ترك ما تعلم فقلت إذا لا تجدون خيرا مما أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالصلاة في هذا اليوم وأما قول بن عمر في حديث مالك عن بن شهاب عن أبي عبيد في هذا الباب أن هذين يومان نهى رسول الله عن صومهما يوم فطركم من صياتكم والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم فلا خلاف بين العلماء في أن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى لا يجوز لهذا الحديث وما كان مثله لا لناذر صومهما ولا لمتطوع ولا لقاض فيهما أياما من رمضان

وإنما اختلف العلماء في صيام أيام التشريق للمتمتع إذا لم يجد هديا ولم يصم قبل يوم عرفة على ما نذكره عنهم في موضعه من كتاب الحج وكتاب الصيام إن شاء الله وفيه دليل على أن الضحايا نسك وأن الأكل مباح مندوب إليه وكذلك هدي التطوع إذا بلغ محله قال الله عز وجل فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير الحج و القانع والمعتر الحج وأما قول عثمان في هذا الحديث قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان يعني الجمعة والعيد فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له وقد روي عن علي بن أبي طالب معنى ما روي عن عثمان في ذلك ذكر علي بن المديني عن يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عيدين اجتمعا على عهد علي فخطبهم وقال إن هذا يوم اجتمع فيه عيدان ونحن نصليهما جميعا ولكم رخصة أيها الناس فمن شاء جاء ومن شاء قعد وذكر علي بن المديني وبن أبي شيبة جميعا عن حفص بن غياث قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال اجتمع عيدان على عهد علي رضي الله عنه فصلى بهم العيد ثم قال إنا مجمعون من شاء أن يشهد فليشهد اللفظ لابن أبي شيبة وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الأعلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي أنه قال في يوم جمعة وعيد من أراد أن يجمع فليجمع ومن أراد أن يجلس فليجلس قال أبو عمر ذهب مالك رحمه الله في إذن عثمان رضي الله عنه فيما ذهب لأهل العوالي إلى أنه عنده غيره معمول به ذكر بن القاسم عنه أنه قال ليس عليه العمل وذلك أنه كان لا يري الجمعة لازمة لمن كان من المدينة على ثلاثة أميال والعوالي عندهم أكثرها كذلك فمن هنا لم ير العمل على إذن عثمان ورأى أنه جائز له خلافه باجتهاده إلى رؤى الجماعة العاملين بالمدينة بما ذهب إليه في ذلك وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم إن إذن عثمان كان لمن لا تلزمه الجمعة من أهل العوالي لأن الجمعة لا تجب إلا على أهل المصر عند الكوفيين

وأما الشافعي فتجب عنده على من سمع النداء من خارج المصر ولا يختلف العلماء في وجوب الجمعة على من كان بالمصر بالغا من الرجال الأحرار سمع النداء أو لم يسمعه قال أبو عمر وقد روي في هذا الباب عن بن الزبير وعطاء قول منكر أنكره فقهاء الأمصار ولم يقل به أحد منهم وذلك أن عبد الرزاق روى عن بن جريج قال قال عطاء إن اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر في يوم واحد فليجمعهما يصلي ركعتين فقط ولا يصلي بعدها حتى العصر قال بن جريج ثم أخبرنا عند ذلك قال اجتمع يوم فطر ويوم جمعة في يوم واحد في زمن بن الزبير فقال بن الزبير عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعا صلى ركعتين بكرة صلاة الفطر ثم لم يزد عليها حتى صلى العصر وروى سعيد بن المسيب عن قتادة قال سمعت عطاء يقول اجتمع عيدان على عهد بن الزبير فصلى العيد ثم لم يخرج إلى العصر قال أبو عمر أما فعل بن الزبير وما نقله عطاء من ذلك وأفتى به على أنه قد اختلف عنه فلا وجه فيه عند جماعة الفقهاء وهو عندهم خطأ إن كان على ظاهره لأن الفرض من صلاة الجمعة لا يسقط بإقامة السنة في العيد عند أحد من أهل العلم وقد روى فيه قوم أن صلاته التي صلاها لجماعة ضحى يوم العيد نوى بها صلاة الجمعة على مذهب من رأى أن وقت صلاة العيد ووقت الجمعة واحد وقد أوضحنا فساد قول من ذهب إلى ذلك في باب المواقيت وتأول آخرون أنه لم يخرج إليهم لأن صلاها في أهله ظهرا أربعا وهذا لا دليل فيه في الخبر الوارد بهذه القصة عنه وعلى أي حال كان فهو عند جماعة العلماء خطأ وليس على الأصل المأخوذ به والأصل في ذلك ما ذكره علي بن المديني قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثنا سفيان سمع عبد العزيز بن رفيع قال حدثني ذكوان أبو صالح أن عيدين اجتمعا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم صلاة العيد وقال إنكم قد أصبتم ذكرا وخبرا ونحن مجمعون إن شاء الله فمن شاء منكم أن يجمع فليجمع ومن شاء أن يجلس فليجلس

وقد روي حدث عبد العزيز بن رفيع مسندا وإن كان بن المديني قال إن المرسل فيه عن عبد العزيز حديث شريف فالمسند ذكره أبو داود قال أبو عمر قال حدثنا محمد بن المصلي وعمرو بن حفص قالا حدثنا بقية قال حدثنا شعبة عن المغيرة الضبي عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء اجزأه من الجمعة وإنا مجمعون وأسنده أيضا زياد بن عبد الله عن عبد العزيز بن رفيع حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثنا إبراهيم بن دينار قال حدثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل عن أبي هريرة قال حدثنا عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال اجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد ويوم جمعة فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان عيدكم هذا والجمعة وإني مجمع فمن أحب أن يشهد الجمعة منكم فليشهدها فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بالناس وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا إسرائيل قال حدثنا عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة الشامي قال شهدت معاوية وهو يسأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد قال نعم قال فكيف صنع قال صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال من شاء أن يصلي فليصل وقال علي بن المديني في هذا الباب غير ما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد وذكر هذا الحديث عن أبي داود الطيالسي عن إسرائيل بإسناده مثله قال أبو عمر ليس في شيء من آثار هذا الباب ما ذكرناه منها وما سكتنا عنه أن صلاة الجمعة لم يقمها الأئمة في ذلك اليوم وإنما فيها أنهم أقاموها بعد إذنهم المذكور عنهم وذلك عندنا لمن قصد العيدين غير أهل المصر والله أعلم ذكر بن المديني عن جرير بن عبد الحميد أنه حدثه عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال كان رسول الله

صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية وإذا اجتمع الجمعة والعيد قرأ بهما في الصلاتين جميعا قال أبو عمر هذه الآثار كلها مرسلها ومسندها ليس في شيء منها أنه لم يصل بعد صلاة العيد شيئا إلا صلاة العصر وقد روي عن جماعة من التابعين منهم أبو البحتري الطائي والشعبي والنخعي وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل والحسن البصري وأبو إدريس الخولاني وهذه مسألة مثبتة عند الفقهاء على أصولهم فيمن تجب عليه الجمعة من الأحرار البالغين فقال بن عمر وأبو هريرة وأنس بن مالك والحسن البصري ونافع مولى بن عمر تجب الجمعة على كل من كان بالمصر وخارجا عنه ممن إذا شهد الجمعة أمكنه الانصراف إلى أهله فآواه الليل إلى أهله وبهذا قال الحكم بن عيينة وعطاء بن أبي رباح والأوزاعي وأبو ثور وروي معنى هذا القول عن معاذ قال ما كتبناه بإسناده في التمهيد ومثله عن معاوية بن أبي سفيان أنه كان يأمر به وقال ربيعة ومحمد بن المنكدر وإنما تجب الجمعة على من كان على أربعة أميال وذكر معمر عن هشام بن عروة بن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت كان أبي من المدينة على ستة أميال أو ثمانية فربما شهد الجمعة وربما لم يشهدها وقال الزهري ينزل إليها من ستة أميال وروي عن ربيعة أيضا أنه قال إنما تجب الجمعة على من إذا سمع النداء وخرج من بيته أدرك الصلاة وقال مالك والليث تجب الجمعة على أهل المصر على من كان منه على ثلاثة أميال وقال الشافعي تجب الجمعة على من كان بالمصر وكذلك كل من يسمع النداء ممن كان خارج المصر

وبه قال أحمد وداود وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص وبن المسيب وقال أبو حنيفة على كل من كان بالمصر وليست على من كان خارج المصر يسمع النداء أو لم يسمعه وقد روي عن علي أنه لا جمعة ولا شريق يعني العيد إلا في المصر الجامع وقال أحمد بن حنبل هو غير صحيح عن علي قال أبو عمر هذا قول مالك والشافعي في هذا الباب بمعنى واحد لأن الصوت الندي قد يسمع من ثلاثة أميال وقد ذكره بن عبدوس عن علي بن زياد عن مالك قال عزيمة الجمعة على من كان بموضع يسمع منه النداء وذلك ثلاثة أميال ومن كان أبعد فهو في سعة إلا أن يرغب في شهودها وهذا أحسن الأقاويل في هذه المسألة وأصحها والله أعلم وأما قول بن عبيد ثم شهدت العيد مع علي بن أبي طالب وعثمان محصور فجاء يصلي ثم انصرف فخطب فإن العيد إذا كان من السنة أن تقام الصلاة فيه دون إمام فالجمعة أحرى بذلك لأن صلاة الجمعة وصلاة العيد مما يقيمه السلطان للعامة وقد اختلف العلماء في إقامة الجمعة بغير سلطان قال مالك رحمه الله لله عز وجل في أرضه على عباده فرائض لا يسقطها موت الوالي يعني الجمعة وهو قول الطبري إن الجمعة تجب إقامتها بغير سلطان كسائر صلوات الجماعة وقال أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد لا تجزئ الجمعة إذا لم يكن سلطان وهو قول الأوزاعي في رواية عنه والجمعة عند هؤلاء كالحدود لا يقيمها إلا السلطان وقد روي عن محمد بن الحسن أن أهل مصر لو مات واليهم لجاز لهم أن يقدموا رجلا يصلي بهم الجمعة حتى يقدم عليهم وال

وقال أحمد بن حنبل يصلون بإذن الوالي وقال دواد الجمعة لا تفتقر إلى وال ولا إلى إمام ولا إلى خطبة ولا إلى مكان ويجوز للمنفرد عنده إذا لم يجد من يجمع معه أن يصلي ركعتين وتكون جمعة قال ولا يصلي لعيد إلا ركعتين في وقت الظهر يوم الجمعة وقول داود هذا خلاف قول جميع فقهاء الأمصار لأنهم أجمعوا أن من شرط الجمعة الإمام إلا فيما يفجأهم موت الإمام فيه وأن من شرطها الجماعة عند جمهورهم وجمهورهم أيضا يقول لا تكون إلا بخطبة واختلافهم في الوالي والمكان اختلاف كثير والله المستعان قال أبو عمر لم يختلفوا أن الجمعة يقيمها السلطان وأن ذلك إليه سنة مسنونة وإنما اختلفوا عند نزول ما ذكرنا من موت الإمام أو قتله أو عزله والجمعة قد حانت فذهب أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي إلى أنهم يصلون ظهرا أربعا وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور يصلي بهم بعضهم بخطبة ويجزئهم وذكر أبو بكر الأثرم قال حدثنا العباس بن عبد العظيم أنه سأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل قال قلت فإن لم يكن إمام أترى أن يصلي وراء من جمع بالناس وصلى ركعتين فقال أليس قد صلى علي بن أبي طالب وعثمان محصورا وقد ذكرنا في التمهيد من طرق أبي قتادة وعبيد الله بن عدي بن الخيار لعثمان رضي الله عنه وهو محصور أنت إمام العامة ويصلي بنا إمام فتنة قال صليا خلفه فإن الصلاة أحسن ما صنع الناس فإذا أحسنوا فأحسن معهم وإن أساؤوا فاجتنب إساءتهم وكان بن وضاح يقول إن الذي عنى به إمام فتنة هو عبد الرحمن بن عديس البلوي وهو الذي اختلف على عثمان بأهل مصر وكان ممن شهد بيعة الرضوان تحت الشجرة بالحديبية والوجه عندي في قوله إمام فتنة أي إمام في فتنة لأن الجماعات والأعياد نظامها وتمامها الإقامة

وقد صلى بالناس في حين حصار عثمان جماعة من الفضلاء الجلة منهم أبو أيوب الأنصاري وطلحة وسهل بن حنيف وأبو أمامة بن سهل وغيرهم وصلى بهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلاة العيد فقط وقال يحيى بن آدم صلى بهم رجل بعد رجل وذكر الحسن الخولاني قال حدثنا أبو حسن المسيب بن واضح قال سمعت بن المبارك يقول ما صلى علي بالناس حين حوصر عثمان إلا صلاة العيد وحدها فقط وفي التمهيد من هذا المعنى زيادات وبالله التوفيق وذكر الخطيب البغدادي في تاريخه الكبير أخبرنا به شيخنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن عنه سماعا منه قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا إسماعيل بن عيسى قال حدثنا إسحاق بن بشر قال حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد الحماني قال لم يزل طلحة يصلي بالناس وعثمان محصور أربعين ليلة حتى إذا كان يوم النحر صلى علي بالناس والله أعلم باب الأمر بالأكل قبل الغدو في العيد ذكر فيه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يأكل يوم الفطر قبل أن يغدو وعن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال كان الناس يؤمرون بالأكل يوم الفطر قبل الغدو قال مالك لا أرى ذلك على الناس في الأضحى قال أبو عمر قول مالك لا أرى ذلك على الناس في الأضحى يدل على أن الأكل في الفطر عنده مؤكد يجري مجرى السنن المندوب إليها التي يحمل الناس عليها وأنه في الأضحى من شاء فعله ومن شاء لم يفعله وليس بسنة في الأضحى ولا بدعة وغيره يستحب أن لا يأكل يوم الأضحى حتى يأكل من أضحيته ولو من كبدها

حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد عن عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشيم قال حدثنا محمد بن إسحاق عن حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر يوم الفطر على تمرات ثم يغدو وذكر في المصنف قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال أطعم يوم الفطر قبل أن تخرج إلى المصلى قال وحدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن عطاء عن بن عباس قال إن من السنة أن لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم وأن تخرج صدقة الفطر قبل الصلاة قال وحدثنا بن إدريس عن الأعمش عن المنهار عن عبد الله بن الحارث عن بن عباس قال كل ولو تمرة قال وحدثنا معاوية بن هشام قال حدثنا بن أبي ذئب عن يوسف عن السائب بن يزيد قال مضت السنة أن يأكل قبل أن يغدو يوم الفطر قال وأخبرنا هشيم قال أخبرنا مغيرة عن الشعبي قال إن من السنة أن تطعم يوم الفطر قبل أن تغدو وأن تؤخر الطعام يوم النحر حتى ترجع وذكر فيه عن معاوية بن سويد بن مقرن وصفوان بن محرز وبن سيرين وعروة بن الزبير وعبد الله بن شداد والشعبي وبن أبي ليلى والأسود بن يزيد وأم الدرداء وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وتميم بن سلمة وإبراهيم وأبي مجلز أنهم كانوا يأكلون ويأمرون بالأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى ويندبون إلى ذلك ولو تمرة أو لعقة عسل ونحو هذا ولم يذكر فيه عن أحد رخصة إلا عن بن عمر وعن إبراهيم إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل

وحسبك بقول سعيد بن المسيب كان الناس يؤمرون بالأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أبو علاقة هذا محمد بن عمرو بن خالد بن فروخ التميمي قال حدثنا أبي قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا أبو إسحاق عن الحارث عن علي قال من السنة أن يمشي الرجل إلى المصلى وأن يطعم يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن بن جريج عن عطاء قال سمعت بن عباس يقول لا يغدو أحد يوم الفطر حتى يطعم قال عطاء إني لآكل من طرف الرقاقة من قبل أن أغدو وذكر الشافعي قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن بن شهاب عن بن المسيب قال كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل المصلى ولا يفعلون ذلك يوم النحر قال الشافعي فإن لم يطعم أمرناه بذلك في طريقه إلى المصلى إن أمكنه فإن لم يفعل فلا شيء عليه قال ولا نأمره بذلك يوم الأضحى فإن فعل فلا بأس وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا إسماعيل بن علية عن يحيى بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق قال أتيت صفوان بن محرز يوم فطر فقعدت على بابه حتى خرج إلي فقال لي كالمعتذر إنه كان يؤمر في هذا اليوم أن يصيب الرجل من غذائه قبل أن يغدو وإني أصبت شيئا فذلك الذي حبسني وأما الأضحى فإنه لا يأخذ غذاءه حتى يرجع قال وحدثنا وكيع عن عمران عن أبي مجلز قال أصب شيئا قبل أن تغدو قال وحدثنا وكيع عن شعبة عن الحكم عن عبد الله بن شداد أنه مر على بقال يوم عيد فأخذ منه فأكلها قال وحدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال بلغه أن تميم بن سلمة خرج يوم فطر ومعه صاحب له فقال لصاحبه هل طعمت شيئا فقال لا فمشى تميم إلى بقال فسأله تمرة فأعطاها صاحبه فأكلها فقال إبراهيم ممشاه إلى رجل يسأله أشد علي من تركه الطعام لو تركه

وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عطاء أنه سمع عبد الله بن عباس يقول إن استطعتم ألا يغدو أحدكم يوم الفطر حتى يطعم فليفعل قال عطاء فلم أدع ذلك منذ سمعته من بن عباس قال قلت لعطاء من أين أخذه بن عباس قال أظن سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وعن معمر قال كان الزهري يأكل يوم الفطر قبل أن يغدو ولا يأكل يوم النحر وعن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال كانوا يستحبون أن يأكلوا يوم الفطر قبل أن يخرجوا إلى المصلى قال أبو عمر على هذا جماعة الفقهاء باب ما جاء في التكبير والقراءة في صلاة العيدين مالك عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله بن عيينة أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ به في الأضحى والفطر فقال كان يقرأ ب ق والقرآن المجيد ق و اقتربت الساعة وانشق القمر القمر قد تكلمنا على إسناد هذا الحديث في التمهيد وقد يجوز أن يكون سؤال عمر لأبي واقد ليعلم إن كان حفظ ذلك أم لا ومعلوم أن شهادة عمر للنبي صلى الله عليه وسلم وملازمته له وأنه كان من يلونه في الصلاة ويلازمونه في الحضر والسفر ويستحيل أن لا يعلم ما كان رسول اله صلى الله عليه وسلم يقرأ به في العيد ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بسور شتى لا يفضل في قراءته في ذلك سورة تعمد إليها لا يتعداها وأكثر ما روي وتواترت به طرق الأحاديث كان يقرأ في العيدين ب سبح اسم ربك و هل أتك حديث الغشية

روي هذا عنه من حديث النعمان بن بشير وحديث سمرة بن جندب وحديث بن عباس وحديث أنس وهي كلها عند بن أبي شيبة وعبد الرزاق وقد ذكرتها في التمهيد وما أعلم أنه روي عنه أنه قرأ فيها ب ق واقتربت في حديث مالك هذا إلا ما رواه بن عيينة عن بن طاوس وإبراهيم بن ميسرة عن طاوس مرسلا بذلك وقد روى بن عيينة حديث ضمرة بن سعيد عن ضمرة كما رواه مالك سواء وليس عند الفقهاء في القراءة شيء لا يتعدي وكلهم يستحب ما روي وأكثرهم على استحباب قراءة سبح اسم ربك الأعلى و هل أتك حديث الغشية لتواتر الروايات بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا هشيم وبن إدريس عن أشعث عن كردوس عن عبد الله بن مسعود أن الوليد بن عقبة أرسل إليه ما يقرأ به في العيدين فقال تقرأ بفاتحة الكتاب وسورة من المفصل زاد فيه هشيم ليس من قصارها ولا من طوالها قال وحدثنا معتمر عن محمد عن أنس أن أبا بكر قرأ في يوم عيد بالبقرة حتى رأيت الشيخ يميل من طول القيام قال وحدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير قال حدثت عن عمر أنه كان يقرأ في العيد ب سبح اسم ربك الأعلى و هل أتك حديث الغشية قال أبو عمر هذا المستحب عند جمهور العلماء ولا يوقتون في ذلك شيئا وبالله التوفيق مالك عن نافع مولى بن عمر أنه قال شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى بسبع تكبيرات قبل القراءات وفي الآخرة خمسا قبل القراءات

قال مالك وهو الأمر عندنا قال أبو عمر معلوم أن هذا وما كان مثله لا يكون رأيا لأنه لا فرق من جهة الرأي والاجتهاد بين سبع في هذا وأربع ولا يكون إلا توقيفا ممن يجب التسليم له وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر في صلاة العيدين سبعا في الركعة الأولى وخمسا في الثانية من طرق كثيرة حسان منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ومن حديث جابر بن عبد الله رواه بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر ومن حديث عائشة رواه أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن عائشة ورواه عقيل وعبد الرحمن بن مسافر عن بن شهاب عن عروة عن عائشة ومن حديث عمرو بن عوف المزني رواه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ومن حديث بن عمر رواه عبد الله بن عامر الأسلمي عن نافع عن بن عمر وحديث أبي واقد الليثي كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث عبد الله بن عمر وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدها في كلتيهما وبهذا قال مالك والشافعي وأصحابهما والليث بن سعد إلا أن مالكا قال سبعا في الأولى بتكبيرة الإحرام على ظاهر الحديث سبعا في الأولى ولو لم تكن تكبيرة الافتتاح في السبع لقيل كبر ثمانيا وستا والله أعلم وقال الشافعي سوى تكبيرة الإحرام جعل القصد في الحديث إلى تكبير العيد دون شيء من التكبير المعهود في الصلاة لأن تكبير الصلاة معلوم أنه لم يقصد إليه في هذا الحديث وقد روي أيضا ما قاله الشافعي في حديث نافع هذا

رواه عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي قال حدثنا أيوب عن نافع قال كان أبو هريرة يكبر في العيدين ثنتي عشرة تكبيرة في الأولى وخمسا في الآخرة سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع وكان يكبر إذا ركع وإذا رفع واتفقا على أن الخمس تكبيرات في الركعة الثانية غير تكبيرة القيام وقال أحمد بن حنبل وأبو ثور كقول مالك سبع بتكبيرة الإحرام في الأولى وخمس في الثانية سوى تكبيرة القيام إلا أن أحمد لا يوالي بين التكبير ويجعل بين كل تكبيرتين ثناء على الله وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقول أبي ثور في القراءات كقول مالك والشافعي سواء بعد التكبير فيهما وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه التكبير في العيدين خمس في الأولى وأربع في الثانية بتكبيرة الافتتاح والركوع فهي ثلاث تكبيرات سوى تكبيرة الافتتاح والركوع في الأولى وثلاث تكبيرات في الثانية سوى تكبيرة القيام وتكبيرة الركوع يحرم في الأولى ويستفتح ثم يكبر ثلاث تكبيرات يرفع فيها يديه ثم يقرأ أم القرآن وسورة ثم يكبر ولا يرفع يديه ويسجد فإذا قام الثانية كبر ولم يرفع يديه وقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ثم كبر ثلاث تكبيرات يرفع فيها يديه ثم يكبر أخرى يركع بها ولا يرفع يديه فيها ويوالي بين القراءتين قال أبو عمر لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب إلا ما ذهب إليه مالك والشافعي في السبع والخمس وجاء عن الصحابة في ذلك اختلاف كثير وروي عن بن عباس ثلاث عشرة تكبيرة سبع في الأولى وست في الثانية وروي عنه أنه قال إن شئت كبر تسعا وإن شئت إحدى عشرة وإن شئت ثلاث عشرة ومذهب الكوفيين ثابت عن بن مسعود أنه كان يعلمهم التكبير في العيدين تسع تكبيرات خمس في الأولى وأربع في الثانية ويوالي بين القراءتين وعن حذيفة وأبي موسى مثله

وروي عن علي رضي الله عنه أنه كبر في الفطر إحدى عشرة ستا في الأولى وخمسا في الآخرة وهذا يشبه مذهب مالك في ذلك وكبر في الأضحى خمسا ثلاثا في الأولى واثنتين في الثانية ويوالي بين القراءتين وروي عن أبي موسى وحذيفة التكبير في العيدين أربعا كتكبير الجنازة وبعضهم يرفع حديث أبي موسى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الكوفيون هذا كقولنا إلا أن الأربع كانت سوى تكبيرة الافتتاح ذكر أبو بكر قال حدثنا هشيم عن بن عون عن مكحول قال أخبرني من شهد سعيد بن العاص أرسل إلى أربعة من أصحاب الشجرة فسألهم عن التكبير في العيدين فقالوا ثماني تكبيرات قال بن عون فذكرت ذلك لابن سيرين فقال صدق ولكنه أغفل تكبير فاتحة الصلاة قال أبو عمر قول مالك وأهل المدينة في هذا الباب روي عن جماعة سلف أهل الحجاز وحسبك بقول مالك هذا لا من عندنا وروي قول الثوري وأبي حنيفة عن جماعة من سلف أهل العراق من الصحابة والتابعين ولم يرو عن أحد منهم أنه فرق بين تكبير الفطر والأضحى إلا عن علي وحده رضي الله عنه وليس الإسناد عنه بالقوي والذي أقول في هذا الباب أن الاختلاف في الأذان وأنه كله مباح لا حرج في شيء منه وكل أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذوا الوضوء واحدة واثنتين وثلاثا والقراءات في الصلوات وعدد ركعات قيام الليل الاختلاف عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك اختلاف إباحة وتوسعة والذي أختاره في ذلك قول مالك والشافعي وبالله التوفيق وأما قول مالك في هذا الباب في رجل وجد الناس يوم العيد قد انصرفوا من الصلاة أنه لا يرى عليه صلاة في المصلى ولا في بيته فإن صلى فحسن ويكبر سبعا وخمسا قبل القراءات فإنما قال ذلك لأن سنة العيد أن تكون في جماعة ومن فاتته لم يقضها لأن القضاء لا يجب إلا في المكتوبات وقال في غير الموطأ من سماع أشهب وبن وهب إن أدركهم في تشهد العيد أحرم وجلس ثم قام إذا سلم الإمام يقضي صلاة العيد كما صلاها الإمام وإن أدرك

أحد الركعين قضى الأخرى يكبر فيها سبعا كما فاته وإن صلوا قبل أن يصل إليهم أتى الخطبة فاستمعها قال وليس قضاء صلاة العيد بواجب لمن فاتته إلا أن يشاء وقول الأوزاعي في ذلك كله كقول مالك إلا أنه قال يكبر خمسا لأنها آخر صلاته وقال الشافعي من فاتته صلاة العيد ووجد الإمام يخطب جلس فإذا فرغ الإمام صلى صلاة العيد كما صلاها الإمام حيث أمكنه قال ومن تركها كرهت له ذلك ولا شيء عليه وقول أبي ثور مثله وقال أبو حنيفة وأصحابه من فاتته صلاة الإمام فإن شاء صلى وإن شاء لم يصل ومن صلى فعل كفعل الإمام على ما وصفنا عنهم وقال أبو حنيفة أيضا والثوري من فاتته صلاة العيد صلى ركعتين أو أربعا ليس فيهن تكبير وأربع أحب إلي فإن لم يصل فلا بأس ومن فاتته ركعة كبر فيها ما كبر إمامه عند الثوري وقول الليث في هذا الباب كقول مالك وهو قول عبيد الله بن الحسن باب ترك الصلاة قبل العيدين وبعدهما مالك عن نافع عن بن عمر أنه لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها قال أبو عمر يعني في المصلى وذكر مالك فيه عن سعيد بن المسيب ما نذكره في باب الغدو إلى المصلى وانتظار الخطبة

وذكر في باب الرخصة في الصلاة قبل العيدين وبعدهما عن عبد الرحمن بن القاسم إن أباه كان يصلي قبل أن يغدو إلى المصلى أربع تكبيرات وعن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يصلي يوم الفطر قبل الصلاة في المسجد فترجم الباب الأول بترك الصلاة والثاني بالرخصة وليست الرخصة في الباب الثاني من الباب الأول في شيء لأن الصلاة في المسجد قبل الغدو إلى المصلى ليست من باب الصلاة في المصلى وإنما اختلفوا في الصلاة في المصلى فذهب أهل المدينة إلى أن لا يصلي أحد في المصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها وأحمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل في المصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها فسائر الناس كذلك وذهب الكوفيون والأوزاعي إلى أن لا يصلي أحد في المصلى قبل الصلاة ويصلي بعدها إن شاء وقال الثوري يصلي بعدها أربعا لا يفصل بينهن وذهب البصريون إلى إباحة الصلاة في المصلى قبل الصلاة وبعدها وهو قول الشافعي قال يصلي قبل الجمعة وبعدها وبه قال داود ولكل واحد منهم سلف فيها ذهب إليه من الصحابة والتابعين وروى أشهب وبن وهب عن مالك إذا صلوا صلاة العيد في المطر في المسجد أو عذر فلا بأس أن يتنفل بعدها ولا ينتفل قبلها وروى بن القاسم عن مالك أن التنفل في المسجد قبلها وبعدها جائز قال أبو عمر الصلاة فعل خير فلا يجب المنع منها إلا بدليل لا معارض له فيه وقد أجمعوا أن يوم العيد كغيره في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها فالواجب أن يكون كغيره في الإباحة وبالله التوفيق والركوع والسجود في المسجد ليس بواجب فكيف في المصلى ومن فعله فقد أحسن وقد مضى هذا المعنى مجودا في هذا الكتاب والحمد لله

باب غدو الإمام في العيدين وانتظار الخطبة قوله في هذا الباب وقول غيره من فقهاء الأمصار سواء كله متقارب المعنى وزاد الشافعي ليس الإمام في ذلك كالناس أما الناس فأحب أن يتقدموا حين ينصرفوا من الصبح وأما الإمام فيغدو إلى العيد قدر ما يرى في المصلى وقد برزت الشمس قال ويؤخر الفطر ويعجل الأضحى ومن صلى قبل طلوع الشمس أعاد وهذا كله مروي معناه عن مالك وهو قول سائر العلماء م ذكر مالك في الباب قبل هذا أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يغدو إلى المصلى بعد أن يصلي الصبح قبل طلوع الشمس وذكر أبو بكر قال حدثنا بن علية عن أيوب عن نافع قال كان بن عمر يصلي الصبح في المسجد ثم يغدو كما هو إلى المصلى قال أبو عمر فعل بن عمر وسعيد بن المسيب خلاف فعل القاسم وعروة لأنهما كانا يركعان في المسجد ثم يغدوان إلى المصلى والركوع لا يكون حتى تبيض الشمس لا يكون بأثر صلاة الصبح وذكر أبو بكر قال حدثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة أنه كان ينصرف مع سعيد بن المسيب من الصبح حتى يسلم الإمام في يوم عيد حتى يأتي المصلي عند دار كثير بن الصلت فيجلس عند المصراعين وعن أبي عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن معقل وإبراهيم النخعي وأبي مجلز مثل فعل سعيد بن المسيب وعن أبي جعفر محمد بن علي وعطاء بن أبي رباح والشعبي وإبراهيم أيضا في رواية مثل فعل القاسم وعروة وعن رافع بن خديج مثله وكل ذلك مباح لا حرج في شيء منه ولكل وجه وفضل وأما قول مالك في آخر هذا الباب فيمن صلى مع الإمام صلاة العيد أنه لا ينصرف حتى يسمع الخطبة فعليه جماعة الفقهاء كما ذكرنا عنهم فيما مضى من تقديم الصلاة على الخطبة والحمد لله

كتاب صلاة الخوف باب صلاة الخوف ذكر فيه مالك عن زيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وصفت طائفة وجاه العدو فصلى بالتى معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم وحديثه عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الأنصاري عن سهل بن أبي حثمة بمعنى واحد في صلاة الخوف إلا أن في حديث يزيد بن رومان وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم وفي حديث يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء الإمام فيركع بهم ويسجد ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون

وهذا ما بين الحديثين من الاختلاف وكان مالك يقول بحديثه عن يزيد بن رومان أن الإمام ينتظر تمام الطائفة الثانية ويسلم بهم وهو قول الشافعي واختياره ثم رجع مالك عن ذلك إلى حديث يحيى بن سعيد عن القاسم أن الإمام يسلم إذا أكمل صلاته ويقوم من وراءه فيأتون بركعة ويسلمون وقد زاد بن القاسم في الموطأ في آخر حديث يحيى بن سعيد وقال مالك هذا الحديث أحب إلي قال أحمد بن خالد وبه قال جماعة أصحاب مالك إلا أشهب فإنه أخذ بحديث بن عمر في صلاة الخوف ومن حجة مالك في اختياره حديث القاسم بن محمد القياس على سائر الصلوات في أن الإمام ليس له أن ينتظر أحدا سبقه بشيء وأن السنة المجتمع عليها أن يقضي المأمومون ما سبقوا به بعد سلام الإمام وقول أبي ثور في ذلك كقول مالك سواء لحديث القاسم عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة وقال الشافعي حديث يزيد بن رومان عن صالح بن خوات مسند والمصير إليه أولى من حديث القاسم لأنه موقوف قال وهو أشبه الأحاديث في صلاة الخوف بظاهر كتاب الله عز وجل ومن حجته أن الله عز وجل ذكر استفتاح الإمام ببعضهم لقوله فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم النساء وذكر انصراف الطائفتين والإمام من الصلاة معا بقوله فإذا قضيتم الصلوة النساء ذلك للجميع لا للبعض ولم يذكر أن على واحد منهم قضاء قال وفي الآية دليل على أن الطائفة الثانية لا تدخل في الصلاة إلا بانصراف الأولى لقوله ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا النساء وفي قوله فليصلوا معك دليل على أن الطائفة الثانية تنصرف ولم يبق عليها من الصلاة شيء يفعله بعد الإمام هذا كله نزع به بعض أصحاب الشافعي بالاحتجاج له على الكوفيين وغيرهم ولم يختلف قول مالك والشافعي وأبي ثور أن الإمام إذا قرأ في الركعة الثانية بأم القرآن وسورة قبل أن تأتي الطائفة الأخرى ثم أتته فركع بها حين دخلت معه قبل

أن يقرأ شيئا أنه يجزئهم إلا أن الشافعي قال إن أدركوا معهم ما يمكنهم فيه قراءة فاتحة الكتاب فلا يجزئهم إلا أن يقرؤها وقول أحمد بن حنبل في صلاة الخوف كقول الشافعي سواء على حديث سهل بن أبي حثمة ورواية يزيد بن رومان هو المختار عند أحمد وكان لا يعيب من فعل شيئا من الأوجه المروية في صلاة الخوف قال ولكني أختار حديث سهل بن أبي حثمة لأنه أنكى للعدو وقال الأثرم قلت له حديث سهل بن أبي حثمة تستعمله والعدو مستقبل القبلة وغير مستقبلها قال نعم هذا أنكى لهم لأنه يصلي بطائفة ثم يذهبون ثم يصلي بأخرى ثم يذهبون واختار داود بن علي وأصحابه أيضا حديث سهل بن أبي حثمة من رواية يزيد بن رومان وغيره عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة كذلك رواه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عنه سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث يزيد بن رومان عن صالح بن خوات وكذلك رواه معاذ بن معاذ عن شعبة وأما أبو حنيفة وأصحابه إلا أبا يوسف فإنهم ذهبوا إلى ما رواه الثوري وشريك وزائدة وبن فضيل عن خصيف عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بطائفة وطائفة مستقبلوا العدو صلى بالذين وراءه ركعة وسجدتين وانصرفوا ولم يسلموا فوقفوا بإزاء العدو ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم فصلى بهم ركعة ثم سلم فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا وذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلي القبلة ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا وروى أبو الأسود عن عروة بن الزبير عن مروان عن أبي هريرة قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فذكر مثل حديث بن مسعود سواء واضطرب قول الثوري في هذا الباب على حسب ما ذكرته عنه في التمهيد وأما حديث مالك في هذا الباب عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا

سئل عن صلاة الخوف قال يتقدم الإمام وطائفة من الناس فيصلي بهم ركعة وتكون طائفة منهم بينه وبين العدو ولم يصلوا فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين فتقوم كل واحدة من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام فتكون كل واحدة من الطائفتين قد صلوا ركعتين فإن كان خوفا أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبلهما قال مالك قال نافع لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا روى مالك هذا الحديث عن نافع على الشك في رفعه ورواه عن نافع جماعة لم يشكوا في رفعه وممن رواه مرفوعا عن نافع عن بن عمر عن النبي من غير شك بن أبي ذئب وموسى بن عقبة وأيوب بن موسى وكذلك رواه الزهري عن سالم عن بن عمر عن النبي وكذلك رواه خالد بن معدان عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا أحاديثهم عنه بالأسانيد من طرق في التمهيد وذكرنا من روى مثل ذلك في صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بن عباس وأبي موسى وأبي هريرة في التمهيد أيضا وقال بحديث بن عمر هذا ومن كان مثله من الفقهاء جماعة منهم الأوزاعي وإليه ذهب أشهب بن عبد العزيز صاحب مالك وكان أحمد بن حنبل ومحمد بن جرير الطبري وطائفة من أصحاب الشافعي يذهبون إلى جواز العمل بكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف وهي ستة أوجه قد ذكرناها كلها من طرق في التمهيد وذكرنا من ذهب إليها من العلماء أحدها حديث بن عمر ومن تابعه

والثاني حديث سهل بن أبي حثمة ومن تابعه والثالث حديث بن مسعود ومن تابعه وقد ذكرنا ها هنا القائلين بها من الفقهاء مثله على حسب ما ذكرناه في التمهيد ومن القائلين به بن أبي ليلى والثوري أيضا في تخييره وقال به غيرهما من الفقهاء من أصحابنا وأصحاب الشافعي إذا كان العدو في القبلة والخامس حديث حذيفة وما كان مثله على ما هو مذكور في التمهيد وهو أحد الأوجه الثلاثة التي خير الثوري فيها رحمه الله السادس من حديث أبي بكرة وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بكل طائفة من الطائفتين ركعتين فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين وكذلك كان يفتي الحسن البصري وهو قول يجيزه كل من أجاز اختلاف نية المأموم والإمام في الصلاة وأجاز لمن صلى في بيته أن يؤم في تلك الصلاة وهو مذهب الأوزاعي والشافعي وبن علية وأحمد بن حنبل وداود ولا معنى لقول من قال إن حديث أبي بكرة وحديث جابر كان في الحضر لأن فيه سلامه في كل ركعتين منها وقد ذكرناهما بأحسن أسانيدهما في التمهيد وهما ثابتان من جهة النقل عند أهل العلم به وغيره محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الخوف في الحضر ومعلوم أن صلاة الخوف إنما وضعت على أخف ما يمكن وأحوطه للمسلمين وهذا من أحوط وجوه صلاة الخوف وقد حكى المزني عن الشافعي قال ولو صلى بكل طائفة ركعتين ثم سلم وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين وسلم كان جائزا قال وهكذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخل واختار هذا الوجه بعض أصحاب داود قال أبو عمر الحجة لمن قال بحديث بن عمر في هذا الباب أنه حديث ورد بنقل أئمة أهل المدينة وهم الحجة في النقل على من خالفهم ولأنه أشبه بالأصول لأن الطائفة الأولى والثانية لم يقصوا الركعة إلا بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة وهو المعروف من سنته المجتمع عليها من سائر الصلوات وأما صلاة الطائفة الأولى ركعتهما قبل أن يصليهما إمامها فهو مخالف للسنة المجتمع عليها في سائر الصلوات وخلاف لقوله إنما جعل الإمام ليؤتم به

وقد روى الثقات حديث صالح بن خوات على معنى حديث بن عمر فصار حديث سهل بن أبي حثمة مختلفا فيه ولم يختلف في حديث بن عمر إلا بما جاء من شك مالك في رفعه وشكه في ذلك مردود إلى يقين سائر من رواه بغير شك والشك لا يلتفت إليه واليقين معمول عليه والرواية التي رويت في حديث سهل بن أبي حثمة بمعنى حديث بن عمر رواها يحيى القطان عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف فذكر مثل حديث بن عمر وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وقالت طائفة من أهل العلم منهم أبو يوسف وبن علية لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم بإمام واحد وإنما تصلى بعده بإمامين يصلى كل واحد منهما بطائفة ركعتين واحتجوا بقول الله عز وجل وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلوة فلتقم طائفة منهم معك النساء قالوا فإذا لم يكن فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ذلك لهم لأنه صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في ذلك ولم يكن من أصحابه من يؤثر بنصيبه فيه غيره وكلهم كان يحب أن يأتم به ويصلي خلفه وليس أحد بعده يقوم بالفضل مقامه والناس بعده تستوي أحوال أهل الفضل منهم أو تتقارب وليس بالناس حاجة إلى إمام واحد عند الخوف بل يصلي بطائفة من شاؤوا وتحترس الأخرى فإذا فرغت صلى بالناس منهم من يقدمونه كذلك هذه جملة من احتج به من ذهب مذهب أبي يوسف في ذلك ومن الحجة عليه لسائر العلماء إجماعهم على أن قول الله عز وجل خذ من أموالهم صدقة تطهرهم التوبة ينوب فيها منابه ويقوم فيها مقامه الخلفاء والأمراء بعده وكذلك قوله تعالى وإذا كنت فيهم النساء ومن الدليل على أن ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم دخلت فيه أمته قول الله عز وجل فلما قضى زيد منها وطرا زوجنكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج في أزوج أدعيائهم الأحزاب ومثله وإذا رأيت الذين يخوضون في ءايتنا فأعرض عنهم الأنعام هو المخاطب صلى الله عليه وسلم وأمته داخلة في ذلك ومثله كثير وأما مراعاة القبلة للخائف في الصلاة فساقطة عند أهل المدينة والشافعي إذا

اشتد خوفه كما يسقط عنه النزول إلى الأرض لقوله عز وجل فإن خفتم فرجالا أو ركبانا البقرة قال بن عمر مستقبل القبلة وغير مستقبلها وهذا لا يجوز لمصلي الفرض في غير الخوف قال قول بن عمر هذا ذهب جماعة من أهل الفقه منهم مالك والشافعي قالا يصلي المسافر الخائف على قدر طاقته مستقبل القبلة وغيره مستقبلها وبذلك قال أهل الظاهر لعموم قوله فإن خفتم وقال بن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه لا يصلي الخائف إلا إلى القبلة ولا يصلي أحد في حال المسابقة وقول الثوري في هذه المسألة نحو قول مالك ومن قول مالك والثوري أنه إن لم يقدر على الركوع والسجود فإنه يصلي قائما ويومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع وقال الأوزاعي إذا كان القوم مواجهي العدو وصلى بهم إمامهم صلاة الخوف فإن شغلهم القتال صلوا فرادى فإن اشتد القتال صلوا رجالا وركبانا إيماء حيث كانت وجوههم فإن لم يقدروا تركوا الصلاة حتى يأمنوا وقد زدنا هذا الباب إيضاحا بالمسائل عن العلماء في التمهيد وأحسن الناس صفة لحال الخوف الذي لا يجوز فيه الصلاة إلا بالأرض إلى القبلة وتحرس أحد الطائفتين فيه الأخرى ولحال شدة الخوف الذي يجوز فيه الصلاة راكبا وراجلا مستقبل القبلة وغير مستقبلها الشافعي رحمه الله في كتابه فإنه قد وصف الحالتين صفة بينة واضحة وقد أوردنا ذلك عنه وعن غيره في التمهيد والحمد لله وأما حديث مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر يوم الخندق حتى غربت الشمس

فقد احتج بهذا من ذهب إلى أن صلاة الخوف تؤخر إذا لم يستطع عليها على وجهها إلى وقت الأمن والاستطاعة وهذا قول جماعة من فقهاء أهل الشام شذوا عن الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم وقد بان فساد ما ذهبوا إليه بالحديث الثابت أن يوم الخندق قبل صلاة الخوف وقبل نزول الآية فيه حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة قال حدثنا إسماعيل بن يحيى المدني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا أحمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن بن أبي ذئب وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم قال حدثنا عمار بن عبد الجبار الخرساني قال أخبرنا بن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان هوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله عز وجل وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا الأحزاب قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام فصلى الظهر كما كان يصليها في وقتها ثم أقام العصر فصلاها كذلك ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أيضا وذلك قبل أن ينزل في صلاة الخوف فرجالا أو ركبانا البقرة ومعنى الحديثين سواء وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا هناد بن السري عن هشيم عن أبي الزبير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال قال عبد الله إن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات في الخندق فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء هكذا قال هشيم في هذا الحديث فأذن ثم أقام فصلى الظهر فذكر الأذان للظهر وحدها وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن هشيم سواء وخالفه هشام الدستوائي

فرواه عن أبي الزبير بإسناده وقال فيه فأمر بلالا فأقام فصلى الظهر ولم يذكر أذانا للظهر ولا لغيرها وإنما ذكر الإقامة فيها وحدها ومعلوم أن الظهر والعصر والمغرب فوائت وأن العشاء صليت في وقتها وقد مضى القول في صدر هذا الكتاب في هذه المسألة وذكرنا اختلاف العلماء في الأذان للفوائت من الصلاة هناك فلا معنى لإعادته هنا وروى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سليمة عن جابر قال جعل عمر بن الخطاب يسب كفار قريش يوم الخندق ويقول يا رسول الله والله ما صليت العصر حتى غربت الشمس أو كادت تغيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما صليتها فنزلنا معه إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا معه فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب ففي هذا الحديث حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما شغل يؤمئذ عن صلاة العصر وفي حديث أبي سعيد وبن مسعود أنه شغل يومئذ عن أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفي مرسل سعيد بن المسيب أنه شغل يومئذ عن الظهر والعصر فالله أعلم أن ذلك كان وقد يحتمل أن يكون ذلك كله صحيحا لأنهم حوصروا في الخندق وشغلوا بالأحزاب أياما ومثل حديث جابر في ذلك حديث علي وهو حديث ثابت من طرق عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس ملأ الله بطونهم وقلوبهم أو بيوتهم نارا وممن رواه عن علي يحيى بن الخزاز وشيتر بن شكل وزر بن حبيش والحارث الهمداني وقد ذكرناه من طرق في باب زيد بن أسلم من التمهيد

كتاب صلاة الكسوف باب العمل في صلاة الكسوف ذكر فيه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم رفع فسجد ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ذلك ثم انصرف وقد تجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا ثم قال يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وكذلك حديثه عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس أنه قال خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقام

قياما طويلا نحوا من سورة البقرة قال ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم انصرف وقد تجلت الشمس فقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت فقال إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط أفظع ورأيت أكثر أهلما النساء قالوا لم يا رسول الله قال لكفرهن قيل أيكفرن بالله قال ويكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط وعن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن يهودية جاءت تسألها فقالت أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعذب الناس في قبورهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائذا بالله من ذلك ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة مركبا فخسفت الشمس فرجع ضحى فمر بين ظهراني الحجر ثم قام يصلي وقام الناس وراءه فقام قياما طويلا ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون

الركوع الأول ثم رفع فسجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع ثم سجد ثم انصرف فقال ما شاء الله أن يقول ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر وكذلك رواه بن شهاب عن عمرة عن عائشة وهذه الأحاديث من أصح ما يروى في صلاة الكسوف عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت الآثار في صلاة الكسوف عنه كثيرة مختلفة وقد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد فأما أحاديث مالك في هذا الباب فعلى ما ذكرنا تضمنت ركعتين في كل ركعة ركوعان وبذلك يقول مالك والشافعي وأصحابهما وجمهور أهل الحجاز وبه قال الليث بن سعد وأحمد بن حنبل وأبو ثور وقوله في الحديث وهو دون القيام الأول في القيام الثاني من الركعة الأولى فليس فيه ما يحتاج إلى تفسير وكذلك الركوع الثاني في الركعة الأولى دون الركوع الأول فيها ليس في ذلك ما يحتمل تأويلا وأما قوله في قيام الركعة الثانية وهو دون القيام الأول فيحتمل أن يكون أراد دون الأول في الركعة الأولى فتكون الركعة الأولى قيامها وحده أطول من قيام سائر الصلوات وكذلك ركوعها الأول يحتمل أن يكون دون الأول فيها وكذلك ركوعها الثاني دون الركوع الأول فيها وأي ذلك كان فلا حرج فيه إن شاء الله وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد وفيما ذكرنا بعد في القراءة عن مالك والشافعي ما يبين مذهبهما في ذلك وقال مالك لم أسمع أن السجود يطول في صلاة الكسوف وهو مذهب الشافعي ورأت فرقة من أهل الحديث تطويل السجود ورواية عن بن عمر وقال الكوفيون منهم أبو حنيفة والثوري والحسن بن حي صلاة الكسوف كهيئة صلاتنا ركعتان نحو صلاة الصبح ثم الدعاء حتى ينجلي وهو قول إبراهيم النخعي وروى محمد قول الكوفيين في صلاة الكسوف عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكرة وسمرة بن جندب وعبد الله بن عمر والنعمان بن بشير وقبيصة الهلالي وعبد الرحمن بن سمرة

وقد ذكرنا بعضها في التمهيد وهي آثار مشهورة صحاح إلا أن المصير إلى زيادة من حفظ أولى فإن قيل إنه قد روي في صلاة الكسوف عشر ركعات في ركعة وثماني ركعات في ركعة وست ركعات في ركعة وأربع ركعات في ركعة فهلا صرت إلى زيادة من زاد في ذلك قيل له تلك آثار معلولة ضعيفة قد ذكرنا عللها في التمهيد ومن أحسن حديث ذهب إليه الكوفيون حديث أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف نحو صلاتكم يركع ويسجد ركعتين ركعتين ويسأل حتى تجلت رواه أيوب السختياني وعاصم الأحول عن أبي قلابة وقال قبيصة الهلالي عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا انكسفت الشمس أو القمر فصلوا كأحدث صلاة صليتموها مكتوبة وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد وإنما يصير كل عالم إلى ما روى عن شيوخه ورأى عليه أهل بلده وقد يجوز أن يكون ذلك اختلافا بإباحة وتوسعة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف مرارا فحكى كل ما رأى كل صادق قد جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كالنجوم فكلهم في النقل من اقتدى به اهتدى وقد تكلمنا على معنى هذا الحديث في كتاب بيان العلم بما فيه بيان إن شاء الله وأما ظن من ظن من الكوفيين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ركوعه ركوعتين في ركعة إلا لرفعه رأسه إلى السماء ليعلم هل تجلت الشمس أم لا فليس ذلك بشيء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الكسوف في صحراء قط فيما علمت وإنما صلاها في المسجد وذلك معلوم منصوص عليه في الآثار الصحاح وقد ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن

حسن بن صالح عن عيسى بن أبي عروة قال كسفت الشمس أو القمر فقال الشعبي عليكم بالمسجد فإنه من السنة وأجمع العلماء على أن صلاة الكسوف ليس فيها أذان ولا إقامة إلا أن الشافعي قال لو نادى مناد لصلاة ليخرج الناس إلى المسجد لم يكن بذلك بأس واختلفوا في القراءة في صلاة الكسوف فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة والليث بن سعد القراءة فيها سرا وفي حديث بن عباس في هذا الباب قوله نحو من سورة البقرة دليل على أن القراءة كانت سرا وروى سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف قال فقام لنا كأطول ما قام بنا قط لا نسمع له صوتا وروى محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة وعبد الله بن أبي سلمة عن عروة عن عائشة قالت كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فصلى بالناس فقام فأطال القيام فحزرت أنه قرأ سورة البقرة وساق الحديث قال وسجد سجدتين ثم قام فحزرت قراءته أنه قرأ سورة آل عمران وقد روي عن بن عباس أنه قال في صلاة الكسوف كنت جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمعت منه حرفا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة النهار عجماء وقد روي عن علي رضي الله عنه أنهم حزروا قراءته بالروم ويسن أو العنكبوت والذي استحب مالك والشافعي أن يقرأ في الأولى بالبقرة وفي الثانية بآل عمران وفي الثالثة بقدر مائة وخمسين آية من البقرة وفي الرابعة بقدر خمسين آية من البقرة وفي كل واحدة أم القرآن وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن يجهر بالقراءة في صلاة الكسوف ورووا عن علي بن أبي طالب أنه جهر ذكره وكيع قال حدثنا سفيان عن الشيباني عن الحكم عن حنش الكناني أن عليا جهر بالقراءة في الكسوف

قال وكيع وحدثنا يزيد بن إبراهيم عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف ركعتين فقرأ في إحداهما بالنجم قال وكيع وحدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن الماجشون قال سمعت أبان بن عثمان قرأ في الكسوف سأل سائل المعارج قال أبو بكر حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن حسن بن صالح عن عبد الله بن عيسى قال صلى بنا عبد الرحمن بن أبي ليلى حين انكسف القمر مثل صلاتنا هذه في رمضان فقرأ في أول ركعة ب يس ورووا عن زيد بن أرقم والبراء بن عازب وعبد الله بن يزيد الخطمي أنهم جهروا بالقراءة في الكسوف وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه واحتجا بحديث سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة كسوف الشمس وسفيان بن حسين ليس بالقوى وقد تابعه على ذلك عن الزهري عبد الرحمن بن نمر وسليمان بن كثير وكلهم لين الحديث في الزهري وقد تقدم حديث بن إسحاق عن هشام بن عروة وعبد الله بن أبي سلمة عن عروة عن عائشة بما يعارض حديث سفيان بن حسين ومن تابعه ويدفعه ومن حجة من قال بالجهر في صلاة الكسوف إجماع العلماء على أن كل صلاة سنتها أن تصلى في جماعة من الصلوات المسنونات فسنتها الجهر كالعيدين والاستسقاء قالوا فكذلك الكسوف قال الطبري إن شاء جهر في صلاة الكسوف وإن شاء أسر وإن شاء قرأ في كل ركعة مرتين وركع فيها ركوعين وإن شاء أربع قراءات وركع أربع ركعات وإن شاء ثلاث ركعات في كل ركعة وإن شاء ركعتين كصلاة النافلة قال أبو عمر أحسن أبو جعفر رحمه الله واختلف الفقهاء أيضا في وقت صلاة الكسوف وهل تصلى في كل النهار أم لا فروى بن وهب عن مالك قال لا تصلى الكسوف إلا في حين تجوز فيه الصلاة النافلة فإن كسفت في غير حين صلاة لم يصلوا فإن جاز وقت الصلاة ولم تنجل صلوا فإن تجلت قبل ذلك لم يصلوا

وروى بن القاسم عنه قال لا أرى أن تصلى الكسوف بعد الزوال وإنما سنتها أن تصلى ضحى إلى الزوال وقال الليث بن سعد تصلى الكسوف نصف النهار لأن نصف النهار لا يكاد يثبت لسرعة الشمس قال الليث حججت سنة ثلاث عشرة ومائة وعلى الموسم سليمان بن هشام وبمكة عطاء بن أبي رباح وبن أبي مليكة وبن شهاب وعكرمة بن خالد وعمرو بن شعيب وقتادة وأيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية فكسفت الشمس بعد العصر فقاموا قياما يدعون الله في المسجد فقلت لأيوب بن موسى ما لهم لا يصلون فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف فقال النهي جاء في الصلاة بعد العصر فلذلك لا يصلون والنهي يقطع الأمر وقال أبو حنيفة وأصحابه والطبري لا تصلى صلاة الكسوف في الأوقات المنهي عنها وقال الشافعي تصلى صلاة الكسوف في كل وقت نصف النهار وبعد العصر وهو قول أبي ثور وحجتهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عن الصلاة بعد العصر والصبح إلا عن النافلة المبتدأة لا عن المكتوبات ولا عن الصلوات المسنونات وقد تقدم هذا المعنى واضحا في باب الأوقات وقال إسحاق تصلى صلاة الكسوف في كل وقت إلا في حين طلوع الشمس وغروبها وقال إسحاق في صلاة الكسوف إن شاء أربع ركعات في ركعتين وإن شاء ست ركعات في ركعتين كل ذلك مؤتلف يصدق بعضه بعضا لأنه إنما كان يزيد في الركوع إذا لم ير الشمس قد تجلت فإذا تجلت سجد قال ولا يزاد على هذه الركعات لأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك واختلفوا أيضا في صلاة كسوف القمر فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما لا يجمع في صلاة كسوف القمر ولكن يصلي الناس أفرادا ركعتين ركعتين كسائر الصلوات والحجة لهم قوله صلى الله عليه وسلم صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة وخص صلاة

كسوف الشمس بالجمع لها ولم يفعل ذلك في صلاة القمر فخرجت صلاة كسوف الشمس بدليلها وما ورد من التوقيت فيها وبقيت صلاة القمر على أصل ما عليه النوافل وقال الليث بن سعد لا يجمع في صلاة القمر ولكن الصلاة فيها كهيئة الصلاة في كسوف الشمس وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة ذكره بن وهب عنه وقال ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيتم ذلك فادعوا إلى الصلاة وقال الشافعي أصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وسائر أهل الحديث في كسوف القمر كهي في كسوف الشمس سواء وهو قول الحسن وإبراهيم وعطاء وحجتهم في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله عز وجل قال الشافعي رحمه الله فكان الذكر الذي فزع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كسوف الشمس هي الصلاة المذكورة فكذلك خسوف القمر تجمع الصلاة لخسوفه كهي عند كسوف الشمس لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بينهما في الذكر وقال صلى الله عليه وسلم إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا وفي حديث آخر فصلوا حتى يكشف ما بكم وفي حديث آخر فافزعوا إلى الصلاة وقد عرفنا كيف الصلاة عند إحداهما فكان دليلا على الصلاة عند الأخرى قال أبو عمر روي عن عثمان بن عفان وبن عباس أنهما صليا في خسوف القمر جماعة ركعتين في كل ركعة ركوعان مثل قول الشافعي واختلفوا أيضا في الخطبة بعد صلاة الكسوف فقال الشافعي ومن اتبعه وهو قول إسحاق والطبري يخطب بعد الصلاة في الكسوف كالعيدين والاستسقاء واحتج الشافعي بحديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في حديث الكسوف وفيه ثم انصرف وقد تجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله

وأثنى عليه ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته الحديث وبه احتج كل من رأى الخطبة في الكسوف وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما لا خطبة في كسوف الشمس واحتج بعضهم في ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خطب الناس لأنهم قالوا إن الشمس كسفت لموت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك خطبهم يعرفهم أن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته وكان مالك والشافعي لا يريان الصلاة عند الزلزلة ولا عند الظلمة والريح الشديد ورآها جماعة من أهل العلم منهم أحمد وإسحاق وأبو ثور وروي عن بن عباس أنه صلى في الزلزلة وقال بن مسعود إذا سمعتم هادا من السماء فافزعوا إلى الصلاة وقال أبو حنيفة من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج قال أبو عمر لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح أن الزلزلة كانت في عصره ولا صحت عنه فيها سنة وقد كانت أول ما كانت في الإسلام على عهد عمر فأنكرها وقال أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم رواه بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية قالت زلزلت المدينة على عهد عمر حتى اصطكت السور فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما أسرع ما أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم وروى حماد بن سلمة عن عبد الله بن الحارث قال زلزلت الأرض بالبصرة فقال بن عباس والله ما أدري أزلزلت الأرض أم بي أرض فقام بالناس فصلى مثل صلاة الكسوف وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مالك رأيناك تكعكعت فمعناه عند أهل اللغة احتبست وتأخرت وقال الفقهاء معناه تقهقرت والمعنى واحد متقارب وقال متمم بن نويرة ولكنني أمضي على ذاك مقدما إذا بعض من لاقى الرجال تكعكعا

وأما قوله صلى الله عليه وسلم إني رأيت الجنة ورأيت النار فإن الآثار في رؤيته لهما كثيرة وقد رآهما مرارا على ما جاءت عنه الآثار عنه صلى الله عليه وسلم وعند الله علم كيفية رؤيته لهما فيمكن أن يتمثلا له فينظر إليهما بعيني وجهه كما مثل له بيت المقدس حين كذبه الكفار في الإسراء فنظر إليه وجعل يخبرهم عنه وممكن أن يكون ذلك برؤية القلب قال الله عز وجل وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموت والأرض وليكون من الموقنين الأنعام واختلف أهل التفسير في تأويل ذلك فقال مجاهد فرجت له السماوات فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش وفرجت له الأرضون السبع فنظر إلى ما فيهن ذكره حجاج عن بن جريج قال أخبرني القاسم بن أبي بزة عن مجاهد وذكر معمر عن قتادة قال ملكوت السماوات الشمس والقمر والنجوم وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار والظاهر في حديث مالك في هذا الباب أنه رأى الجنة والنار رؤية عين والله أعلم وتناول من الجنة عنقودا على حسب ما جاء في الحديث ويؤيد ذلك قوله فلم أر كاليوم منظرا قط وحق النظر إذا أطلقوا الرؤية إلا أن يتعدى بهما رؤية العين إلا بدليل لا يحتمل تأويلا وفي ذلك دليل أيضا على أن الجنة والنار مخلوقتان وقد أوردنا في التمهيد من الآثار الدالة على ذلك الشاهدة به ما فيه كفاية وأما قوله اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء فإنه قد روي عنه صلى الله عليه وسلم هذا المعنى من وجوه شتى متواترة منها حديث أسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين وإذا أصحاب الجد محبوسون إلا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء وهذا أثبت ما يروى من الآثار

وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وأما قوله قالوا لم يا رسول الله قال بكفرهن قيل أيكفرن بالله قال ويكفرن العشير ويكفرن الإحسان فهكذا رواية يحيى ويكفرن العشير بالواو والمحفوظ فيه عن مالك من رواية بن القاسم والقعنبي وبن وهب وعامة رواة الموطأ قال يكفرن العشير بغير واو وهو الصحيح في الرواية والظاهر من المعنى وأما رواية يحيى فالوجه فيها والله أعلم أن يكون السائل لما قال أيكفرن بالله لم يجبه على قوله ذلك جوابا مكشوفا لإحاطة العلم أن من النساء من يكفرن بالله كما من الرجال من يكفر بالله فكأنه قال ومع إيمانهن بالله يكفرن العشير والإحسان ولم يجاوبه عن كفرهن بالله لأنه قصد إلى غير ذلك ألا ترى قوله للنساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار وقد ذكرنا الحديث بذلك في التمهيد وأما قوله يكفرن العشير ويكفرن الإحسان فالعشير في هذا الموضع عند أهل العلم الزوج والمعنى عندهم في ذلك كفر النساء لحسن معاشرة الزوج ثم عطف على ذلك كفرهن بالإحسان جملة في الزوج وغيره وقال أهل اللغة الخليط من المعاشرة والمخالطة ومنه قول الله عز وجل لبئس المولى ولبئس العشير الحج قال الشاعر فتلك التي لم يشكها في خليفة عشير وهل يشكو الكريم عشير وقال آخر سلا هل قلاني من عشير صحبته وهل ذم رحلي في الرفاق دخيل وقد ذكرنا في التمهيد من طرق قوله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله عز وجل إلى امرأة لا تعرف حق زوجها ولا شكره وهي لا تستغني عنه

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عائذا بالله من عذاب القبر فكثيرا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من عذاب الله ومن فتنة القبر وأهل السنة والجماعة مصدقون بفتنة القبر وعذاب القبر لتوافر الأخبار بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثبتنا منها في التمهيد بما فيه شفاء والحمد لله وأما قوله خسفت الشمس فالخسوف عند أهل اللغة ذهاب لونها وأما الكسوف فتغير لونها قالوا يقال بئر خسيف إذا ذهب ماؤها وفلان كاسف اللون أي متغير اللون إلى الصفرة وقد قيل الكسوف والخسوف بمعنى واحد باب ما جاء في صلاة الكسوف ذكر فيه مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت أتيت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس فإذا الناس قيام يصلون وإذا هي قائمة تصلي فقلت ما للناس فأشارت بيدها نحو السماء وقالت سبحان الله فقلت آية فأشارت برأصها أن نعم قالت فقمت حتى تجلاني الغشي وجعلت أصب فوق رأسي الماء فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه ثم قال ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبا من فتنة الدجال لا أدري أيتهما قالت أسماء يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن لا أدري أي ذلك قالت أسماء فيقول هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا فيقال له نم صالحا قد علمنا إن كنت لمؤمنا وأما المنافق أو المرتاب لا أدري أيتهما قالت أسماء فيقول لا

أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فيه من الفقه أن كسوف الشمس يصلى له وقد تقدم بيان ذلك والحمد لله وفيه أن الشمس إذا كسفت بأقل شيء منها وجبت الصلاة لذلك على سنتها ألا ترى إلى قول أسماء ما للناس وأشارت لها عائشة بيدها نحو السماء فلو كان كسوفا بينا ما خفي عن أسماء ولا غيرها حتى تحتاج أن يشار إلى السماء وقد استدل على هذا الحديث بعض أصحابنا في سر القراءة في صلاة الكسوف وفيه أن المصلي إذا كلم أشار وسبح ولم يتكلم لأن الكلام ممنوع منه في الصلاة وفيه أن النساء يسبحن إذا نابهن شيء في الصلاة وذلك حجة لمالك على من قال إن سنتهن التصفيق وقد مضى قوله صلى الله عليه وسلم من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنما التصفيق للنساء وقوله صلى الله عليه وسلم التسبيح للرجال والتصفيق للنساء في بابه من هذا الكتاب وفيه أن إشارة المصلي برأسه وبيده لا بأس بها وأما قولها فقمت حتى تجلاني الغشي بمعنى أنها قامت حتى غشي عليها وفي ذلك دليل على طول القيام في صلاة الكسوف وأما قوله فحمد الله وأثنى عليه فذلك كان بعد الفراغ من الصلاة وقد تقدم في الباب قبل هذا اختلاف الفقهاء في الخطبة بعد صلاة الكسوف ومضى القول في رؤيته للجنة والنار بما يغني عن إعادته

وأما قوله إنكم تفتنون في قبوركم فإنه أراد فتنة الملكين منكر ونكير حين يسألان العبد من ربك وما دينك ومن نبيك فالآثار بذلك متواترة وأهل السنة والجماعة وهم أهل الحديث والرأي في أحكام شرائع الإسلام كلهم مجمعون على الإيمان والتصديق بذلك إلا أنهم لا يتكلفون فيه شيئا ولا ينكره إلا أهل البدع روى شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الأخرة إبراهيم قال في القبر إذا سئل من ربك وما دينك ومن نبيك ورواه الأعمش عن سعد بن عبيدة عن البراء موقوفا وفي الحديث الطويل حديث الأعمش ويونس بن جناب عن بن عمر وعن زاذان عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة المؤمن من يعاد روحه إلى جسده وأنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ويدخل عليه ملكان فيقولان له ما دينك فيقول الإسلام فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول وأي رجل فيقولان محمد فيقول أشهد أنه رسول الله فينهرانه ويقولان له ما يدريك فيقول إني قرأت كتاب الله فصدقت به وآمنت قال فهي آخر فتنة تعرض على المؤمن وذلك قول الله عز وجل يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الأخرة إبراهيم وذكر الحديث وفيه في المنافق فينهرانه انتهارا شديدا ويقولان من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول لا أدري فيقولان لا دريت ولا تليت وساق تمام الخبر وقد ذكرناه في التمهيد إلى آثار ثابتة صحاح وردت بمعناه والآثار الواردة أيضا بأن اليهود تعذب في قبورها

كل ذلك ذكرناه هناك وأوضحنا الفرق بين عذاب القبر وفتنة القبر وأن الفتنة للمؤمن والعذاب للمنافق والكافر وأوردنا فيه من الآثار ما بان به ذلك والحمد لله وللفتنة وجوه في اللغة مذكورة هناك أيضا وفي قوله في حديث مالك مثل أو قرب من فتنة الدجال على أنهم كانوا يراعون الألفاظ في الحديث المسند وقد أفردنا لهذا المعنى بابا في كتاب بيان العلم وفضله وذكرنا اختلاف العلماء في ذلك وأما مالك فكان لا يجيز الإخبار بالمعاني في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قدر على الإتيان بالألفاظ روى الحارث بن مسكين عن يوسف بن عمرو عن بن وهب قال سمعت مالكا سئل عن المسائل إذا كان المعنى واحدا والكلام مختلفا فقال لا بأس به إلا الأحاديث التي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قوله وأما المنافق والمرتاب فإنما هو شك من المحدث وكذلك قالت فاطمة بنت المنذر لا أدري أي ذلك قالت أسماء والمنافق كافر أظهر الإيمان واعتقد الكفر والمرتاب الشاك

كتاب صلاة الاستسقاء باب العمل في الاستسقاء مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عباد بن تميم يقول سمعت عبد الله بن زيد المازني يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة هكذا روى مالك هذا الحديث بهذا الإسناد وهذا اللفظ لم يذكر فيه الصلاة لم يختلف رواة الموطأ في ذلك عليه فيما علمت إلا أن إسحاق بن عيسى روى هذا الحديث عن مالك فزاد فيه إن رسول ا لله صلى الله عليه وسلم بدأ بالاستسقاء في الصلاة قبل الخطبة ولم يقل حول رداءه ذكره النسائي في مسند حديث مالك عن زكريا بن يحيى عن مروان بن عبد الله عن إسحاق ولم يقل ذلك عنه أحد فيما علمت غيره ورواه سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر فذكر فيه الصلاة ورواه بن شهاب وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم عن عمه عبد ا لله بن زيد عن عاصم الأنصاري المازني وذكرا فيه الصلاة وقد ذكرنا الأحاديث بذلك من طرق في التمهيد وليس في تقصير من قصر عن ذكر الصلاة حجة على من ذكرها والحجة في

قول من أثبت وحفظ ومن أحسن الناس سياقة لهذا الحديث الزهري حدثنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكير قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فاستقبل القبلة فصلى بهم ركعتين جهر فيهما بالقراءة وحول رداءه ورفع يديه واستسقى واستقبل القبلة وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا يزيد بن هارون عن بن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه قال شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فاستقبل القبلة وولى ظهره الناس وحول رداءه وصلى ركعتين وجهر بالقراءة أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وصلى ركعتين وقلب رداءه وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن سعيد وهو ا لقطان عن يحيى بن سعيد وهو الأنصاري عن أبي بكر بن محمد بن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فصلى ركعتين واستقبل القبلة وقال أبو عمر أجمع العلماء على أن الخروج للاستسقاء والبروز عن المصر والقرية إلى الله عز وجل بالدعاء والضراعة في نزول الغيث عند احتياجه سنة مسنونة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعملها الخلفاء بعده واختلفوا في الاستسقاء في الصلاة فقال أبو حنيفة ليس في الاستسقاء صلاة ولكن يخرج الإمام بالناس ويدعون الله عز وجل وروي ذلك عن طائفة من التابعين منهم إبراهيم النخعي وغيره ذكر أبو بكر قال حدثنا جرير بن المغيرة عن أسلم العجلي قال خرج أناس يستسقون وخرج إبراهيم معهم فلما فرغوا قاموا يصلون فرجع إبراهيم ولم يصل معهم

وحجتهم حديث مالك وما كان مثله لم يذكروا فيه الصلاة منها ما ذكره أبو بكر قال حدثنا يعلى بن عبيد عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى يستسقي فلما دعا يستقبل القبلة وحول رداءه لم يذكر صلاة مثل حديث مالك سواء واحتجوا أيضا بأن عمر بن الخطاب خرج يستسقي فلم يصل ذكره أبو بكر قال حدثنا وكيع عن عيسى بن حفص بن عاصم عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي عن أبيه قال خرجنا مع عمر بن الخطاب نستسقي فما زاد على استسقاء وقال حدثنا وكيع عن مطرف بن طريف عن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يستسقي فصعد المنبر فقال استغفروا الله ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا واستغفروا ربكم إنه كان غفارا ثم نزل فقالوا يا أمير المؤمنين لو استسقيت فقال لقد طلبته بمجاديح السماء الذي ينزل فيها القطر وروى سفيان بن عيينة قال حدثنا مطرف بن طريف عن الشعبي أن عمر خرج يستسقي بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فقالوا ما رأيناك استسقيت فقال عمر لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي ينزل بها القطر ثم قرأ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا نوح قال أبو عمر ليس في هذا الحديث عن عمر أنه لم يصل ولا أنه لم ير الصلاة وإنما فيه صفة الدعاء في الاستسقاء وليس من لم يشهر حجة على من شهر وحفظ وقد روي عن عمر أنه خطب في الاستسقاء قبل الصلاة وقال أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وسائر فقهاء الأمصار صلاة الاستسقاء سنة ركعتان يجهر فيهما بالقراءة وقال الليث بن سعد الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة وقاله مالك ثم رجع عنه إلى أن الخطبة بعد الصلاة كالعيدين وعليه جماعة الفقهاء

وقال مالك والشافعي يخطب الإمام بعد الصلاة خطبتين يفصل بينهما بالجلوس وقال أبو يوسف ومحمد يخطب خطبة واحدة وقال عبد الرحمن بن مهدي يخطب خطبة خفيفة يعظهم ويحثهم على الخير وقال الطبري إن شاء خطب واحدة وإن شاء اثنتين وقال الشافعي والطبري يكبر في صلاة الاستسقاء كما يكبر في صلاة العيد وهو قول بن عباس وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وقال داود إن شاء كبر كما يكبر في العيدين وإن شاء كبر تكبيرة واحدة كما يكبر في سائر الصلوات تكبيرة واحدة للافتتاح وقد روى عن أحمد بن حنبل مثل قول الشافعي وحجة من قال التكبير فيها كالتكبير في صلاة العيد حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيها ركعتين كما يصلي في العيد وقد ذكرناه بإسناده وتمام ألفاظه في التمهيد وليس عندي فيه حجة من جهة الإسناد ولا من جهة المعنى لأنه يمكن أن يكون التشبيه فيه بصلاة العيدين من جهة الخطبة إلا أن بن عباس رواه وعمل بالتكبير كصلاة العيد بمعنى ما روى وقد تابعه من ذكرنا معه وقال الشافعي ومالك وأصحابهما يحول الإمام رداءه عند فراغه من الخطبة يجعل اليمين على الشمال وما على الشمال على اليمين ويحول الناس أرديتهم إذا حول الإمام رداءه كما حول الإمام هذا قول الشافعي بالعراق وقال بمصر ينكس الإمام رداءه فيجعل أعلاه أسفله ويجعل ما منه على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر

قال وإن جعل ما على يمينه على يساره ولم ينكبه أجزأه وقال الليث بن سعد يحول الإمام رداءه ولا يحول أرديتهم وهو قول محمد بن الحسن وكذلك قال أبو يوسف إلا أنه قال يحوله الإمام إذا مضى صدر من الخطبة وقال الشافعي يحول رداءه وهو مستقبل القبلة في الخطبة الثانية عند فراغه منها أو قرب ذلك ويحول الناس قال أبو عمر قوله في الحديث وحول رداءه يقتضي ما عليه جمهور الفقهاء من تحويل ما على اليمين منه على الشمال وقد روي ذلك منصوصا عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا يحيى بن سعيد والمسعودي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج إلى المصلى يستسقي فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين وزاد المسعودي قلت لأبي بكر أجعل الشمال على اليمين أم جعل أعلاه أسفله قال بل جعل الشمال على اليمين واليمين على الشمال وأما الذي ذهب إليه الشافعي فإنما يوجد في حديث عمارة بن غزية عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد قال استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خميصة له سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه ففي هذا الحديث دليل على أن الخميصة لو لم تثقل عليه لنكسها وجعل أعلاها أسفلها ذكره الشافعي عن الدراوردي عن عمارة بن غزية وذكره أبو داود عن قتيبة بن سعيد عن الدراوردي ولا أعلم خلافا أن الإمام يحول رداءه وهو قائم ويحول الناس وهم جلوس والخروج إلى الاستسقاء وقت خروج الناس إلى العيد عند جماعة العلماء إلا أبا

بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فإنه قال الخروج إليها عند زوال الشمس واختلف العلماء في خروج أهل الذمة إلى الاستسقاء فأجاز ذلك بعضهم وممن أجازه مالك وبن شهاب ومكحول وقال بن المبارك إن خرجوا عزل بهم عن مصلى المسلمين وقال إسحاق لا يؤمروا بالخروج إلا ينهوا عنه وكرهت طائفة من أهل العلم خروجهم إلى الاستسقاء منهم أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما قال الشافعي فإن خرجوا متميزين لم أمنعهم وقال محمد بن الحسن لا يتقرب إلى الله عز وجل ويرجى ما عنده من الخير بدعاء أهل الكفر وكلهم كره خروج النساء الشواب إلى الاستسقاء ورخصوا في خروج العجائز ولم يختلفوا في الجهر في صلاة الاستسقاء وقال مالك لا بأس أن يستسقى في العام الواحد مرة أو مرتين إذا احتاجوا إلى ذلك وقال الشافعي إن لم يسقوا ذلك أحببت أن يتابع الاستسقاء ثلاثة أيام يصنع في كل منها كما صنع في الأول وقال إسحاق لا يخرجون إلى الجبان إلا مرة واحدة ولكن يجتمعون في مساجدهم فإذا فزعوا من الصلاة ذكروا الله عز وجل ودعوا أو يدعو الإمام يوم الجمعة على المنبر ويؤمن الناس باب ما جاء في الاستسقاء ذكر فيه عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت قد ذكرنا معنى هذا الحديث متصلا في التمهيد وإنما فيه ضرب من الدعاء في الاستسقاء والدعاء في ذلك كثير مختلف

الألفاظ متفق المعاني في الرغبة والضراعة إلى الله عز وجل في فضله وغوث عباده برحمته وإنما ذكر مالك هذا الباب بعد الذي قبله لأنه أفرد الأول بسنة الاستسقاء من الصلاة وغيرها على حسب ما أوردنا فيه وأفرد هذا بمعنى الدعاء لأن الاستسقاء هو طلب الماء من الله تعالى والدعاء إليه فيه ومن أحسن ما روي في ذلك حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا في الاستسقاء فقال اللهم اسقينا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل قال فأطبقت عليهم السماء وحديث بن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع ولا يخطر لهم فحل فصعد المنبر فحمد الله ثم قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا مريئا طبقا غدقا عاجلا غير رائت ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قال قد أحييتنا وقد ذكرنا أسانيد هذين الحديثين في التمهيد وروى بن لهيعة عن عقيل عن بن شهاب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى صلاته في الاستسقاء استقبل القوم بوجهه وقلب رداءه ثم جثى على ركبتيه ورفع يديه وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي ثم قال اللهم اسقنا وأغثنا الله اسقنا غيثا مغيثا رحبا ربيعا وجدا طبقا غدقا مغدقا مريعا عاما هنيئا مريئا مربعا وابلا شاملا مسبلا نجلا دائما دررا نافعا غير ضار عاجلا غير رائث تحيي به البلاد وتغيث به العباد وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها وسكنها وأنزل علينا من السماء ماء طهورا تحيي به بلدا ميتا وأناسي كثيرا وروى سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد أخي سفيان بن منصور بن المعتمر عن سالم بن أبي الجعد قال قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنك دعوت على مضر بالسنة فما يغط لهم بعير فقال صلى الله عليه وسلم اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريعا طيعا مجللا عاجلا غير رائت نافعا غير ضار فما مضى ذلك اليوم حتى مطروا فما مضت السابعة حتى أعطنوا في العشب

وأما حديث مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلكت المواشي وتقطعت السبل فادعوا الله فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة قال فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله تهدمت البيوت وانقطعت السبل وهلكت المواشي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر قال فانجابت عن المدينة انجياب الثوب فقد روي عن أنس من وجوه كثيرة بمعان متفاوتة حسان قد ذكرنا بعضها في التمهيد ومن أكملها معنى وأحسنها ألفاظا وسياقه حديث مسلم الملائي عن أنس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لقد أتيناك وما لنا بعير يثط ولا صبي يصطبح وأنشد أتيناك والعذراء يدمى لبانها وقد شغلت أم الصبي عن الطفل

وألقى بكفيه الفتى استكانة من الجوع ضعفا ما يمر وما يحلي ولا شيء مما يأكل الناس عندنا سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل وليس لنا إلا إليك فرارنا وأين فرار الناس إلا إلى الرسل قال صاحب العين العلهز اسم للنرجس ويقال للياسمين فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ورفع يديه إلى السماء فقال اللهم اسقنا غيثا مريعا غدقا طبقا عاجلا غير رائت نافعا غير ضار تملأ به الضرع وتنبت به الزرع وتحيي به الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون قال فما رد رسول الله يديه إلى نحره حتى التقت السماء بأرواقها وجاء أهل البطانة يضجون يا رسول الله الغرق الغرق فرفع يده إلى السماء وقال اللهم حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لله أبو طالب لو كان حيا قرت عيناه من الذي ينشدنا قوله فقام علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله كأنك أردت قوله وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم في نعمة وفواضل كذبتم وبيت الله يبزى محمد ولما نقاتل دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فقام رجل من كنانة فقال لك الحمد ممن شكر سقينا بوجه النبي المطر فذكر الأبيات على حسب ما كتبتها في التمهيد

وقد روى حديث أنس هذا عنه ثابت البناني وحميد الطويل وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ليس في حديث واحد شيء من الشعر وإنما هي على نحو حديث مالك وروى الليث بن سعد هذا الحديث عن سعيد المقبري عن شريك بن أبي نمر عن أنس قال بينا نحن في المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قام رجل فقال يا رسول الله تقطعت السبل وهلكت الأموال وأجدبت البلاد فادع الله أن يسقينا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حذاء وجهه وقال اللهم اسقنا وذكر نحو حديث مالك إلا أنه قال حوالينا ولا علينا ولكن الجبال ومنابت الشجر فتفرق السحاب فما نرى منه شيئا وأما قوله في حديث مالك والآكام فهي الكدى والجبال من التراب وهي جمع أكمه مثل رقبة ورقاب وعتبة وعتاب وقد تجمع على آكام مثل آجام ومنابت الشجر مواضع المرعى حيث ترعى البهائم وانجياب الثوب انقطاع الثوب يعني الخلق يقول صارت السحابة قطعا وانكشفت عن المدينة كما ينكشف الثوب عن الشيء يكون عليه وفي الحديث أيضا ما يدل على الدعاء في الاستصحاء عند نوال الغيث كما يستسقى عند احتباسه وينبغي لمن استصحا أن لا يدعو في رفع الغيث جملة ولكن اقتداء بالنبي عليه السلام وما أدب به أمته في ذلك بقوله اللهم حوالينا ولا علينا ثم بين ذلك بقوله منابت الشجر وبطون الأودية يعني حيث لا يخشى هدم بيت ولا هلاك حيوان ولا نبات وروينا من وجوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج يستسقي فخرج معه العباس فقال اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك ونستشفع به فاحفظ فينا نبيك كما حفظت الغلامين لصلاح أبيهما وأتيناك مستغفرين مستشفعين ثم أقبل على الناس فقال استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا إلى قوله أنهرا نوح ثم قام العباس وعيناه تنضحان فطال عمر ثم قال اللهم أنت

الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت إليك الشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم فأغثهم بغياثك من قبل أن يقنطوا فيهلكوا فلا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون فنشأت طريرة من سحاب فقال الناس ترون ترون ثم تلاءمت واستتمت ومشت فيها ريح ثم هدت ودرت فوالله ما برحوا حتى اعتقلوا الحذاء وقلصوا المآزر وطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون هنيئا لك يا أبا الفضل أخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثنا أحمد بن أبي عمر قال حدثنا بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن سعيد بن المسيب قال حدثنا من حضر مع عمر بن الخطاب فقال للعباس بن عبد المطلب ماذا بقي من نوء الثريا فقال العباس العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعا قال فما مضت سابعة حتى مطروا وأما قول مالك فيمن فاتته صلاة الاستسقاء وأدرك الخطبة إن شاء صلاها في بيته

وإن شاء في المسجد وإن شاء ترك فلأن السنن لا تقضى لزاما فتشبه الفرائض وهي فعل خير يخرج من قضاها باب الاستمطار بالنجوم مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد الجهني أنه قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال أتدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب الحديبية موضع معروف في آخر الجبل وأول الحرم وفيه كان الصلح بين قريش وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه كانت بيعة الرضوان تحت الشجرة وأما قوله على إثر سماء فإنه يعني بالسماء المطر والغيث وهي استعارة حسنة معروفة للعرب قال حسان بن ثابت عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء ديار من بني الحسحاس قفر تعفيها الروامس والسماء يعني ماء السماء وقال غيره فأفرط في المجاز وفي الاستعارة إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا

وأما قوله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن الله عز وجل أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فمعناه عندي على وجهين أحدهما أن القائل مطرنا بنوء كذا أي بسقوط نجم كذا أو بطلوع نجم كذا إن كان يعتقد أن النوء هو المنزل للمطر والخالق له والمنشئ للسحاب من دون الله فهذا كافر كفرا صريحا ينقل عن الملة وإن كان من أهلها استتيب فإن رجع إلى ذلك إلى الإيمان بالله وحده وإلا قتل إلى النار وإن كان أراد أن الله عز وجل جعل النوء علامة للمطر ووقتا له وسببا من أسبابه كما تحيى بالأرض الماء بعد موتها وينبت به الزرع ويفعل به ما يشاء من خليفته فهذا مؤمن لا كافر ويلزمه مع هذا أن يعلم أن نزول الماء لحكمة الله تعالى ورحمته وقدرته لا بغير ذلك لأنه مرة ينزله بالنوء ومرة بغير نوء كيف يشاء لا إله إلا هو والذي أحب لكل مؤمن أن يقول كما قال أبو هريرة مطرنا بفضل الله ورحمته ويتلو الآية إن شاء روى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن عباس في قوله عز وجل وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون الواقعة قال ذلك في الأنواء وهو قول جماعة أهل التفسير للقرآن وروى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا في بعض أسفاره يقول مطرنا ببعض عثانين الأسد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت بل هو سقيا الله عز وجل ورزقه قال سفيان عثانين الأسد الذراع والجبهة وروي عن الحسن البصري أنه سمع رجلا يقول طلع سهيل وبرد الليل فكره ذلك وقال إن سهيلا لم يكن قط بحر ولا برد وكره مالك أن يقول الرجل للغيم والسحابة ما أخلفها للمطر وهذا من قول مالك مع روايتيه إذا أنشأت بحرية يدل على أن القوم

احتاطوا فمنعوا الناس من الكلام بما فيه أدنى متعلق من أمر الجاهلية بقولهم مطرنا بنوء كذا وكذا على ما فسرناه والله أعلم وقال الشافعي في كتابه المبسوط في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حاكيا عن الله عز وجل أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر الحديث قال هذا كلام عربي محتمل المعاني وكان صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم وإنما تكلم بهذا الكلام زمن الحديبية بين ظهراني قوم مؤمنين ومشركين فالمؤمن يقول مطرنا بفضل الله ورحمته وذلك إيمان بالله لأنه لا يمطر ولا يعطي ولا يمنع إلا الله وحده لا النوء لأن النوء مخلوق لا يملك لنفسه شيئا ولا لغيره وإنما هو وقت ومن قال مطرنا بنوء كذا يريد في وقت كذا فهو كقوله مطرنا في شهر كذا وهذا لا يكون كفرا ومن قال بقول أهل الشرك من الجاهلية الذين كانوا يضيفون المطر إلى النوء أنه أمطره فهذا كفر يخرج من ملة الإسلام والذي أحب أن يقول الإنسان مطرنا في وقت كذا ولا يقول بنوء كذا وإن كان النوء هو الوقت قال أبو عمر النوء في كلام العرب واحد أنواء النجوم وبعضهم يجعله الطالع وأكثرهم يجعله الساقط وقد سمى منازل القمر كلها أنواء وهي ثمان وعشرون منزلة قد أفردت لذكرها جزءا وقد ذكروا الناس كثيرا وقد أوضحنا القول في الأنواء في التمهيد وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عتاب بن حنين عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أمسك الله القطر على عباده خمس سنين ثم أرسله لأصبحت طائفة من الناس به كافرين يقول مطرنا بنوء المجدح فمعناه كمعنى حديث مالك هذا وأما المجدح فإن الخليل زعم أنه نجم كانت العرب تزعم أنها تمطر فيقال أرسلت السماء بمجادح الغيث

ويقال مجدح ومجدح بالكسر والضم حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا أحمد بن الحسن قال قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا يحيى بن زكريا عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث لن يزلن في أمتي التفاخر بالأنساب والنياحة والأنواء يعني النياحة على الموتى والاستمطار بالنجوم وأما حديثه في هذا الباب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة هذا الحديث لا أعرفه بوجه من الوجوه في غير الموطأ ومن ذكره إنما ذكره عن مالك في الموطأ إلا ما ذكره الشافعي في كتاب الاستسقاء عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أنشأت بحرية ثم استحالت شامية فهو أمطر لها وبن أبي يحيى مطعون عليه متروك وإسحاق بن عبد الله هو بن أبي فروة ضعيف أيضا متروك الحديث وهذا الحديث لا يحتج به أحد من أهل العلم بالحديث لأنه ليس له إسناد وقال الشافعي في حديثه هذا بحرية بالنصب كأنه يقول إذا ظهرت السحاب بحرية من ناحية البحر ومعنى نشأت ظهرت وارتفعت يقال أنشأ فلان يقول كذا إذا ابتدأ قوله وأظهره بعد سكوت وكذلك قولهم أنشأ فلان حائط نخل ومنه قول الله عز وجل وله الجوار المنشئات في البحر كالأعلم الرحمن أي السفن الظاهرة في البحر كالجبال الظاهر في الأرض

وقد قيل أنشأت تمطر أي ابتدأت ومنه قيل للشاعر أنشأ يقول وإنما سمى السحابة بحرية لظهورها من ناحية البحر يقول إذا طلعت سحابة من ناحية البحر وناحية البحر بالمدينة الغرب ثم تشاءمت أي أخذت نحو الشام والشام من المدينة في ناحية الشمال يقول إذا مالت السحابة الظاهرة من جهة الغرب إلى الشمال وهو عندنا البحرية ولا تميل كذلك إلا بالريح النكباء التي بين الغرب والجنوب هي القبلة فإنها يكون ماؤها غدقا يعني غزيرا معينا لأن الجنوب تسوقها وتستدرها وهذا معروف عند العرب وغيرهم قال الكميت مرته الجنوب فلما اكفهر رحلت عزاليه الشمأل وأما قوله فتلك عين فالعين مطر أيام لا يقلع كذلك قال أهل العلم باللغة والخبر قالوا والعين أيضا ناحية القبلة والعرب تقول مطرنا بالعين ومن العين إذا كان السحاب ناشئا من ناحية القبلة وقد قيل إن العين ماء عن يمين قبلة العراق وغديقة تصغير غدقة والغدقة الكثيرة الماء قال الله عز وجل ماء غدقا الجن قال كثير وتغدق أعداد به ومشارب يقول يكثر المطر عليه وأعداد جمع عد وهو الماء الغزير وقد يكون التصغير هنا أريد به التعظيم كما قال عمر في بن مسعود كنيف ملئ علما وقيل إن قول بن عمر كان لصغر قد بن مسعود ولطافة جسمه

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خرج على العادة المعهودة من حكم الله وفضله لأنه يعلم نزول الغيث حقيقة بشيء من الأشياء قبل ظهور السحاب وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بن عمر الخمس التي لا يعلمها إلا الله تعالى وقال إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام لقمان وقد قيل إن هذا الحديث أريد به أن السحابة تحمل الماء من البحر واحتج قائل هذا بقول أبي ذؤيب الهذلي شربن بماء البحر ثم ترفعت متى لجج خضر لهن نشيج وقال الأصمعي الباء في قوله بماء البحر للتبعيض والذي قدمت لك هو قول أهل العلم والدين وكيف كانت الحال فلا ينزل الغيث من حيث نزل ولا ينشئ السحاب ولا يرسل الرياح إلا الله وحده لا شريك له

كتاب القبلة باب النهي عن استقبال القبلة والإنسان على حاجة باب الرخصة في استقبال القبلة لبول أو غائط ذكر فيه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن رافع بن إسحاق مولى لآل الشفاء وكان يقال له مولى أبي طلحة أنه سمع أبا أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمصر يقول والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكرابيس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب أحدكم الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه وعن نافع عن رجل من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تستقبل القبلة لغائط أو بول قد ذكرنا في التمهيد ما يجب من القول في إسناد هذا الحديث والذي قبله ومع ذلك فهما حديثان ثابتان عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يختلف في ثبوتهما لأنهما رويا من وجوه كثيرة صحاح دون علة وإنما اختلف الفقهاء في نسخهما أو تخصيصهما على ما نوضحه هنا إن شاء الله وفي حديث أبي أيوب من الفقه استعمال عموم الخطاب على من سمعه في

السنة والكتاب لأن أبا أيوب سمع النهي عن استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط واستعمل ذلك مطلقا عاما في البيوت وغيرها إذ لم يحضر شيء من ذلك في الحديث ألا ترى أن رواية بن شهاب لهذا الحديث عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله تعالى وهذا يجب على كل من بلغه شيء أن يسعمله على عمومه حتى يثبت عنده ما يختص به أو ينسخه واختلف العلماء في هذه المسألة قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور لا يجوز استقبال القبلة لغائط أو بول في الصحارى ولا في البيوت ولا في موضع من المواضع واحتج أحمد وجماعة منهم بحديث أبي أيوب هذا وما كان مثله وقالوا أبو أيوب أعلم بما روى وقد رواه معه جماعة من ا لصحابة منهم بن مسعود وسهل بن حنيف وأبو هريرة وسلمان وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي كلهم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن استقبال القبلة ببول أو غائط ورد أحمد بن حنبل حديث جابر وحديث عائشة الواردين عن النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة في هذا الباب وسنذكرهما فيه بعد إن شاء الله وقال مالك والشافعي وأصحابهما وهو قول بن المبارك وإسحاق بن راهويه أما في الصحارى فلا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها للغائط ولا البول وأما في البيوت فذلك جائز لا بأس به لحديث بن عمر لقد ارتقيت على ظهر بيت

لنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل القبلة هكذا رواه بن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه عن بن عمر ورواه مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن بن عمر فقال فيه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته وهكذا رواه عبد الوهاب الثقفي ورواه سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد بلفظ حديث مالك ومعناه ورواه عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه عن بن عمر فقال فيه فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على حاجته مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة وقال فيه حفص بن غياث عن عمرو بن سعيد عن محمد بن يحيى عن عمه عن بن عمر متوجها نحو القبلة لم يقل الكعبة ولا بيت المقدس وقال أحمد بن حنبل في حديث بن عمر هذا إنما نسخ فيه استقبال بيت المقدس واستدباره بالغائط والبول قال هذا الذي لا أشك فيه وأنا أشك في الكعبة قال أبو عمر قد قال في حديث بن عمر من لا مدفع لأحد في نقله وهو عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن بن عمر مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة فدل على أن النهي إنما أريد به الصحارى لا البيوت لما في ذلك من الضيق والحرج وما جعل الله في الدين من حرج ومعلوم أن بيت المقدس إنما ذكر في وقت كونه والله أعلم قبلة فالقبلة

البيت الحرام كذلك فكيف وفي نقل الثقات الحفاظ مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة فجاء بالوجهين جميعا وقد روى حماد بن سلمة وغيره عن خالد بن الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة قالت ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم أن قوما يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة فقال فعلوها استقبلوا بمقعدي القبلة وهذا واضح من خصوص البيوت ومعلوم أن المقاعد لا تكون إلا في البيوت فدل على أن الصحاري عليها حرج النهي خاصة والله أعلم وقد ذكرنا أسانيد أحاديث هذا الباب كلها في التمهيد وقد روى مروان الأصفر عن بن عمر أنه رآه أناخ راحلته مستقبل بيت المقدس ثم جلس يبول إليها فقلت يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا فقال إنما نهي عن ذلك في الفضاء وإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس وروى وكيع وعبيد الله بن موسى عن عيسى بن أبي عيسى الخياط وهو عيسى بن ميسرة قال قلت للشعبي إن أبا هريرة يقول لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها وقال بن عمر كانت مني التفاتة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كنيفه مستقبل القبلة فقال الشعبي صدق أبو هريرة وصدق بن عمر قول أبي هريرة في البرية وقول بن عمر في الكنيف قال الشعبي فأما كنفكم هذه فلا قبلة لها هذا حديث وكيع وقد ذكرنا في التمهيد حديث أبي هريرة مسندا وحديث بن عمر من رواية عيسى الحناط وقالت طائفة من أهل العلم منهم داود ومن اتبعه وهو قول عروة بن الزبير جائز استقبال القبلة للبول والغائط في الصحارى والبيوت واحتجوا بحديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط قال ثم رأيته بعد ذلك يستقبل القبلة ببوله قبل موته بعام

وقد ذكرت إسناد هذا الحديث في التمهيد قالوا فهذا يبين أن نهيه في ذلك منسوخ وأقل أحوال الآثار في ذلك أن تتعارض فتسقط وأصل الأمور الإباحة حتى يثبت الحظر بما لا معارض له هذا ما نزع به من ذهب مذهب داود وليس حديث جابر الذي عولوا عليه في النسخ مما يحتج به عند أهل العلم بالنقل ولا مما يعتمد على مثله والله أعلم وقد أوضحنا هذا المعنى في التمهيد والحمد لله وكان مجاهد وإبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين يكرهون أن تستدبر إحدى القبلتين أو تستقبل لغائط أو بول الكعبة وبيت المقدس وهؤلاء غاب عنهم وخفي عليهم ما علمه غيرهم وبالله التوفيق قال أبو عمر من الدليل على أن نهيه صلى الله عليه وسلم استقبال القبلة بالبول والغائط إنما عنى به الصحارى والفضاء والفيافي دون كنف البيوت قوله في حديث عائشة استقبلوا بمقعد القبلة والمقعد لا يكون إلا في البيوت ومثل هذا حديث بن عمر كان منه بالمدينة رآه على سطح أشرف عليه منه فرآه على لبنتين يقضي حاجته إلى ناحية القبلة ويدل أيضا على ذلك أن متبرز القوم إنما كان أكثره في الصحراء وخارجا من البيوت ألا ترى أن ما جاء في حديث الإفك من قول عائشة رحمها الله وكانت بيوتنا لا مراحيض لها وإنما أمرنا أمر العرب الأول تعني البعد في البراز وقال بعض أصحابنا إنما وقع النهي عن الصحارى لأن الملائكة تصلي في الصحارى وأما قوله في الحديث كيف أصنع بهذه الكرابيس فهي المراحيض واحدها كرباس مثل سربال وسرابيل وقد قيل إن الكرابيس مراحيض العرب وأما مراحيض البيوت فإنما يقال لها الكنف

وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه دليل على أن القبل يسمى فرجا وأن الدبر أيضا يسمى فرجا واختلف الذين رأوا الوضوء من مس الفرج في مس الدبر على ما قد ذكرناه في موضعه والحمد لله والذي نقول به إنه لما احتمل لفظ الفرج الوجهين كان المبين للمراد منه والقاضي فيه صلى الله عليه وسلم مس ذكره وأما قوله في الحديث لعلك من الذين يسجدون على أوراكهم فإنه يعني الذي يسجد ولا يرتفع عن الأرض لاصقا بها وقد مضى القول فيما يجزئ من السجود والركوع في مواضع من هذا الكتاب منها حديث رفاعة بن رافع وأبي هريرة بمعنى واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للرجل الذي أمره أن يعيد صلاته وعلمه الفرائض فيها ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا الحديث وحديث البراء بن عازب في وصفه لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم وحديث البراء أيضا قال رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فكان قيامه من الركوع وركوعه وقيامه من السجود وسجوده سواء أو قريبا من السواء أخرجهما أبو داود وغيره

وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حفص بن عمرو النمري قال حدثنا شعبة عن سليمان عن عمارة بن عمير عن أبي مسعود البدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجزئ صلاة رجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود باب النهي عن البصاق في القبلة ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا زاد في حديث هشام أو مخاطا أو نخامة في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه إذا صلى قال أبو عمر أما حكه صلى الله عليه وسلم البصاق من القبلة ففيه دليل على تنزيه المساجد من كل ما يستقدر ويستسمج وإن كان طاهرا لأن البصاق طاهر ولو كان نجسا لأمر بغسل أثره ويدلك على طهارته حديث حذيفة وحديث أبي سعيد وحديث أبي

هريرة وحديث أنس وكلها قد ذكرتها في التمهيد بمعنى واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح للمصلي أن يبصق ويتنخم في ثوبه وعن يساره ولو كان نجسا ما أباح له حمله في ثوبه ولا أعلم كلاما في طهارة البصاق إلا شيئا روي عن سلمان الجمهور على خلافه والسنن الثابتة وردت برده وفي حك البصاق من المسجد تنزيهه عن أين يؤكل فيه مثل البلوط لقشره والزبيب لعجمه وكل ما له دسم وودك وتلويث وما له حب وتبن ونحو ذلك مما يكنسه المرء من بيته وإذا كان ذلك فالنجاسة أحرى أن لا يقرب المسجد شيء منها وقد ذكرنا في التمهيد حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب والبصاق ما خرج من الفم وفيه لغتان بصاق وبزاق ويكتب بالسين كما يكتب بالصاد والزاي والنخامة ما خرج من الحلق والمخاط ما خرج من الأنف وليس شيء من ذلك نجس ولكن المساجد واجب تنزيهها عن كل ما تستقذره النفس وأما قوله فإن الله قبل وجهه إذا صلى فكلام خرج على شأن تعظيم القبلة وإكرامها كما قال طاوس أكرموا قبلة الله عن أن تستقبل للغائط والبول

حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا حميد عن أنس قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة في المسجد فشق عليه حتى عرفنا ذلك في وجهه فحكه وقال إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة فإنما يناجي ربه وإنما ربه بينه وبين قبلته فليبصق إذا بصق عن يساره أو تحت قدمه وقال صلى الله عليه وسلم البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها وقد ذكرنا إسناده في التمهيد وفي هذا دليل على أن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة إذا لم يبصق قبل وجهه ولا عن يمينه ولا يقطع ذلك صلاته ولا يعيدها وفي ذلك دليل على أن النفخ في الصلاة لا يضرها إذا لم يقصد به صاحبه اللعب والعبث لأن البصاق لا يسلم من شيء من النفخ والتنحنح مثل النفخ إذا لم يكن جوابا ولا أريد به معنى الكلام ولا العبث ولا اللعب واختلف الفقهاء في هذا المعنى فكان مالك يكره النفخ في الصلاة فإن فعله فاعل لا يقطع صلاته ذكره بن وهب عن مالك وذكره بن خواز بنداذ قال قا ل مالك التنحنح والنفخ في الصلاة لا يقطع الصلاة رواه بن عبد الحكم قال قال بن القاسم التنحنح والنفخ في الصلاة يقطع الصلاة قال الشافعي كل ما لا يفهم منه حروف الهجاء فليس بكلام ولا يقطع الصلاة إلا الكلام المفهوم وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن إن كان النفخ يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة

وقال أبو يوسف لا يقطع الصلاة إلا أن يريد التأفيف ثم رجع فقال صلاته تامة وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه لا إعادة على من نفخ في الصلاة والنفخ مع ذلك مكروه عندهما إلا أن يكون تأوها من ذكر النار وخوف الله تعالى إذا مر بذلك في القرآن وقد زدنا هذا بيانا في التمهيد باب ما جاء في القبلة ذكر فيه عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة قال أبو عمر أكثر الرواة رووا فاستقبلوها على لفظ الخبر وقد رواها بعضهم على لفظ الأمر ومن روى هذا الحديث عن مالك عن نافع عن بن عمر فقد أخطأ فيه وإنما هو لمالك عن عبد الله بن دينار في جميع الموطآت وجماعة الرواة عنه وفيه دليل على قبول خبر الواحد والعمل به وإيجاب الحكم بما صح منه لأن الصحابة رضي الله عنهم قد استعملوا خبره وقضوا به وتركوا قبلة كانوا عليها لخبر الواحد العدل ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم وحسبك بمثل هذا سنة وعملا من خير القرون وفي حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمخبر الذي أخبر خير القرون أهل قباء هو عباد بن بشر الأنصاري قد ذكرنا الخبر بذلك في التمهيد وفيه أن القرآن كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء وفي حال بعد

حال على حسب الحاجة إليه حتى أكمل الله دينه وقبض رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما أنزل القرآن جملة واحدة ليلة القدر إلى سماء الدنيا ثم كان ينزل به جبريل نجما بعد نجم وحينا بعد حين وقال عكرمة وجماعة في قوله تعالى فلا أقسم بموقع النجوم الواقعة قالوا القرآن نزل جملة واحدة فوضع بمواقع النجوم فجعل جبريل ينزل بالآية والآيتين وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد وقال الله عز وجل إنا أنزلنه في ليلة القدر وما أدرك ما ليلة القدر القدر يعني القرآن قال بن عباس وغيره إلى سماء الدنيا وقال عز وجل وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة وحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلنه ترتيلا الفرقان وفيه أن الصلاة كانت إلى غير الكعبة ولا خلاف بين علماء الأمة أنها كانت إلى بيت المقدس وكذلك في الآثار عن علماء السلف أشهر وأعرف من أن يحتاج إلى إيراده هنا قال الله عز وجل سيقول السفهاء من الناس ما ولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها البقرة واختلفوا في السفهاء هنا فقيل المنافقون وقيل اليهود وقال الله عز وجل قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضها البقرة وفي ذلك دليل على أن في أحكام الله تعالى ناسخا ومنسوخا وهو ما لا اختلاف فيه بين العلماء الذين هم الحجة على من خالفهم وقد أوردنا من الآثار في التمهيد ما فيه كفاية في معنى هذه الآية وقد أجمع العلماء على أن أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة وأجمعوا على أن ذلك كان بالمدينة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صرف عن الصلاة إلى بيت المقدس وأمر بالصلاة إلى الكعبة بالمدينة واختلفوا في صلاته بمكة قبل الهجرة حين فرضت الصلاة عليه فقالت طائفة كانت صلاته إلى بيت المقدس من حين فرضت الصلاة عليه بمكة

إلى أن قدم المدينة ثم بالمدينة ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا على حسب اختلاف الرواية في ذلك حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا وجيه بن الحسن قال حدثنا بكار بن قتيبة قال حدثنا يحيى بن حماد قال حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن مجاهد عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس وهو بمكة والكعبة بين يديه وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرف إلى الكعبة وقال آخرون إنما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما افترضت الصلاة عليه إلى الكعبة طول مقامه بمكة ثم لما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا وقيل سبعة عشر شهرا وقيل ثمانية عشر شهرا ثم صرفه الله تعالى إلى الكعبة ذكر سنيد عن حجاج عن بن جريج قال قال بن عباس صلى أول ما صلى إلى الكعبة ثم صرف عنها إلى بيت المقدس فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل موته صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج وصلى بعد قدومه ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة البيت الحرام وذكر وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يحب أن يحول إلى الكعبة فأنزل الله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضها البقرة فوجه نحو الكعبة وكان يحب ذلك قال أبو عمر ظاهر هذا الحديث يدل على أنه لما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس لا قبل ذلك والله أعلم وكذلك حديث علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال كان أول ما نسخ الله تعالى من القرآن القبلة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله تعالى أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا

وذلك كما حدثناه سعيد بن نصر وأحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا عبد الله بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس قال أول ما نسخ الله تعالى من القرآن القبلة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا وكان صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم وكان يدعو الله فينظر إليها فأنزل الله تعالى قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضها فول وجهك شطر المسجد الحرام البقرة فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها البقرة فأنزل الله عز وجل قل لله المشرق والمغرب البقرة وقال فأينما تولوا فثم وجه الله البقرة وقال الله تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه البقرة قال بن عباس وليميز أهل اليقين من أهل الشك والريبة قال الله تعالى وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله البقرة يعني تحويلها على أهل الشرك لا على المصدقين بما أنزل الله تعالى حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن سلمان النجار ببغداد قال حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله عز وجل وإن الذين أوتوا الكتب ليعلمون أنه الحق من ربهم البقرة يقول إن الكعبة البيت الحرام قبلة إبراهيم والأنبياء صلى الله عليهم ولكنهم تركوها عمدا وقال في قوله وإن فريقا منهم ليكتمون الحق البقرة يقول يكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم ويكتمون أيضا أن القبلة هي الكعبة البيت الحرام ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم فلا تكونن من الممترين البقرة يقول لا تكن في شك يا محمد أن الكعبة هي قبلتك وكانت قبلة الأنبياء وبهذا الإسناد عن أبي العالية أن موسى عليه السلام كان يصلي عند الصخرة ويستقبل البيت الحرام وكانت الكعبة قبلته وكانت الصخرة بين يديه فقال يهودي

بيني وبينك مسجد صالح النبي عليه السلام قال أبو العالية فإني صليت في مسجد صالح وقبلته الكعبة وأخبرني أبو العالية أنه رأى مسجد ذي القرنين وقبلته إلى الكعبة وقد تقدم ما يدل على صحة هذا القول وأن القبلة كانت قبلة إبراهيم وإسماعيل وكل ما دان بدين إبراهيم وإليها صلى النبي عليه السلام مذ فرضت عليه الصلاة حتى هاجر إلى المدينة وذلك واضح بين فيما تقدم في صدر كتاب الصلاة من هذا الديوان وأجمع العلماء على أن القبلة التي أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم وعباده بالتوجه نحوها في صلاتهم هي الكعبة البيت الحرام بمكة قال الله عز وجل فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره البقرة وأجمعوا على أنه فرض واجب على من عاينها وشاهدها استقبالها بعينها وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها فلا صلاة له أجمعوا أن على من غاب عنها بعد أو قرب أن يتوجه في صلاته نحوها بما قدر عليه من الاستدلال على جهتها من النجوم والجبال والرياح وغيرها وأجمعوا أن من صلى من غير اجتهاد ولا طلب للقبلة ثم بان له أنه لم يستقبل جهتها في صلاته أن صلاته فاسدة كمن صلى بغير طهارة يعيدها في الوقت وغيره وفي هذا المعنى حكم من صلى إلى غير القبلة في مسجد يمكنه فيه طلب القبلة وعلمها ووجودها بالمحراب وشبهه ولم يفعل وصلى إلى غيرها واختلفوا فيمن غابت عليه القبلة فصلى مجتهدا كما أمر ثم بان له بعد ما فرغ من الصلاة أنه قد أخطأ القبلة بأن استدبرها أو شرق أو غرب ثم بان له ذلك وهو في الصلاة فجملة قول مالك وأصحابه أن من صلى مجتهدا على قدر طاقته طالبا للقبلة باجتهاده يؤم ناحيتها إذا خفت عليه ثم بان له بعد صلاته أنه قد استدبرها أو شرق أو غرب جدا فإنه يعيد صلاته في الوقت فإن خرج الوقت فلا إعادة عليه والوقت في ذلك للظهر والعصر ما لم تصفر الشمس وقد روي عن مالك ما لم تغرب الشمس وفي المغرب والعشاء ما لم ينفجر الصبح وفي صلاة الصبح ما لم تطلع الشمس

وقد روي عنه ما لم تسفر جدا ووجه الإعادة في الوقت استدراك الكمال وذلك استحباب مؤكد عندهم فإن علم في الصلاة أنه استدبرها أو شرق أو غرب قطع وابتدأ وإن لم يشرق ولم يغرب ولكنه انحرف انحرافا يسيرا فإنه ينحرف إلى القبلة إذا علم ويتمادى ويجزئه ولا شيء عليه وقال أشهب سئل مالك عن من صلى إلى غير القبلة فقال إن كان انحرف انحرافا شديدا فإن عليه إعادة ما كان في الوقت وقال الأوزاعي من تحرى فأخطأ القبلة أعاد ما كان في الوقت ولا يعيد بعد الوقت وقال الثوري إذا صليت لغير القبلة فقد أجزأك إذا لم تعمد ذلك وإن كنت صليت بعد صلاتك لغير القبلة ثم عرفت القبلة بعد فاستقبل القبلة بقية صلاتك واحتسب بما صليت وقال المزني عن الشافعي إذا صلى إلى الشرق ثم رأى القبلة إلى الغرب استأنف وإن شرق أو غرب منحرفا ورأى أنه منحرف وتلك جهة واحدة فإن عليه أن ينحرف ويعتد بما مضى وذكر الربيع عن الشافعي قال ولو دخل في الصلاة على اجتهاده ثم رأى القبلة في غير الناحية التي صلى إليها فإن كان مشرقا أو مغربا لم يعتد بما مضى من صلاته وسلم واستقبل الصلاة على ما بان له واستيقنه وإن رأى أنه انحرف لم يلغ شيئا من صلاته لأن الانحراف للمجتهد ليس فيه يقين خطأ وإنما هو اجتهاد لم يرجع منه إلى يقين وإنما رجع إلى اجتهاد شك وقال أبو حنيفة وأصحابه من تحرى القبلة فأخطأ ثم بان له ذلك فلا إعادة عليه في وقت ولا في غيره قالوا وله أن يتحرى القبلة إذا لم يكن على يقين من علم جهتها قالوا ولو صلى قوم على اجتهاد ثم بان لهم بعد ركعة أنهم أخطأوا القبلة صرفوا وجوههم فيما بقي من صلاتهم إلى القبلة وصلاتهم تامة وكذلك لو أتموا ثم علموا بعد لم يعيدوا وقال الطبري من تحرى فأخطأ القبلة أعاد أبدا إذا استدبرها وهو أحد قولي الشافعي

قال أبو عمر قد أوضحنا معنى اختلافهم والوجه المختار منه في التمهيد والحمد لله وقول الثوري أشبه بظاهر الحديث هذا الباب والله الموفق للصواب وأما حديثه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال صلى رسول الله بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين فقد مضى في هذا الباب معناه مسندا وفي التمهيد كثير من طرقه وفيه دليل على أن العلم بأيام الإسلام وتاريخ ذلك والوقوف عليه من العلم الحسن المندوب إليه ولا غنى للعلماء عنه وأجمع أهل السير أن القبلة حولت سنة اثنتين من الهجرة وأصح ما روي في ذلك ما ذكره مالك عن يحيى بن سعيد مسندا عن سعيد بن المسيب حديثه هذا وكذلك قال بن إسحاق قال صرفت القبلة في رجب بعد سبعة عشر شهرا كذا قال بن إسحاق سبعة عشر شهرا وروي مثل ذلك من حديث البراء بن عازب إلا أنه اختلف فيه فبعضهم يقول ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وقد قيل فيه ثمانية عشر شهرا ورواه شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا بعد قدومه المدينة وهو الأصح والأكثر على ما قاله سعيد بن المسيب رحمه الله وفي هذه المسألة قولان شاذان أحدهما ما رواه أبو عاصم النبيل عن عثمان بن سعيد الكاتب عن أنس قال صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيت المقدس بعد تسعة أشهر أو عشرة والثاني ما رواه أشعث عن الحسن قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس سنتين ثم حلوت القبلة وأما حديث مالك في هذا الباب

عن نافع أن عمر بن الخطاب قال ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجه قبل البيت فقد وصله عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال قال عمر ما بين المشرق والمغرب قبلة وكذلك قال عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ومحمد بن الحنفية وقد ذكرنا الأسانيد عنهم كذلك في التمهيد وذكرنا حديثا مرفوعا هناك من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما بين المشرق والمغرب قبلة معناه إذا توجه قبل البيت كما قال عمر في رواية مالك وقال الأثرم سألت أحمد بن حنبل عن قول عمر ما بين المشرق والمغرب قبلة فقال هذا في كل البلدان إلا مكة عند البيت فإنه إن زال عنه بشيء وإن قل فقد ترك القبلة قال وليس كذلك قبلة البلدان ثم قال هذا المشرق وأشار بيده وهذا المغرب وأشار بيده وما بينهما قبلة قلت له فصلاة من صلى بينهما جائزة قال نعم وينبغي أن يتحرى الوسط قال أبو عبد الله قد كنا نحن وأهل بغداد نصلي نتيامن قليلا ثم حرفت القبلة منذ سنين يسيرة قال أبو عمر تفسير قول أحمد بن حنبل هذا في كل البلدان يريد أن البلدان كلها لأهلها من السعة في قبلتهم مثل ما لمن كانت قبلته بالمدينة الجنوب التي تقع لهم فيها الكعبة فيستقبلون جهتها ويتسعون يمينا وشمالا فيها ما بين المشرق والمغرب يجعلون المغرب عن أيمانهم والمشرق عن يسارهم وكذلك يكون لأهل اليمن من السعة في قبلتهم مثل ما لأهل المدينة ما بين المشرق والمغرب إذا توجهوا أيضا قبل البيت إلا أنهم يجعلون المشرق عن أيمانهم

والمغرب عن يسارهم وكذلك أهل العراق وخراسان لهم من السعة في استقبال القبلة ما بين الجنوب والشمال مثل ما كان لأهل المدينة من السعة فيما بين المشرق والمغرب وكذا هذا العراق على ضد ذلك أيضا وإنما تضيق القبلة كل الضيق على أهل المسجد الحرام وهي لأهل مكة أوسع قليلا ثم هي لأهل الحرم أوسع قليلا ثم هي لأهل الآفاق من السعة على حسب ما ذكرنا قال أحمد بن خالد قول عمر بن الخطاب ما بين المشرق والمغرب قبلة قاله بالمدينة فمن كانت قبلته مثل قبلة المدينة فهو في سعة ما بين المشرق والمغرب ولسائر البلدان من السعة في القبلة مثل ذلك في الجنوب والشمال ونحو ذلك هذا معنى قوله وهو صحيح لا مدفع له ولا خلاف بين أهل العلم فيه باب ما جاء في المسجد النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيه مالك حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ورواه عن زيد بن رباح وعبيد الله بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله سلمان الأغر عن أبي هريرة وهو حديث رواه عن أبي هريرة جماعة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة قد ذكرت كثيرا منها في التمهيد وأجمعوا على صحته واختلفوا في تأويله فكان عبد الله بن نافع الزبيري صاحب مالك في ما روى يحيى بن يحيى عنه أنه سأله عن معنى هذا الحديث فقال معناه أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة فيه بدون ألف صلاة

وهذا التأويل على بعده ومخالفة أكثر أهل العلم له فيه لا حظ له في اللسان العربي لأنه لا يقوم في اللسان إلا بقرينة وبيان ولا بيان ولا دليل لمن تأول تأويل بن نافع يشهد له وأهل العربية يقولون إذا قلت اليمن أفضل من جميع البلاد بألف درجة إلا العراق جاز أن يكون العراق مساويا لليمن وفاضلا ومفضولا فإذا كان مساويا فقد علم مقدار فضله وإذا كان فاضلا أو مفضولا فمطلق في الفضل لا يعلم كم مقدار المفاضلة بينهما إلا بقرينة ودليل على عدة درجات فإن أيده على تلك أو ناقضة عنه فيحتاج إلى الإتيان بها قال أبو عمر قد علمنا أنه لم يحمل بن نافع على ما تأوله في حديث النبي صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا إلا ما كان يذهب إليه هو وشيخه مالك من تفضيل المدينة على مكة وتفضيل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على المسجد الحرام وتفضيل المدينة على مكة أو مكة على المدينة مسألة قد اختلف فيها أهل العلم وذكر أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي قال اختلف الناس في تفضيل مكة على المدينة فقال مالك وكثير من المدنيين المدينة أفضل من مكة وقال الشافعي مكة خير البقاع وهو قول عطاء بن أبي رباح والمكيين وأهل الكوفة أجمعين قال واختلف أهل البصرة في ذلك فطائفة قالوا مكة وطائفة قالوا المدينة وقال عامة أهل الأثر الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائة صلاة ومن الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجد الرسول أفضل من سائر المساجد بألف صلاة قد أوضحنا المعنى في تأويل عبد الله بن نافع وذكرنا ما نزعت إليه الفرق من الآثار في هذه المسألة إذ لا مدخل فيها للنظر إنما تعرف الفضائل في مثل ذلك بالتوقيف لا بالاستنباط والاجتهاد وأتينا بما روينا في ذلك مبسوطا في التمهيد والحمد لله وأحسن حديث روي في ذلك ما رواه حماد بن زيد وغيره عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في

مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة وقد ذكرنا إسناده من طرق في التمهيد وقال بن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول حبيب المعلم ثقة وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول حبيب المعلم ثقة وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل ما أصح حديثه وسئل أبو زرعة الرازي عن حبيب المعلم فقال بصري ثقة قال أبو عمر سائر الإسناد لا يحتاج إلى القول فيه وقد روي من حديث بن عمر وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث بن الزبير هذا سواء وقد ذكرت الطرق بذلك في التمهيد وذكر البزار قال حدثنا إبراهيم بن جميل قال حدثنا محمد بن يزيد بن شداد قال حدثنا سعيد بن سالم القداح قال حدثنا سعيد بن بشر عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة وفي مسجدي ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمس مائة صلاة قال أبو بكر البزار هذا حديث حسن حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى وأحمد بن سلمة بن الضحاك قالا حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام قال سفيان فيرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومن مائة ألف صلاة في غيره

قال بن وضاح حدثنا أحمد بن عمر بن السرح قال سمعت بن وهب يقول ما رأيت أعلم بتفسير هذا الحديث من سفيان بن عيينة قال أبو عمر من جعل قول بن عيينة حجة في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم أوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة أنه مالك بن أنس وقوله أيضا كانوا يرونه مالك بن أنس وقوله يلزمه أن يجعل قوله فيرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فإنها تفضله بمائة صلاة حجة أيضا في هذا وهذا شيء لا ينفك منه منصف وقد روينا عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي الدرداء وجابر بن عبد الله أنهم كانوا يفضلون مكة ومسجدها وإذا لم يكن بد من التقليد فهم أولى أن يقلدوا من غيرهم الذين جاؤوا بعدهم وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك في التمهيد وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة في مسجد المدينة قال معمر وقد سمعت أيوب يحدث عن أبي العالية عن عبد الله بن الزبير مثل قول قتادة وقال عبد الله بن حبيب عن مطرف وعن أصبغ عن بن وهب أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فهؤلاء أصحاب مالك قد اختلفوا في ذلك وبالله التوفيق وأما قوله صلى الله عليه وسلم ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة

فذكره مالك في هذا الباب من طريقين أحدهما خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري على الشك والثاني عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد المازني وفي حديث خبيب زيادة ومنبري على حوضي واختلف العلماء في تأويل قوله عليه السلام ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة فقال منهم قائلون ترفع تلك البقعة يوم القيامة فتجعل روضة من الجنة وقال آخرون هذا على المجاز قال أبو عمر يعنون أنه لما كان جلوسه وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والدين والإيمان هنالك شبه ذلك الموضع بالروضة لكريم ما يجتنى فيها وأضافها إلى الجنة كما قال عليه الصلاة والسلام الجنة تحت ظلال السيوف يعني أنه عمل يدخل المسلم الجنة وكما جاء في الحديث الأم باب من أبواب الجنة يريد أن برها يقود المسلم إلى الجنة ومثل هذا معلوم من لسان العرب وقد استدلت طائفة من أصحابنا بهذا الحديث على أن المدينة أفضل من مكة وركبوا عليه قوله صلى الله عليه وسلم موضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها

وخالفهم آخرون فقالوا لا يدخل هذا الحديث في تفضيل المدينة وإنما ورد تزهيدا في الدنيا وترغيبا في الآخرة وإعلاما بأن اليسير من الجنة خير من الدنيا وما فيها ومعلوم أن موضع ربع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها والذي فيها والذي أقول به في هذا الباب أن البقاع أرض الله وخلقه فلا يجوز أن يفضل منها شيء على شيء إلا بتوقيف من يجب التسليم له بنقل لا مدفع فيه ولا تأويل وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة ما يغني عن قول كل قائل ويقطع الخلاف فيها وذلك ما رواه يونس بن يزيد وعقيل بن خالد وعبد الرحمن بن مسافر وشعيب بن أبي حمزة وصالح بن كيسان كلهم عن بن شهاب عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بالحزورة في سوق مكة وهو يقول والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة فوهم فيه إذ جعله لأبي سلمة عن أبي هريرة وخالفه أصحاب بن شهاب فجعلوا الحديث لأبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء وقد قال محمد بن يحيى الذهلي يمكن أن يكون الحديث لأبي سلمة عن أبي هريرة وبن عدي بن الحمراء معا قال أبو عمر هو حديث حسن صحيح ثابت عند جماعة أهل العلم بالحديث ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح شيء يعارضه وقد روى محمد بن الحسن بن زبالة وهو متروك الحديث مجمع على ترك الاحتجاج بحديثه وقد انفرد بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حين خروجه من مكة اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي فسكني أحب البقاع إليك وهذا حديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث ولا يختلفون في نكارته ووضعه وقد ذكر بن وهب في جامعه قال حدثنا مالك بن أنس أن آدم لما أهبط إلى

الأرض بالهند قال يا رب هذه الأرض أحب إليك أن تعبد فيها قال بل مكة فسار آدم حتى أتى مكة فوجد عندها ملائكة يطوفون بالبيت فيعبدون الله تعالى فقالوا مرحبا يا آدم يا أبا البشر إنا ننتظرك ها هنا منذ ألفي سنة وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد بالآثار والأسانيد وحسبك بمكة أن فيها بيت الله الذي رضي لعباده على الحط لأوزارهم وغفران ذنوبهم أن يقصدوه مرة واحدة في أعمارهم ولم يقبل من أحد صلاة إلا باستقبال جهته بصلاته إذا كان عالما بالجهة قادرا على التوجه إليها فهي قبلة أهل دينه أحياء وأمواتا والآثار عن السلف في فضائل مكة كثيرة جدا وبالله التوفيق وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ومنبري على حوضي فزعم بعض أهل الكلام في معاني الآثار أنه أراد والله أعلم أن له منبرا يوم القيامة على حوضه صلى الله عليه وسلم كأنه قال ولي أيضا على حوضي أدعو الناس إلى الحوض عليه لأن منبره ذلك على حوضه وقال آخرون يحتمل أن يكون الله تعالى يعيد ذلك المنبر بعينه فيكون يومئذ على حوضه والقول الأول أولى والله أعلم وقد ذكرنا الآثار المتواترة في الحوض في كتاب التمهيد والحمد لله باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد ذكر فيه مالك أنه بلغه عن عبد الله بن عمر أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وهذا الحديث قد رواه عن بن عمر جماعة منهم سالم ونافع وحبيب بن أبي ثابت ومجاهد وبلال بن عبد الله بن عمرو وقد ذكرنا الطرق بذلك في التمهيد وممن رواه عن نافع عن بن عمر أيوب وعبيد الله بن عمر ومن رواة هذا الحديث من يقول فيه إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها

ومنهم من يقول فيه ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل فخص الليل بالإذن في ذلك دون النهار وقد أوردنا الأحاديث في ذلك باختلاف ألفاظ الناقلين لها في التمهيد وفي هذا الحديث من الفقه جواز خروج المرأة إلى المسجد لشهود الجماعة ومن خص الليل لصلاة العشاء بخروجهن قال إنها زيادة حافظ يجب أن تمتثل وفي معنى الإذن لها في شهود العشاء وغيرها دليل على أن كل مباح وفضل حكمه بحكمه في ذلك وفي خروجهم إليه مثل زيارة الآباء والأمهات وذوي المحارم من القرابات وما كان مثله لأن الخروج إلى المسجد ليس بواجب على النساء لأنه قد جاء أن صلاتهن في بيوتهن خير لهن فما ندبن إليه من صلات الرحم أحرى بذلك وأولى فإذا لم يكن للرجل أن يمنع امرأته المسجد إذا استأذنته في الخروج إليه كان أوجب عليه وأوكد أن لا يمنعها من خروجها إلى الحج في جماعة النساء وإن لم يكن لها ذو محرم وسنبين هذه المسألة عند قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر يوما وليلة إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها ونذكر اختلاف الفقهاء في المحرم هل هو من السبيل إلى الحج أم لا هناك إن شاء الله وقد ذكر مالك في هذا الباب أيضا أنه بلغه عن بسر بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا شهدت إحداكن صلاة العشاء فلا تمسن طيبا وهذا الحديث حديث مشهور مسند صحيح رواه بكير بن الأشج وبن شهاب عن بسر بن سعيد عن زينب الثقفية امرأة بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم

وقد روي من حديث أبي هريرة أيضا ولفظ حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولتخرجن تفلات د وفي رواية أخرى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيما امرأة تبخرت فلا تشهد معنا العشاء الآخرة وقد ذكرنا الأسانيد لذلك كله في التمهيد وأوضحنا هناك معاني هذه الألفاظ التي لم يروها مالك رحمه الله في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة إذا خرجت إلى المسجد أن تمس طيبا وقوله في غير هذا الحديث ولتخرجن تفلات والمتفلة المتغيرة الريح بغير الطيب وقد شرحنا معنى هذه اللفظة بشواهدها من الشعر في التمهيد وفيه دليل على أنه لا يجوز للمرأة أن تتطيب في غير بيتها بطيب على حال من الأحوال وإذا تطيبت في بيتها فلا تخرج ولما كان الأصل ألا تخرج امرأة إلا تفلة وكان الوقت المعروف لتطيب النساء للرجال إنما هو بالليل لأن الليل يجمع بين الرجل وامرأته لإقباله من مصرفه إلى بيته ليسكن إلى أهله في ليله فتطيب إمرأته قيل لهن من تطيب منكن قبل شهود العشاء فلا تشهد العشاء وذكر في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن عائكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب أنها كانت تستأذن عمر بن الخطاب إلى المسجد فيسكت فتقول والله لأخرجن إلا أن تمنعني فلا يمنعها وقد ذكرنا في التمهيد حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال كانت امرأة تشهد صلاة الصبح والعشاء في جماعة فقيل لها لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار فقالت وما يمنعه أن ينهاني قالوا يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله

وهذا يفسر حديث مالك ويبين الوجه الذي لم يمنعها منه عمر من أجله مع كراهته لخروجها وعاتكة هذه كانت تحت عبد الله بن أبي بكر الصديق فقتل عنها يوم الطائف ثم تزوجها زيد بن الخطاب فقتل عنها في اليمامة ثم تزوجها عمر فقتل رضي الله عنه ثم تزوجها الزبير وعرض له معها خبر طريف في خروجها إلى المسجد وقد ذكرنا خبرها مستوعبا في بابها في كتاب النساء من كتاب الصحابة وفي هذا الباب أيضا لمالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعه نساء بني إسرائيل قال يحيى بن سعيد فقلت لعمرة أو منع نساء بني إسرائيل المساجد قالت نعم وفي هذا الحديث بيان شهود النساء المساجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ألا ترى إلى حديث عائشة أيضا إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس وهذا مما لا خلاف فيه وفيه أن أحوال الناس تغيرت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء ورجالا وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال ما نفضنا أيدينا من تراب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفناه حتى تغيرت قلوبنا ولا بأس عند أهل العلم بشهود المتجالات من النساء الجماعات والجمعات من الصلوات ويكرهون ذلك للشواب

وقد روى حبيب بن أبي ثابت عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن وروت عائشة وبن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في دارها وصلاتها في دارها خير لها من صلاتها وراء ذلك هذا لفظ حديث عائشة وحديث بن مسعود وصلاتها في بيتها خير من صلاتها في دارها وصلاتها في مخدعها خير من صلاتها في بيتها وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة المرأة في مخدعها خير وأعظم لأجرها من صلاتها في بيتها ولأن تصلي في بيتها أعظم لأجرها من أن تصلي في دارها ولأن تصلي في مسجد قومها أعظم لأجرها من أن تصلي في مسجد الجماعة ولأن تصلي في مسجد الجماعة أعظم لأجرها من الخروج يوم الخروج وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها في التمهيد وأما أقاويل الفقهاء في هذه الأحاديث في هذا الباب فقال مالك لا يمنع النساء الخروج إلى المساجد فإذا كان الاستسقاء والعيد فلا أرى بأسا أن تخرج كل امرأة متجالة هذه رواية بن القاسم عنه وروى عنه أشهب قال تخرج المرأة المتجالة إلى المسجد ولا تكثر التردد وتخرج الشابة مرة بعد مرة وكذلك في الجنائز يختلف في ذلك أمر العجوز والشابة في جنائز أهلها وأقاربها وقال الثوري ليس للمرأة خير من بيتها وإن كانت عجوزا قال الثوري قال عبد الله بن مسعود المرأة عورة وأقرب ما تكون إلى الله في قعر بيتها فإذا خرجت استشرقها الشيطان وقال الثوري أكره للنساء الخروج إلى العيدين وقال بن المبارك أكره اليوم للنساء الخروج في العيدين فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها وذكر محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال كان النساء يرخص لهن في الخروج إلى العيد فأما اليوم فإني أكرهه وأكره لهن شهود الجمعة

والصلاة المكتوبة بالجماعة وأرخص للعجوز الكبيرة أن تشهد العشاء والفجر فأما غير ذلك فلا وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه قال خروج النساء في العيدين حسن ولم يكن يرى خروجهن في غير ذلك مكتوبة ولغيرها وقال أبو يوسف لا بأس أن تخرج العجوز في الصلوات كلها وأكره ذلك للشابة وقد زدنا هذا الباب بيانا بالآثار في التمهيد والحمد لله حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا المعلى بن منصور قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن أبي اليمان عن شداد بن عمرو بن حماس عن أبيه عن حمزة بن أبي أسيد عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد واختلط النساء بالرجال فقال لا تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق قال فلقد رأيت المرأة تلصق بالجدار فيتعلق الشيء من الجدار بثوبها فيشقه من شدة لصوقه به حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار قال حدثنا سوار بن مصعب عن عطية العوفي عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس للنساء نصيب في الخروج وليس لهن نصيب من الطريق إلا في جوانب الطريق والله الموفق للصواب

كتاب القرآن باب الأمر بالوضوء لمن مس القرآن ذكر فيه عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر قد بين مالك معنى هذا الحديث عنده ومذهبه فيه وفي قول الله تعالى لا يمسه إلا المطهرون الواقعة بيانا حسنا في الموطأ وهذا الحديث لم يتجاوز به مالك عبد الله بن أبي بكر ورواه معمر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم ألا يمس القرآن إلا على طهر وذكره بن المبارك وعبد الرزاق عن معمر ورواه سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن في السنن والفرائض والديات ألا يمس القرآن إلا طاهر وكتاب عمرو بن حزم هذا قد تلقاه العلماء بالقبول والعمل وهو عندهم أشهر وأظهر من الإسناد الواحد المتصل

وأجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبي عبيد وهؤلاء أئمة الرأي والحديث في أعصارهم وروى ذلك عن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وطاوس والحسن والشعبي والقاسم بن محمد وعطاء وهؤلاء من أئمة التابعين بالمدينة ومكة واليمن والكوفة والبصرة قال إسحاق بن راهويه لا يقرأ أحد في المصحف إلا وهو متوضئ وليس ذلك لقول الله عز وجل لا يمسه إلا المطهرون الواقعة ولكن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمس القرآن إلا طاهر وهذا كقول مالك ومعنى ما في الموطأ وقال الشافعي والأوزاعي وأبو ثور وأحمد لا يمس المصحف الجنب ولا الحائض ولا غير المتوضئ وقال مالك لا يحمله بعلاقته ولا على وسادة إلا وهو طاهر قال ولا بأس أن يحمله في التابوت والخرج والغرارة من ليس على وضوء قال أبو عمر يريد أن يكون المصحف في وعاء قد جمع أشياء منها المصحف وحده في أي شيء كان وقصد إليه حامله وهو غير طاهر لم يجز وقد كره جماعة من علماء التابعين مس الدراهم التي فيها ذكر الله على غير وضوء منهم القاسم بن محمد والشعبي وعطاء فهؤلاء لا شك أشد كراهة أن يمس المصحف غير المتوضئ وقد روي عن عطاء أنه لا بأس أن تحمل الحائض المصحف بعلاقته وأما الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان فلم يختلف عنهما في إجازة حمل المصحف بعلاقته لمن ليس على طهارة

وقولهما عندي شذوذ عن الجمهور وما أعلم أحدا تابعهما عليه إلا داود بن علي ومن تابعه قال داود لا بأس أن يمس المصحف والدنانير والدراهم التي فيها اسم الله الجنب والحائض قال داود ومعنى قوله عز وجل لا يمسه إلا المطهرون الواقعة هم الملائكة ودفع حديث عمرو بن حزم في أن لا يمس القرآن إلا طاهر بأنه مرسل غير متصل وعارضه بقول النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن ليس بنجس وقد بينا وجه النقل في حديث عمرو بن حزم وأن الجمهور عليه وهم لا يجوز عليهم تحريف تأويل ولا تلقي ما لا يصح بقبول وبما عليه الجمهور في ذلك أقول وبالله التوفيق باب الرخصة في قراءة القرآن على غير وضوء مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب كان في قوم وهم يقرؤون القرآن فذهب لحاجته ثم رجع وهو يقرأ القرآن فقال له رجل يا أمير المؤمنين أتقرأ القرآن ولست على وضوء فقال له عمر من أفتاك بهذا أمسيلمة وفي هذا الحديث جواز قراءة القرآن طاهرا في غير المصحف لمن ليس على وضوء إن لم يكن جنبا وعلى هذا جماعة أهل العلم لا يختلفون فيه إلا من شذ عن جماعتهم ممن هو محجوج بهم وحسبك بعمر في جماعة الصحابة وهم السلف الصالح والسنن بذلك أيضا ثابتة فمنها حديث مالك عن مخرمة بن سليمان عن

كريب مولى بن عباس عن بن عباس في حديث صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل وفيه فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه فجلس ومسح النوم عن وجهه ثم قرأ العشر الآيات من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ مها وذكر تمام الحديث وهذا نص في قراءة القرآن طاهرا على غير وضوء وحديث علي بن أبي طالب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن تلاوة القرآن شيء إلا الجنابة وقد شذ داود عن الجماعة بإجازة قراءة القرآن للجنب وقال في حديث علي إنه ليس قول النبي صلى الله عليه وسلم وهذا اعتراض مردود عند جماعة أهل العلم بالآثار والفقه لأن عليا لم يقله عنه حتى علمه منه ويلزمه على هذا أن يرد قول بن عمر قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن وقول عمر رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا ومثله قول الصاحب نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا ونحو هذا ومثل هذا كثير حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان عن مسعر وشعبة وبن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يحجبه عن تلاوة القرآن إلا أن يكون جنبا ورواه الأعمش عن عمرو بن مرة مثله وقال عبد الله بن مالك الغافقي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا كنت جنبا لم أصل ولم أقرأ حتى أغتسل

ومعلوم أنه لو جاز له أن يقرأ لصلى وأما الرجل المخاطب لعمر القائل له أتقرأ ولست على وضوء فهو رجل من بني حنيفة ممن كان آمن بمسيملة ثم تاب وآمن بالله ورسوله ويقال إنه الذي قتل زيد بن الخطاب باليمامة فكان عمر لذلك يستثقله ويبغضه وقد قال قوم إنه أبو مريم الحنفي وأبى ذلك آخرون لأن أبا مريم قد ولاه عمر بعض ولاياته والله أعلم وأما مسيلمة الحنفي كذاب اليمامة الذي ادعى النبوة فاسمه بن اليمامة بن حبيب يكنى أبا هارون ومسيلمة لقب باب ما جاء في تحزيب القرآن ذكر فيه عن داود بن الحصين عن الأعرج عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أن عمر بن الخطاب قال من فاته حزبه من الليل فقرأه حين تزول الشمس إلى صلاة الظهر فإنه لم يفته أو كأنه أدركه هكذا هذا الحديث في الموطأ عن داود بن الحصين وهو عندهم وهم من داود والله أعلم لأن المحفوظ من حديث بن شهاب عن السائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن عبد القارئ عن عمر بن الخطاب قال من نام عن حزبه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل ومن أصحاب بن شهاب من يرويه عنه بإسناده عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا عند أهل العلم أولى بالصواب من حديث داود من حصين حين جعله من زوال الشمس إلى صلاة الظهر لأن ضيق ذلك الوقت لا يدرك فيه المرء حزبه من الليل ورب رجل حزبه نصف وثلث وربع نحو ذلك وقد كان عثمان وتميم الداري وعلقمة وغيرهم يقرؤون القرآن كله في ركعة وكان سعيد بن جبير وجماعة يختمون القرآن مرتين وأكثر في ليلة

وقد ذكرنا هذا المعنى مجودا عن العلماء في كتاب البيان عن تلاوة القرآن والحمد لله والذي في حديث بن شهاب من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر أوسع وقتا وبن شهاب أتقن حفظا وأثبت نقلا وفي الحديث فضل بيان صلاة الليل على صلاة النهار وقيام الليل من أفضل نوافل البر وأعمال الخير وكان السلف يقومون الليل بالقرآن ويندبون إليه والآثار بذلك كثيرة عنهم وفي فضل التهجد وأخبار المتهجدين كتب وأبواب للمصنفين هي أشهر عند العلماء وأكثر من أن تجمع ها هنا وحسبك بقول الله عز وجل يأيها المزمل قم اليل إلا قليلا كل كل كل المزمل أمر فيها بقيام الليل وترتيل القرآن وهذه الآية إن كانت منسوخة بالصلوات الخمس وبقوله جل وعز علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن المزمل فإن التهجد به مندوب إليه محمود فاعله عليه قالت عائشة رضي الله عنها كان بين نزول أول سورة المزمل وبين آخرها حول كامل قام فيه المسلمون حتى شق عليهم فأنزل الله تعالى التخفيف عنهم في آخر السورة وقال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ومن اليل فتهجد به نافلة لك الإسراء وقد قال بعض التابعين وهو عبيدة السلماني قيام الليل فرض ولو كقدر حلب شاة لقوله عز وجل فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن المزمل وهذا قول لم يتابع عليه قائله والذي عليه جماعة العلماء أن قيام الليل نافلة وفضيلة وذكر مالك في هذا الباب أيضا عن يحيى بن سعيد أنه قال كنت أنا ومحمد بن يحيى بن حبان جالسين فدعا محمد رجلا فقال أخبرني بالذي سمعت من أبيك فقال الرجل أخبرني أبي أنه أتى زيد بن ثابت فقال

له كيف ترى في قراءة القرآن في سبع فقال زيد حسن ولأن أقرأه في نصف أو عشر أحب إلي وسلني لم ذاك قال فإني أسألك قال زيد لكي أتدبره وأقف عليه وهذا الحديث رواه بن المبارك عن يحيى بن سعيد أنه أخبره قال سمعت رجلا يحدث عن أبيه أنه سأل زيد بن ثابت عن قراءة القرآن في سبع فقال لأن أقرأه في عشرين أو في نصف شهر أحب إلي من أن أقرأه في سبع واسألني لم ذلك لكي أقف عليه وأتدبر ورواه يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد بمثل معناه ورواه النضر بن شميل عن شعبة عن عبد ربه ويحيى بن سعيد عن رجل ثان من أهل المدينة عن أبيه عن زيد بن ثابت بمثل ذلك كلهم قال عشرين أو نصف شهر وكذلك رواه بن وهب وبن بكير وبن القاسم عن مالك وأظن يحيى وهم في قوله أو عشر والله أعلم وتشهد لصحة قول بن ثابت قول الله عز وجل كتب أنزلنه إليك مبرك لدبروا ءايته ص وقال ورتل القرآن ترتيلا المزمل وقال وقرءانا فرقته لتقرأه على الناس على مكث الإسراء وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فلم يفقهه رواه عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم وقالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختم القرآن في أقل من ثلاث وأما أحاديث عبد الله بن عمرو فأكثرها أنه قال له اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك

وقد أفردنا لهذا المعنى كتابا أسميناه كتاب البيان عن تلاوة القرآن واستوعبنا فيه القول والآثار في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى الهذ والترتيل والحدر وأي ذلك أفضل والقول في قراءة القرآن بالألحان ومن كره ذلك ومن أجازه وما روي في صوت داود صلى الله عليه وسلم وما جاء من هذه المعاني فيه شفاء في معناه والحمد لله أخبرنا محمد بن عبد الملك قال أخبرنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي قال حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال حدثنا بن علية عن أيوب عن أبي حمزة قال قلت لابن عباس إني سريع القراءة إني أقرأ القرآن في ثلاث قال لأن أقرأ سورة البقرة في ليلة أدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله أهذه كما تقول حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا عاصم بن علي قال حدثنا شعبة عن أبي حمزة قال قلت لابن عباس أقرأ القرآن في كل ليلة وأكثر ظني اني قلت مرتين فقال لأن أقرأ سورة واحدة أحب إلي فإن كنت لابد فاعلا فاقرأ ما تسمعه أذناك ويفقهه قلبك أخبرنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر وأحمد بن قاسم وأحمد بن محمد قالوا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد المكتب قال سئل مجاهد عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وقرأ الآخر البقرة وآل عمران فكان ركوعهما وسجودهما واحدا وجلوسهما سواء أيهما أفضل فقال الذي قرأ البقرة ثم قرأ وقرءانا فرقنه لتقرأه على الناس على مكث ونزلنه تنزيلا الإسراء وذكر سنيد عن وكيع عن بن وهب قال سمعت محمد بن كعب القرظي يقول لأن أقرأ إذا زلزلت و القارعة سورتي الزلزلة والقارعة في ليلة أرددهما وأتفكر فيهما أحب إلي من أن أبيت أهذ القرآن وقال أبو معشر عن محمد بن كعب القرطبي فإن قراءة عشر آيات تتفكر فيها خير من مائة تهذها

ومن أراد أن يقف على فضائل الهذ وفضائل الترتيل وأيهما أفضل نظر في كتابنا كتاب البيان عن تلاوة القرآن باب ما جاء في القرآن ذكر فيه عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه قال سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله ثم قال اقرأ يا هشام فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت ثم قال لي اقرأ فقرأتها فقال هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه وهذا الحديث قد تكلمنا على إسناده وأشبعنا القول في معانيه واجتلبنا ما لعلماء السلف والخلف فيه واستوعبنا ذلك كله في التمهيد ونذكر فيه ها هنا ما فيه دلالة كافية إن شاء الله روى هذا الحديث معمر ويونس وعقيل وشعيب بن أبي حمزة وبن أخي بن شهاب عن عروة عن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القارئ جميعا سمعا عمر بن الخطاب بمعنى حديث مالك إلا أن معمرا قال فيه عن عمر فقلت يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها وأنت أقرأتني سورة الفرقان فبان في رواية معمر أن الخلاف بين هشام وعمر كان في حروف من السورة

وهذا تفسير لرواية مالك لأن ظاهرها في قوله يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأها يقتضي عموم السورة كلها وليس كذلك وقد ظهر الخصوص برواية معمر ومن تابعه في ذلك ومعلوم عند الجميع أن القرآن لا يجوز في حروفه كلها ولا في سورة منه واحدة أن تقرأ حروفها كلها على سبعة أوجه بل لا توجد في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه إلا قليلا من كثير مثل ربنا باعد بين أسفارنا سبأ و وعبد الطغوت المائدة و إن البقر تشبه علينا البقرة و بعذاب بئيس الأعراف ونحو ذلك وهو يسير في جنب غيره من القرآن وقد اختلف العلماء وأهل اللغة في معنى قوله صلى الله عليه وسلم نزل القرآن على سبعة أحرف اختلافا كثيرا تقصيناه في التمهيد ونورد منه ها هنا عيونها إن شاء الله قال الخليل بن أحمد معنى قوله سبعة أحرف سبع قراءات قال والحرف ها هنا القراءات وقال غيره هي سبعة أنحاء كل نحو منها جزء من أجزاء القرآن خلاف غيره من أنحائه ذهبوا إلى أن الأحرف أنواع وأصناف فمنها زاجر ومنها أمر ومنها حلال ومنها حرام ومنها محكم ومنها متشابه ومنها أمثال وغيره واحتجوا بحديث من حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى ما ذكروا وهو حديث لا يحتج بمثله لضعفه عند أهل العلم بالحديث وقد ذكرته في التمهيد وذكرت العلة فيه وقد اعترض فيه من جهة النظر قوم من أهل العلم منهم أحمد بن أبي عمران وأبو جعفر الطحاوي وغيرهما وقالوا محال أن يكون الحرف كله حراما لا ما سواه وحلالا لا ما سواه وآمرا لا ناهيا وزاجرا لا مبيحا وامتثالا كله وقال آخرون هي سبع لغات مفترقات في القرآن على لغة العرب كلها يمنها ونزارها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهل شيئا منها وكان قد أتى جوامع الكلم وإلى هذا ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام في تأويل هذا الحديث قال يكون الحرف منها بلغة قبيلة والثاني بلغة قبيلة أخرى والثالث بلغة قبيلة ثالثة هكذا إلى السبعة

قال وقد يكون بعض الأحياء أسعد بها من بعض واحتج بقول عثمان واكتبوه بلغة قريش فإنه أكثر ما نزل بلسانهم وقد روي عن عمر أن القرآن نزل بلغة قريش كقول عثمان رضي الله عنهما حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أنس بن مالك عن عمر أنه قال إنما نزل يعني القرآن بلسان قريش وعن بن عباس نزل القرآن بلغة الكعبين كعب قريش وكعب خزاعة قيل له وكيف ذلك قال كانت دارهم واحدة قال أبو عبيد يعني أن خزاعة جيران قريش حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا صالح بن نصر بن مالك الخزاعي قال مر بي شعبة بن الحجاج فقال لي يا خزاعي ألا أحدثك حديثا في قومك حدثنا قتادة عن أبي الأسود الديلي قال نزل القرآن بلغة الكعبين كعب بن عمرو وكعب بن لؤي قال وحدثنا صالح قال حدثنا هشيم قال حدثنا بن أبي عروبة عن قتادة عن بن عباس قال نزل القرآن بلسان قريش ولسان خزاعة وذلك أن الدار واحدة وقال آخرون هذه اللغات السبع كلها في مضر منها لقريش ومنها لكنانة ومنها لأسد ومنها لهذيل ومنها لنمر ومنها لضبة ومنها لقيس ومنها لطابخة قالوا فهذه مضر تستوعب سبع لغات وتزيد على ذلك واحتجوا بقول عثمان نزل القرآن بلسان مضر وأنكر آخرون أن تكون لغة مضر كلها في القرآن لأن منها شداد لا يجوز أن يقرأ عليها القرآن مثل كشكشة قيس وعنعنة تميم وقد ذكرناها بالشواهد عليها في التمهيد وروى الأعمش عن أبي صالح عن بن عباس قال أنزل القرآن على سبعة أحرف صار منها في عجز هوازن خمسة قال أبو حاتم عجز هوازن ثقيف وبنو سعد بن بكر وبنو جشم وبنو نصر بن معاوية

قال أبو حاتم خص هؤلاء دون ربيعة وسائر العرب لقرب جوارهم من مولد النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ربيعة ومضر أخوين قال وأحب الألفاظ واللغات إلينا أن نقرأ بها لغات قريش ثم أدناهم من بطون مضر وقال الكلبي في قول النبي صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف قال خمسة منها لهوازن واثنان لسائر الناس وقال قائلون لا يجوز أن يكون معنى السبعة الأحرف سبع لغات لأن العرب لا ينكر بعضها على بعض لغته لأن عمر بن الخطاب قرشي عدوي وهشام بن حكيم بن حزام قرشي أسدي ولغتهما واحدة ومحال أن تنكر على أحد لغته وكيف تنكر على امرئ لغة قد جبل عليها ومحال أيضا أن يقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا بغير لغته وقالوا إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال وهلم وعجل وأسرع وأنظر وأخر وأمهل وذلك بين في قراءة أبي بن كعب انظرونا انظرونا نقتبس من نوركم وأخرونا وأنسونا نقتبس من نوركم الحديد فهذه كلمات كلها متفق مفهومها مختلف مسموعها وعلى هذا القول أكثر أهل العلم في معنى السبعة الأحرف وأما الآثار المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب فهي محتملة التأويل وقد ذكرناها في التمهيد مسندة منها حديث أبي بن كعب وحديث بن مسعود وحديث أبي الجهيم وحديث أبي بكرة وحديث أبي هريرة وحديث علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم وأكثرها طرقا وتواترا حديث أبي بن كعب ولحديث بن مسعود وأبي هريرة طرق أيضا كثيرة كلها محتملة للتأويل قد نزع بها جماعة من العلماء وليس فيها شيء يرفع الإشكال ومن أراد الوقوف عليها نظر في التمهيد إليها ذكر أبو عبيد عن عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن عقيل ويونس عن بن شهاب في الأحرف السبعة قال هي في الأمر الواحد الذي لا اختلاف فيه وذكر عبد الرزاق عن معمر قال قال الزهري إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد ليس يختلف في حلال ولا حرام

وروى الأعمش عن أبي وائل عن بن مسعود قال إني سمعت القرأة فرأيتهم متقاربين فاقرؤوا كما علمتم وإياكم والتنطع والاختلاف فإنما هو كقول أحدكم هلم وتعال وروى ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عباس عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ للذين ءامنوا انظرونا الحديد للذين آمنوا أمهلونا للذين آمنوا أخرونا للذين آمنوا ارقبونا وبهذا الإسناد عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ كلما أضاء لهم مشوا فيه البقرة مروا فيه سعوا فيه كل هذه الحروف كان يقرؤها أبي بن كعب فهذا معنى السبعة الأحرف المذكورة في الأحاديث عند جمهور أهل الفقه والحديث ومصحف عثمان رضي الله عنه الذي بأيدي الناس هو منها حرف واحد ذكر بن أبي داود قال حدثنا أبو الطاهر قال سألت سفيان بن عيينة عن اختلاف قراءات المدنيين والعراقيين اليوم هل تدخل في الأحرف السبعة فقال لا إنما السبعة الأحرف كقولك أقبل هلم تعالى أي ذلك قلت أجزأك قال أبو الطاهر وقاله بن وهب وبه قال محمد بن جرير الطبري قال أبو جعفر الطحاوي في ذلك كلاما ذكرته عنه في التمهيد مختصرة أن الأحرف السبعة إنما كانت في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك لأن كل ذي لغة كان يشق عليه أن يتحول عن لغته ثم لما كثر الناس والكتاب ارتفعت تلك الضرورة فارتفع حكم الأحرف السبعة وعاد ما يقرأ به إلا حرف واحد واحتج بحديث أبي بن كعب وحديث عمر مع هشام بن حكيم وما يشبهها قد ذكرتها وأمثالها في التمهيد وقال بعض المتأخرين من أهل العلم باللغة والقرآن ومعانيه تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة الأولى يعني الأحرف السبعة فوجدتها سبعة أنحاء منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل هن أطهر لكم هود و أطهر لكم ويضيق صدرى الشعراء و يضيق ونحو هذا ومنها ما يتغير معناه ويزول الإعراب ولا تتغير صورته مثل قوله ربنا بعد بين أسفارنا سبأ ربنا باعد بين أسفارنا

ومنها ما يتغير معناه من الحروف واختلافها ولا تتغير صورته مثل قوله إلى العظام كيف ننشزها و ننشرها البقرة ومنها ما تتغير صورته ولا يتغير معناه كقولك كالعهن المنفوش و كالصوف القارعة ومنها ما تتغير صورته ومعناه مثل قوله وطلع منضود و طلح منضود الواقعة ومنها بالتقديم والتأخير مثل وجاءت سكرة الموت بالحق ق و جاءت سكرة الحق بالموت ومنها بالزيادة والنقصان مثل تسع وتسعون نعجة ص و تسع وتسعون نعجة أنثى قال أبو عمر قد ذكرت في التمهيد أمثلة كثيرة لما ذكر هذا القائل في كل وجه من الوجوه السبعة وذكرت من قرأ بذلك كله من السلف بمثل قوله في الزيادة نعجة أنثى قوله وأما الغلم فكان أبواه مؤمنين الكهف وقوله فإن الله من بعد إكرههن غفور رحيم النور وهو كثير والذي أقول به إن جمع عثمان رضي الله عنه في جماعة الصحابة رضوان الله عليهم القرآن على حرف واحد بكتابة زيد بن ثابت إنما حملهم على ذلك ما اختلف فيه أهل العراق وأهل الشام حين اجتمعوا في بعض المغازي فخطأت كل طائفة منهم الأخرى فيما خالفتها فيه من قراءتها وصوبت ما تعلم من ذلك وكان أهل العراق قد أخذوا عن بن مسعود وأهل الشام قد أخذوا عن غيره من الصحابة فخاف الصحابة رحمهم الله من ذلك الاختلاف لما كان عندهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهي عن الاختلاف في القرآن وأن المراء فيه كفر وقد كانت عامة أهل العراق وعامة أهل الشام هموا بأن يكفر بعضهم بعضا تصويبا لما عنده وإنكارا لما عند غيره فاتفق رأي الصحابة وعثمان رضوان الله عليهم على أن يجمع لهم القرآن على حرف واحد من تلك السبعة الأحرف إذ صح عندهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كلها شاف كاف فاكتفوا رحمهم الله بحرف واحد

منها فأمر عثمان زيد بن ثابت ذلك فأملاه على من كتبه ممن أمره عثمان بذلك على ما هو مذكور في غير موضع وأخبار جمع عثمان المصحف كثيرة وقد ذكرنا في التمهيد منها طرفا وأما جمع أبي بكر للقرآن فهو أول من جمع ما بين اللوحين وجمع علي بن أبي طالب للقرآن أيضا عند موت النبي صلى الله عليه وسلم وولاية أبي بكر فإنما كل ذلك على حسب الحروف السبعة لا كجمع عثمان على حرف واحد حرف زيد بن ثابت وهو الذي بأيدي الناس بين لوحي المصحف اليوم وفي التمهيد بيان ما وصفنا عن أبي بكر وعن علي رضي الله عنهما بالآثار الواردة بذلك حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بمصر قال حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد المشقاصي الفريابي القاضي قال حدثنا أبو جعفر النفيلي قال قرأت على معقل بن عبيد الله عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن أبي بن كعب قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة بينا أنا في المسجد إذ سمعت رجلا يقرؤها بخلاف قراءتي فقلت من أقرأك هذه السورة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لا تفارقني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيناه فقلت يا رسول الله إن هذا قد خالف قراءتي في هذه السورة التي علمتني فقال اقرأ يا أبي فقرأت فقال أحسنت وقال للآخر اقرأ فقرأ بخلاف قراءتي فقال له أحسنت ثم قال يا أبي إنه أنزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف قال فما اختلج في صدري شيء من القرآن روى قتادة عن يحيى بن يعمر عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب قال قرأ أبي آية وقرأ بن مسعود خلافها وقرأ رجل آخر خلافهما فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلكم محسن مجمل إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ليس منها إلا شاف كاف وذكر تمام الخبر

وذكر بن وهب في كتاب الترغيب من جامعه قال قيل لمالك أترى أن نقرأ بمثل ما قرأ به عمر بن الخطاب فامضوا إلى ذكر الله بدلا من قوله فاسعوا إلى ذكر الله الجمعة فقال ذلك جائز قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤ منها ما تيسر وقال مالك لا أرى باختلافهم في مثل هذا بأسا قال وقد كان الناس ولهم مصاحف والستة الذين أوصى إليهم عمر بن الخطاب كانت لهم مصاحف قال بن وهب وسألت مالكا عن مصحف عثمان فقال ذهب قال أبو عمر قراءة عمر فامضوا إلى ذكر الله الجمعة هي قراءة بن مسعود وهذه الرواية عن مالك خلاف رواية بن القاسم وخلاف ما عليه جماعة الفقهاء أنه لا يقرأ في الصلاة بغير ما في مصحف عثمان بأيدي الناس فلذلك قال مالك الذي في رواية أصحابه عنه غير بن وهب أنه لا يقرأ بحرف بن مسعود لأنه خلاف ما في مصحف عثمان روى عيسى عن بن القاسم في المصحف بقراءة بن مسعود قال أرى أن يمنع الناس من بيعه ويضرب من قرأ به ويمنع من ذلك قال أبو عمر الذي عليه جماعة الأمصار من أهل الأثر والرأي أنه لا يجوز لأحد أن يقرأ في صلاته نافلة كانت أو مكتوبة بغير ما في المصحف المجتمع عليه سواء كانت القراءة مخالفة له منسوبة لابن مسعود أو إلى أبي أو إلى بن عباس أو إلى أبي بكر أو عمر أو مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجائز عند جميعهم القراءة بذلك كله في غير الصلاة وروايته والاستشهاد به على معنى القرآن ويجري عندهم مجرى خبر الواحد في السنن لا يقطع على عينه ولا يشهد به على الله تعالى كما يقطع على المصحف الذي عند جماعة الناس من المسلمين عامتهم وخاصتهم مصحف عثمان وهو المصحف الذي يقطع به ويشهد على الله عز وجل وبالله التوفيق قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد ما في سورة الفرقان من اختلاف القراءات عن السلف والخلف لأن حديث مالك ورد بذكر سورة الفرقان خاصة فذكرنا ما فيها من اختلاف حروفها مستوعبا بذلك والحمد لله وفي هذا الحديث ما يدل على أن في جبلة الإنسان وطبعه وإن كان فاضلا

أن ينكر ما يعرف خلافه وإن جهل ما أنكر من ذلك لأن الذي بيده من ذلك علم يقين فلا يزول عنه إلى غير إلا بمثله من العلم واليقين وكذلك لا يسوغ خلافه إلا بمثل ذلك وفيه بيان ما كان عليه عمر رضي الله عنه من أنه لا يراعي في ذات الله قريبا ولا بعيد ولا عدوا ولا صديقا وقد كان شديد التفضيل لهشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه ولكنه إذ سمع منه ما أنكره لم يسامحه حتى عرف موضع الصواب فيه وكان لا يخاف في الله لومة لائم ذكر وهب عن مالك قال كان عمر إذا خشي وقوع أمر قال أما ما بقيت أنا وهشام بن حكيم فلا وفيه بيان استعمالهم لمعنى الآية العامة لهم ولمن بعدهم وهي قوله عز وجل فإن تنزعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول النساء يعني إن كان حيا فإن مات فإلى سنته كذا قال أهل العلم بالتأويل والله الموفق للصواب وبعد هذا في هذا الباب من الموطأ حديث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت في هذا الحديث الحض على درس القرآن وتعاهده والمواظبة على تلاوته والتحذير من نسيانه بعد حفظه وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم من حديث سعد بن عبادة أنه قال من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة أجذم

قال أبو عمر ومن حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت علي أجور أمتي حتى يخرجها الرجل من المسجد وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذئبا أعظم من سورة من القرآن أو آية من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها وحديث بن مسعود أنه كان يقول تعاهدوا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس ما لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي وقد ذكرت هذه الأحاديث وغيرها في التمهيد بأسانيدها وفي حديث بن مسعود هذا كراهة قول الرجل نسيت وإباحة قوله أنسيت قال الله عز وجل وما أنسنيه إلا الشيطن الكهف وأما حديث الموطأ إني لأنسى أو أنسى فإنما هو شك من المحدث في أي اللفظتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه حديث لا يوجد في غير الموطأ مقطوعا ولا غير مقطوع وقد كان بن عيينة يذهب في أن النسيان الذي يستحق عليه صاحبه اللوم ويضاف إليه فيه الإثم هو الترك للعمل به ومعلوم أن النسيان في كلام العرب الترك قال الله عز وجل فلما نسوا ما ذكروا به الأنعام أي تركوا وقال نسوا الله فنسيهم التوبة أي تركوا طاعة الله فترك رحمتهم ونحو ذلك حدثني سعيد بن نصر وإبراهيم بن شاكر قالا

حدثنا عبد الله بن عثمان قال حدثنا سعد بن معاذ قال حدثنا بن أبي مريم قال حدثنا نعيم بن حماد قال سمعت سفيان بن عيينة يقول في معنى ما جاء من الأحاديث في نسيان القرآن قال هو ترك العمل بما فيه قال الله تعالى اليوم ننسكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا الجاثية وليس من اشتهى حفظه وتفلت منه بناس له إذا كان يحلل حلاله ويحرم حرامه قال ولو كان كذلك ما نسي النبي صلى الله عليه وسلم شيئا منه قال الله عز وجل سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله الأعلى وقد نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم منه أشياء وقال ذكرني هذا آية أنسيتها قال سفيان ولو كان كما يقول هؤلاء الجهال ما أنسى الله نبيه منه شيئا وأما حديثه بعد هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن هشام سأل رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا

في هذا الحديث ما يبين به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأله أصحابه عن معاني دينهم وغير دينهم وأنه صلى الله عليه وسلم كان يجيبهم يصبر لهم ويعلمهم وكانت طائفة منهم تسأل وطائفة تحفظ وكلهم أدى وبلغ ما علم ولم يكتم حتى أكمل الله دينه والحمد لله وكتاب الله أصح شاهد في ذلك يقول الله عز وجل يسئلونك عن الخمر والميسر البقرة و ويسئلونك عن اليتمى البقرة و يسئلونك ماذا ينفقون البقرة وهو كثير في القرآن وفي هذا الحديث نوعان أو ثلاثة من أنواع نزول الوحي وقد ورد في غير ما حديث من نزول الوحي أنواع حتى الرؤيا الصالحة جعلها صلى الله عليه وسلم جزءا من أجزاء النبوة ولكنه أراد بهذا الحديث نزول ما يتلى والله أعلم وقد روى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال كان الوحي إذا نزل سمعت الملائكة صوتا كإمرار السلسلة على الصفا وفي حديث يوم حنين أنهم سمعوا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست وقالت عائشة كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة كان يرى الرؤيا فتأتي كأنها فلق الصبح

وقد كان صلى الله عليه وسلم يبدى له جبريل بين السماء والأرض وذلك بين في حديث جابر بن عبد الله وأحيانا يأتيه جبريل في هيئة إنسان فيكلمه مشافهة كما يكلم المرء أخاه

وذلك بين في حديث عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر في الإيمان والإسلام وحديثه حين جاءه جبريل في صفة دحية الكلبي وفي حديث عمر بن الخطاب ويعلى بن أمية إذا نزل عليه الوحي يحمر وجهه ويغط غطيط البكر وينفخ إلى ضروب كثيرة لست أحصيها وقد ذكرنا في ذلك آثارا كثيرة متفرقة في التمهيد وروى بن وهب عن يونس بن يزيد عن بن شهاب أنه سئل عن هذه الآية وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من ورائ حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء إنه على حكيم الشورة قال ترى هذه الآية تعم من أوحى الله إليه من البشر كلهم والكلام كلام الله الذي كلم به موسى عليه السلام من وراء حجاب والوحي ما يوحي الله إلى النبي من أنبيائه فيثبت الله ما أراد من الوحي في قلب النبي فيتكلم به النبي فيكتبه فهو كلام الله ووحيه ومنه ما يكون بين الله ورسله لا يكلم به أحد من الأنبياء أحدا من الناس ولكنه يكون سر غيب بين الله وبين رسله ومنه ما يتكلم به الأنبياء ولا يكتمونه أحدا ولا يؤمرون بكتمانه ولكنهم يحدثون به الناس حديثا ويبينون لهم أن الله عز وجل أمرهم أن يبينوه للناس ويبلغوهم إياه ومن الوحي ما يرسل الله من يشاء من ملائكته فيوحيه وحيا في قلوب من يشاء من أنبيائه ورسله وقد بين في كتابه أنه كان يرسل جبريل إلى محمد عليهما السلام فقال في كتابه قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك البقرة

وقال عز وجل وإنه لتنزيل رب العلمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين الشعراء وروي عن مجاهد في قوله عز وجل وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا قال أن ينفث في نفسه أو من ورائ حجاب قال موسى حين كلمة الله أو يرسل رسولا قال جبريل إلى محمد وأشباهه من الرسل صلوات الله عليهم أجمعين الشورى أما قوله في هذا الحديث صلصلة الجرس فإنه أراد في مثل صوت الجرس والصلصلة الصوت يقال صلصلة الطست وصلصلة الجرس وصلصلة الفخار وأما قوله فيفصم عني فمعناه ينفرج عني ويذهب عني ويقال فصم بمعنى ذهب وقيل فصم كما يفصم الخلخال إذا فتحته يتخرجه من الرجل وكل عقدة حللتها فقد فصمتها قال الله عز وجل فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها البقرة وانفصام العروة أن تنفك عن موضعها وأصل الفصم عند العرب أن تفك الخلخال ولا تبين كسرة فإذا كسرته فقد قصمته بالقاف قال ذو الرمة كأنه دملج من فضة نبة في ملعب من جواري الحي مفصوم وأما حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال أنزلت عبس وتولى في عبد الله بن أم مكتوم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول يا محمد استدنيني وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض

عنه ويقبل على الآخر ويقول يا فلان هل ترى بما أقول بأسا فيقول لا والدماء ما أرى بما تقول بأسا فأنزلت عبس وتولى أن جاءه الأعمى فقد ذكرنا من أسنده في غير الموطأ ذكرنا بن أم مكتوم والاختلاف في اسمه في كتاب الصحابة ورفعنا هناك في نسبه وذكرنا عيونا من خبره وهو قرشي عامري من بني عامر بن لؤي ورواه بن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه بمثل حديث مالك سواء ففي هذا الحديث دليل على أن علم السيرة وما ارتبط بها من علم نزول القرآن متى نزل وفيمن نزل والمكي منه والمدني وما أشبه ذلك من جنس التاريخ في مثل ذلك علم حسن ينبغي الوقوف عليه والعناية به والميل بالهمة إليه وفيه أيضا ما كان عليه بن أم مكتوم من الحرص على القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم والسماع منه والأخذ عنه وأما الرجل الذي قيل فيه من عظماء المشركين فقيل هو أبي بن خلف الجمحي وقيل عتبة وشيبة ابنا ربيعة ذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال جاء بن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم يومئذ أبي بن خلف فأعرض عنه فنزلت عبس وتولى أن جاءه الأعمى عبس فكان بعد ذلك يكرمه وقد ذكرت في التمهيد حديثا مسندا عن مسروق قال دخلت على عائشة وعندها رجل مكفوف تقطع له الأترج وتطعمه إياها بالعسل فقلت من هذا يا أم المؤمنين فقالت هذا بن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه نبيه صلى الله عليه وسلم أتى النبي عليه السلام وعنده عتبة وشيبة فأقبل عليهما فنزلت عبس وتولى أن جاءه الأعمى وقالت عائشة لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي شيئا لكتم هذا وذكر حجاج عن بن جريج قال قال بن عباس جاءه بن أم مكتوم وعنده رجال من قريش فقال له علمني ما علمك الله فأعرض عنه وعبس في وجهه وأقبل على القوم يدعوهم إلى الإسلام فنزلت عبس وتولى أن جاءه الأعمى عبس فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر إليه بعد ذلك مقبلا بسط رداءه حتى

يجلسه عليه وكان إذا خرج من المدينة استخلفه يصلي بالناس حتى يرجع وقد زدنا هذا الباب بيانا في التمهيد وأما قوله في حديث مالك هذا لا والدماء فإن الرواية اختلفت عن مالك في ذلك فمنهم من يرويه عنه والدماء بكسر الدال ومنهم من يرويه بضمها فمن ضمها أراد الأصنام التي كانوا يعبدون ويعظمون واحدتها دمية ومن رواها بكسر الدال أراد دماء الهدايا التي كانوا يذبحون لآلهتهم قال الشاعر وهو توبة بن الحمير علي دماء البدن إن كان بعلها يرى لي ذنبا غير أني أزورها وقال آخر أما ودماء المزجيات إلى منى لقد كفرت أسماء غير كفور وأما حديثه في هذا الباب عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه فقال عمر ثكلتك أمك عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري حتى إذا كنت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي قال فقلت لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال لقد أنزلت علي هذه الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ إنا فتحنا لك فتحا مبينا الفتح قد ذكرنا في التمهيد من قال فيه عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر فأسنده وفيه من وجوه العلم إباحة المشي على الدواب بالليل وهذا محمول عند أهل

العلم على من لا يمشي بها نهارا أو من يمشي بها نهارا بعض المشي ويستعمل في ذلك الرفق عند حاجته إلى المشي بالليل لأنها عجم لا تخبر عن حالها وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفق بها والإحسان إليها وفيه أن العالم إذا سئل عما لا يريد الجواب فيه إن سكت ولا يجيب ب نعم ولا ب لا ورب كلام جوابه السكوت وفيه من الأدب أن سكوت العالم عن الجواب يوجب على المتعلم ترك الإلحاح عليه وفيه الندم على إيذاء العالم والإلحاح عليه خوف غضبه وحرمان فائدته في المستقبل وقل ما أغضب أحد عالما إلا حرم الفائدة منه قال أبو سلمة بن عبد الرحمن لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علما وقالوا كان أبو سلمة يماري بن عباس فحرم بذلك علما كثيرا وفيه ما كان عليه عمر رضي الله عنه من التقوى وخوف الله تعالى لأنه خشي أن يكون عاصيا لسؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبه والمعلوم أن سكوت العالم عن الجواب مع علمه به دليل على كراهة ذلك السؤال وفيه ما يدل على أن السكوت عن السائل يعز عليه وهذا موجود في طبائع الناس ولهذا أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر يؤنسه وفي ذلك ما يدل على منزلة عمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعه من قلبه وفيه أن غفران الذنوب خير للمؤمنين مما طلعت عليه الشمس لو أعطي ذلك وذلك تحقير منه صلى الله عليه وسلم بالدنيا وتعظيم للآخرة وهكذا ينبغي للعالم أن يحقر ما حقر الله ويعظم ما عظم الله وإذا كان غفران الذنوب كما وصف فمعلوم أنه عليه الصلاة والسلام لم يكفر عنه إلا الصغائر لأنه لا يأتي كبيرة أبدا لا هو ولا أحد من الأنبياء لأنهم معصومون من الكبائر صلوات الله عليهم والسفر المذكور في هذا الحديث الذي نزلت فيه سورة الفتح هو منصرفة من خيبر وقيل من الحديبية واختلفوا في قوله فتحا مبينا الفتح فقال قوم خيبر وقال آخرون الحديبية منحره ومحلقه وقد ذكرنا أقوالهم في تفسير الآية في التمهيد

وأما قوله في الحديث نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بن وهب معناه أكرهت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسألة أي أتيته بما يكره وقال بن حبيب ألححت وكررت السؤال وأبرمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بن قتيبة نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ألححت عليه قال ومنه قولهم أعطى عطاء غير منزور أي بغير إلحاح وأنشد فخذ عفو ما آتاك لا تنزرنه فعند بلوغ الكدر رنق المشارب وقد ذكر حبيب عن مالك قال نزرت راجعت وقال الأخفش نزرت البئر إذا أكثرت الإسقاء منها حتى يقل ماؤها يقال بئر نزور أي قليلة الماء وكذلك دمع نزور ومعناه أنه سأله حتى قطع عليه كلامه فتبرم به وفي إدخال مالك رحمه الله هذا الحديث في باب ما جاء في القرآن دليل على أنه أراد التعريف بأن القرآن كان ينزل على النبي عليه السلام على قدر الحاجة وما يعرض له مع أصحابه وقد أخبر الله تعالى أنه لم ينزل عليه القرآن جملة واحدة وقد أوضحنا هذا المعنى في ما مضى وأما حديثه عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم يقرؤون القرآن ولا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية تنظر في

النصل فلا ترى شيئا وتنظر في القدح فلا ترى شيئا وتنظر في الريش فلا ترى شيئا وتتمارى في الفوق الحديث على ما في الموطأ وهو حديث مسند صحيح يروى من وجوه كثار صحاح ثابتة بمعان متقاربة وإن اختلف بعض ألفاظها وقد ذكرت كثيرا منها في التمهيد فأول ما في حديث مالك هذا من المعاني أن الخوارج على الصحابة رضي الله عنهم إنما قيل لهم خوارج لقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يخرج فيكم ومعنى قوله فيكم أي عليكم كما قال تعالى في جذوع النخل طه أي عليكم كما قال تعالى جذوع النخل وكان خروجهم ومروقهم في زمن الصحابة فسموا الخوارج وسموا المارقة بقوله في هذا الحديث يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وبقوله عليه السلام تقتتل طائفتان من أمتي تمرق منهما مارقة تقتلها أولى الطائفتين بالحق فهذا أصل ما سميت به الخوارج والمارقة ثم استمر خروجهم على السلاطين فأكدوا الاسم ثم افترقوا فرقا لها أسماء منهم الإباضية أتباع عبد الله بن إباض والأزارقة أتباع نافع بن الأزرق والصفرية أتباع النعمان زياد بن الأصفر وأتباع نجدة الحروري يقال لهم النجدات ولم يقل فيهم النجدية وما أظن ذلك والله أعلم إلا ليفرق بين ما انتسب إلى بلاد نجد وبينهم وفرق سواها يطول ذكرها وليس هذا موضعه وهم يتسمون بالشراة ولا يسميهم بذلك غيرهم بل أسماؤهم التي ذكرناها عنهم مشهورة في الأخبار والأشعار قال عبد الله بن قيس الرقيات

ألا طرقت من آل بثنة طارقة على أنها معشوقة الدل عاشقة تبيت وأرض السوس بيني وبينها وسولاف رستاق خمته الأزارقة إذا نحن شئنا صادفتنا عصابة حرورية أضحت من الدين مارقه والحرورية منسوبة إلى حروراء خرج فيه أولهم على علي رضي الله عنه فقاتلهم بالنهروان وأظهره الله عليهم فقتل منهم ألوفا وهم قوم استحلوا بما تأولوا من كتاب الله عز وجل دماء المسلمين وكفروهم بالذنوب وحملوا عليهم السيف وخالفوا جماعتهم فأوجبوا الصلاة على الحائض ولم يروا على الزاني المحصن الرجم ولم يوجبوا عليه إلا الحد مائة ولم يطهرهم عند أنفسهم إلا الماء الجاري أو الكثير المستبحر إلى أشياء يطول ذكرها قد أتينا على ذكر أكثرها في غير هذا الموضع فمرقوا من الدين بما أحدثوا فيه مروق السهم من الرمية كما قال وقد ذكرنا في التمهيد الحكم فيهم عند العلماء روى بن وهب وغيره عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال ذكرت الخوارج واجتهادهم يعني في الصلاة والصيام وتلاوة القرآن عند بن عباس فقال ليسوا بأشد اجتهادا من اليهود والنصارى ثم هم يضلون وأما قوله يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم فمعناه أنهم لم ينتفعوا بقراءته إذ تأولوه على غير سبيل السنة المبينة له وإنما حملهم على جهل السنة ومعاداتها وتكفيرهم السلف ومن سلك سبيلهم وردهم لشهاداتهم ورواياتهم تأولوا القرآن بآرائهم فضلوا وأضلوا فلم ينتفعوا به ولا حصلوا من تلاوته إلا على ما يحصل عليه الماضغ الذي يبلع ولا يجاوز ما في فيه من الطعام حنجرته وأما قوله يمرقون من الدين فالمروق الخروج السريع كما يخرج السهم من الرمية والرمية الطريدة من الصيد المرمية مثل المقتولة والقتيلة قال الشاعر النفس موقوفة والموت غايتها نصب الرمية للأحداث ترميها وقال أبو عبيد كما يخرج السهم من الرمية قال يقول خرج السهم ولم يتميز بشيء كما خرج هؤلاء من الإسلام ولم يتمسكوا منه بشيء وقال غيره قوله في الحديث ويتمارى في الفرق في الفرق دليل على الشك في

خروجهم جملة على الإسلام لأن التماري الشك فإذا وقع الشك في خروجهم لم يقطع عليهم بالخروج الكلي من الإسلام واحتج من ذهب هذا المذهب بلفظة رويت في بعض الأحاديث الواردة فيهم وفي قوله صلى الله عليه وسلم يخرج فيكم قوم من أمتي فلو صحت هذه اللفظة كانت شهادة منه عليه السلام أنهم من أمته حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا مجالد قال حدثنا أبو الوداك واسمه جبر بن نوف قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج قوم من أمتي عند فرقة أو قال عند اختلاف من الناس يقرؤون القرآن كأحسن ما يقرأه الناس ويرعونه كأحسن ما يرعاه الناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يرمي الرجل الصيد فينفذ الفرث والدم فيأخذ السهم فيتمارى أصابه شيء أم لا هم شر الخلق والخليقة تقتلهم أولى الطائفتين بالله أو أقرب الطائفتين إلى الله قال بعض العلماء في هذا الحديث معنى قوله يخرج قوم من أمتي أي في دعواهم قال أبو عمر أكثر طرق الأحاديث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب إنما فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تلتقي من أمتي فئتان أو تقتتل من أمتي فئتان فبينا هم كذلك إذ مرقت مارقة بينهما يقتلها أولى الطائفتين بالحق وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في التمهيد قال الأخفش شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مروقهم من الدين برمية الرامي الشديد الساعد الذي رمى الرمية فأنفذها سهمة وقع في جانب منها وخرج من الجانب الآخر لشدة رميته فلم يتعلق بالسهم دم ولا فرث وكأن الرامي أخذ السهم فنظر في نصله وهو الحديدة التي في السهم فلم ير شيئا من دم ولا فرث ثم نظر في القدح والقدح عود السهم فلم ير شيئا ونظر في الريش فلم ير شيئا وقوله يتمارى في الفوق أي يشك إن كان أصاب الدم الفوق أم لا والفوق هو الشيء الذي يدخل فيه الوتر قال يقول فكما يخرج السهم نقيا من الدم لم يتعلق به منه شيء فكذلك يخرج هؤلاء من الدين يعني الخوارج

ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قيل قل لابن عمر إن نجدة الحروري يقول إنك كافر وأراد قتل مولاك إذ لم يقل إنك كافر فقال بن عمر والله ما كفرت منذ أسلمت قال نافع وكان بن عمر حين خرج نجدة يرى قتاله قال عبد الرزاق وأخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه أنه كان يحرض على قتال الحرورية وذكر بن وهب عن عمر بن الحارث عن بكير بن الأشج أنه سأل نافعا كيف كان رأي بن عمر في الخوارج فقال كان يقول هم شرار الخلق انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين وقد ذكرنا في التمهيد رواية جماعة عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن أهل النهروان أكفارهم قال من الكفر فروا قيل فهم منافقون فقال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا قيل فما هم قال قوم ضل سعيهم وعموا عن الحق وهم بغوا علينا فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم وذكر نعيم بن حماد عن وكيع عن مسعر عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن علي رضي الله عنه قال لم نقاتل أهل النهروان على الشرك وعن وكيع عن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن علي مثله وقد ذكرنا أقاويل الفقهاء في قتال الخوارج وأهل البغي والحكم فيهم بعد ذكر سيرة علي رضي الله عنه فيهم وفي غيرهم ممن قاتله في حين قتاله لهم مبسوطة في التمهيد والحمد لله وفي هذا الحديث نص على أن القرآن قد يقرؤه من لا دين له ولا خير فيه ولا يجاوز لسانه وقد مضى هذا المعنى عند قول بن مسعود وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير قراؤه تحفظ فيه حروف القرآن وتضيع حدوده وذكرنا هناك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر منافقي أمتي قراؤها وحسبك بما ترى من تضييع حدود القرآن وكثرة تلاوته في زماننا هذا بالأمصار وغيرها مع فسق أهلها والله أسأله العصمة والتوفيق والرحمة فذلك منه لا شريك له

وأما حديث مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها فهو من قول بن مسعود رضي الله عنه إنك في زمان كثير فقهاؤه قليل قراؤه إنه كان يتعلمها بأحكامها ومعانيها وأخبارها فكذلك طال مكثه فيها ومعلوم أن من الناس من يتعذر عليه حفظ القرآن ويفتح له في غيره وكان بن عمر فاضلا وقد حفظ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة منهم عثمان وعلي وأبي بن كعب وبن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم باب ما جاء في سجود القرآن ذكر فيه مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قرأ لهم إذا السماء انشقت فسجد فيها فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها وهذا حديث طرقه عن أبي هريرة كثيرة صحاح كلها قد ذكرنا في التمهيد كثيرا منها ومنها ما رواه أبو داود الطيالسي قال حدثنا قرة بن خالد قال حدثنا محمد بن سيرين قال حدثنا أبو هريرة قال سجد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في إذا السماء انشقت الانشقاق و اقرأ باسم ربك الذي خلق العلق ومن هو خير منهما وذكره النسائي عن إسحاق بن راهويه عن المعتمر عن قرة عن أبي بكر عن أبي هريرة مثله سواء وتابع بن سيرين على زيادة اقرأ باسم ربك العلق وفي هذا الحديث عن أبي هريرة أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعطاء بن ميناء والأعرج

وروى الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود قال رأيت عمر وعبد الله يسجدان في إذا السماء انشقت والثوري عن عاصم عن زر عن علي رضي الله عنه قال العزائم أربع آلم تنزيل السجدة و حم السجدة والنجم و اقرأ باسم ربك الذي خلق والثوري ومعمر عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي مثله وسليمان بن مسلم بن جماز الزهري عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع القارئ أنه أخبره أنه رأى أبا هريرة يسجد في اقرأ باسم ربك الذي خلق وفي الموطأ عند جماعة من رواته عن مالك أنه بلغه عن عمر بن عبد العزيز قال لمحمد بن قيس القاضي اخرج إلى الناس فمرهم أن يسجدوا في إذا السماء انشقت فهذه مسألة فيها الحديث الصحيح المسند وعمل ا لخلفاء الراشدين وجماعتي الصحابة والتابعين وذلك نقيض السجود في المفصل وروى مالك عن بن شهاب عن الأعرج أن عمر سجد في والنجم وقد روى بن وهب عن مالك إجازة ذلك وقال لا بأس به وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي وإسحاق وأبي ثور وأحمد بن حنبل وداود وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وبن مسعود وعمار وأبي هريرة وبن عمر على اختلاف عنه وعمر بن عبد العزيز وجماعة من التابعين ورواه بن القاسم وجمهور من أصحاب مالك عن مالك وهو الذي ذهب إليه في موطئه أن لا سجود في المفصل وهو قول أكثر أصحابه وطائفة من المدينة وقول بن عمر وبن عباس وأبي بن كعب وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وطاوس وعطاء وأيوب كل هؤلاء يقولون ليس في المفصل سجود بالأسانيد الصحاح عنهم

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري أدركت القراء لا يسجدون في شيء من المفصل وروى يحيى بن يحيى في الموطأ قال قال مالك الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء ورواية يحيى هذه عن مالك في الموطأ الأمر المجتمع عليه عندنا كذلك رواه بن القاسم والشعبي وبن بكير والشافعي رحمه الله عن مالك في الموطأ وإنما قلت إن رواية يحيى صاحبنا أصح و أولى من رواية غيره لأن الاختلاف في عزائم سجود القرآن بين السلف والخلف بالمدينة معروف عند العلماء بها وبغيرها ورواية يحيى متأخرة عن مالك وهو آخر من روى عنه وشهد موته بالمدينة ويحتمل أن يكون قوله المجتمع عليه أراد به أنه لم يجتمع على ما سوى الإحدى عشرة سجدة كما اجتمع عليها تأول هذا بن الجهم وهو حسن ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره أنه سمع بن عباس وبن عمر يعدان كم في القرآن من سجدة فقالا الأعراف والرعد والنخل وبنو إسرائيل ومريم والحج أولها والفرقان وطس وآلم تنزيل وص وحم السجدة إحدى عشرة سجدة قالا وليس في المفصل منها شيء هذه رواية سعيد بن جبير عن بن عباس وروى أبو حمزة الضبعي مثله وروى عطاء عنه أنه لا يسجد في ص ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء أنه عد سجود القرآن عشرا ومن حجة من لم ير السجود في المفصل حديث الليث عن بن الهاد عن أبي سلمة أنه قال لأبي هريرة حين سجد بهم في إذا السماء انشقت الانشقاق لقد سجدت في سجدة ما رأيت الناس يسجدون فيها

قالوا هذا دليل على أن السجود في إذا السماء انشقت كان الناس قد تركوه وجرى العمل بتركه وحجة من خالفه رأى الحجة في السنة لا فيما خالفها ورأى من خالفها محجوج بها ومن حجة من لم ير السجود في المفصل حديث مطر الوراق عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة وهذا حديث منكر لأن أبا هريرة لم يصحبه إلا بالمدينة وقد رآه يسجد في إذا السماء انشقت و اقرأ باسم ربك العلق وحديث مطر لم يروه عنه إلا أبو قدامة وليس بشيء واحتج أيضا من لم ير السجود في المفصل بحديث عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم النجم فلم يسجد فيها وهذا لا حجة فيه لأن السجود ليس بواجب عندنا ومن شاء سجد ومن شاء ترك على أن زيدا كان القارئ ولم يسجد فلذلك لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في والنجم وذكر مالك في هذا الباب أيضا عن نافع مولى بن عمر أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين وعن عبد الله بن دينار أنه قال رأيت عبد الله بن عمر يسجد في سورة الحج سجدتين

وهذه السجدة الثانية من الحج اختلف فيها الخلف والسلف وأجمعوا على أن الأولى من الحج يسجد فيها وقال الطحاوي كل سجدة جاءت بلفظ الخبر فلم يختلفوا في أنه يسجد فيها واختلفوا فيها جاءت بلفظ الأمر وأما اختلافهم في السجدة الآخرة من الحج فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما ليس في الحج سجدة إلا واحدة وهي الأولى وروي ذلك عن سعيد بن جبير والحسن البصري وجابر بن زيد واختلف فيها عن بن عباس وقال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري في الحج سجدتان وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وأبي الدرداء وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن عباس على اختلاف عنه وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي العالية الرياحي وقال أبو إسحاق السبيعي أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل كم في الحج من سجدة فقال سجدتان قيل له حدث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحج سجدتان قال نعم رواه بن لهيعة عن مشرح عن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحج سجدتان ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما يريد فلا يقرأهما إلا وهو طاهر قال وهذا يؤكد قول عمر وبن عمر وبن عباس أنهم قالوا فضلت سورة الحج بسجدتين وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن عمر وبن عمر كان يسجدان في الحج سجدتين

قال وقال بن عمر لو سجدت فيها واحدة كانت السجدة الآخرة أحب إلي واختلفوا في سجدة ص فذهب مالك والثوري وأبو حنيفة إلى أن فيها سجودا وروي ذلك عن عمر وبن عمر وعثمان وجماعة من التابعين وبه قال إسحاق وأحمد وأبو ثور واختلف في ذلك عن بن عباس وذهب الشافعي إلى أن لا سجود في ص وهو قول بن مسعود وعلقمة وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال قال عبد الله بن مسعود إنما هي توبة نبي ذكرت وكان لا يسجد فيها يعني ص وقال بن عباس ليست سجدة ص من عزائم السجود وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها وقد ذكرنا الآثار المسندة وغيرها في سجدة ص في التمهيد واختلفوا في جملة سجود القرآن ذهب مالك وأصحابه إلى أنها إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء وروي ذلك عن عمر وبن عباس على اختلاف عنه وقد ذكرنا في هذا الباب من قال ذلك وقال أبو حنيفة وأصحابه أربع عشرة سجدة فيها الأولى من الحج وقال الشافعي أربع عشرة سجدة ليس فيها سجدة ص فإنها سجدة شكر وفي الحج عنده سجدتان وقال أبو ثور أربع عشرة سجدة فيها الثانية من الحج وسجدة ص وأسقط سجدة النجم وقال أحمد وإسحاق خمس عشر سجدة في الحج سجدتان وسجدة ص وهو قول بن وهب ورواه عن مالك وقال الطبري خمس عشرة سجدة ويدخل في السجدة بتكبير ويخرج منها بتسليم وقال الليث بن سعد يستحب أن يسجد في القرآن كله في المفصل وغيره

واختلفوا في سجود التلاوة فقال أبو حنيفة وأصحابه هو واجب وقال مالك والشافعي والأوزاعي والليث هو مسنون وليس بواجب وذكر مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة فنزل وسجد وسجد الناس معه ثم قرأها الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود فقال على رسلكم إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء فلم يسجد ومنعهم أن يسجدوا وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني بن أبي مليكة عن عثمان بن عبد الرحمن عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه حضر عمر بن الخطاب يوم جمعة فقرأ على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة سجد وسجد الناس معه حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأها حتى إذا جاء السجدة قال يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب وأحسن ومن لم يسجد فلا إثم عليه وقال ولم يسجد عمر قال وأخبرنا بن جريج عن نافع عن بن عمر قال لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء قال أبو عمر هذا عمر وبن عمر ولا مخالف لهما من الصحابة فلا وجه لقول من أوجب سجود التلاوة فرضا لأن الله لم يوجبه ولا رسوله ولا اتفق العلماء على وجوبه والفرائض لا تثبت إلا من الوجوه التي ذكرنا أو ما كان في معناها وبالله توفيقنا وقال مالك ليس العمل على أن ينزل الإمام إذا قرأ السجدة على المنبر فيسجد وقال الشافعي لا بأس بذلك قال أبو عمر يحتمل قول مالك على أنه أراد يلزمه النزول للسجود لأن عمر مرة سجد ومرة لم يسجد وأما قوله لا ينبغي لأحد يقرأ من سجود القرآن شيئا بعد صلاة الصبح ولا بعد صلاة العصر وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع

الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس والسجدة من الصلاة فقول صحيح وحجة واضحة وأما اختلافهم في سجود التلاوة بعد الصبح وبعد العصر فقد ذكرنا ما ذكره مالك في الموطأ وقال بن القاسم عنه سجد في هذين الوقتين ما لم تتغير الشمس أو يسفر فإذا أسفر أو اصفرت الشمس لم يسجد وهذه الرواية قياس على مذهبه في صلاة الجنائز وقال الثوري في قوله مثل قول مالك في الموطأ وكان أبو حنيفة لا يسجد عند الطلوع ولا عند الزوال ولا عند الغروب ويسجدها بعد العصر وبعد الفجر قال أبو عمر وهكذا مذهبه في الصلاة على الجنائز وقال زفر إن سجد عند طلوع الشمس أو غروبها أو عند استوائها أجزأه إذا تلاها في ذلك الوقت وقال الأوزاعي والليث والحسن بن صالح لا يسجد في الأوقات التي تكره الصلاة فيها وقال الشافعي جائز أن يسجد بعد الصبح وبعد العصر وأما قوله لا يسجد الرجل والمرأة إلا وهما طاهران فإجماع من الفقهاء أنه لا يسجد أحد سجدة تلاوة إلا على طهارة وسئل مالك رحمه الله عنه امرأة قرأت سجدة ورجل معها يسمع أعليه أن يسجد معها قال مالك ليس عليه أن يسجد معها إنما تجب السجدة على القوم يكونون مع الرجل فيأتمون به فيقرأ السجدة فيسجدون معه وليس على من سمع سجدة من إنسان يقرؤها ليس له بإمام أن يسجد تلك السجدة قال أبو عمر معنى قوله إنه لا يصلح عنده أن يكون إماما في سجود التلاوة ويؤتم به فيها فيسجد معه بسجوده إلا من يصلح أن يكون إماما في الصلاة ولا تؤم المرأة والغلام عنده في الصلاة وهذه مسألة اختلف فيها الفقهاء فقول مالك ما ذكره في موطئه وقال بن القاسم عنه إذا قرأ السجدة من لا يكون إماما من رجل أو امرأة أو

صبي وأنت تسمعه فليس عليك السجود سجد أم لا إلا أن تكون جلست إليه قال أبو عمر يعني وكان ممن يصلح أن يؤتم به وقال أبو حنيفة وأصحابه يسجد سجود التلاوة السامع لها من رجل أو امرأة وقال الثوري في الرجل يسمع السجدة من المرأة قال يقرؤها هو ويسجد يعني ولا يسجد لتلاوتها وقال الليث من سمع السجدة من غلام سجدها وذكر البويطي عن الشافعي قال إن سمع رجلا يقرأ في الصلاة سجدة فإن كان جالسا إليه يستمع قراءته فسجد فليجسد معه قال وإن لم يسجد وأحب المستمع أن يسجد فليسجد قال أبو عمر أصل هذا الباب عند العلماء قوله تعالى إذا تتلى عليهم ءايت الرحمن خروا سجدا وبكيا مريم وقوله تعالى قل ءامنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا الإسراء قال أبو عمر قول مالك وجمهور الفقهاء أن الساجد سجدة التلاوة يكبر إذا سجد وإذا رفع منها واختلف قول مالك إذا كان في غير الصلاة باب ما جاء في قراءة قل هو الله أحد و تبرك الذي بيده الملك ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن قال أبو عمر لم يتجاوز مالك رحمه الله بإسناد هذا الحديث أبا سعيد

الخدري وقد رواه قوم من الثقات أيضا عن أبي سعيد الخدري عن أخيه لأمه قتادة بن النعمان الظفري عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي عن مالك أيضا كذلك وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد وروي أن القارئ له الذي كان يتقالها يعني يراها قليلا هو قتادة بن النعمان نفسه والإسناد بذلك مذكور في التمهيد وقد اختلف الفقهاء في معنى هذا الحديث فقال قوم إنه لما سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يرددها ويكثر ترداد قراءتها إما لأنه لم يحفظ غيرها وإما لما جاءه من فضلها وبركتها وأنه لم يزل يرددها حتى بلغ تردادها بالكلمات والحروف والآيات ثلث القرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها لتعدل له ثلث القرآن يعني على هذا الوجه لما كان من تكراره لها وهذا تأويل فيه بعد عن ظاهر الحديث والله أعلم وقال آخرون بل ذلك لما تضمنت سورة قل هو الله أحد من التوحيد والإخلاص والتنزيه لله تعالى عن الأنداد والأولاد قال قتادة هي سورة خالصة لله ليس فيها شيء من أمر الدنيا والآخرة وقال إن الله أسس السماوات السبع والأرضين السبع على هذه السورة قل هو الله أحد قالوا فلهذا كله وما كان مثله كان ذلك الفضل فيها لتاليها وهذا وجه حسن من التأويل إلا أنه لا يقال في غيرها من آيات القرآن المضمنات من التوحيد والإخلاص ما في قل هو الله أحد أنها تعدل ثلث القرآن ولو كانت العلة ما ذكر لزم ذلك في مثلها حيث كانت من القرآن كقوله الله لا إله إلا هو الحي القيوم البقرة و لا إله إلا هو الرحمن الرحيم البقرة وكآخر سورة الحشر وما كان مثل ذلك وخالفت طائفة معنى الحديث في قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن أن الله تعالى جعل القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد منها جزءا واحدا وزعموا أن تلك الأجزاء على ثلاثة معان أحدها القصص والأخبار والثاني الشرائع والحلال والحرام والثالث صفاته تبارك اسمه وفي سورة قل هو الله أحد صفاته فلذلك تعدل ثلث القرآن

واعتلوا بحديث قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة قالوا نحن أعجز من ذلك وأضعف قال إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن قال أبو عمر ليس في هذا الحديث حجة لما ذكروه ولا فرق بين ثلاثة أجزاء وثلاثة أثلاث أو ثلاثة سهام لأن ذلك كله معناه واحد وقد وجدنا في خاتمة سورة الحشر وغيرها من صفات الله أكثر مما في قل هو الله أحد ولم يأت في شيء منها أنها تعدل ثلث القرآن كما جاء في قل هو الله أحد ولما لم تعدل قل هو الله أحد في كلماتها ولا في حروفها إلا أنها تعدل في الثواب لمن تلاها ثلث القرآن وهذا هو الذي يشهد له ظاهر الحديث وهو الذي يفر منه من خاف واقعة تفضيل القرآن بعضه على بعض وليس فيما يعطي الله عبده من الثواب على عمل يعمله ما يدل على فصل ذلك العمل في نفسه بل هو فضله عز وجل يؤتيه من يشاء من عباده على ما يشاء من عباداته تفضلا منه على من يشاء منهم وقد قال الله عز وجل ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها البقرة ولم يختلف العلماء بتأويل القرآن أنها خير لعبادة المؤمنين التالين لها والعاملين بها إما بتخفيف عنهم وإما بشفاء صدورهم بالقتال لعدوهم لأنها في ذاتها أفضل من غيرها فكذلك قل هو الله أحد خير لنا لأن الله يتفضل على تاليها من الثواب بما شاء ولسنا نقول في ذاتها أفضل من غيرها لأن القرآن عندنا كلام الله وصفة من صفاته ولا يدخل التفاضل في صفاته لدخول النقص في المفضول منها هذا كله قد قاله أهل السنة والرأي والحديث على أني أقول إن السكوت في هذه المسألة وما كان مثلها أفضل من الكلام فيها وأسلم حدثنا عبيد بن محمد قال حدثنا سلمة بن المعلى قال حدثنا عبد الله بن الجارود قال حدثنا إسحاق بن منصور قال قلت لأحمد بن حنبل قوله صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ما وجهه فلم يقم لي فيها على أمر بين قال وقال لي إسحاق بن راهويه معناه أن الله عز وجل لما فضل كلامه على سائر الكلام جعل لبعضه أيضا فضلا من الثواب لمن قرأه تحريضا منه على تعليمه

لأن من قرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات كمن قرأ القرآن كله هذا لا يستقيم ولو قرأ قل هو الله أحد مائتي مرة قال أبو عمر هذان عالمان بالسنن وإمامان في السنة ما قاما ولا قعدا في هذه المسألة وقد أجمع أهل العلم بالسنن والفقه وهم أهل السنة عن الكف عن الجدال والمناظرة فيما سبيلهم اعتقاده بالأفئدة مما ليس تحته عمل وعلى الإيمان بمتشابه القرآن والتسليم له ولما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث الصفات كلها وما كان في معناها وإنما يبيحون المناظرة في الحلال والحرام وما كان في سائر الأحكام يجب العمل بها حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب بن عبد الله قال سمعت مالك يقول إن أهل بلدنا يكرهون الجدال والكلام والبحث والنظر إلا فيما تحته عمل وأما ما سبيله الإيمان به واعتقاده والتسليم له فلا يرون فيه جدالا ولا مناظرة هذا معنى قوله أخبرنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين البغدادي بمكة قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي قال حدثنا عمر بن مدرك القاضي قال حدثنا هيثم بن خارجة قال حدثنا الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي والثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قال أمروها كما جاءت بلا تفسير وقال أحمد بن حنبل يسلم بها كما جاءت فقد تلقاها العلماء بالقبول حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن سهل المروزي قال حدثنا الحسين بن الحسن النرسي قال حدثنا سليم بن منصور بن عمار قال كتب بشر المريسي إلى أبي رحمه الله أخبرني عن القرآن أخالق أم مخلوق فكتب إليه أبي بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك من كل فتنة وجعلنا وإياك من أهل السنة ومن لا يرغب بدينه عن الجماعة فإنه إن يفعل فأولى بها نعمة وإلا يفعل فهي الهلكة وليس لأحد على الله بعد المرسلين حجة ونحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة يتشارك فيها السائل والمجيب تعاطي السائل ما ليس له وتكلف المجيب ما ليس عليه ولا أعلم خالقا إلا الله والقرآن كلام الله فانته أنت

والمختلفون فيه إلى ما سماه الله به تكن من المهتدين ولا تسم القرآن باسم من عندك فتكون من الهالكين جعلنا الله وإياك من الذين يخشونه بالغيب وهم من ا لساعة مشفقون والسلام وأما حديث مالك عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب أنه قال سمعت أبا هريرة يقول أقبلت مع رسول الله فسمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت فسألته ماذا يا رسول الله فقال الجنة وذكر الحديث إلى آخره ففيه فضيلة بينة وجليلة في قراءة قل هو الله أحد وممكن أن يكون ذلك الرجل وجبت له الجنة بتلاوتها مع أعمال البر غيرها وممكن أن يكون ذلك خاصة لها وقد ذكرت الاختلاف في اسم شيخ مالك هذا في التمهيد وروى سفيان بن عيينة عن مسعر عن مجاهد التيمي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فسمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد فقال أما هذا فقد غفر له وسمع رجلا يقرأ قل يأيها الكفرون فقال هذا قد بريء من الشرك وفي فضائل قل هو الله أحد حديث أنس بن مالك وغيره وأما حديث مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وأن تبارك الذي بيده الملك تجادل عن صاحبها فقد ذكرنا الآثار المسندة في قل هو الله أحد أنها تعدل ثلث القرآن من طرق في التمهيد وذكرنا هناك الحديث المسند بأن تبرك الذى بيده الملك الملك تجادل عن صاحبها ومعناه عندي والله أعلم أن كثرة قراءته لها ترفع عنه غضب الرب يوم تأتي

كل نفس تجادل عن نفسها فقامت له مقام المجادلة والله أعلم باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكان له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل عملا أكثر من ذلك وذكر الحديث وبهذا الإسناد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر مالك عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة أنه قال من سبح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمده ثلاثا وثلاثين وكبره ثلاثا وثلاثين فتلك تسع وتسعون وقال تمام المائة لا أله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر

وذكر الحديث موقوفا على أبي هريرة لم يرفعه وقد ذكرت طرقه مرفوعا في التمهيد وليس في شيء من هذه الأحاديث ما يحتاج إلى شرح ولا إلى قول وإنما هي من فضائل الذكر ظاهرة معانيها مالك عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه يقول في والبقيت الصلحت إنها قول العبد الله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله قال أبو عمر على مثل قول سعيد بن المسيب في والبقيت الصلحت الكهف أكثر أهل العلم قالوا ذلك في تأويل قول الله تعالى والبقيت الصلحت خير عند ربك ثوابا وخير أملا الكهف وروى بن جريج عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن نافع بن سرجس مولى بن سباع أنه سأل عبد الله بن عمر عن والبقيت الصلحت فقال لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وقال بن جريج وقال عطاء بن أبي رباح مثل ذلك وقال عطاء الخرساني عن بن عباس قال هي الأعمال الصالحة وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وكان مسروق يقول والبقيت الصلحت هن الصلوات وهن الحسنات يذهبن السيئات وروى معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال لأن أذكر الله من بكرة إلى الليل أحب إلي أن أحمل على الجهاد في سبيل الله من بكرة إلى الليل وأما قول أبي الدرداء في هذا الباب وقول معاذ بن جبل فيه فهما غاية ونهاية في فضائل الذكر

وقد روي ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا يحيى بن يوسف قال حدثنا يوسف بن يعقوب قال حدثنا أبو ذر محمد بن إبراهيم قال حدثنا أبو عيسى الترمذي قال حدثنا الحسين بن حريث قال حدثنا الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن زياد مولى بن عياش عن أبي بحرية عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وذكر الحديث على ما في الموطأ قال وقال أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل ما عمل بن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله حدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو خالد الأحمر قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الزبير عن طاوس عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما عمل بن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكره قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب بسيفك حتى ينقطع قال أبو عمر صدر مالك رحمه الله هذا الباب بالأحاديث المرفوعة ليعرف بها الناظر في كتابه ما الذكر ثم أتبعها بفضائل الذكر وفضائل الذكر كثيرة جدا لا يحيط بها كتاب وحسبك أنه أكبر من الصلاة قال الله عز وجل إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر العنكبوت روى إسرائيل عن الثوري عن أبي مالك في قوله ولذكر الله أكبر قال ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة ومعنى ذكر الله العبد مأخوذ من النبي عليه السلام حاكيا عن الله تعالى إن ذكرني وحده العبد ذكرته وحدي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه وأكرم ذكر سنيد عن جرير عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن ربيعة عن بن عباس قال ذكر الله إياكم إذا ذكرتموه أكبر من ذكركم إياه قال سنيد وحدثني أبو شميلة عن جابر عن أبي حمزة عن عامر الشعبي عن أبي قرة عن سلمان مثله قال وحدثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي عبيدة قال

التسبيح والتحميد والتكبير أحب إلى الله عز وجل من عددها دنانير ينفقها العبد في سبيل الله قال وحدثنا المسيب عن عوف عن الحسن بن مسعود فذكر معناه قال وحدثنا هشيم قال أخبرنا يعلى بن عطاء عن بشر بن عاصم عن عبد الله بن عمرو قال ذكر الله بالغداة والعشي خير من حطم السيوف في سبيل الله وإعطاء المال سخاء وذكر مالك في هذا الباب حديث رفاعة بن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قوله لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولا فيه من الفقه أن الإمام يقول سمع الله لمن حمده والمأموم يقول ربنا ولك الحمد لا يقول سمع الله لمن حمده وقد أوضحنا اختلاف العلماء في هذا المعنى فيما تقدم من هذا الكتاب وفيه أن الذكر كله بالتحميد والتهليل والتكبير وسائر التمجيد لله تعالى ليس بكلام تفسد به الصلاة وكيف يفسدها رفع الصوت به أو لم يرفع وهو مندوب إليه فيها كما لا يجوز لأحد أن يتكلم بكلام الناس وإن لم يرفع صوته به فكذلك لا يضره رفع الصوت بالذكر يدلك على ذلك حديث معاوية بن الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التهليل والتكبير وقراءة القرآن

فأطلق أنواع الذكر في الصلاة ولهذا قلنا إن المأموم إذا رفع صوته ب ربنا لك الحمد لا يضره ذلك وقد خالفنا في ذلك بعض المتأخرين من أصحابنا دون دليل ولا برهان والله المستعان أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قالا أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي قال حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط قال حدثنا أبي إياد بن لقيط عن عبد الله بن سعيد عن عبد الله بن أبي أوفى قال جاء رجل ونحن في الصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله أكبر كبيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا قال فرفع المسلمون رؤوسهم واستنكروا الرجل وقالوا يعني في أنفسهم من هذا الذي يرفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من هذا العالي الصوت فقيل هذا يا رسول الله فقال والله لقد رأيت كلاما يصعد إلى السماء حتى فتحت له فدخل فيها وهذا في معنى حديث مالك وفيه الحجة لما وصفنا وبالله توفيقنا باب ما جاء في الدعاء ذكر فيه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي دعوة يدعو بها فأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة فذكرنا كثيرا من طرق هذا الحديث في التمهيد وذكرنا أنه عند مالك أيضا عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعناه عندنا أن كل نبي قد أعطي أمنية يتمنى بها وسؤالا يسأله ويدعو فيه على نحو هذا الوجه فيعطاه

لا وجه لهذا الحديث عندي غير هذا لأنه معلوم أن لكل نبي دعوات مستجابات ولغير الأنبياء أيضا دعوات مستجابات وما يكاد أحد من أهل الإيمان ولا من المظلومين من كان يخلو من إجابة دعوته إذا شاء ربه قال الله عز وجل فيكشف ما تدعون إليه إن شاء الأنعام وقال صلى الله عليه وسلم ما من داع إلا كان بين أحد ثلاث إما يستجاب له فيما دعا به وإما يدخر له مثله وإما أن يكفر عنه وقال دعوة المظلوم لا ترد ولو كانت من كافر وقال في الساعة التي في يوم الجمعة إنه لا يسأل فيها عبد ربه شيئا إلا أعطاه وقال في الدعاء بين الأذان والإقامة وعند الصف في سبيل الله وعند نزول الغيث إنها أوقات يرجى فيها إجابة الدعاء وهذا المعنى كثير جدا ولذلك ذهبنا في تأويل حديث هذا الباب إلى ما وصفنا ومحال أن لا يكون نبينا صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء يجاب من دعائه إلا في دعوة واحدة هذا ما لا يظنه ذو لب إن شاء الله حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا معتمر قال سمعت أبي يحدث عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل نبي قد سأل سؤالا أو قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل نبي دعوة قد دعا بها يستجاب فيها فاختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة وفي هذا الحديث إثبات الشفاعة وهو ركن من أركان اعتقاد أهل السنة وهم مجمعون أن تأويل قول الله عز وجل عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا الإسراء المقام المحمود هو شفاعته صلى الله عليه وسلم في المذنبين من أمته ولا أعلم في هذا مخالفا إلا شيئا رويته عن مجاهد ذكرته في التمهيد وقد روي عنه خلافه على ما عليه الجماعة فصار إجماعا منهم والحمد لله وقد ذكرت في التمهيد كثيرا من أقاويل الصحابة والتابعين بذلك وذكرت من أحاديث الشفاعة ما فيه كفاية والأحاديث فيه متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم صحاح ثابتة وذكرنا أيضا في التمهيد حديث بن عمر وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم

أنه قال شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة وقال جابر من لم يكن من أهل الكبائر فما له والشفاعة وقال بن عمر ما زلنا نمسك على الاستغفار لأهل الكبائر حتى نزلت إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء وقال صلى الله عليه وسلم أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد وهذا الأصل الذي ينازعنا فيه أهل البدع والنكبة التي عول أهل العلم والسنة والحق عليها وفي هذا الباب والحمد لله الموفق لهم إلى الصواب وأما حديثه عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين وأغنني من الفقر وأمتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك فقد أسندناه من طرق في التمهيد وأما قوله فالق الإصباح فمعناه فالق الصبح عن النهار كما يفلق الحب عن النوى عن النبات والفلق فلق الصبح وقوله جاعل الليل سكنا قول الله عز وجل لتسكنوا فيه يونس وقوله والشمس والقمر حسبانا فروي عن عكرمة وقتادة والضحاك أنهم قالوا يدوران في حساب يجريان فيه إلى غايته وقال مجاهد وكمثل قوله تعالى كل في فلك يسبحون الأنبياء ومثل قوله الشمس والقمر بحسبان الرحمن قال كحسبان الرحا وقال أبو مالك عليهما حساب وآجال كآجال الناس فإذا جاء أجلهما هلكا وقال أهل العربية حسبان بمعنى حساب أي جعلهما يجريان بحساب معلوم قالوا وقد يكون حسبان جمع حساب مثل شهاب وشهبان وأما قوله اقض عني الدين فمعناه ديون الناس ويدخل مع ذلك ما لله عليه من فرض أن يعينه على ذلك كله

وقال صلى الله عليه وسلم دين الله أحق أن يقضى وروي عنه صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه كان يستعيذ بالله من غلبة الدين وغلبة الرجال وهذا الأظهر فيه من دين بني آدم وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من المأثم والمغرم ويستعيذ بالله من الفقر والفاقة والذلة وكان يدعو الله إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى وأما قوله أغنني من الفقر مع قوله عليه السلام اللهم أحيني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ولا تجعلني جبارا شقيا فإن هذا الفقر هو الذي لا يدرك معه القوة والكفاف ولا يستقر معه في النفس غنى لأن الغنى عنده صلى الله عليه وسلم غنى النفس ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس وقد جعله الله عز وجل غنيا وعدده عليه فيما عدده من نعمة فقال ووجدك عائلا فأغنى الضحى ولم يكن غناه صلى الله عليه وسلم أكثر من إيجاد قوت سنة لنفسه وعياله وكان الغنى كله في قلبه ثقة بربه وسكونا إلى أن الرزق مقسوم يأتيه منه ما قدر له وكذلك قال عليه السلام لعبد الله بن مسعود يا عبد الله لا يكثر همك ما يقدر يكن وما يقدر يأتيك وقال إن روح القدس نفث في روعي فقال لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم فغنى النفس يعين على هذا كله وغنى المؤمن الكفاية وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ولم يرد بهم إلا الذي هو أفضل لهم وقال ما قل وكفى خير مما كثر وألهى وقال أبو حازم إذا كان ما يكفيك لا يغنيك فليس في الدنيا شيء يغنيك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من فقر مسرف وغنى مطغ وفي هذا دليل بين أن الغنى والفقر طرفان وغايتان مذمومتان وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر

والكلام في هذا يتسع جدا والآثار فيه كثيرة وربما كان في ظواهر أكثرها تعارض وعلى هذا التخريج تتقارب معانيها وقد أوضحنا هذا المعنى في الفقر والغنى بالآثار المرفوعة وبما روي فيه عن علماء السلف في تفضيل الغنى وحمد الفقر في كتاب بيان العلم ما فيه كفاية لمن تدبره وليس في قول الله تعالى ذكره حاكيا عن موسى صلى الله عليه وسلم رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير القصص تفضيل الغنى على الفقر لأن جميع خلقه يفتقرون إلى رحمته ولا غنى لهم عن رزقه فمن أعطاه الله الكفاية فقد تمت له منه العناية ومن أتاه الله من رزقه سعة فواجب شكره عليه وحمده كما يجب الصبر على من امتحن بالقلة والفقر لأن الفرائض وحقوق المال ونوافل الخير تتوجه إلى ذي الغنى ومؤنة ذلك ساقطة عن الفقير والقيام بها فضل عظيم والصبر على الفقر والرضا به ثواب جسيم قال الله عز وجل إنما يوفى الصبرون أجرهم بغير حساب الزمر وقد قال الحكماء خير الأمور أوساطها فالزيادة الكثيرة على القوت والكفاية ذميمة ولا تؤمن فتنتها والتقصير عن الكفاف محنة وبلية لا يا من صاحبها فتنتها أيضا ولا سيما صاحب العيال وروي عن بن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء فقال جهد البلاء كثرة العيال وقلة المال وأما قوله وأمتعني بسمعي وبصري فالسمع والبصر من نعم الله العظام على

عبده وعلى جميع خلقه ونعم الله واجب استدامتها بالشكر والدعاء والحمد والثناء وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم ما يعارض هذا ظاهره وليس بمعارض له وهو قوله عليه السلام حاكيا عن ربه إذا أخذت كريمتي عبدي فصبر واحتسب لم يكن له جزاء إلا الجنة وهذا من العزاء والحض على الصبر عند البلاء وقال مطرف بن الشخير لأن أعافى وأشكر أحب إلي من أن أبتلى وأصبر وفي الاقتناع بالصبر قوة على كثير من أعمال البر منها تلاوة القرآن في المصحف وما لا يحصى لمن زينه الله بالتقوى وفي السمع مثل ذلك من التنعم بسماع الذكر وسماع ما يسر وقوله وقوتي في سبيلك فإنه يروى وقوني في سبيلك ويروى وقوتي وهو الأكثر عند الرواة ومعناه القوة على العمل بطاعتك والشكر لنعمتك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يسأل الله العافية والمعافة في الدنيا والآخرة والغنى عندهم من العافية لأنها اسم جامع لكل خير والدعاء رأس العبادة والله يحب أن يسأل وقد أمر أن يسأل من فضله لقوله عز وجل وسئلوا الله من فضله النساء وأما قوله عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لى إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له فإنه ينبغي للسائل الراغب إلى الله تعالى أن لا يقول في دعائه إن شئت وعليه أن يعزم في مسألته ومناشدته ربه ويضرع إليه فإنه لا مكره له ولا يخيب من دعاه وكذلك حديث مالك عن بن شهاب عن أبي عبيد مولى بن

أزهر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي يقتضي الإلحاح على الله في المسألة وأن لا ييأس الداعي من الإجابة ولا يسأم الرغبة فإنه يستجاب له أو يكفر عنه من سيئاته أو يدخر له فإن الدعاء عبادة قال الله تعالى ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين غافر فسمى الدعاء عبادة ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له ولا يمل الله عز وجل من العطاء حتى يمل العبد من الدعاء ومن عجل وتبرم فنفسه ظلم روينا عن مروان العجلي أنه قال سألت ربي عشرين سنة في حاجة فما قضاها حتى الآن وأنا أدعوه فيها ولا أيأس من قضائها أما حديثه عن بن شهاب عن أبي عبد الله الأغر وعن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له فهو حديث ثابت عند أهل العلم بالحديث وطرقه كثيرة صحاح بألفاظ متقاربة ومعنى واحد من أحسن الألفاظ في هذا الحديث وأفقرها من سوء التأويل ما حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إبراهيم بن يعقوب قال أخبرنا عمر بن حفص بن غياث قال حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش قال حدثنا أبو إسحاق السبيعي قال حدثنا أبو مسلم الأغر قال سمعت أبا هريرة وأبا سعيد يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يمهل

حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا ينادي هل من داع فيستجاب له هل من مستغفر يغفر له هل من سائل يعطى وقد ذكرنا أبا عبد الله الأغر وأبا مسلم الأغر في كتاب الكنى بما ينبغي من ذكرهما وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم رفاعة الجهني وعبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت وجبير بن مطعم وفي بعضها شطر الليل وفي بعضها ثلث الليل الأول وأصحها ثلث الليل الآخر وهو حديث بن شهاب هذا حدثناه محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا البغوي قال حدثنا أبو الربيع الزهراني قال حدثنا فليح بن سليمان عن الزهري عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر صاحب أبي هريرة أنهما سمعا أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا عز وجل حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى سماء الدنيا كل ليلة فيقول من يسألني فأعطيه ومن يدعوني فأستجيب له ومن يستغفرني أغفر له فلذلك كانوا يستحبون صلاة آخر الليل على أوله وحدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا عبد الله بن صالح البخاري قال حدثنا محمد بن سليمان لوين قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينزل الرب في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجب له من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر فكذلك كانوا يستحبون آخر الليل قال أبو عمر هذا عندي من كلام بن شهاب أو أبي سلمة والله أعلم وفي هذا الحديث دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سماوات وعلمه في كل مكان كما قالت الجماعة أهل السنة أهل الفقه والأثر وحجتهم ظواهر القرآن في قوله الرحمن على العرش استوى طه كما قال لتستوا على ظهوره الزخرف وقوله واستوت على الجودى هود

و استويت أنت ومن معك على الفلك المؤمنون قال الله عز وجل ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي السجدة وقال ثم استوى إلى السماء وهي دخان فصلت فأوردتهم ماء بفيفاء قفره وقد حلق النجم اليماني فاستوى وقال عز وجل ءأمنتم من في السماء الملك على السماء كما قال في جذوع النخل طه أي عليها وقال يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه السجدة وقال ذى المعارج والعروج الصعود وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة وقد أوضحنا فساد ما ادعوه من المجاز فيها في التمهيد وذكرنا الحجة عليهم بما حضرنا من الأثر من وجوه النظر هناك بباب فيه كتاب مفرد والحمد لله ومحال أن يكون من قال عن الله ما هو في كتابه منصوص مشبها إذا لم يكيف شيئا وأقر أنه ليس كمثله شيء ومن الحجة فيما ذهبت إليه الجماعة أن الموحدين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو دهمهم غمر أو نزلت بهم شدة رفعوا أيديهم إلى السماء يستغيثون ربهم ليكشف ما نزل بهم ولا يشيرون بشيء من ذلك إلى الأرض ولولا أن موسى عليه السلام قال لهم إلهي في السماء ما قال فرعون يهمن بن لى صرحا لعلى أبلغ الأسبب أسبب السموت فأطلع إلى إله موسى غافر وهذا أمية بن أبي الصلت وهو ممن قرأ الكتب التوراة والإنجيل والزبور وكان من وجوه العرب يقول في شعره فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ومن هو فوق العرش فرد موحد ملك على عرش السماء مهيمن لعزته تعنو الوجوه وتسجد وفيه يقول في وصف الملائكة وساجدهم لا يرفع الدهر رأسه يعظم ربا فوقه ويمجده وسئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قول الله عز وجل الرحمن على العرش استوى طه قال استواؤهم حق معلوم وكيفيته مجهولة

وقد روي عن عبد الله بن نافع عن مالك نحو ذلك قال سئل مالك عن قول الله عز وجل الرحمن على العرش استوى كيف استوى فقال استواؤه معلوم وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة وأراك رجل سوء وروى حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن بن مسعود قال الله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وسئل سفيان الثوري عن قوله عز وجل وهو معكم أين ما كنتم الحديد قال علمه وقال بن المبارك الرب تبارك وتعالى على السماء السابعة على العرش وقد ذكرنا الأسانيد عن هؤلاء وغيرهم بهذا المعنى في التمهيد وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ينزل ربنا الذي عليه أهل العلم من أهل السنة والحق والإيمان بمثل هذا وشبهه من القرآن والسنن دون كيفية فيقولون ينزل ولا يقولون كيف النزول ولا يقولون كيف الاستواء ولا كيف المجيء في قوله عز وجل وجاء ربك والملك صفا صفا الفجر ولا كيف التجلي في قوله فلما تجلى ربه للجبل الأعراف حدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا عمر بن أيوب السفطي قال حدثنا أبو معمر القطيعي قال قال عباد بن العوام قدم علينا شريك واسط فقلنا له إن عندنا قوما ينكرون هذه الأحاديث أن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة فقال إنما جاءنا بهذه الأحاديث من جاءنا بالسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة والزكاة والصيام والحج وإنما عرفنا الله عز وجل بهذه الأحاديث وحدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا الحسن بن علي الجصاص وأبو سعيد قالا حدثنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي ليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اتباعها ولا نعترض عليه بكيف ولا يسع عالما فيما ثبت من السنة إلا التسليم لأن الله قد فرض اتباعها وقد قال قوم إنه ينزل أمره وتنزل رحمته ونعمته وهذا ليس بشيء لأن أمره بما شاء من رحمته ونقمته ينزل بالليل والنهار بلا توقيت ثلث الليل ولا غيره ولو صح ما روي في ذلك عن مالك كان معناه أن الأغلب من استجابة دعاء من دعاه من عباده في رحمته وعفوه يكون ذلك الوقت

وقد روي من حديث أبي ذر أنه قال يا رسول الله أي الليل أسمع قال جوف الليل الغابر وقد قالت فرقة منتسبة إلى السنة إنه ينزل بذاته وهذا قول مهجور لأنه تعالى ذكره ليس بمحل للحركات ولا فيه شيء من علامات المخلوقات قال أبو عمر لم يزل الصالحون يرغبون في الدعاء والاستغفار بالأسحار لهذا الحديث وما كان مثله ولقوله تعالى والمستغفرين بالأسحار آل عمران روى محارب بن دثار عن عمه قال كنت آتي المسجد في السحر فأمر بدار عبد الله بن مسعود فأسمعه يقول اللهم أمرتني فأطعت ودعوتني فأجبت وهذا السحر فاغفر لي فلقيت بن مسعود فقلت له كلمات سمعتك تقولهن في السحر فقال إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر حين قال لهم سوف أستغفر لكم ربى يوسف وروى حماد بن سلمة عن الجريري أن داود عليه السلام سأل جبريل عليه السلام أي الليل أسمع فقال لا أدري غير أن العرش يهتز بي في السحر وأما حديثه عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن عائشة أم المؤمنين قالت كنت نائمة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففقدته من الليل فلمسته بيدي فوضعت يدي على قدميه وهو ساجد يقول أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك فقد ذكرنا في التمهيد من أسند هذا الحديث ووصله وهو حديث متصل صحيح رواه أبو هريرة عن عائشة ورواه عروة عن عائشة وقد ذكرنا ذلك كله في التمهيد إلا أن الرواة يقولون فوقعت يدي على قدميه وفي هذا الحديث من الفقه عند أصحابنا دليل على أن اللمس باليد لا ينقض الطهارة إذا لم يكن لغير شهوة

وهذه مسألة قد اختلف العلماء فيها وقد ذكرناها في باب الملامسة من الطهارة في هذا الكتاب وتحصيل مذهب مالك عند أصحابه أن اللامس والملموس سواء في وجوب الوضوء على من التذ منهما وللشافعي في الملموس قولان آخرهما أن عليه الوضوء والآخر أن لا وضوء عليه لحديث عائشة هذا قولها فوقعت يدي على قدميه ولم تقل إنه توضأ ولا قطع الصلاة وهو قول داود ولم يختلف قول الشافعي أن الملامس تنتقض طهارته إذا لمس امرأة التذ أو لم يلتذ وأهل القرآن على أن الملامسة الجماع لا ما دونه وقد ذكرنا اختلاف السلف والخلف في موضعها من هذا الكتاب والحمد لله وأما قوله في هذا الحديث وأعوذ بك منك فهو في معنى قوله أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأما قوله لا أحصي ثناء عليك فإن مالكا قال لي ذلك يقول لم أحصر نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثنا ففي قوله أنت كما أثنيت على نفسك دليل على أنه لا يبلغ في وصفه إلى وصف نفسه ومن وصفه بغير ما وصف به نفسه فقد قال بغير علم فإنه ليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء وهو خالق كل شيء وهو بكل شيء عليم وأما حديثه عن زياد بن أبي زياد عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له فقد ذكرناه مسندا ومرسلا في التمهيد وذكرنا أيضا ما كان في معناه والحمد لله وفيه تفضيل الدعاء بعضه على بعض وتفضيل الأيام بعضها على بعض ولا يعرف شيء من ذلك إلا بتوقيف فقد ثبت في يوم الجمعة ويوم عاشوراء ويوم عرفة ما هو مذكور في كتابنا هذا في مواضعه ومعروف أيضا في غيره وجاء الاستدلال بهذا الحديث على أن دعاء عرفة مجاب كله في الأغلب إن شاء الله إلا للمعتدين في الدعاء بما لا يرضى الله

وقد اختلف العلماء في الذكر فقال منها قائلون أفضل الكلام لا إله إلا الله واحتجوا بهذا الحديث وما كان مثله فإنها كلمة التقوى وقال آخرون أفضل الذكر الحمد لله رب العالمين ففيه معنى الشكر والثناء وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وأن الله افتتح به كلامه وختم به وأنه آخر دعوى أهل الجنة ودون كل فرقة مما قالت من ذلك أحاديث كثيرة قد أوردنا أكثرها في التمهيد وهي كلها آثار مسندات حسان وهي مسألة توقيف لا يدخل فيها الرأي فلابد فيها من الآثار والذكر كله عند العلماء دعاء حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا علي بن سعيد الرازي قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان بن عيينة قال قال لي عبد العزيز بن عمر كنت أتمنى أن ألقى الزهري فرأيته في النوم بعد موته فقلت يا أبا بكر هل من دعوة قال نعم لا إله إلا الله وحده لا شريك له توكلت على الحي الذي لا يموت اللهم إني أسألك أن تعيذني وذريتي من الشيطان الرجيم وروى حسين بن حسن المروزي عن سفيان بن عيينة أنه سأله ما أكثر ما كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر قال سفيان وهذا ذكر وليس بدعاء ثم قال سفيان أما علمت قول الله عز وجل حيث قال إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين قال قلت نعم أنت حدثتني بذلك يا أبا محمد عن منصور عن مالك بن الحارث وحدثني به عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري عن منصور عن مالك بن الحارث قال فهذا تفسيره ثم قال ما علمت قول أمية بن أبي الصلت حين أتى بن جدعان أأطلب حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضك الثناء قال سفيان هذا مخلوق حين ينسب إلى الاكتفاء بالثناء عليه عن مسألة فكيف بالخالق عز وجل وذكر أبو الحسن الدارقطني في المؤتلف والمختلف له قال حدثنا القاضي

المحاملي قال حدثنا يوسف بن موسى القطان قال حدثنا عثمان بن عمر التيمي تيم الرباب قال حدثنا صفوان بن أبي الصهباء عن بكر بن عتيق عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين قال أبو الحسن وقد روى الثوري عن بكر بن عتيق هذا أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا سفيان عن داود بن أبي هند عن محمد بن سيرين قال كانوا يرجون في ذلك الموطن يعني بعرفة حتى للحمل في بطن أمه وأما حديثه في هذا الباب عن أبي الزبير المكي عن طاوس اليماني عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ففيه الإقرار بعذاب جهنم أعاذنا الله منها والإقرار بعذاب القبر وفتنته وتعليم الدعاء بالاستعاذة من ذلك كله ومن فتن الدنيا والآخرة فتنة المحيا والممات وقد مضى القول في عذاب القبر وما عليه أهل العلم والسنة في ذلك وفيه الإقرار بخروج المسيح الدجال والأحاديث في ذلك كثيرة جدا وسيأتي ذكر كثير منها في كتاب الجامع وهناك يذكر اشتقاق اسم المسيح الدجال والمسيح بن مريم صلى الله عليه وسلم والمعنى في ذلك كله إن شاء الله تعالى ولما كانت الساعة آتية لا محالة وكان وقتها مغيبا عنا والخبر الصادق أنها تأتينا بغتة وكان من أشراطها خروج الدجال أمرنا بالتعوذ من فتنته وهي فتنة عظيمة لمن أدركته وخذله الله ولم يعصمه وأما فتن المحيا فكثيرة جدا في الأهل والمال والدين أجارنا الله من مضلات الفتن

وفتنة الممات تكون عند معاينة الموت وتكون في القبر ثبتنا الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة فكم ممن يفتن عن دينه في حين الموت ختم الله لنا بالإيمان وفي أفضل ما يزكو معه من الأعمال وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد ذكرناه بإسناده في التمهيد أنه قال الناس خلقوا طبقات فمنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت كافرا فواجب على كل مؤمن ذي لب أن يتعوذ بالله من فتنة المحيا والممات فهذا إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم يقول واجنبني وبنى أن نعبد الأصنام إبراهيم ويوسف صلى الله عليه وسلم يقول فاطر السماوات والأرض أنت ولى في الدنيا والاخرة توفنى مسلما وألحقني بالصلحين يوسف وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا أردت بالناس فتنة فاقبضنى إليك غير مفتون فما يامن الفتنة بعد الأنبياء إلا من خذله الله وأما حديث مالك بالإسناد المتقدم عن أبي الزبير المكي عن طاوس اليماني عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ولك الحمد أنت قيام السماوات والأرض ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن أنت الحق وقولك الحق ووعدك ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك

خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت فليس فيه معنى يشكل وفيه تعظيم الله والثناء عليه وتحميده وتمجيده والإيمان به والخضوع له والاعتراف بربوبيته والتوكل عليه والإنابة إليه والإقرار بالجنة والنار وقيام الساعة والدعاء بما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يمتثل ويرغب فيه ففيه الأسوة الحسنة والهدى المستقيم وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تاخر فما ظنك بمن سواه في الحاجة إلى الدعاء بالمغفرة وإنما بعث معلما صلى الله عليه وسلم وأما حديثه في هذا الباب أيضا عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك أنه قال جاءنا عبد الله بن عمر في بني معاوية وهي قرية من قرى الأنصار فقال هل تدرون أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجدكم هذا فقلت له نعم وأشرت له إلى ناحية منه فقال هل تدري ما الثلاث التي دعا بهن فيه فقلت نعم قال فأخبرني بهم فقلت دعا بأن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم ولا يهلكهم بالسنين فأعطيهما ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها قال صدقت قال بن عمر فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك أنه قال جاءنا عبد الله بن عمر ليس بين شيخ مالك وبين عبد الله بن عمر في إسناده أحد وتابعه على ذلك بن وهب وبن بكير ومعن بن عيسى وكذلك رواه إسماعيل ومعن بن إسحاق عن القعنبي عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك أنه قال جاءنا عبد الله بن عمر إلا أنه قال

فيه هل تدري أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل تدرون وكذلك قال غيرهم تدرون وفي رواية أحمد بن خالد عن علي بن عبد العزيز عن القعنبي في هذا الحديث قال قرأت على مالك عن عبد الله بن جابر بن عتيك عن جابر بن عتيك وهكذا رواه سحنون عن بن القاسم عن مالك وظن بن وضاح أن رواية يحيى عنه غلط فرد روايته عن يحيى عن مالك إلى ما رواه عن سحنون وعن بن القاسم عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن جابر بن عتيك فغلط وأتى بذلك بما لا يرضاه العلماء من حمل رواية على أخرى وأما حديث مالك في كتاب الجنائز في باب البكاء على الميت فما أعلم أنهم اختلفوا فيه على مالك بل كلهم رواه عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحارث بن عتيك حديث الشهداء سبعة سوى القتيل في سبيل الله هكذا هو عند يحيى وجماعة من رواة الموطأ في كتاب الجنائز وليس عند القعنبي في كتاب الجنائز وهو عنده في كتاب الجهاد وفي حديث مالك في هذا الباب من وجوه العلم طرح العالم المسألة على من دونه ليعلم ما في ذلك عنده ثم يصدقه إذا أصاب وفيه تفسير لقول النبي صلى الله عليه وسلم لكل نبي دعوة أن معناه ما تقدم في هذا الكتاب ذكره ألا ترى أنه قد أجيبت دعوته ألا تهلك أمته بالسنين يعني جميعهم وألا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يعني يستأصل جمعهم ولم يجب دعوته في أن لا يلقي بأسهم بينهم وفيه ما كان عليه بن عمر من الرغبة والتبرك باتباع حركات رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتداء به وتأسيا بحركاته ومواضع صلاته طمعا في أن تجاب دعوته في ذلك الموضع وفيه دليل على أن الفتن لا تزال ولا تنقطع ولا تعدم في هذه الأمة حتى تقوم الساعة وقول بن عمر صدقت فلن يزال الهرج فالهرج القتل

قال بن الرقيان ليت شعري أأول الهرج هذا أم زمان يكون من غير هرج وقد ذكرنا في التمهيد ما حضرنا ذكره من الآثار في معنى حديث مالك هذا وما للعلماء في تأويل قول الله عز وجل قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض الأنعام وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قول الله عز وجل أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض الأنعام هذه أهون ثم قال فلن يزال الهرج إلى يوم القيامة وذكرت أيضا في التمهيد حديث جابر قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح ثلاثة ايام يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرف البشر في وجهه قال جابر فما نزل بي أمر يهمني إلا توخيت تلك الساعة فأعرف الإجابة وأما قول زيد بن أسلم ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث إما أن يستجاب له وإما أن يدخر له وإما أن يكفر عنه فقد ذكرناه مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم في التمهيد ومن الإسناد فيه ما حدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا جعفر بن سليمان قال حدثنا علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن دعوة المسلم لا ترد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم إما أن تعجل له في الدنيا وإما أن تدخل له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء بقدر ما دعاه ورواه بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن علي بن علي مثل إسناده مثله قال أبو عمر هذا الحديث مخرج في التفسير المسند في قول الله عز وجل ادعوني أستجب لكم غافر فهذا كله استجابة وقد قالوا إن الله عز وجل لا تنقضي حكمته فكذلك لا تقع الإجابة في

كل دعوة قال الله تعالى ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموت والأرض ومن فيهن المؤمنون وفي الحديث المأثور إن الله عز وجل ليبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه باب العمل في الدعاء ذكر فيه مالك عن عبد الله بن دينار قال رآني عبد الله بن عمر وأنا أدعو وأشير بأصبعين أصبع من كل يد فنهاني قال أبو عمر هذا مأخوذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ مر بسعد وهو يدعو في صلاته ويشير بأصبعيه جميعا فنهاه عن ذلك وقال أحد أحد حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال حدثنا أحمد بن شعيب بن محمد النسوي قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن سعد قال مر علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي فقال أحد أحد وأشار بالسبابة ورواه بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي هريرة أن رجلا كان يدعو بأصبعيه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحد والسنة أن يشير الداعي إذا أشار بأصبعه السبابة وحدها وكذلك قول سعيد بن المسيب في هذا الباب إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده مرفوع أيضا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قرأت على أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي

هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله ليرفع العبد الدرجة فيقول يا رب أنى لي هذه الدرجة فيقول باستغفار ابنك لك وأما حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في هذه الآية ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا الإسراء أنها نزلت في الدعاء فقد قال بقول عروة جماعة وقد روته جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة منهم بن المبارك وعيسى بن يونس وفي هذه المسألة أقوال نذكرها إن شاء الله فمن ذلك ما في سماع زيد بن عبد الرحمن بن مالك أنه سمعه يقول وقد سئل عن الله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها الإسراء فقال أحسن ما سمعت في ذلك أنه عنى به أن لا يجهر بقراءته في صلاة النهار لأنها عجماء ولا يخافت بقراءته في صلاة الليل والصبح من النهار إلا أنه يجهر بها وفي هذا أيضا نص عن مالك أن الصبح من النهار وهو الحق الذي لا ريب فيه والحمد لله وأما الذين قالوا بقول عروة في هذه الآية أنها نزلت في الدعاء والمسألة فمنهم إبراهيم النخعي ومجاهد وقال الحسن في قوله ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال لا تصلها رياء ولا تتركها حياء وفي رواية أخرى عنه لا تحسن علانيتها ولا تسئ سريرتها وقال آخرون كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءته فينتفع به المسلمون ويسمعونه ويأخذونه وكان الكفار يؤذونه مخافة لأن لا يسمع أحد قراءته فنزلت ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها الإسراء وممن قال ذلك قتادة وروى الأعمش عن سعيد بن جبير عن بن عباس نحو ذلك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالقرآن وكان المشركون إذا سمعوا صوتا شتموا القرآن ومن جاء به فخفض النبي صلى الله عليه وسلم صوته بذلك فأنزل الله ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها الإسراء فسمى القراءة ها هنا صلاة لأنها بها تقوم الصلاة

وقد روى شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في قوله ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال نزلت في بسم الله الرحمن الرحيم كان المشركون إذا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بها هزؤوا منه وكان مسيلمة يسمى الرحمن قالوا يذكر إله اليمامة فنزلت ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها الإسراء وقال بن سيرين كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخافت بالقراءة في صلاة الليل وكان عمر رضي الله عنه يجهر ويرفع صوته فنزلت هذه الآية وقال الحسن في قوله وابتغ بين ذلك سبيلا الإسراء قال تكون سريرتك موافقة لعلانيتك وأما قول مالك لا بأس بالدعاء في الصلاة المكتوبة فهو أمر مجمع عليه إذا لم يكن الدعاء يشبه كلام الناس وأهل الحجاز يجيزون الدعاء فيها بكل ما ليس بمأثم من أمور الدين والدنيا وللكلام على المخالفين في ذلك موضع غير هذا وأما حديثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أدرت أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون فليس في فعل الخيرات ما يحتاج إلى تفسير أكثر من أنها الأعمال التي يرضاها الله ويحمد فاعلها عليها ويعظم أجره وكذلك المجازات أيضا على ترك المنكرات إذا قصد بتركها رضا الله عنه وقد روي من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة والمسكين ها هنا المتواضع كله الذي لا جبروت فيه ولا كبر الهين اللين السهل القريب وليس بالسائل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كره السؤال ونهى عنه وحرمه على من يجد ما يغديه ويعشيه وقد أوضحنا ذلك في التمهيد وإنما المعنى في المسكين ها هنا المتواضع الذي لا جبروت فيه ولا نحوه ولا كبر ولا بطر ولا تجبر ولا أشر

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة سوداء أبت أن تزول له عن الطريق دعوها فإنها جبارة ولقد أحسن أبو العتاهية حيث قال إذا أردت شريف الناس كلهم فانظر إلى ملك في زي مسكين ذاك الذي عظمت في الله رغبته وذاك يصلح للدنيا وللدين وقال صلى الله عليه وسلم يحشر الجبارون المتكبرون يوم القيامة في صور الذر يطأهم الناس بأقدامهم وقد تقدم سائر معنى هذا الحديث وأما حديثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من داع يدعو إلى هدى إلا كان له مثل أجر من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وما من داع يدعو إلى ضلالة إلا كان عليه مثل أوزارهم لا ينقض ذلك من أوزارهم شيئا فقد ذكرناه بمعناه متصلا مسندا من طرق عن النبي صلى الله عليه وسلم في التمهيد وهو يقتضي أن الإنسان يؤجر فيما كان منه من سنة صالحة ويؤزر في ضد ذلك وقال عكرمة وعطاء وغيرهما لقوله عز وجل علمت نفس ما قدمت وأخرت الانفطار قالوا ما قدمت من خير يعمل به بعدها وما أخرت من شر يعمل به بعدها وهذا الحديث من أفضل ما روي في تعليم الخير ونشر العلم من أفضل أعمال البر وتعليم الشر في الوزر مثل ذلك وقد تأول قتادة من هذا الحديث قول الله عز وجل وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم العنكبوت وتأول عطاء بن أبي رباح في مثل ذلك قول الله عز وجل إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب البقرة قال تبرأ رؤساؤهم وقادتهم وسادتهم من الذي اتبعوهم

وأما قول بن عمر اللهم اجعلني من أئمة المتقين فهو عندي مأخوذ من قول الله عز وجل واجعلنا للمتقين إماما الفرقان وفي هذا الأسوة الحسنة أن تكون همة المؤمن تدعوه إلى أن يكون إماما في الخير وإذا كان إماما في الخير كان له أجره وأجر من عمل بما علمه وائتم به فيما علمه وأجزاه عنه حدثنا أبو القاسم خلف بن قاسم قال حدثنا أبو يوسف يعقوب بن مسدد بن يعقوب قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم عن عبد الله بن مسعود في قوله علمت نفس ما قدمت وأخرت الانفطار قال ما أخرت من سنة صالحة يعمل بها من بعده فله مثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء وما أخرت من سنة سيئة يعمل بها من بعده فإن عليه مثل وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وأما دعاء بن عمر أن يجعله الله من أئمة المتقين فإن معلم الخير يستغفر له حتى الحوت في البحر وقد أوضحنا هذا المعنى في كتاب بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله والحمد لله وليس في قول أبي الدرداء حين قيامه في جوف الليل الليل نامت العيون وغارت النجوم وأنت الحي القيوم أكثر من اعتباره في خلق الله عز وجل وتعظيم الله بما هو أهله وأنه الذي لا تدركه سنة ولا نوم ولا تغير ولا تحول كما تصنع النجوم التي تسير مسيرها وتعود عودها فتكون مرة بادية ظاهرة ومرة غائبة غائرة مسخرة لما خلقت له وخالقها الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم الدائم والقائم على كل نفس بما كسبت لا إله إلا هو رب السماوات السبع ورب العرش العظيم وهو حسبي ونعم الوكيل

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الجنائز باب غسل الميت مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل في قميص قد ذكرنا في التمهيد من روى هذا الحديث مسندا من رواية مالك وغيره ولم يسنده في الموطأ عن مالك إلا سعيد بن عفير رواه عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عائشة ورواه الوحاظي وإسحاق بن عيسى في غير الموطأ عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وهو عن عائشة أصح ورواه محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة وذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قميص وكفن في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وثوب حبرة وصلي عليه بغير إمام وروى عبد الرزاق أيضا عن بن جريج قال سمعت محمد بن علي بن حسين أبا جعفر يقول بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب قيل ما هن قال قد اختلفوا فيهن منهن قميص قلت وعمامة قال لا ثوبين سوى القميص قال عبد الرزاق وهو القميص الذي غسل فيه قال أبو عمر روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في برد حبرة وربطتين وروي أنه

كفن في برد أحمر وقيل برد أسود وغير ذلك مما جاء في أحاديث ليس منها شيء يحتج به من وجه انقطاعها وضعف أسانيد أكثرها وأصح شيء فيما كفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث عروة عن عائشة قالت كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة وسنوضح ذلك في باب الكفن إن شاء الله قال أبو عمر السنة المجتمع عليها تحريم النظر إلى عورة الحي والميت وحرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا ولا يجوز لأحد أن يغسل ميتا إلا وعليه ما يستره فإن غسل في قميص فحسن وستره كله حسن وأقل ما يلزم من الستر له ستر عورته ومن السنة المجتمع عليها أن لا يفضي الغاسل إلى فرج الميت إلا وعليه خرقة وسيأتي وصف غسل الميت في حديث أم عطية بعد هذا إن شاء الله وقد زعم بعض أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزع عنه ذلك القميص الذي غسل فيه وأنه كفن فيه مع الثلاثة الأثواب واحتج بالحديث المأثور في ذلك أنهم نودوا ألا ينزعوا القميص وهذا يعارضه ما هو أثبت منه من جهة النقل وهو حديث عائشة قالت كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة وهذا ينفي أن يكون في أثوابه قميص وتوجيه الحديثين عندي أي لا تنزعوا القميص حتى تغسلوه فيه وكذلك جاء الحديث أنه غسل في قميصه صلى الله عليه وسلم فاقتصر في هذا الحديث على ذكر الغسل خاصة مع حديث عائشة ليس فيها قميص يعني في أكفانه وقد سأل أبو أحمد الموفق إسماعيل بن إسحاق القاضي ما الذي صح عندكم في كفن النبي صلى الله عليه وسلم فإن عبد العزيز الهاشمي يقول إنه كفن في خمسة أثواب منها قميص وعمامة فقال إسماعيل الذي صح عندنا انه كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة

وقد روى يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن بن عباس قال كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب قميصه الذي مات فيه وحلة بحرانية وهذا الحديث انفرد به يزيد بن أبي زياد وليس ممن يحتج به إذا عارضه من هو أثبت منه لضعفه وحديث عائشة ثابت من جهة الإسناد ومعلوم أن الثوب الذي يغسل فيه الميت ليس من أكفانه وثياب الكفن غير مبلولة وبالله التوفيق مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية الأنصارية أنها قالت دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني قالت فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوة فقال أشعرنها إياه قال مالك تعني بحقوة إزاره قال أبو عمر لم يذكر مالك في حديثه هذا من كانت المتوفاة التي غسلتها أم عطية في هذا الحديث من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بن عيينة وغيره عن أيوب في هذا الحديث أنها زينب ابنته وذكر أيضا هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية وذلك مذكور في التمهيد وكل الرواة لهذا الحديث عن مالك قالوا فيه بعد قوله أو أكثر من ذلك إن

رأيتن ذلك وسقط ليحيى بن يحيى إن رأيتن ذلك وهو مما عد من سقطه وفي هذه اللفظة من الفقه رد عدد الغسلات إلى اجتهاد الغاسل على حسب ما يرى بعد الثلاث من بلوغ الوتر فيها والله أعلم وأما ابنته عليه الصلاة والسلام التي شهدت أم عطية الأنصارية غسلها فهي زينب عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية الأنصارية قالت توفيت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسليها ثلاثا أو خمسا وذكر الحديث وقال بعض أهل السير هي أم كلثوم والله أعلم قال أبو عمر وكل بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم توفين في حياته إلا فاطمة فإنها توفيت بعده بستة أشهر وقيل بثمانية أشهر ولم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة ابنته رقية لأنه كان ببدر وقد ذكرنا أخبارهن في النساء من كتاب الصحابة ولست أعلم في غسل الميت حديثا جعله العلماء أصلا في ذلك إلا حديث أم عطية الأنصارية هذا فعليه عدلوا في غسل الموتى وقد روى أيوب وغيره عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية في هذا الحديث فقالوا فيه ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر ومن ذلك إن رأيتن ذلك ولا يحفظ ذكر السبع في حديث أم عطية إلا من حديث حفصة بنت سيرين عنها وكان أيوب السختياني قد روى هذا الحديث عن أم عطية وعن حفصة بنت سيرين عن أم عطية فكان يروي عن كل واحد منهما حديثه على وجهه وكان حافظا وكان ممن يرويه أيضا عن حفصة عن أم عطية في هذا الحديث قولها ومشطنا رأسها ثلاثة قرون ليس ذلك في حديث محمد بن سيرين عن أم عطية إلا أنه كان يروي هذه الألفاظ خاصة عن أخته حفصة عن أم عطية ويروي عن أم عطية سائر الحديث كما رواه مالك وغيره عن أيوب عن محمد عن أم عطية وقد ذكرنا الآثار بذلك كله عن بن سيرين عن أخته حفصة بنت سيرين في التمهيد وقد روى قتادة عن أنس أنه كان يأخذ غسل الميت عن أم عطية قالت غسلنا ابنة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نغسلها بالسدر ثلاثا فإن أنجت وإلا فخمسا وإلا فأكثر من ذلك قالت فرأينا أكثر من ذلك سبع

واختلف العلماء في البلوغ بغسل الميت إلى سبع غسلات فقال منهم قائلون أقصى ما يغسل الميت ثلاث غسلات فإن خرج منه شيء بعد الغسلة الثالثة غسل ذلك الموضع وحده ولم يعد غسله وممن قال بهذا أبو حنيفة وأصحابه والثوري وإليه ذهب المزني وأكثر أصحاب مالك ومنهم من قال يوضأ إذا خرج منه شيء بعد الغسلة الثالثة ولا يعاد غسله لأن حكمه حكم الجنب إذا اغتسل ثم أحدث بعد الغسل قالوا ويغسل مخرجه من ذلك الحدث بالماء ثم يوضأ وتجزئ الأحجار في ذلك وقال بن القاسم إن وضئ من الحدث فحسن وإنما هو الغسل قال أبو عمر لأنها عبادة عن الحي فقد أداها وليس على الميت عبادة فتحصيل مذهب مالك أنه إذا جاء منه حدث بعد كمال غسله أعيد وضوؤه للصلاة ولم يعد غسله وقال الشافعي إذا خرج منه شيء بعد الغسلة الثالثة أعيد غسله وقال أحمد بن حنبل يعاد غسله إذا خرج منه شيء إلى سبع غسلات ولا يزاد على سبع فإن خرج منه شيء بعد السابعة غسل الموضع وحده فإن خرج منه شيء بعد ما كفن دفع ولم يلتفت إلى ذلك وهو قول إسحاق وكل قول من هذه الأقاويل قد روي عن جماعة من التابعين على ما ذكرنا عنهم بالأسانيد في كتاب التمهيد ووضعنا هناك في غسل الميت وجوها ذكرناها عن العلماء ومن أراد الوقوف على ذلك تأمله هناك والقول عندي في غسل الميت أنه تطهير عبادة لا إزالة نجاسة وإنما غسله كالجنب وكان إبراهيم النخعي لا يرى الكافور في الغسلة الثالثة ولا يغسل الميت عنده أكثر من ثلاث ليس في شيء منها كافور وإنما الكافور عنده في الحنوط إلا في شيء من الماء وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأصحابه ولا معنى لقولهم لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للنساء اللاتي غسلن ابنته واجعلن في الآخرة كافورا وعلى هذا أكثر العلماء أن يغسل الميت الغسلة الأولى بالماء القراح والثانية بالماء والسدر والثالثة بماء فيه كافور ومنهم من يجعل

الأولى بالماء والسدر والثانية بالماء القراح والثالثة بالماء والكافور ومنهم من يذهب إلى أن الغسلات الثلاث كلها بالسدر ورووا في ذلك حديثا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل ثلاث غسلات كلهن بالماء والسدر وقد روى قتادة عن محمد بن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية فيغسل بالماء والسدر مرتين والثالثة بالماء والسدر والكافور وذكره أبو داود عن هدبة بن خالد عن همام عن قتادة عن بن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية وقال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل أتذهب إلى السدر في الغسلات كلها قال نعم السدر فيها كلها على حديث أم عطية اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر قال في حديث بن عباس بماء وسدر ثم قال ليس في حديث غسل الميت أرفع من حديث أم عطية ولا أحسن منه فيه ثلاثا أو خمسا أو سبعا وابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ثم قال ما أحسنه قال أبو عمر يقال إن أعلم التابعين بغسل الميت بن سيرين ثم أيوب بعده وكلاهما كان غاسلا للموتى يتولى ذلك بنفسه ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن بن سيرين في غسل الميت قال توضع خرقة على فرجه وأخرى على وجهه فإذا أراد أن يوضئه كشف الخرقة عن وجهه فيوضئه بالماء وضوءه للصلاة ثم يغسله بالماء والسدر مرتين من رأسه إلى قدميه يبدأ بميامنه ولا يكشف الخرقة عن فرجه ولكن يلف على يده خرقة إذا أراد أن يغسل فرجه ويغسل ما تحت الخرقة التي على فرجه بالماء إذا غسله مرتين بالماء والسدر غسله المرة الثانية بماء فيه كافور قال والمرأة والرجل في ذلك سواء فإذا فرغ الغاسل اغتسل إن شاء أو توضأ وعبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال يغسل الميت ثلاثا أو خمسا أو سبعا بماء وسدر والواحدة السابغة تجزئ وقال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل يغطى وجه الميت قال لا إنما يغطى من سرته إلى ركبتيه قال أبو عمر أجمع العلماء على أن النظر إلى فرج الحي والميت يحرم ولا

يجوز وكذلك مباشرته باليد من غير من أحل الله مباشرته من الزوجين وملك اليمين للرجل إلا ما كان من الأطفال الذين لا إرب فيهم ولا شهوة تتعلق بهم وقد روي معنى الإجماع الذي ذكرنا من أخبار الآحاد العدول منها حديث علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لا تنظر إلى فرج حي ولا ميت وأما تغطية وجه الميت قبل الغسل وفي حين الغسل بخرقة فلأن الميت ربما تغير وجهه بالسواد ونحوه وذلك لداء أو لغلبة دم فينظر الجهال إليه فينكرونه ويتأولون فيه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من غسل ميتا ثم لم يفش عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأما قوله في حديث أم عطية في هذا الباب فأعطانا حقوه وقال أشعرنها إياه فالحقو الإزار وقيل المئزر قال منقذ بن خالد الهذلي شعر مكبلة قد خرق الردف حقوها وأخرى عليها حقوها لم يخرق والحقو في لغة هذيل مكسور الحاء وغيرهم يقولون حقو بالفتح وجمعه حقي وأحقاء وأحق وأما قوله أشعرنها إياه فإنه أراد اجعلنه يلي جسدها في أكفانها ومنه الحديث عن عائشة وغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا ولا في لحفنا ومنه قوله عليه السلام الأنصار شعار والناس دثار وقال بن وهب في قوله أشعرنها إياه يجعل الإزار شبه المئزر ويفضي به إلى جلدها

وقال بن جريج قلت لعطاء ما معنى أشعرنها إياه أتؤزر قال لا أراه إلا قال الففنها فيه وكذلك كان بن سيرين يأمر بالمرأة أن تشعر لفافة ولا تؤزر وقال إبراهيم النخعي الحقو فوق الدرع وقد خالفه الحسن وبن سيرين والناس فجعلوا الحقو يلي أسفلها مباشرا لها وقال بن علية الحقو هو النطاق الذي تنطق به الميتة وهو سبنية طويلة يجمع بها فخذاها تحصينا أن يخرج منها شيء بعد أن يحشى أسفلها بكرسف ثم يلف النطاق على عجزها إلى قرب من ركبتيها قال وهو أحد الخمسة الأثواب التي تكفن فيها المرأة وقال عيسى بن دينار يلف ذلك على عجزها وفخذيها حتى يستوي ذلك منها بسائر جسدها ثم تدرج في اللفافتين كما يدرج الرجل قال ولو لم يكن إلا ثوب واحد كان الخمار أولى من المئزر لأنها تصلي في الدرع والخمار ولا تصلي في الدرع والمئزر وقد استدل قوم من هذا الحديث بأن غسل النساء للمرأة أولى من غسل زوجها لها وقال الحسن البصري إذا لم يجد امرأة مسلمة ولا يهودية ولا نصرانية غسلها زوجها وابنها وخالفهم آخرون فقالوا غسل الزوج أولى من غسل النساء لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى بأن تغسله زوجه أسماء وكذلك فاطمة أوصت بأن يغسلها بعلها علي فغسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر وغسل علي فاطمة ومعلوم أن الزوجين يحل لكل واحد منهما من النظر من صاحبه والمباشرة ما لا يجوز لغيرهما وأما حديث مالك في هذا الباب عن عبد الله بن أبي بكر أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من

المهاجرين فقالت إني صائمة وإن هذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل فقالوا لا قال أبو عمر هذا إجماع من العلماء مأخوذ عن إجماع السلف من الصحابة على ما في هذا الحديث من المهاجرين والأنصار من إجازات غسل المرأة زوجها من غير نكير عن أحد منهم وكذلك روينا عن أبي موسى الأشعري أنه غسلته امرأته ولم يختلف الفقهاء في جواز غسل المرأة لزوجها واختلفوا في جواز غسل الرجل امرأته فقال أكثرهم جائز أن يغسل الرجل امرأته كما جاز أن تغسله فمن قال بذلك منهم مالك والليث وبن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق وداود وهو قول حماد بن أبي سليمان واختلف فيه عن الأوزاعي روي عنه لا يغسلها وروي عنه يغسلها وحجتهم أن عليا غسل فاطمة رضي الله عنهما وقياسا على غسل المرأة زوجها لأنهما زوجان وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وروى ذلك عن الشعبي تغسله ولا يغسلها لأنه ليس في عدة منها وهذا لا حجة فيه لأنها في حكم فيه الزوجية ليس في عدة منها بدليل الموارثة لا في حكم المبتوتة واعتل الثوري وأبو حنيفة بأن لزوجها أن يتزوج أختها فلذلك لا يغسلها وهذا لا ينتقض عليهم بغسلها له وأجمعوا على أن المطلقة المبتوتة لا تغسل زوجها إن مات في عدتها واختلفوا في الرجعة قد روى بن نافع عن مالك أنه يغسلها وأنها تغسله إن كان الطلاق رجعيا وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقال بن القاسم لا تغسله وإن كان الطلاق رجعيا قال وهو قياس من قول مالك لأنه ليس له أن يراها عنده

وهو قول الشافعي وأما قوله في حديث أسماء بنت عميس أنها سألت من حضرها من المهاجرين والأنصار هل عليها من غسل حين غسلت زوجها فقالوا لا فإن هذا موضع اختلف فيه الفقهاء فقال منهم قائلون كل من غسل ميتا فعليه الغسل قالوا وإنما أسقط المهاجرون والأنصار الذين حضروا غسل أسماء لزوجها الغسل عنها لما ذكرت لهم لأن إنما هي صائمة وأنه يوم شديد البرد واحتج من رأى الغسل على من غسل الميت بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ واختلف قول مالك في ذلك فذكر العتبي عن بن القاسم قال قال مالك أرى على من غسل ميتا أن يغتسل قال بن القاسم ولم أره يأخذ بحديث أسماء بنت عميس ويقول لم أدرك الناس إلا على الغسل قال بن القاسم وهو أحب ما فيه إلي وذكر بن عبد الحكم عن مالك قال يغتسل من غسل الميت أحب إلينا وقال بن وضاح سمعت سحنون يقول يغتسل من غسل الميت إذا فرغ منه وهو العمل عندنا وروى أهل المدينة عن مالك أنه لا غسل على من غسل ميتا وإن اغتسل فحسن وقال الشافعي لا غسل على من غسل ميتا إلا أن يثبت حديث أبي هريرة أو غيره في ذلك وذكر المزني أن عبد الله بن وهب أخبره عن مالك أنه كان يرى الغسل على من غسل الميت وقال أبو حنيفة وأصحابه غسل على من غسل ميتا واختلف الصحابة في ذلك أيضا

روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يأمر بالغسل من غسل الميت وروي عن بن مسعود وسعيد بن المسيب وبن عمر وجماعة من الصحابة والتابعين أنه لا غسل على من غسل الميت وأما حديث أبي هريرة فروي من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ودون العلاء زهير بن محمد وليس بحجة ورواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ومن أصحاب سهيل من يرويه عن سهيل عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة ورواه بن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة كلهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ وأما حديث مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن عبد الله بن الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بالغسل من الحجامة والجنابة وغسل الميت ويوم عرفة فمما لا يحتج به ولا يقوم عليه وقد روى شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة قالت سألت عائشة أيغتسل من غسل الميت قالت لا فدل على بطلان حديث مصعب بن شيبة لأنه لو صح عنها ما خالفته ومن جهة النظر والاعتبار لا تجب طهارة على من لم يوجبها الله عليه في كتابه ولا أوجبها رسوله من وجه يشهد به عليه ولا اتفق العلماء على إيجابها والوضوء المجتمع عليه لا يجب أن يقضى إلا من هذه الوجوه أو أحدها وبالله التوفيق وأما قول مالك في هذا الباب أنه سمع أهل العلم يقولون إذا ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها ولا من ذوي المحرم أحد يلي ذلك منها ولا زوج يلي ذلك منها يممت فمسح بوجهها وكفيها من الصعيد قال مالك وإذا هلك الرجل وليس معه أحد إلا نساء يممنه أيضا فليس فيما حكاه بين العلماء خلاف إلا في هل يغسل المرأة إذا ماتت ذو المحرم منها أم لا فإن هذا موضع اختلفوا فيه فقال مالك في المدونة وفي العتبية من رواية سحنون وعيسى عن بن القاسم ومن سماع أشهب أنه أيضا جائز أن يغسل المرأة

ذو محرم منها من فوق الثوب إذا لم يكن نساء وكذلك الرجل تغسله ذات المحرم منه إذا لم يكن رجال وتستره وذكر محمد بن سحنون عن أشهب أنه لا يغسل ذو المحارم بعضهم بعضا ولكن ييممون وذكر بن عبد الحكم عن مالك معنى ما ذكره في موطئه إلا أنه كان لا يجاوز بالنساء إذا يممهن الرجال الكفين ويبلغ النساء بتيمم الرجال إلى المرفقين فإن كن ذوات محارم فلا بأس أن يغسلن الرجل ما لم يطلع على عورته ويغسل الرجل ذات المحرم منه في درعها ولا يطلع على عورتها وقول الأوزاعي في هذا الباب كله قول مالك وقول أبي حنيفة وأصحابه كقول أشهب إلا أن الأوزاعي قال إذا لم يكن مع الرجل ولا المرأة إلا أجنبي دفن كل واحد منهما بغير غسل ولا تيمم قال أبو حنيفة وأصحابه ييمم ذو المحرم المرأة بيده وييممها الأجنبي من وراء الثوب قالوا والرجل تيممه المرأة ذات المحرم منه بغير ثوب والأجنبية تيممه من وراء الثوب وهذا إذا لم تحضر المرأة نساء ولا الرجل رجال في السفر ونحوه قالوا والأمة تيمم كما ييمم الرجل وقال الثوري إذا لم يكن مع المرأة إلا الرجال ولا مع الرجل إلا النساء يممت المرأة الرجل والرجل المرأة ولم يفرق بين ذي المحرم وغيره ولكن من وراء الثوب وهو قول الشافعي وقال الليث إذا لم يكن مع الرجل إلا النساء ولا مع المرأة إلا الرجال فإن كل واحد منهما يلف في ثيابه ويصلى عليه ولا يغسل ولا ييمم وقال الليث أيضا إن توفي رجل مع رجال ولا ماء معهم دفن كما هو ولم ييمم قال أبو عمر القياس أن يكون الصعيد طهورا للميت عند عدم الماء كما كان طهورا للحي والوجه والكفان لا يجوز للمرأة ستر ذلك في الصلاة فجائز أن ييمم ذلك منها بعد الموت

باب ما جاء في كفن الميت مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة هذا أثبت ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفن الميت من جهة النقل وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في برد حبرة وروي أنه كفن في ربطتين وبرد نجراني ذكر عبد الرزاق عن معمر وبن جريج عن بن شهاب الزهري عن علي بن حسين قال كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب برد حبرة قال عبد الرزاق وهو المجتمع عليه وبه نأخذ قال وأخبرنا معمر عن قتادة عن بن المسيب قال كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ريطتين وبرد وليس في شيء من تلك الآثار ما يعارض به حديث عائشة لثبوته وضعف أسانيد ما سواه وقد ذكر لعائشة قولهم كفن في ثوبين وبرد حبرة فقالت قد أتى بالبرد ولكن ردوه ولم يكفنوه فيه ذكر ذلك حفص بن غياث وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وذكر حماد بن سلمة في هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وكان عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قد أعطاهم حلة حبرة فأدرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ثم استخرجوه منها فهذه كلها آثار ثابتة عن عائشة ترد حديث يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن

بن عباس قال كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب قميصه الذي مات فيه وحلة له نجرانية وحديث الثوري عن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن بن عباس قال كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وبرد أحمر وما ذكر أبو حاتم الرازي قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب يعني بن خالد قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان في وصيته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب في صحاريين وبرد فكفنوني في ثلاثة أثواب قال أبو عمر كان علي رضي الله عنه غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفنه ومعه الفضل بن عباس وأبوه عباس وهم أعلم بذلك والله أعلم وقد اتفقت عائشة معهم على أن لا قميص في كفنه وإن قولها في هذا الحديث بيض سحولية وقد روي عنها من وجوه في حديث هشام بن عروة وغيره أنها من كرسف وهو القطن وأما السحولية فهي البيض قال المسيب بن علس في الآل يخفضها ويرفعها ريع يلوح كأنه سحل والسحل الثوب الأبيض شبه الطريق به وقد قيل إن سحول قرية باليمن تصنع فيها ثياب القطن وتنسب إليها وقد روى بن عيينة وغيره في هذا الحديث عن هشام بن عروة وغيره عن أبيه عن عائشة فقال فيه ثلاثة أثواب سحولية لم يقل بيض فإذا كان السحل الأبيض استغني عن ذكر البيض وأما الفقهاء فأكثرهم يستحبون في الكفن ما في هذا الحديث وكلهم لا يرون في الكفن شيئا واجبا ولا يتعدى وما ستر العورة أجزأ عندهم من الحي والميت وأما ما يستحبونه من الكفن فقال مالك رحمه الله ليس في كفن الميت حد ويستحب الوتر وفي رواية أخرى عنه أحب إلي أن يكون كفن الرجل في ثلاثة أثواب ولا أحب أن يكون في أقل من ثلاثة أثواب فإن كفن في ثوبين فلا بأس قد كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهداء اثنين في ثوب

قال ولا بأس بالقميص في الكفن ويكفن معه بثوبين فوقه وقال أبو حنيفة وأصحابه أدنى ما تكفن فيه المرأة ثلاثة أثواب والسنة فيها خمسة أثواب وأدنى ما يكفن فيه الرجل ثوبان والسنة في ثلاثة أثواب وقال الأوزاعي والثوري يكفن الرجل في ثلاثة أثواب وتكفن المرأة في خمسة أثواب وهو آخر قول الشافعي وقول أحمد وإسحاق وأبي ثور وروي عن الشافعي أنه قال أحب إلي أن لا يتجاوز في كفن المرأة خمسة أثواب والثوب الواحد يجزئ واستحب بن علية القميص في الكفن وهو قول مالك وزعم أصحابه أن العمامة عندهم في كفن الميت معروفة بالمدينة وكذلك الخمار للمرأة واستحبوا أن يقمص الميت وكان بن عمر يعمم الميت وكان جابر بن عبد الله وعطاء بن أبي رباح لا يعممان وكفن بن عمر ابنه واقدا في خمسة أثواب قميص وثلاث لفائف وعمامة وروى مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال الميت يقمص ويؤزر ويلف في الثوب الثالث فإن لم يكن إلا ثوب واحد كفن فيه وأما الشافعي فقال أحب الكفن إلي ثلاثة أثواب بيض ليس فيها عمامة ولا قميص فإن ذلك الذي اختاره الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم واختاره له أصحابه رضي الله عنهم قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم خير ثيابكم البياض فألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم أولى ما صير إليه في هذا الباب والله الموفق للصواب وقد أجمعوا أن لا تخاط اللفائف فدل على أن القميص ليس مما يختار لأنه مخيط ولا حرج في شيء مما استحبوه وإن كانوا قد اختلفوا فيه وبالله التوفيق

مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال بلغني أن أبا بكر الصديق قال لعائشة وهو مريض في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت في ثلاثة أثواب بيض سحولية فقال أبو بكر خذوا هذا الثوب لثوب عليه قد أصابه مشق أو زعفران فاغسلوه ثم كفنوني فيه مع ثوبين آخرين فقالت عائشة وما هذا فقال أبو بكر الحي أحوج إلى الجديد من الميت وإنما هو للمهلة وروى سفيان عن هشام عن عروة عن عائشة أن أبا بكر سألها في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت في ثلاثة أثواب سحولية قال فكفنوني في ثلاثة أثواب قال سفيان وأخبرنا عمرو بن دينار عن عبد الله بن أبي مليكة أن أبا بكر الصديق قال لعائشة اغسلوا ثوبي هذين وكانا مشقين فكفنوني فيهما وابتاعوا لي ثوبا ولا يغلو عليكم فقالت عائشة إنا موسرون فقال يا بنية الحي أحق بالجديد من الميت وإنما هو للمهل والصديد وأوصى أسماء وكانت صائمة أن تفطر في هذا الحديث من الفقه ما لم يتقدم في الحديث الذي قبله سؤال العالم كل من كان عنده علم غاب عنه أو نسيه كان مثله في العلم أو دونه وهذا الخبر يدل على ما أجمعوا عليه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يل غسله وتكفينه إلا أهله والعباس وعلي والفضل بن عباس ولكن ذلك كان في بيت عائشة فلم تجهل ذلك ولذلك سألها أبوها أبو بكر رضي الله عنهما عن ذلك وفيه الكفن في ثلاثة أثواب وذلك استحباب لا استيجاب وفيه غسل ثياب الأكفان وتنظيفها وفيه أنه لا بأس بالكفن البالي وأنه والجديد في الفضل سواء وفيه التأديب للبنين وتعليمهم ما يحيطون به دينهم وأموالهم وكذلك قال لهم الحي أحوج إلى الجديد من الميت وهو من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي عليه السلام أنه

قال لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا وإلى هذا ذهب أبو بكر والله أعلم وليس في هذا كله دفع لحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ولا ما يعارضه لأنه يحتمل حديث جابر هذا هيئة التكفين بدليل قوله إن الله عز وجل يحب من عبده إذا عمل عملا أن يتقنه ويحسنه على أن من كفن أخاه في ثوب نقي أبيض أو ثياب بيض فقد أحسن والبالي والجديد في ذلك سواء والله أعلم وأما قوله كفنوني في ثوبين مع ثوبي هذا فإنه أراد أن يكون كفنه وترا وهي السنة قال إبراهيم النخعي غسل الميت وتر وكفنه وتر وتجميره وتر وقوله فإنما هو للمهلة فإنه أراد الصديد ولا وجه لكسر الميم في المهلة غير ذلك وبضم الميم شبه الصديد بعكر الزيت وهو المهل والمهلة والرواية بكسر الميم وقال عيسى بن دينار لا ينبغي لمن لم يجد أن ينقص الميت من ثلاثة أثواب يدرج فيها إدراجا لا يجعل له إزار ولا سراويل ولا عمامة ولكن يدرج كما أدرج النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي أن يزاد الرجل على ثلاثة أثواب كذلك ينبغي لمن يجد أن لا ينقص المرأة عن خمسة أثواب درع وخمار وثلاث لفائف يخمر رأسها بالخمار وأما الدرع فيفتح في وسطه ثم تلبسه ولا يخاط من جوانبه وأحد اللفائف يلف على حجزتها وفخذيها حتى يستوي ذلك منها بسائر جسدها ثم تدرج في اللفافتين الباقيتين كما يدرج الرجل قال عيسى والكفن من رأس المال يجبر الغرماء والورثة على ثلاثة أثواب من رأس مال الميت تكون وسطا قال أبو عمر قول عيسى في هذا الباب كله حسن وجمهور الفقهاء على أن الكفن من رأس المال ومن قال إنه من الثلث فليس بشيء لأن مصعب بن عمير لم يترك إلا نمرة قصيرة كفنه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلتفت إلى غريم ولا وارث

وقد أجمع العلماء على كراهية الخز والحرير للرجال في الكفن ومنهم من كرهه للرجال والنساء في الكفن خاصة وأجمعوا على انه لا يكفن في ثوب يصف والمصبوغ كله غيره أفضل منه وبعد هذا فما كفن فيه الميت مما يستر عورته ويواريه أجزأه وبالله تعالى التوفيق باب المشي أمام الجنازة مالك عن بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة لم يختلف أصحاب مالك في إرسال هذا الحديث عنه عن بن شهاب ولم يختلف أصحاب بن عيينة عليه في توصيله مسندا رووه عنه عن الزهري عن سالم عن أبيه وقد تابعه بن أخي الزهري وغيره واختلف فيه سائر أصحاب بن شهاب على ما ذكرناه في التمهيد والحمد لله وأردف مالك هذا الحديث بحديثه عن محمد بن المنكدر عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه أخبره أنه رأى عمر بن الخطاب يقدم الناس أمام الجنازة في جنازة زينب بنت جحش وعن هشام بن عروة أنه قال ما رأيت أبي قط في جنازة إلا أمامها قال ثم يأتي البقيع فيجلس حتى يمروا عليه وعن بن شهاب أنه قال المشي خلف الجنازة من خطإ السنة فأورد مالك في هذا الباب السنة وعمل الخلفاء بذلك ومن بعدهم واشتهار ذلك بالمدينة عندهم حتى جعله بن شهاب مع علمه بآثار من مضى سنة مسنونة وجعل ما خالفها خطأ وهذا كله خلاف ما ذهب إليه أهل العراق من الكوفيين وغيرهم فأجازوا المشي خلفها وعن يمينها وعن يسارها وأمامها واختلف العلماء في الأفضل من ذلك فقال مالك بن أنس والليث بن سعد والشافعي وأصحابهم السنة

المشي أمام الجنازة وهو الأفضل وبه قال أحمد بن حنبل وقال الثوري لا بأس بالمشي بين يديها وخلفها وعن يمينها وشمالها إلا أن المشي عندهم خلفها أفضل وحجة هؤلاء ومن قال بقولهم حديث علي من رواية عبد الرحمن بن أبزى قال كنت أمشي مع علي في جنازة وهو آخذ بيدي وهو يمشي خلفها وأبو بكر وعمر يمشيان أمامها فقلت له في ذلك فقال إن فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل صلاة المكتوبة على صلاة النافلة وإنهما ليعلمان ذلك ولكنهما يسهلان على الناس وقد ذكرنا إسناده في التمهيد من حديث عبد الرزاق وغيره عن الثوري قال عبد الرزاق وبه يأخذ الثوري وروى أبو سعيد الخدري عن علي مثله بمعناه وزاد قال لي علي يا أبا سعيد إذا شهدت جنازة فقدمها بين يديك واجعلها نصب عينيك فإنما هي موعظة وتذكرة وعبرة ومن حديث بن مسعود أنه كان يقول سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السير بالجنازة فقال الجنازة متبوعة وليست بتابعة وليس معها من تقدمها ومن حديث المغيرة بن شعبة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها ويسارها قريبا منها ومن حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال امشوا خلف الجنازة فهذا ما جاء من الآثار المرفوعة في هذا الباب وهي كلها أحاديث كوفية لا

تقوم بأسانيدها حجة وقد ذكرناها بأسانيدها وعللها في التمهيد وروي عن أنس بن مالك ومعاوية بن قرة وسعيد بن جبير أنهم كانوا يمشون خلف الجنازة وروي عن نافع مولى بن عمر أنه قال قلت لابن عمر كيف المشي في الجنازة فقال أما تراني أمشي خلفها فهذا يعارضه حديث بن شهاب المذكور في هذا الباب وحديث أهل المدينة أثبت والله أعلم وأما الصحابة رضي الله عنهم فروي عن عثمان وطلحة والزبير وبن عباس وأبي هريرة والحسن بن علي وبن الزبير وأبي أسيد الساعدي وأبي قتادة الأنصاري أنهم كانوا يمشون أمام الجنازة وروى بن وهب عن يحيى بن أيوب عن يعقوب بن إبراهيم عن محمد بن المنكدر قال ما رأيت أحدا ممن أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهم يمشون أمام الجنازة حتى أن بعضهم لينادي بعضا ليرجع إليهم ذكر بن المبارك عن موسى الجهني قال سألت عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المشي بين يدي الجنازة فقال كنا نمشي بين يدي الجنازة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يرون بذلك بأسا وأما التابعون فروي عن السائب بن يزيد وعبيد بن عمير وشريح القاضي والأسود بن يزيد وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وسائر الفقهاء السبعة المدنيين وبشر بن سعيد وعطاء بن يسار وبن شهاب وربيعة وأبي الزناد أنهم كانوا يمشون أمام الجنازة وذكر هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه قال لأبي وائل أكان أصحابك يمشون أمام الجنازة قال نعم قال أبو عمر المشي أمام الجنازة أكثر عن العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين وهو مذهب الحجازيين وهو الأفضل إن شاء الله ولا بأس عندي بالمشي خلفها وحيث شاء الماشي منها لأن الله عز وجل لم يحظر ذلك ولا رسوله ولا أعلم أحدا من العلماء كره ذلك ولا ذكر أن مشي الماشي خلف الجنازة يحبط أجره فيها ويكون كمن لم يشهدها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيع جنازة

وصلى عليها كان له قيراط من الأجر ومن قعد حتى تدفن كان له قيراطان والقيراط كأحد ولم يخص الماشي خلفها من الماشي أمامها ومن عمل العلماء بالعراق والحجاز قرنا بعد قرن مما ذكرنا عنهم ما يدل على قولنا وبالله توفيقنا ومن استحب المشي أمامها فإنما ذلك عنده على الرجال لا على النساء روي أشهب عن مالك أنه سأله عن قول بن شهاب المشي خلف الجنازة من خطأ السنة أذاك على الرجال والنساء فقال إنما ذلك للرجال وكره أن يتقدم النساء أمام النعش أو أمام الرجال قال أبو عمر قد كره جماعة من العلماء شهود النساء الجنائز على كل حال وقد ذكرنا اختلاف العلماء في ذلك ووجوه أقوالهم في التمهيد والحمد لله وأما قوله في الحديث كانوا يمشون أمام الجنازة دليل على أن الأغلب من العمل في ذلك المشي لا الركوب وكذلك ينبغي لكل مستطيع على المشي مع الجنازة أن يمشي معها ولا يركب إلا من عذر قال بن شهاب ما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة قط وروي عن ثوبان أنه رأى قوما يركبون في جنازة فقال أما يستحيون أن الملائكة لتمشي وأنتم على ظهور الدواب وعن بن عباس الراكب مع الجنازة كالجالس في بيته إلا أن تكون به علة وعن عبد الله بن رباح قال للماشي قيراطان وللراكب قيراط قال أبو عمر ليس الركوب بمحظور ولكن المشي لمن قدر عليه أفضل إن شاء الله والدليل على جواز الركوب وإن كانت السنة المشي كالجمعة والعيدين حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الراكب يسير خلف الجنازة الحديث حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سليمان وسفيان قالوا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن سعيد بن عبيد عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي منها حيث شاء باب النهي عن أن تتبع الجنازة بنار مالك عن هشام بن عروة عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت لأهلها أجمروا ثيابي إذا مت ثم حنطوني ولا تذروا على كفني حناطا ولا تتبعوني بنار قال أبو عمر روي عن عائشة أنها أوصت لا تتبعوا جنازتي بمجمر فيه نار وقول عائشة مع قول أختها أسماء يدل على أنه لا بأس بتجمير ثياب الميت وأنه لا يجوز أن تتبع الجنازة بمجمر فيه نار مالك عن سعيد المقبري عن أبي هريرة انه نهى أن يتبع بعد موته بنار وكان مالك يكره ذلك قال أبو عمر قد روي حديث أبي هريرة مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار ولا أعلم بين العلماء خلافا في كراهة ذلك وروينا عن أبي سعيد الخدري وعمران بن حصين وأبي هريرة أنهم وصوا بأن لا يتبعوا بنار ولا نائحة ولا يجعل على قطيفة حمراء وأظن اتباع الجنائز بالنار كان من أفعالهم بالجاهلية نسخ بالإسلام والله أعلم وهو من فعل النصارى ولا ينبغي أن يتشبه بأفعالهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إن اليهود والنصارى لا يصبغون أو قال لا يخضبون فخالفوهم وقال بعض العلماء لا تجعلوا آخر زادي إلى قبري نارا وفيما ذكرنا من إجماع العلماء فيه شفاء إن شاء الله

وأما قول أسماء أجمروا ثيابي فهي السنة أن تجمر ثياب الميت وكان بن عمر يجمرها وترا وقد أجمعوا على الكافور في حنوط الميت وقد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل ابنته وأكثرهم يجيز فيه المسك وكره ذلك قوم والحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب الطيب المسك وكان بن عمر يتبع مغابن الميت بالمسك وقال هو أطيب طيبكم وقال مالك لا بأس بالمسك والعنبر في الحنوط قال بن القاسم يجعل الحنوط على جسد الميت وفيما بين الأكفان ولا يجعل من فوقه وقال إبراهيم النخعي يضع الحنوط على أعضاء السجود وجبهته وأنفه وركبتيه وصدور قدميه وقال أبو يوسف أجمع أصحابنا أن يوضع الحنوط في رأسه ولحيته ويوضع الكافور على مواضع السجود وقال الشافعي يحنط رأسه ولحيته ويرد الكافور على جميع جسده وثوبه الذي يدرج فيه أحب ذلك له هو قال المزني لا خلاف بين العلماء أنه يوضع الحنوط على مواضع السجود فإن فضل فرأسه ولحيته مع مساجده فإن فضل فمغابنه فإن اتسع الحنوط فحكم جميع جسده في القياس واحد إلا ما كان من عورته التي كان يسترها في حياته وإن عجز الكافور استعين بالذريرة ويسحق معها حتى يأتي على جميعه باب التكبير على الجنائز مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات قد ذكرنا اسم النجاشي في التمهيد وفي هذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم كبير وذلك أنه علم بموته في اليوم الذي مات فيه على بعد ما بين الحجاز وأرض الحبشة ونعاه للناس في ذلك اليوم وكان ذلك فيما قال الواقدي وغيره من أهل السير في رجب سنة تسع من الهجرة وفيه إباحة الإشعار بالجنازة والإعلام بها ليجتمع إلى الصلاة عليها وفي ذلك رد قول من تأول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النعي أنه الإعلام بموت الميت للاجتماع إلى جنازته روي عن بن مسعود أنه قال لا تؤذنوا بي أحدا فإني أخشى أن يكون كنعي الجاهلية وعن سعيد بن المسيب أنه قال إذا أنا مت فلا تقولوا للناس مات سعيد حسبي من يبلغني إلى ربي وروي ذلك عن بن مسعود قال حسبي من يبلغني إلى حفرتي وعن علقمة أنه قال لا تؤذنوا بي أحدا فإن ذلك من النعي والنعي من أمر الجاهلية وروي عن طائفة من السلف مثل ذلك قد ذكرتهم والأخبار عنهم في التمهيد وروي عن بن عون قال قلت لإبراهيم أكان النعي يكره قال نعم قال وكان النعي أن الرجل يركب الدابة فيطوف ويقول أنعي فلانا قال بن عون وذكرنا عند بن سيرين أن شريحا قال لا تؤذنوا لجنازتي أحدا فقال إن شريحا كان يكتفي بذكره ولا أعلم بأسا أن يؤذن الرجل صديقه حميمة وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى على جنازة كان له من الأجر كذا وقوله عليه السلام لا يموت أحد من المسلمين فتصلي عليه أمة من الناس يبلغون ان يكونوا مائة فيشفعون له إلا شفعوا فيه وعنه عليه السلام ما من مسلم يصلي عليه ثلاثة

صفوف من المسلمين إلا أوجب دليل على إباحة الإنذار والإشعار بالجنازة والاستكثار من ذلك للدعاء وإقامة السنة في الصلاة عليها وقد أجمعوا أن شهود الجنائز خير وفضل وعمل بر وأجمعوا أن الدعاء إلى الخير من الخير وكان أبو هريرة يمر بالمجالس فيقول إن أخاكم قد مات فاشهدوا جنازته فإن قيل إن بن عمر كان إذا مات له ميت تحين غفلة الناس ثم خرج بجنازته قيل قد روى عنه خلاف ذلك في جنازة رافع بن خديج لما نعي له قال كيف تريدون أن تصنعوا له قالوا نحبسه حتى نرسل إلى قباء وإلى قريات حول المدينة ليشهدوا جنازته قال نعم ما رأيتم وفيه الخروج بالجنازة إلى المصلى وأن ذلك من سنة الصلاة عليها أن يخرج بها ليصلى عليها ويجتمع عليها وفيه الصلاة على الغائب وأكثر أهل العلم يقولون إن ذلك خصوص للنبي صلى الله عليه وسلم وأجاز بعضهم الصلاة على الغائب إذا كان في اليوم الذي دفن فيه أو قرب ذلك ودلائل الخصوص في هذه المسألة واضحة لا يجوز أن يستدل فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم غيره لأنه والله أعلم أحضر روح النجاشي بين يديه فصلى عليه أو رفعت له جنازته كما كشف له عن بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته وروي أن جبريل عليه السلام أتاه بروح جعفر أو بجنازته وقال قم فصل عليه وهذا كله وما كان مثله يدل على انه خصوص له لأنه لا يشركه في ذلك غيره وفيه الصف على الجنائز ولأن تكون صفوفا أولى من صف واحد فيه طول لحديث مالك بن هبيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من مسلم يصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب وقد روي عن مالك أن الجنائز إذا اجتمعت جعلت واحدة وراء واحدة وروي عنه أنها تجعل صفا واحدا ويقوم الإمام وسط الصف بعضهم عن يمينه وبعضهم عن يساره وبعضهم أمامه

وروي عنه أنه استحب أن يكونوا سطرا واحدا ويكون أهل الفضل مما يلي الإمام قال أبو عمر ذلك كله واسع عند أصحابه وقد رويت هذه الوجوه كلها عن السلف رحمهم الله وفيه أن النجاشي ملك الحبشة مات مسلما ولولا ذلك ما صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم على جنازته ذكر بن المبارك عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن رجل من أهل صنعاء قال أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه فدخلوا عليه وهو جالس في بيت على التراب وعليه خلقان فأنكرنا ذلك من حاله فلما رأى ما في وجوهنا قال إني أنشدكم بما يسركم أنه جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله عز وجل قد نصر نبيه صلى الله عليه وسلم وأهلك عدوه وقتل فلان وفلان وأسر فلان وفلان التقوا بواد يقال له بدر كثير الأراك كأني أنظر إليه لأني كنت أرعى فيه إبلا لسيدي قال جعفر قلت له ما بالك جالس على التراب ليس تحتك بساط وعليك هذه الأخلاق فقال إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى صلى الله عليه وسلم أن حقا على عباد الله أن يحدثوا لله عز وجل تواضعا عند كل ما يحدث لهم من نعمة فلما أحدث الله لنا نصر نبينا عليه السلام أحدثت له هذا التواضع وقد ذكرنا في التمهيد حديث حميد عن أنس قال لما جاءت وفاة النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه صلوا عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمنا معه وصلى عليه فقالوا صلى على علج مات فنزلت وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم آل عمران وذكرنا في التمهيد أيضا حديث عطاء عن جابر قال لما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم مات اليوم عبد صالح فقوموا فصلوا على أصحمة فكنت في الصف الأول أو الثاني وحديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفنا خلفه فكبر عليه أربعا وما نحسب الجنازة إلا بين يديه وذكر سنيد عن حجاج عن بن جريج قال لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي طعن في ذلك المنافقون فنزلت هذه الآية وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله آل عمران

وعبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله وفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي إذ لم يصل عليه أحد من قومه وأمره صلى الله عليه وسلم أصحابه بالصلاة عليه معه دليل واضح على تأكيد الصلاة على الجنائز وعلى أنه لا يجوز أن تترك الصلاة على مسلم مات ولا يجوز دفنه دون أن يصلى عليه لمن قدر على ذلك وعلى هذا جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار إلا أنهم اختلفوا في الصلاة على الشهداء وعلى البغاة وعلى أهل الأهواء لمعان مختلفة متباينة على ما نذكره في موضعه إن شاء الله وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم وإن كانوا أصحاب كبائر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلوا على كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وإن كان في إسناده ضعف فما ذكرنا من الإجماع يشهد له ويصححه حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان قال حدثنا عيسى بن أحمد بن يحيى قال حدثنا نصر بن مروان بن مرزوق قال حدثنا جعفر بن هارون الكوفي أبو محمد قال حدثنا محمد بن الفضل بن عطية عن سالم الأفطس عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من قال لا إله إلا الله وقال طلحة بن عمرو قلت لعطاء وامرأة حبلى من زنا ماتت من النفاس ورجل غرق سكرانا فماتا أأصلي عليهما قال نعم قلت لم ولم يستحدثا توبة قال إن لهما حقوقهما بشهادة أن لا إله إلا الله وحسابهما على الله ألم تسمع إلى ما حكاه الله عن العبد الصالح قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون الشعراء قال أبو عمر قوله إن لهما حقوقهما يوضح أن الصلاة على موتى المسلمين حق لهم على الأحياء واختلف العلماء في تسمية وجوب الصلاة على الجنائز فقال أكثرهم هي فرض على الكفاية يسقط وجوبها بمن حضرها عن من لم يحضرها وقال بعضهم هي سنة واجبة على الكفاية وفيه أن التكبير على الجنازة أربع لا غير وهو الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار

الآحاد الثقات منها حديث مالك هذا في الصلاة على النجاشي رواه جماعة أصحاب بن شهاب عنه بإسناد مالك ومعناه ومنها أنه صلى على قبر مسكينة فكبر أربعا ومنها أنه كبر على جنازة صلى عليها أربعا وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد وحديث زيد بن أرقم أنه كبر خمسا يدل على أن أكثر ما كان منه أربعا قال أبو عمر اختلف السلف من الصحابة رضي الله عنهم في التكبير على الجنازة من ثلاث تكبيرات إلى سبع وقد ذكرنا ذلك بالأسانيد عنهم في التمهيد وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا عبد الرحيم بن إبراهيم دحيم قال حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال حدثنا عبد الله بن الحارث عن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة عن أبيه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر على الجنائز أربعا وخمسا وستا وسبعا وثمانيا حتى جاء موت النجاشي فخرج إلى المصلى فصف الناس وراءه وكبر عليه أربعا ثم ثبت النبي عليه السلام على أربع حتى توفاه الله عز وجل قال أبو عمر اتفق الفقهاء أهل الفتوى بالأمصار على أن التكبير على الجنائز أربع لا زيادة على ما جاء في الآثار المسندة من نقل الآحاد الثقات وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يلتفت إليه اليوم ولا يعرج عليه فإذا كان السلف في مسألة على قولين أو أكثر ثم أجمع أهل عصر في آفاق المسلمين بعدهم على قول من أقاويلهم وجب الاحتمال عليه والوقوف عنده والرجوع إليه وهذه مسألة من مسائل الأصول ليس هذا موضع ذكر الحجة لها واختلف الفقهاء في الإمام يكبر على الجنازة خمسا فروى بن القاسم وبن وهب عن مالك لا يكبر معه الخامسة ولكنه لا يسلم إلا بسلامه وقال الحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن نحو ذلك وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا كبر الإمام خمسا قطع المأمومون بعد الأربع بسلام ولم ينتظروا تسليمه

وقد قال بذلك بعض أصحاب مالك وقال زفر التكبير على الجنائز أربع فإن كبر الإمام خمسا فكبر معه وهو قول أحمد بن حنبل يكبر ما كبر إمامه على ما روى بن مسعود كبر ما كبر إمامك وروي عن الثوري رواية مثل قول زفر وروي عنه مثل قول أبي حنيفة وروي عنه أنه قد رجع إلى قول زفر قال الشافعي لا يكبر إلا أربعا فإن كبر الإمام خمسا فالمأموم بالخيار إن شاء سلم وقطع وإن شاء انتظر تسليم إمامه قال أبو عمر لا نعلم من فقهاء الأمصار أحدا قال يكبر الإمام خمسا إلا بن أبي ليلى فإنه قال يكبر الإمام خمسا على حديث زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول زيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان وعلي بن أبي طالب إلا أن عليا كان يكبر على أهل بدر ستا وربما كبر خمسا ويكبر على سائر الناس أربعا وقد ذكرنا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في التكبير على الجنائز من سبع إلى ثلاث وقد روي عن بعضهم تسع تكبيرات ثم انعقد الإجماع بعد ذلك على أربع قال أبو عمر روى بن حبيب في واضحته عن مطرف عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه وكبر أربع تكبيرات وسلم وهذا غير معروف في هذا الحديث عن مالك من رواية مطرف وغيره وإنما أخذ الحديث من أصحاب بن شهاب مالك وغيره وكبر أربع تكبيرات ولم يذكر فيه أحد السلام غير بن حبيب إلا أنه لا خلاف علمته بين العلماء والصحابة والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء في السلام على الجنازة وإنما اختلفوا هل هي واحدة أو اثنتان

فجمهور أهل العلم من السلف والخلف على تسليمة واحدة وهو أحد قولي الشافعي وقالت طائفة منهم أبو حنيفة وأصحابه يسلم تسليمتين وهو قول الشعبي ورواية عن النخعي واختاره المزني قياسا على الصلاة لأنه لم يختلف قول الشافعي في تسليمتين من الصلاة واختلف قوله في التسليم من الجنازة فمرة قال واحدة ومرة قال اثنتين قال أبو عمر إنما جعل المزني ما لم يختلف فيه قول الشافعي حجة على ما اختلف فيه قوله ولم يجمعوا على التسليمتين في الصلوات المكتوبات فيصح القياس عليها لأن من سلم في الصلاة المكتوبة واحدة فقياسه أيضا أن يسلم في الصلاة على الجنازة واحدة وقد احتج بعض القائلين بالتسليمة الواحدة أن المسلمين قد أجمعوا عليها واختلفوا في الثانية فلا تثبت سنة مع الاختلاف وممن رويت عنه تسليمة واحدة في الجنازة عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وبن أبي أوفى وواثلة بن الأسقع وجماعة من التابعين منهم سعيد بن جبير وعطاء وجابر بن زيد وبن سيرين والحسن البصري ومكحول ورواية عن إبراهيم ذكرها عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن إبراهيم قال الإمام يسلم واحدة خفيفة وسنذكر الجهر بالسلام في الجنازة والإخفاء في باب جامع الصلاة على الجنائز إن شاء الله وذلك عند مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى على الجنازة يسلم حتى يسمع من يليه قال أبو عمر السنة عندنا أن يسلم الإمام على الجنازة إذا كبر الرابعة ويسلم من سلامه وهو قول مالك وجمهور الفقهاء وقد روي عن مالك أنه قال لا بأس بتتميم الدعاء له بعد الرابعة والأول عليه الناس وبالله التوفيق مالك عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره

أن مسكينة مرضت فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين ويسأل عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ماتت فآذنوني بها فخرج بجنازتها ليلا وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان من شأنها فقال ألم آمركم أن تؤذنوني بها فقالوا يا رسول الله كرهنا أن نخرجك ليلا ونوقظك فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات قال أبو عمر وصل هذا الحديث سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه ولم يختلف على مالك في إرساله في الموطأ وهذا حديث مسند متصل من وجوه قد ذكرت أكثرها في التمهيد وفيه من الفقه عيادة المريض وعيادة الرجال النساء المتجالات وعيادة الأشراف والخلفاء المهتدين بهدي الأنبياء للفقراء وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من التواضع في عيادة الفقراء والمساكين وفيه الأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم وفيه جواز الإذن بالجنازة لقوله ألم آمركم أن تؤذنوني بها وذلك يرد قول من كره الإذن بالجنازة فاستحب أن لا يؤذن به أحد ولا يشعر بجنازته جار ولا غيره وقد ذكرنا في التمهيد جماعة ذهبوا إلى ذلك من السلف والحجة في السنة لا فيما خالفها وفيه أن عصيان الإنسان لأميره سلطانا كان أو غيره إذا أراد بعصيانه بره وتعظيمه وإكرامه أن ذلك لا يعد عليه ذنبا وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينتقم ممن يعصيه إلا أن ينتهك حرمة من حرمات الله سبحانه فينتقم لله بها كما قالت عائشة رضي الله عنها وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم ما غاب عنه إلا أن يطلعه الله عليه وفيه الدفن بالليل وفيه الصلاة على القبر لمن لم يصل على الجنازة وهذا عند كل من أجازه ورآه وإنما هو بقرب ذلك على ما جاءت به الآثار عن السلف رحمهم الله في مثل ذلك

وفيه أن التكبير على الجنائز أربع تكبيرات وفيه أن الصلاة على القبر كالصلاة على الجنازة سواء واختلف الفقهاء فيمن فاتته الصلاة على الجنازة فجاء وقد فرغ من الصلاة عليها أو جاء وقد دفنت فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما لا تعاد الصلاة على الجنازة ومن لم يدرك الصلاة مع الناس عليها لم يصل عليها ولا على القبر وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن بن صالح بن حي والليث بن سعد قال بن القاسم قلت لمالك فالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر امرأة قال قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل قال أبو عمر ما رواه بن القاسم عن مالك في أنه لا يصلى على القبر هو تحصيل مذهبه عند أكثر أصحابه وذكر عبد الرزاق عن معمر قال كان الحسن إذا فاتته الصلاة على الجنازة لم يصل عليها وكان قتادة يصلي عليها وكان بن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صلي عليها دعا وانصرف وقال الشافعي وأصحابه من فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر إن شاء وهو رأي عبد الله بن وهب صاحب مالك وبه يقول محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي وسائر أصحاب الحديث وقال أحمد بن حنبل رويت الصلاة على القبر عن النبي عليه السلام من ستة وجوه حسان كلها قال أبو عمر قد ذكرتها كلها بالأسانيد الجياد في التمهيد وذكرت أيضا ثلاثة أوجه حسان مسندة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فتمت تسعة وعن علي بن أبي طالب وقرظة بن كعب وبن مسعود وعائشة أم المؤمنين وأنس بن مالك وسلمان بن ربيعة وأبي موسى الأشعري أنهم أجازوا الصلاة على القبر وصلوا عليه وقد ذكرنا ذلك عنهم بالأسانيد

ومن التابعين محمد بن سيرين وقتادة وأبو جمرة الضبعي وذكر الزبير بن بكار قال حدثنا يحيى بن محمد قال توفي الزبير بن هشام بن عروة بالعقيق في حياة أبيه فصلي عليه بالعقيق وأرسل إليه بالمدينة ليصلى عليه في البقيع ويدفن في البقيع قال أبو عمر أجمع العلماء الذين رأوا الصلاة علي القبر جائزة أنه لا يصلى على قبر إلا بقرب ما يدفن وأكثر ما قالوا في ذلك شهر وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يصلى على جنازة مرتين إلا أن يكون الذي صلى عليها غير وليها فيعيد وليها الصلاة عليها إن كانت لم تدفن وإن كانت قد دفنت أعادها على القبر وقال عيسى بن دينار فقيه أهل بلدنا من دفن ولم يصل عليه من قتيل أو ميت فإني أرى أن يصلي على قبره قال وقد بلغني ذلك عن عبد العزيز بن أبي سلمة وقد روى بن وهب عن مالك قال من فاتته الصلاة على الجنازة فليصل على القبر إذا كان قريبا اليوم والليلة كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبر المسكينة وقال عبد الملك بن حبيب فيمن نسي أن يصلى عليه حتى دفن أو فيمن دفنه يهودي أو نصراني دون أن يدفن ويصلى عليه ثم خشي عليه التغيير أنه يصلى على قبره وإن لم يخف عليه التغيير نبش وغسل وصلي عليه إن كان بحدثان ذلك وقال يحيى بن معين قلت ليحيى بن سعيد ترى الصلاة على القبر قال لا ولا أرى على من صلى عليه شيئا وليس الناس على هذا اليوم وأنا أكره شيئا يخالف الناس قال أبو عمر من صلى على قبر أو جنازة قد صلي عليها فمباح ذلك له لأن الله لم ينه عنه ولا رسوله ولا اتفق الجميع على كراهيته بل الآثار المسندة تجيز ذلك وعن جماعة من الصحابة إجازة ذلك وفعل الخير يجب ألا يمنع عنه إلا بدليل لا معارض له وبالله التوفيق وذكر مالك آخر هذا الباب أنه سأل بن شهاب عن الرجل يدرك بعض التكبير على الجنازة ويفوته بعضه فقال يقضي ما فاته من ذلك قال أبو عمر اختلف الفقهاء في الذي يفوته بعض التكبير على الجنائز هل يحرم في حين دخوله أو ينتظر تكبير إمامه

فروى أشهب عن مالك أنه يكبر ولا ينتظر الإمام ليكبر بتكبيره وهو أحد قولي الشافعي رواه المزني وبه قال الليث والأوزاعي وأبو يوسف وقال أبو حنيفة ومحمد ينتظر الإمام حتى يكبر فيكبر بتكبيره فإذا سلم الإمام قضى ما عليه ورواه بن القاسم عن مالك والبويطي عن الشافعي واحتج بعض من قال هذا القول بقوله عليه السلام ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وروي فاقضوا إلا أنهم يقولون إذا كبر الإمام خمسا فلا يقضي إلا أربعا والحجة لرواية أشهب والمزني عن الشافعي أن التكبيرة الأولى بمنزلة الإحرام فينبغي أن يفعلها على كل حال ثم يقضي ما فاته بعد سلام إمامه لأن من فاتته ركعة من صلاته لم يقضها إلا بعد سلام إمامه واختلفوا إذا رفعت الجنازة فقال مالك والثوري يقضي ما فاته تكبيرا متتابعا ولا يدعو فيما بين التكبير وهو قول سعيد بن المسيب وبن سيرين والشعبي في رواية إبراهيم وحماد وعطاء في رواية بن جريج ورواه البويطي عن الشافعي وقال أبو حنيفة يقضي ما بقي عليه من التكبير إلا أنه قال يدعو للميت بين التكبير ورواه المزني عن الشافعي وعلى هذا جمهور العلماء بالعراق والحجاز في قضاء التكبير دون الدعاء لأن من قال تقضي تكبيرا متتابعا لا يدعو عنده بين التكبير وقد ذكر بن شعبان عن مالك الوجهين قال قال مالك من فاته بعض التكبير

على الجنازة إن قضاه تسعا فحسن وإن دعا بين تكبيراته فحسن ومن استطاع الدعاء صنعه قال بن شعبان يريد دعاء مخفيا وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن هشام عن محمد بن سيرين قال يكبر ما أدرك ويقضي ما سبقه وقال الحسن يكبر ما أدرك ولا يقضي ما سبقه قال أبو عمر قد روي فيمن فاته بعض التكبير على الجنازة أنه لا يقضي عن بن عمر والحسن وربيعة والأوزاعي ورواه جابر الجعفي عن عطاء والشعبي وبه قال بن علية وقال لو كان التكبير يقضى ما رفع النعش حتى يقضي من فاته قال ومن قال يقضي تكبيرا متتابعا ولا يقضي الدعاء فقد ترك ما يعلم من سنة الصلاة على الجنائز قال وإذا رفع الميت فلمن يدعي قال أبو عمر ليس فيما ذكره بن علية مقنع من الحجة باب ما يقول المصلي على الجنازة ليس فيه حديث مسند عنده مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أنه سأل أبا هريرة كيف تصلي على الجنازة فقال أبو هريرة أنا لعمر الله أخبرك أتبعها من أهلها فإذا وضعت كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه ثم أقول اللهم إنه عبدك وبن عبدك وبن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده في هذا الحديث جواب السائل على أكثر مما سأل عنه وذلك إذا أراد المسؤول تعليم ما يعلم أن به الحاجة إليه

وفيه قصد الجنازة إلى موضعها في حين حملها وفيه أن الصلاة على الجنازة ليس فيها قراءة وهذا موضع اختلف فيه العلماء سنبين ذلك بعد في هذا الباب إن شاء الله وأما الدعاء فليس فيه شيء موقت عند أحد من العلماء معنى قوله وزد في إحسانه والله أعلم يضاعف له الأجر فيما أحسن فيه ويتجاوز عن سيى ء عمله وفيه أن المصلي على الجنازة له أن يشرك نفسه في الدعاء بما شاء والله أعلم لقوله اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ومن الدعاء على الميت ما روى أبو هريرة قال كنا نقول على الجنازة اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضتها وأنت تعلم سرها وعلانيتها جئنا شفعاء لها فاغفر لها وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول اللهم هذا عبدك خرج من الدنيا ونزل بك أفقر ما كان إليك وأنت غني عنه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك فاغفر له وتجاوز عنه فإنا لا نعلم منه إلا خيرا وعن محمد بن سيرين وإبراهيم أنه كان من دعائهما على الميت الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ثم يدعوان بنحو ما ذكرنا عن عمر وأبي هريرة والدعاء للميت استغفار له ودعاء بما يحضر الداعي من القول الذي يرجو به الرحمة له والعفو عنه وليس فيه عند الجميع شيء موقت مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت سعيد بن المسيب يقول صليت وراء أبي هريرة علي صبي لم يعمل خطيئة قط فسمعته يقول اللهم أعذه من عذاب القبر وفي هذا الحديث من الفقه الصلاة على الأطفال والسنة فيها كالصلاة على الرجال بعد أن يستهل الطفل وعلى هذا جماعة الفقهاء وجمهور أهل العلم والاختلاف فيه شذوذ والشذوذ قول من قال لا يصلى على الأطفال وهو قول تعلق به بعض أهل البدع وللفقهاء قولان في الصلاة على الأطفال

قال أحدهم ما يصلى على السقط منهم وغير السقط والثاني لا يصلى على الطفل حتى يستهل صارخا والقول الذي تركه أهل الفتوى بالحجاز والعراق أن لا يصلى على الطفل روي عن سمرة بن جندب وسعيد بن جبير وسويد بن غفلة وممن قال لا يصلى عليه حتى يستهل صارخا الزهري وإبراهيم النخعي والحكم بن عيينة وحماد والشعبي ومالك والشافعي وسائر الفقهاء بالكوفة والحجاز وممن قال يصلى على السقط وغيره أبو بكر الصديق وعبد الله بن عمر وروي عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال في السقط يقع ميتا إذا تم خلقه ونفخ فيه الروح صلى عليه وهو قول بن أبي ليلى وبن سيرين وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث المغيرة بن شعبة أنه قال الطفل يصلى عليه وهذا يحتمل أن يكون يصلى عليه إذا استهل وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا بن علية عن أيوب عن نافع عن بن عمر أنه صلى على سقط وأما قوله لم يعمل خطيئة قط فمأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة فذكر منهم الصبي حتى يحتلم وقال عمر بن الخطاب الصغير تكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات وسنبين هذا المعنى عند قوله صلى الله عليه وسلم في الصبي ألهذا حج قال نعم ولك أجر وأما قوله في الصبي اللهم أعذه من عذاب القبر فيشهد له قول الله تعالى

فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء الفتح ولو عذب الله عباده أجمعين كان غير ظالم لهم كما أنه إذا هدى ووفق من شاء منهم وأضل وخذل من شاء منهم كان غير ظالم لهم وإنما الظالم من فعل غير ما أمر به والله تعالى غير مأمور لا شريك له وعذاب القبر غير فتنة القبر بدلائل واضحة من السنة الثابتة قد ذكرناها في غير هذا الموضع وإذا دعي للصبي أن يعيذه الله من عذاب القبر فالكبير أولى بذلك ومن الدعاء المحفوظ في الصلاة على الميت اللهم قه فتنة القبر وعذاب النار مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة واختلف العلماء في هذا المعنى فروي عن بن عمر وأبي هريرة وفضالة بن عبيد أنهم كانوا لا يقرؤون في الصلاة على الجنازة وروي عن بن عباس وعثمان بن حنيف وأبي أسامة بن سهل بن حنيف أنهم كانوا يقرؤون بفاتحة الكتاب على الجنازة وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين بمكة والمدينة والبصرة كلهم كان يرى قراءة فاتحة الكتاب مرة واحدة في الصلاة على الجنازة في أول تكبيرة في الصلاة إلا ما رواه حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أنه كان يقرأ في الصلاة على الميت في الثلاث تكبيرات بفاتحة الكتاب وذكر بن أبي شيبة عن أزهر السمان عن بن عون قال كان الحسن يقرأ بفاتحة الكتاب في كل تكبيرة على الجنازة واما اختلاف أئمة الفتوى بالأمصار في ذلك فقال مالك في الصلاة على الجنازة إنما هو الدعاء وإنما فاتحة الكتاب ليس بمعمول بها في بلدنا وقال الثوري يستحب أن يقول في أول تكبيرة سبحانك اللهم وبحمدك وهو قول الحسن بن حي قال الحسن بن حي ثم يصلي على النبي عليه السلام ثم يكبر الثانية ثم يدعو للميت ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت ثم يكبر

الرابعة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسلم عن يمينه ويساره وقال أبو حنيفة وأصحابه يحمد الله ويثني عليه بعد التكبير ثم يكبر الثانية فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يكبر الثالثة فيشفع للميت ثم يكبر الرابعة ثم يسلم وليس في الدعاء شيء موقت ولا يقرأ فيها وقال الشافعي يكبر ثم يقرأ بفاتحة الكتاب ثم يكبر الثانية ثم يحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت ثم يكبر الرابعة ويسلم وقول أحمد بن حنبل كقول الشافعي وهو قول داود في قراءة فاتحة الكتاب وذكر الطحاوي قال حدثنا إبراهيم بن أبي داود البرلسي قال حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وكان من كبراء الأمصار وعلمائهم وأبناء الذين شهدوا بدرا وكان من الذين شهدوا بدرا مع النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبره أن السنة على الجنازة في الصلاة أن يكبر الإمام ثم يقرأ فاتحة الكتاب سرا في نفسه ثم يختم الدعاء في التكبيرات الثلاث قال بن شهاب فذكرت الذي أخبرني أبو أمامة من ذلك لمحمد بن سويد الفهري فقال وأنا سمعت الضحاك بن قيس يحدث عن حبيب بن مسلمة في الصلاة على الجنائز مثل الذي حدثك به أبو أمامة وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدث بن المسيب قال السنة في الصلاة على الجنائز أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في التكبيرة الأولى ثم يسلم في نفسه وعن يمينه وروى الثوري وشعبة وإبراهيم بن سعد وجماعة عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله بن عوف أنه أخبره قال صليت خلف بن عباس فقرأ بفاتحة الكتاب حتى أسمعنا فسألته عن ذلك فقال سنة وحق وفي رواية بعضهم إنما جهرت لتعلموا أنها سنة وروي من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى وليس بثابت عن جابر

واحتج داود في هذا الباب بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وهي صلاة عند جميعهم لا تجوز إلى غير القبلة ولا بغير وضوء إلا الشعبي فإنه شذ فأجازها بغير وضوء وقال إنما هو دعاء ولم يتابع على ذلك وممن رأى القراءة بفاتحة الكتاب في الصلاة على الجنازة الحسن بن علي وعبد الله بن مسعود ومكحول والضحاك بن مزاحم ذكر ذلك كله أبو بكر بن أبي شيبة قال وحدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبيد بن السباق أنه حدثه أنه رأى سهل بن حنيف صلى على ميت فقرأ بفاتحة الكتاب في أول تكبيرة وفيما أجاز لنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن العباس الإخميمي وكتب به إلينا قال حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا علي بن شيبة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا داود بن قال قلت لعبد الله بن عبيد بن عمير كيف كان شيخاك عبد الله بن الزبير وعبيد بن عمير يصليان على الجنائز قال كانا يقرآن بأم القرآن ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم ويستغفران للمؤمنين والمؤمنات ثم يقولان اللهم افسح له في قبره واعرج إليك بروحه وألحقه بنبيه واخلفه في عقبه بخير وممن كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة ويقول ليس فيها قراءة وينكر القراءة فيها أبو العالية ومحمد بن سيرين وأبو بردة بن أبي موسى وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي وبكر بن عبد الله المزني وميمون بن مهران وسالم بن عبد الله بن عمر وعطاء بن أبي رباح وطاوس اليماني ذكر ذلك كله أبو بكر بن أبي شيبة عنهم بأسانيد جياد باب الصلاة على الجنائز بعد الصبح إلى الإسفار وبعد العصر إلى الاصفرار مالك عن محمد بن أبي حرملة مولى عبد الرحمن بن أبي

سفيان بن حويطب أن زينب بنت أبي سلمة توفيت وطارق أمير المدينة فأتي بجنازتها بعد صلاة الصبح فوضعت بالبقيع قال وكان طارق يغلس بالصبح قال بن أبي حرملة فسمعت عبد الله بن عمر يقول لأهلها إما أن تصلوا على جنازتكم الآن وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس قال أبو عمر أتيت بمعنى الحديث دون لفظه وقد أوضحنا في التمهيد علة حديث مالك عن هشام بن عروة إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز وأن هذه اللفظة حتى تبرز لا تصح لاضطراب الرواة فيها فمنهم من يقول حتى تشرق ومنهم من يقول حتى ترتفع وحتى تبيض وهو الصحيح بدليل حديث مالك عن محمد بن أبي حرملة هذا من قول بن عمر وفعله وهو حديث لم يضطرب رواته واضطربوا في حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه على ما وصفت لك واختلفوا في إسناده وأصح ما فيه رواية مالك مرسلة ويقضي على هذا كله حديث عمرو بن عنبسة وأبي أمامة والصنابحي وغيرهم أن الشمس تطلع مع قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ولم يقل إذا برزت فارقها بل قد جاء في الأحاديث الثابتة حتى ترتفع وحتى تبيض وهذا يوضح لك أن معنى قوله في حديث هشام بن عروة عن أبيه حتى تبرز أي حتى تبرز مرتفعة بيضاء وعلى هذا يصح استعمال الأحاديث كلها مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر قال يصلي على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا صليتا لوقتهما وهذا باب اختلف العلماء فيه قديما وحديثا وقد ذكرناه في كتاب الصلاة من كتابنا هذا مبسوطا والحمد لله وأما اختلاف الفقهاء أئمة الفتوى في ذلك فقال مالك في رواية بن القاسم عنه لا بأس بالصلاة على الجنائز بعد العصر

ما لم تسفر الشمس فإذا اصفرت لم يصل عليها إلا أن يكون يخاف تغيرها فإن خيف ذلك صلى عليها قال ولا بأس بالصلاة على الجنائز بعد الصبح ما لم يسفر فإذا أسفر فلا تصلوا إلا أن تخافوا عليها وهذا معنى الحديثين المتقدمين عن بن عمر ومذهب بن عمر معلوم قد تقدم ذكره أنه لا يمنع من الصلاة إلا عند الطلوع أو الغروب وقد ذكر بن عبد الحكم عن مالك أن الصلاة على الجنائز جائزة في ساعات الليل والنهار عند طلوع الشمس وعند غروبها في كل وقت وهو قول الشافعي قال الشافعي يصلى على الجنائز في كل وقت لأن النهي عنده إنما ورد في التطوع لا في الواجب ولا في المسنون من الصلوات وقد بينا وجوه أقوال العلماء في هذا الباب في كتاب الصلاة من هذا الكتاب وقال الثوري لا يصلى على الجنازة إلا في مواقيت الصلاة ويكره الصلاة عليها نصف النهار وحين تغرب الشمس وبعد الفجر حتى تطلع الشمس قال الليث أيضا لا يصلى عليها في الساعات التي تكره الصلاة فيها وقال الأوزاعي يصلى عليها ما دام في ميقات العصر فإذا ذهب وقت العصر لم يصل عليها حتى تغرب الشمس وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يصلى عليها عند الطلوع ولا عند الغروب ولا نصف النهار ويصلى عليها في غيرها من الأوقات وحجتهم حديث عقبة بن عامر رواه الليث بن سعد وعبد الله بن وهب ووكيع وغيرهم عن موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن عامر قال ثلاث ساعات نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا عند طلوع الشمس حتى تبيض وعند انتصاف النهار حتى تزول وعند اصفرار الشمس حتى تغيب

باب الصلاة على الجنائز في المسجد مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أمرت أن يمر عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد حين مات لتدعو له فأنكر ذلك الناس عليها فقالت عائشة ما أسرع الناس ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال صلي على عمر بن الخطاب في المسجد قال أبو عمر قد روى الضحاك بن عمر وغيره حديث عائشة هذا عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة متصلا مسندا وصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء من أصح ما يروى عن النبي من أخبار الآحاد العدول حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر قالا حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عبد الواحد بن حمزة عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد واللفظ لإسحاق قال وأخبرنا سويد بن نصر قال أخبرنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن عقبة عن عبد الواحد بن حمزة أن عباد بن عبد الله بن الزبير أخبره أن عائشة قالت ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد وفي هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان أحدهما حديث عائشة هذا والثاني

حديث يروى عن أبي هريرة لا يثبت عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له وقد يحتمل قوله في حديث أبي هريرة هذا فلا شيء له أي فلا شيء عليه كما قال عز وجل إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها الإسراء بمعنى عليها وسئل أحمد بن حنبل وهو إمام أهل الحديث والمقدم في معرفة علل النقل فيه عن الصلاة على الجنازة في المسجد فقال لا بأس بذلك وقال بجوازه فقيل فحديث أبي هريرة فقال لا يثبت أو قال حتى يثبت ثم قال رواه صالح مولى التوأمة وليس بشيء فيما انفرد به فقد صحح أحمد بن حنبل السنة في الصلاة على الجنائز في المسجد وقال بذلك وهو قول الشافعي وجمهور أهل العلم وهي السنة المعمول بها في الخليفتين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عمر على أبي بكر الصديق في المسجد وصلى صهيب على عمر في المسجد بمحضر كبار الصحابة وصدر السلف من غير نكير وما أعلم من ينكر ذلك إلا بن أبي ذئب ورويت كراهية ذلك عن بن عباس من وجوه لا تصح ولا تثبت وعن بعض أصحاب مالك ورواه عن مالك وقد روي عنه جواز ذلك من رواية أهل المدينة وغيرهم وقد قال في المعتكف لا يخرج إلى جنازة فإن اتصلت الصفوف به في المسجد فلا يصلي عليها مع الناس وقال عبد الملك بن حبيب إذا كان مصلى الجنائز قريبا من المسجد أو لاصقا به مثل مصلى الجنائز بالمدينة فإنه لاصق بالمسجد من ناحية الشرق فلا بأس من أن توضع الجنازة في المصلى خارجا من المسجد وتمدد الصفوف بالناس في المسجد وكذلك قال مالك قال وقال مالك لا يعجبني أن يصلى على أحد في المسجد

قال مالك ولو فعل ذلك فاعل ما كان ضيقا ولا مكروها فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء في المسجد وصلى عمر على أبي بكر في المسجد وصلى صهيب على عمر في المسجد وكذلك قال عبد الملك ومطرف وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه قال ما صلى على أبي بكر إلا في المسجد قال وحدثنا وكيع عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال صلي على أبي بكر وعمر تجاه المنبر قال وحدثنا يونس بن محمد قال حدثنا فليح بن سليمان عن صالح بن عجلان عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت والله ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد وذكر عبد الرزاق عن معمر والثوري عن هشام بن عروة قال رأى أبي الناس يخرجون من المسجد ليصلوا على جنازة فقال ما يصنع هؤلاء ما صلي على أبي بكر إلا في المسجد فإن قيل إن الناس الذين أنكروا على عائشة أن يمر عليها سعد بن أبي وقاص في المسجد هم الصحابة وكبار التابعين لا محالة قيل لهم ما رأت عائشة إنكارهم بكبير ورأت الحجة في رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو الأسوة الحسنة والقدوة وأين المذهب والرغبة عن سنته صلى الله عليه وسلم ولم يأت عنه ما يخالفها من وجه معروف ولو لم تكن في هذا الباب سنة ما وجب أن تمنع عن ذلك لأن الأصل الإباحة حتى يرد المنع والحظر فكيف وفي إنكار ذلك جهل السنة والعمل الأول القديم بالمدينة ألا ترى أن قول عائشة ما أسرع الناس تريد إلى إنكارها ما يعلمون وترك السؤال عما يجهلون وقد روي ما أسرع ما ينسى الناس وليس من نسي علما بحجة على من ذكره وعلمه وبالله التوفيق وقد احتج بعض من تعميه نفسه من المنتسبين إلى العلم في كراهية الصلاة على الجنائز في المسجد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي وخرج بهم إلى المصلى فصفهم وكبر أربع تكبيرات قال ولم يصل عليه في المسجد وفي احتجاجه هذا ضروب من الإغفال

منها أنه لا يرى الصلاة على الغائب وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي خصوص له عنده ومنها أنه ليس في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنازة في موضع ولا صلاة العيد في موضع دليل على أن صلاة العيد وصلاة الجنائز لا تجوز إلا في ذلك الموضع والمسلمون في كل أفق لهم مصلى في العيد يخرجون إليه ويصلون فيه ولا يقول أحد من علمائهم إن الصلاة لا تجوز إلا فيه وكذلك صلاتهم في المقابر على جنائزهم ليس فيه دليل على أنه لا يصلى على الجنائز إلا في المقبرة وما لم ينه عنه الله ورسوله فمباح فعله فكيف بما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم باب جامع الصلاة على الجنائز مالك أنه بلغه أن عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وأبا هريرة كانوا يصلون على الجنائز بالمدينة الرجال والنساء فيجعلون الرجال مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة هكذا روى هذا الحديث يحيى بن يحيى وأكثر الرواة للموطأ وروته طائفة من رواة الموطأ عن مالك عن بن شهاب أنه بلغه أن عثمان بن عفان مثله إلى آخره سواء وذكر الدارقطني أن محمد بن مخلد رواه عن أحمد بن إسماعيل المديني عن مالك عن بن شهاب عن أنس أن عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وأبا هريرة كانوا يصلون فذكره إلى آخره سواء وهو عندي وهم والله أعلم والصحيح ما في الموطأ قال أبو عمر على ما ذكره مالك عن عثمان وبن عمر وأبي هريرة أكثر العلماء في موضع الرجال يلون النساء والنساء أمامهم روي ذلك عن عثمان وأبي هريرة وبن عمر من وجوه وروي ذلك أيضا عن أبي قتادة الأنصاري وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وواثلة بن الأسقع والحسن والحسين وعن الشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد بن المسيب والزهري واختلف في ذلك عن عطاء

كل ذلك من كتاب عبد الرزاق وأبي بكر بن أبي شيبة من طرق شتى حسان كلها وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن نافع أن بن عمر صلى كذلك على جنازة فيها بن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة والأمير يومئذ سعيد بن العاص فسألهم عن ذلك أو أمر من سألهم فقالوا هي السنة وفي المسألة قول ثان ذكر عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن الحسن قال الرجال يلون القبلة والنساء يلين الإمام وذكر أبو بكر قال حدثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر عن سالم والقاسم قالوا النساء مما يلي الإمام والرجال مما يلي القبلة قال وحدثنا بن علية عن ليث عن عطاء قال الرجال بين يدي النساء وعن مسلمة بن مخلد أنه كان يصلي بمصر كذلك على الجنائز وفيها قول ثالث عن عبد الله بن معقل ومحمد بن سيرين قالا يصلى على الرجال أو الرجل على حدة وعلى النساء أو على المرأة على حدة قال أبو بكر وحدثنا بن علية عن أيوب عن بن سيرين أنه قال في جنائز الرجال والنساء إن أبا السوار لما اختلفوا عليه صلى على هؤلاء ضربة وصلى على هؤلاء ضربة قال أبو عمر القول الأول أعلى وأولى لما فيه من الصحابة وقد قالوا إنها السنة وعليها جماعة الفقهاء وأما أين يقوم الإمام من الرجل إذا صلى عليه ومن المرأة فالاختيار عندي أن يقوم منهما وسطا وقد اختلفت الآثار المرفوعة في ذلك واختلف فيه السلف ف روى بن المبارك عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قام على امرأة فقام وسطها

وروى وكيع عن همام عن غالب أو أبي غالب عن أنس أنه أتى بجنازة رجل فقام عند رأس السرير وأتى بجنازة امرأة فقام أسفل من ذلك عند الصدر فقال العلاء بن زياد يا أبا حمزة هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع قال نعم فأقبل عليه العلاء فقال احفظوا وقال حميد الطويل عن يزيد بن أبي منصور قال قلت لأبي رافع أين أقوم من الجنازة قال وسطها قال حميد وصليت مع الحسن ما لا أحصي على الرجال والنساء فما رأيته يبالي أين قام منها وقال الشعبي يقوم الذي يصلي على الجنازة عند صدرها وهشام بن حسان عن الحسن قال يقوم من المرأة في حيال ثدييها ومن الرجل فوق ذلك وأشعث عن الحسن قال يقوم للمرأة عند فخذيها والرجل عند صدره وعن بن مسعود وعطاء وإبراهيم يقوم الذي يصلي على الجنازة عند صدرها ولم يفرقوا بين الرجل والمرأة قال أبو عمر ليس في ذلك حد لازم من جهة كتاب ولا سنة ولا إجماع وما كان هذا سبيله لم يحرج أحد في فعله كل ما جاء عن السلف وليس في قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم منها في موضع ما يمنع من غيره لأنه لم يوقف عليه وليس عن مالك والشافعي شيء وقال بن القاسم يقوم من الرجل عند صدره ومن المرأة عند منكبيها وقال الثوري يقوم منهما عند الصدر وهو قول أبي حنيفة ومحمد مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى على الجنازة يسلم حتى يسمع من يليه قال أبو عمر قد تقدم في باب التكبير على الجنائز في حديث مالك عن بن

شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربع تكبيرات وقد ذكرنا من زاد فيه وسلم وذكرنا اختلاف العلماء في التسليم على الجنازة وأوردنا هناك ذكر القائلين بتسليمة واحدة والقائلين بتسليمتين فلا معنى لإعادة ذلك ها هنا فنذكر هنا من كان يخفي التسليم ومن كان يجهر به ولم يذكر مالك في حديثه عن نافع عن بن عمر أنه كان يسلم تسليمة واحدة لا تسليمتين والمحفوظ عن بن عمر أنه كان يسلم واحدة ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا قضى الصلاة على الجنائز سلم عن يمينه وذكر بن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا صلى على جنازة سلم على يمينه واحدة ومن هذين الكتابين أن بن عمر وأبا هريرة وبن سيرين كانوا يجهرون بالسلام ويسمعون من يليهم وأن علي بن أبي طالب وبن عباس وأبا أمامة بن سهل بن حنيف وسعيد بن جبير كانوا يخفون التسليم وإبراهيم النخعي أيضا كان يسلم تسليمه خفية قال بن القاسم عن مالك تسليم الإمام على الجنازة واحدة يسمع من يليه يسلم من وراءه واحدة في أنفسهم وإن أسمعوا من يليهم فلا بأس وقال الثوري يسلم عن يمينه تسليمة خفيفة وقال الأوزاعي يسمع من يليه وقال الحسن بن حي يسلم عن يمينه وعن شماله ويخفيه ولا يجهر به وقال الشافعي مثله ولا يجهر وقال أبو حنيفة تسليمتان يسمع من يليه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر وهو إجماع العلماء والسلف والخلف إلا الشعبي فإنه أجاز الصلاة عليها على

غير وضوء فشذ عن الجميع ولم يقل بقوله أحد من أئمة الفتوى بالأمصار ولا من حملة الآثار وقد قال بن علية وهو ممن يرغب عن كثير من قوله الصلاة على الميت استغفار له والاستغفار يجوز بغير وضوء وهذا نحو قول الشافعي إلا أنه قال السنة في الصلاة على الموتى أن يتطهر لها ومن خشي فوتها تيمم لها وهو القياس قال أبو عمر قول الشعبي هذا لم يلتفت أحد إليه ولا عرج عليه وقد أجمعوا أنه لا يصلي عليها إلا إلى القبلة ولو كانت دعاء كما زعم الشعبي لجازت إلى غير القبلة ولما اجمعوا على التكبير فيها واستقبال القبلة بها علم أنها صلاة ولا صلاة إلا بوضوء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة بغير طهور ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن عاصم قال سألت أشياخنا يسلم في الصلاة على الجنازة قالوا نعم أو لست في صلاة وقال مالك في آخر هذا الباب لم أر أحدا من أهل العلم يكره أن يصلى على ولد الزنى وأمه وهذا ما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على ولد زنا وأمه ماتت من نفاسها وقال أبو وائل يصلى على كل من صلى إلي القبلة وسئل أبو أمامة عن الصلاة على جنازة شارب الخمر قال نعم إذا شهد بشهادة الحق وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص بن غياث عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر قال سألته عن المرأة تموت في نفاسها من الفجور أن يصلى عليها فقال صل على من قال لا إله إلا الله قال وحدثنا جرير عن مغيرة عن حماد عن إبراهيم قال يصلى على الذي قتل نفسه وعلى النفساء من الزنى وعلى الذي يموت غريقا من الخمر قال وحدثنا أبو خالد الأحمر عن عثمان بن الأسود عن عطاء قال تصلي على من صلى إلى قبلتك

قال وحدثنا عبد الله بن إدريس عن هشام عن بن سيرين قال ما أعلم أحدا من الصحابة والتابعين ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة آثما وقال بن عبد الحكم عن مالك لا تترك الصلاة على أحد مات ممن يصلي إلى القبلة وهو قول الشافعي وجماعة الفقهاء يصلى على كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكره مالك من بين سائر العلماء أن يصلي أهل العلم والفضل على أهل البدع باب ما جاء في دفن الميت مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء وصلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد فقال ناس يدفن عند المنبر وقال آخرون يدفن بالبقيع فجاء أبو بكر الصديق فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه فحفر له فيه فلما كان عند غسله أرادوا نزع قميصه فسمعوا صوتا يقول لا تنزعوا القميص فلم ينزع القميص وغسل وهو عليه صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد ذكرنا ما يسند من هذا الحديث في كتاب التمهيد ولم يختلف العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه واختلفوا هل كفن في سائر القميص مع سائر أكفانه أو في قميص غيره على ما أوضحنا فيما مضى والحمد لله وقد روى حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا أين تدفنونه فقال أبو بكر في المكان الذي مات فيه قالت وكان بالمدينة قباران أحدهما يلحد والآخر يشق أو يضرح فبعث إليهما فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قبض النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ولم يدفن ذلك اليوم ولا تلك الليلة حتى كان من آخر يوم الثلاثاء قال وغسل وعليه قميص وكفن في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وبرد حبرة

وصلي عليه بغير إمام ونادى عمر في الناس خلوا الجنازة وأهلها قال وأخبرنا معمر عن الزهري عن بن المسيب قال لم يؤمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد كانوا يدخلون أفواجا الرجال والنساء والصبيان إلى البيت الذي هو فيه والحجرة فيدعون ثم يخرجون ويدخل آخرون حتى فرغ الناس وفي حديث هذا الباب من الفقه والعلم أيضا ما يدل على أن معرفة السير وأيام الإسلام وتواريخ أعمال الأنبياء والعلماء والوقوف على وفاتهم من علم خاصة أهل العلم وأنه مما لا ينبغي لمن وسم نفسه بالعلم جهل ذلك وأنه مما يلزمه من العلم العناية به وسنذكر اختلاف الآثار في مبلغ عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتاريخ وفاته ومدة مقامه بمكة من مبعثه وبالمدينة بعد هجرته إليها في كتاب الجامع من هذا الكتاب إن شاء الله لأنه هناك ذكره مالك رحمه الله ولا خلاف بين العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفن في الموضع الذي مات فيه من بيته بيت عائشة رضي الله عنها ثم أدخلت بيوته المعروفة لأزواجه بعد موته في مسجده فصار قبره في المسجد صلى الله عليه وسلم وأما قول مالك أنه صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين فهذا مما لا خلاف فيه وأما قوله ودفن يوم الثلاثاء فمختلف فيه قيل يوم الثلاثاء وقيل يوم الأربعاء وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال كان بالمدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر لا يلحد فقالوا أيهما جاء أول عمل عمله فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرنا معاني هذا الحديث مسندة في التمهيد فروى هذا الحديث جرير وهشام عن فقهاء أهل المدينة قال كان بالمدينة رجلان يحفران القبور وكان أحدهما يشق والآخر يلحد فذكره سواء أبو بكر عن جرير وذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال لحد له صلى الله عليه وسلم وجعل على لحده اللبن

وفيه أن اللبن في القبر مباح وأنه كان من العمل القديم وأنه لا وجه فيه لمن كرهه وفيه أن اللحد أفضل من الشق الذي اختاره الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم مع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جرير وغيره أنه قال اللحد لنا والشق لغيرنا ومن هنا كره الشق من كرهه والله أعلم لقوله صلى الله عليه وسلم والشق لغيرنا وروي عن نافع عن بن عمر قال ألحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وأوصى بن عمر أن يلحد له وذكر أبو بكر قال حدثنا بن مهدي عن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين مات وكان رجل يلحد والآخر يشق فقالوا اللهم خر له فطلع الذي كان يلحد فلحد له أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف ومحمد بن إبراهيم قالا حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا جعفر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب العلوي الموساوي قال حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي سنة إحدى وسبعين ومئتين قال حدثنا داود بن عبد الله الجعفري قال حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه أن الذي لحد قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طلحة والذي ألقى القطيفة شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك أنه بلغه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول ما صدقت بموت النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعت وقع الكرازين هذا الحديث لا أحفظه لأم سلمة وهو محفوظ لعائشة ذكر عبد الرزاق عن بن جريج وغيره عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن عائشة قالت ما شعرنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر السحر

وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن فاطمة بنت محمد عن عمرة عن عائشة قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل ليلة الأربعاء قال أبو عمر قوله في هذا الحديث المساحي تفسير الكرازين وفي هذا الحديث إباحة الدفن بالليل وعلى إجازته أكثر العلماء وجماعة الفقهاء لأن الليل ليس فيه وقت تكره فيه الصلاة ذكر معمر عن أيوب عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ليلا وقد كره قوم من السلف منهم الحسن وقتادة الدفن بالليل إلا لضرورة وروي في النهي عن الدفن بالليل حديث لا تقوم بإسناده حجة وروي ما يعارض ذلك من حديث أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفن الأعرابي الذي قال فيه إنه أواه ليلا وكان يرفع صوته بالقراءة والدعاء وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسكينة التي دفنت ليلا هلا آذنتموني بها دليل واضح على جواز الدفن بالليل وقد تقدم ذلك في حديث بن شهاب عن أبي أمامة من هذا الكتاب ولم يختلفوا أن أبا بكر دفن ليلا وقد روي أن عمر دفن ليلا ودفن علي فاطمة ليلا ودفن الزبير بن مسعود ليلا وأما الاختلاف في وقت دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكثر الآثار على أنه دفن يوم الثلاثاء وهو قول أكثر أهل الأخبار والله أعلم مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجري حجرتي فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق قالت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في بيتها قال لها أبو بكر هذا أحد أقمارك وهو خيرها قال أبو عمر روى هذا الحديث سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عائشة رأت ثلاثة أقمار فذكر مثل حديث مالك سواء في هذا الحديث ما كان القوم عليه في الرؤيا واعتقاد صحتها وأنه ما لم يكن من

أضغاث الأحلام فهو حق وصدق وحسبك أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة كما جاء في الآثار الصحاح وسنوضح ذلك في موضعه إن شاء الله وقد قلنا في ذلك في التمهيد ما فيه كفاية والحمد لله ويحتمل حديث عائشة أن يكون أبو بكر لم يجبها في حين قصت عليه رؤياها ثم قال لها ما حكته بعد ويحتمل أن يجمل لها الجواب حينئذ ويؤكده بالبيان في حين موت النبي صلى الله عليه وسلم وقد فهمت عنه والله أعلم أنه أراد النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه كما كان ولم يدفن في بيتها غيرهم وقد رام ذلك قوم فلم يقدره الله لهم وفيه دليل على أن القمر قد يكون في تأويل الرؤيا الملك الأعظم كما تكون الشمس وكان أبو بكر معبرا محسنا وقد عبر لها رؤياها في يوم الجمل روى هشيم وأبو بكر بن عياش عن مجالد عن الشعبي عن عائشة أنها رأت كأنها على ظرب وحولها بقر يذبح وينحر فقصت ذلك على أبي بكر فقال إن صدقت رؤياك ليقتلن حولك جماعة من الناس الظرب جمعه ظراب وهي الجبال الصغار مالك عن غير واحد ممن يثق به أن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل توفيا بالعقيق وحملا إلى المدينة ودفنا بها قال أبو عمر الخبر بذلك عن سعد وسعيد كما حكاه مالك صحيح ولكنها مسألة اختلف السلف ومن بعدهم فيه باختلاف الآثار في ذلك فمن كره ذلك احتج بحديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالقتلى أن يردوا إلى مضاجعهم وبحديث جابر أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تدفن الأجساد حيث تقبض الأرواح وبالحديث عن عائشة أنها قالت في أخيها عبد الرحمن لو شهدته ما دفن إلا حيث مات

وكان دفن بالحبش مكان بينه وبين مكة اثنا عشر ميلا أو نحوها قال أبو عمر قد أجمع المسلمون كافة بعد كافة على جواز نقل موتاهم من دورهم إلى قبورهم فمن ذلك البقيع مقبرة المدينة ولكل مدينة جبانة يتدافن فيها أهلها فدل ما ذكرناه من الإجماع على فساد نقل من نقل تدفن الأجساد حيث تقبض الأرواح إلا أن يكون أراد البلد والحضرة وما لا يكون سفرا والله أعلم وليس في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برد القتلى يوم أحد إلى مضاجعهم ما يرد ما وصفنا والحديث المأثور ما دفن نبي إلا حيث قبض دليل ووجه على تخصيص الأنبياء بذلك والله أعلم وأما حديث عائشة في أخيها بذلك والله أعلم لأنها أرادت دفنه بمكة لزيارة الناس القبور بالسلام عليهم والدعاء لهم وقد نقل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق ونحوه إلى المدينة وذلك بمحضر جماعة من الصحابة وكبار التابعين من غير نكير ولعلهما قد أوصيا بذلك وما أظن إلا وقد رويت ذلك والله أعلم وليس في هذا الباب أعني نقل الموتى بدعة ولا سنة فليفعل المؤمن ذلك ما شاء وبالله التوفيق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ما أحب أن أدفن بالبقيع لأن أدفن بغيره أحب إلي من أن أدفن فيه إنما هو أحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه وإما صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه وقد بين عروة رحمه الله وجه كراهته الدفن بالبقيع وظاهر خبره هذا أنه لم يكره نبش عظام الظالم وليس المعنى كذلك لأن عظم المؤمن يكره من كسره ميتا ما يكره منه وهو حي وفي خبر عروة هذا دليل على أن الناس بظلمهم يعذبون في قبورهم والله أعلم ولذلك استحبوا الجار الصالح في المحيا والممات وعروة رحمه الله ابتنى قصره بالعقيق وخرج من المدينة لما رأى من تغير أحوال أهلها ومات هناك رحمه الله وخبره هذا عجيب قد ذكرناه من طرق في آخر كتاب جامع بيان العلم وفضله

باب الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد بن سعد بن معاذ عن نافع بن جبير بن مطعم عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الجنائز ثم جلس بعد هكذا قال يحيى بن يحيى واقد بن سعد بن معاذ ينسبه إلى جده وغيره من رواة الموطأ وغيرهم يقولون واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ وهو الصواب وما أظن يحيى قصد أن ينسبه إلى جده ولكنه سقط من كتابه بن عمرو والله أعلم وقد ذكرنا نسبه وخبره في التمهيد وذكرنا جده سعد بن معاذ في كتاب الصحابة وذكرنا مسعود بن الحكم هناك أيضا لأنه ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرنا نافع بن جبير بن مطعم مثله في التمهيد والحمد لله وهذا الحديث ناسخ لما كان في أول الإسلام من قيام النبي صلى الله عليه وسلم للجنائز إذا مرت به وللقيام فيها إذا اتبعها حتى توضع بالأرض للصلاة عليها والقيام على قبرها حتى تدفن والله أعلم لأن قول علي رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنائز ثم جلس قول عام يحتمل جميع ما ذكرنا حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم أو توضع قال الحميدي وهذا منسوخ

وقد رواه معمر وغيره عن الزهري بإسناد هذا مثله ورواه أيوب عن نافع عن بن عمر عن عامر بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع وروى في القيام إلى الجنازة عبد الله بن عمرو بن العاص وأبو هريرة وأبو موسى الأشعري وجابر بن عبد الله وزيد بن ثابت وأخوه يزيد بن ثابت وقيس بن سهل وسعد بن حنيف كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ذلك في التمهيد وقد روى جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد فمر حبر من اليهود فقال هكذا نفعل فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقال اجلسوا خالفوهم وهذا في معنى حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نسخ القيام بالجلوس وروى أبو معمر عبد الله بن سخبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتشبه بأهل الكتاب فيما لم ينزل فيه وحي وكان يقوم للجنازة فلما نهي انتهى وفي رواية أخرى عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة أيضا عن علي رضي الله عنه أنهم كانوا عنده فمرت بهم جنازة فقاموا لها فقال علي ما هذا فقالوا أمر أبي موسى فقال إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة ثم لم يعد واختلف العلماء في هذا الباب فممن روي عنه أنه قال بالأحاديث المتواترة التي رواها من ذكرنا من الصحابة وذكرنا أنها منسوخة وقالوا لا يجلس من اتبع جنازة حتى توضع عن أعناق الرجال أبو هريرة والمسور بن مخرمة وبن عمر وبن الزبير وأبو سعيد الخدري وأبو موسى الأشعري وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وبن سيرين وإلى ذلك ذهب الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وبه قال محمد بن الحسن

وقال أحمد بن حنبل وإسحاق من قام لها فلا يعبه ومن قعد فأرجو أن لا يأثم وجاءت الرواية عن أبي مسعود البدري وأبي سعيد الخدري وسهل بن حنيف وقيس بن سعد أنهم كانوا يقومون للجنازة إذا مرت وروي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس أن القيام في الجنائز كان قبل الجلوس فبان بهذا أنهما رضي الله عنهما قد علما في ذلك الناسخ والمنسوخ وليس من علم شيئا كمن جهله فالصواب في هذا الباب إلى ما قاله علي وبن عباس فقد حفظا الوجهين جميعا وعرفا الناس أن الجلوس كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد القيام وإلى هذا ذهب سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ومالك بن أنس والشافعي وقال الشافعي القيام لها منسوخ حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين أن جنازة مرت بعبد الله بن عباس والحسن بن علي فقعد بن عباس فقام الحسن وقعد بن عباس فقال الحسن أليس قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي فقال بن عباس بلى ثم جلس بعد وذكر عبد الرزاق عن معمر عن هشام عن أبيه أنه كان يعيب من قام إلى الميت وينكر ذلك عليه واختلفوا أيضا في القيام على القبر بعد أن توضع الجنازة في اللحد فكره ذلك قوم وعمل به آخرون ذكر مالك عن أبي بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف أنه سمع أبا أمامة بن سهل بن حنيف يقول كنا نشهد الجنائز فما يجلس آخر الناس حتى يؤذنوا وهذا عندي ممكن أن لا يدخل في المنسوخ لأن النسخ إنما جاء في القيام للجنازة عند رؤيتها وإذا شيعت حتى توضع

وقد قال بهذا قوم من أهل العلم وقال منهم قائلون نسخ القيام كله في الجنازة على ما قدمنا ذكره والقول الأول عندي أولى لأن عليا رضي الله عنه روى النسخ ثم قد روي عنه أنه قام على قبر بن المكفف فقيل له ألا تجلس يا أمير المؤمنين فقال قليل لأخينا القيام على قبره وقد ذكرنا هذا الخبر من طرق بإسناده في التمهيد وفيه دليل على أن النسخ عند علي وهو الذي رواه لم يدخل فيه القيام على القبر ومن شهد الخبر وعلم مخرجه أولى أن يسلم له وقال سعيد بن جبير رأيت بن عمر قام على قبر وقال يستحب إذا أنس من الرجل الخير أن يفعل به ذلك وعن ميمون بن مهران أنه وقف على قبر فقيل له أواجب هذا فقال لا ولكن هؤلاء أهل بيت هذا لهم مني قليل ومن حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على قبر حتى دفن ومن حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل وكان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى تبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار ولا تبكي وتبكي من هذا فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن القبر أول منازل الآخرة فمن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه

وقد ذكرنا أسانيد هذه الأخبار في التمهيد والحمد لله مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب كان يتوسد القبور ويضطجع عليها قال أبو عمر الآثار مروية من طرق عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن القعود على القبور من حديث عقبة بن عامر وجابر وأبي هريرة وغيرهم ومن الرواة لها من يوقف حديث عقبة وحديث أبي هريرة ويجعله من حديثهما وأما حديث جابر فذكر عبد الرزاق قال حدثنا بن جريج قال أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يقعد الرجل على القبر ويقصص أو يبني عليه وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقعد عليها يعني القبور وعن بن مسعود لأن أطأ على جمرة حتى تطفأ أحب إلي من أن أقعد على قبر وعن أبي بكرة مثله سواء وعن أبي هريرة قال لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق رداءه ثم قميصه ثم إزاره حتى تخلص إلى جلده أحب إلي من أن يجلس على قبر وهذا الجلوس يحتمل أن يكون لحاجة الإنسان كما قال مالك ومن تبعه على ذلك وروى الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه أن عقبة بن عامر قال لأن أطأ على جمرة أو على حد سيف حتى يخطف رجلي أحب إلى من أن أمشي على مسلم وما أبالي في القبور قضيت حاجتي أو في السوق والناس ينظرون وعن الحسن وبن سيرين ومكحول كراهية المشي على القبور والقعود عليها وقال مالك رحمه الله وإنما نهي عن القعود على القبور فيما نرى للمذاهب يريد حاجة الإنسان وحجته أن علي بن أبي طالب كان يتوسد القبور ويضطجع عليها

وإذا جاز ذلك جاز المشي والقعود فلم يبق إلا أن ذلك لحاجة الإنسان والله أعلم وهو قول زيد بن ثابت وعلى ذلك حديث عقبة بن عامر ما أبالي قضيت حاجتي على القبور أو في السوق والناس ينظرون لأن الموتى يجب الاستحياء منهم كما يجب من الأحياء والله أعلم وكذلك جاءت السنة المتواترة النقل بالسلام على القبور عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من أصحابه والتابعين ولا أعلم أحدا إلا وهو مجيز ذلك من فقهاء المسلمين إلا شيء روي عن حماد بن أبي سليمان لا وجه له وروى أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن زيد بن ثابت قال له هلم يا بن أخي إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبر لحدث بول أو غائط وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل عن العلاء بن المسيب عن فضيل عن مجاهد قال لا تخل وسط مقبرة ولا تبل فيها وعلى هذا معنى الآثار المروية في الكراسة في هذا الباب والله أعلم مالك عن أبي بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف أنه سمع أبا أمامة بن سهل بن حنيف يقول كنا نشهد الجنائز فما يجلس آخر الناس حتى يؤذنوا قد مضى القول في معنى الحديث فيما تقدم من هذا الباب وأبو بكر هذا لا يوقف له على اسم وقد رواه عنه كما رواه مالك بن المبارك إلا أنه قال فيه فما ينصرف الناس حتى يؤذنوا وهذه مسألة اختلف العلماء فيها قديما فيروى عن عمر وعلي وأبي هريرة والمسور بن مخرمة وإبراهيم النخعي أنهم كانوا لا ينصرفون حتى يؤذن لهم أو يستأذنوا وروي عن بن مسعود وزيد بن ثابت وعروة وبن الزبير والقاسم بن محمد والحسن وقتادة وعمر بن عبد العزيز أنهم كانوا ينصرفون إذا وريت الجنازة ولا يستأذنون هذا معنى ما روي عنهم رحمهم الله وهو الصواب إن شاء الله للحديث المرفوع من شيع جنازة كان له قيراط من الأجر ومن قعد حتى تدفن كان له قيراطان

وهو قول مالك والشافعي وأكثر العلماء وأما رواية مالك فما يجلس الناس حتى يؤذنوا فقد ذكرنا القيام على القبر وما جاء عن العلماء في ذلك وروينا ذلك أيضا عن علي وعلقمة وعبد الله بن الزبير وفضالة بن عبيد أنهم كانوا يقومون على القبور ويجيزون القيام عليها حتى تدفن وروينا كراهية القيام على القبر عن أبي قلابة والشعبي وإبراهيم النخعي والقول الأول أولى لأنه أعلى ما روي في ذلك واتباع الصحابة أوقع وأصوب من اتباع من بعدهم ولو علم الذين جاء عنهم خلافهم فعلهم ما خالفوهم إن شاء الله باب النهي عن البكاء على الميت فيه لمالك حديثه عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك على حسب ما في الموطأ عن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحارث وهو جد عبد الله بن عبد الله بن جابر أبو أمه أنه أخبره أن جابر بن عتيك أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب عليه فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال غلبنا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل جابر يسكتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية قالوا يا رسول الله وما الوجوب قال إذا مات فقالت ابنته والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا فإنك كنت قد قضيت جهازك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته وما تعدون الشهادة قالوا القتل في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله

المطعون شهيد والغرق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمبطون شهيد والحرق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع شهيد ولم يختلف الرواة للموطأ فيما علمت في إسناد هذا الحديث ولا في متنه إلا أن غير مالك يقول فيه دعهن يبكين ما دام عندهن وفي حديث مالك من الفقه معان حسنة منها عيادة الفضلاء من الخلفاء وغيرهم المرضى تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي فضل عيادة المرضى أحاديث كثيرة حسان وهي سنة مسنونة مندوب إليها لا خلاف عن العلماء فيها وفيه جواز مناداة العليل ليجيب عن حاله فإن لم يقدر على الاجابة فلا بأس بالاسترجاع عليه حينئذ وإن كان يسمع بدليل هذا الحديث والاسترجاع على المصيبة سنة قال الله عز وجل الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون البقرة وفيه تكنية الرئيس الكبير لمن دونه ألا ترى قوله عليه السلام غلبنا عليك يا أبا الربيع ولم يستكبر عن ذلك من الخلفاء والأمراء إلا من حرم التقوى وفيه إباحة البكاء على المريض بالصياح وغير الصياح عند حضور وفاته ألا ترى إلى قوله فصاح النسوة وبكين فجعل جابر يسكتهن وتسكيت جابر لهن والله أعلم لأنه كان قد سمع النهي عن البكاء على الموتى فاستعمل ذلك على عمومه حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن يبكين حتى يموت فإذا مات فلا تبكين باكية وهذا معنى قوله فإذا أوجب فلا تبكين باكية يريد لا ترفع صوتها بالبكاء باكية وذلك مفسر في الحديث

وهذا دليل على جواز البكاء على الموتى في تلك الحال وإن النهي عن البكاء عليهم هذا معناه والله أعلم حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا الفضل بن دكين قال حدثني إسرائيل عن عبد الله بن عيسى عن جابر بن عتيك عن عمه قال دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم على ميت من الأنصار وأهله يبكون عليه فقلت أتبكون عليه وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعهن ما دام عندهن فإذا وجب فلا يبكين وقوله عليه السلام فإذا وجب فلا تبكين باكية يعني بالوجوب الموت فإن المعنى والله أعلم أن الصياح والنياح لا يجوز شيء منه بعد الموت وأما دمع العين وحزن القلب فالسنة ثابتة بإباحته وعليه جماعة العلماء بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبراهيم ابنه وقال إنها رحمة من حديث جابر وحديث أنس وبكى على زينب ابنته فقيل له تبكي فقال إنما هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده من حديث أسامة بن زيد وروى أبو إسحاق السبيعي عن عامر بن سعد البجلي عن أبي مسعود الأنصاري وثابت بن زيد وقرظة بن كعب قالوا رخص لنا في البكاء على الميت من غير نوح وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النوح من حديث عمر وحديث علي

وحديث المغيرة وحديث أم عطية وحديث أم سلمة وحديث أبي مالك الأشعري وحديث أبي هريرة وغيرهم وأجمع العلماء على أن النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء ورخص الجمهور في بكاء العين في كل وقت وجاء في حديث بن عمر لكن حمزة لا بواكي له وروى هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سلمة بن الأزرق عن أبي هريرة قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة يبكي عليها وأنا معه وعمر بن الخطاب فانتهر اللاتي يبكين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن يا بن الخطاب فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب وفيه أن المتجهز للغزو إذا حيل بينه وبينه يكتب له أجر الغازي ويقع أجره على قدر نيته والآثار بهذا المعنى متواترة صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم منها من كانت له صلاة بالليل فغلبه عليها نوم كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة ومنها حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غزوة تبوك أو غيرها لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه قالوا يا رسول الله كيف يكونون معنا وهم بالمدينة قال حبسهم العذر وقد زدنا هذا المعنى بيانا بالآثار في كتاب الصلاة والحمد لله وفيه طرح العالم على المتعلم لقوله وما تعدون الشهادة ثم أجابهم بخلاف ما عندهم وقال لهم الشهداء سبعة سوى القتيل في سبيل الله ثم ذكرهم وأما قوله المطعون شهيد فهو الذي يموت في الطاعون وقد جاء تفسير الطاعون في حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فناء أمتي بالطعن والطاعون قالت أما الطعن فقد عرفناه فما الطاعون قال غدة

كغدة البعير تخرج في المراق والأباط من مات منه مات شهيدا وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده في التمهيد وذكرنا هناك ما كان في معناه من الأحاديث المرفوعة والحمد لله وأما المبطون فقيل المحبوق وقيل صاحب انخراق البطن بالإسهال وأما الغرق فمعروف وهو الذي يموت في الماء وذات الجنب قيل هي الشوصة وقيل إنها في الجانب الآخر من موضع الشوصة وذلك معروف أنها تكون منها المنية في الأغلب وصاحبها شهيد على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض الآثار المجنوب شهيد يريد صاحب ذات الجنب يقال له رجل جنب بكسر النون وفتح الجيم إذا كانت به ذات الجنب وأما الحرق فالذي يموت في النار محترقا من النار والذي يموت تحت الهدم لا يحتاج إلى تفسير وأما قوله المرأة تموت بجمع شهيد ففيه قولان لكل واحد منهما وجهان أحدهما المرأة تموت من الولادة وولدها في بطنها قد تم خلقه وقد ذكرنا الشواهد بذلك في التمهيد وقيل إذا ماتت من النفاس فهي شهيدة سواء ألقت ولدها أو مات وهو في بطنها والقول الآخر هي المرأة تموت قبل أن تحيض وتطمث وقيل بل هي المرأة تموت عذراء لم يمسها الرجال والقول الأول أشهر في اللغة وأكثر عند العلماء وفي جمع لغتان الضم والكسر في العذراء والنفساء معا قيل تموت بجمع وشواهد ذلك في التمهيد أيضا وقد ذكرنا في الشهادة والشهداء آثارا كثيرة في التمهيد فيها بيان وشفاء والحمد لله وفي هذا الباب أيضا

مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول إن الميت ليعذب ببكاء الحي فقالت عائشة يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودية يبكي عليها أهلها فقال إنكم لتبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها اختلف العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فقال منهم قائلون معناه أن يوصي بذلك الميت فيعذب حينئذ بفعل نفسه لا بفعل غيره وقال آخرون معناه أن يمدح الميت في ذلك البكاء بما كان يمدح به أهل الجاهلية أو نحوه من الفتكات والغدرات والغارات والقدرة على الظلم وشبه ذلك من الأفعال التي هي عند الله ذنوب فهم يبكونه لفقدها ويمدحونه بها وهو يعذب من أجلها وقال آخرون في هذا الحديث وفي مثله النياحة وشق الجيوب ولطم الخدود ونوع هذا من أنواع النياحة وأما بكاء العين فلا وذهبت عائشة رضي الله عنها إلى أن أحدا لا يعذب بفعل غيره وهو الأمر المجتمع عليه لقول الله عز وجل ولا تزر وازرة وزر أخرى الأنعام وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لآبي رمثة في ابنه إنك لا تجني عليه ولا يجني عليك وقد صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر والمغيرة بن شعبة وغيرهم أنه قال يعذب الميت بما نيح عليه وقد ذكرنا الآثار بذلك من طرق شتى في التمهيد

ومعناه النهي عن النياحة على الموتى وكل حديث أتى فيه ذكر البكاء فالمراد به النياحة عند جماعة العلماء إلا أن الله تعالى يقول أضحك وأبكى النجم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وقال لعمر إذ نهى النساء عن البكاء دعهن يا عمر فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النياحة ولعن النائحة والمستمعة ونهى عن شق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية وقال ليس منا من حلق ولا من سلق ولا من خرق وقال ثلاث من أفعال الجاهلية الطعن في الأنساب والنياحة على الموتى والاستسقاء بالأنواء

وكل ذلك بالأسانيد مذكور في التمهيد قال الشافعي رحمه الله أرخص في البكاء على الميت بلا ندب ولا نياحة لما في النياحة من تجديد الحزن ومنع الصبر وعظيم الإثم قال وما ذهبت إليه عائشة رضي الله عنها أشبه بدلائل الكتاب ثم تلا ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى الأنعام وذكر حديث أبي رمثة قال وما زيد في عذاب الكافر فباستيجابه لا بذنب غيره وقول الشافعي في تصويب عائشة في إنكارها على بن عمر هو تحصيل مذهب مالك وما دل عليه الموطأ لأنه ذكر فيه حديث عائشة ولم يذكر فيه خلافه فمذهب مالك والشافعي في معنى هذا الباب سواء وقال آخرون منهم داود بن علي وأصحابه ما روي عن عمر وبن عمر والمغيرة وعمران بن حصين وغيرهم في هذا الباب أولى من حديث عائشة وقولها قالوا ولا يجوز أن ترد رواية العدل الثقة بمثل هذا من الاعتراض وذكروا نحو ما ذكرنا من الأحاديث في النياحة ولطم الخدود وشق الجيوب وقالوا قال الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا التحريم وقال وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها طه قالوا فواجب على كل مسلم أن يعلم أهله ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم وينهاهم عما لا يحل لهم قالوا فإذا علم المسلم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النياحة على الميت من الكراهة والنهي عنها والتجديد فيها ولم ينه عن ذلك أهله ونيح عليه عند موته وعلى قبره فإنما يعذب بما نيح عليه بفعله لأنه لم يفعل ما أمر به ولا نهاهم عما نهي عنه فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره وقال المزني بلغهم أنهم كانوا يوصون بالبكاء عليهم أو بالنياحة وهي معصية ومن أمر بها ففعلت بعده كانت له ذنبا فيجوز أن يجازى بذنبه ذلك عذابا والله أعلم وقد حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا أبو عامر قال حدثنا زهير عن أسيد بن أبي أسيد عن موسى بن أبي موسى

الأشعري عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الميت يعذب ببكاء الحي عليه إذا قالت النائحة واعضداه واناصراه واكاسياه جيء بالميت وقيل له أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسيها فقلت سبحان الله يقول الله تبارك وتعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى الأنعام فقال ويحك أحدثك عن أبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول هذا فأينا كذب والله ما كذبت على أبي موسى ولا كذب أبو موسى على النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر هذا كله في النياحة والصراخ والصياح والصحيح الأولى بكاء النفس ودمع العين وعلى هذا تهذيب آثار هذا الباب والله الموفق للصواب باب الحسبة في المصيبة مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم هذا الإسناد من أجود أسانيد الآحاد وفي هذا الحديث على حسب ما قيده مالك رحمه الله في ترجمته من ذكر الحسبة وهي الصبر والاحتساب والرضا والتسليم أن المسلم تكفر خطاياه ويغفر له ذنوبه بالصبر على مصيبته ولذلك خرج عن النار فلم تمسه وقد ذكرنا في التمهيد أحاديث تعضد هذا المعنى وتشده منها حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم

ذكر في الحديث لم يبلغوا الحنث يعني لم يبلغوا أن تجري عليهم الأقلام بالسيئات فإذا كان الآباء يدخلون الجنة بفضل رحمة الله لأطفالهم دل على أن أطفال المسلمين في الجنة لأنه يستحيل أن يرحموا من أجل من ليس بمرحوم ألا ترى إلى قوله بفضل رحمته إياهم وعلى هذا جمهور علماء المسلمين إلا المجبرة فإنهم يقولون هم في المشيئة وشهد بهذا ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إني مكاثر بكم الأمم حتى بالسقط يظل محبنطئا يقال له ادخل الجنة فيقول لا حتى يدخلها أبواي فيقال له ادخل الجنة أنت وأبواك ومثل ذلك أيضا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صغاركم دعاميص الجنة وأبين من هذا حديث شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن رجلا من الأنصار مات له بن صغير فوجد عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما يسرك ألا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته يستفتح لك فقالوا له يا رسول الله أله خاصة أم للمسلمين عامة قال بل للمسلمين عامة وروي عن علي رضي الله عنه في قول الله تعالى ذكره كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين المدثر قال أطفال المسلمين وسنذكر الآثار التي يحتج بها فرق الإسلام أهل السنة والمجبرة وغيرهم في الأطفال في باب جامع الجنائز بعد من هذا الكتاب إن شاء الله وأما قوله في حديث مالك إلا تحلة القسم فهو لفظ مخرج في التفسير

المسند لأن القسم المذكور فيه معناه عند العلماء قول الله عز وجل وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا مريم قال الحسن وقتادة حتما مقضيا واجبا وكذلك قال السدي ورواه عن مرة الهمداني عن بن مسعود وقد اختلف العلماء في الورود المذكور في هذه الآية فقال منهم قائلون الورود الدخول وممن قال ذلك عبد الله بن رواحة وعبد الله بن عباس على أنه قد اختلف في ذلك عن بن عباس وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهما في التمهيد ذكر بن جريج عن عطاء عن بن عباس قال الورود الذي ذكره الله تعالى في القرآن الدخول ليردها كل بر وفاجر ثم قال بن عباس في القرآن أربعة أوراد قوله تعالى فأوردهم النار هود وقوله حصب جهنم أنتم لها واردون الأنبياء وقوله ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا مريم وقوله وإن منكم إلا واردها مريم قال بن عباس والله لقد كان من دعاء من مضى اللهم أخرجني من النار سالما وأدخلني الجنة غانما وعن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الورود هو الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم فينج الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا يقول في ذلك الموضع يفوز بالسلامة أهل الطاعة ويشقى بالعذاب أولي الكفر والمعصية وقال آخرون الورود الممر على الصراط روى الكعبي عن أبي صالح عن بن عباس في قوله وإن منكم إلا واردها مريم قال الممر على الصراط وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود وكعب الأحبار وخالد بن معدان وأبي نضرة وهو قول السدي وروى إسرائيل وشعبة عن السدي أنه سأل مرة الهمداني عن قول الله عز وجل

وإن منكم إلا واردها مريم قال فحدثني أن عبد الله بن مسعود حدثهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد إلا وهو يرد النار ثم يصدرون منها بأعمالهم فأولهم كالبرق ثم كالريح ثم كخطو الفرس ثم كالراكب في رحله ثم كشد الرجل ثم كمشيه وقفه إسرائيل وكان شعبة ربما رفعه وكان كثيرا يرفعه وقال آخرون هو خطاب للكفار ذكر وكيع عن شعبة عن عبد الرحمن بن السائب عن رجل عن بن عباس أنه قال في قول الله تعالى وإن منكم إلا واردها مريم قال هو خطاب للكفار روي ذلك عن الحسن قال هو خطاب للمشركين قال أبو عمر يريد وإن منكم يا هؤلاء أو نحو ذلك وقد روي عن بن عباس أنه كان يقرؤها وإن منهم إلا واردها ردا على الآيات التي قبلها من الكفار قول الله تعالى فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا وإن منكم إلا واردها مريم وقال بن الأنباري وغيره جائز في القصة أن يرجع من مخاطبة الغائب إلى لفظ المواجه كما قال عز وجل وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا الإنسان فأبدل الله من الكاف الهاء قال أبو عمر يرجع من مخاطبة الغائب إلى المواجه ومن المواجه إلى الغائب كما قال عز وجل حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم يونس وهو كثير في القرآن وأشعار العرب وقال آخرون الورود إشراف على النار بالنظر إليها ثم ينجى منها الفائز ويصلاها من قدر عليه دخولها واحتج هؤلاء أو بعضهم بقوله عز وجل ولما ورد ماء مدين القصص أي أشرف عليه ورآه وقال الحسن هو كقولك وردت البصرة وليس الورد الدخول واحتج من ذهب هذا المذهب بقوله عز وجل إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون الأنبياء

ومن قال الورود الدخول قال من نجا منها كانت عليه بردا وسلاما فقد أبعد عنها واحتجوا أيضا بقوله عليه السلام إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة وقالت طائفة إن المؤمن إذا زحزح عن النار لم يرها ولم يردها ويكون ما يناله في الدنيا من الحمى ورودا لها حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا بن أبي دليم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا محمد بن سليمان الأنباري قال حدثنا يحيى بن يمان عن عثمان بن الأسود أنه قال حظ المؤمن من النار ثم قرأ وإن منكم إلا واردها فقال الحمى في الدنيا الورود فلا يردها في الآخرة وقد روي عن أبي هريرة أنه قال عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه مريضا كان به وعك فقال له أبشر فإن الله تعالى يقول هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة وفي حديث أبي ريحانة الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الحمى كير من جهنم وهي نصيب المؤمن من النار وإسناد هذين الحديثين في التمهيد وفي هذا الباب مالك عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبي النضر السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد

فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار فقالت امرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أو اثنان قال أو اثنان هذا الحديث قد اضطرب فيه رواة الموطأ تقول كما قال يحيى عن أبي النضر وطائفة تقول عن أبي النضر السلمي منهم القعنبي وهو رجل مجهول لا يعرف في حملة العلم ولا يوقف له على نسب ولا يدرى أصاحب هو أو تابع وهو مجهول ظلمة من الظلمات قيل فيه محمد بن النضر وقيل عبد الله بن النضر وقال فيه أكثرهم السلمي بفتح السين واللام كأنه من بني سلمة في الأنصار وقال بعض المتأخرين فيه إنه أنس بن مالك بن النضر نسب إلى جده النضر قال وكنيه أنس بن مالك أبو النضر وهذا جهل واضح وغباوة بينة وذلك أن أنس بن مالك بن النضر ليس من بني سلمة وإنما هو من بني عدي بن النجار ولم يكن قط بأبي النضر وإنما كنيته أبو حمزة والذي حاله هذا الحديث وله أدخله مالك في موطئه الاحتساب في المصيبة والصبر عليها وكأنه جعل قوله في هذا الحديث ثلاثة من الولد فيحتسبهم تفسيرا للحديث الذي قبله هذا شأنه في كثير من الموطأ وقد روي معنى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه والحمد لله من حديث أبي هريرة وأبي سعيد ومعاذ بن جبل وغيرهم في كتاب بن أبي شيبة وغيره وفي هذا الباب أيضا مالك أنه بلغه عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما يزال المؤمن يصاب في ولده وفي حامته حتى يلقى الله وليست له خطيئة قد ذكرنا من أسند هذا الحديث عن مالك ووصله فجعله عن مالك عن ربيعة عن أبي الحباب عن أبي هريرة في التمهيد وذكرنا آثارا متصلة في معناه هناك والحمد لله وفيه من الفقه تكفير الخطايا والذنوب بما ينال المؤمن من مصائب الدنيا في بنيه

وقرابته وماله والله أعلم لقوله عليه السلام من يرد الله به خيرا يصب منه ولما حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا سعيد بن عامر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وليست له خطيئة وأما قوله فيه وحامته فقد روى حبيب عن مالك قال حامته بن عمه وصاحبه من جلسائه وقال غيره حامته قرابته ومن يحزنه موته وقد ذكرنا في التمهيد خبر عمر بن الخطاب مع الأعرابي الذي رآه يطوف بالبيت وهو حامل امرأته فسأله عنها فكان من قوله إنها أكول قامة ما تبقي لنا حامة ومعنى قوله قامة أي تقم كل شيء لا تشبع ومعنى قوله ما تبقي لنا حامة يقول لا تبقي لنا أحدا قاربها ممن يحرم بها إلا شارته باب جامع الحسبة في المصيبة مالك عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليعز الناس في مصائبهم المصيبة بي هكذا هذا الحديث في الموطأ عند أكثر الرواة ورواه عبد الرزاق عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول يعزي المسلمين في مصائبهم فخالف في الإسناد والمتن

وقد روي هذا الحديث مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى لفظ الموطأ في حديث سهل بن سعد وحديث عائشة وحديث المسور بن مخرمة وروي أيضا مرسلا من وجوه منها ما ذكره بن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصابت أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي وليعزه ذلك من مصيبته وقد ذكرنا طرق الآثار بذلك في التمهيد ونعم العزاء فيه لأمته صلى الله عليه وسلم فما أصيب المسلمون بعده بمثل المصيبة به وفيه العزاء والسلوى وأي مصيبة أعظم من مصيبة من انقطع بموته وحي السماء ومن لا عوض منه رحمة للمؤمنين وقضاء على الكافرين والمنافقين ونهجا للدين وروي عن طائفة من الصحابة أنهم قالوا ما نفضنا أيدينا من تراب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا ولأبي العتاهية شعر يقول وإذا ذكرت محمدا ومصابه فاجعل مصابك بالنبي محمد وله أيضا لكل أخي ثكل عزاء وأسوة إذا كان من أهل التقى في محمد ورحم الله أبا العتاهية فلقد أحسن حيث يقول ركنا إلى الدنيا الدنية بعده وكشفت الأطماع منا المساويا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أصابته مصيبة فقال كما أمر الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأعقبني خيرا منها إلا فعل الله ذلك به قالت أم سلمة فلما توفي أبو سلمة قلت ذلك ثم قلت ومن خير من أبي سلمة فأعقبها الله رسوله صلى الله عليه وسلم فتزوجها قد ذكرنا الآثار المسندة في معنى مرسل مالك هذا في التمهيد

وفي هذا الحديث تعليم ما يقال عند المصيبة وهو قول لا ينبغي لمن أصيب بمصيبة في مال أو حميم أن يحيد عن ذلك وعليه أن يفزع إليه تأسيا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعنى قوله إلا فعل الله ذلك به أي آجره في مصيبته وأعقبه منها الخير كما قال من جاء بالحسنة فله خير منها القصص أي منها خير قال بن جريج ما يمنع الرجل ألا يستوجب على الله ثلاث خصال كل خصلة منهن خير من الدنيا وما فيها صلوات من الله وهدى ورحمة وقال سعيد بن جبير ما أعطيت أمة ما أعطيت هذه الأمة قوله تعالى الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة البقرة ولو أعطيها أحد أعطيها يعقوب لقوله يا أسفي على يوسف يوسف ذكر سنيد عن إسماعيل بن علية عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال نعي إلى بن عباس أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع وتنحى عن الطريق فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول واستعينوا بالصبر والصلاة البقرة قال وأخبرنا هشيم قال أخبرنا خالد بن صفوان عن زيد بن علي عن بن عباس أنه كان في سفر فنعي بعض ولده فاسترجع ثم نزل فصلى ركعتين ثم قال فعلنا ما أمرنا الله به ثم تلا واستعينوا بالصبر والصلاة البقرة وذكر مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال هلكت امرأة لي فأتاني محمد بن كعب القرظي يعزيني بها فقال إنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم عابد مجتهد وكانت له امرأة وكان بها معجبا ولها محبا فماتت فوجد عليها وجدا شديدا ولقي عليها أسفا حتى خلا في بيت وغلق على نفسه واحتجب من الناس فلم يكن يدخل عليه أحد وإن امرأة سمعت به فجاءته فقالت إن لي إليه حاجة أستفتيه فيها ليس يجزيني فيها إلا مشافهته فذهب الناس ولزمت بابه وقالت ما لي منه بد فقال له قائل إن ها هنا امرأة أرادت أن تستفتيك وقالت إن أردت إلا مشافهته وقد ذهب الناس

وهي لا تفارق الباب فقال ائذنوا لها فدخلت عليه فقالت إني جئتك أستفتيك في أمر قال وما هو قالت إني استعرت من جارة لي حليا فكنت ألبسه وأعيره زمانا ثم إنهم أرسلوا إلي فيه أفأؤديه إليهم فقال نعم والله فقالت إنه قد مكث عندي زمانا فقال ذلك أحق لردك إياه إليهم حين أعاروكيه زمانا فقالت أي يرحمك الله أفتأسف على ما أعارك الله ثم أخذه منك وهو أحق به منك فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها قال أبو عمر ليس في قول المرأة ولا ما ذكرته من العارية على جهة ضرب المثل ما يدخل في مذموم الكذب بل ذلك من الخير المحمود عليه صاحبه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالكاذب من قال خيرا أو نمى خيرا أو أصلح بين اثنين وهذا خبر حسن عجيب في التعازي ليس في كل الموطأت وليس فيه ما يحتاج إلى شرح ولا تفسير ولا اجتهاد وفي معنى هذا الخبر من النظم قول لبيد وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوما أن ترد الودائع وقول محمد بن دينار إنما أنفسنا عارية والعواري مصيرها أن تسترد نحن للآفات اعتراض فإن أخطأتنا فلناا الموت رصد وباب التعازي باب لا تحاط أقوال الناس فيه وخير القول قول صادف قبولا فنفع ومن أحسن ما جاء في هذا المعنى ما عزى به عمرو بن عبيد سهم بن عبد

الحكم بن عبد الحميد على بن هلك فقال إن أباك كان أصلك وإن ابنك كان فرعك وإن امرءا ذهب أصله وفرعه لحري أن يقل بقاؤه وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز أما بعد يا أمير المؤمنين فإن طول البقاء إلى فناء ما هو فخذ من فنائك الذي لا يبقى لبقائك الذي لا يفنى والسلام باب في المختفي وهو النباش قال الأصمعي وأهل المدينة يسمون النباش المختفي مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنه سمعها تقول لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المختفي والمختفية يعني نباش القبور مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول كسر عظم المسلم ميتا ككسره وهو حي تعني في الإثم وأما حديث أبي الرجال فقد روي مسندا من حديث مالك وغيره عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه في التمهيد لمالك مسندا هكذا وليس في الموطأ إلا مرسلا عن عمرة وهو الصحيح فيه عن مالك وإنما سمي النباش مختفيا والله أعلم لإظهاره الميت وإخراجه إياه بعد دفنه من قبره لأن أخفيت تكون بمعنى سترت وبمعنى أظهرت وقيل خفيت أظهرت وأخفيت سترت وقد قرئت هذه الآية إن الساعة ءاتية أكاد أخفيها و أخفيها طه فمن قرأ أخفيها يريد أكاد أخفيها في النفس ومن قرأ أخفيها أي أظهرها وقد ذكرت الشواهد من الشعر على ذلك في التمهيد وفي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النباش دليل على تحريم فعله والتغليظ فيه كما لعن شارب الخمر وبائعها وآكل الربا ومؤكله

واختلف الفقهاء في قطع النباش فرأى جماعة من أهل العلم قطعة مالك وأصحابه واحتج بن القاسم وغيره بقول الله عز وجل ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا المرسلات وقالوا القبر حرز وستر للكفن كأنه بيت للحي وقد أتى في أحاديث كثيرة أن القبر بيت وقال الكوفيون لا قطع على النباش وعليه العقوبة لأن الميت لا يملك ولا يصح القطع إلا على من سرق من ملك ملك في حوزة وأما قول عائشة كسر عظم المسلم الحديث فقد روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن سعيد بن أبي سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كسر عظم الميت ككسره حيا وقوله يعني في الإثم تفسير حسن لأنهم مجمعون على رفع القود في ذلك والدية فلم يبق إلا الإثم باب جامع الجنائز ذكر فيه مالك عن هشام بن عروة عن عباد بن عبد الله بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت وهو مستند إلى صدرها وأصغت إليه يقول اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى هذا حديث مسند صحيح وفيه الندب في الدعاء بالغفران والرحمة تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان هو الداعي بذلك وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فأين غيره منه والدعاء مخ العبادة لما فيه من الإخلاص والخضوع والضراعة والرجاء وذلك صريح الإيمان واليقين

وإنما يخشى الله من عباده العلماء والمؤمن خوفه ورجاؤه معتدلان ومعلوم أن الأنبياء والرسل أشد خوفا لله وأكثر إشفاقا ووجلا ولذلك كانوا أرفع درجات وأعلى منازل وقد أثنى الله على الذين كانوا يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة وأخبر الله عز وجل عن دعاء الأنبياء بالرحمة والعصمة بما فيه شفاء لذوي النهى وأما قوله وألحقني بالرفيق الأعلى فمأخوذ عندهم من قول الله عز وجل مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا النساء وقيل الرفيق الجنة وقيل الرفيق الأعلى ما على فوق السماوات السبع وهي الجنة والله أعلم قول عائشة بعد هذا من بلاغات مالك أنه بلغه أن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من نبي يموت حتى يخير قالت فسمعته يقول اللهم الرفيق الأعلى فعرفت أنه ذاهب يفسر ما قبله كأنها قالت إنه خير بين البقاء في الدنيا وبين المصير إلى الله فاختار الرفيق الأعلى وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخير بين الدنيا والآخرة إلا اختار الآخرة لأن الدنيا فانية وما مضى منها وإن كان طويلا فكالحلم إذا انقضى ودار البقاء في الخير الدائم أولى باختيار ذوي النهي وليس في مسند مالك ذكر التخيير وإنما ذكره فيما بلغه وقد ذكرناه فيما في بلاغاته في التمهيد مسندا من حديث إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن عروة عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من نبي مرض إلا خير بين الدنيا والآخرة قالت فلما كان في مرضه الذي قبض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا النساء فعلمت أنه خير وهذا يقتضي معنى حديث بلاغ مالك ويعضده وقد روي من وجوه أن الله عز وجل خيره صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة من حديث مالك وغيره عن أبي

النضر وخير أن يؤتى مفاتيح خزائن الأرض أو ما عند الله فاختار ما عند الله والآثار في ذلك كثيرة صحاح ذكرنا منها في التمهيد حديث عائشة خاصة لقول مالك إنه بلغه عن عائشة وذكر الحديث مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة هكذا قال يحيى في هذا الحديث حتى يبعثك الله يوم القيامة وهو معنى مفهوم على معنى التفسير والبيان لحتى يبعثك الله وقال القعنبي حتى يبعثك الله يوم القيامة وهذا أثبت وأوضح من أن يحتاج فيه إلى قول وقال فيه بن القاسم حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة وهذا أيضا بين يريد حتى يبعثك الله إلى ذلك المقعد وإليه تصير وهو عندي أشبه لقوله عرض عليه مقعده لأن معنى مقعده عندي والله أعلم مستقره وما يسير إليه من جنة أو نار وكذلك رواه بن بكير كما روى بن القاسم وقد روي عن بن بكير حتى يبعثك الله لم يزد واختلف في هذا الحديث أيضا على عبيد الله بن عمر قريبا من الاختلاف فيه على مالك فيما وصفنا ويحتمل أن تكون الهاء في قوله حتى يبعثك الله إليه راجعة على الله تعالى ذكره أي إلى الله فإلى الله المصير وإليه ترجع الأمور والأول أظهر عندي والله أعلم وفي هذا الحديث دليل على أن الجنة والنار مخلوقتان كما يقول جماعة أهل السنة وهم الجماعة الذين هم الحجة أهل الرأي والآثار

ويدل على ذلك قول الله عز وجل ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة البقرة وقوله تعالى لا يفتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة الأعراف وقال إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى طه وقال لإبليس فاخرج منها فإنك رجيم الحجر وقال عز وجل في آل فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشيا غافر وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكت النار إلى ربها الحديث وقوله عليه الصلاة والسلام اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء وقوله دخلت الجنة فأخذت منها عنقودا وقوله عليه السلام لما خلق الله الجنة حفها بالمكاره وخلق النار فحفها بالشهوات

والآثار في أن الجنة والنار قد خلقتا كثيرة جدا ومما يدل على أن المراد في هذا الحديث الجنة والنار ما حدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا الفريابي قال حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم الدمشقي قال حدثنا بن أبي فديك قال حدثنا بن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فذكر الحديث وفيه قال فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ويفرج له فرجة إلى النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له انظر إلى ما وقاك الله ثم يفرج له فرجة إلى الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له هذا مقعدك وذكر تمام الحديث وفيه بيان وتفسير حديث البراء وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وفيه قال فتعاد روحه إلى جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له من ربك فيقول ربي الله ويقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام ويقولان له من نبيك فيقول نبيي محمد عليه السلام فينادي مناد من السماء صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من طيبها وروحها ويفتح له في قبره مد بصره الحديث وفيه في الكافر أنه يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه وهذا الحديث يفسر أيضا حديث بن عمر المذكور في هذا الباب ويبين المراد منه والله أعلم والأحاديث بهذا المعنى كثيرة جدا وأما قوله إن أحدكم فإن الخطاب موجه إلى أصحابه وإلى المنافقين والله أعلم فيعرض على المؤمن مقعده من الجنة وعلى المنافق مقعده من النار وفي هذا الحديث الإقرار بالموت والبعث بعده والإقرار بالجنة والنار

وكذا يستدل به من ذهب إلى أن الأرواح على أفنية القبور وهو أصح ما ذهب إليه في ذلك والله أعلم لأن الأحاديث بذلك أحسن مجيئا وأثبت نقلا من غيرها والمعنى عندي أنها قد تكون على أفنية قبورها لا على أنها لا تريم ولا تفارق أفنية القبور بل هي كما قال مالك رحمه الله أنه بلغه أن الأرواح تسرح حيث شاءت وعن مجاهد أنه قال الأرواح على القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارق ذلك والله أعلم مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل بن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب تابع يحيى قوم على قوله تأكله الأرض وقالت طائفة يأكله التراب والمعنى واحد وعجب الذنب معروف وهو العظم في الأسفل بين الإليتين الهابط من الصلب يقال لطرفه العصعص ويقال عجب الذنب وعجم الذنب وهو أصله وظاهر هذا الحديث وعمومه يوجب أن يكون بنو آدم في ذلك كلهم سواء إلا أنه قد روي في أجساد الأنبياء وأجساد الشهداء أن الأرض لا تأكلهم وحسبك ما جاء في شهداء أحد وغيرهم وهذا دليل على أن اللفظ في ذلك لفظ عموم يراد به الخصوص والله أعلم فكأنه قال كل من تأكله الأرض فإنه لا يؤكل منه عجب الذنب وإذا جاز أن لا تأكل الأرض عجب الذنب جاز أن لا تأكل الشهداء وذلك كله حكم الله وحكمته وليس في حكمه إلا ما شاء وإنما يعرف من هذا ما عرفنا به ويسلم له إذا جهل عليه لأنه ليس برأي ولكنه قول من يجب التسليم له صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا في التمهيد حديث جابر قال استصرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد

وأجرى معاوية بن أبي سفيان العين واستخرجناهم بعد ست وأربعين سنة لينة أجسادهم تمشي أطرافهم وأما قوله منه خلق وفيه يركب فيدل على أنه ابتدأ خلقه وتركيبه من عجب الذنب وهذا لا يدرك إلا بخبر ولا خبر عندنا فيه مفسر وإنما فيه جملة ما جاء في هذا الخبر وأما الأحاديث في خلق آدم عليه السلام فقد ذكرنا منها في التمهيد بعض ما وصلنا مالك عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه اختلف أصحاب الزهري عنه في هذا الحديث فروته طائفة عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كما رواه مالك ورواه آخرون عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك وروته طائفة أخرى عن بن شهاب عن بن كعب بن مالك ولم يسموه عن كعب وقد ذكرناهم في التمهيد والقول عندي في ذلك قول مالك ومن تابعه والله أعلم وقد ظن قوم أن هذا الحديث يعارضه ظاهر حديث بن عمر المتقدم ذكره قوله إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي الحديث وقالوا إذا كان يسرح في الجنة ويأكل منها فهو في الجنة في جميع أحيانه فكيف يعرض عليه منها مقعده بالغداة والعشي خاصة وهذا عندي ليس كما ظنوا لأن حديث كعب بن مالك هذا معناه في الشهداء خاصة وحديث بن عمر في سائر الناس والدليل على ذلك أن سفيان بن عيينة روى هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن بن شهاب عن بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أرواح الشهداء طير خضر يعلق في شجر الجنة وقد ذكرنا إسناده عن بن عيينة في التمهيد وذكرنا حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشهداء يغدون

ويروحون إلى رياض الجنة ثم يكون مأواهم إلى قناديل معلقة بالعرش الحديث ذكرناه من طرق هناك والحمد لله وروى بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد سمع بن عباس يقول إن أرواح الشهداء تجول في طير خضر تعلق من ثمر الجنة فهذا أكله فهذا نص يخص أرواح الشهداء دون سائر الناس فالشهيد يسرح في الجنة ويأكل منها يقول الله عز وجل في الشهداء إنهم أحياء عند ربهم يرزقون آل عمران فخصهم بهذه الفضيلة فلا يشركهم فيها غيرهم والنسمة الأرواح تذهب وتجيء وتسبح وتأكل كأنها طير قد قيل خضر وهذا هو الصحيح لا رواية من روى في أجواف طير لأنه لا يجتمع في جسد روحان روح المؤمن وروح الطير هذا محال تدفعه العقول لمخالفته الأصول وإنما الرواية الصحيحة والله أعلم رواية من روى في أرواح الشهداء كأنها طير لا في جوف طير وهو ظاهر حديث مالك هذا في قوله إنما نسمه المؤمن طائر ولم يقل في جوف طائر وروى الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال سئل عبد الله بن مسعود عن أرواح الشهداء قال أرواح الشهداء عند الله كطير خضر في قناديل تحت العرش تسرح في الجنة حيث شاءت ثم ترجع إلى قناديلها فيتطلع إليها ربها فيقول ماذا تريدون فيقولون نريد أن نرجع إلى الدنيا فنقتل مرة أخرى وفي هذا الحديث عن بن مسعود قوله كطير حسن أيضا وفي قول بن مسعود تسرح في الجنة ما يعضد رواية من روى تعلق بفتح اللام لأن معنى ذلك تسرح ومن روى تعلق بضم اللام فالمعنى فيه عند أهل اللغة تأكل وترعى ونحو هذا ولمجاهد في قول الله عز وجل في الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون آل عمران قال ليس هم في الجنة ولكن يأكلون من ثمارها ويجدون ريحها قال أبو عمر ظاهر حديث مالك يرد قول مجاهد هذا لأن فيه إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ومن ادعى أن شجر الجنة وثمرها في غيرها فقد أحال ظاهر الحديث وقد استوعبنا القول في شرح معنى هذا الحديث ولفظه في التمهيد والحمد لله

وأما قوله نسمة المؤمن فالنسمة الروح عند جماعة العلماء على ظاهر الحديث وحجتهم قوله في الحديث حتى يرجعه الله إلى جسده وقد قيل إن النسمة الإنسان لقوله صلى الله عليه وسلم من أعتق نسمة مؤمنة وقال علي رضي الله عنه لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة قال ذو الرمة بأعظم منه تقى في الحساب إذا النسمات نقضن الغبارا والعرب تعبر عن المعنى الواحد بألفاظ شتى وعن معان متقاربة بمعنى واحد هذا كثير في لغتها حدثنا عبد الوارث وسعيد قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال سألنا بن مسعود عن هذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون آل عمران فقال أما إنا قد سألنا عن ذلك أرواحهم طير خضر تسرح في الجنة في أيها شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش وذكر تمام الخبر وذكر بن أبي الدنيا قال حدثنا خالد بن خداش قال سمعت مالك بن أنس يقول بلغني أن أرواح المؤمنين مرسلة تذهب حيث شاءت مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه وإذا كره لقائي كرهت لقاءه قال أبو عبيد في معنى هذا الحديث ليس وجهه عندي أن يكون الإنسان يكره الموت وشدته فإن هذا لا يكاد يخلو منه أحد نبي ولا غيره ولكن المكروه من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها وكراهية أن يصير إلى الله تعالى والدار الآخرة ويريد المقام في الدنيا ومما يبين ذلك أن الله تعالى قد عاب قوما بحب الحياة الدنيا فقال إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها يونس

وقال في اليهود ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة البقرة وقال ولا يتمنونه أبدا الجمعة فهذا يدل على أن كراهة لقاء الله ليس كراهة للموت وإنما كراهة النقلة من الدنيا إلى الآخرة قال أبو عمر الذي أقول في معنى هذا الحديث ما شهدت به الآثار المرفوعة وهي الملجأ والحجة لمن لجأ إليها وذلك والله أعلم عند معاينة الإنسان ما يعانيه عند حضور أجله فإذا رأى ما يكره لم يحب الخروج من الدنيا ولا لقاء ما عاين مما يصير إليه وأحب لو بقي في الدنيا ليتوب ويعمل صالحا وإن رأى ما يحب أحب لقاء الله والإسراع إلى رحمته لحسن ما يعاين من ذلك حدثنا سعيد وعبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله احب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا وهو يكره الموت ويقطع به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ذلك كشف له حدثنا خلف بن قاسم حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا هناد بن السري عن أبي زبيد عن مطرف عن عامر الشعبي عن شريح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قال شريح فأتيت عائشة فقلت يا أم المؤمنين سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا إن كان كذلك فقد هلكنا فقالت وما ذاك قلت من احب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه وليس منا أحد إلا وهو يكره الموت قالت قد قاله رسول الله ولكن ليس الذي يذهب إليه ولكن أرى إذا شخص البصر وحشرج الصدر واقشعر الجلد فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه

فهذه الآثار قد بان فيها أن ذلك عند حضور الموت ومعاينة ما هنالك وذلك حين لا تقبل توبة التائب إن لم يتب قبل ذلك وروى شيبان عن قتادة في قوله عز وجل ولتعلمن نبأه بعد حين ص قال بعد الموت قال وقال الحسن يا بن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين وروى الزنجي مسلم بن خالد عن بن جريج ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر القيامة قال عند الموت يعلم ما له من خير وشر مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات فحرقوه ثم أذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم به فأمر الله البر فجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم قال فغفر له قد ذكرنا اختلاف الرواية عن مالك في رفع هذا الحديث وتوقيفه في التمهيد والصواب رفعه لأن مثله لا يكون رأيا وقد ذكرنا في التمهيد طرقا كثيرة لحديث أبي هريرة هذا وذكرنا من رواه معه من الصحابة رضي الله عنهم وفي رواية أبي رافع عن أبي هريرة في هذا الحديث أنه قال قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد وهذه اللفظة ترفع الإشكال في إيمان هذا الرجل والأصول كلها تعضدها والنظر يوجبها لأنه محال أن يغفر الله للذين يموتون وهم كفار لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به وقال قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف الأنفال فمن لم ينته عن شركه ومات على كفر لم يك مغفورا له قال الله عز وجل وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار النساء وأما قوله لم يعمل حسنة قط وقد روي لم يعمل خيرا قط أنه لم يعذبه إلا

ما عدا التوحيد من الحسنات والخير بدليل حديث أبي رافع المذكور وهذا شائع في لسان العرب أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض وقد يقول العرب لم يفعل كذا قط يريد الأكثر من فعله ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام لا يضع عصاه عن عاتقه يريد أن الضرب للنساء كان منه كثيرا لا أن عصاه كانت ليلا ونهارا على عاتقه وقد فسرنا هذا المعنى في غير موضع من كتابنا هذا والدليل على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قال له لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب والخشية لا تكون إلا لمؤمن يصدق بل ما تكاد تكون إلا من مؤمن عالم قال الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء فاطر قالوا كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه ويستحيل أن يخاف من لا يؤمن به وقد ذكرنا من الآثار في التمهيد ما يوضح ما قلنا وبالله توفيقنا وأما قوله لئن قدر الله علي فقد اختلف العلماء في ذلك فقال بعضهم هذا رجل جهل بعض صفات الله تعالى وهي القدرة قالوا ومن جهل صفة من صفات الله عز وجل وآمن به وعلم سائر صفاته أو أكثر صفاته لم يكن بجهله بعضها كافرا وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله والشواهد على هذا من القرآن كثيرة قد ذكرناها في باب عبد الله بن دينار من التمهيد ومنها قول الله عز وجل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون آل عمران وقال يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون آل عمران

وقال ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون آل عمران وقال فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون البقرة وقال وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم الصف وقال وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم النمل فهذا هو الكفر المجتمع عليه في الاسم الشرعي والاسم اللغوي والدليل على أن من جهل صفة من صفات الله تعالى لا يكون بها كافرا إذا كان مصدقا بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر وغيره سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القدر ومعناه قدم العلم أنه مكتوب عنده ما سبق في علمه وفي ذلك يجري خلفه لا فيما يستأنف بل ما قد جف به القلم وكل صغير وكبير مسطر في اللوح المحفوظ فأعلمهم أنه ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم ومعلوم أنهم في حين سؤالهم وقبله كانوا مؤمنين وقد ذكرنا الآثار بهذا المعنى عنهم في التمهيد ولا يسع مسلما أن يقول فيه غير ذلك ولو كان لا يسعه جهل صفة من صفات الله تعالى وهي قدم العلم لعلمهم بذلك مع الشهادة بالتوحيد ويجعله عمودا سادسا للإسلام وقال آخرون أراد بقوله لئن قدر الله علي أي لئن كان قدر الله عليه والتخفيف في هذه اللفظة والتشديد سواء في اللغة فقدر هنا عند هؤلاء من القدر الذي هو الحكم وليس من باب القدرة والاستطاعة في شيء وهو مثل قوله عز وجل وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه الأنبياء وللعلماء في تأويل هذه اللفظة في هذه الآية قولان أحدهما أنها من التقدير والقضاء والآخر أنها من التقتير والتضييق وقد ذكرنا من شواهد الشعر العربي على الوجهين جميعا في التمهيد ما فيه كفاية والمعنى في قول هؤلاء والله أعلم لئن ضيق الله علي وبالغ في محاسبتي ولم يغفر لي وجازاني على ذنوبي ليكونن ما ذكر والوجه الآخر كأنه قال لئن كان قد سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه ليعذبنني على ذنوبي عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين غيري

وهذا منه خوف ويقين وإيمان وتوبيخ لنفسه وخشية لربه وتوبة على ما سلف من ذنوبه هذا كله لا يكون إلا لمؤمن مصدق مؤمن بالبعث والجزاء وفي القدر لغتان مشهورتان قدر الله بالتشديد وقدر الله بالتخفيف ذكره بن قتيبة عن الكسائي وذكره ثعلب وغيره وقد ذكرناه والشواهد عليه في التمهيد والحمد لله مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء قالوا يا رسول الله أرأيت الذي يموت وهو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين وروي هذا الحديث عن النبي عليه السلام من وجوه صحاح ثابتة من حديث أبي هريرة وغيره ممن رواه عن أبي هريرة عبد الرحمن الأعرج وسعيد بن المسيب وأبو سلمة وحميد ابنا عبد الرحمن بن عوف وأبو صالح السمان وسعيد بن أبي سعيد ومحمد بن سيرين ولم يروه مالك عن بن شهاب فيما علمت وليس فيه غير روايته عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة واختلف أصحاب بن شهاب عنه فيه على ما قد ذكرناه عنهم في التمهيد وزعم الذهلي أن الطرق فيه عن بن شهاب صحاح كلها وأما قوله في حديث مالك وغيره في هذا الحديث كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه الحديث فإن أهل العلم اختلفوا في معنى قوله كل مولود

فقالت طائفة من الذاهبين إلى أن الفطرة الإيمان والإسلام ليس في قوله كل مولود ما يقتضي العموم لأن المعنى في ذلك أن كل من ولد على الفطرة وكان له أبوان على غير الإسلام فإن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه قالوا وليس المعنى أن جميع المولودين من بني آدم أجمعين مولودون على الفطرة بل المعنى أن المولود على الفطرة بين الأبوين الكافرين محكوم له بحكمهما في كفرهما حتى يعبر عنه لسانه ويبلغ مبلغ من يكسب على نفسه وكذلك من لم يولد على الفطرة وكان أبواه مؤمنين حكم له بحكمهما ما دام لم يحتلم فإذا بلغ ذلك كان حكم نفسه واحتج قائلو هذه المقالة بحديث أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الغلام الذي قتله الخضر طبعه الله يوم طبعه كافرا وبحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إن بني آدم خلقوا طبقات فمنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا وقد ذكرنا خبر أبي بن كعب وخبر أبي سعيد الخدري من طرق في التمهيد قالوا ففي حديث أبي وحديث أبي سعيد ما يدل على أن المعنى في قوله كل مولود يولد على الفطرة أبواه نصرانيان أو يهوديان فأبواه يهودانه أو ينصرانه أي يحكم له بحكمهما في الميراث وفي دفنه مع أبويه ونحو ذلك ما دام صغيرا ثم يصير عند بلوغه إلى ما يحكم به عليه قالوا وألفاظ الحفاظ على نحو حديث مالك هذا ودفعوا رواية من روى كل بني آدم يولد على الفطرة قالوا ولو صح هذا اللفظ ما كان فيه حجة لما ذكرنا لأن الخصوص جائز دخوله على هذا اللفظ في لسان العرب

ألا ترى قوله تعالى تدمر كل شيء بأمر ربها الأحقاف ولم تدمر السماوات والأرض وقوله فتحنا عليهم أبواب كل شيء الأنعام ولم يفتح عليهم أبواب جهنم ومثله كثير وذكروا من ألفاظ الحديث في ذلك رواية الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه وقد ذكرنا اختلاف ألفاظ بن شهاب فيه في التمهيد ومما احتجوا به أيضا ما رواه أبو رجاء العطاردي عن سمرة بن جندب في الحديث الطويل حديث الرويا وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإبراهيم وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة وقال آخرون كل مولود من بني آدم فهو يولد على الفطرة أبدا وأبواه يحكم له بحكمهما وإن كان قد ولد على الفطرة حتى يكون ممن يعبر عنه لسانه قالوا والدليل على أن المعنى ما وصفنا رواية من روى كل بني آدم يولد على الفطرة وما من مولود إلا ويولد على الفطرة وحق الكلام أن يحمل على عمومه حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال أخبرنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث قال حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز أنه قال قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بني آدم يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه الحديث على نحو ما ذكره مالك وكذلك رواه خالد الواسطي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل بني آدم يولد على الفطرة ورواه الليث بالإسناد المتقدم قال حدثني يونس عن بن شهاب قال أخبرني أبو سلمة أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء

ثم قال أبو هريرة اقرؤوا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم الروم وذكروا حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الرؤيا فيه والشيخ الذي في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام والولدان حوله أولاد الناس فقالوا هذه الأحاديث تدل ألفاظها على أن المعنى في حديث مالك وما كان مثله ليس كما تأوله المخالف على ما ذكرنا عنه بل الجميع من أولاد الناس مولودون على الفطرة قال أبو عمر الفطرة المذكورة في هذا الحديث اختلف العلماء فيها واضطربوا في معناها وذهبوا في ذلك مذاهب متباينة وادعت كل فرقة منهم في ذلك ظاهر آية أو ظاهر سنة وسنبين ذلك كله ونوضحه ونذكر ما فيه من الآثار والأقوال عن السلف والخلف إن شاء الله وقد سأل أبو عبيد القاسم بن سلام محمد بن الحسن الفقيه صاحب أبي حنيفة عن معنى هذا الحديث فما أجابه فيه بأكثر من أن قال كان هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمر الناس بالجهاد قال أبو عبيد وقال بن المبارك يفسره آخر الحديث الله أعلم بما كانوا عاملين هذا ما ذكره أبو عبيد في تفصيل قوله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة الحديث عن محمد بن الحسن وبن المبارك ولم يزد في ذلك عنهما ولا عن غيرهما وأما ما ذكره عن بن المبارك فقد روي عن مالك نحو ذلك وليس فيه مقنع من التأويل ولا شرح مذهب في أمر الأطفال ولكنها جملة تؤدي إلى الوقوف عن القطع فيهم بكفر أو إيمان أو جنة أو نار ما لم يبلغوا وأما ما ذكره عن محمد بن الحسن فأظنه حاد عن الجواب إما لإشكاله عليه أو لجهله به أو لكراهة الخوض في ذلك وأما قوله إن ذلك القول كان من النبي عليه السلام قبل أن يؤمر الناس بالجهاد فليس كما قال ليس في حديث الأسود بن سريع ما يبين أن ذلك كان بعد الأمر بالجهاد وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد من طريق الحسن والأحنف جميعا عن الأسود بن سريع

وروى عوف الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل مولود يولد على الفطرة فناداه الناس يا رسول الله وأولاد المشركين قال وأولاد المشركين قال أبو عمر أما اختلاف العلماء في الفطرة المذكورة في هذا الحديث فقال جماعة من أهل العلم والنظر أريد بالفطرة المذكورة في هذا الحديث الخلقة التي خلق عليها المولود في المعرفة بربه فكأنه قال كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفة ذلك واحتجوا على أن الفطرة الخلقة والفاطر الخالق بقوله عز وجل فاطر السماوات والأرض فاطر يعني خالقهن وقوله وما لي لا أعبد الذي فطرني يس يعني خلقني وما كان مثله من أي القرآن وأنكروا أن يكون المولود فطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار وقالوا إنما يولد المولود على السلامة في الأغلب خلقة وبنية وطبعا ليس معها إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة ثم يعتقدون الإيمان أوالكفر بعد أذا ميزوا واحتجوا بقوله في الحديث كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء يعني سالمة هل تحسون فيها من جدعاء يعني مقطوعة الأذن فمثل قلوب بني آدم بالبهائم لأنها تولد كاملة الخلق ليس فيها نقصان ولا آفة ثم تقطع آذانها بعد وتشق وتثقب أنوفها ويقال هذه بحائر وهذه سوائب وكذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم سالمة ليس لهم كفر ولا إيمان ولا معرفة ولا إنكار فلما بلغوا استهوتهم الشياطين وكفر أكثرهم وعصم الله أقلهم قالوا ولو كان الأطفال قد فطروا على شيء من الكفر أو الإيمان في أولية أمرهم ما انتقلوا عنه أبدا كما لا ينتقلون عن خلقتهم وقد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون ويكفرون ثم يؤمنون قالوا ويستحيل في المعقول أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل كفرا أو إيمانا لأن الله عز وجل أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا قال أبو عمر هذا القول أصح ما قيل في معنى الفطرة التي يولد الناس عليها والله أعلم

وذلك أن الفطرة السلامة والاستقامة بدليل حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه عز وجل إني خلقت عبادي حنفاء يعني على استقامة وسلامة والحنيف في كلام العرب المستقيم السالم وإنما قيل للأعرج أحنف على جهة التفاؤل كما قيل للقفر مفازة فكأنه والله أعلم أراد الذين خلصوا من الآفات كلها من المعاصي والطاعات بلا طاعة منهم ولا معصية إذ لم يعملوا بشيء من ذلك ألا ترى إلى قول موسى عليه السلام في الغلام الذي قتله الخضر أقتلت نفسا زكية بغير نفس الكهف لما كان عنده أن من لم يبلغ لم يكسب الذنوب وقد زدنا هذا المعنى بيانا وحجة في التمهيد وقال آخرون الفطرة ها هنا الإسلام قالوا وهو المعروف عند عامة السلف من أهل العلم بالتأويل قالوا في قول الله عز وجل فطرة الله التي فطر الناس عليها الروم يعني الإسلام واحتجوا بحديث أبي هريرة اقرؤوا إن شئتم فطرة الله التي فطر الناس عليها الروم وذكروا عن عكرمة ومجاهد والحسن وإبراهيم والضحاك وقتادة قالوا فطرة الله التي فطر الناس عليها الروم دين الله الإسلام لا تبديل لخلق الله الروم قالوا لدين الله واحتجوا أيضا بحديث محمد بن إسحاق عن ثور بن يزيد عن يحيى بن جابر عن عبد الله بن عائذ الأزدي عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس يوما ألا أحدثكم بما حدثني الله في الكتاب إن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين الحديث بطوله وكذلك رواه بكر بن مجاهد عن ثور بن يزيد بإسناده وقال فيه حنفاء المسلمين وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد

ورواه قتادة عن مطرف بن الشخير عن عياض بن حمار ولم يسمعه قتادة من مطرف لأن همام بن يحيى روى عن قتادة قال لم أسمعه من مطرف ولكنه حدثني ثلاثة عقبة بن عبد الغافر ويزيد بن عبد الله بن الشخير والعلاء بن يزيد كلهم يقول حدثنا مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث قال فيه إني خلقت عبادي حنفاء كلهم لم يقل مسلمين وكذلك رواه عوف الأعرابي عن الحسن عن مطرف عن عياض بن حمار ولم يقل فيه مسلمين وإنما قال حنفاء فقط وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن من لا يتهم عنده عن قتادة عن مطرف عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه إني خلقت عبادي كلهم حنفاء وساق الحديث ولم يقل فيه مسلمين فدل هذا على حفظ محمد بن إسحاق وإتقانه وضبطه أنه ذكر مسلمين في روايته عن ثور بن يزيد لهذا الحديث وأسقطه من رواية قتادة وكذلك رواه شعبة وهشام ومعمر عن قتادة عن مطرف عن عياض عن النبي عليه السلام يقولون فيه مسلمين وقد اختلف العلماء في تأويل قوله تعالى حنفاء فروي عن الضحاك والسدي في قوله حنفاء قالا حجاجا روي عن الحسن قال الحنيفية حج البيت وعن مجاهد قال حنفاء متبعين هذا كله يدل على أن الحنيفية الإسلام ويشهد أن ذلك قوله ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما آل عمران وقال هو سماكم المسلمين من قبل الحج قالوا أول من تسمى مسلم وسمى من اتبعه المسلمين إبراهيم عليه السلام في الحديث خلقت عبادي حنفاء أي سالمين من آفات الجحد والإنكار والكفر قالوا فلا وجه لإنكار من أنكر رواية من روى حنفاء مسلمين قال أبو عمر يعني والله أعلم موحدين لا على دين إبراهيم في شريعته بل على دين إبراهيم في نفي الشرك ودفع عبادة الأوثان وكل ما يعبد من دون الله ثم بعث الله

نبيهم صلى الله عليه وسلم بالإسلام دين إبراهيم وشرع له منهاجا ارتضاه ليس له منه شيء ينفي دين إبراهيم والمسلمون كلهم حنفاء على الاتساع قال الشاعر وهو الراعي أخليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا عرب نرى لله في أموالنا حق الزكاة منزلا تنزيلا فهذا قد وصف الحنيفية بالإسلام بإسناد وقد قيل الحنيف من كان على دين إبراهيم ثم سمي من كان يختتن ويحج البيت في الجاهلية حنيفا والحنيف اليوم المسلم ويقال إنما سمي إبراهيم حنيفا لأنه كان حنف عما كان يعبد أبوه وأمه من الآلهة إلى عبادة الله أي عدل عن ذلك ومال وأصل الحنف ميل من إبهامي القدمين كل واحدة على صاحبتها واحتجوا بقوله عليه السلام إنها خمس من الفطرة وعشر من الفطرة يعني من سنن الإسلام وممن ذهب إلى أن الفطرة في معنى هذا الحديث الإسلام أبو هريرة وبن شهاب قال الأوزاعي سألت الزهري عن رجل عليه رقبة مؤمنة أيجزئ عنه الصبي إن يعتقه وهو يرضع قال نعم لأنه ولد على الفطرة يعني الإسلام وعلى هذا الفعل يكون في الحديث قوله من بهيمة جمعاء هل تحسون من جدعاء يقول خلق الطفل سليما من الكفر مؤمنا مسلما على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم عليه السلام حين أخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى الأعراف قال أبو عمر يستحيل أن تكون الفطرة المذكورة في الحديث الإسلام لأن الإسلام والإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح لا يجهل ذلك أحد والفطرة لها معان ووجوه من كلام العرب وإنما أجزأ الطفل المرضع عند من أجاز عتقه في الرقاب الواجبة لأن حكمه حكم أبويه وخالفهم آخرون فقالوا لا يجزئ في الرقاب الواجبة إلا من صام وصلى وقال آخرون معنى قوله عليه الصلاة والسلام كل مولود يولد على الفطرة يعني على البداية التي ابتدأهم عليها أي على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم

بالحياة للموت وللشقاء والسعادة إلى ما يصيرون إليه عند البلوغ من ميولهم عن آبائهم واعتقادهم ما لا بد من مصيرهم إليه قالوا والفطرة في كلام العرب البدأة والفاطر المبدئ والمبتدئ فكأنه قال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على ما ابتدأه الله عليه من الشقاء والسعادة مما يصير إليه وذكروا عن بن عباس قال لم أكن أدري ما فاطر السماوات والأرض فاطر حتى أتانا أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها واحتجوا بقول الله عز وجل كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة الأعراف وذكروا ما يروى عن علي بن أبي طالب في بعض دعائه اللهم جبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي وهذا المذهب شبيه بما حكاه أبو عبيد في قوله عن عبد الله بن المبارك في قوله كل مولود يولد على الفطرة أنه قال يفسره آخر الحديث حين سئل عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين قال المروزي قد كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا القول ثم تركه قال أبو عمر ما رسمه مالك في الموطأ وذكره في أبواب القدر منه يدل على أن مذهبه نحو ذلك والله أعلم وقد ذكرنا في التمهيد عن سعيد بن جبير عن محمد بن كعب القرظي ومجاهد وغيرهم في قول الله عز وجل كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة الأعراف قالوا شقيا وسعيدا وقال بعضهم يبعث المسلم مسلما والكافر كافرا وقال الربيع بن أنس عن أبي العالية كما بدأكم تعودون الأعراف قالوا عادوا إلى علمه فيهم فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة الأعراف وقال محمد بن كعب من ابتدأ الله خلقه للضلالة سيره إلى الضلالة وإن عمل بأعمال الهدى ومن ابتدأ الله عز وجل خلقه على الهدى سيره إلى الهدى وإن عمل بأعمال أهل الضلالة ابتدأ خلق إبليس على الضلالة وعمل بعمل السعداء مع الملائكة ثم رده الله إلى ما ابتدأ عليه خلقه من الضلالة

قال وكان من الكافرين وابتدأ خلق السحرة على الهدى وعملوا بعمل أهل الضلالة ثم هداهم الله إلى الهدى والسعادة وتوفاهم عليها وقال محمد بن كعب في قول الله تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم الأعراف يقول فأقرت له بالإيمان والمعرفة الأرواح قبل أن تخلق أجسادها واحتجوا أيضا بحديث عمر بن الخطاب من رواية مالك وغيره أنه سئل عن هذه الآية وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم الأعراف الحديث على ما في الموطأ قال أبو عمر ليس في قوله كما بدأكم تعودون الأعراف ولا في أن الله عز وجل يختم للعبد بما قضاه له وقدر عليه حين أخرج ذرية آدم من ظهره دليل على أن الطفل يولد حين يولد مؤمنا أو كافرا بما شهدت به العقول إنه في ذلك الوقت ليس ممن يعقل إيمانا ولا كفرا والحديث الذي جاء أن الناس خلقوا طبقات فمنهم من يولد مؤمنا ومنهم من يولد كافرا على حسب ما تقدم ذكره في هذا الباب ليس من الأحاديث التي لا مطعن فيها لأنه انفرد به علي بن زيد بن جدعان وقد كان شعبة يقول فيه كان رفاعا على أنه يحتمل قوله يولد مؤمنا أي يولد ليكون مؤمنا ويولد ليكون كافرا على سابق علم الله فيه والعرب تسمي الشيء باسم ما يؤول إليه وليس في قوله في الحديث خلقت هؤلاء للجنة وخلقت هؤلاء للنار أكثر من مراعاة ما يختم به لهم لأنهم في حين طفولتهم ممن يستحق جنة أو نارا أو يفعل كفرا أو إيمانا وقال آخرون معنى قوله عليه الصلاة والسلام كل مولود يولد على الفطرة أن الله قد فطرهم على الإنكار والمعرفة والكفر والإيمان فأخذ من ذرية آدم ميثاقا حين حلفهم فقال ألست بربكم قالوا جميعا بلى فأما أهل السعادة فقالوا بلى على معرفة به طوعا من قلوبهم وأما أهل الشقاء فقالوا بلى كرها لا طوعا قال وتصديق ذلك قوله تعالى وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها آل عمران

وكذلك قوله تعالى كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة الأعراف قال المروزي سمعت إسحاق بن إبراهيم بن راهويه يذهب إلى هذا المعنى واحتج بقول أبي هريرة اقرؤوا إن شئتم فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله الروم قال إسحاق يقول لا تبديل لخلقته التي جبل عليها ولد آدم كلهم يعني من الكفر والإيمان والمعرفة والإنكار واحتج إسحاق أيضا بقوله عز وجل وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم الأعراف قال إسحاق أجمع أهل العلم أنها الأرواح قبل الأجساد فاستنطقهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى فقال انظروا أن لا تقولوا إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم الأعراف واحتج إسحاق أيضا بحديث أبي بن كعب مرفوعا في الغلام الذي قتله الخضر أنه كان طبع كافرا وبأن بن عباس كان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وقد ذكرنا ما للعلماء في تأويل قول الله عز وجل وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم في التمهيد وسئل حماد بن سلمة عن قوله عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة فقال هذا عندنا حيث أخذ العهد عليهم من أصلاب آبائهم وهو نحو ما تقدم من قول إسحاق وقد كان أحمد حينا يقول به وحينا يحيد عنه وقد تقصينا عن العلماء أهل الأثر الآثار الشاهدة لأقوالهم في التمهيد وأما أهل البدع فمنكرون لما قاله العلماء في تأويل قول الله عز وجل وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم الأعراف قالوا ما أخذ الله من آدم وذريته شيئا قط قبل خلقه إياهم وما خلقهم قط إلا في بطون أمهاتهم وما استخرج قط من ذرية آدم دونه مخاطب ولو كان ذلك لأحياهم ثلاث مرات قالوا وكيف يخاطب الله من لا يعقل وكيف يجيب من لا عقل له وكيف يحتج عليهم بميثاق لا يذكرونه وهو تعالى ذكره لا يؤاخذهم بما نسوا

قالوا ولا نجد أحدا يذكر له أنه عرض له او كان منه قالوا وإنما أراد الله عز وجل بقوله وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم الأعراف إخراجه إياهم في الدنيا وخلقه لهم وإقامته عليهم الحجة بأن فطرهم ونبأهم فطرة إذا بلغوا وعقلوا علموا أن الله ربهم وخالقهم وقال بعضهم أخرج الذرية قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر وأشهدهم على أنفسهم بما جعل في عقولهم مما تنازعهم فيه أنفسهم إلى الإقرار بالربوبية حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم ألست بربكم قالوا بلى الأعراف وقال بعضهم قال لهم ألست بربكم على ألسنه أنبيائه وكلهم يقولون إن الحديث المأثور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس بتاويل للآية ثم اختلف القائلون بهذا كله في المعرفة هل تقع ضرورة أو اكتسابا وليس هذا موضع ذكر ذلك ولله الحمد وكل ما ذكرنا قد ذكره أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي فيما وصفنا في معنى الحديث المذكور وبالله التوفيق وأما اختلاف العلماء في الأطفال فقالت طائفة أولاد الناس كلهم المؤمنين منهم والكافرين إذا ماتوا أطفالا صغارا ما لم يبلغوا في مشيئة الله عز وجل يصيرهم إلى ما شاء من رحمة أو عذاب وذلك كله عدل منه وهو أعلم بما كانوا عاملين وهو قول جماعة من أهل الأثر منهم حماد بن زيد وهو الذي يدل عليه موطأ مالك وهذا القول نسبه أهل الكلام إلى أهل الأخبار وحجة من ذهب إلى هذا حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأطفال فقال الله أعلم بما كانوا عاملين وحديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد أن يقضي خلقه قال أذكر

أم أنثى أشقي أم سعيد وما الرزق وما الأجل فيكتب في بطن أمه وحديث بن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن بن آدم يمكث في بطن أمه أربعين يوما ثم يصير علقة أربعين يوما ثم يصير مضغة أربعين يوما ثم يبعث الله إليه ملكا فيقول يا رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد وما الأجل وما الأثر فيوحي الله ويكتب الملك حتى أن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع فيغلب عليه الكتاب الذي سبق فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع فيغلب عليه الكتاب الذي سبق فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة وقد روى هذا المعنى جماعة من الصحابة وقد ذكرنا الآثار عنهم في التمهيد وقد روي عن بن عباس بالأسانيد الصحاح عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وطرقه عن أبي هريرة صحاح ثابتة وهي أثبت من جهة النقل من كل ما روي في هذه الأبواب وقد ذكرناها في التمهيد ومن جهة من ذهب إلى هذا المذهب أيضا حديث عائشة قالت أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الأنصار ليصلي عليه فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءا ولم يدركه ذنب فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك يا عائشة إن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلها وخلقهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلها وخلقهم في أصلاب آبائهم وهو حديث رواه طلحة بن يحيى وفضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة وليس ممن يعتمد عليه عند بعض أهل الحديث

ومن حجتهم أيضا حديث بن عباس عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا وهذا خبر لم يروه عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن أبي مرفوعا إلا رقبة بن مسقلة وعبد الجبار بن عباس الهمداني ولم يرفعه شعبة والثوري وهو مذهب بن عباس في كتابه إلى نجدة الحروري حيث قال له وأما الغلمان فإن كنت تعلم منهم ما علمه الخضر من الغلام فاقتلهم على أنه قد روي عن عكرمة وقتادة أن الذي قتله الخضر رجل وكان قاطع طريق وهذا خلاف ما يعرفه أهل اللغة في لفظ الغلام لأن الغلام عندهم هو الصبي الصغير يقع عليه عند بعضهم اسم الغلام من حين يفهم إلى سبع سنين وعند بعضهم يسمى غلاما وهو رضيع إلى سبع سنين ثم يصير يافعا ويفاعا إلى عشر سنين ثم يصير حزورا إلى خمس عشرة سنة واختلف في تسمية منازل سنة بعد ذلك إلى أن يصير هما فانيا كبيرا مما لا حاجة بنا إلى ذكره وقد ذكرنا آثار هذا الباب بأسانيدها وما كان من معنى طرقها في التمهيد وقال آخرون وهم الأكثر أطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار في المشيئة ومن حجتهم حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من المسلمين من يموت له ثلاث من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله وإياه الجنة بفضل رحمته تجاوبهم يوم القيامة فيقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون لا حتى يدخل آباؤنا فيقال لهم ادخلوا أنتم وآباؤكم بفضل رحمتي ومعلوم أن من أدركته الرحمة من أجل غيره وشفع فيه غيره أنه قد كان مرحوما قبله وكان أرفع حالا وأسلم ممن شفع فيه وحديث شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلا جاء بابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحبه فقال أحبك الله يا رسول الله كما أحبه فتوفي الصبي ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال أين فلان قالوا يا رسول الله توفي ابنه ثم دخل الرجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا جاءه يسعى يفتحه لك فقالوا يا رسول الله أله وحده أم لنا كلنا قال بل لكم كلكم رواه يحيى القطان وبن مهدي ومحمد بن جعفر وعلي بن الجعد وغيرهم عن شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ابنه إبراهيم أن له مرضعا في الجنة وحديث أبي هريرة أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صغاركم دعاميص الجنة وحديث أبي هريرة أيضا أولاد المسلمين في جبل تكفلهم سارة وإبراهيم فإذا كان يوم القيامة دفعوهم إلى آبائهم واحتجوا أيضا بما روي عن علي بن أبي طالب في قول الله عز وجل كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين المدثر قال هم أطفال المسلمين وقد ذكرنا هذه الآثار بأسانيدها في التمهيد وقال آخرون حكم الأطفال كلهم كحكم آبائهم في الدنيا والآخرة منهم مؤمنون بإيمان آبائهم وكافرون بكفر آبائهم فأطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار في النار وحجتهم حديث بن عباس عن الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أطفال الكفار هم من آبائهم وهذا عندي لا حجة فيه لأنه إنما ورد في أحكام الدنيا أنهم إن أصيبوا في التبييت والغارة فلا قود فيهم ولا دية وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان في دار الحرب واحتجوا أيضا بحديث الشعبي عن علقمة بن قيس عن سلمة بن يزيد الجعفي قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أمنا ماتت في الجاهلية وكانت تقري الضيف وتصل الرحم وتفعل وتفعل فهل ينفعها من عملها شيء قال لا قلنا إن أمنا وأدت أختا لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث فهل ذلك نافع أختنا فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم الوائدة والموؤودة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيغفر لها وروى بقية بن الوليد عن محمد بن زياد الألهاني قال سمعت عبد الله بن أبي قيس يقول سمعت عائشة تقول سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المؤمنين فقال هم مع آبائهم قلت فلا عمل قال الله أعلم بما كانوا عاملين وسألته عن ذراري المشركين فقال هم مع آبائهم قلت فلا عمل قال الله أعلم بما كانوا عاملين وقد روي هذا الحديث عن عائشة أيضا من وجهين غير هذا هما أضعف من هذا وفي حديث أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن بهية عن عائشة زيادة في أولاد المشركين أنه قال والذي نفسي بيده لئن شئت لأسمعتك تضاغيهم في النار وأبو عقيل ضعيف متروك وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار وما كان مثلها في التمهيد ولو صح في هذا الباب شيء احتمل أن يكون خصوصا لقوم من المشركين ويدل على ذلك أيضا قوله لئن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار وهذا لا يكون إلا فيمن مات وصار في النار على أن التخصيص ليس له حظ من النظر والأولى بأهل النظر أن يعرضوا لهذه الآثار بما هو أقوى مجيئا منها عن النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة للأطفال كلهم بالجنة وقد احتج من ذهب إلى أن أطفال الكفار في النار وأطفال المسلمين في الجنة بقوله تعالى والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء الطور وقوله عز وجل لنوح عليه السلام وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن هود فلما قيل لنوح ذلك وعلم أنهم لا يؤمنون وأنهم على كفرهم يموتون دعا عليهم بهلاكهم جميعا فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا نوح وهذا عندي لا حجة فيه لأنه في قوم بأعيانهم يلدون الفجار والكفار ولا

يصح الفجور والكفر إلا ممن تجري عليه الأقلام ويلحقه التكليف وقال آخرون أولاد المسلمين وأولاد الكفار إذا ماتوا صغارا في الجنة وقال بعضهم هم خدم أهل الجنة يعني أولاد المشركين خاصة وحجتهم ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عوف عن خنساء امرأة من بني صريم عن عمها قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الأنبياء في الجنة والشهداء في الجنة والمولود في الجنة والوليد في الجنة ومن حديث عائشة قالت سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال هم مع آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعد ذلك فنزلت ولا تزر وازرة وزر أخرى الأنعام فقال هم على الفطرة وهم في الجنة وفي حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت ربي عن اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم قال أبو عمر إنما قيل للأطفال اللاهين لأن أعمالهم كاللهو واللعب من غير عمد ولا قصد من قولهم لهيت عن الشيء إذا لم أعتقده كقوله تعالى لاهية قلوبهم الأنبياء ومن حديث سلمان قال أطفال المشركين خدم أهل الجنة وقد روي ذلك مرفوعا من حديث أنس وروى أبو رجاء العطاردي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الطويل حديث الرويا وفيه قوله عليه السلام وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة قال فقيل يا رسول الله وأولاد المشركين فقال وأولاد المشركين وفي رواية أخرى عن أبي رجاء عن سمرة في هذا الحديث والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم والصبيان حوله أولاد الناس فهذا يقتضي ظاهره وعمومه جميع الناس وآثار هذا الباب معارضة لحديث الوائدة والموؤودة في النار وما كان مثله

وإذا تعارضت الآثار وجب سقوط الحكم بها ورجعنا إلى أن الأصل أنه لا يعذب أحد إلا بذنب لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا الإسراء وقوله ألم يأتكم رسل منكم الزمر وآيات القرآن كثيرة في هذا المعنى على أني أقول إن الله ليس بظلام للعبيد ولو عذبهم لم يكن ظالما لهم ولكن جل من تسمى بالغفور الرحيم الرؤوف الحكيم أن تكون صفاته إلا حقيقة لا إله إلا هو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وقال آخرون يمتحنون في الآخرة واحتجوا بحديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهالك في الفترة والمعتوه والمولود قال يقول الهالك في الفترة لم يأت كتاب ولا رسول ثم تلا قوله تعالى ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك طه ويقول المعتوه يا رب لم تجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا قال ويقول المولود رب لم أدرك العقل والعمل قال فترفع لهم نار فيقال لهم ردوها وادخلوها قال فيردها أو يدخلها من كان في علم الله سعيدا لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا لو أدرك العمل قال فيقول الله عز وجل إياي عصيتم فكيف برسلي لو أتتكم وقد روي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معنى هذا الحديث وقد روي أيضا من حديث معاذ بن جبل مثله ومعناه وهي كلها أسانيد ليست بالقوية ولا يقوم بها حجة وقد ذكرناها بأسانيدها في التمهيد وأهل العلم ينكرون أحاديث هذا الباب لأن الآخرة دار جزاء وليست دار عمل ولا ابتلاء وكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين والله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يخلو أمر من مات في الفترة من أن يموت كافرا أو غير كافر إذا لم يكفر بكتاب الله ولا رسول فإن كان قد مات كافرا جاحدا فإن الله قد حرم الجنة على الكافرين فكيف يمتحنون وإن كان معذورا بأن لم يأته نذير ولا أرسل إليه رسول فكيف يؤمر أن يقتحم النار وهي أشد العذاب والطفل ومن لا يعقل أحرى بأن لا يمتحن بذلك وإنما ادخل العلماء في هذا الباب النظر لأنه لم يصح عندهم فيه الأثر وبالله التوفيق لا شريك له

وقد ذكره بن عباس ومحمد بن الحنفية وجماعة من أهل الكلام في الأطفال والقدر ذكر إسحاق بن راهويه قال حدثنا يحيى بن آدم قال أخبرنا جرير بن حازم عن أبي رجاء العطاردي قال سمعت بن عباس يقول لا يزال أمر هذه الأمة مواتيا أو متقاربا حتى يتكلموا أو ينظروا في الأطفال والقدر قال يحيى بن آدم فذكرته لابن المبارك فقال أيسكت الإنسان على الجهل قلت فيأمر بالكلام فسكت وذكر المروذي قال حدثنا عمرو بن زرارة قال أخبرنا إسماعيل بن علية عن بن عون قال كنت عند القاسم بن محمد إذ جاءه رجل فقال له ماذا كان بين قتادة وبين حفص بن عدي في أولاد المشركين قال وتكلم ربيعة الرأي في ذلك فقال القاسم إذا الله نهى عن شيء فانتهوا وقفوا عنده قال فكأنما كانت نارا فأطفئت وقد سمع بن عباس رجلين يتكلمان في القدر فقال كلاكما زائغ قال أبو عمر قد ذكرنا والحمد لله ما بلغنا عن العلماء في معنى الفطرة التي يولد المولود عليها واختصرنا القول لأنا بسطناه في التمهيد وكل ما ذكرناه من ذلك فإنما هو أحكامهم في الآخرة وبقيت أحكامهم في الدنيا فمن ذلك ما أجمع عليه العلماء وما اختلفوا فيه ونحن نذكر ذلك ها هنا بعون الله وفضله لا شريك له أجمع العلماء فيما علمت قديما وحديثا على ان أحكام الأطفال في الدنيا كأحكام آبائهم ما لم يبلغوا فإذا بلغوا فحكمهم حكم أنفسهم هذا في أطفال المسلمين وأطفال أهل الذمة كآبائهم في المواريث والنكاح والصلاة على أطفال المسلمين منهم وأما أطفال الحربيين فإن حكمهم مخالف لحكم آبائهم لأن آباءهم يقتلون وهم يسبون ولا يقتلون إلا أن يقاتلوا إلا أنهم اختلفوا في الطفل الحربي يسبى ومعه أبواه أو أحدهما أو يسبى وحده فذهب مالك في رواية المصريين عنه وهو المشهور عندنا من مذهبه أن الطفل من أولاد الحربيين وسائر الكفار لا يصلى عليه إن مات سواء كان معه أبواه أو لم يكونا حتى يعقل الإسلام ويلقنه فيلقنه ويسلم وهو عنده أنه على دين أبويه حتى يبلغ ويعبر عنه لسانه فإن اختلف دينه على دين أبويه فهو عنده على دين أبيه دون أمه

ومن الحجة لمذهبه إجماع العلماء على أنه ما دام مع أبويه ولم يلحقه سباء فحكمه حكم أبويه حتى يبلغ فكذلك إذا سبي وحده لا يصير السبي حكمه حتى يبلغ فيعبر عنه لسانه وهو قول الشعبي وعبد الله بن عون ذكر أبو إسحاق الفزاري عن سلمة بن تمام قال قلت للشعبي إني بخراسان أبتاع السبي فيموت بعضهم أفأصلي عليه قال إذا صلى فصل عليه قال الفزاري وسألت هشاما وبن عون عن السبي يموتون وهم صغار في ملك المسلمين فقال هشام يصلى عليهم وقال بن عون لا يصلى عليهم حتى يصلوا وذكر عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون عن أبيه ومالك المخزومي وبن دينار وغيرهم أنهم كانوا يذهبون إلى أن الصبيان من السبي إذا كان معهم آباؤهم فهم على دين أبيهم إن أسلم أبوهم صاروا مسلمين بإسلامه وإن يمت على الكفر فهم على دينه ولا يعتد فيهم بدين الأم على حال لأنهم لا ينتسبون إليها وإنما ينتسبون إلى أبيهم وبه يعرفون قال عبد الملك هذا ما لم يفرق بينهم السباء فيقعون في قسم مسلم وملكه بالبيع والقسم فإذا فرق بينهم وبين آبائهم بالبيع أو القسمة فأحكامهم حينئذ أحكام المسلمين في الصلاة عليهم والدفن في مقابر المسلمين والموارثة وغيرها قال أبو عمر قول عبد الملك وروايته هذه عن أصحابه مالك وغيره من أهل المدينة كمذهب الأوزاعي وأهل الشام قال الأوزاعي في الصبيان يموتون من السبي بعد أن اشتروا قال يصلى عليهم وإن كانوا لم يباعوا لم يصل عليهم يريد إذا كانوا في ملك مسلم فملكه لهم أولى بهم من حكم آبائهم قال بن الطباع على هذا فتيا أهل الثغر وهو قول سليمان بن موسى ورواية الحارث عن الأوزاعي وذكر أبو المغيرة عن صفوان بن عمرو قال سمعت أصحابنا ومشيختنا يقولون ما ملك المسلمون من صبيان العدو فماتوا يصلى عليهم وإن لم يصلوا لأنهم مسلمون ساعة يملكهم المسلمون وقال تمام بن نجيح كنت مع سليمان بن موسى بأرض الروم وهو على السبي فكانوا يموتون صغارا فلا يصلي عليهم فقلت أليس كان يقال ما أحرز

المسلمون يصلى عليهم قال ذاك إذا اشتراه مسلم فصار في ملكه قال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما وهو قول حماد بن أبي سليمان حكم الطفل حكم أبويه إذا كانا معه أو كان معه أحدهما وسواء الأب والأم في ذلك فإن لم يكونا معه ولا أحدهما فصار في ملك مسلم فحكمه حكم المسلمين ودينه دين سيده المسلم واختلف عن الثوري فروي عنه مثل قول أبي حنيفة وروى عنه بن المبارك أنه قال يصلى على الصبي وإن كان معه أبواه كافرين لأن الملك أغلب عليه وأملك به وهذا كقول الأوزاعي وقال الفزاري عن سفيان إذا دخلوا فئة المسلمين صلي عليهم وإذا صاروا في ملك المسلمين صلى عليهم وقال أبو ثور إذا سبي الطفل مع أبويه أو أحدهما أو وحده ثم مات قبل أن يختار الإسلام لم يصل عليه وذكر أبو عبيد قول الأوزاعي لأن دين سيده أحق به من دين والديه والإسلام يعلو ولا يعلى عليه قال ولما لم يكن على دين أبويه إذا كانا ميتين أو غائبين وكذلك إذا كانا حيين قال أبو عبيد ويختلفون عن مالك فيه وقال أحمد بن حنبل إذا سبي معه أبواه أو أحدهما ثم مات لم يصل عليه وهو على دينهما قال وإن لم يكن معه أبواه صلى عليه المسلمون هم يلونه وحكمه حكمهم قال وإن كان معه أبواه جاز أن يفدى به مسلم وإن لم يكونا معه لم يجز وكان بن حنبل يتعجب من قول أهل الثغور في ذلك لأنهم لم يلتفتوا إلى أبويه في حال من الأحوال وجعلوا حكمه حكم سيده المسلم قال ثم جعل يحتج عليهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم فأبواه يهودانه أو ينصرانه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول

الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه قال أبو عمر قد ظن بعض الناس أن هذا الحديث معارض لنهيه صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت لقوله عليه السلام لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ولقول خباب بن الأرت لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به قال وفي الحديث إباحة تمني الموت وليس كما ظن وإنما هذا خبر أن ذلك سيكون لشدة ما ينزل بالناس من فساد الحال في الدين وضعفه وخوف ذهابه لا لضر ينزل بالمؤمن يحط خطاياه وقوله لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه إخبار عن تغير الزمان وما يحدث فيه من المحن والبلاء والفتن وقد ذكرنا في التمهيد حديث زاذان أبي عمر عن عليم الكندي قال كنت مع عبس الغفاري على سطح له فرأى قوما يتحملون من الطاعون فقال يا طاعون خذني إليك ثلاثا يعيدها فقال له عليم لم تقول هذا ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتمنين أحدكم الموت فإنه عند انقطاع عمله ولا يرد فيستعتب فقال عبس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بادروا بالموت ستا إمرة السفهاء وكثرة الشرط وبيع الحكم واستخفافا بالدم وقطيعة الرحم ونشوا يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل يغنيهم بالقرآن وإن كان أقلهم فقها وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إذا أردت بالناس فتنة أو أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ما يوضح لك معنى هذا الباب ومثل هذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه اللهم قد ضعفت قوتي وكبرت سني وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط وروى شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت أبا الزعراء يحدث عن عبد الله

قال ليأتين عليكم زمان يأتي الرجل القبر فيقول يا ليتني كنت مكان هذا ليس به حب الله ولكن يشده ما يرى من البلاء ومر عمر بن عبد العزيز بمجلس فقال لأهله ادعوا الله لي بالموت قال فدعوا له فما مكث إلا أياما حتى مات مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن معبد بن كعب بن مالك عن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال مستريح ومستراح منه قالوا يا رسول الله ما المستريح وما المستراح منه قال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب ليس في هذا الحديث معنى يشكل ولا ما يحتاج إلى تفسير ولا ما يحتمله من خلاف التأويل وقد ذكرنا في التمهيد سماع كل من في إسناده بعضهم من بعض ورواه محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك عن أبي قتادة الأنصاري قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه آت فقال يا رسول الله مات فلان فقال عبد الله دعي فأجاب مستريح ومستراح منه فقال يا رسول الله مستريح ماذا قال عبد الله المؤمن استراح من الدنيا ونصبها وهمومها وأحزانها وأفضى إلى رحمة الله قلنا ومستراح منه ماذا قال عبد الله الرجل الشر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا محمد بن إسحاق فذكره مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات عثمان بن مظعون ومر بجنازته ذهبت ولم تلبس منها بشيء هكذا هو في الموطأ مرسلا مقطوعا لم يختلفوا في ذلك عن مالك روى بن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه عن زياد عن بن

عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون حين مات فأكب عليه ثم رفع رأسه ثم جثا الثانية ثم رفع رأسه ثم جثا الثالثة ثم رفع رأسه وله شهيق فعرفوا أنه يبكي فبكى القوم فقال أستغفر الله اذهب أبا السائب فقد خرجت منها ولم تلبس منها بشيء وقد رويناه متصلا مسندا من وجه صحيح حسن ذكرته في التمهيد من حديث يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت لما مات عثمان بن مظعون كشف النبي صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه وقبل بين عينيه وبكى بكاء طويلا فلما رفع على السرير قال طوبى لك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها وقوله صلى الله عليه وسلم ذهبت ولم تلبس منها بشيء ثناء منه صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون وتفضيل له وكان واحد الفضلاء والعباد الزاهدين في الدنيا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان هو وعلي يذهبان يترهبا ويتركا النساء ويقبلا على العبادة ويحرما طيب الطعام على أنفسهما فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم المائدة ذكره معمر وغيره عن قتادة قال نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون وغيرهما أرادوا أن يتخلوا من الدنيا ويتركوا النساء ويترهبوا وذكر بن جريج عن عكرمة أن علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون وبن مسعود والمقداد بن عمرو وسالما مولى أبي حذيفة تبتلوا وجلسوا في البيوت واعتزلوا النساء ولبسوا المسوح وحرموا طيبات ما أحل لهم يعني النساء والطعام واللباس وفي الحديث من الفقه إباحة الثناء على المرء بما فيه من الأعمال الزاكية وفيه مدح الزهد في الدنيا والتقلل منها وفي ذلك ذم الرغبة فيها والاستكثار منها مالك عن علقمة عن أمه أنها قالت سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلبس ثيابه ثم خرج قالت فأمرت جاريتي تتبعه فتبعته حتى جاء البقيع فوقف في أدناه ما شاء الله أن يقف ثم انصرف فسبقته

بريرة فأخبرتني فلم أذكر له شيئا حتى أصبح ثم ذكرت ذلك له فقال إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم قال أبو عمر يحتمل أن تكون الصلاة ها هنا الدعاء فإن كان ذلك ففيه دليل على أن زيارة القبور والدعاء لأهلها عندها أفضل وأرجى لقبول الدعاء فكأنه أمر أن يستغفر لهم ويدعو بالرحمة كما قيل له واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات محمد ويحتمل أن تكون الصلاة ها هنا الصلاة على الموتى فإن كان ذلك خصوص لهم فإجماع المسلمين على أنه لا يصلي أحد على قبر مرتين ولا يصلي أحد على قبر من لم يصل عليه إلا أن يكون بحدثان ذلك وأكثر ما قالوا في ذلك ستة أشهر وقد بينا هذا المعنى عند ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر المسكينة من هذا الكتاب ويحتمل أن يكون هذا ليعلمهم بالصلاة منه عليهم لأنه ربما دفن من لم يصل عليه كالمسكينة ومثلها ليكون مساويا بينهم في صلاته عليهم ولا يؤثر بعضهم بذلك ليتم عدله فيهم لأن صلاته على من صلى عليه رحمة وبركة ورفعة ومن هذا المعنى قسم صلاة الخوف بالطائفتين ولم يقدم أحدا من أصحابه يصلي بالطائفة الأخرى ليشملهم عدله ولا يؤثر بعضهم لنفسه وقد قيل إن خروجه للبقيع للصلاة على أهله كان كالمودع للأحياء والأموات وقوله إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم فهو عندي كلام خرج مخرج العموم ومعناه الخصوص كأنه قال بعثت إلى البقيع لأصلي على من لم أصل عليه من أصحابي ليعمهم بذلك وفيه لبريرة فضيلة وفيه الاستخدام بالعتق والاستخدام بالليل وذلك عندي فيما خف أو فيه طاعة الله عز وجل وحسن أن يجازيه على ذلك ويكافئه لاستخدامه به وفيه ما كانوا عليه من مراعاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ونهارا وقد روى أبو مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة حديثا حسنا يدل على أن ذلك كان منه عليه السلام حين خيره الله بين الدنيا والآخرة ونعيت إليه نفسه فاختار ما عند الله حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا

إبراهيم بن زهير قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن عمر بن علي العبدي عن عبيد بن جبير مولى الحكم بن أبي العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال أخبرني أبو مويهبة مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا مويهبة إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فاستغفر لهم ثم انصرف فأقبل علي وقال يا أبا مويهبة إن الله قد خيرني في مفاتيح خزائن الأرض والخلد فيها ثم الجنة أو لقاء ربي فاخترت لقاء ربي فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الليلة فبدأه وجعه الذي مات منه مالك عن نافع أن أبا هريرة قال أسرعوا بجنائزكم فإنما هو خير تقدمونه إليه أو شر تضعونه عن رقابكم هكذا روى هذا الحديث جمهور رواة الموطأ موقوفا على أبي هريرة ورواه الوليد بن مسلم عن مالك عن نافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتابع ذلك عن مالك ولكنه مرفوع من غير رواية مالك عن أبي هريرة من طرق ثابتة وهو محفوظ أيضا من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عن نافع عن أبي هريرة وعن سعيد عن أبي هريرة من طرق في التمهيد وأما الذي جاء به هذا الحديث فمعناه عندي ترك التراخي وكراهية المطيطاء والتبختر والتباطؤ والزهو في المشي مع الجنازة وغيرها وعلى هذا جماعة العلماء والعجلة أحب إليهم من الإبطاء ويكره الإسراع الذي يشق على ضعفه من يتبعها وقد قال إبراهيم النخعي خضوا فيها ولا تدبوا دبيب اليهود والنصارى

وروي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وجماعة من السلف أنهم أمروا أن يسرع بهم وهذا عندي على ما استحبه الفقهاء ولكل شيء قدر وهو أمر خفيف إن شاء الله وقد تأول قوم في قوله في هذا الحديث أسرعوا بجنائزكم أنه أراد تعجيل الدفن بعد استيقان الموت ومن حجة من ذهب إلى هذا التأويل في حديث أبي هريرة هذا حديث الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله وحديث علي بن أبي طالب ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا علي ثلاثة لا تؤخرها الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤا قال أبو عمر إلا أن قوله عليه السلام إنما هو خير تقدمونه إليه أو شر تضعونه عن رقابكم يدل على المشي وهيئته لا الدفن هذا ظاهر الحديث وكل ما احتمل المعنى فليس ببعيد في التأويل وروى شعبة عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة أنه أسرع في المشي في جنازة عثمان بن أبي العاص وأمرهم بذلك وقال قد رأيت وإنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام نرمل رملا وعن بن مسعود أنه قال سألنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن المشي مع الجنازة فقال دون الخبب إن يكن خيرا يعجل به وإن يكن غير ذلك فبعدا لأهل النار

كتاب الزكاة باب ما تجب فيه الزكاة مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس ذود صدقة وليس فيما دون خمس أواق صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبيه أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواقي من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة

مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله على دمشق في الصدقة إنما الصدقة في الحرث والعين والماشية قال مالك ولا تكون الصدقة إلا في ثلاثة أشياء في الحرث والعين والماشية قال أبو عمر حديث أبي سعيد الخدري في هذا الباب من رواية عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد ومن رواية محمد بن يحيى بن حبان وغيره عن يحيى بن عمارة والد عمرو بن يحيى عن أبي سعيد صحيح ولا مطعن لأحد فيه وأما رواية بن أبي عبد الرحمن بن أبي صعصعة فمعلولة لا تصح عنه عن أبيه عن أبي سعيد وإنما هي ليحيى بن عمارة عن أبي سعيد وقد بينا ذلك في التمهيد وقال بعض أهل العلم إن هذه السنة الثابتة من رواية أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم لا توجد إلا من رواية أبي سعيد الخدري دون سائر الصحابة والذي ذكره من ذلك هو الأغلب المعروف إلا أني قد وجدتها من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ومن رواية محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن جابر كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرتهما بإسناديهما في التمهيد وحديث جابر المذكور أكثر بيانا وأكثر فائدة في النص قال عمرو بن دينار كان جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صدقة في شيء من الزرع والنخل والكرم حتى يكون خمسة أوسق ولا في الرقة حتى تبلغ مائتي درهم وهذا أعم فائدة ولا خلاف فيه وإن كان إسناده فيه لين فإن إجماع العلماء على القول به تصحيح له وأما قوله ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة الذود واحد الإبل

تقول ليس فيما دون خمس من الإبل أو خمس جمال أو خمس نوق صدقة والذود واحد ومنه قيل الذود إلى الذود إبل وقد قيل إن الذود قطعة من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر والأول عند أكثر أهل اللغة وأشهر قال الحطيئة ونحن ثلاثة وثلاث ذود لقد عال الزمان على عيالي أي مال عليهم والأكثر أن الذود عند أهل اللغة من الثلاثة إلى العشرة قال أبو حاتم وتركوا القياس في الجمع فقالوا ثلاث ذود لثلاث من الإبل وأربع ذود وعشر ذود كما قالوا ثلاث مائة وأربع مائة على غير قياس والقياس ثلاث مئين ومئات ولا يكادون يقولون ذلك قال بن قتيبة ذهب قوم إلى أن الذود واحد وذهب آخرون إلى أن الذود جميع واختار بن قتيبة قول من قال إنه جميع واحتج له بأنه لا يقال خمس ذود كما لا يقال خمس ثوب قال أبو عمر ليس قوله بشيء لأنه لا يقال خمس ثوب وقد كان بعض الشيوخ لا يروونه إلا في خمس ذود على التنوين لا على الإضافة وعلى هذا يصح ما قاله أهل اللغة قال أبو عمر الصدقة المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري وغيره في هذا الباب هي الزكاة المعروفة وهي الصدقة المفروضة سماها الله صدقة وسماها زكاة وقال عز وجل خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها التوبة وقال إنما الصدقات للفقراء والمساكين التوبة يعني الزكاة

وقال وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة البقرة وقال الذين لا يؤتون الزكاة فصلت فهي الصدقة وهي الزكاة وهذا ما لا تنازع فيه والحمد لله وفي هذا الحديث دليل على أن ما كان دون الخمس من الإبل فلا زكاة فيه وهذا إجماع من علماء المسلمين وأفادنا قوله ليس فيما دون خمس ذود صدقة فائدتين إحداهما إيجاب الزكاة في الخمس فما فوقها ونفي الزكاة عما في دونها ولا خلاف في ذلك فإذا بلغت خمسا ففيها شاة واسم الشاة يقع على واحدة من الغنم والغنم الضان والمعز وهذا أيضا إجماع من العلماء أنه ليس في خمس من الإبل إلا شاة واحدة وهي فريضتها فإذا بلغت الإبل عشرة ففيها شاتان وسيأتي القول في زكاة الإبل مبسوطا في باب صدقة الماشية من هذا الكتاب إن شاء الله وأما قوله عليه السلام ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة فإنه إجماع من العلماء أيضا وفيه معنيان يقتضيان فائدتين كما ذكرنا فيما قبل في الإبل إحداهما نفي الزكاة عما دون خمس أواق والثانية إيجابها في هذا المقدار وفيما زاد عليه بحسابها هذا ما يوجبه ظاهر الحديث لعدم النص عن العفو منها فيما بعد الخمس الأواقي حتى تبلغ مقدارا فلما عدم النص في ذلك وجب القول بإيجابها في القليل والكثير بدلالة العفو عما دون الخمس الأواقي لأنه إيجاب لها في الخمس فما فوقها وعلى هذا أكثر العلماء وسنذكر القائلين به والخلاف فيه في هذا الباب بعد إن شاء الله والأوقية عندهم أربعون درهما كيلا لا خلاف في ذلك والأصل في الأوقية ما ذكره أبو عبيد قال الأوقية اسم لوزن سلعة أربعون درهما كيلا

والنش نصف الأوقية والنواة وزنها خمسة دراهم كيلا وما قاله أبو عبيد ذلك هو قول جمهور العلماء قال أبو عبيد كانت الدراهم غير معلومة إلى أيام عبد الملك بن مروان فجمعها وجعل كل عشرة من الدراهم وزن سبعة مثاقيل قال وكانت الدراهم يومئذ درهم من ثمانية دوانق زيف ودرهم من أربعة دوانق جيد قال فاجتمع رأي علماء ذلك الوقت لعبد الملك على أن جمعوا الأربعة الدوانق إلى الثمانية فصارت اثني عشر دانقا فجعلوا الدرهم ستة دوانق وسموه كيلا فاتفق لهم في ذلك أن كل مائتي درهم زكاة وأن أربعين درهما أوقية وأن في الخمس الأواقي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دونها صدقة مائتي درهم لا زيادة وهي نصاب الصدقة قال أبو عمر الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز أن تكون مجهولة المبلغ من الدراهم في الوزن ثم يوجب الزكاة عليها وليس يعلم مبلغ وزنها ووزن الدينار درهمان أمر مجتمع عليه في البلدان وكذلك درهم الوزن اليوم أمر مجتمع عليه معروف بالآفاق إلا أن الوزن عندنا بالأندلس مخالف لوزنهم فالدرهم الكيل عندهم هو عندنا بالأندلس درهم وأربعة أعشار درهم لأن دراهمنا مبنية على دخل أربعين ومائة منها في مائة كيل من دراهمهم هكذا أجمع الأمراء والناس عندنا بالأندلس وما أظن عبد الملك وعلماء عصره نقصوا شيئا من الأصل وإنما أنكروا وكرهوا الجاري عندهم من ضرب الروم فردوها إلى ضرب الإسلام فعلى ما ذكرنا في الدرهم المعهود عندنا أنه درهم وخمسان تكون المائتا درهم كيلا مائتي درهم وثمانين درهما بدرهمنا وقد قيل إن الدرهم المعهود بالمشرق وهو المعهود بالكيل المذكور هو بوزننا اليوم بالأندلس درهم ونصف وأظن ذلك بمصر وما والاها وأما أوزان أهل العراق فعلى ما ذكرت لك لم تختلف علينا كتب علمائهم أن درهمهم درهم وأربعة أعشار درهم بوزننا وهذا موجود في كتب الكوفين والبغداديين إلى عصرنا هذا ويسمونها في وثائقهم وزن سبعة

وقد حكى الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه اختلاف الدينار والدرهم في اليمن وناحية عدن فقال قد اصطلح الناس على دراهمنا وإن كان بينهم في ذلك اختلاف لطيف قال وأما الدنانير فليس فيها اختلاف قال أبو عمر فجملة النصاب ومبلغه اليوم بوزننا على الدخل المذكور خمسة وثلاثون دينارا دراهم حساب الدينار ثمانية دراهم بدراهمنا التي هي دخل أربعين درهما ومائة في مائة كيلا على حساب الدرهم الكيل درهم وأربعة أعشار كما ذكرنا عن السلف بالعراق والحجاز والخلف منهم وأما على حساب الدرهم الدرهم ونصف فإنها تكون سبعة وثلاثين دينارا دراهم وأربعة دراهم والقول الأول هو المعروف عند العلماء فإذا ملك الحر المسلم وزن المائتي الدرهم المذكورة من فضة مضروبة أو غير مضروبة وهي الخمس الأواقي المنصوص عليها في الحديث حولا كاملا فقد وجبت عليه صدقتها وذلك ربع عشرها خمسة دراهم للمساكين والفقراء ومن ذكر في آية الصدقة إلا المؤلفة قلوبهم فإن الله قد أغنى الإسلام وأهله اليوم عن أن يتألف عليه كافر وسنبين هذا المعنى في باب قسم الصدقات من هذا الكتاب مجودا إن شاء الله وأما قوله في هذا الحديث من الورق فإن أهل اللغة قالوا الورق والرقة هي الدراهم المضروبة ولا يقال عندهم لما عداها من النقود والمسبوك والمصنوع ورقا ولا رقة وإنما يقال له فضة والفضة اسم جامع لذلك كله وأما الفقهاء فالفضة والورق عندهم سواء واختلفوا فيما زاد على المائتي درهم الخمس الأواق المذكورة من الفضة فقال أكثرهم ما زاد على المائتي درهم الورق فبحساب ذلك في كل شيء منه ربع عشرة قل أو كثر هذا قول مالك والليث والشافعي وأكثر أصحاب أبي حنيفة منهم أبو يوسف ومحمد وهو قول بن أبي ليلى والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبي عبيد وبن علية وروي ذلك عن علي وبن عمر روى سفيان الثوري وغيره عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي في كل عشرين دينارا نصف دينار وفي كل أربعين دينارا دينار وفي كل مائتي درهم خمسة دراهم وما زاد فبالحساب وروى بن عيينة وغيره عن أيوب عن بن سيرين عن جابر الحذاء عن بن

عمر قال في كل مائتي درهم خمسة دراهم فما زاد فبالحساب وعن إبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز مثله وقالت طائفة من أهل العلم أكثرهم أهل العراق لا شيء فيما زاد على المائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما فإذا بلغتها كان فيها درهم وذلك ربع عشرها مضافا إلى الخمسة دراهم تتمم ستة دراهم وما زاد على العشرين دينار من الذهب فلا شيء فيه حتى تبلغ أربعة دنانير هذا قول يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رواه الليث بن سعد وغيره عن يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس عن عمر بن الخطاب وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وطاوس وعطاء والشعبي وبن شهاب الزهري ومكحول وعمرو بن دينار والأوزاعي وأبو حنيفة وزفر وطائفة من أصحابنا واحتج أبو حنيفة ومن قال بقوله لهذا المذهب بما رواه الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة ربع العشر من كل مائتي درهم خمسة دراهم ومن كل عشرين دينارا نصف دينار وليس في مائتي درهم شيء حتى يحول عليها الحول فإذا حال عليها الحول ففيها خمسة دراهم فما زاد ففي كل أربعين درهم وفي كل أربعة دنانير تزيد على العشرين دينارا درهم حتى يبلغ الذهب أربعين دينارا فيكون فيها دينار وفي أربعة وعشرين دينارا نصف دينار ودرهم هكذا روى هذا الحديث من أوله إلى آخره الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة والحارث الخارقي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الحفاظ من أصحاب أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي من قوله لم يذكروا فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه الثوري وغيره لم يتجاوزوا به عليا رضي الله عنه ولا ساقوه المساق الذي ساقه الحسن بن عمارة ولا يحفظ هذا التلخيص الذي ذكره الحسن بن عمارة إلا من أقاويل التابعين عطاء بن أبي رباح وغيره

وقد روي عن علي أيضا خلاف هذا الحديث أنه قال فما زاد على المائتي درهم فبالحساب كما روي فيه عن بن عمر ومن ذكرنا معه وقد احتج بعض الكوفيين لمذهبه هذا من جهة النظر بأن قال ما زاد على المائتي درهم إلى أن تبلغ أربعين درهما مختلف فيه لا يثبت باختلاف قال وهم مجمعون على الأربعين الزائدة على المائتي درهم فكأنه قال فما زاد على المائتي درهم فبالحساب كما قال فيما زادت ففي كل مائتين شاة قال ولما أجمعوا على الأوقاص في الماشية واختلفوا في العين وجب رد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه من أوقاص المواشي قال وهذا معنى قوله فبالحساب إذ زادت تزيد إذا زادت أربعين فبالحساب في كل أربعين درهما درهم وكذلك الذهب إذا زادت أربعة دنانير قال أبو عمر هذا غير لازم لأن ما اختلفوا فيه من هذا الباب أصول والأصول لا يقاس بعضها ببعض ولا يرد بعضها إلى بعض وأصل الكوفيين في ذلك غير صحيح لأن الحسن بن عمارة لا يلتفت أهل العلم بالحديث إلى حديثه لضعفه وقد روي عن طاوس في هذا الباب قول ثالث رواه بن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس قال إذا زادت الدراهم على مائتي درهم فلا شيء فيها حتى تبلغ أربع مائة درهم قال أبو عمر كأنه ذهب إلى الخبر في المائتي درهم خمسة دراهم كما جاء في الخبر في كل خمس من الإبل شاة وفي عشر شاتان ولا أعلم أحدا قاله كما رواه بن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس خلاف ذلك على ما رواه بن طاوس عن أبيه والذي روى بن طاوس عن أبيه أنه إذا زادت الدراهم على مائتين فلا شيء فيها حتى تبلغ أربعين فإذا زادت الدنانير على عشرين دينار فلا شيء فيها حتى تبلغ أربعة دنانير على ما روي عن عمر وسعيد بن المسيب ومن ذكرنا معهما وهذا هو الصحيح عن طاوس ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن يونس عن الحسن قال ما زاد على المائتين فلا يؤخذ منه شيء حتى يبلغ أربعين درهما كيلا

قال وقاله بن جريج عن عطاء وعمرو بن دينار وعن هشام بن حجير عن طاوس مثله وأما قوله صلى الله عليه وسلم وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ففيه معنيان أحدهما نفي وجوب الزكاة عما كان دون هذا المقدار والثاني وجوب الزكاة في هذا المقدار فما فوقه والوسق ستون صاعا بإجماع من العلماء بصاع النبي صلى الله عليه وسلم والصاع أربعة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم ومده زنة رطل وثلث وزيادة شيء لطيف بالرطل البغدادي وهو رطل الناس في آفاق الإسلام اليوم وعلى هذا جمهور العلماء وإلى هذا رجع أبو يوسف حين ناظره مالك في المد وأتاه بمد أبناء المهاجرين والأنصار بما ذكره وراثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وكان هو وأصحابه قبل ذلك يقولون في زنة مد النبي صلى الله عليه وسلم رطلان ويقولون في الصاع والصحيح ما قاله أهل الحجاز أن الصاع خمسة أرطال وثلث والمد رطل وثلث وقد بينا الآثار بما ذهب إليه أهل الحجاز في رواية المد والصاع في التمهيد وقد اختلف في معنى زنة المد الذي مبلغه رطل وثلث فقيل هو بالماء وقيل هو بالبر المتوسط فمبلغ الخمسة الأوسق ألف مد ومائتي مد بالمد المدني مد النبي صلى الله عليه وسلم الذي ورثه أهل الحجاز وهي بالكيل القرطبي عندنا خمسة وعشرون قفيزا على حساب كل قفيز ثمانية وأربعون مدا وإن كان القفيز اثنين وأربعين مدا كما زعم جماعة من الشيوخ عندنا فهي ثمانية وعشرون قفيزا ونصف قفيز أو أربعة أسباع قفيز ووزن جميعها ثلاثة وخمسون ربعا وثلث ربع كل ربع منها من ثلاثين رطلا والأحوط عندي والأولى أن يكون النصاب خمسة وعشرين قفيزا بكيل قرطبة هو هذا المقدار الذي لا تجب الزكاة فيما دونه وتجب فيه وفيما دونه كيلا بحساب ذلك من كل شيء عشرة وأما قوله من التمر فهو عندي جواب السائل سأله عن نصاب زكاة التمر فأجابه وسمع المحدث التمر فذكره على حسب ما سمعه وليس ذكر التمر بمانع من جري الزكاة في غير التمر بدليل الآثار والاعتبار والإجماع وحديث عمرو بن يحيى وهو أصحها ليس فيه ذكر التمر ولا غيره وعموم لفظه يقتضي أن كل ما يوسق إذا بلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة تمرا كان أو حبا وقد روى إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن

عمارة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق الحديث وسنذكر الحبوب التي تجب فيها الزكاة والثمار في بابه إن شاء الله وأما قول عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس أن الصدقة لا تكون إلا في الحرث والعين والماشية فهو إجماع من العلماء أن الزكاة في العين والحرث والماشية لا يختلفون في جملة ذلك ويختلفون في تفصيله على ما نذكره عنهم في أبوابه من هذا الكتاب إن شاء الله والحرث يقتضي كل ما يزرعه الآدميون ويقتضي الثمار والكروم وللعلماء فيما تجب فيه الزكاة من الثمار والحبوب اختلاف كثير سنبين وجوهه في مواضعه إن شاء الله وكذلك عروض التجارة باب الزكاة في العين من الذهب والورق مالك عن محمد بن عقبة مولى الزبير أنه سأل القاسم بن محمد عن مكاتب له قاطعة بمال عظيم هل عليه فيه زكاة فقال القاسم إن أبا بكر الصديق لم يكن يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول قال القاسم بن محمد وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم يسأل الرجل هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة فإذا قال نعم أخذ من عطائه زكاة ذلك المال وإن قال لا أسلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئا مالك عن عمر بن حسين عن عائشة بنت قدامة عن أبيها أنه قال كنت إذا جئت عثمان بن عفان أقبض عطائي سألني هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة قال فإن قلت نعم أخذ من عطائي زكاة ذلك المال وإن قلت لا دفع إلي عطائي مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول

قال أبو عمر قد روي حديث بن عمر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه حارثة بن أبي الرجال عن أبيه عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مالك عن بن شهاب أنه قال أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية بن أبي سفيان قال أبو عمر أما أمر المكاتب فمعنى مقاطعته أخذ مال معجل منه دون ما كوتب عليه ليعجل به عتقه وهي فائدة لا زكاة على مستفيدها حتى يحول الحول عليها وسيأتي القول في وجوه معاني الفائدة في الزكاة فيما بعد إن شاء الله وأما ما ذكره عن أبي بكر وعثمان وبن عمر فقد روي عن علي وبن مسعود مثله وعليه جماعة الفقهاء قديما وحديثا لا يختلفون فيه انه لا تجب في مال من العين ولا في ماشية زكاة حتى يحول عليه الحول إلا ما روي عن بن عباس وعن معاوية أيضا فأما حديث بن عباس فرواه بن حبان عن عكرمة عن بن عباس في الرجل يستفيد المال قال يزكيه يوم يستفيده ذكره عبد الرزاق وغيره عن هشام بن حسان ورواه حماد بن سلمة عن قتادة عن جابر بن زيد عن عبد الله بن عباس مثله ولم يعرف بن شهاب مذهب بن عباس في ذلك والله أعلم فلذلك قال أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية يريد أخذ منها نفسها في حين العطاء لا أنه أخذ منها عن غيرها مما حال عليه الحول عند ربه المستحق للعطية وأما وجه أخذ أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما من الأعطية زكاة فيما يقر صاحب العطاء أنه عنده من المال الذي تلزم فيه الزكاة بمرور الحول وكمال النصاب ففيه تصرف الناس في أموالهم التي تجري فيها الزكاة وفيه أن زكاة العين كان يقبضها الخلفاءكما كانوا يقبضون زكاة الحبوب والماشية ويعاملون الناس في أخذ ما وجب

عليهم من الزكاة معاملة من له دين قد وجب على من له عند مال يقتطعه منه ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بقول معاوية وبن عباس في اطراح مرور الحول إلا مسألة جاءت عن الأوزاعي إذا باع العبد أو الدار فإنه يزكي الثمن حين يقع في يده إلا أن يكون له شهر معلوم فيؤخره حتى يزكيه مع ماله قال أبو عمر هذا قول ضعيف متناقض لأنه إن كان يلزمه في ثمن الدار والعبد الزكاة ساعة حصل بيده فكيف يجوز تأخيره ذلك إلى شهره المعلوم وإن كان لا تجب الزكاة في ثمن الدار والعبد إلا بعد استتمام حول كامل من يوم قبضه فكيف يزكي ما لا يجب عليه فيه زكاة في ذلك الوقت وسنبين ما للعلماء من المذاهب في الفوائد من العين ومن الماشية أيضا وفي تعجيل الزكاة قبل وقتها كل في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله قال مالك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارا عينا كما تجب في مائتي درهم قال مالك ليس في عشرين دينارا ناقصة بينة النقصان زكاة فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها عشرين دينارا وازنة ففيها الزكاة وليس فيما دون عشرين دينارا عينا الزكاة قال أبو عمر لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة الذهب شيء من جهة نقل الآحاد العدول الثقات الأثبات وقد روى الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال هاتوا زكاة الذهب من كل عشرين دينارا نصف دينار كذلك رواه أبو حنيفة فيما زعموا ولم يصح عنه ولو صح لم يكن فيه عند أهل العلم بالحديث أيضا حجة والحسن بن عمارة متروك الحديث أجمعوا على ترك حديثه لسوء حفظه وكثرة خطئه رواه عن الحسن بن عمارة عبد الرزاق ورواه جرير بن حازم والحارث بن نبهان هكذا عن الحسن بن عمارة والحديث إنما هو لأبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قوله في عشرين دينارا من الذهب نصف دينار كذلك رواه الحفاظ عن عاصم

عن علي لا من قول النبي صلى الله عليه وسلم منهم سفيان الثوري وغيره من أصحاب أبي إسحاق ذكره وكيع قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قوله لم يتجاوزوا به عليا رضي الله عنه وأجمع العلماء على أن الذهب إذا بلغ أربعين مثقالا فالزكاة فيه واجبة بمرور الحول ربع عشره وذلك دينار واحد وأجمعوا أنه ليس فما دون عشرين دينارا زكاة ما لم تبلغ قيمتها مائتي درهم واختلفوا في العشرين دينارا إذا لم تبلغ قيمتها مائتي درهم وفيما تساوي من الذهب وإن يكن وزنه عشرين دينارا فالذي عليه جمهور العلماء أن الذهب تجب فيه الزكاة إذا بلغ وزنه عشرين دينارا وجبت فيه زكاة نصف دينار مضروبا كان أو غير مضروب إلا الحلي المتخذ للنساء فله حكم عند العلماء يأتي في بابه إن شاء الله وما عدا الحلي من الذهب فالزكاة واجبة فيه عند جمهور العلماء إذا كان وزنه عشرين دينارا يجب فيه ربع عشرة بمرور الحول وسواء ساوى مائتي درهم كيلا أم لم يساو وما زاد على العشرين مثقالا فبحسابه ذلك بالقليل والكثير وما نقص من عشرين دينارا فلا زكاة فيه سواء كانت مائتي درهم أو أكثر والمراعاة فيه وزنه في نفسه من غير قيمته فهذا مذهب مالك والشافعي وأصحابهما والليث بن سعد والثوري في أكثر الروايات عنه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد واختلف في ذلك عن الأوزاعي وهو قول علي بن أبي طالب وجماعة من التابعين بالحجاز والعراق منهم عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز ومحمد بن سيرين وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد إلا أن أبا حنيفة في جماعة من أهل العراق في العين ذكروا أوقاصا كالماشية فقالوا لا شيء فيما زاد على العشرين مثقالا حتى تبلغ أربعة مثاقيل ولا فيما زاد على المائتي درهم حتى تبلغ أربعين درهما فيكون فيها ستة دراهم ويكون في الأربعة مثاقيل اثنا عشر قيراطا وهو قول إبراهيم النخعي على اختلاف عنه في ذلك لأنه قد روي عنه وما زاد على المائتي درهم فبالحساب ورواه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لا شيء فيما زاد على المائتي درهم حتى تبلغ أربعين درهما ولا شيء فيما زاد على العشرين مثقالا حتى تبلغ أربعة مثاقيل على اختلاف في ذلك عن الأوزاعي

وقال آخرون ليس في الذهب زكاة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها ربع العشر ولو كان وزنها أقل من عشرين دينارا وكانت عشرين دينارا إدارية ولم يبلغ صرفها مائتي درهم لم تجب فيها زكاة حتى تبلغ أربعين دينارا فإذا بلغت أربعين دينارا ففيها دينار ولا يراعى فيها العرف ولا القيمة إذا بلغت أربعين دينارا هذا قول الزهري وقد رواه يونس عنه في الحديث المذكور عن سالم وعبد الله ابني عبد الله بن عمر في نسخة كتاب الزكاة إلا أن أهل العلم يقولون إن ذلك من قول بن شهاب ورأيه قالوا وكثيرا كان يدخل رأيه في الحديث قال أبو عمر الصحيح عن بن شهاب أنه من رأيه كذلك ذكره عنه معمر وغيره وهو قول عطاء وطاوس وبه قال أيوب السختياني وسليمان بن حرب وقد روي عن بن شهاب خلاف ذلك ذكر سنيد وغيره عن محمد بن كثير وعن الأوزاعي عن الزهري قال إذا كان يدخل عشرون دينارا ففيها نصف دينار وإذا كانت أربعة وعشرون دينارا ففيها زيادة درهم في كل أربعة دنانير درهم وما دون الأربعة فلا زكاة فيه وقالت طائفة ليس في الذهب شيء حتى يبلغ أربعين دينارا سواء ساوى ما دون الأربعين منها مائتي درهم أم لم تساو فإذا بلغت أربعين دينارا ساوى ما دون الأربعين منها ففيها ربع عشرها دينار واحد ثم ما زاد فبحساب ذلك هذا قول الحسن البصري ورواية عن الثوري وبه قال أكثر أصحاب داود بن علي قال أبو عمر الأربعون دينارا من الذهب لا خلاف بين علماء المسلمين في إيجاب الزكاة فيها وذلك سنة وإجماع لا يراعي أحد من العلماء فيه قيمة وإنما يراعون وزنها في نفسها وإنما الاختلاف فيما دونها وأما قول مالك في المائتي درهم فإن كانت تجوز بجواز الوازنة رأيت فيها الزكاة وإن نقصت إذا كان النقصان يسيرا فقد خالفه الشافعي في ذلك فقال إذا نقصت شيئا معلوما وإن قل لم يجب فيها زكاة وبمعنى قول الشافعي قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأبو ثور وأحمد وجمهور الفقهاء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق صدقة

قال أبو عمر يحتمل أن يكون قول مالك في النقصان اليسير نحو ما تختلف فيه الموازين فإن كان كذلك فلا وجه لمن عاب قوله في ذلك والقول عند مالك في عشرين دينارا ناقصة تجوز بجواز الوازنة كقوله في المائتي درهم سواء وقول سائر العلماء في ذلك كقولهم في المائتي درهم على ما ذكرنا وبالله التوفيق وأما قول مالك في رجل كانت عنده ستون ومائة درهم وازنة وصرف الدراهم ببلده ثمانية دراهم بدينار أنها لا تجب فيها الزكاة وإنما تجب الزكاة في عشرين دينارا عينا أو مائتي درهم فإنه يذهب إلى ضم الدنانير والدراهم في الزكاة ولا يرى ضمها بالقيمة وإنما يرى ضمها بالأجزاء فيكون النصاب من هذه ومن هذه على الأجزاء ويوجب الزكاة فيهما ويعتبر ضمهما بالأجزاء إن ينزل الدينار بعشرة دراهم على ما كانت عليه قديما في المدينة فمن كانت عنده عشرة دنانير ومائة درهم وجبت عليه الزكاة كما تجب لو كانت عنده مائة درهم أو عشرون دينارا وكذلك تجب في مائة وخمسين درهما وخمسة دنانير ومائة وتسعين درهما ودينار واحد وفي التسعة عشر دينارا وعشرة دراهم فعلى هذا من الأجزاء ضم الدنانير والدراهم عند مالك في الزكاة وهو قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة ورواية عن الثوري وبه قال أبو حنيفة وأصحابه إلا أن أبا حنيفة قال تضم بالقيمة في وقت الزكاة قال أبو يوسف ومحمد كقول مالك تضم بالأجزاء على ما فسرنا وقال آخرون منهم الشعبي يضم الأقل منها إلى الأكثر بالقيمة ولا يضم الأكثر إلى الأقل وهو قول الأوزاعي في رواية محمد بن كثير عنه ورواه الأشجعي عن الثوري وروي سنيد قال أخبرنا محمد بن كثير في رجل له تسعة دنانير ومائة وثمانون درهما قال يحسب كل ذلك ويزكيه على أفضل الحالين في الزكاة قال أبو عمر يعني بالقيمة على ما هو أفضل للمساكين من رد قيمة الدراهم إلى الدنانير أو قيمة الدنانير إلى الدراهم ويعمل بالأفضل من ذلك للمساكين وقد روي عن الثوري أنهما تضمان بالقيمة لقول أبي حنيفة ولا يراعى الأقل من ذلك من الأكثر إلا أنه يراعى الأحوط للمساكين في الضم فيضم عليه

وقال آخرون تضم الدنانير إلى الدراهم بقيمتها كانت أقل من الدراهم أو أكثر ولا يضم الدراهم إلى الدنانير قلت أو كثرت لأن الدراهم أصل والدنانير فرع لأنه لم يثبت في الدنانير حديث ولا فيها إجماع حتى تبلغ أربعين دينارا على حسب ما ذكرنا في ذلك عن العلماء وقال آخرون إذا كان عنده نصاب من ورق زكى قليل الذهب وكثيره وكذلك إذا كان عنده نصاب من ذهب زكى ما عنده من الورق وقال آخرون منهم بن أبي ليلى وشريك القاضي والحسن بن صالح بن حي والشافعي وأبو ثور وداود لا يضم ذهبا إلى فضة ولا فضة إلى ذهب ويعتبر في كل واحد منهما كمال النصاب وإلى هذا رجع أحمد بن حنبل بعد أن كان يخبر عنه وقال هذا هو النظر الصحيح قال أبو عمر حجة من ذهب هذا المذهب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وقول الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم لشذوذ عنهم ليس فيما دون عشرين دينارا زكاة فهذه ستة أقوال في صفة الورق والذهب في الزكاة إذا نقص كل واحد منهما عن النصاب قال مالك في رجل كانت له خمسة دنانير من فائدة أو غيرها فتجر فيها فلم يأت الحول حتى بلغت ما تجب فيه الزكاة أنه يزكيها وإن لم تتم إلا قبل أن يحول عليها الحول بيوم واحد أو بعد ما يحول عليها الحول بيوم واحد ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت وقال مالك في رجل كانت له عشرة دنانير فتجر فيها فحال عليها الحول وقد بلغت عشرين دينارا أنه يزكيها مكانها ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول من يوم بلغت ما تجب فيه الزكاة قال أبو عمر قوله في الخمسة الدنانير والعشرة الدنانير سواء في إيجاب الزكاة في ربح المال يحول على أصله الحول وإن لم يكن الأصل نصابا قياسا على نسل الماشية التي تعد على صاحبها ويكمل النصاب بها ولا يراعى بها حلول الحول عليها وربح المال عنده كأصله خلافا لسائر الفوائد

وإنما حمله والله أعلم على قياس ربح المال على نسل الماشية وقوة ذلك الأصل عنده وإن كان مختلفا فيه لأنه روي عن عمر أنه كان يأمر السعاة يعدون السخال مع الأمهات على ما يأتي في بابه من زكاة المواشي وباقي الاختلاف في ذلك الأصل هناك إن شاء الله وقول مالك رحمه الله في ربح المال الذي ليس بنصاب لم يتابعه عليه غير أصحابه وقاسه على ما لا يشبهه في أصله ولا فرعه وهو أيضا قياس أصل على أصل والأصول لا يرد بعضها إلى بعض وإنما يرد إلى الأصل فرعه وبالله التوفيق قال أبو عبيد القاسم بن سلام لا نعلم أحدا قال هذا القول قول مالك ولا فرق أحد بين ربح المال وغيره من الفوائد غيره قال وأما سفيان وأهل العراق وأكثر أهل الحجاز عن مالك ومن قال بقوله فليس عندهم فرق بين ربح المال وسائر الفوائد من هبة أو ميراث أو تجارة وغير ذلك بعد أن لا تكون تلك الزيادة في مثلها الزكاة قال وكذلك هو عندنا نرى أن ما في المال والنتاج كغيرها من الفوائد لأن ذلك كله هبة من هبات الله وسببه الذي نعتبره عبادة قال أبو عمر اختلاف العلماء في النتاج لا يشبه اختلافهم في ربح المال وسترى ذلك في باب زكاة المواشي إن شاء الله والذي قاله أبو عبيد في ربح المال عن مالك أنه لم يتابعه عليه إلا أصحابه فليس كما قال وقد قال بقول مالك في ذلك الأوزاعي وأبو ثور وطائفة من السلف قال الوليد بن يزيد سمعت الأوزاعي يقول أما الفائدة التي يعطاها الرجل وليس عنده أصلها وقال أبو ثور إذا كانت الفائدة ربحا زكاها مع الأصل وإلا لم يزكه وكذلك قال أحمد بن حنبل في ذلك قال أحمد بن حنبل لا زكاة في المال المستفاد حتى يحول عليه الحول قال والمستفاد من العطاء والهبة ونحو ذلك وأما ربح المال فليس بمستعار قال أبو عمر هؤلاء كلهم لا يوجبون في الربح زكاة حتى يكون أصله نصابا وإنما أنكر أبو بكر والله أعلم في قول مالك قوله فيما دون النصاب يتجر به فيصير نصابا قبل الحول بأيام وما أظنه أنكر ما يكون من الربح في النصاب كما قال مالك خمسة دنانير أو

عشرة دنانير فيتجر فيها فتتم عنده الحول نصابا فيزكيها فلا يقول غير مالك وأصحابه والله أعلم إلا ما ذهب إليه الأوزاعي في مراعاة نصف النصاب دون ما هو أقل منه على ما نذكره بعد عنه إن شاء الله ذكر أبو عبيد عن معاذ عن بن عون قال أتيت المسجد وقد قرئ كتاب عمر بن عبد العزيز فقال لي صاحب لي لو شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز في أرباح التجار أن لا تعرض حتى يحول عليها الحول حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن قطن بن فلان قال مررت بواسط زمن عمر بن عبد العزيز فقالوا قرئ علينا كتاب أمير المؤمنين أن لا نأخذ من أرباح التجار شيئا حتى يحول عليه الحول وروى هشيم قال أخبرنا حميد الطويل قال كتب عمر بن عبد العزيز ألا تأخذوا من أرباح التجار شيئا حتى يحول عليها الحول وذكر الساجي قال حدثنا معاذ عن بن عون قال كتب عمر بن عبد العزيز في أرباح التجار أن لا يعرض لهم فيها حتى يحول عليها الحول قال أبو عمر هذا قول الشافعي في ربح المال وسائر الفوائد كلها يستأنف الحول فيها على ما وردت به السنة وقال جمهور الصحابة إنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في إجارة العبيد وخراجهم وكراء المساكين وكتابة المكاتب أنه لا تجب في شيء من ذلك الزكاة قل ذلك أو كثر حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه صاحبه قال أبو عمر أما إجارة العبيد وكراء المساكين وكتابة المكاتب فقد وافقه الشافعي على ذلك وهو قول أبي حنيفة وسائر الفقهاء إلى معاني تأتي في باب زكاة الدين من اشتراط الفقد في حين العقد على الريع أو غيره والمكتري ملي ثم يتأخر قبضه من قبل ربه وأما تفصيل جملة أقوال العلماء في الفوائد غير ما تقدم من الربح وما ذكر معه ف قال مالك تضم الفوائد من الدنانير والدراهم في الحول إلى النصاب منها ومن ملك عنده من أحدهما نصابا ثم أفاد نصابا أو دون نصاب قبل الحول فإنه يزكي كلا على حوله وهذا عنده بخلاف الفوائد في الماشية وهو قول الليث بن سعد وروى بن وهب وعبد الله بن صالح عن الليث قال إنما يزكى ما

أضيف إلى المال من الماشية وأما الدراهم والدنانير فإنه يستأنفها حولا من يوم استفادها قال أبو عمر هذا كله إنما هو لمن بيده نصاب حتى يستعيد ما استفاد وأما من كان عنده من الدراهم والدنانير أقل من النصاب فإنه لا خلاف أنه يضم إليه ما يستفيد حتى يكمل النصاب فإذا كمل له نصاب استقبل به يوم تم النصاب بيده حولا كرجل استفاد خمسين درهما ثم استفاد مائة درهم ثم استفاد تمام المائتين أو أكثر فإنه يستأنف من يوم كمل له النصاب به حولا هذا ما لا خلاف فيه وإنما الخلاف فيمن بيده نصاب من فضة أو ذهب ثم استفاد بعد شهر أو شهور فضة أو ذهبا فمذهب مالك ما وصفنا أنه يزكي كل مال على حوله حتى ينقص إلى ما لا زكاة فيه فإذا استفاد إلى ذلك لم يتم به له النصاب استأنف من يومئذ الحول هذا كله في غير التاجر وقد مضى القول في ربح المال ويأتي في باب زكاة العروض القول في زكاة التجارات إن شاء الله وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري فيما يستفيده التاجر وغيره قال الفائدة في الحول تضم إلى النصاب من جنسه فتزكى بحول الأصل والربح عندهم وغير الربح سواء قالوا لا يزكى إلا أن يكون عنده في أول الحول نصاب وفي آخره نصاب فإن كان ذلك وجبت عليه الزكاة ولا يسقطها عنه نقص يدخل المال من طرفي الحول قالوا ولو هلك بعض النصاب في داخل الحول ثم استفاد وحال عليه الحول وعنده نصاب فعليه الزكاة قالوا ولو هلك المال كله ثم استفاد نصابا استقبل به حولا وهو قول إبراهيم والحسن والحكم بن عتيبة قال حجاج بن أرطأة رأيت أهل الكوفة متفقين على ذلك وقال الأوزاعي في الرجل يكون عنده الدنانير التي لا تجب فيها الزكاة فيفيد إليها حتى يتم النصاب فقال إن كان الذي عنده نصف ما يجب فيه الزكاة فليترك حتى يفيد وإن كان دون النصف فلا شيء عليه حتى يحول الحول وهو عنده قال أبو عمر تفسير قوله أنه إن تجر في عشرة دنانير فما فوقها فأتى الحول

وقد كمل النصاب فعليه الزكاة وإن تجر في خمسة دنانير أو فيما دون العشرة فكملت نصابا عند تمام الحول لم تجب عليه زكاة وهذا قول لا يعضده أثر ولا نظر وقال الحسن بن صالح بن حي إذا كان له مائتي درهم يملكها فلما كان قبل الحول أفاد مالا من ربح أو غير ربح فحال عليه الحول وهما عنده زكاهما جميعا فإذا ذهب الحول وقد ذهب من المال الأول شيء فليس فيه ولا في الآخر شيء ويستقبل حولا من اليوم الذي أفاد المال الثاني لأنه إنما زكى الثاني بالأول فإذا لم يبق من الأول ما تجب فيه الزكاة لم يكن في الآخر زكاة إلا بحوله قال الشافعي لا يجب على من ملك مالا صدقة إلا أن يملك الحول كله ما تجب فيه الزكاة فإن دخل المال في بعض الحول أدنى نقص ولو ساعة يستقبل بعد أن يتم له النصاب حولا كاملا وقال مالك في الذهب والورق يكون بين الشركاء إن من بلغت حصته منهم عشرين دينارا عينا أو مائتي درهم فعليه فيها الزكاة ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه وإن بلغت حصصهم جميعا ما تجب فيه الزكاة وكان بعضهم في ذلك أفضل نصيبا من بعض أخذ من كل إنسان منهم بقدر حصته إذا كان في حصة كل إنسان منهم ما تجب فيه الزكاة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر قوله وهذا أحب ما سمعت إلي يدل على أنه قد سمع الخلاف في ذلك والخلاف فيه أن من أهل العلم من يقول إن الشركاء في الذهب والورق وفي الزرع وفي الماشية إذا لم يعلم أحدهم ماله بعينه أنهم يزكون زكاة الواحد وتلزم جميعهم في مائتي درهم وفي خمسة أوسق وفي خمس ذود وفي أربعين شاة الزكاة وإلى هذا ذهب الشافعي في الكتاب المصري المعروف بالجديد قياسا على الخلطاء في الماشية وأما قوله في الكتاب العراقي فكقول مالك وقال الخلطاء لا تكون في غير الماشية وسيأتي القول في زكاة الخلطاء في باب زكاة الماشية إن شاء الله=

4. الاستذكار
المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

وقول الكوفيين أبو حنيفة وأصحابه في ذلك كقول مالك قال يعتبر ملك كل واحد من الشريكين على حدة وهو قول أبي ثور وما احتج به مالك من قوله عليه السلام ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة حجة صحيحة لأنه خطاب للمفرد والشريك وقول مالك وإذا كانت لرجل ذهب أو ورق متفرقة بأيدي أناس شتى فإنه ينبغي له أن يحصيها جميعا ثم يخرج ما وجب عليه من زكاتها كلها قال أبو عمر هذا إجماع من العلماء إذا كان قادرا على ذلك ولم تكن ديونا ولا قراضا ينتظر أن تقضى باب ما جاء في المعادن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية وهي من ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة قال أبو عمر هذا الخبر منقطع في الموطأ وقد روي متصلا مسندا على ما ذكرناه في التمهيد من رواية الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن رواية غير الدراوردي أيضا وجملة قول مالك في موطئه أن المعادن مخالفة الركاز لأنها لا ينال ما فيها إلا بالعمل بخلاف الركاز ولا خمس فيها وإنما فيها الزكاة وهي عنده بمنزلة الزرع يجب فيه الزكاة إذا حصل النصاب ولا يستأنف به الحول ولا زكاة عنده فيما يخرج من المعدن إن كان ذهبا حتى يبلغ عشرين دينارا أو مائتي درهم فما زاد فعلى حساب ما ذكرنا عنه في زكاة الذهب والورق

وفرق مالك بين معادن أهل الصلح ومعادن أرض العنوة فقال المعادن في أرض الصلح لأهلها يصنعون فيها ما شاؤوا ويصالحون فيها على ما شاؤوا من خمس أو غيره وما فتح عنوة فهو للسلطان يصنع فيه ما شاء وعلى العامل فيه الطالب لفائدته زكاة ما يحصل بيده منه إذا كان نصابا على سنة الزكاة في الذهب والورق ومن حجة مالك أيضا في تفريقه بين ما يؤخذ من المعدن وما يؤخذ من الركاز قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة والمعدن جبار وفي الركاز الخمس فرق بين المعدن والركاز ب وفاصلة فدل ذلك على أن الخمس في الركاز لا في المعدن وقال أشهب عن مالك الذهب الثابت في الأرض يؤخذ بغير عمل هو ركاز وفيه الخمس وقال الأوزاعي في ذهب المعدن وفضته الخمس ولا شيء فيم يخرج منه غيرهما وقال أبو حنيفة وأصحابه في الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص الخارج من المعدن الخمس كالركاز قالوا وما كان في المعدن من ذهب وفضة بعد إخراج الخمس اعتبر كل واحد فيما حصل بيده منه ما يجب فيه الزكاة فزكاة لتمام الحول وهو عندهم فائدة تضم في الحول إلى النصاب من جنسها وهو قول الثوري قالوا وكل ما ارتكز بالأرض من ذهب أو فضة وغيرها من الجواهر فهو ركاز وفيه الخمس في قليله وكثيره على ظاهر قوله وفي الركاز الخمس قالوا وقوله المعدن جبار إنما هو عطف على قوله والبئر جبار وليس فيه ما ينبغي أن يكون المعدن ركازا لأنه أخبر بما هو جبار ثم أخبر بما يجب فيه الخمس

واختلف قول أبي حنيفة في الزئبق يخرج من المعادن فمرة قال فيه الخمس ومرة قال ليس فيه شيء كالقير والنفط واختلف قول الشافعي فيما يخرج من المعادن فقال مرة بقول مالك وهو قوله العراقي وقال بمصر ما يخرج من المعادن فهو فائدة يستأنف فيها الحول وهو قول الليث بن سعد وبن أبي ذئب ومرة قال الشافعي أستخير الله في المعادن وخير على القول فيها واختار المزني أن يكون ما يخرج من المعدن فائدة يستأنف بها حول وأما الإقطاع فهو جائز للإمام فيما لا ملك عليه لأحد من موات الأرض يقطعه من رآه من أهل الغنى والنفع للمسلمين بنفسه أو عمله وهو كالفيء يضعه حيث رآه فيما هو للمسلمين أعم نفعا وينبغي أن يكون ذلك على قدر ما يقوم به المرء وعماله وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لبلال بن الحارث أقطعك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا تطيقه فانظر ما تطيق منه فأمسكه وأذن لي في إقطاع الباقي من يحتاج إليه فأذن له فأقطع ما أخذ منه غيره وليس هذا من فعل أبي بكر ردا لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو رأى أن له رده ما استأذن بلال بن الحارث ولكنه رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقف في حين الإقطاع على قدر ما أقطع ولو علم من ذلك ما علمه أبو بكر ما أقطعه ذلك كله ومع ذلك فإنه استأذن بلالا ولو لم يأذن له ما أخبره وإنما أخذه بطيب نفسه ولا خلاف بين العلماء أن الإمام لا يجوز له إقطاع ما قد ملك بإحياء أو غيره مما يصح به الملك ومسارح القوم التي لا غني لهم عنها لإبلهم ومواشيهم لا يجوز للإمام أن يقطعها أحدا لأنها تجري الملك المعين ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقطع الدهناء رجلا قالت له قيلة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه مقيد إبل بني تميم وهذه نساء بني تميم من وراء ذلك فارتجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك لا يجوز للإمام إقطاع ما فيه الرغبة والتنافس والغبطة يختص به واحدا وهو يفصل عنه وللناس فيه منافع لحديثه عليه السلام أنه أقطع رجلا ماء ليس بالكثير فقيل له

يا رسول الله إنما أقطعته الماء العد يعني الكثير فارتجعه رسول الله صلى الله عليه وسلم باب زكاة الركاز مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الركاز الخمس قال أبو عمر هكذا ذكره مالك في كتاب الزكاة مختصرا وذكره في كتاب العقول بتمامه عن بن شهاب عن أبي سلمة وعن سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس قال مالك وتفسير الجبار أنه لا دية فيه وذكر بن وهب في موطئه قال أخبرنا يونس بن يزيد عن بن شهاب قال الجبار الهدر والعجماء البهيمة قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا والذي سمعت أهل العلم يقولون إن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال ولم يتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل ولا مؤونة فأما ما طلب بمال وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز يريد مالك بقوله هذا أنه ما لم يكن ركازا فحكمه حكم المعادن وأما قوله عليه السلام في الركاز الخمس فإن العلماء اختلفوا في الركاز وفي حكمه وقد ذكرنا عن مالك في تفسير ذلك في الموطأ ما نبين به فيه المعنى وقال مالك الركاز في أرض العرب للواجد وفيه الخمس قال وما وجد من ذلك في أرض الصلح فإنه لأهل تلك البلاد ولا شيء للواجد فيه

قال وما وجد في أرض العنوة فهو للجماعة الذين اقتحموها وليس لمن أصابه دونهم ويؤخذ خمسه قال بن القاسم كان مالك يقول في العروض والجواهر والحديد والرصاص ونحوه يوجد ركازا أن فيه الخمس ثم رجع فقال لا أرى فيه شيئا ثم آخر ما روينا عنه أن قال فيه الخمس قال إسماعيل بن إسحاق كل ما وجده المسلمون في خرب الجاهلية من أرض العرب التي افتتحها المسلمون من أموال الجاهلية ظاهرة أو مدفونة في الأرض فهو الركاز ويجري مجرى الغنائم ثم يكون لمن وجده أربعة أخماسه ويكون سبيل خمسه سبيل خمس الغنيمة يجتهد فيه الإمام على ما يراه من صرفه في الوجوه التي ذكر الله من مصالح المسلمين قال وإنما حكم الركاز كحكم الغنيمة لأنه مال كافر فوجده مسلم فأنزل بمنزلة من قاتلة وأخذ ماله فكان له أربعة أخماسه وقال الثوري في الركاز يوجد في الدار أنه للواجد دون صاحب الدار وفيه الخمس وقال أبو حنيفة وأبو يوسف الركاز في الذهب والفضة وغيرهما فيما كان من دفن الجاهلية أو البدرة أو القطيعة تكون تحت الأرض فتوجد بلا مؤنة فهو ركاز وفيه الخمس وقول الطبري كقولهم سواء قال أبو حنيفة ومحمد في الركاز يوجد في الدار أنه لصاحب الدار دون الواجد وفيه الخمس وقال أبو يوسف هو للواجد وفيه الخمس وإن وجده في فلاة فهو للواجد من قبلهم جميعا وفيه الخمس ولا فرق عندهم بين أرض الصلح وأرض العنوة وسواء عندهم أرض العرب وغيرها وجائز عندهم لواجده أن يحبس الخمس لنفسه إذا كان محتاجا وله أن يعطيه المساكين دون أن يدفعه للسلطان قال أبو عمر وجه هذا عندي من قولهم أنه كان من أحد المساكين وأنه لا يمكن السلطان إن صرفه عليهم أن يعمهم به وقال الليث بن سعد الركاز مما افتتح عنوة أو صلحا للواجد وفيه الخمس والركاز ما كان من دفن الجاهلية

وقال الشافعي الركاز دفن الجاهلية العروض وغيرها وفيه الخمس وسواء وجده في أرض العنوة أو الصلح بعد أن لا يكون في ملك أحد فإن وجد في ملك غيره فهو له إن ادعاه وفيه الخمس وإن لم يدعه فهو للواجد وفيه الخمس قال أبو عمر معنى قوله إن ادعاه أن يقول هو لي لأنه في أرضي أملكه كما أملك أرضي التي وجد فيها وفي إجماعهم على أن فيه الخمس دليل على أنه لم يملكه ملكا تاما ولذلك شاع فيه الاختلاف المذكور وبالله التوفيق وقد يحتمل أن يكون معنى قوله إن ادعاه أنا وجدته في فيفاء فاستخرجته ودفنته في داري أو في أرضي فيكون له وفيه الخمس قال الشافعي وإن أصاب شيئا من ذلك في أرض الحرب أو منازلهم فهو غنيمة له وللجيش وإنما يكون للواجد مالا يملكه العدو ومما لا يوجد إلا في الفيافي وقال الأوزاعي الركاز أموال أهل الكتاب المدفونة في الأرض والذهب بعينه يصيبه الرجل في المعدن قال أبو عمر أصل الركاز في اللغة ما ارتكز بالأرض من الذهب والفضة وسائر الجواهر وهو عند الفقهاء أيضا كذلك لأنهم يقولون في البدرة التي توجد في المعدن مرتكزة بالأرض لا تنال بعمل أو سعي أو نصب فيها الخمس لأنه ركاز ودفن الجاهلية لأموالهم عند جماعة أهل العلم ركاز أيضا لا يختلفون فيه إذا كان دفنه قبل الإسلام وكان من الأمور العادية وأما ما كان من ضرب الإسلام فحكمه عندهم حكم اللقطة لأنه ملك لمسلم لا خلاف بينهم في ذلك فقف على هذا الأصل وبالله التوفيق باب ما لا زكاة فيه من الحلي والتبر والعنبر ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة

عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة قال أبو عمر ظاهر حديث عائشة وبن عمر هذان سقوط الزكاة عن الحلي بذلك وترجم مالك هذا الباب وتأول من أوجب الزكاة في الحلي أن عائشة وبن عمر لم يخرجا الزكاة من حلي اليتامى لأنه لا زكاة في أموال اليتامى ولا الصغار وتأولوا في الجواري أن بن عمر كان يذهب إلى أن العبد ملك ولا زكاة على المالك حتى يكون حرا فاستدلوا على مذهب بن عمر في ذلك لأنه كان يأذن لعبيده بالتحلي بالذهب وما تأولوه على عائشة وبن عمر بعيد خارج عن ظاهر حديثهما لأن في حديث بن عمر أنه كان لا يخرج الزكاة مما كان يحلي به بناته من الذهب والفضة فليس في هذا يتيم ولا عبد وروى بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه كان ينكح البنت له على ألف دينار يحليها منه بأربع مائة دينار فلا يزكيه وسنبين ذلك في باب زكاة أموال اليتامى إن شاء الله قال أبو عمر لم يختلف قول مالك وأصحابه في أن الحلي المتخذ للنساء لا زكاة فيه وأنه العمل المعمول به في المدينة خارج عن قوله عليه الصلاة والسلام ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة كأنه قال الصدقة واجبة من الورق فيما بلغ خمس أواق ما لم يكن حليا متخذا لزينة النساء بدليل ما انتشر في المدينة عند علمائها من أنه لا زكاة في الحلي ولما عطف على هذا صلى الله عليه وسلم ذكر الإبل وذكر الأوسق وهي أموال يطلب فيها النماء كما يطلب بالذهب والورق في التصرف بهما النماء وصار تارك التصرف بها بيعا للمتصرف ولما أنها لا توضع للتصرف بها علم بهذا المعنى أن الحلي لا زكاة فيه إذا كان متخذا للنساء لأنه لا يطلب به شيئا من النماء وقد اختلف المدنيون في الحلي المتخذ للرجال والمتخذ للكراء فالزكاة عند أكثرهم فيه واجبة وإنما تسقط عما وصفنا من حق النساء خاصة

واختلف الفقهاء أهل الفتوى في الأمصار في زكاة الحلي فذهب فقهاء الحجاز مالك والليث والشافعي إلى أنه لا زكاة فيه على أن الشافعي قد روي عنه في بعض أوقاته قال أستخير الله في الحلي وترك الجواب فيه وخرج أصحابه مسألة زكاة الحلي على قولين أحدهما أن فيه الزكاة على ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة فدل على ان في الخمس الأواقي وما زاد صدقة ولم يخص حليا من غير حلي وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الذهب في أربعين دينارا دينار ولم يخص حليا من غير حلي والآخر أن الأصل المجتمع عليه في الزكاة إنما هي في الأموال النامية والمطلوب فيها الثمن بالتصرف ولم يختلف قول مالك وأصحابه في أنه لا زكاة في الحلي للنساء يلبسنه وهو قول بن عمر وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب على اختلاف عنه والقاسم بن محمد وعامر الشعبي ويحيى بن سعيد وربيعة وأكثر أهل المدينة وبه قال أحمد وأبو عبيد قال أبو عبيد الحلي الذي يكون زينة ومتاعا فهو كالأثاث وليس كالرقة التي وردت في السنة يؤخذ ربع العشر منها والرقة عند العرب الورق المنقوشة ذات السكة السائرة بين الناس وقال أبو حنيفة والثوري في رواية الأوزاعي والحسن بن حي الزكاة واجبة في الذهب والورق كهي في غيرة الحلي وقال محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري في الحلي الزكاة وقال الليث ما كان منه يلبس ويعار فلا زكاة فيه وما صنع ليقربه من الصدقة ففيه الصدقة ومن أوجب الزكاة في الحلي عبد الله بن عباس وبن مسعود وعبد الله بن عمر وعطاء وسعيد بن جبير وعبد الله بن شداد وميمون بن مهران ومحمد بن سيرين ومجاهد وجابر بن زيد والزهري وإبراهيم النخعي وجملة قول الثوري في زكاة الحلي قال ليس في شيء من الحلي زكاة من

الجواهر واليواقيت إلا الذهب والفضة إذا بلغت الفضة مائتي درهم والذهب عشرين دينارا فإن كان الجوهر الياقوت للتجارة ففيه الزكاة قال سفيان وما كان عنده في سيف أو منطقة أو قدح مفضض أو آنية فضة أو خاتم فيضم ذلك كله بعد أن يحسبه ويعرف وزنه فما كان منه ذهبا ضمه إلى الذهب وما كان منه فضة ضمه إلى الفضة ثم زكاة قال الأوزاعي يزكى الحلي ذهبه وفضته ويترك جوهرة ولؤلؤه قال أبو عمر جملة قول الشافعي في زكاة الحلي قال ببغداد وهي رواية الحسن بن محمد الزعفراني عنه لا زكاة في حلي إذا استمتع به أهلك في عمل مباح قال فإن انكسر الحلي فكان أهله على إصلاحه والاستمتاع به زكى لأنه قد خرج من حد التجمل قال وكل حلي على سيف أو مصحف أو منطقة أو ما أشبه هذا فلا زكاة فيه قال وأما آنية الذهب والفضة مضمنه فتزكى ولا ينبغي أن تتخذ لأنها منهي عنها قال وكل حلية سوى الذهب والفضة من لؤلؤ أو ياقوت أو زبرجد أو غيرها فلا زكاة فيه إنما الزكاة في العين وهو الذهب والفضة وقال بمصر قد قيل في الحلي صدقة وهذا مما أستخير الله فيه فمن قال فيه زكاة زكى كل ذهب وفضة فيه فإن كان منظوما بعينه يعتبر وزنه ميزه ووزنه وأخرج الزكاة منه بقدر وزنه واحتاط حتى يعلم أنه قد أدى جميع ما فيه ومن قال لا زكاة في الحلي فلا زكاة عنده في خاتم ولا حلية سيف ولا مصحف ولا منطقة ولا قلادة ولا دملج قال فإن اتخذ الرجل شيئا من حلي النساء لنفسه فعليه فيه الزكاة قال ولو اتخذ رجل أو امرأة إناء فضة أو ذهب زكياه في القولين جميعا ولا زكاة في شيء من الحلي إلا في الذهب والفضة وقال أبو ثور مثل قول الشافعي البغدادي وقال أبو حنيفة وأصحابه كل ما كان من دنانير أو دراهم أو فضة تبرا أو حليا مكسورا أو مصنوعا أو حلية سيف أو إناء أو منطقة ففي ذلك الزكاة قال أبو عمر من حجة من أوجب الزكاة في الحلي مع ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم وفي

الرقة ربع العشر وقوله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وإنما ذلك على عمومه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب فقال لها أتعطين زكاة هذا قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله بها يوم القيامة سوارين من نار فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله ورسوله فهذا وعيد شديد في ترك زكاة الحلي واحتج أيضا بحديث عبد الله بن شداد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو هذا ولكن حديث عائشة في الموطأ بإسقاط الزكاة عن الحلي أثبت إسنادا وأعدل شهادة ويستحيل في العقول أن تكون عائشة تسمع مثله من هذا الوعيد في ترك زكاة الحلي وتخالفه ولو صح ذلك عنها علم أنها قد علمت النسخ من ذلك وقول مالك أن من كان عنده تبر أو حلي من ذهب أو فضة لا ينتفع به للبس فإن عليه فيه الزكاة في كل عام قال أبو عمر هذا الاختلاف فيه بين العلماء أن الزكاة فيه إذا كان لا يراد به زينة النساء قال مالك وأما التبر المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه فإنما هو بمنزلة المتاع ليس فيه زكاة قال أبو عمر يريد مالك أنه معد للإصلاح للبس النساء فكأنه حلي صحيح متخذ للنساء وإذا كان كذلك فلا زكاة فيه لأحد ممن يسقط الزكاة عن الحلي والشافعي يرى فيه الزكاة إذا كان مكسورا لأنه بمنزلة التبر عنده فلا تسقط الزكاة عنده في الذهب والفضة إلا أن يكون حليا يصلح للزينة ويمكن النساء استعماله وأجمعوا أن لا زكاة في الحلي إذا كان جوهرا أو ياقوتا لا ذهب فيه ولا فضة إلا أن يكون للتجارة فإن كان للتجارة وكان مختلطا بالذهب أو الفضة عرف وزن الذهب والفضة وزكي وقوم الجوهر المدبر عند رأس كل حول عند مالك وأكثر أصحابه مع سائر عروض تجارته وإن كان غير مدبر زكاها حين يبيعها

وأما غير مالك والشافعي والكوفيين وجمهور العلماء فإنهم يلزمون التاجر بتقويم العروض في كل عام إذا اشتراها بنية التجارة مدبرا كان أو غير مدبر لأن كل تاجر يطلب الربح فيما يشتريه وإذا جاءه الربح باع إن شاء فهو مدبر قال أبو عمر من أسقط الزكاة عن الحلي المستعمل وعن الإبل والبقر العوامل فقد اضطرد قياسه ومن أوجب الزكاة في الحلي والبقر العوامل فقد اضطرد قياسه أيضا وأما من أوجب الزكاة في الحلي ولم يوجبها في البقر العوامل أو أوجبها في البقر العوامل وأسقطها من الحلي فقد أخطأ طريق القياس قال مالك ليس في اللؤلؤ ولا في المسك ولا العنبر زكاة قال أبو عمر أما اللؤلؤ والمسك والعنبر فلا خلاف أنه لا زكاة في أعيانها كسائر العروض وسيأتي ذكر مذاهب سائر العلماء في التجارة بالعروض في باب زكاة العروض إن شاء الله قال أبو عمر واختلفوا في العنبر واللؤلؤ هل فيهما الخمس حين يخرجان من البحر أو لا فجمهور الفقهاء على أن لا شيء فيهما وهو قول أهل المدينة وأهل الكوفة والليث والشافعي وأحمد وأبي ثور وداود وقال أبو يوسف في اللؤلؤ والعنبر وكل حلية تخرج من البحر وهو قول عمر بن عبد العزيز لم يختلف عنه في ذلك وكان يكتب إلى عماله واختلف فيه عن بن عباس فروي عنه أنه لا شيء فيه لأنه شيء دسره البحر روى معمر والثوري عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس أنه سأله إبراهيم بن سعد عن العنبر فقال إن كان في العنبر شيء ففيه الخمس وروى بن عيينة وبن جريج عن عمرو بن دينار عن أذينة عن بن عباس أنه كان لا يرى في العنبر خمسا ويقول هو شيء دسره البحر وليس في حديثه بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع رجلا يقال له أذينة يقول سمعت بن عباس يقول ليس العنبر بركاز وإنما هو شيء دسره البحر وبن عيينة أيضا عن بن طاوس عن أبيه أن بن الزبير استعمل إبراهيم بن

سعد بن أبي وقاص على بعض تهامة فأتى بن عباس يسأله عن العنبر هل فيه زكاة فقال بن عباس إن كان فيه شيء ففيه الخمس قال أبو عمر قال الله عز وجل خذ من أموالهم صدقة تطهرهم التوبة وأمرهم تعالى ذكره بإيتاء الزكاة فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض الأموال دون بعض وعلمنا بذلك أن الله تبارك وتعالى لم يرد جميع الأموال وأنما أراد البعض وإذا كنا على يقين من أن المراد هو البعض من الأموال فلا سبيل إلى إيجاب زكاة إلا فيما أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف عليه أصحابه باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها ذكر فيه مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه انه قال كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في حجرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة وأنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تعطي أموال اليتامى الذين في حجرها من يتجر لهم فيها قال أبو عمر روي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر والحسن بن علي وجابر أن الزكاة واجبة في مال اليتيم كما رواه مالك عن عمر وعائشة وقال بقولهم من التابعين عطاء وجابر بن زيد ومجاهد وبن سيرين وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما والحسن بن حي والليث بن سعد وإليه ذهب أبو ثور وأحمد بن حنبل وجماعة وذكر أحمد قال حدثنا وكيع قال حدثنا القاسم بن فضل الحراني عن معاوية بن قرة عن الحكم بن أبي العاص الثقفي قال قال عمر لو عندي مال يتيم قد كادت الصدقة أن تأتي عليه

وذكر عن القطان عن حسين المعلم عن مكحول عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن عمر ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة قال أحمد أخبرنا يزيد بن هارون عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن بن عمر أنه كان يزكي مال اليتيم قال وحدثنا بن مهدي عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن بن لأبي رافع قال باع لنا علي أرضا ثمانين ألفا ثم أعطاناها فإذا هي تنقص فقال إني كنت أزكيها وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في الذي يلي مال اليتيم قال يعطي زكاته قال أبو عمر فهذا من طريق الإتباع وأما من طريق النظر والقياس على ما أجمع علماء المسلمين عليه من زكاة ما تخرجه أرض اليتيم من الزرع والثمار وهو مما لا يختلف فيه حجازي ولا عراقي من العلماء وقد أجمعوا أيضا أن في مال من لم يبلغ ولم تجب عليه صلاة أرش ما يجنيه من الجنايات وقيمة ما يتلفه من المتلفات وأجمعوا على أن الحائض والذي يجن أحيانا لا يراعى لهم مقدار أيام الحيض والجنون من الحول وهذا كله دليل على أن الزكاة حق المال ليست كالصلاة التي هي حق البدن فإنها تجب على من تجب عليه الصلاة وعلى من لا تجب عليه وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه لا زكاة في مال يتيم ولا صغير إلا فيما تخرج أرضه من حب أو تمر وهو قول جمهور أهل العراق وإليه ذهب الأوزاعي إلا أن الأوزاعي والثوري قالا إذا بلغ اليتيم فادفع إليه ماله وأعلمه بما وجب عليه لله فإن شاء زكى وأن شاء ترك قال أبو عمر هذا ضعيف من القول وقال بن أبي ليلى في أموال اليتامى الزكاة وأن أداها عنهم الوصي غرم وهذا أيضا في الموصي المأمون أضعف مما مضى

وقال بن شبرمة لا زكاة في مال اليتيم الذهب والفضة وأما الماشية وما أخرجت أرضه ففي ذلك الزكاة وهذا أيضا تحكم إلا أن الشبهة فيه ما كان السعاة يأخذونه عاما ومدار المسألة على قولين قول أهل الحجاز بإيجاب الزكاة في أموال اليتامى وقول أبي حنيفة ومن تابعه أن لا زكاة في أموالهم إلا ما تخرجه الأرض زعم الطحاوي أن الفرق بين ما تخرجه أرض الصغير وبين سائر ماله أن الزكاة حق طارئ على ملك ثابت للمالك قبل وجوب الحق فهو طهرة والزكاة لا تلزم إلا من تلحقه الطهارة والركاز وثمرة النخل والزرع لحدوثها يجب حق الزكاة فيها فلا يملكها مالكها إلا وهو حق واجب للمساكين فصار كالشركة فاستوى فيه حق الصغير والكبير قال أبو عمر محال أن تجب الصدقة إلا على ملك فكيف لا يملك ما يخرج من الأرض حتى وجبت فيه الزكاة ومعلوم أن الزكاة إنما وجبت فيما أخرجته الأرض على ملك أصل ما زرع وما أخرجته ولا فرق بين ذلك وبين سائر ما تجب فيه الزكاة من ماله إلا حيث فرقت السنة من مرور الحول فهذا هو الصحيح وما خالف هذا فلا وجه له ولا معنى يصح والله أعلم وقد أجمعوا أنه مالك له إذا حل بيعه فإنما قبل حصاده والله عز وجل يقول وءاتوا حقه يوم حصاده الأنعام وكذلك لا معنى لتشبيهه بالركاز لأن الركاز لا تجري مجرى الصدقة إنما تجري مجرى الفيء وبنفس الغنيمة يجب الخمس فيها لمن سمى الله عز وجل وأحسن ما يحتج به لهم والله أعلم أن من وجبت عليه الصدقة مأمور بأدائها والطفل غير جائز أن يتوجه إليه خطاب بأمر أو نهي لأنه غير مكلف لكن الإجماع فيما تخرجه أرضه يدل على أن حكم الزكاة في ماله ليس كحكم ما يلزمه في بدنه من الفرائض والله أعلم وممن قال بأن لا زكاة في مال اليتيم ولا الصغير أبو وائل وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي والحسن البصري وسعيد بن جبير باب زكاة الميراث مالك أنه قال إن الرجل إذا هلك ولم يؤد زكاة ماله إني أرى أن

يؤخذ ذلك من ثلث ماله ولا يجاوز بها الثلث وتبدى على الوصايا وأراها بمنزلة الدين عليه فلذلك رأيت أن تبدى على الوصايا قال وذلك إذا أوصى بها الميت قال فإن لم يوص بذلك الميت ففعل ذلك أهله فذلك حسن وإن لم يفعل ذلك أهله لم يلزمهم ذلك قال أبو عمر إنما يؤخذ من ثلث ماله إذا أوصى بها لأنه لو جعلها كالدين من جميع المال لم يشأ رجل أن يحرم وارثه ماله كله ويمنعه منه لعداوته له إلا منعه بأن يقر على نفسه من الزكاة الواجبة عليه في سائر عمره بما يستغرق ماله جميعا فمنع من ذلك وجعل ما أوصى به لا يتعدى ثلثه على سنة الوصايا ورأى أن يبتدأ بها على سائر الوصايا تأكيدا لها وخوفا أن لا يحل الثلث جميع وصاياه وقد قال إن المدبر في الصحة تبدى عليها وقال بعض أصحابنا وصداق المريض يبدى أيضا وسيأتي هذا المعنى في الوصايا إن شاء الله وأما قوله وأراها بمنزلة الدين فكلام ليس على ظاهره لأن الدين عنده وعند العلماء من رأس مال الميت ولا ميراث ولا وصية إلا بعد أداء الدين وهذا أمر مجتمع عليه وإنما أراد أن الزكاة تبدى على الوصايا بمنزلة تبديه الدين عليها وعلى غيرها من الوصايا ولو كان عنده أمرا لأشكل فلذلك لم يحصل فيه لفظه والله أعلم وما استحسنه للورثة إن لم يوص الميت بزكاة ماله فمستحسن عند غيره ممن لا يرى الزكاة من رأس المال وذكر بن وهب عن يونس عن ربيعة فيمن مات وعليه زكاة ماله أنها لا تؤخذ من ماله وعليه ما تحمل وروي عن مالك فيمن مات ولم يفرط في إخراج زكاة ماله ثم صح أنه لم يخرجها أنها بمنزلة الدين تأخذ من رأس ماله وقال الشافعي الزكاة يبدأ بها قبل ديون الناس ثم يقسم ما له بين غرمائه لأن من وجبت في ماله زكاة فليس له أن يحدث في ماله شيء حتى تخرج الزكاة وله التصرف في ماله وإن كان عليه دين ما لم يوقف الحاكم ماله للغرماء قال أبو ثور الزكاة بمنزلة الدين وهو قول أحمد بن حنبل وجماعة من التابعين قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن رجل أوصى بالثلث فنظر

الوصي فإذا الرجل لم يعط الزكاة قال يخرج الزكاة ثم يخرج الثلث وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا فيمن أوصى بزكاة ماله وبحج وكفارات أيمان أنه يبدأ بالزكاة إن قصر الثلث عن وصاياه ثم بالحج للفرض ثم بالكفارة قالوا ولو أوصى بشيء من القرب زكاة أو حج أو غير ذلك وأوصى لقوم بأعيانهم بدئ بالذين أوصى لهم بأعيانهم وقال مالك السنة عندنا أنه لا تجب على وارث في مال ورثه الزكاة حتى يحول عليه الحول قال أبو عمر هو إجماع من جماعة فقهاء المسلمين فالحديث فيه مأثور عن علي وبن عمر أنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول وقد رفع بعضهم حديث بن عمر ولا خلاف في هذا بين جماعة العلماء إلا ما جاء عن بن عباس وأبي معاوية بما قد ذكرناه في صدر هذا الكتاب ولم يخرج أحد من الفقهاء عليه ولا التفت إليه قال مالك إنه لا يجب على وارث زكاة في مال ورثه في دين ولا عرض ولا دار ولا عبد ولا وليدة حتى يحول على ثمن ما باع من ذلك أو اقتضى الحول من يوم باعه وقبضه قال أبو حنيفة لا يزكي الوارث الدين حتى يقبضه كقول مالك وقال الشافعي الوارث كالمورث في الدين يعتبر فيها الحول من يوم ورثه وأمكنه أخذه ممن هو عليه فإن تركه وهو قادر على أخذه زكاة كما مضى إذا قبضه باب الزكاة في الدين مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان كان يقول هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه حتى تحصل أموالكم فتؤدون منه الزكاة وروى مالك عن يزيد بن خصيفة أنه سأل سليمان بن يسار عن رجل له مال وعليه دين مثله أعليه زكاة فقال لا

قال أبو عمر قول عثمان بن عفان رضي الله عنه يدل على أن الدين يمنع من زكاة العين وأنه لا تجب الزكاة على من غلبه دين وبه قال سليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وميمون بن مهران والثوري والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو قول مالك إلا أن مالكا يقول إن كان عند من عليه الدين من العروض ما يفي بدينه لزمته الزكاة فيما بين يديه من الدين وللشافعي في هذه المسألة قولان معروفان أحدهما أن لا يلتفت إلى الدين في الزكاة وأنه يوجب عليه الزكاة وإن أحاط الدين بماله لأن الدين في ذمته والزكاة في عين ما بيده والقول الآخر أن الدين إذا ثبت لم يزك أموال التجارة إذا أحاط الدين بها إلا أنه لا يجعل الدين في شيء من العروض قال الشافعي لا يجعل دينه في العروض وإنما جعله في عين إن كان له وكان قادما عليه لأن العروض لما لم تجب في عينها الزكاة لم توجب زكاة ومرة وجبت عليه الزكاة وهو قول ربيعة وحماد بن أبي سليمان وقال أبو حنيفة الدين يمنع الزكاة ويجعل في الدنانير وعروض التجارة فإن فضل كان في السائمة ولا يجعل في عبد الخدمة ولا دار السكنى إلا إذا فضل عن ذلك وهو قول الثوري أنه لا يمنع الزكاة وتجعل في الدراهم دون خادم لغير التجارة وقال مالك الدين لا يمنع زكاة السائمة ولا عشر الأرض ويمنع زكاة الدراهم والدنانير وصدقة الفطر في العيد هذه رواية بن القاسم عنه وقال بن وهب عن مالك كما ذكر في الموطإ ولم يذكر صدقة الفطر وقال الأوزاعي الدين يمنع الزكاة ولا يمنع عشر الأرض وقال بن أبي ليلى والحسن بن حي الدين لا يمنع الزكاة وقال زفر يمنع الزكاة إلا أنه يجعله فيما بيده من جنسه فإن كان الدين طعاما وفي يده طعام للتجارة أو غيرها وله دراهم جعل الدين بالطعام دون الدراهم وقال الشافعي إذا كان له مائتي درهم وعليه مثلها فاستعدى عليه صاحب الدين السلطان قبل الحول فلم يقض عليه بالدين حتى حال الحول أخرج زكاتها ثم قضى

غرماءه بقيتها ولو قضى عليه بالدين وجعل لغرمائه ماله حيث وجدوه قبل الحول ثم حال عليه الحول قبل أن يقضيه الغرماء لم يكن عليه زكاة مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني أن عمر بن عبد العزيز كتب في مال قبضة بعض الولاة ظلما يأمر برده إلى أهله ويؤخذ زكاته لما مضى من السنين ثم عقب بعد ذلك بكتاب أن لا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة فإنه كان ضمارا قال أبو عمر الضمار الغائب عن صاحبه الذي لا يقدر على أخذه أو لا يعرف موضعه ولا يرجوه وقد روى سفيان بن عيينة هذا الخبر وفسر فيه الضمار وذكره بن أبي عمر وغيره عن بن عيينة عن عمرو بن ميمون قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى ميمون بن مهران أن انظر أموال بني عائشة التي كان أخذها الوليد بن عبد الملك فردها عليهم وخذ زكاتها لما مضى من السنين قال ثم أردفه بكتاب آخر لا تأخذ منها إلا زكاة واحدة فإنه كان مالا ضمارا والضمار الذي لا يدري صاحبه أيخرج أم لا قال أبو عمر هذا التفسير جاء في الحديث وهو عندهم أصح وأولى واختلف العلماء في زكاة المال الطارئ وهو الضمار ف قال مالك وآخر قول عمر بن عبد العزيز أنه ليس عليه فيه إلا زكاة واحدة إذا وجده أو قدر عليه أو قبضه وقال الليث لا زكاة عليه فيه ويستأنف به حولا وقال الكوفيون إذا غصب المال غاصب وجحده سنين ولا بينة له أو ضاع منه في مفازة أو طريق أو دفنه في صحراء فلم يقف على موضعه ثم وجده بعد سنين فلا زكاة عليه فيه لما مضى ويستأنف به حولا وقال الثوري وزفر عليه فيه الزكاة لما مضى وللشافعي فيه قولان أحدهما أنه يجب عليه فيه الزكاة لما مضى والآخر أنه لا تجب عليه فيه الزكاة ويستأنف به حولا

قال أبو عمر أما مالك رحمه الله فإنه أوجب فيه زكاة واحدة قياسا على مذهبه في الدين وفي العرض للتجارة إذا لم يكن صاحبه مدبرا وقد قال كقول مالك في ذلك عطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي كل هؤلاء يقولون ليس عليه فيه إلا زكاة واحدة وأما من قال لا زكاة عليه فيه لما مضى فإنه عنده لما لم يطلق يده عليه ولا تصرف فيه جعلوه كالمال المستعار الطارئ وأما من أوجب فيه الزكاة لما مضى من السنين فلأنه على ملكه ويثاب عنه ويؤجر فيه إن ذهب قال أبو عمر أما القياس فإن كل ما استقر في ذمة غير المالك فهذا لا زكاة على مالكه فيه وكذلك الغريم الجاحد للدين وكل ذي ذمة فإنه لا يلزم صاحب المال أن يزكي على ما في ذمة غيره غاصبا كان له أو غير غاصب وأما ما كان مدفونا في موضع يصيبه صاحبه أو غير مدفون وليس في ذمة أحد أو كان لقطة فالواجب عندي على ربه أن يزكيه إذا وجده لما مضى من السنين فإنه على ملكه وليس في ذمة غيره إلا أن يكون الملتقط قد استهلكه وصار في ذمته وهذا قول سحنون ومحمد بن مسلمة والمغيرة ورواية عن بن القاسم قال أبو عمر قد بين مالك رحمه الله مذهبه في الدين في هذا الباب من موطئه وأشار إلى الحجة لمذهبه بعض الإشارة والدين عنده والعروض لغير المدبر باب واحد ولم ير في ذلك إلا زكاة واحدة لما ما مضى من الأعوام تأسيا بعمر بن عبد العزيز في المال الضمار لأنه قضى أنه لا زكاة فيه إلا لعام واحد والدين الغائب عنده كالضمار لأن الأصل في الضمار ما غاب عن صاحبه والعروض عنده لمن لا يدبر وعند بعض أصحابه لمن يدبر إذا كان عليه حكمه حكم الدين المذكور وليس لهذا المذهب في النظر كبير حظ إلا ما يعارضه من النظر ما هو أقوى منه والذي عليه غيره من الدين أنه إذا كان قادرا على أخذه فهو كالوديعة يزكيه لكل عام لأن تركه له وهو قادر على أخذه كتركه له في بيته وما لم يكن قادرا على أخذه فقد مضى في هذا الباب ما للعلماء في ذلك والاحتياط في هذا أولى والله الموفق للصواب وهو حسبي ونعم الوكيل

باب زكاة العروض مالك عن يحيى بن سعيد عن زريق بن حيان وكان زريق على جواز مصر في زمان الوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات من كل أربعين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارا فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا ومن مر بك من أهل الذمة يمما يديرون من التجارات من كل عشرين دينارا دينارا فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئا واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابا إلى مثله من الحول قال أبو عمر معلوم عند جماعة العلماء أن عمر بن عبد العزيز كان لا ينفذ كتابا ولا يأمر بأمر ولا يقضي بقضية إلا عن رأي العلماء الجلة ومشاورتهم والصدر عما يجمعون عليه ويذهبون إليه ويرونه من السنن المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه المهتدين بهديه المقتدين بسنته وما كان ليحدث في دين الله ما لم يأذن الله له به مع دينه وفضله وفي حديثه هذا الأخذ من التجارات في العروض المدارات بأيدي الناس والتجار الزكاة كل عام ولم يعتبر من نض له شيء من العين في حوله ممن لم ينض ولو كان ذلك من شرط زكاة التجارات لكتب به وأوضحه ولم يهمله ومعلوم أن الإدارة في التجارة لا تكون إلا بوضع الدراهم والدنانير في العروض وابتغاء الربح وهذا من أبين شيء في زكاة العروض ولذلك صدر به مالك هذا الباب وقد روي عن عمر بن الخطاب ما يدل على أن عمر بن عبد العزيز طريقه سلك في ذلك ومذهبه أمثل ذكر عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن أنس بن سيرين قال بعثني أنس بن مالك على الأبلة فقلت له تبعثني على شر عملك فأخرج إلي كتابا من عمر بن الخطاب خذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهما ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما درهما ومن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهما

وقال وأخبرني الثوري ومعمر عن أيوب عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب مثله قال أبو عمر ليس في كتاب عمر بن الخطاب أن يكتب للذمي بأخذ ما يأخذ منه كتابا إلى الحول وذلك يدل على ما ذهب إليه مالك أنه يؤخذ من الذمي كلما تجر من بلده إلى غير بلده وسنذكر ما للعلماء في ذلك إن شاء الله وروي عن بن المديني قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك قال كتب عمر بن الخطاب إلى عامل الأبلة وكان كتب إليه إنه يمر بنا التاجر المسلم والمعاهد والتاجر يقدم من أرض الحرب فكتب إليه عمر خذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهما ثم اكتب له براءة إلى آخر السنة وخذ من التاجر المعاهد من كل عشرين درهما درهما وانظر تجار الحرب فخذ منهم ما يأخذون من تجاركم ألا تراه شرط البراءة رأس الحول على المسلم وحده لأنه لا زكاة على المسلم في تجارة ولا ماشية عين ولا حتى يحول الحول وفي حديث عمر بن عبد العزيز أيضا من الفقه أن للأئمة أخذ زكاة الدراهم والدنانير كما لهم أخذ زكاة الماشية وعشر الأرض وأما اشتراطه في النقصان ثلث دينار فذلك رأي واستحسان غير لازم وهو يعارض قول مالك ناقص بين النقصان على ما قد مضى في هذا الكتاب والله الموفق للصواب والأخذ عندي بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق صدقة أو فيما صح أنه دون ذلك قليلا كان أو كثيرا فإذا صح في الورق انه دون خمس أواق والأوقية أربعون درهما فإن قل منها شيء فلا زكاة فيه وكذلك الذهب ليس في أقل من عشرين دينارا زكاة وأما قول عمر بن عبد العزيز ومن مر بك من أهل الذمة إلى آخر كلامه ذلك فإنه راعى في الذمي نصابا جعله مثل نصاب المسلم وأخذ منه أيضا عند رأس الحول مثل ما يؤخذ من المسلم مرة واحدة في الحول لا غير وقد خالفه في ذلك أكثر أهل العلم وكان مالك يقول في الذمي إذا خرج بمتاع

إلى المدينة من بلده فباع بأقل من مائتي درهم فإنه يؤخذ منه العشر مما قل أو كثر ولا يؤخذ منه شيء حتى يبيع فإن رد متاعه ولم يبع لم يؤخذ منه شيء ولا يعتبر فيه النصاب قال مالك وإن اشترى في البلد الذي دخله بمال يأمن معه أخذ منه العشر مكانه من السلعة التي اشترى فإن باع بعد واشترى لم يؤخذ منه شيء فإن قام سنين في ذلك البلد يبيع ويشتري لم يكن عليه شيء قال مالك في النصراني إذا تجر في بلده ولم يخرج منه لم يؤخذ منه شيء قال ويؤخذ من عبيد أهل الذمة كما يؤخذ من ساداتهم وقال الثوري إذا مر الذمي بشيء للتجارة أخذ منه نصف العشر إن كان يبلغ مائتي درهم وإن كان أقل من ذلك فليس عليه شيء هذه رواية الأشجعي عنه وروى عنه أبو أسامة أنه يؤخذ منه من كل مائة درهم خمسة دراهم إلى الخمسين فإن نقصت من الخمسين لم يؤخذ منه شيء وقال الأوزاعي في النصراني إذا اتجر بماله في غير بلده أخذ منه حق ماله عشرا كان أو نصف عشر وإن أقام بتجارته لا يخرج ببيع ويشتري لم يؤخذ منه شيء وإنما عليه جزيته وقال أبو حنيفة وأصحابه ليس على أهل المدينة في أموالهم شيء إلا ما اختلفوا فيه من تجاراتهم فإنه يؤخذ منهم نصف العشر فيما يؤخذ فيه من المسلم ربع العشر وذلك إذا كان مع التاجر منهم مائتي درهم فصاعدا قالوا وإذا أخذ منه لم يؤخذ منه غيره لذلك الحول ويؤخذ من الحربي العشر إلا أن يكون أهل الحرب يأخذون منا أقل فيؤخذ منهم مثل ما أخذوا منا وإن لم يأخذوا منا لم نأخذ منهم شيئا قالوا ويؤخذ من المسلم ربع العشر زكاة ماله الواجبة عليه وقول الحسن بن صالح كقول أبي حنيفة في اعتبار النصاب والحول والمقدار في الذمي والحربي والمسلم وقال الشافعي يؤخذ من الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر ومن المسلم ربع العشر اتباعا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قال الشافعي ولا يترك أهل الحرب يدخلون إلينا إلا بأمان ويشترط عليهم أن

يؤخذ منهم العشر أو أقل أو أكثر لم يكن عليهم شرط لم يؤخذ منهم شيء سواء كانوا يعشرون المسلمين أم لا قال أبو عمر أما قول الشافعي إن لم يشترط عليه في حين دخوله وعقد الأمان له لم يؤخذ منه شيء فوجه ذلك أن الأمان يحقن الدم والمال فإذا لم يشترط على المستأمن أن لا يؤمن في دخوله إلينا إلا بأن يؤخذ منه لم يكن عليه شيء ويكره الشافعي أن يؤمن أحد من أهل الحرب إلا بعد الشرط عليه بأن لا يخالف سنة محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك وأما مالك رحمه الله فإن مذهبه يدل على أن سنة عمر قد كانت فشت عندهم وعرفوها كما فشت دعوة الإسلام فأغنى ذلك عن الاشتراط وما أعلم لأهل العلم بالحجاز والعراق علة في الأخذ من تجار الحرب إلا فعل عمر رضي الله عنه وكذلك كبار أهل العلم والله أعلم وإنما خالف مالك عمر بن عبد العزيز في هذا الباب لما رواه عن الزهري عن السائب بن يزيد قال كنت عاملا مع عبد الله بن عيينة على سوق المدينة في زمن عمر بن الخطاب فكان يأخذ من النبط العشر رأى مالك قول عمر بن الخطاب أعلى من قول عمر بن عبد العزيز فمال إليه فأخذ العشر من الذمي وستأتي معاني هذا الباب في باب عشور أهل الذمة إن شاء الله وأما قول عمر بن عبد العزيز واكتب لهم كتابا بما تأخذ منهم إلى مثله من الحول فهذا هو الحق عند جماعة أهل العلم لأن المسلم لا يلزمه الزكاة إلا مرة واحدة في الحول ولم يختلفوا أن السنة في الإمامة أن يكون الإمام واحدا في أقطار الإسلام ويكون أمراؤه في كل أفق يتخيرهم ويتفقد أمورهم وإذا كان على الجواز عاملا للإمام يأخذ من التاجر المسلم زكاة ماله فعليه أن يكتب لهم بذلك كتابا يستظهر به في ذلك العام عند غيره من العمال الطالبين للزكاة من المسلمين ويقطع بذلك مذهب من رأى تحليفهم أنهم قد أدوا ولم يحل على ما بأيديهم الحول ويجمع تلك العلة بالكتاب لهم وقد أجمع العلماء على أنه مصدق فيما يدعيه من نقصان الحول إذا قال لهم لم أستفد هذا المال إلا منذ أشهر ولم يحل علي فيه حول وكذلك إذا قال قد أديت لم يحلف إلا أن يتهم

ومن ذهب إلى أن الذمي لا يؤخذ منه في الحول إلا مرة واحدة وجب على مذهبه الكتاب لهم بذلك أيضا ومن قال يؤخذ من الذمي كلما اتجر فلا حاجة به إلى كتاب واختلف الفقهاء إذا قال المسلم قد أديت زكاة مالي إلى المساكين فقال مالك إن كان الإمام يضعها موضعها فلا يحل لأحد أن يقسمها حتى يدفعها إليه وإن كان لا يضعها موضعها قسمها هو وقال الشافعي ببغداد ليس لأحد أن يؤديها إلى أهلها دون السلطان فإن فعل فللسلطان أخذها منه وقياس قوله المصري أنه إذا قال أديتها كان مصدقا ولم يجز أن تؤخذ منه ويصدق في ذلك كما يصدق في الحول أنه لم يحل عليه وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يقبل السلطان قوله وقد أجزت عنه قال مالك الأمر عندنا فيما يدار من العروض للتجارات إلى آخر كلامه في ذلك من موطئه قال أبو عمر مذهب مالك وأصحابه أن التجارة تنقسم عندهم قسمين أحدهما رجل يبتاع السلع في حين رخصها ويرتاد نفاقها فيأتي عليه في ذلك العام والأعوام ولم يبع تلك السلعة وقد نوى التجارة بها أنه لا زكاة عليه فيما اشترى من العروض حتى يبيعها فإذا باعها بعد أعوام لم يكن عليه أن يزكي إلا لعام واحد كالدين الذي يقتضيه صاحبه وقد غاب عنه ومكث أعواما عند الذي كان عليه أنه لا يزكيه إلا لعام واحد وروي مثل قول مالك في ذلك عن الشعبي وعمرو بن دينار وعبد الكريم بن أبي المخارق والذين قالوا في الدين أنه لا يزكيه إذا قبضه إلا لعام واحد منهم عطاء الخرساني وهو مذهب عمر بن عبد العزيز في المال الضمار وهو المحبوس عن صاحبه والآخر هو الذين يسمونه المدير وهم أصحاب الحوانيت بالأسواق الذين يبتاعون السلع ويبيعون في كل يوم ما أمكنهم بيعه بما أمكن من قليل الناض وكثيره ويشترون من جهة ويبيعون من جهة أخرى فهؤلاء إذا حال الحول عليهم من يوم ابتدؤوا تجارتهم قدموا ما بأيديهم من العروض في رأس الحول فيضمون إلى ذلك ما بأيديهم من العين ويزكون الجميع بعينه ثم يستأنفون حولا من يوم زكوه قال مالك وما كان من مال عند رجل يديره للتجارة ولا ينض لصاحبه منه

شيء تجب عليه فيه الزكاة فإنه يجعل له شهرا من السنة يقوم فيه ما كان عنده من عرض للتجارة ويحصى فيه ما كان عنده من نقد أو عين فإذا بلغ ذلك كله ما تجب فيه الزكاة فإنه يزكيه وقد اختلف أصحاب مالك في المدير المذكور لا ينض له في حوله شيء من الذهب ولا من الورق فقال بن القاسم إن نض له في عامه ولو درهم واحد فما فوقه قوم عروضه كلها وأخرج الزكاة وإن لم ينض له شيء وإنما باع عامه كله العروض بالعروض لم يلزمه تقويم ولم تجب عليه لذلك زكاة ورواه عن مالك وهو معنى ما ذكره بن عبد الحكم عنه ورواه بن وهب عن مالك بمعنى ما رواه بن القاسم وذكر مالك عن مطرف وبن الماجشون عن مالك أنه قال على المدير أن يقوم عروضه في رأس الحول ويخرج زكاة ذلك نض له في عامه شيء أم لم ينض قال أبو عمر هذا هو القياس ولا أعلم أصلا يعضد قول من قال لا يعدل التاجر عروضه حتى ينض له شيء من الورق أو الذهب أو حتى ينض له نصاب كما قال نافع لأن العروض المشتراة بالورق والذهب للتجارة لو لم تقم مقامها لوضعها فيها للتجارة ما وجبت فيها زكاة أبدا لأن الزكاة لا تجب فيها لعينها إذا كانت لغير التجارة بإجماع علماء الأمة وإنما وجب تقويمها عندهم للمتاجر بها لأنها كالعين الموضوعة فيها التجارة وإذا كانت كذلك فلا معنى لمراعاة ما نض من العين قليلا كان أو كثيرا ولو كانت جنسا آخر ما وجبت فيها زكاة من اجل غيرها وإنما صارت كالعين لأن النماء لا يطلب بالعين إلا هكذا وهو قول جماعة الفقهاء بالعراق والحجاز قال الشافعي من اشترى عرضا للتجارة حال عليه الحول من يوم ابتاعه للتجارة فعليه أن يقومه بالأغلب من نقد بلده دنانير كانت أو دراهم ثم يخرج زكاته من الذي قومه به إذا بلغت قيمته ما يجب فيه الزكاة وهذه سبيل كل عرض أريد به التجارة وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وقول الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد والطبري والمدير عندهم وغير المدير سواء وكلهم تاجر مدير يطلب الربح بما يضعه من العين في العروض وأما داود بن علي فإنه شذ عن جماعة الفقهاء فلم ير الزكاة فيها على حال اشتريت للتجارة أو لم تشتر للتجارة

واحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة قال ولم يقل إلا أن ينوي فيها التجارة وزعم أن الاختلاف في زكاة العروض موجود بين العلماء فلذلك نزع بما نزع من دليل عموم السنة وذكر عن عائشة وبن عباس وعطاء وعمرو بن دينار أنهم قالوا لا زكاة في العروض قال أبو عمر هذا لعمري موجود عن هؤلاء وعن غيرهم محفوظ أنه لا زكاة في العروض ولا زكاة إلا في العين والحرث والماشية وليس هذا عن واحد منهم على زكاة التجارات وإنما هذا عندهم على زكاة العروض المقتناة لغير التجارة وما أعلم أحدا روي عنه أنه لا زكاة في العروض للتجارة حتى تباع إلا بن عباس على اختلاف عنه وذكر داود عن مالك أنه قال لا أرى الزكاة في العروض على التاجر الذي يبيع العرض بالعرض ولا ينض له شيء ولا على من بارت عليه سلعته اشتراها للتجارة حتى يبيع تلك السلعة وينض ثمنها بيده قال أبو عمر لو كان في قول مالك هذا له حجة في إسقاط الزكاة فيما بأيديهم من العروض للتجارة لكان في قول مالك أنه يقوم العروض ويزكيها إدا نض له أقل شيء حجة عليه وقول مالك أنه يزكي العرض إذا باعه غير المدير ساعة يبيعه دليل على أنه يرى فيه الزكاة إذا لم يستأنف بالثمن حولا ولكنه لا يقول بقول مالك في ذلك ولا يقول غيره من أئمة الفقهاء وسائر السلف الذين ذكرنا أقوالهم في إيجاب الزكاة في العروض المشتراة للتجارة ويحتج بما لا حجة فيه عنده ولا عند غيره مغالطة وقد حكينا عن مالك أنه قال في ذلك بقول الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم وبالله التوفيق واحتج أيضا داود وبعض أصحابه في هذه المسألة ببراءة الذمة وأنه لا ينبغي أن يجب فيها شيء لمسكين ولا غيره إلا بنص كتاب أو سنة أو إجماع وزعم أنها مسألة خلاف

قال أبو عمر احتجاج أهل الظاهر في هذه المسألة ببراءة الذمة عجب عجيب لأن ذلك نقض لأصولهم ورد لقولهم وكسر للمعنى الذي بنوا عليه مذهبهم في القول بظاهر الكتاب والسنة لأن الله عز وجل قال في كتابه خذ من أموالهم صدقة التوبة ولم يخص مالا من مال وظاهر هذا القول يوجب على أصوله أن تؤخر الزكاة من كل مال إلا ما أجمعت الأمة أنه لا زكاة فيه من الأموال ولا إجماع في إسقاط الزكاة عن عروض التجارة بل القول في إيجاب الزكاة فيها إجماع من الجمهور الذين لا يجوز الغلط عليهم ولا الخروج عن جماعتهم لأنه مستحيل أن يجوز الغلط في التأويل على جميعهم وأما السنة التي زعم أنها خصت ظاهر الكتاب وأخرجته عن عمومه فلا دليل له فيما ادعى من ذلك لأن أهل العلم قد أجمعوا أنه لا سنة في ذلك إلا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة وحديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فالواجب على أصل أهل الظاهر أن تكون الزكاة تؤخذ من كل مال ما عدا الرقيق والخيل لأنهم لا يقيسون على الخيل والرقيق ما كان في معناهما من العروض ولا إجماع في إسقاط الصدقة عن العروض المبتاعة للتجارة بل القول في إيجاب الزكاة فيه نوع من الإجماع وفي هذا كله وما كان مثله أوضح الدلائل على تناقضهم فيما قالوه ونقضهم لما أصلوه وبالله التوفيق قال أبو عمر من الحجة في إيجاب الصدقة في عروض التجارة مع ما تقدم من عمل العمرين رضي الله عنهما حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره أبو داود وغيره بالإسناد الحسن عن سمرة وقد ذكرناه في التمهيد عن سمرة أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع وروى الشافعي وغيره عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حماس أن أباه حماسا قال مررت على عمر بن الخطاب وعلى عاتقي أدمة أحملها فقال لي ألا تؤدي زكاتها يا حماس فقلت يا أمير

المؤمنين ما لي غير هذه وآهبة من القرظ فقال ذلك مال فضع فوضعتها بين يديه فحسبها فوجدها قد وجبت فيها الزكاة فأخذ منها الزكاة وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن حماس عن أبيه قال مر علي عمر فقال أد زكاة مالك فقلت مالي مال أزكيه إلا في الجعاب والأدم فقال قومه وأد زكاته فهذا الحديث عن عمر من رواية أهل الحجاز وقد تقدم في هذا الباب من رواية أهل العراق حديث أنس بن سيرين عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب بمثل ذلك فلا مقال لأحد في إسناد حديث أنس هذا وروى أبو الزناد وغيره عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يقول كل مال أو رقيق أو دواب أدير للتجارة فيه الزكاة وقال أبو جعفر الطحاوي قد ثبت عن عمر وبن عمر زكاة عروض التجارة ولا مخالف لهما من الصحابة رضوان الله عليهم قال أبو عمر هذا يشهد لما وصفنا أن قول بن عباس لا زكاة في العروض إنما هو في عروض القنية كقول سائر العلماء وأما ما ذكره عن عطاء وعمرو بن دينار فقد أخطأ عليهما وليس ذلك بمعروف عنهما والمعروف عنهما خلاف ما يوافق مذهب مالك في ذلك ذكر عبد الرزاق عن معمر عن بن طاوس وعن معمر عن جابر عن الشعبي وعن بن جريج عن عطاء أنهم قالوا في العرض للتجارة لا زكاة فيه حتى يبيعه فإذا باعه زكاه وأدى زكاة واحدة قال بن جريج وقال عطاء لا زكاة في عرض لا يدار قال والذهب والفضة يزكيان وإن لم يدارا قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال بقول الشعبي وعطاء في غير المدير إلا مالكا رحمه الله وأما طاوس فقد اختلف عنه في ذلك فروي عنه ما ذكرنا وروي عنه إيجاب الزكاة في عروض التجارة كل عام بالتقويم كسائر العلماء وممن قد روينا ذلك عنه من السلف إذ قد ذكرنا من قاله من أئمة الفتيا بالأمصار سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وسائر الفقهاء السبعة والحسن البصري وإبراهيم النخعي وطاوس اليماني وجابر بن زيد وميمون بن مهران

هؤلاء أئمة التابعين في أمصار المسلمين وسبيلهم سلك جمهور الفقهاء من أهل الرأي والحديث بالعراق والحجاز والشام أخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرني بن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر أنه كان يقول في كل مال يدار في عبيد أو دواب أو طعام الزكاة كل عام قال أبو عمر ما كان بن عمر ليقول مثل هذا من رأيه لأن مثل هذا لا يدرك بالرأي والله أعلم ولولا أن ذلك عنده سنة مسنونة ما قاله وبالله التوفيق باب ما جاء في الكنز مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال سمعت عبد الله بن عمر وهو يسأل عن الكنز ما هو فقال هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة قال أبو عمر سؤال السائل لعبد الله بن عمر عن الكنز ما هو إنما كان سؤالا عن معنى قول الله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون التوبة وكان أبو ذر يقول بشر أصحاب الكنوز بكي في الجباه وكي في الجنوب وكي في الظهور وروى الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن بن مسعود قال والذي لا إله غيره لا يعذب رجل يكنز فيمس دينار دينار ولا درهم درهم ولكنه يوسع جلده حتى يصل إليه كل دينار ودرهم على حدته واختلف العلماء في الكنز المذكور في هذه الآية ومعناه فجمهورهم على ما قاله بن عمر وعليه جماعة فقهاء الأمصار واما الكنوز في كلام العرب فهو المال المجتمع المخزون فوق الأرض كان أو تحتها

هذا معنى ما ذكره صاحب العين وغيره ولكن الاسم الشرعي قاض على الاسم اللغوي ولا أعلم مخالفا فيما فسر به بن عمر الكنز المذكور إلا شيء يروى عن علي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري والضحاك وذهب إليه قوم من أهل الزهد والسياحة والفضل ذهبوا إلى أن في الأموال حقوقا سوى الزكاة وتأولوا في ذلك قول الله عز وجل والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم المعارج ورووا بمعنى ما ذهبوا إليه آثارا مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم معناها عند جمهور العلماء في الزكاة واحتجوا بقول الله عز وجل وآت ذا القربى حقه والمسكين وبن السبيل الإسراء فأما أبو ذر فروي عنه في ذلك آثار كثيرة في بعضها شدة كلها تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز وأن آية الوعيد نزلت في ذلك وروي عنه ما يدل على أن ذلك في منع الزكاة وكان يقول الأكثرون هم الأخسرون يوم القيامة ويل لأصحاب المئين وقد روي هذا عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي أحاديث مشهورة تركت ذكرها لذلك ولأن جمهور العلماء على خلاف تأويل أبي ذر لها وكان الضحاك بن مزاحم يقول من ملك عشرة آلاف درهم فهو من الأكثرين الأخسرين إلا من قال بالمال هكذا وهكذا بصلة الرحم ورفد الجار والضعيف ونحو ذلك من جهة الصدقة والصلة وكان مسروق يقول في قول الله عز وجل سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة آل عمران قال الرجل يرزقه الله المال فيمنع قرابته الحق الذي فيه فيجعل حية يطوقها فيقول مالي ولك فتقول الحية أنا مالك وهذا ظاهرة غير الزكاة وقد يحتمل أن تكون الزكاة وقد روي عن بن مسعود مثله إلا أنه قال من كان له مال لا يؤدي زكاته طوقه

يوم القيامة شجاعا أقرع ينقر رأسه ثم قرأ سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة آل عمران وأما عن التركة فروى الثوري وغيره عن أبي حصين عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن جعدة بن هبيرة عن علي قال أربعة آلاف نفقة فما كان فوق أربعة آلاف فهو كنز قال أبو عمر وسائر العلماء من السلف والخلف على ما قاله بن عمر في الكنز روى بكير ويعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بشر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر رجلا له مال عظيم أن يدفنه فقال له الرجل يا أمير المؤمنين أليس بكنز إذا دفنته فقال عمر ليس بكنز إذا أديت زكاته وروى معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال إذا أديت صدقة مالك فليس بكنز وإن كان مدفونا ولم يؤدها فهو كنز وإن كان ظاهرا وروى الثوري وغيره عن عبد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أراضين وما كان ظاهرا لا تؤدى زكاته فهو كنز وروى بن جريج قال أخبرني بن الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول إذا أخرجت صدقة كنزك فقد أذهبت شره وليس بشر وعن بن مسعود نحوه وروى وكيع عن شريك عن أبي إسحاق عن عكرمة عن بن عباس قال كل ما أديت زكاته فليس بكنز قال أبو عمر يشهد بصحة ما قال هؤلاء ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا عتاب عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت يا رسول الله أكنز هو قال ما بلغ أن تؤدى زكانة فليس بكنز وقد روى محمد بن مهاجر عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله

ورواه ليث بن أبي سليمان عن عطاء فلم يذكر فيه الكنز وهذا الحديث وإن كان في إسناده مقال فإنه يشهد بصحته ما قدمنا ذكره ورواه عبد الله بن وهب قال حدثنا عمر بن الحارث عن دراج أبي السمح عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك وحديث الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن فرض الصلاة وفرض الزكاة فلما أخبره بها قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع رواه مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله ورواه بن عباس وأنس بن مالك من طرق صحاح قد ذكرتها في التمهيد بأتم ألفاظ وأكمل معاني وفي حديث بن عباس فقال له الأعرابي والذي بعثك بالحق لا أدع منهن شيئا ولا أجاوزهن ثم ولى فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن صدق الأعرابي دخل الجنة والصحابي المذكور في هذا الحديث هو ضمام بن ثعلبة السعدي وقد ذكرناه في الصحابة بما ينبغي من ذكره وفي هذا كله دليل على أن المال ليس فيه حق واجب سوى الزكاة وأنه إذا أديت زكاته فليس بكنز

حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا عفان قال حدثنا أبان العطار وهمام عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من فارق منه الروح الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة الكنز والغلول والذنب قال أبو عمر الأحاديث المروية في الذين يكنزون الذهب والفضة منسوخة بقوله عز وجل خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها التوبة قال ذلك جماعة من العلماء بتأويل القرآن منهم أبو عمر حفص بن عمر الضرير وغيره وروى بن وهب قال أخبرني بن أنعم عن عمارة بن مسلم الكناني أنه سمع عمر بن عبد العزيز وعراك بن مالك يقولان من أعطى زكاة ماله فليس بكنز قالا نسخت آية الصدقة ما قبلها وروى الثوري عن بن أنعم عن عمارة بن راشد قال قرأ عمر بن عبد العزيز والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله التوبة فقال عمر ما أراها إلا منسوخة نسختها خذ من أموالهم صدقة التوبة مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه كان يقول من كان عنده مال لم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطلبه حتى يمكنه يقول أنا كنزك قال أبو عمر هكذا هذا الحديث موقوفا عند جماعة في الموطأ من قول أبي هريرة وقد رواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي هريرة عن

النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا ذكره البخاري وغيره هكذا وقد رويناه في التمهيد من طرق شتى وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا بكير بن الحسن ومحمد بن أحمد بن المسور قالا حدثنا يوسف بن يزيد قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان فيلزمه أو قال يطوق به يقول أنا كنزك ذكره النسائي هكذا من حديث عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم والمحفوظ فيه حديث أبي هريرة مرفوعا وموقوفا وحديث عبد العزيز الماجشون عندي فيه خطأ في الإسناد لأنه لو كان عند عبد الله بن دينار عن بن عمر ما رواه عن أبي صالح عن أبي هريرة أبدا فرواية مالك وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار فيه هي الصحيحة وإن كان مالك وقفه فلا وجه لوقفه لأن مثله لا يكون رأيا وهو مرفوع صحيح على ما خرجه البخاري والله أعلم حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا بشير بن حجر قال حدثنا حماد بن سلمة عن سهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله صفائح من نار فيحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مرت عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما من صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتطأه بأخفافها كلما مرت عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وذكر تمام الحديث حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو إسماعيل

محمد بن إسماعيل وأبو يحيى بن أبي مسرة فقيه مكة قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له شجاعا أقرع يطوقه يوم القيامة ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة آل عمران حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يعلى بن عبيد عن عبد الملك بن أبي سليمان عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه ذات الأظلاف بأظلافها وتنطحه ذات القرن بقرنها وليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن قالوا يا رسول الله وما حقها قال إطراق فحلها وإعارضه دلوها ومنيحتها وحلبها على الماء والحمل عليها في سبيل الله وروى شعبة عن قتادة عن أبي عمر الغداني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فقيل لأبي هريرة وما حق الإبل قال تعطي الكريمة وتمنح الغزيرة وتفقر الظهر وتطرق الفحل وتسقي اللبن قال أبو عمر قد مضى القول في معنى مثل هذا الحديث أنه على الندب والإرشاد إلى الفضل أو تكون قبل نزول فرض الزكاة ونسخ بفرض الزكاة لما ذكرنا من الدلائل وإذا كان قبل نزول فرض الزكاة ونسخ بها كما نسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان عاد كله فضلا وفضيلة بعد أن كان فريضة والله أعلم وهذا المعنى هو الذي خفي على من ذهب إلى ما ذهب إليه من أوجب في المال حقوقا سوى الزكاة من إيجاب إطعام الجائع وفك العاني والمواساة في حين المسغبة والعسرة وصلة الرحم والعطف على الجار ونحو هذا مما قد تقدم ذكره ولم ير لأحد حبس فوق ما يكفيه كأبي ذر ومن تابعه ممن جعل ما فضل على القوت كنزا على أن أبا ذر أكثر ما تواتر عنه في الأخبار الإنكار على من أخذ المال

من السلاطين لنفسه ومنع منه أهله فهذا ما لا خلاف عنه في إنكاره وأما إيجاب غير الزكاة فمختلف عنه فيه وروي عن بن مسعود أنه قال من كسب كسبا طيبا خبثه منع الزكاة ومن كسب كسبا خبيثا لم تطيبه الزكاة وأما قوله في حديث مالك وغيره شجاعا أقرع فالشجاع الحية وقيل الثعبان وقيل الشجاع من الحيات الذي يواثب الفارس والراجل فيقوم على ذنبه وربما بلغ وجه الفارس يكون في الصحارى قال الشماخ أو البعيث فأطرق إطراق الشجاع وقد جرى على حد نابيه الزعاف المسمم وقال المتلمس فاطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغا لنابيه الشجاع لصمما والزبيبتان نقطتان مسلحتان في شدقيه كالرغوتين يقال إنهما تبدوان حين يفح ويغضب وقيل نقطتان سوداوان على عينيه وهي علامة الحية الذكر المؤذي وقيل الزبيبتان نابان له وقيل نكتتان على شفتيه والأول أوثق وأكثر والأقرع من صفات الحيات هو الذي برأسه بياض وقيل كلما كثر سمه ابيض رأسه باب صدقة الماشية مالك أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب في الصدقة قال فوجدت فيه بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصدقة في أربع وعشرين من الإبل فدونها الغنم في كل خمس شاة

وفيما فوق ذلك إلى خمس وثلاثين ابنة مخاض فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر وفيما فوق ذلك إلى خمس وأربعين بنت لبون وفيما فوق ذلك إلى ستين حقة طروقة الفحل وفيما فوق ذلك إلى خمس وسبعين جذعة وفيما فوق ذلك إلى تسعين ابنتا لبون وفيما فوق ذلك إلى عشرين ومائة حقتان طروقتا الفحل فما زاد على ذلك من الإبل ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة وفيما فوق ذلك إلى مائتين شاتان وفيما فوق ذلك إلى ثلاثمائة ثلاث شياه فما زاد على ذلك ففي كل مائة شاة ولا يخرج في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار إلا ما شاء المصدق ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية

وفي الرقة إذا بلغت خمس أواق ربع العشر قال أبو عمر كتاب عمر هذا عند العلماء معروف مشهور في المدينة محفوظ وكل ما فيه من المعاني متفق عليها لا خلاف بين العلماء في شيء منها إلا أن في الغنم شيئا من الخلاف نذكره إن شاء الله وكذلك نذكر الخلاف على الإبل فيما زاد على عشرين ومائة إلا أن تبلغ ثلاثين ومائة إن شاء الله وقد روى سفيان بن حسين عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقات فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض وعمل به أبو بكر حتى قبض ثم عمر حتى قبض فكان في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس ذود شاة وذكر معنى ما ذكره مالك من كتاب عمر سواء وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وروى بن المبارك وغيره عن يونس عن بن شهاب قال أخرج إلي سالم وعبيد الله ابنا عبد الله بن عمر نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة قال بن شهاب أقرأنيها سالم فوعيتها على وجهها وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبيد بن عبد الله بن عمر حين أمر على المدينة وأمر عماله بالعمل بها ولم يزل العلماء يعملون بها قال وهذا كتاب تفسيرها لا يؤخذ في شيء من الإبل صدقة حتى تبلغ خمس ذود فإذا بلغت خمسا ففيها شاة حتى تبلغ عشرا فإذا بلغت عشرة ففيها شاتان حتى تبلغ خمس عشرة فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه حتى تبلغ عشرين فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه حتى تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغت خمسا وعشرين كان فيها فريضة والفريضة ابنة مخاض فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر حتى تبلغ خمسا وثلاثين فإذا كانت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون حتى تبلغ خمسا وأربعين فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة حتى تبلغ ستين فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة حتى تبلغ خمسا وسبعين فإذا كانت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون حتى تبلغ تسعين فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان حين تبلغ عشرين ومائة فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها ابنتا

لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وثلاثين فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وابنة لبون حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعا وستين ومائة فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وابنة لبون حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي السن وجدت أخذت قال أبو عمر ليس بين أهل العلم بالحجاز اختلاف في شيء مما ذكره مالك في زكاة الإبل إلا في قول بن شهاب في روايته لكتاب عمر فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون فهذا موضع اختلاف بين العلماء وسائره إجماع وأما اختلافهم في ذلك فإن مالكا قال إذا زادت الإبل على عشرين ومائة واحدة فالمصدق بالخيار إن شاء أخذ ثلاث بنات لبون وإن شاء أخذ حقتين قال بن القاسم وقال بن شهاب إذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون إلى أن تبلغ ثلاثين ومائة تكون فيها حقة وابنتا لبون قال بن القاسم اتفق مالك وبن شهاب في هذا واختلفا فيما بين إحدى وعشرين ومائة إلى تسع وعشرين ومائة قال بن القاسم ورأى علي قول بن شهاب وذكر بن حبيب أن عبد العزيز بن أبي سلمة وعبد العزيز بن أبي حازم وبن دينار كانوا يقولون بقول مالك أن الساعي مخير إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففيها حقتان أو ثلاث بنات لبون وذكر أن المغيرة المخزومي كان يقول إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففيها حقتان لا غير إلى ثلاثين ومائة قال وليس الساعي في ذلك مخيرا قال وأخذ عبد الملك بن الماجشون بقول المغيرة هذا قال أبو عمر وهو قول محمد بن إسحاق وبه قال أبو عبيد أنه ليس في الزيادة شيء على حقتين حتى يبلغ ثلاثين ومائة قال أبو عمر إذا بلغت ثلاثين ومائة ففيها حقة وابنتا لبون بإجماع من علمائنا

الحجازيين والكوفيين وإنما الاختلاف بين العلماء فيما وصفت لك لأن الأصل في فرائض الإبل المجتمع عليها في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون فلما احتملت الزيادة على عشرين ومائة الوجهين جميعا وقع الاختلاف كما رأيت لاحتمال الأصل له وقال الشافعي والأوزاعي إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون كقول بن شهاب وهذا أولى عند العلماء وهو قول أئمة أهل الحجاز وبه قال إسحاق وأبو ثور وأما قول الكوفيين فإن أبا حنيفة وأصحابه والثوري قالوا إذا زادت الإبل على عشرين ومائة استقبلت الفريضة ومعنى استقبال الفريضة عندهم أن يكون في كل خمس ذود شاة وهذا قول إبراهيم النخعي قال سفيان إذا زادت على عشرين ومائة ترد الفرائض إلى أولها فإن كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة وفي كل ستين جذعة وفي قول أبي حنيفة وأصحابه مثل هذا وتفسير ذلك أن ما زاد على العشرين ومائة فليس فيها إلا الحقتان حتى تصير خمسا وعشرين فيكون في العشرين ومائة حقتان وفي الخمس شاة وذلك فرض الثلاثين ومائة فإذا بلغتها ففيها حقتان وشاتان الحقتان للعشرين ومائة وشاتان ثم ذلك فرضها إلى خمس وثلاثين ومائة فيكون فيها حقتان وثلاث شياه إلى أربعين ومائة فإذا بلغتها ففيها حقتان وأربع شياه إلى خمس وأربعين ومائة فإذا بلغتها ففيها حقتان وابنة مخاض إلى خمسين ومائة فإذا بلغتها ففيها ثلاث حقاق فإذا زادت على الخمسين ومائة استقبل بها الفريضة كما استقبل بها إذا زادت على العشرين ومائة إلى مائتين فيكون فيها أربعة حقاق فإذا زادت على مائتين استقبل بها أيضا ثم كذلك أبدا وروى الثوري والكوفيون قولهم عن إبراهيم عن علي وبن مسعود ولهم في ذلك من جهة القياس ما لم أر لذكره وجها وأما قوله في حديث عمر وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين إلى عشرين ومائة شاة وفيما فوق ذلك إلى مائتين شاتان فهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء إلا شيء روي عن معاذ بن جبل من رواية الشعبي عنه وهي منقطعة لم يقل بها أحد من فقهاء

الأمصار والذي عليه فقهاء الأمصار أن في مائتي شاة وشاة ثلاث شياه وكذلك في ثلاث مائة وما زاد عليها حتى تبلغ أربع مائة ففيها أربع شياه وممن قال بهذا مالك بن أنس والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وهو قول الثوري والأوزاعي وسائر أهل الأثر وقال الحسن بن صالح بن حي إذا كانت الغنم ثلاث مائة شاة وشاة ففيها خمس شياه وروى الحسن بن صالح قوله هذا عن منصور عن إبراهيم قال أبو عمر أما الآثار المرفوعة في كتاب الصدقات فعلى ما قاله جماعة فقهاء الأمصار لا على ما قاله النخعي والحسن بن صالح والسائمة من الغنم وسائر الماشية هي الراعية ولا خلاف في وجوب الزكاة فيها واختلف العلماء في الإبل العوامل والبقر العوامل والكباش المعلوفة فرأى مالك والليث أن فيها الزكاة لأنها سائمة في طبعها وخلفها وسواء رعت أو أمسكت عن الرعي وقال سائر فقهاء الأمصار وأهل الحديث لا زكاة في الإبل ولا في البقر العوامل ولا في شيء من الماشية التي ليست بمهلة وإنما هي سائمة راعية ويروى هذا القول عن علي وجابر وطائفة من الصحابة لا مخالف لهم منهم وعلى قول هؤلاء من له أربعة من الإبل سائمة وواحد عامل وتسع وعشرون من البقر راعية وواحدة عاملة أو تسع وعشرون شاة راعية وكبش معلوف في داره لم يجب عليه زكاة وأما قوله ولا يخرج في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عوار إلا ما شاء المصدق يعني مجتهدا فعليه جماعة فقهاء الأمصار لأن المأخوذ في الصدقات العدل كما قال عمر عدل بين هذا المال وخياره لا الزائد ولا الناقص ففي التيس زيادة وفي الهرمة وذات العوار نقصان وأما قوله إلا أن يشاء المصدق فمعناه أن تكون الهرمة وذات العوار خيرا للمساكين من التي أخرج صاحب الغنم إليه فيأخذ ذلك باجتهاده وقد روي في الحديث المرفوع لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق كما جاء في كتاب عمر

وروي ذلك أيضا عن علي وبن مسعود واختلف العلماء في العمياء وذات العيب هل تعد على صاحبها فقال مالك والشافعي تعد العجفاء والعمياء والعرجاء ولا تؤخذ وروى أسد بن الفرات عن أسد بن عمر عن أبي حنيفة أنه لا يعتد بالعمياء كما لا تؤخذ ولم تأت هذه الرواية عن أبي حنيفة من غير هذا الوجه وسيأتي اختلافهم في العد على رب الماشية في السخل وما كان مثله في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله والتيس عند العرب كلما يبدو عن الغنم من ذكور الضأن أو من المعز لأن الغنم الضأن والمعز والهرمة الشاة الشارف وذات العوار بفتح العين العيب و بضمها ذهاب العين وقد قيل في ذلك بالضد وأجمعوا أن العوراء لا تؤخذ في الصدقة إذا كان بينا وكذلك كل عيب ينقص من ثمنها نقصانا بينا إذا كانت الغنم صحاحا كلها أو أكثرها فإن كان كلها عوراء أو شوارف أو جرباء أو عجفاء أو فيها من العيوب ما لا يجوز معه في الضحايا فقد قيل ليس على ربها إلا أن يعطي صدقتها منها وليس عليه أن يأتي المصدق بسائمة من العيوب صحيحة إذا لم يكن في غنمه وقيل عليه أن يأتي المصدق بجذعة أو ثنية تجوز ضحية وعلى هذين القولين اختلاف أصحاب مالك وغيرهم من فقهاء الأمصار وسيأتي القول إن شاء الله مستوعبا في هذا المعنى عند ذكر قول عمر رضي الله عنه لا تأخذ الربى ولا الماخض ولا الأكولة ولا فحل الغنم وتأخذ الجذعة والثنية وأما قوله ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع فقد فسر مالك مذهبه في موطئه فقال مالك في باب صدقة الخلطاء وتفسير قوله لا يجمع بين مفترق أن يكون النفر الثلاثة الذين يكون لكل واحد منهم أربعون شاة قد وجبت على كل واحد منهم في غنمه الصدقة فإذا أظلهم المصدق جمعوها لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة فنهي عن ذلك وتفسير قوله ولا يفرق بين مجتمع أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما فلم يكن على كل

واحد منهما إلا شاة واحدة فنهي عن ذلك فقيل لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة قال مالك فهذا الذي سمعت في ذلك قال مالك وقال عمر بن الخطاب لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة أنه إنما يعني بذلك أصحاب المواشي لم يذكر يحيى هذه الكلمة ها هنا في الموطأ وهي عنده في باب صدقة الخلطاء من الموطأ وذكرها غيره من رواة الموطأ وهذا مذهب مالك عند جماعة أصحابه وقال الأوزاعي معنى قوله عليه السلام لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع هو افتراق الخلطاء عند قدوم المصدق يريدون به بخس الصدقة فهذا لا يصلح وقد يراد به الساعي يجمع بين مفترق ليأخذ منه الأكثر مما عليهم اعتداء فأما التفريق بين الخلطاء فالنفر الثلاثة أو أقل أو أكثر من ذلك يكون لكل رجل منهم أربعون شاة فإنما فيها شاة فلا ينبغي للمصدق أن يفرق حتى يأخذ منهم ثلاث شياه ولا يجمع بين مفترق ولا ينبغي للقوم يكون للواحد منهم أربعون شاة على حسبه فإذا جاء المصدق جمعوها ليبخسوه وقال سفيان الثوري التفريق بين المجتمع أن يكون لكل رجل شاة فيفرقها عشرين عشرين لئلا يؤخذ من هذه شيء ولا من هذه شيء وقوله لا يجمع بين مفترق أن يكون لرجل أربعون شاة وللآخر خمسون يجمعانها لئلا يؤخذ منها شاة قال أبو عمر ذهب الثوري أيضا إلى أن المخاطب أرباب المواشي وقال الشافعي لا يفرق بين ثلاثة نفر خلطاء في عشرين ومائة شاة حسبه إذا جمعت بينهم أن يكون فيها شاة لأنها إذا فرقت ففيها ثلاث شياه ولا يجمع بين مفترق رجل له مائة شاة وشاة وآخر له مائة شاة وشاة فإذا تركا على افتراقهما كان فيهما شاتان وإذا جمعتا كان فيها ثلاث شياه ورجلان لهما أربعون شاة فإذا فرقت فلا شيء فيها وإذا جمعت ففيها شاة والخشية خشية الساعي أن تقل الصدقة وخشية رب المال أن تكثر الصدقة وليس واحد منهما أولى باسم الخشية من الآخر فأمر أن يقر كل على حاله إن كان مجتمعا صدق مجتمعا وإن كان مفترقا صدق مفترقا وقال أبو حنيفة وأصحابه معنى قوله عليه السلام لا يفرق بين مجتمع أن يكون للرجل مائة وعشرون شاة ففيها شاة واحدة فإن فرقها المصدق أربعين أربعين ففيها ثلاث شياه

ومعنى قوله لا يجمع بين مفترق أن يكون للرجلين أربعين شاة فإن جمعها صارت فيها شاة ولو فرقها عشرين عشرين لم يكن فيها شيء قالوا ولو كانا شريكين متعارضين لم يجمع بين أغنامهما وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف إذا قيل في الحديث خشية الصدقة هو أن يكون للرجل ثمانون شاة فإذا جاء المصدق قال هو بيني وبين إخوتي لكل واحد منهما عشرون أو يكون له أربعون شاة فيأخذ من إخوته أربعون أربعون فيقول هذه كلها لي فليس فيها إلا شاة واحدة فهذه خشية الصدقة لأن الذي يؤخذ منه يخشى الصدقة وأما إذا لم يقل فيه خشية الصدقة فقد يكون على هذا الوجه وقد يكون على وجه أن يكون يجيء المصدق إلى إخوة ثلاثة ولو أخذ منهم عشرون ومائة شاة فيقول هذه بينكم لكل واحد أربعون أو يكون لهم أربعون فيقول المصدق هذه لواحد منكم قال أبو عمر إنما حمل الكوفيون أبا يوسف وأصحابه على هذا التأويل في معنى الحديث لأنهم لا يقولون إن الخلطة تغير الصدقة وإنما يصدق الخلطاء عندهم صدقة الجماعة وعند غيرهم من العلماء يصدقون صدقة المالك الواحد وسيأتي بيان ذلك في باب صدقة الخلطاء إن شاء الله وما تأولوه في الحديث لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع يرتفع معه فائدة الحديث وللحجة عليهم موضع غير هذا يأتي في باب الخلطاء وقال أبو ثور قوله عليه السلام لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع على رب المال والساعي وذلك أن الساعي إذا جاؤوا لرجل عشرون ومائة شاة ففرقها على أربعين أربعين أخذ منه ثلاث شياه ولا يحل للساعي ذلك ولا يحل للساعي أن يجيء إلى قوم لكل واحد منهم عشرون شاة أو ثلاثون فيجمع بينهم ثم يزكيها وكذلك أصحاب المواشي إذا كان لرجل أربعون شاة فكان فيها الزكاة فإذا جاء المصدق فرقها على نفسين أو ثلاثة لئلا يؤخذ منه شيء أو يكون لثلاثة أربعون أربعون شاة فإذا جاء المصدق جمعوها وصيروها لواحد فتأخذ منها شاة فهذا لا يحل لرب الماشية ولا للمصدق وأما قوله في حديث عمر وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية فسنذكر وجه التراجع بين الخليطين إذا أخذت الشاة من غنم أحدهما في باب صدقة الخلطاء

وأما قوله وفي الرقة إذا بلغت خمس أواق ربع العشر فقد تقدم القول في زكاة المال في زكاة الذهب والفضة ومبلغ النصاب فيها والرقة عند جماعة العلماء هي الفضة وقد تقدم قولنا في المضروب منها والنفر والمسبوك ومضى القول في الحلي في باب زكاة الحلي والحمد لله باب ما جاء في صدقة البقر مالك عن حميد بن قيس المكي عن طاوس اليماني أن معاذ بن جبل الأنصاري أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين بقرة مسنة وأتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا حتى ألقاه فأسأله فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ بن جبل قال أبو عمر ظاهر هذا الحديث الوقوف على معاذ بن جبل من قوله إلا أن في قوله أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيما دون الثلاثين والأربعين من البقر شيئا دليلا واضحا على انه قد سمع منه عليه السلام في الثلاثين وفي الأربعين ما عمل به في ذلك مع أن مثله لا يكون رأيا إنما هو توقيف ممن أمر بأخذ الزكاة من الذين يطهرهم ويزكيهم بها صلى الله عليه وسلم ولا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر ما في حديث معاذ هذا وأنه النصاب المجتمع عليه فيها وحديث طاوس هذا عندهم عن معاذ غير متصل والحديث عن معاذ ثابت متصل من رواية معمر والثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بمعنى حديث مالك وروى معمر والثوري أيضا عن إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي وفي البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولين وفي كل أربعين مسنة وكذلك في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم

وكذلك في كتاب الصدقات لأبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وعلى ذلك مضى جماعة الخلفاء ولم يختلف في ذلك العلماء ألا شيء روي عن سعيد بن المسيب وأبي قلابة والزهري وعمر بن عبد الرحمن بن أبي خلدة المزني وقتادة ولا يلتفت إليه لخلاف الفقهاء من أهل الرأي والآثار بالحجاز والعراق والشام له وذلك لما قدمنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وجمهور العلماء وهو يرد قولهم لأنهم يرون في كل خمس من البقر شاة إلى ثلاثين واعتلوا بحديث لا أصل له وهو حديث حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن حزم ذكره بإسناده أنه في كتاب عمرو بن حزم واختلف العلماء في هذا الباب فيما زاد على الأربعين فذهب مالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وجماعة أهل الفقه من أهل الرأي والحديث إلى أن لا شيء فيما زاد على الأربعين من البقر حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان إلى سبعين فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة إلى ثمانين فيكون فيها مسنتان إلى تسعين فيكون فيها ثلاث تبائع إلى مائة فيكون فيها تبيعان ومسنة ثم هكذا أبدا في ثلاثين تبيعا وفي كل أربعين مسنة وبهذا أيضا كله قال بن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة ما زاد على الأربعين من البقر فبحساب ذلك وتفسير ذلك في مذهبه في خمس وأربعين مسنة ومن وفي خمسين مسنة وربع وعلى هذا كل ما زاد قل أو كثر هذه الرواية المشهورة عن أبي حنيفة وقد روى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة مثل أبي يوسف ومحمد والشافعي وسائر الفقهاء وكان إبراهيم النخعي يقول من ثلاثين بقرة تبيعا وفي أربعين مسنة وفي خمسين مسنة وربع وفي ستين تبيعان وكان الحكم وحماد يقولان إذا بلغت خمسين فبحساب ما زاد قال أبو عمر لا قول في هذا الباب إلا ما قاله مالك ومن تابعه وهم الجمهور الذين بهم تجب الحجة على من خالفهم وشذ عنهم إلى ما فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مما تقدم في هذا الباب ذكره وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن طاوسا أخبره

أن معاذا قال لست آخذ من أوقاص البقر شيئا حتى آتي رسول صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرني فيها بشيء قال بن جريج وقال عمرو بن شعيب إن معاذ بن جبل لم يزل بالجند منذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه قال أبو عمر الجند من اليمن هو بلد طاوس وتوفي طاوس سنة ست ومائة وتوفي معاذ في طاعون عمواس وكان سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة قال مالك أحسن ما سمعت فيمن كانت له غنم على راعيين مفترقين أو على رعاء مفترقين في بلدان شتى أن ذلك يجمع كله على صاحبه فيؤدي منه صدقته ومثل ذلك الرجل يكون له الذهب أو الورق متفرقة في أيدي ناس شتى إنه ينبغي له أن يجمعها فيخرج منها ما وجب عليه في ذلك من زكاتها قال أبو عمر قول مالك رحمه الله أحسن ما سمعت يدل على أنه قد سمع الخلاف في هذه المسألة والأصل عند العلماء مراعاة ملك الرجل للنصاب من الورق أو الذهب أو الماشية أو ما تخرجه الأرضد فإذا حصل في ملك الرجل نصاب كامل وأتى عليه حول فيما يراعى فيه الحول أو نصاب فيما تخرجه الأرض في ذلك الوقت لم يراع في ذلك افتراق المال إلا من جهة السعاة على ما نذكره عن الفقهاء بعد قال الشافعي إذا كان للرجل ببلد أربعون شاة وببلد غيره عشرون شاة دفع إلى كل واحد من المصدقين قيمة ما يجب عليه من شياه فقسمها بينهما ولا أحب أن يدفع في أحد البلدين شاة ويترك الأخرى لأني أحب أن تقسم صدقة المال حيث المال وهذا خلاف قول مالك لأنه يرى أن يجمع على رب المال صدقته في موضع واحد وهو على ما قدمت لك أن الخليفة لا يحل إلا أن يكون واحدا في المسلمين كلهم وعماله في الأقطار يسألون من مر بهم هل عندك من مال وجب فيه الزكاة وكذلك من قدم عليه السعاة قال الشافعي من أدى في أحد البلدين شاة كرهت له ذلك ولم أر عليه في

البلد الأخرى إعادة نصف شاة وعلى صاحب البلد الآخر أن يصدقه في قوله ولا يأخذ منه فإن اتهمه أحلفه بالله قال وسواء كانت إحدى غنمه بالمشرق والأخرى بالمغرب في طاعة خليفة واحد أو طاعة والييين مفترقين إنما تجب عليه الصدقة بنفسه في ملكه لا بواليه قال ولو كانت بين رجلين أربعون شاة ولأحدهما في بلد آخر أربعون شاة فأخذ المصدق من الشريكين شاة فثلاثة أرباعها على صاحب الأربعين الغائبة وربعها على الذي له عشرون ولا غنم له غيرها لأني أضم كل مال الرجل إلى ماله حيث كان ثم آخذ صدقته وروي عن أبي يوسف أنه قال إذا كان العامل واحدا ضم بعض ذلك إلى بعض فإذا كان العاملان مختلفين أخذ كل واحد منهما ما في عمله وكذلك قال محمد بن الحسن قال مالك في الرجل يكون له الضأن والمعز أنها تجمع عليه في الصدقة لأنها غنم كلها وتؤخذ الصدقة من أكثرها عددا ضأنا كانت أو معزا كذلك الإبل العراب والبخت والبقر والجواميس هذا معنى ما قاله مالك فإن استوت فليأخذ من أيتهما شاء فإن كان في كل واحد منهما نصاب أخذ من كل واحد منهما صدقته قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء في أن الضأن والمعز يجمعان وكذلك الإبل كلها على اختلاف أصنافها إذا كانت سائمة والبقر والجواميس كذلك واختلفوا إذا كان بعض الجنس أرفع من بعض فقول مالك ما ذكرنا وقال الثوري إذا انتهى المصدق إلى الغنم صدع الغنم صدعين فأخذ صاحب الغنم خير الصدعين ثم يأخذ المصدق من الصدع الآخر وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا اختلفت الغنم أخذ المصدق من أي الأصناف شاء وقال الشافعي إذا كانت غنم الرجل بعضها أرفع من بعض أخذ المصدق من وسطها فإن كانت واحدة أخذ خير ما يجب له فإن لم يكن في الوسط السن التي وجبت قال لصاحب الغنم إن تطوعت بأعلى منها أخذتها منك وإن لم تطوع فعليك أن تأتي بشاة وسط قال وإن كانت الغنم ضأنا ومعزا واستوت في العدد أخذ من أيها شاء والقياس أن يأخذ من كل حصته

قال مالك من أفاد ماشية من إبل أو بقر أو غنم فلا صدقة عليه فيها حتى يحول عليه الحول من يوم أفادها إلا أن يكون له قبلها نصاب إلى آخر كلامه في المسألة قال أبو عمر مذهبه في فائدة الماشية أنها لا تضم إلى نصاب وإن لم يكن نصاب أكمل بما استفاد النصاب واستأنف به حولا فإن كان له نصاب ماشية أربعين من الغنم فاستفاد إليها غنما زكى الفائدة بحول الأربعين ولو استفادها قبل مجيء الساعي بيوم أو قبل حلول الحول بيوم وكذلك كان له نصاب إبل أو نصاب بقر ثم استفاد إبلا ضمها إلى النصاب وكذلك البقر يزكي كل ذلك بحول النصاب وقول أبي حنيفة وأصحابه في ذلك نحو قول مالك وقال الشافعي لا يضم شيئا من الفوائد إلى غيره ويزكي كل مال لحوله إلا ما كان من نتاج الماشية فإنه يزكى مع أمهاته إذا كانت الأمهات نصابا ولو كانت ولادته قبل الحول بطرفة عين ولا يعتد بالسخال حتى تكون الأمهات أربعين ولو نتجت الأربعون قبل الحول أربعين بهيمة ثم ماتت وحال الحول على البنات أخذ منها زكاتها كما كان يؤخذ من الأمهات بحول الأمهات ولا يكلف أن يأتي بثنية ولا جذعة وإنما يكلف واحدة من الأربعين بهيمة وقول أبي ثور في ذلك كله كقول الشافعي قال مالك في الفريضة تجب على الرجل فلا توجد عنده أنها إن كانت ابنة مخاض فلم توجد أخذ مكانها بن لبون ذكر وإن كانت بنت لبون أو حقة أو جذعة ولم يكن عنده كان على رب الإبل أن يبتاعها له حتى يأتيه بها لا أحب أن يعطيه قيمتها وقال مالك إذا لم يجد السن التي تجب في المال لم يأخذ ما فوقها ولا ما دونها ولا يزداد دراهم ولا يردها ويبتاع له رب المال سنا يكون فيها وفاء حقه إلا أن يختار رب المال أن يعطيه شيئا فوق السن التي وجبت عليه ذكرها بن وهب في موطئه عن مالك وقال بن القاسم عن مالك إذا لم يجد فيها ابنة مخاض أو بن لبون ذكرا فرب المال يشتري للسائل بنت مخاض على ما أحب أو كره إلا أن يشاء رب الإبل أن يدفع منها ما هو خير من ابنة مخاض وليس للمصدق أن يرد ذلك وإن أراد رب المال أن يدفع بن لبون ذكرا إذا لم يوجد في المال بنت مخاض قال فذلك للساعي إن أراد أخذه وإلا ألزمه بنت مخاض وليس له أن يمتنع من ذلك

وقال الثوري في أسنان الإبل التي فريضتها ابنة لبون إذا لم يجد المصدق السن التي وجبت له أخذ السن التي دونها وأخذ من رب المال شاتين أو عشرين درهما ولولا الأثر الذي جاء كان ما بين القيمتين أحب إلي وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا وجبت في الإبل صدقة فلم يوجد ذلك الواجب فيها ووجد بين أفضل منها أو دونها فإنه يأخذ قيمة التي وجبت عليه وإن شاء أخذ أفضل ورد عليه بالفضل قيمته دراهم وإن شاء أخذ دونها وأخذ بالفضل دراهم وقال الشافعي مثل ذلك قال وعلى المصدق إذا لم يجد السن التي وجبت ووجد السن التي هي أعلى منها أو أسفل منها فكذلك على رب المال أن يعطي الخير لهم ثم يعطيه أهل السهمان قال وإذا وجد العليا ولم يجد السفلى أو السفلى ولم يجد العليا فلا خيار له ويأخذ من التي وجد ليس له غير ذلك وقال أبو ثور مثل قول الشافعي إلا أنه قال ما لم يسن النبي صلى الله عليه وسلم فيها فهو قياس على ما سن فيه من رد الشاتين أو العشرين درهما أخذه من حديث أنس عن أبي بكر في الصدقة وهو أيضا مذكور في حديث عمرو بن حزم وغيره ولم يقل مالك بذلك لأنه ليس عنده في الزكاة إلا كتاب عمر وليس ذلك فيه فقال بما روى وذلك شأن العلماء وحديث عمرو بن حزم انفرد برفعه واتصاله سليمان بن داود عن الزهري وليس بحجة فيما انفرد به وقال مالك في الإبل النواضح والبقر السواني وبقر الحرث إني أرى أن يؤخذ من ذلك كله إذا وجبت فيه الصدقة قال أبو عمر وهذا قول الليث بن سعد ولا أعلم أحدا قال به من الفقهاء غيرهما وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي والأوزاعي وأبو ثور وداود وأحمد وإسحاق وأبو عبيد لا زكاة في البقر العوامل وإنما الزكاة في السائمة وروى قولهم عن طائفة من الصحابة منهم علي وجابر ومعاذ بن جبل وكتب عمر بن عبد العزيز أنه ليس في البقر العوامل صدقة

وحجته قوله صلى الله عليه وسلم وفي كل إبل سائمة في كل أربعين بنت لبون من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وفي حديث أنس أن أبا بكر كتب له فرائض الصدقة وفيها سائمة الغنم إذا كانت أربعين شاة وحجة مالك الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله ليس فيما دون خمس ذود صدقة وأنه أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين مسنة ومن أربعين شاة شاة ولم يخص سائمة من غيرها وقال أصحابه إنما السائمة صفة لها كالاسم والماشية كلها سائمة ومن حال بينها وبين الرعي لم يمنعها ذلك أن تمى سائمة وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل باب صدقة الخلطاء ذكر مالك مذهبه في موطئه في هذا الباب ومعناه أن الخليطين لا يزكيان زكاة الواحد حتى يكون لكل واحد منهما نصاب فإذا كان ذلك واختلطا بغنمهما في الدلو والحوض والمراح والراعي والفحل فهما خليطان يزكيهما الساعي زكاة الواحد ثم يترادان على كثرة الغنم وقلتها فإن كان لأحدهما دون النصاب لم يؤخذ منه شيء ولم يرجع عليه صاحبه شيء وإذا ورد الساعي على الخليطين بما ذكرنا من أوصافهما زكاهما ولم يراع مرور الحول عليهما كاملا وهما خليطان وإنما يراعى مرور الحول على كل واحد منهما ولو اختلطا قبل تمام الحول بشهر أو نحوه إذا وجدهما خليطين زكاهما زكاة المنفرد واختلف أصحابه في مراعاة الدلو والحوض والمراح والفحل والراعي فقال بعضهم لا يكونان خليطين إلا ثلاثة أوصاف من ذلك وقال بعضهم إذا كان الراعي واحدا فعليه مراد الخلطة وقال مالك في الخليطين في الإبل والبقر إنهما بمنزلة الخليطين في مراعاة النصاب لكل واحد منهما

واحتج مالك بأن الخليطين لا يزكيان زكاة الواحد إلا إذا كان لكل واحد منهما نصاب بقوله عليه السلام ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي سائمة الغنم إذا بلغت أربعين شاة شاة قال مالك وهذا أحب ما سمعت في هذا إلي قال أبو عمر قوله وهذا أحب ما سمعت إلي يدل على علمه بالخلاف فيها وأن الخلاف كان بالمدينة قديما وقول أبي ثور في الخلطاء كقول مالك سواء واحتج بنحو حجته في ذلك ومن حجة من قال بقول مالك أيضا في الخلطاء إجماع الجميع على أن المنفرد لا تلزمه زكاة في أقل من أربعين من الغنم واختلفوا في الخليط بغيره لغنمه ولا يجوز أن ينقض أصل مجتمع عليه برأي مختلف فيه وقال أصحاب الشافعي ليس في ذلك رأي وإنما هو توقيف عمن يجب التسليم له واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام لا يجتمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية وقوله عليه الصلاة والسلام في خمس من الإبل شاة وفي أربعين من الغنم شاة لم يفرق بين الغنم المجتمعة في الخلطة لمالكين أبو لمالك واحد قال الشافعي ولما لم يختلف السلف القائلون في أربعين شاة شاة أن الخلطاء في مائة وعشرين شاة ليس عليهم فيها إلا شاة واحدة دل ذلك على أن عدة الماشية المختلطة لا ملك المالك والله أعلم وقال الشافعي الذي لا شك فيه أن الخليطين الشريكين لم يقتسما الماشية وتراجعهما بالسوية أن يكونا خليطين في الإبل فيها الغنم فتؤخذ الإبل في يد أحدهما فيؤخذ منها صدقتها ويرجع على شريكه بالسوية لما جاء في الحديث وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية قال وقد يكون الخليطان الرجلين يتخالطان بماشيتهما وإن عرف كل واحد منهما ماشيته ولا يكونان خليطين حتى يريحا ويحلبا ويسرحا ويسقيا معا فحلهما واحد فإذا كان هكذا صدقا صدقة الرجل الواحد لكل حول

قال ولا يكونان حولين حتى يحول عليهما الحول من يوم اختلطا ويكونا مسلمين وإن افترقا في مراح ومسرح أو سقي أو فحول قبل الحول فليسا بخليطين ويصدقان صدقة الاثنين وكذلك إذا كانا شريكين ولا يراعي الشافعي النصاب لكل واحد منهما ولو اختلط عنده أربعة رجال أو أكثر أو أقل في أربعين شاة كان عليهم فيها شاة بمرور الحول وروي ذلك عن عطاء قال الشافعي ولما لم أعلم مخالفا إذا كان ثلاثة خلطاء لهم مائة وعشرون شاة أن عليهم فيها شاة واحدة وأنهم يصدقون صدقة الواحد ينتقصون المساكين شاتين من مال الخلطاء الثلاثة الذين لم يفرق مالهم كان فيه ثلاث شياه لم يجز إلا أن يقال لو كانت أربعون بين ثلاثة رجال كان عليهم شاة لأنهم خلطاء صدقوا صدقة الواحد قال وبهذا أقول في الماشية كلها والزرع قال أبو عمر يريد لما لم يكن على الخلطاء في أربعين شاة وغيره الخلطة فريضة المنفرد وجب أن يعتبر النصاب بينهم نصاب الواحد كما يزكون زكاة الواحد قال ولو أن حائطا كان موقوفا حبسا على مائة إنسان ولم يخرج إلا عشرة أوسق أخذت منه صدقة كصدقة الواحد ويقول الشافعي في الخلطة بقول الليث وأحمد وإسحاق قال أحمد إذا اختلط جماعة في خمسة من الإبل أو ثلاثين من البقر أو أربعين من الغنم وكان مرعاهم ومسرحهم ومبيتهم ومحلبهم وفحلهم واحدا أخذ منهم الصدقة وتراجعوا فيما بينهم بالحصص واختلفوا في غير الماشية أخذ من كل واحد على انفراده إذا كانت حصته تجب فيها الزكاة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد الخليطان في المواشي كغير الخليطين لا تجب على واحد منهما فيما يملك منها إلا مثل الذي يجب عليه لو لم يكن خليطا قالوا وكذلك الذهب والفضة والزرع قالوا وإذا أخذ المصدق الصدقة من ماشيتهما تراجعا فيما أخذ منهما حتى تعود ماشيتهما لو لم ينقص من مال كل واحد منهما إلا مقدار ما كان عليه من الزكاة في حصته وتفسير ذلك أن يكون لهما عشرون ومائة شاة لأحدهما ثلثها فلا يجب على

المصدق انتظار قيمتها ولكن يأخذ من عرضها شاتين فيكون بذلك أخذ من مال صاحب الثلث شاة وثلثا وإنما كانت عليه شاة وفيها للآخر ثلثا شاة وقد كانت عليه شاة فيرجع صاحب الثلثين على صاحب الثلث ثلث الشاة التي أخذها المصدق من حصته زيادة على الواجب الذي كان عليه فيها فتعود حصة صاحب الثلث إلى تسع وتسعين وحصة صاحب الثلث إلى تسع وثلاثين ولو خالط صاحب عشرين صاحب ستين فالشاة على صاحب الستين لا على صاحب العشرين قال أبو عمر إنما حمل الكوفيون على دفع القول بصدقة الخلطاء أنهم لم يبلغهم ذلك والله أعلم اعتمدوا على ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وقوله عليه السلام في الغنم ليس فيما دون أربعين منها شيء ورأوا أن الخلطة المذكورة تغير هذا الأصل فلم يلتفتوا إليه والله أعلم باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة مالك عن ثور بن زيد الديلي عن بن لعبد الله بن سفيان الثقفي عن جده سفيان بن عبد الله أن عمر بن الخطاب بعثه مصدقا فكان يعد على الناس بالسخل فقالوا أتعد علينا بالسخل ولا تأخذ منه شيئا فلما قدم على عمر بن الخطاب ذكر له ذلك فقال عمر نعم تعد عليهم بالسخلة يحملها الراعي ولا تأخذها ولا تأخذ الأكولة ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الغنم وتأخذ الجذعة والثنية وذلك عدل بين غذاء الغنم وخياره قال أبو عمر ذكر مالك في الموطأ تفسير الربى والماخض والأكولة وفحل الغنم بما يغني عن ذكره ها هنا

وقوله في نصاب الغنم أنه يكمل من أولادها كربح المال سواء ولو كانت عنده ثلاثون شاة حولا ثم ولدت قبل مجيء الساعي بليلة فكملت النصاب أخذ منها عنده الزكاة وذلك عنده مخالف لما أفيد منها بشراء أو هبة أو ميراث ومعنى قول مالك هذا أن النصاب عنده يكون بالولادة ولا يكون بالفائدة من غير الولادة لمن كانت عنده ثلاثون من الغنم أو ما دون النصاب ثم اشترى أو ورث أو وهب له ما يكمل به النصاب استأنف بالنصاب حولا وليس كذلك عنده حكم البنات مع الأمهات فإن كان عنده نصاب ماشية قد حال عليه الحول ثم استفاد قبل مجيء الساعي شيئا بغير ولادة زكى ذلك مع النصاب وليس كذلك فائدة العين الصامت عنده وقد تقدم ذلك في بابه وقال الشافعي لا يضمن شيئا من الفوائد إلى غيره ويزكي كل لحوله إلى ما كان من نتاج الماشية مع النصاب وهو قول أبي ثور وقول أبي حنيفة وأصحابه في ذلك كقول مالك وقال الشافعي لا يعد بالسخل إلا أن يكون من غنمه قبل الحول ويكون أصل الغنم أربعين فصاعدا فإذا لم تكن الغنم نصابا فلا يعد بالسخل وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان له في أول الحول أربعون صغارا أو كبارا وفي آخره كذلك وجبت فيها الصدقة وإن نقصت في الحول وقال الحسن بن حي يتم الحول بالسخال مع الأمهات ويعتبر الحول من يوم تم النصاب فإن جاء الحول وجبت فيها الزكاة وإذا تمت سخالها أربعين أو زادت عليها بالسخال حتى بلغت ستين أو نحوها فذهب من الأمهات واحدة قبل تمام الحول استقبل بها حولا كما يفعل بالدراهم إذا كانت ناقصة فأفدت إليها تمام النصاب وأما قوله لا يأخذ الربى إلى آخر قوله ذلك فقال مالك إذا كانت كلها ربى أو فحولا أو ماخضا أو بازلا كان لرب المال أن يأتي الساعي بما فيه وفاء حقه جذعة أو ثنية وإن شاء صاحبها أن يعطي منها واحدة كان ذلك له وبه قال أبو حنيفة قال مالك ليس في الإبل في الصدقة مثل الغنم فإن الغنم لا يؤخذ منها إلا جذعة أو ثنية ويؤخذ من الإبل في الصدقة الصغار

قال بن الماجشون يأخذ الربى إذا كانت كلها ربى كما يأخذ العجفاء من العجاف قال الشافعي لا يؤخذ في صدقة الإبل ولا في صدقة الغنم من الغنم إلا جذعة من الضأن أو ثنية من المعز ولا يؤخذ أعلى من ذلك إلا أن يتطوع رب المال قال أبو عمر هذا نفس استعمال حديث عمر في الجذعة والثنية وهو كقول مالك سواء واختلفوا إذا كانت الإبل فصلانا والبقر عجولا والغنم سخالا فقال مالك عليه في الغنم شاة ثنية أو جذعة وعليه في الإبل والبقر ما في الكبار منها وهو قول زفر قال بن عبد الحكم من كانت عنده خمس وعشرون سقيا فعليه بنت مخاض وإن كانت أربعون حلوبة فعليه فيها جذعة وقال الشافعي السن التي تؤخذ في الصدقة من الغنم والبقر والإبل الجذعة من الضأن والثنية مما سواها إلا أن تكون صغارا كلها وقد حال عليها حول أمها فإنه يؤخذ منها الصغير قال وحكم البنات حكم الأمهات إذا حال عليها حول الأمهات وقال أبو حنيفة ومحمد لا شيء في الفصلان إذا كان كلها فصلانا ولا في العجول ولا في صغار الغنم لا منها ولا من غيرها وهو قول جماعة من تابعي أهل الكوفة ومن حجتهم ما رواه هشيم عن هلال بن حسان أنه أخبره عن ميسرة بن صالح قال حدثنا سويد بن غفلة قال أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فجلست إليه فسمعته يقول إن عهدي أن لا آخذ من راضع لبن ولا أجمع بين مفترق ولا أفرق بين مجتمع قال وأتاه رجل بناقة كوماء فأبى أن يأخذها وقال أبو يوسف والثوري والأوزاعي يؤخذ منها إذا كانت خرفانا أو عجولا أو فصلانا ولا يكلف صاحبها أكثر منها وروي عن أبي يوسف أنه قال في خمس فصلان واحدة منها أو شاة واختلفوا في المعيبة كلها عجافا كانت أو مريضة فالمشهور من مذهب مالك أنه

يلزم صاحبها أن يأتي بما يجوز ضحية جذعة أو ثنية غير معيبة وروى بن القاسم أن عثمان بن الحكم سأل مالكا عن الساعي يجدها عجافا كلها فقال يأخذ منها قال سحنون وهو قول المخزومي وبه قال مطرف وبن الماجشون قال أبو عمر وهو قول الشافعي وأبي يوسف قال الشافعي لأني إذا كلفته صحيحة كانت أكثر من شاة معيبة فأوجبت عليه أكثر مما وجب عليه قال ولم توضع الصدقة إلا رفقا بالمساكين من حيث لا يضر بأرباب المال وأما قول أبي حنيفة فقوله في المعيبة نحو ذلك وأما الصغار فلا أرى فيها شيئا على ما تقدم والله أعلم باب العمل في صدقة عامين إذا اجتمعا قال مالك الأمر عندنا في الرجل تجب عليه الصدقة وإبله مائة بعير فلا يأتيه الساعي حتى تجب عليه صدقة أخرى فيأتيه المصدق وقد هلكت إبله إلا خمس ذود قال مالك يأخذ المصدق من الخمس ذود الصدقتين اللتين وجبتا على رب المال شاتين في كل عام شاة لأن الصدقة إنما تجب على رب المال يوم يصدق ماله فإن هلكت ماشيتة أو نمت فإنما يصدق المصدق زكاة ما يجد يوم يصدق وإن تظاهرت على رب المال صدقات غير واحدة فليس عليه أن يصدق إلا ما وجد المصدق عنده فإن هلكت ماشيته أو وجبت عليه فيها صدقات فلم يؤخذ منه شيء حتى هلكت ماشيته كلها أو صارت إلى ما لا تجب فيه الصدقة فإنه لا صدقة عليه ولا ضمان فيما هلك أو مضى من السنين ومن غير الموطأ وسئل مالك عن رجل كانت له أربعون شاة فلم يأته المصدق ثلاثة أعوام ثم أتاه في العام الرابع وهي أربعون كم يأخذ منها لعامه ذلك وللسنين الماضية فقال مالك يؤخذ منها شاة واحدة

قال ولو كانت ثلاثا وأربعين أخذ منها ثلاث شياه أيضا وإن كانت إحدى وأربعين أخذ منها شاتين وقال الشافعي كقول مالك قال أحب إلي في الأربعين أن يؤدي عنها في كل سنة شاة إذا كانت لم تنقص في كل سنة عن أربعين لأنه قد حالت عليها أحوال وهي كلها أربعون هذا قوله في الكتاب المصري وقال في البغدادي في الرجل الذي تكون عنده عشر من الإبل فيتركها سنين أنه يؤخذ منها في السنين كلها لأن صدقتها من غيرها وقال في الأربعين والثلاث والأربعين إذا تركها صاحبها فلم يزكها سنين كقول مالك وأصحابه في ذلك وما استحبه الشافعي في أن يؤخذ من الأربعين أربع شياه كأنه قد أخذ من الساعي شاة في العام الأول ثم أتى في الثاني فوجدها أربعين ثم في الثالث والرابع مثل ذلك وهو معنى قول مالك في الهارب بماشيته من الساعي وقال أبو يوسف وأبو حنيفة ومحمد من كانت عنده عشر من الإبل فلم يزكها سنين فإنه عليه في السنة الأولى شاتين وفي الثانية شاة قال أبو عمر جعلوا الشاة المأخوذة من الخمس ذود كأنها منها فنقصت لذلك عن نصابها وقالوا في الغنم إذا كان لواحد عشرون ومائة شاة وأتى عليها سنتان لم يزكها فإن عليها زكاة سنتين في كل سنة شاة ولو كانت إحدى وعشرين ومائة ولم يزكها سنة فإن عليه للسنة الأولى شاتين وللسنة الثانية شاة وقال أبو ثور إذا كانت لرجل عشر من الإبل فحال عليها حولان فإن فيها أربعا من الغنم وذلك أن زكاتها من غيرها وليس زكاتها منها تنتقص باب النهي عن التضييق على الناس في الصدقة ذكر فيه مالك حديث عائشة رضي الله عنهما أنها قالت مر على عمر بن الخطاب بغنم من الصدقة فرأى فيها شاة حافلا ذات ضرع عظيم فقال

عمر ما هذه الشاة فقالوا شاة من الصدقة فقال عمر ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون لا تفتنوا الناس لا تأخذوا حزرات المسلمين نكبوا عن الطعام قال أبو عمر قوله حافلا يعني التي قد امتلأ ضرعها لبنا ومنه قيل مجلس حافل ومحتفل وإنما أخذت والله أعلم من غنم كلها لبون كما لو كانت كلها ربى أخذ منها أو لو كانت كلها مواخض أخذ منها ولكن عمر رضي الله عنه كان شديد الإشفاق على المسلمين كالطير الحذر وهكذا يلزم الخلفاء فيمن أمروه واستعملوه الحذر منهم واطلاع أعمالهم وكان رضي الله عنه إذا قيل له ألا تستعمل أهل بدر قال أدنسهم بالولاية على أنه قد استعمل منهم قوما منهم سعد ومحمد بن مسلمة وروي عن حذيفة أنه قال لعمر إنك لتستعمل الرجل الفاجر فقال أستعمله لأستعين بقوته ثم أكون بعد قفاه يريد أستقصي عليه وأعرف ما يعمل به والدليل على أن الشاة الحافل لم تؤخذ إلا على وجهها أنه لم يأمر بردها ووعظ وحذر تنبيها ليوقف على مذهبه وينشر ذلك عنه فتطمئن نفوس الرعية ويخاف عاملهم وأما الحزرات فما غلب على الظن أنه خير المال وخياره وقال صاحب العين الحزرات خيار المال وقيل الحزرات كرائم الأموال وكذلك قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن إياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم

وأما قوله نكبوا عن الطعام فمأخوذ والله أعلم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تحدث لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فكأنه قال نكبوا عن ذوات الدر وخذوا الجذعة والثنية حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا وكيع قال حدثنا زكريا بن إسحاق المكي عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنك تأتي قوما أهل كتاب فذكر الحديث وفي آخره فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ومن حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المعتدي في الصدقة كمانعها قال أبو عمر وقد وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباب المواشي كما وعظ السعاة روي من حديث جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ينصرف المصدق عنكم إلا وهو راض وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار في التمهيد وفي سماع أبي قرة قلت لمالك في قوله نكبوا عن الطعام فقال لي يريد اللبن وقال مالك لا يأخذ المصدق لبونا إلا أن تكون الغنم كلها ذات لبن فيأخذ حينئذ لبونا من وسطها ولا يأخذ حزرات الناس وذكر مالك أيضا في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أنه قال أخبرني رجلان من أشجع أن محمد بن مسلمة الأنصاري كان يأتيهم مصدقا فيقول لرب المال أخرج إلي صدقة مالك فلا يقود إليه شاة فيها وفاء من حقه إلا قبلها وكان عمر بن الخطاب يبعثه ساعيا

وهذا الحديث لا مدخل فيه للقول وليس فيه معنى مشكل يحتاج إلى تفسير وحسب كل من أعطى حقه أن يقبله والوفاء العدل في الوزن وغيره فإن أراد بالوفاء ها هنا الزيادة فلا أعلم خلافا بين العلماء أنه ينبغي للعامل على الصدقة إذا أعطاه رب المال فأوفى عليه أن يأخذ ذلك للمساكين ولا يرد ما أعطى لهم رب المال وليس ذلك له وقول مالك السنة عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أنه لا يضيق على المسلمين في زكاتهم وأن يقبل منهم ما دفعوا من أموالهم قال أبو عمر السنة عند الجميع إذا دفع أرباب الأموال ما يلزمهم فلا تضييق حينئذ على أحد منهم إنما التضييق أن يطلب منهم غير ما فرض عليهم فيما مضى من أقوال العلماء فيمن غنمه كلها جرباء أو ذوات عيوب أو صغار ما يبين لك معنى التضييق من غيره والله اعلم باب أخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدي المسكين للغني تابع مالك على إرسال هذا الحديث سفيان بن عيينه وإسماعيل بن أمية ورواه معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الثوري عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال حدثني الليث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وفي هذا الحديث من الفقه ما يدخل في تفسير قول الله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والمساكين التوبة لأنه تفسير لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا

تجوز الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي لأن قوله هذا لا يحمل مدلوله على عمومه بدليل الخمسة الأغنياء المذكورين في حديث هذا الباب وأجمع العلماء على أن الصدقة المفروضة وهي الزكاة الواجبة على الأموال لا تحل لغني غير الخمسة المذكورين في هذا الحديث الموصوفين فيه وكان بن القاسم يقول لا يجوز لغني أن يأخذ من الصدقة ما يستعين به على الجهاد وينفقه في سبيل الله وإنما يجوز ذلك للفقير قال وكذلك الغارم لا يجوز له أن يأخذ من الصدقة ما بقي له ماله ويؤدي منها دينه وهو عنها غني قال وإن احتاج الغازي في غزوته وهو غني له مال غاب عنه لم يأخذ من الصدقة شيئا واستقرض فإذا بلغ بلده أدى ذلك من ماله هذا كله ذكره بن حبيب عن بن القاسم وزعم أن بن قانع وغيره خالفوه في ذلك وروى أبو زيد وغيره عن بن القاسم أنه قال في الزكاة يعطى منها الغازي وإن كان معه في غزاته ما يكفيه من ماله وهو غني في بلده وروى بن وهب عن مالك أنه يعطى منها الغزاة ومن لزم مواضع الرباط فقراء كانوا أو أغنياء وذكر عيسى بن دينار في تفسير هذا الحديث قال تحل الصدقة للغازي في سبيل الله لو احتاج في غزوته وغاب عنه غناه ووبره ولا تحل لمن كان معه ماله من الغزاة قال عيسى وتحل لعامل عليها وهو الذي يجمع من عند أرباب المواشي والأموال فهذا يعطى منها على قدر سعيه لا على قدر ما جمع من الصدقات والعشور ولا ينظر إلى الثمن وليس الثمن بفريضة قال وتحل لغارم غرما قد فدحه وذهب بماله إذا لم يكن غرمه في فساد ولا دينه في فساد مثل أن يستدين في نكاح أو حج أو غير ذلك من وجوه المباح والصلاح

وأما الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وسائر أهل العلم فيما علمت فإنهم قالوا جائر للغازي في سبيل الله إذا ذهب نفقته وماله غائب عنه أن يأخذ من الصدقة ما يبلغه قالوا والمحتمل بحمالة في بر وإصلاح والمتداين في غير فساد كلاهما يجوز له أداء دينه من الصدقة وإن كان الحميل غنيا فإنه يجوز له أخذ الصدقة إذا وجب عليه أداء ما تحمل به وكان ذلك يجحف به قال أبو عمر من حجة الشافعي ومن ذهب مذهبه فيما وصفنا عنه ظاهر حديث مالك في هذا الباب وحديث قبيصة بن المخارق وقد ذكرناه بإسناد في التمهيد وفيه لا تحل الصدقة إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يصيب يعني ما تحمل به ثم يمسك فقوله ثم يمسك دليل على أنه غني لأن الفقير ليس عليه أن يمسك عن السؤال مع فقره ودليل آخر وهو عطفه ذكر الذي ذهب ماله وذكر الفقير ذي الفاقة على ذكر صاحب الحمالة فدل على أنه لم يذهب ماله ولم تصبه فاقة حتى يشهد له بها وقد أجمع العلماء على أن الصدقة تحل لمن عمل عليها وإن كان غنيا وكذلك المشتري لها بماله والذي تهدى إليه وإن كانوا أغنياء وكذلك سائر من ذكر في الحديث والله أعلم لأن ظاهر الحديث يشبه أن الخمسة تحل لهم الصدقة من بين سائر الأغنياء قال مالك الأمر عندنا في قسم الصدقات أن ذلك لا يكون إلا على وجه الاجتهاد من الوالي فأي الأصناف كانت فيه الحاجة والعدد أوثر ذلك الصنف بقدر ما يرى الوالي وعسى أن ينتقل ذلك إلى الصنف الآخر بعد عام أو عامين أو أعوام فيؤثر أهل الحاجة والعدد حيثما كان ذلك وعلى هذا أدركت من أرضى من أهل العلم قال مالك وليس للعامل على الصدقات فريضة مسماة إلا على قدر ما يرى الإمام قال أبو عمر اختلف العلماء من لدن التابعين في كيفية قسم الصدقات وهل هي

مقسومة على من سماه الله في الآية وهل الآية إعلام منه تعالى لمن تحل له الصدقة وكان مالك والثوري وأبو حنيفة يقولون إنه يجوز أن توضع الصدقة في صنف واحد من الأصناف المذكورين في الآية يضعها الإمام فيمن شاء من تلك الأصناف على حسب اجتهاده وروي عن حذيفة وبن عباس أنهما قالا إذا وضعتها في صنف واحد أجزأك ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة وقد أجمع العلماء أن العامل عليها لا يستحق ثمنها وإنما له بقدر عمالته فدل ذلك على أنها ليست مقسومة على الأصناف بالسوية قال عبيد الله بن الحسن أحب أن لا يخلى منها الأصناف كلها وقال الشافعي هي سهمان ثمانية لا يصرف منها سهم ولا شيء عن أهله ما وجد من أهله أحد يستحقه ومن حجة الشافعي أن الله عز وجل جعل الصدقات في أصناف ثمانية فغير جائز أن يعطى ما جعله الله عز وجل لثمانية لصنف واحد كما لا يجوز أن يعطى ما جعله الله لثمانية لواحد وقد أجمعوا على أن رجلا لو أوصى لثمانية أصناف لم يجز أن يجعل ذلك في صنف واحد فكان ما أمر الله بقسمه على ثمانية أحرى وأولى أن يجعل في واحد وروي في ذلك حديث عن زياد بن الحارث الصدائي أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما رضي الله بقسمة أحد في الصدقات حتى قسمها على الأصناف الثمانية قال أبو عمر انفرد بهذا الحديث عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وقد ضعفه بعضهم وأما أهل المغرب مصر وإفريقية فيثنون عليه بالدين والعقل والفضل وقد روى عنه جماعة من الأئمة منهم الثوري وغيره وجملة قول الشافعي أن كل ما أخذ من المسلمين من زكاة مال أو ماشية أو حب أو زكاة أو معدن يقسم على ثمانية أسهم أو على سبعة وكذلك يكون لمن قسم زكاته على أهلها كما قسمها الله تعالى لا يختلف القسم فيه ولا يصرف سهم واحد منهم إلى غيره والواحد مردود إلى العامل

قال أبو ثور أما زكاة الأموال التي يقسمها الناس عن أموالهم فإني أحب أن تقسم على ما أمكن ممن سمى الله تعالى إلا العاملين فليس لهم من ذلك شيء إذا قسمها ربها وإن أعطى الرجل زكاة ماله بعض الأصناف رجوت أن تسعها فأما ما صار إلى الإمام فلا يقسمه إلا فيمن شاء الله عز وجل قال أبو عمر قال الله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والمساكين التوبة فاختلف العلماء وأهل اللغة في المسكين والفقير فقال منهم قائلون الفقير أحسن حالا من المسكين قالوا والفقير الذي له بعض ما يقيمه والمسكين الذي لا شيء له واحتجوا بقول الراعي أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد قالوا ألا ترى أنه قد أخبر أن لهذا الفقير حلوبة وممن ذهب إلى هذا بن السكيت وبن قتيبة وهو قول يونس بن حبيب وذهب قوم من أهل الفقه والحديث إلى أن المسكين أحسن حالا من الفقير واحتج قائل هذه المقالة بقوله تعالى أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر الكهف فأخبر أن للمساكين سفينة في البحر وربما ساوت جملة من المال واحتجوا بقوله تعالى للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا البقرة قالوا فهذه الحال التي وصف الله بها الفقراء دون الحال التي أخبر بها عن المساكين قالوا ولا حجة في بيت الراعي لأنه أخبر أن الفقير كانت له حلوبة في حال ما قالوا والفقير معناه في كلام العرب المفقور كأنه الذي نزعت فقرة من ظهره لشدة فقره فلا حال أشد من هذه

واستشهدوا بقول الشاعر لما رأى لبد النسور تطايرت رفع القوادم كالفقير الأعزل أي لم يطق الطيران فصار بمنزلة من انقطع صلبه ولصق بالأرض قالوا وهذا هو شديد المسكنة واستدلوا بقوله تعالى أو مسكينا ذا متربة البلد يعني مسكينا قد لصق بالتراب من شدة الفقر وهذا يدل على أنه إن لم يكن مسكينا فليس ذا متربة مثل الطواف وشبهه ممن له البلغة والساعي في الاكتساب بالسؤال وممن ذهب إلى أن المسكين أحسن حالا من الفقير الأصمعي وأبو جعفر أحمد بن عبيد وأبو بكر بن الأنباري وهو قول الكوفيين من الفقهاء أبي حنيفة وأصحابه ذكر ذلك عنهم الطحاوي وهو أحد قولي الشافعي وللشافعي قول آخر أن الفقير والمسكين سواء ولا فرق بينهما في المعنى وإن افترقا في الاسم وإلى هذا ذهب بن القاسم وسائر أصحاب مالك في تأويل قول الله عز وجل إنما الصدقات للفقراء التوبة وأما أكثر أصحاب الشافعي فعلى ما ذهب إليه الكوفيون في هذا الباب وذكر بن وهب قال أخبرنا أشهل بن حاتم عن بن عون عن محمد بن سيرين قال قال عمر ليس الفقير الذي لا مال له ولكن الفقير الأخلق الكسب قال أبو عمر قد بينا في التمهيد مثل قوله عليه قوله عليه السلام ليس المسكين بالطواف عليكم أن المعنى فيه ليس المسكين حق المسكين وأن من المساكين من ليس بطواف وأوضحنا هناك هذا المعنى بما فيه كفاية

واختلفوا فيمن تحل له الصدقة من الفقراء وما حد الغنى الذي تحرم به الصدقة على من بلغه فقال مالك ليس لهذا عندنا حد معلوم وسنذكر مذهبه فيمن يحرم السؤال عليه فيمن لا تحل له الصدقة عند ذكر حديث الأسدي إن شاء الله رواه مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد وأما الثوري فذهب إلى أن الصدقة لا تحل لمن يملك خمسين درهما على حديث بن مسعود وهو قول الحسن بن حي وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى من ملك مائتي درهم أنه تحرم عليه الصدقة المفروضة وحجتهم الحديث أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وقال الشافعي للرجل أن يأخذ من الصدقة حتى يستحق أقل اسم الغنى وذلك حين يخرج من الفقر والمسكنة وعنده أن صاحب الدار والخادم الذي لا غنى به عنهما ولا فضل فيهما يخرجه إلى حد الغنى أنه ممن يحل له الصدقة وهذا نحو قول مالك في ذلك وبه قال أبو ثور والكوفيون وقال عبيد الله بن الحسن من لا يكون عنده ما يقيمه ويكفيه سنة فإنه يعطى من الصدقة واختلفوا في مقدار ما يعطى المسكين الواحد من الزكاة فقال مالك الأمر فيه مردود إلى الاجتهاد من غير توقيت وقد روي عنه أنه يعطى من له أربعون درهما أوعد لها ذهبا وقال الليث يعطى مقدار ما يبتاع به خادما إذا كان ذا عيال وكانت الزكاة كثيرة وأما الشافعي فلم يحد حدا واعتبر ما يرفع الحاجة وسواء كان ما يعطاه تجب فيه الزكاة أم لا لأن الزكاة لا يجب على مالك النصاب إلا بمرور الحول وكان أبو حنيفة يكره أن يعطى إنسان واحد من الزكاة مائتي درهم

قال وإن أعطيته أجزأك ولا بأس أن تعطيه أقل من مائتي درهم وقال الثوري لا يعطى من الزكاة أحد أكثر من خمسين درهما وهذا قول الحسن بن حي وقول بن شبرمة كقول أبي حنيفة وكل من حد في أقل الغنى حدا ولم يحد فإنما هو ما لا غنى عنه من دار تحمله لا تفضل عنه أو خادم هو شديد الحاجة إليه وكلهم يجيز لمن كان له ما يكنه من البيوت ويخدمه من العبيد لا يستغنى عنه ولا فضل له من مال يتحرف به ويعرضه للاكتساب أن يأخذ من الصدقة ما يحتاج إليه ولا يكون غنيا به فقف على هذا الأصل فإنه قد اجتمع عليه فقهاء الحجاز والعراق وقد ذكرناه عن طائفة في التمهيد وأما قوله عز وجل والعاملين عليها التوبة فلا خلاف بين فقهاء الأمصار أن العامل على الصدقة لا يستحق جزءا معلوما منها ثمنا أو سبعا أو سدسا وإنما تعطى بقدر عمالته وأما أقاويلهم في ذلك فقد تقدم قول مالك في موطئة ليس للعامل على الصدقة فريضة مسماة إلا على قدر ما يرى الإمام وقال الشافعي العاملون عليها المتولون قبضها من أهلها فأما الخليفة ووالي الإقليم الذي يولي أخذها عاملا دونه فليس له فيها حق وكذلك من أعان واليا على قبضها ممن به الغنى عن معونته فليس لهم في سهم العاملين وسواء كان العاملون عليها أغنياء أم فقراء من أهلها كانوا أو غرباء قال ولا سهم فيها للعاملين معلوم ويعطون لعمالتهم عليها بقدر أجور مثلهم فيما تكلفوا من المشقة وقاموا به من الكفاية وقال أبو حنيفة وأصحابه يعطى العاملون على ما رأى الإمام وقال أبو ثور يعطى العاملون بقدر عمالتهم كان دون الثمن أو أكثر ليس في ذلك شيء موقت وأما قوله عز وجل والمؤلفة قلوبهم التوبة فقال مالك لا مؤلفة اليوم وقال الثوري أما المؤلفة قلوبهم فكانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة وأصحابه المؤلفة قلوبهم قد سقط سهمهم وليس لأهل الذمة في بيت المال حق

وقال الشافعي المؤلفة قلوبهم من دخل في الإسلام من ولاء ولا يعطى من الصدقة مشرك ليتألف على الإسلام ولا يعطى إن كان مسلما إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة لا تكون الطاعة للوالي قائمة فيها ولا يكون من يتولى الصدقة قويا على استخراجها إلا بالمؤلفة أو تكون بلاد الصدقة ممتنعة بالبعد وكثرة الأهل فيمتنعون عن الأذى ويكونوا قوما لا يوثق بثباتهم فيعطون منها الشيء على الاجتهاد من الإمام لا يبلغ اجتهاده في حال أن يزيدهم على سهم المؤلفة قلوبهم ولينقصهم منه إن قدر حتى يقوى بهم على أخذ الصدقات من أهلها وقال أبو ثور مثله وأما قوله عز وجل وفي الرقاب التوبة فقال مالك والأوزاعي لا يعطى المكاتب من الزكاة شيئا لأنه عبد ما بقي عليه درهم والعبد لا يعطى منها موسرا كان أو معسرا ولا من الكفارات من أجل أن ملك العبد عنده غير مستقر ولسيده انتزاعه هذا في الكفارات وأما في المكاتب فإنه ربما عجز فصار عبدا قال مالك ولا يعتق من الزكاة إلا رقبة مؤمنة ومن اشترى من زكاته رقبة مؤمنة فأعتقها كان ولاؤها لجماعة المسلمين وهو قول عبيد الله بن الحسن وقال أبو ثور لا بأس أن يشتري الرجل الرقبة من زكاته فيعتقها على عموم الآية وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وبن شبرمة لا يجزئ العتق من الزكاة ومعنى قول الله تعالى عندهم وفي الرقاب هم المكاتبون فإن أعطى المكاتب في أخذ كتابته ما يتم به عتقه كان حسنا وإن أعطاه في غير تلك الحال ثم عجز أجزته وقد روي عن مالك أنه يعان المكاتب وهو قول الطبري والأول هو تحصيل مذهب مالك وقال الشافعي الرقاب المكاتبون من جيران الصدقة فإن اتسع لهم السهم أعطو حتى يعتقوا وإن دفع ذلك الوالي إلى من يعتقهم فحسن وإن دفعه إليهم أجزأه وأما قوله عز وجل والغارمين التوبة فقد مضى قول بن القاسم في ذلك في صدر هذا الباب قال الشافعي الغارمون صنفان صنف أدانوا في مصلحة ومعروف وصنف دانوا في حمالات وصلاح ذات بين فيعطون منها ما تقضى به ديونهم إن لم تكن لهم عروض تباع في الديون

وأما قوله تعالى وفي سبيل الله التوبة فقال مالك وأبو حنيفة في سبيل الله مواضع الجهاد والرباط وقال أبو يوسف هم الغزاة وقال محمد بن الحسن من أوصى بثلثه في سبيل الله فللوصي أن يجعله في الحاج المنقطع به في سبيل الله وهو قول بن عمر عنده الحجاج والعمار وقال الشافعي في سهم سبيل الله يعطى منه من أراد الغزو من جيران أهل الصدقة فقيرا كان أو غنيا ولا يعطى منه غيرهم إلا أن يحتاج إلى الدفع عنهم فيعطاه من دفع عنهم المشركين لأنه يدفع عن جماعة أهل الإسلام وأما قوله تعالى وبن السبيل التوبة فقال مالك بن السبيل المسافر في طاعة ففقد زاده فلا يجد ما يبلغه وروي عنه أن بن السبيل الغازي وهو المشهور في مذهبه وقال الشافعي بن السبيل من جيران الصدقة الذين يريدون السفر في غير معصية فيعجزون عن بلوغ سفرهم إلا بمعونة عليه والمعنى فيه عند العلماء يتفاوت على ما قدمنا وأجمعوا على أنه لا يؤدى من الزكاة دين ميت ولا يكفن منها ولا يبنى منها مسجد ولا يشترى منها مصحف ولا يعطى لذمي ولا مسلم غني ولهم فيمن أعطى الغني والكافر وهو غير عالم قولان أحدهما أنه يجزئ والآخر أنه لا يجزئ باب ما جاء في أخذ الصدقات والتشديد فيها ذكر مالك أنه بلغه أن أبا بكر الصديق قال لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه قال أبو عمر هذا فيه حديث يتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم

أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن عقيل عن بن شهاب الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب قال عمر بن الخطاب لأبي بكر كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله فقال أبو بكر والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه فقال عمر بن الخطاب فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق قال أبو عمر رواه بن وهب عن يونس عن الزهري فقال عقالا كما قال عقيل قال أبو عمر قوله وكفر من كفر من العرب لم يخرج على كلام عمر لأن كلام عمر إنما خرج على من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله ومنع الزكاة وتأولوا قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة التوبة فقالوا المأمور بهذا رسول الله لا غيره وكانت الردة على ثلاثة أنواع قوم كفروا وعادوا إلى ما كانوا عليه من عبادة الأوثان وقوم آمنوا بمسيلمة وهم أهل اليمامة وطائفة منعت الزكاة وقالت ما رجعنا عن ديننا ولكن شححنا على أموالنا وتأولوا ما ذكرناه بدأ أبو بكر رضي الله عنه قتال الجميع ووافقه عليه جميع الصحابة بعد أن كانوا خالفوه في ذلك لأن الذين منعوا الزكاة قد ردوا على الله قوله تعالى فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة البقرة وردوا على جميع الصحابة الذين شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل في قوله عز وجل خذ من أموالهم صدقة تطهرهم التوبة ومنعوا حقا واجبا لله على الأئمة القيام بأخذه منهم واتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على قتالهم حتى يؤدوا حق الله في الزكاة كما يلزمهم ذلك في الصلاة إلا أن أبا بكر رضي الله عنه لما قاتلهم أجرى فيهم حكم من ارتد من العرب تأويلا واجتهادا فلما ولي عمر بن الخطاب رأى أن النساء والصبيان لا مدخل لهم في القتال الذي استوجبه مانع الزكاة حق الله وفي الأغلب أنهم لا رأي لهم في منع الزكاة

فرأى أنه لا يجوز أن يحكم فيهم بحكم المانعين للزكاة والمقاتلين دونها الجاحدين لها وعزر أبا بكر باجتهاده ولم يسعه في دينه أو بان له ما بان من ذلك أن يسترقهم بعدائهم وأطلق سبيلهم وذلك أيضا بمحضر الصحابة من غير نكير وهذا يدل على أن كل مجتهد معذور وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فدا كل امرأة وصبي كان بأيدي من سباه منهم وخير المرأة إن أرادت أن تبقى على نكاحه ينكحها الذي سباها بعد الحكم بعتقها وأما العقال فقال أبو عبيدة معمر بن المثنى هو صدقة عام وقال غيره هو عقال الناقة التي تعقل به وخرج كلامه على التقليل والمبالغة وقال بن الكلبي كان معاوية قد بعث عمرو بن عتبة بن أخيه مصدقا فجاز عليهم فقال شاعرهم سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا فكيف لو قد سعى عمرو عقالين وهذا حجة أن العقال صدقة سنة ومن رواه عناقا فإنما أراد التقليل أيضا لأن العناق لا يؤخذ في الصدقة عند طائفة من أهل العلم ولو كانت الغنم عناقا كلها وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في المسند قال حدثني أبي قال حدثنا زكريا بن عدي قال أخبرني عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن القاسم عن علي بن حسين قال حدثتنا أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فجاء رجل فقال يا رسول الله كم صدقة كذا وكذا قال كذا وكذا قال فإن فلانا تعدى علي قال فنظروا فوجدوه قد تعدى بصاع فقال النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بكم إذا سعى من يتعدى عليكم أشد من هذا التعدي قال أبو عمر كان يبكي ما يحل بأمته من بعده صلى الله عليه وسلم وذكر أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن الساجي في كتاب أحكام القرآن له قال حدثنا عبد الواحد بن غياث قال حدثنا أشعث بن براز قال

جاء رجل إلى الحسن فقال إني رجل من أهل البادية وإنه يبعث علينا عمال يصدقوننا ويظلموننا ويعتدون علينا ويقومون الشاة بعشرة وقيمتها ثلاثة ويقومون الفريضة مائة وثمنها ثلاثون فقال الحسن إن الصدقة لا تؤخذ إلا عفوا ولا تزاد إلا عفوا من أداها سعد بها ومن بخل بها شقي إن القوم والله لو أخذوها منكم ووضعوها في حقها وفي أهلها ما بالوا كثيرا أديتم أو قليلا ولكنهم حكموا لأنفسهم وأخذوا لها قاتلهم الله أنا يؤفكون يا سبحان الله ما لقيت هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم من منافق قهرهم واستأثر عليهم مالك عن زيد بن أسلم أنه قال شرب عمر بن الخطاب لبنا فأعجبه فسأل الذي سقاه من أين هذا فأخبره أنه ورد على ماء قد سماه فإذا نعم من نعم الصدقة وهم يسقون فحلبوا لي من ألبانها فجعلته في سقائي فهو هذا فأدخل عمر بن الخطاب يده فاستقاءه قال أبو عمر محملة عند أهل العلم أن الذي سقاه اللبن لما لم يكن من ماله وعلم أنه كان من مال الصدقة وكان عمر غنيا لا تحل الصدقة له وكان الذي سقاه إياه لم يملك اللبن ولم يكن من الذي يحل له الصدقة فاستقاءه ولم يبق في جوفه شيئا لا يحل له وهو قادر على دفعه ولم يقدر على أكثر من ذلك لأنه لم يكن كذلك اللبن ملك لمعين يعوضه منه أو يستحله وهو شأن أهل الورع والفضل والدين على انه لم يشربه إلا غير عامد ولا عالم وقد قال الله عز وجل وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم الأحزاب ولكنه لما علم أن الأموال تضمن بالخطأ ولم يجد مالكا يستحله منه أو يعوضه ولا كان ساقيه له ممن يصح له ملك الصدقة فيعد ذلك اللبن هدية منه له كما عد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أهدت إليه بريرة من اللحم الذي تصدق به عليها فحل ذلك له لصحة ملك بريرة لما تصدق به عليها لم يجد بدا من استقاءته رضي الله عنه ومع هذا كله فلعله قد أعطى مثل ما حصل في جوفه من اللبن أو قيمته للمساكين فهذا أشبه وأولى به إن شاء الله قال مالك الأمر عندنا أن كل من منع فريضة من فرائض الله عز وجل فلم

يستطع المسلمون أخذها كان حقا عليهم جهاده حتى يأخذوها منه قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء أن للإمام المطالبة بالزكاة وأن من أقر بوجوبها عليه أو قامت عليه بها بينة كان للإمام أخذها منه وعلى هذا يجب على من امتنع من أدائها ونصب الحرب دونها أن يقاتل مع الإمام فإن أتى القتال على نفسه فدمه هدر ويؤخذ منه ماله وقد أجمعوا في الرجل يقضي عليه القاضي بحق لآخر فيمتنع من أدائه فواجب على القاضي أن يأخذه من ماله فإن نصب دونه الحرب قاتله حتى يأخذه منه وإن أتى القتال على نفسه فحق الله الذي أوجبه للمساكين أولى بذلك من حق الآدمي وقول مالك رحمه الله عنده فيمن منع فريضة من فرائض الله عز وجل أن يجاهد إن لم يقدر على أخذها منه إلا بذلك هو معنى قول أبي بكر رضي الله عنه والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ولذلك رأى جماعة من أهل العلم قتل الممتنع من أداء الصلاة وقد أوضحنا ذلك في كتاب الصلاة وقول أبي بكر فإن الزكاة حق المال تفسير لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بحقها وحسابهم على الله يقول إن الزكاة من حقها وبالله التوفيق مالك أنه بلغه أن عاملا لعمر بن عبد العزيز كتب إليه يذكر أن رجلا منع زكاة ماله فكتب إليه عمر أن دعه ولا تأخذ منه زكاة مع المسلمين قال فبلغ ذلك الرجل فاشتد عليه وأدى بعد ذلك زكاة ماله فكتب إليه عمر أن خذها منه قال أبو عمر إن صح هذا عن عمر بن عبد العزيز فيحتمل والله أعلم أنه لم يعلم من الرجل إلا انه أبى من دفعها إلى عامله دون منعها من أهلها وأنه لم يكن عنده ممن يمنع الزكاة أو تفرس فيه فراسة المؤمن أنه لا يخالف جماعة المسلمين ببلده الدافعين لها إلى الإمام فكان كما ظن ولو صح عنده منعه للزكاة ما جاز له أن يتركها حتى يأخذها منه فهو حق للمساكين يلزمه القيام به لهم وهذا الباب فيمن منع الزكاة مقرى بها وأما من منعها جاحدا لها فهي ردة بإجماع ويأتي القول في المرتد في بابه إن

شاء الله وقد مضى في كتاب الصلاة ما فيه شفاء في هذا المعنى وليس من منع الزكاة كمن أبى من عمل الصلاة إذا حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان قال حدثنا علي بن سعيد قال حدثنا أبو رجاء سعيد بن حفص البخاري قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا عمر بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن بن عباس قال حماد ولا أظنه إلا رفعه قال عد الإسلام أو قال عد الدين وقواعده التي بني الإسلام عليها من ترك منهن واحدة فهو حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة وصوم رمضان ثم قال بن عباس تجده كثير المال ولا يزكي فلا يكون بذلك كافرا ولا يحل دمه وتجده كثير المال ولا يحج فلا تراه بذلك كافرا ولا يحل دمه باب زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب ذكر فيه مالك رحمه الله عن الثقة عنده عن سليمان بن يسار وعن بسر بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر قال أبو عمر هذا الحديث وإن كان في الموطأ منقطعا وبلاغا فإنه يتصل من وجوه صحاح ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بن عمر وجابر ومعاذ وأنس وقد ذكرتها عنهم في التمهيد قال يحيى بن آدم البعل ما كان من الكروم والنخل قد ذهبت عروقه في الأرض إلى الماء ولا يحتاج إلى السقي الخمس سنين والست يحتمل ترك السقي قال و العثري ما يزرع على السحاب ويقال له أيضا العثير لأنه لا يسقى إلا بالمطر خاصة وفيه جاء الحديث ما سقي عثريا أو غيلا

قال والغيل سيل دون السيل الكثير قال بن السكيت الماء الجاري على الكرم والغرب الدلو ومنه الحديث فيما سقي بالغرب والنضح وقال النضر بن شميل البعل ماء المطر ثم ذكر نحو قول يحيى بن آدم وقال أبو عبيد وغيره البعل ما شرب بعروقه من الأرض من غير سقي سماء ولا غيرها وفيه يقول النابغة من الواردات الماء بالقاع تستقي بأعجازها قبل استقاء الحناجر فإذا سقته السماء فهو عذي قال عبد الله بن رواحة هنالك لا أبالي طلع بعل ولا نخل أسافلها رواء وما سقته العيون والأنهار فهو سيح وغيل والعذي هو العثري وهذا ينصرف على ثلاثة أوجه بعل وغيل وسقي وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر فما سقته السماء عيون وعثري وما سقت الأنهار والعيون غيل وسيح وسقي والبعل ما شرب بعروقه من ثراء الأرض والنضح ما سقي بالسواقي والدلو والدالية ما كان نضحا فمؤنته أشد ولذلك كان فيه نصف العشر وأجمع العلماء على القول بظاهره في المقدار المأخوذ من الشيء المزكى وذلك العشر في البعل كله من الحبوب وكذلك الثمار التي تجب فيها الزكاة عندهم كل على أصله وكذلك ما سقت العيون والأنهار لأن المؤنة قليلة وكذلك أيضا وردت السنة

وأما ما سقي بالسواقي والدوالي فنصف العشر فيما تجب فيها الزكاة عندهم كل أيضا على أصله وسنبين أصولهم فيما فيه الزكاة عندهم في هذا الباب إن شاء الله واختلفوا في معنى آخر من هذا الحديث فقالت طائفة هذا الحديث يوجب العشر في كل ما زرعه الآدميون من الحبوب والبقول وكل ما أنبتته أشجارهم من الثمار كلها قليل ذلك وكثيره يؤخذ منه العشر أو نصف العشر على ما في هذا الحديث عند جذاذه وحصاده وقطافه كما قال الله تعالى وءاتوا حقه يوم حصاده الأنعام وذلك العشر أو نصف العشر وممن ذهب إلى هذا حماد بن سليمان ذكر ذلك عنه شعبة وأبو حنيفة وإليه ذهب أبو حنيفة وزفر في قليل ما تخرجه الأرض أو كثيره إلا الحطب والقصب والحشيش وقال أبو يوسف ومحمد لا شيء فيما تخرجه الأرض إلا ما كان له ثمرة باقية ثم تجب فيما يبلغ خمسة أوسق ولا تجب فيما دونها وذكر عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل قال كتب عمر بن عبد العزيز أن يؤخذ مما تنبت الأرض من قليل أو كثير العشر واعتبر مالك والثوري وبن أبي ليلى والليث والشافعي وأحمد وإسحاق خمسة أوسق وقال مالك الحبوب التي فيها الزكاة الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والحمص والعدس والجلبان واللوبيا والجلجلان وما أشبه ذلك من الحبوب التي تصير طعاما تؤخذ منها الصدقة بعد أن تحصد وتصير حبا قال وفي الزيتون الزكاة وقال الأوزاعي مضت السنة في الزكاة في التمر والعنب والشعير والسلت والزيتون فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا العشر وفيما سقي بالرشاء والناضح نصف العشر وقال الثوري وبن أبي ليلى ليس في شيء من الزروع والثمار زكاة إلا التمر والزبيب والحنطة والشعير وهو قول الحسن بن حي وقال الشافعي إنما تجب الزكاة فيما ييبس ويدخر ويقتات مأكولا ولا شيء في الزيتون لأنه إدام

وقال أبو ثور مثله وقال أبو داود أما ما يوسق ويجري فيه الكيل فيعتبر فيه خمسة أوسق ولا زكاة فيما دونها وأما ما لا يوسق ففي قليله وكثيره العشر أو نصف العشر مالك عن زياد بن سعد عن بن شهاب أنه قال لا يؤخذ في صدقة النخل الجعرور ولا مصران الفارة ولا عذق بن حبيق قال وهو يعد على صاحب المال ولا يؤخذ منه في الصدقة قال مالك ومثل ذلك مثل الغنم تعد بسخالها ولا يؤخذ السخل في الصدقة وهذا الحديث ذكره بن وهب في موطئه فقال حدثني عبد الجليل بن حميد عن بن شهاب قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف في هذه الآية ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون البقرة قال الجعرور ولون الحبيق قال وكان ناس يتيممون شر غلاتهم فيخرجونها في الصدقة فنهوا عن لونين الجعرور ولون الحبيق قال ونزلت ولا تيمموا البقرة قال أبو عمر قد أسنده عن بن شهاب سليمان بن كثير وسفيان بن حسين فروياه عن بن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا إسحاق قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا سليمان بن كثير عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لونين الجعرور ولون الحبيق وذكر تمام الخبر في معنى قول بن شهاب في الجعرور ولون الحبيق وقال سليمان بن كثير في حديثه وفيه نزلت ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون البقرة

وقال الحسن كان الرجل يتصدق برذالة ماله فنزلت هذه الآية وروي هذا المعنى عن جماعة من أهل العلم بتأويل القرآن وأجل من روي عنه ذلك البراء بن عازب قال أبو عمر هذا باب مجتمع عليه أنه لا يؤخذ هذان النوعان في الصدقة للتمر عن غيرهما فإن لم يكن معهما غيرهما أخذ منهما وكذلك الدني كله لا يؤخذ منه إذا كان معه غيره لأنه حينئذ يتيمم الخبيث إذا أخرج عن غيره فإن كان الثمر نوعين رديئا وجيدا أخذ من كل بحسابه ولم يؤخذ من الرديء عن الجيد ولا من الجيد عن الرديء وهذا كله معنى قول مالك والشافعي والكوفي وإن كان التمر أصنافا أخذ من الوسط قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يخرص من الثمار إلا النخيل والأعناب فإن ذلك يخرص حين يبدو صلاحه ويحل بيعه وذلك أن ثمر النخيل والأعناب يؤكل رطبا وعنبا فيخرص على أهله للتوسعة على الناس ولئلا يكون على أحد في ذلك ضيق فيخرص ذلك عليهم ثم يخلى بينهم وبينه يأكلونه كيف شاؤوا ثم يؤدون منه الزكاة على ما خرص عليهم وقال الشافعي في ذلك كقول مالك سواء في الكتاب المصري وقال بالقران يخرص الكرم والنخل فالحب والزيتون قياسا على النخل والعنب واتباعا لأنا وجدنا عليه الناس قلنا ولم يختلف مالك والشافعي وغيرهما في أن الحبوب كلها لا يخرص شيء منها وإنما اختلفا في الزيتون فمالك يرى الزكاة فيه من غير خرص على ما يأتي في الباب بعد هذا إن شاء الله وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد الخرص باطل ليس بشيء وعلى رب المال أن يؤدي عشره زاد أو نقص قال أبو عمر جمهور العلماء على أن الخرص للزكاة في النخل والعنب معمول به سنة معمولة ولم يختلفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرسل عبد الله بن رواحة وغيره إلى خيبر وغيرها يخرص الثمار والقول بأن ذلك منسوخ بالمداينة شذوذ

وكذلك شذ داود فقال لا يخرص إلا النخل خاصة ودفع حديث سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد وقال إنه منقطع لن يسمع منه ولا يأتي خرص العنب إلا في حديث عتاب المذكور وقال الليث لا يخرص إلا التمر والعنب وأهله أمناء على ما رفعوا إلا أن يهتموا فينصب للسلطان أمينا وقال محمد بن الحسن فيما روى عنه أصحاب الإملاء يخرص الرطب تمرا أو العنب زبيبا فإذا بلغ خمسة أوسق أخذ منهم العشر أو نصف العشر وإن لم يبلغ خمسة أوسق في الخرص لم يؤخذ منه شيء فأما قول مالك أما الحبوب لا تخرص فهو ما لا خلاف فيه بين العلماء وإنما اختلفوا فيما وصفنا وأما قوله في الجائحة أن الناس أمناء فيما يدعون منها فهذا لا خلاف فيها إلا أن يتبين كذب من يدعي ذلك فإن لم يبن كذبه وأوهم أحلف وأما ما يأكله الرجل من ثمره وزرعه قبل الحصاد والجذاذ والقطاف فقد اختلف العلماء هل يحسب ذلك عليه أم لا فقال مالك والثوري وأبو حنيفة وزفر يحسب عليه وقال أبو يوسف ومحمد إذا أكل صاحب الأرض وأطعم جاره وصديقه أخذ منه عشر ما بقي من الخمسة الأوسق التي فيها الزكاة ولا يؤخذ مما أكل وأطعم ولو أكل الخمسة الأوسق لم يجب عليه عشر فإن بقي منها قليل أو كثير فعليه نصف ما بقي أو نصف العشر وقال الليث في زكاة الحبوب يبدأ بها قبل النفقة وما أكل كذلك هو وأهله فلا يحسب عليه بمنزلة الرطب الذي ترك لأهل الحائط يأكلونه ولا يخرص عليهم وقال الشافعي يترك الخارص لرب الحائط ما يأكله هو وأهله رطبا لا يخرصه عليهم وما أكله وهو رطب لم يحسب عليه قال أبو عمر احتج الشافعي ومن وافقه بقول الله تعالى كلوا من ثمره إذا أثمر وءاتوا حقه يوم حصاده الأنعام واستدلوا على أنه لا يحسب المأكول قبل الحصاد بهذه الآية

واحتجوا بقوله عليه السلام إذا خرصتم فدعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع قال أبو عمر روى شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن قال سمعت عبد الرحمن بن مسعود بن نيار يقول جاء سهل بن أبي حثمة إلى مسجدنا فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع ومن حديث بن لهيعة وغيره عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خففوا في الخرص فإن في المال العرية والواطئة والأكلة والوصية والعامل والنوائب وروى الثوري عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار قال كان عمر بن الخطاب يأمر الخراص أن إخرصوا وارفعوا عنهم قدر ما يأكلون ولم يعرف مالك قدر هذه الآثار ومن الحجة له ما روى سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا حثمة خارصا فجاء رجل فقال يا رسول الله إن أبا حثمة قد زاد علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بن عمك يزعم أنك زدت عليه فقال يا رسول الله لقد تركت له قدر عرية أهله وما تطعمه المساكين وما تسقط الريح فقال قد زادك بن عمك وأنصفك فاحتج الطحاوي لأبي حنيفة ومالك فإن قال في هذا الحديث إنما ترك الذي ترك للعرايا والعرايا صدقة فمن هنا لم تجب فيها صدقة وهذا تعنيد من القول وظاهر الحديث بخلافه على أن مالكا يرى الصدقة في العرية إذا أعراها صاحبها قبل أن يطيب أول تمرها على المعري فإن عراها بعد فهي على المعرا إذا بلغت خمسة أوسق وأما ما احتج به الشافعي من قوله عز وجل كلوا من ثمره إذا أثمر وءاتوا حقه يوم حصاده الأنعام واستدل بأن المأكول أخضر لا يراعى في الزكاة

بهذه الآية فقد يحتمل عند مخالفة أن يكون معنى الآية آتوا حق جميع المأكول والباقي والظاهر مع الشافعي والآثار وأما الخبر في الخرص لإحصاء الزكاة والتوسعة على الناس في أكل ما يحتاجون إليه من رطبهم وعنبهم فذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت وذكرت شأن خيبر فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى اليهود فيخرص النخل حين يطيب أول التمر قبل أن يؤكل منه ثم يخير اليهود بأن يأخذوها بذاك الخرص أو يدفعونها إليهم بذلك وإنما كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفترق قال أبو عمر يقال إن قوله في هذا الحديث وإنما كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخرص لكي تحصى إلى آخره من قول بن شهاب وقيل من قول عروة وقيل من قول عائشة ولا خلاف في ذلك بين العلماء القائلين بالخرص لإحصاء الزكاة وكذلك لا خلاف بينهم أن الخرص على هذا الحديث في أول ما يطيب التمر ويزهى بحمرة أو صفرة وكذلك العنب إذا جرى فيه الماء وطاب أكله باب زكاة الحبوب والزيتون أما الحبوب فقد تقدم في الباب قبل هذا مذاهب العلماء فيها وسنزيد ذلك بيانا عنهم في هذا الباب إن شاء الله وأما الزيتون فذكر مالك أنه سأل بن شهاب عن الزيتون فقال فيه العشر قال مالك وإنما يؤخذ من الزيتون العشر بعد أن يعصر ويبلغ زيتونه خمسة أوسق فما لم يبلغ خمسة أوسق فلا زكاة فيه والزيتون بمنزلة النخيل ما كان منه سقته السماء والعيون أو كان بعلا ففيه العشر وما كان يسقى بالنضح ففيه نصف العشر ولا يخرص شيء من الزيتون في شجره قال أبو عمر هذا قوله في موطئه أن الزيتون لا يخرص ولا يخرص من الثمار

غير النخل والعنب ولا يخرص شيء من الحبوب ولم يختلف عنده شيء من ذلك إلا رواية شاذة في خرص الزيتون وهو قول الشافعي ببغداد قال يخرص النخل والعنب بالخير ويخرص الزيتون قياسا على النخل والعنب وقال في الكتاب المصري لا زكاة في الزيتون لأنه إدام ليس بقوت وهو قول أبي ثور وأبي يوسف ومحمد وأما أبو حنيفة فيرى أن الزيتون والرمان وغير ذلك من الثمار على ظاهر قوله عز وجل وهو الذي أنشأ جنات معروشات إلى آخر الآية الأنعام قال أبو عمر القول في خرص العنب ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو العباس الكديمي وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قالا جميعا حدثنا عبد العزيز بن السري الحافظ قال حدثنا بشر بن منصور عن عبد العزيز بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخرص العنب وآخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا وقال الأوزاعي مضت الزكاة في التمر أن الزكاة في العنب والزيتون فيما سقت السماء والأنهار فذكر معنى قول مالك سواء وقال الثوري لا زكاة في غير النخل والعنب من الثمار ولا في غير الحنطة والشعير من الحبوب وذكر عنه بن المنذر الزكاة في الزيتون فوهم عليه وكذلك أخطأ في ذلك أيضا على أبي ثور وفي الموطأ وسئل مالك متى يخرج من الزيتون العشر أو نصفه أقبل النفقة أم بعدها فقال لا ينظر إلى النفقة ولكن يسأل عنه أهله كما يسأل أهل الطعام عن الطعام ويصدقون بما قالوا فمن رفع من زيتونه خمسة أوسق فصاعدا أخذ من زيته العشر بعد أن يعصر ومن لم يرفع من زيتونه خمسة أوسق لم تجب عليه في زيته الزكاة وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم تؤخذ زكاة الزيتون من حبه إذا بلغ خمسة أوسق

وهو قول الشافعي ببغداد قيل لمحمد إن مالكا يقول إنما تؤخذ زكاته من زيته فقال ما اجتمع الباب على حبه فكيف على زيته قال أبو عمر من أوجب الزكاة على الزيتون فإنما قاله قياسا على النخل والعنب المجتمع على الزكاة فيهما والقائلون في الزيتون بالزكاة بن شهاب الزهري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد وهو أحد قولي الشافعي وقياس الزيتون على النخل والعنب غير صحيح عندي والله أعلم لأن التمر والزبيب قوت والزيتون إدام وقال مالك في الموطأ والسنة عندنا في الحبوب التي يدخرها الناس ويأكلونها أنه يؤخذ مما سقته السماء من ذلك وما سقته العيون وما كان بعلا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر إذا بلغ ذلك خمسة أوسق بالصاع الأول صاع النبي صلى الله عليه وسلم وما زاد على خمسة أوسق ففيه الزكاة بحساب ذلك قال مالك والحبوب التي فيها الزكاة الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والعدس والجلبان واللوبيا والجلجلان وما أشبه ذلك من الحبوب التي تصير طعاما فالزكاة تؤخذ منها بعد أن تحصد وتصير حبا قال والناس مصدقون في ذلك ويقبل منهم في ذلك ما دفعوا قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء فيما علمت أن الزكاة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب وقالت طائفة لا زكاة في غيرها روي ذلك عن الحسن وبن سيرين والشعبي وقال به من الكوفيين بن أبي ليلى وسفيان الثوري والحسن بن صالح وبن المبارك ويحيى بن آدم وإليه ذهب أبو عبيد وحجة من ذهب هذا المذهب ما رواه وكيع عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة

عن أبي موسى أنه كان لا يأخذ الزكاة إلا من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ومثل هذا يبعد أن يكون رأيا منه وقد روي ذلك عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا وأما الشافعي فقوله في زكاة الحبوب كقول مالك إلا أنها عنده أصناف يعتبر النصاب في كل واحد منها ولا يضم شيئا منها إلى غيره قطنية كانت أو غيرها وهو قول أبي ثور وستأتي مسألة ضم الحبوب في الزكاة من القطنية وغيرها في موضعها إن شاء الله واختلف عن أحمد بن حنبل فروي عنه نحو قول أبي عبيد وروي عنه مثل قول الشافعي وهو قول إسحاق والحجة لمن ذهب مذهبهما القياس على ما اجتمعوا عليه في الحنطة والشعير لأنه ييبس ويؤخذ قوتا قال الشافعي كل ما يزرع الآدميون وييبس ويدخر ثم يقتات مأكولا خبزا وسويقا وطبيخا ففيه الصدقة قال والقول في كل صنف جمع منه رديئا وجيدا انه يعتد بالجيد مع الرديء كما يعتد بذلك في التمر ويؤخذ من كل صنف بقدره والعلس عنده ضرب من الحنطة قال فإن أخرجت من أكمامها اعتبر فيها خمسة أوسق وإلا فإذا بلغت عشرة أوسق أخذت صدقتها لأنها حينئذ خمسة أوسق وقال فخير أهلها في ذلك فأبى ذلك اختاروا وأحملوا عليه ثم قال يسأل عن العلس أهل الحنطة والعلس وقال لا يؤخذ زكاة شيء منه ولا من غيره في سبيله قال ويضم العلس إلى الحنطة إلى أن يخرج من أكمامه وقال إسحاق كل حب يقتات وييبس ويدخر ففيه الصدقة وقال الليث كل ما يقتات ففيه الصدقة وعن الأوزاعي قال الصدقة من الثمار في التمر والعنب والزيتون ومن الحبوب في الحنطة والشعير والسلت

وروي عنه مثل قول مالك واختلف العلماء في ضم الحبوب بعضها إلى بعض في الزكاة فمذهب مالك أنه تجمع الحنطة والشعير والسلت بعضها إلى بعض يكمل النصاب في بعضها من بعض وكذلك القطنية كلها صنف واحد يضم بعضها إلى بعض في الزكاة وقال الشافعي لا تضم حبة عرفت باسم وهي في دون صاحبتها وهي خلافها ثابتة في الخلقة والطعم إلى غيرها ويضم كل صنف بعضه إلى بعض ردي إلى صنفه كالتمر إلى غيره والزبيب أسوده وأحمره والحنطة أنواعها من السمراء وغيرها وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور مثل قول الشافعي وقال الليث تضم الحبوب كلها القطنية وغيرها بعضها إلى بعض في الزكاة وكان أحمد بن حنبل ينهى عن ضم الذهب إلى الورق وضم الحبوب بعضها إلى بعض ثم كان في آخر عمره يقول فيها بقول الشافعي قال مالك ومن باع زرعه وقد صلح ويبس في أكمامه فعليه زكاته وليس على الذي اشتراه زكاة ولا يصلح بيع الزرع حتى ييبس في أكمامه ويستغني عن الماء قال مالك ومن باع أصل حائطه أو أرضه وفي ذلك زرع أو ثمر لم يبد صلاحه فزكاة ذلك على المبتاع وإن كان قد طاب وحل بيعه فزكاة ذلك على البائع إلا أن يشترطها على المبتاع وقال مالك في غير الموطأ ليحيى فيمن هلك وخلف زرعا فورثه ورثته إن كان الزرع قد يبس فالزكاة عليه إن كان فيه خمسة أوسق وإن كان الزرع يوم مات أخضر فإن الزكاة عليهم إن كان في حصة كل إنسان منهم خمسة أوسق وإلا فلا زكاة عليهم وحجة مالك في ذلك كله أن المراعاة في الزكاة إنما تجب بطيب أولها فقد باع ماله وحصة المساكين عنده معه فيحيل على أنه ضمن ذلك لهم ويلزمه هذا وجه النظر فيه وقال الأوزاعي في الرجل يبيع إبله أو غنمه بعد وجوب الزكاة فيها قال يقبض المصدق صدقتها ممن وجدها عنده وسع المبتاع البائع بالزكاة وقال الشافعي إذا باع قبل أن تطيب الثمرة فالبيع جائر والزكاة على المشتري

وإن باع بعد ما طابت الثمرة فالزكاة على البائع والبيع مفسوخ إلا أن يبيع تسعة أعشار الثمرة إن كانت تسقى بعين أو كانت بعلا وتسعة أعشارها ونصف عشرها إن كانت تسقى بغرب وهو قول أبي ثور وقال أبو حنيفة وأصحابه المشتري بالخيار في إنفاذ البيع ورده والعشر مأخوذ من الثمرة من يد المشتري ويرجع المشترى على البائع بقدر ذلك هذا إذا باعه بعد طيبه قال أبو حنيفة من باع زرعه فضلا ففضله المشتري فالعشر على البائع وإن تركه المشتري حتى صار حبا فهو على المشتري وذكر بن سماعة عن محمد بن الحسن قال إذا كان الذي باع ذلك لو تركه بلغ خمسة أوسق فعليه العشر إذا باعه وإن لم يبلغها فلا عشر فيه قال الشافعي إذا قطع التمر قبل أن يحل بيعه لم يكن فيه عشر وأما قوله لا يصلح بيع الزرع حتى ييبس في أكمامه ويستغني عن الماء فأكثر العلماء على إجازة بيع الزرع في سنبله إذا كان قائما قد يبس واستغنى عن الماء وحجتهم في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى يسود حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا أبو الوليد قال حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد وقال الشافعي لا يجوز بيعه حتى يدرس ويصفى وكذلك عند الشافعي إذا كان قائما ولأصحابه في رفع هذا الحديث كلام سيأتي في البيوع إن شاء الله وقد روى الربيع عن الشافعي أنه رجع إلى الحديث بالقول المذكور وأجاز البيع في الحب إذا يبس قائما والأشهر المعروف من مذهبه أنه لا يجوز بيع الحب حتى يصفى من تبنه ويمكن النظر إليه

وحجته أن حديث انس مضموم إليه النهي عن بيع الغرر والمجهول وما لا يتأمل وينظر إليه فدليل النهي عن الملامسة والمنابذة وكل ما لا ينظر إليه ولا يتأمل ولا يستبان فهو من بيوع الأعيان دون السلم الموصوف ومن حجته في رد ظاهر حديث أنس هذا حتى يضم إليه وصفنا قول الله تعالى في المطلقة المبتوتة حتى تنكح زوجا غيره البقرة وقوله صلى الله عليه وسلم لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ومعلوم أن المبتوتة لا تحل بنكاح الزوج حتى ينضم إلى ذلك طلاقة والخروج من عدتها وكذلك الحامل والحائض لا توطأ واحدة منهن حتى ينضم إلى الحيض والنفاس الطهر فكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحب حتى يشتد يعني ويصير حبا مصفى ينظروا إليه وبالله التوفيق قال مالك في قول الله تبارك وتعالى وءاتوا حقه يوم حصاده الأنعام أن ذلك الزكاة والله أعلم وقد سمعت من يقول ذلك قال أبو عمر اختلف العلماء في تأويل هذه الآية فقالت طائفة هو الزكاة وممن روي ذلك عنه بن عباس ومحمد بن الحنفية وزيد بن أسلم والحسن البصري وسعيد بن المسيب وطاوس وجابر بن زيد وقتادة والضحاك وقال آخرون هو أن يعطى المساكين عند الحصاد والجذاذ مع غير ما تيسر من غير الزكاة روي ذلك عن بن عمر وأبي جعفر محمد بن علي بن حنين وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقال النخعي والسدي الآية منسوخة بفرض العشر ونصف العشر باب ما لا زكاة فيه من الثمار ذكر في هذا الباب معنى ضم الحبوب بعضها إلى بعض من القطنية وغيرها وفسر ذلك واحتج له بما أغنى عن ذكره ها هنا فمن ذلك أنه قد فرق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بين القطنية والحنطة فيما

أخذ من النبط ورأى أن القطنية صنف واحد فأخذ منها العشر وأخذ من الحنطة والزبيب نصف العشر قال أبو عمر هذا ما فيه حجة على من جعل القطاني أصنافا مختلفة ولم يضمها وحجتهم أيضا على من جمع بين القطنية والحنطة وهو الليث ومن قال بقوله وأما من فرق بينهما فلا حجة عليه بهذا وقد تقدم ذكر القائلين بذلك كله في الباب قبل هذا على أنه لا حجة في ذلك على المخالف لأن عمر لو أخذ من الجميع العشر أو من الجميع نصف العشر لم يكن ذلك حجة على من ضم الأجناس والأنواع من الحبوب وغيرها ولا على من لم يضمها وإنما الحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وقد أجمعوا أنه لا يجمع تمر إلى زبيب فصار أصلا يقاس عليه ما سواه وبالله التوفيق وقد تقدم القول في ضم الحبوب بعضها إلى بعض وما للعلماء في ذلك من التنازع في الباب قبل هذا وأما قوله في الشريكين في النخل والزرع واعتباره في ملك كل واحد منهما نصابا وأنه لا تجب الزكاة على من لم تبلغ حصته منهما خمسة أوسق وأن من بلغت حصته خمسة أوسق فعليه الزكاة دون صاحبه الذي لم تبلغ حصته خمسة أوسق فهو قول أكثر أهل المدينة وبه قال الكوفيون وأبو ثور وأحمد على اختلاف عنه وقال الشافعي الشريكان في الذهب والورق والزرع والماشية يزكيان زكاة الواحد فإذا كان لهما خمسة أوسق وجبت عليهما الزكاة في النخل والعنب والحبوب والماشية وله في الذهب والفضة قولان أحدهما هذا وهو الأشهر عنه والآخر اعتداد النصاب لكل واحد منهما واحتج بأن السلف كانوا يأخذون الزكاة من الحوائط الموقوفة على الجماعة وليس في حصة واحد منهما ما تجب فيه الزكاة فالشركاء عنده أولى بهذا المعنى من الخلطاء في الماشية وقد ورد في السنة من الخلطاء في الماشية ما قد تقدم ذكره في باب الماشية والحجة لمالك رحمه الله ومن وافقه قوله عليه السلام ليس فيما دون

خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ولا فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة وهو أصح ما قيل في هذا الباب والله الموفق للصواب وأما قول مالك في هذا الباب السنة عندنا أن كل ما أخرجت زكاته من الحبوب كلها والتمر والزبيب أنه لا زكاة في شيء منه بمرور الحول عليه ولا في ثمنه إذا بيع حتى يحول عليه الحول كسائر العروض إلا أن يكون ذلك للتجارة هذا معنى قوله دون لفظه أمر مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه وقد تقدم القول في حكم العروض للتجارة وحكم الإدارة فيما تقدم من هذا الكتاب باب ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول قال مالك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي سمعت من أهل العلم انه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة الرمان والفرسك والتين وما أشبه ذلك وما لم يشبهه إذا كان من الفواكه قال ولا في القضب ولا في البقول كلها صدقة ولا في أثمانها إذا بيعت صدقة حتى يحول على أثمانها الحول من يوم بيعها ويقبض صاحبها ثمنها قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين أهل المدينة أنه ليس في البقول صدقة على ما قال مالك رحمه الله وأما أهل الكوفة فإنهم يوجبون فيها الزكاة على ما قد مضى ذكره عنهم واحتج بعض أتباعهم لهم بحديث صالح بن موسى عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أنبتت الأرض من الخضر الزكاة وهذا حديث لم يروه من ثقات أصحاب منصور واحد هكذا وإنما هو من قول إبراهيم وقد روي عن نافع صاحب مالك قال حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب فأما القثاء والبطيخ والرمان والقضب والخضر فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا حديث أيضا لا يحتج بمثله وإنما أصل هذا الحديث ما رواه الثوري عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن موسى بن طلحة أن معاذا لم يأخذ من الخضر صدقة وموسى بن طلحة لم يلق معاذا ولا أدركه ولكنه من الثقات الذين يجوز الاحتجاج بما يرسلونه عند مالك وأصحابه وعند الكوفيين أيضا قال أبو عمر ليس الزيتون عندهم من هذا الباب وأدخل التين في هذا الباب وأظنه والله أعلم بأنه ييبس ويدخر ويقتات ولو علم ذلك ما أدخله في هذا الباب لأنه أشبه بالتمر والزبيب منه بالرمان والفرسك وهو الخوخ ولا خلاف عن أصحابه أنه لا زكاة في اللوز ولا الجوز وما كان مثلهما وإن كان ذلك يدخر كما أن لا زكاة عندهم في الانماص ولا في التفاح ولا الكمثري ولا ما كان مثل ذلك كله مما لا ييبس ولا يدخر واختلفوا في التين فالأشهر عند أهل المغرب ممن يذهب مذهب مالك أنه لا زكاة عندهم في التين إلا عبد الله بن حبيب فإنه كان يرى فيه الزكاة على مذهب مالك قياسا على التمر والزبيب وإلى هذا ذهب جماعة من البغداديين المالكيين إسماعيل بن إسحاق ومن اتبعه وقد بلغني عن الأبهري وجماعة من أصحابه أنهم كانوا يفتون به ويرونه مذهب مالك على أصوله عندهم والتين مكيل يراعى فيه الأوسق الخمسة وما كان مثلها وزنا ويحكم في التين عندهم بحكم التمر والزبيب المجتمع عليهما وأما البقول والخضر والتوابل فلا زكاة في شيء منها عند مالك ولا عند أحد من أصحابه وقال الأوزاعي الفواكه كلها لا تؤخذ الزكاة منها ولكن تؤخذ من أثمانها إذا بيعت بذهب أو فضة

وقال الشافعي لا زكاة في شيء مما تثمره الأشجار إلا النخل والعنب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة منهما وكانا بالحجاز قوتا يدخر قال وقد يدخر الجوز واللوز ولا زكاة فيهما لأنهما لم يكونا بالحجاز قوتا كما علمت وإنما كانا فاكهة ولا زكاة في الفواكه ولا في البقول كلها ولا في الكرسف ولا القثاء والبطيخ لأنها فاكهة ولا في الرمان والفرسك ولا في شيء من الثمار غير التمر والعنب قال والزيتون إدام مأكول بنفسه فلا زكاة فيه قال أبو عمر هذا قوله بمصر وعليه أكثر أصحابه في الزيتون وله قول آخر قد ذكرناه عنه كان يقوله ببغداد قبل نزوله مصر وقول أبي يوسف ومحمد وأبي ثور في هذا الباب كله مثل قول الشافعي المصري ويراعون فيما يرون فيه الزكاة خمسة أوسق في الحنطة والشعير والسلت والتمر والزبيب والأرز والسمسم وسائر الحبوب وأما الخضر كلها والفواكه التي ليست لها ثمرة باقية كالبطيخ فإنه لا عشر فيها ولا نصف عشر وذلك بعد أن يرفع في أرض عشر دون أرض خراج وكان محمد بن الحسن يرى الزكاة في القطر وفي الزعفران والورس والعصفر والكتان ويعتبر في العصفر والكتان البذر فإذا بلغ قدرهما من القرطم والكتان خمسة أوسق كان العصفر والكتان تبعا للبذر ما وجد العشر أو نصف العشر وأما القطن فليس عنده في خمسة أحمال منه شيء والحمل ثلاثمائة من العراقي والورس والزعفران ليس فيما دون خمسة أمنان منهما شيء فإذا بلغ أحدهما خمسة أمنان كانت فيه الصدقة عشرا ونصف عشر وقال أبو حنيفة الزكاة واجبة في الفواكه كلها الرمان والزيتون والفرسك وكل ثمرة وكذلك كل ما تخرج الأرض وتنبت من البقول والخضر كلها والثمار إلا القصب والحطب والحشيش وحجته قول الله عز وجل وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وءاتوا حقه يوم حصاده الأنعام قال وحقه الزكاة ومن حجته أيضا قوله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء والبعل العشر الحديث

ولا يراعي أبو حنيفة إلا خمسة الأوسق من غير الحبوب والتمر والزبيب بل يرى في كل شيء عشرة حتى في عشر قبضان من البقل قبضة وهو قول إبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان واختلفوا في العنب الذي لا يزبب والرطب الذي لا يتمر وقال مالك في عنب مصر لا يتزبب ونخيل مصر لا يتمر وزيتون مصر لا يعصر ينظر إلى ما يرى أنه يبلغ خمسة أوسق وأكثر فيزكى ثمن ما باع من ذلك بذهب أو ورق وبلغ مائتي درهم أو عشرين دينارا أو لم يبلغ إذا بلغ خمسة أوسق قال مالك وكذلك العنب الذي لا يخرص على أهله وإنما يبيعونه عنه كل يوم في السوق حتى يجتمع من ثمن ما باع من ذلك الشيء الكثير فإنه يخرج من ذلك العشر أو نضف العشر إذا كان فيه خمسة أوسق وقال الشافعي إذا كان النخل يأكله أهله رطبا أو يطعمونه فإن كان خمسة أوسق وأكلوه أو أطعموه ضمنوا عشره أو نصف عشره من وسطه تمرا قال فإن كان النخل لا يكون رطبه تمرا أحببت أن يعلم ذلك الوالي ليأمر من يبيع عشره رطبا فإن لم يفعل خرصه ثم صدق ربه بما بلغ رطبه وأخذ عشر الرطب ثمنا باب صدقة الخيل والرقيق والعسل أجمع العلماء على أن لا زكاة على أحد في رقيقه إلا أن يكون اشتراهم للتجارة فإن اشتراهم للقنية فلا زكاة في شيء منهم وقد مضى القول في زكاة العروض في موضعه من هذا الكتاب والحمد لله روى مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة

هكذا هذا الحديث لسليمان بن يسار عن عراك بن مالك لا خلاف في ذلك وفي رواية عبيد الله بن يحيى عن أبيه عن مالك وهم وخطأ وهو خطأ غير مشكل لم يلتفت إليه في الرضاع ولا غيره لظهور الوهم فيه وذكر أنه قال فيه وعن عراك بن مالك فأدخل فيه الواو وقد فعل ذلك في حديث الرضاع فلم يلتفت أحد من أهل الفهم إلى ذلك والحديث صحيح من نقل الأئمة الحفاظ عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عراك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا رواه الحفاظ الثوري وغيره كما رواه مالك وقد زاد فيه بعض رواته إلا صدقة الفطر وستأتي زكاة الفطر عن العبيد في باب من تجب عليه زكاة الفطر إن شاء الله وأما حديث مالك عن بن شهاب عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة فأبى ثم كلموه أيضا فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم وارزق رقيقهم ففي إباء إياه أبي عبيدة وعمر في الأخذ من أهل الشام ما ذكروا عن رقيقهم وخيلهم دلالة واضحة أنه لا زكاة في الرقيق ولا في الخيل ولو كانت الزكاة واجبة في ذلك ما امتنعا من أخذ ما أوجب الله عليهم أخذه لأهله ووضعه فيهم فلما ألحوا على أبي عبيدة في ذلك وألح أبو عبيدة على عمر استشار الناس في أمرها فرأى أن أخذها منهم عمل صالح له ولهم على ما شرط أن يردها عليهم يعني على فقرائهم ومعنى قوله وارزق رقيقهم يعني الفقير منهم والله أعلم وقيل في معنى وارزق رقيقهم عبيدهم وإماءهم أي ارزقهم من بيت المال واحتج قائلو هذا القول بأن أبا بكر الصديق كان يقرض للسيد وعبده من الفيء وكان عمر يقرض للسيد وللعبد وسلك سبيلهما في ذلك الخليفة بعدهما وهذا الحديث يعارض ما روي عن عمر في زكاة الخيل ولا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار أوجب الزكاة في الخيل إلا أبا حنيفة فإنه أوجبها في الخيل السائمة

فقال إذا كانت ذكورا وإناثا ففيها الصدقة في كل فرس وإن شاء قومها وأعطى من كل مائتي درهم خمسة دراهم وحجته ما يروى عن عمر في ذلك ذكر عبد الرحمن عن بن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن جبير بن يعلى أخبره أنه سمع بن يعلى بن أمية يقول ابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلى بن أمية من رجل من أهل اليمن فرسا أنثى بمائة قلوص فندم البائع فلحق بعمر فقال غصبني يعلى وأخوه فرسا لي فكتب عمر إلى يعلى أن الحق بي فأتاه فأخبره الخبر فقال عمر إن الخيل لتبلغ هذا عندكم فقال ما علمت فرسا قبل هذا بلغ هذا فقال عمر نأخذ من أربعين شاة شاة ولا نأخذ من الخيل شيئا خذ من كل فرس دينارا فضرب على الخيل دينارا دينارا وحديث مالك المتقدم ذكره يرد هذا ويعارضه بسقط الحجة بهما والحجة الثانية عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ومن حجة أبي حنيفة أيضا ما رواه عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني بن أبي حسين أن بن شهاب أخبره أن عثمان كان يصدق الخيل وأن السائب بن يزيد أخبره أنه كان يأتي عمر بن الخطاب بصدقة الخيل قال بن شهاب لم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن صدقة الخيل قال أبو عمر قد روى جويرية عن مالك فيه حديثا صحيحا ذكره الدارقطني عن أبي بكر الشافعي عن معاذ بن المثنى عن عبد الله بن محمد بن أسمى عن جويرية عن مالك عن الزهري أن السائب بن يزيد أخبره قال لقد رأيت أبي يقيم الخيل ثم يرفع صدقتها إلى عمر وذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا بن أخي جويرية قال حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن السائب بن يزيد أخبره قال رأيت أبي يقيم الخيل ثم يرفع صدقتها إلى عمر

قال أبو عمر هذا يمكن أن يكون خاصا بالخيل لللتجارة والحجة قائمة لما قدمنا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة وحديث علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد عفوت عنكم عن صدقة الخيل والرقيق وقال علي وبن عمر لا صدقة في الخيل وإذا كان الخلاف بين الصحابة في مسألة وكانت السنة في أحد القولين كانت الحجة فيه على أن عمر قد اختلف عنه فيه ولم يختلف عن علي وبن عمر في ذلك وهو قول سعيد بن المسيب ذكر مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال سألت سعيد بن المسيب عن صدقة البراذين فقال وهل في الخيل من صدقة والدليل على ضعف قول أبي حنيفة فيها أنه يرى الزكاة في السائمة منها ثم يقوموها وليست هذه سنة زكاة الماشية السائمة وقد جاء بعده صاحباه في ذلك أبو يوسف ومحمد فقالا لا زكاة في الخيل سائمة وغيرها وهو قول مالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وسائر العلماء ومن حجة أبي حنيفة ومن رأى الصدقة في الخيل ما رواه بن عيينة عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر أمر أن يؤخذ عن الفرس شاتان أو عشرون درهما رواه الشافعي وغيره عنه وأما العسل فالاختلاف في وجوب الزكاة فيه بالمدينة معلوم

ذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء بن أخي جويرية بن أسماء قال حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن صدقة العسل العشر وأن صدقة الزيت مثل ذلك وممن قال بإيجاب الزكاة في العسل الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وهو قول ربيعة وبن شهاب ويحيى بن سعيد إلا أن الكوفيين لا يرون فيه الزكاة إلا أن يكون في أرض العشر دون أرض الخراج وروى بن وهب عن يونس عن بن شهاب أنه قال بلغني أن في العسل العشر قال وهب وأخبرني عمر بن الحارث عن يحيى بن سعيد وربيعة بمثل ذلك قال يحيى أنه سمع من أدرك يقول مضت السنة بأن في العسل العشر وهو قول بن وهب وأما مالك والثوري والحسن بن حي والشافعي فلا زكاة عندهم في شيء من العسل وضعف أحمد بن حنبل الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ منه العشر قال أبو عمر هو حديث يرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه من عشر قرب قربة ويروي أبو سيارة المتعي عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه فأما حديث عمرو بن شعيب فهو حديث حسن رواه بن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن فقراء من بني سيارة بطن من فهم كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحلهم من كل عشرة قرب قربة وجاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله بعشر نحل له وسأله أن يحمي واديا له فحماه له فلما ولي عمر بن الخطاب استعمل على ذلك سفيان بن عبد الله الثقفي فأبوا أن يؤدوا إليه شيئا وقالوا إنما كنا نؤديه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب سفيان إلى عمر بذلك فكتب عمر إنما النحل ذباب غيث يسوقه الله عز وجل إلى من شاء فإن أدوا إليك ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحم لهم بواديهم وإلا

فخل بين الناس وبينه قال فأدوا إليه ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمى لهم بواديهم وذكره أبو داود من رواية عمر بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بمعناه وأما حديث أبي سيارة المتعي فإنه يرويه سليمان بن موسى عن أبي سيارة المتعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن يؤخذ من العسل العشر كان حديثا منقطعا لم يسمع سليمان بن موسى من أبي سيارة ولا يعرف أبو سيارة هذا ولا تقوم بمثله حجة باب جزية أهل الكتاب والمجوس ذكر فيه مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين وأن عمر أخذها من مجوس فارس وأن عثمان أخذها من البربر هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته وكذلك معمر عن بن شهاب ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد ورواه بن وهب عن يونس عنه بن شهاب عن سعيد بن المسيب وقد ذكرناها بأسانيدها في التمهيد وذكر مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب وهذا الحديث قد رواه أبو علي الحنفي عن مالك عن جعفر بن محمد عن

أبيه عن جده وهو أيضا منقطع والصحيح عن مالك ما في الموطأ وفي حديث جعفر من الفقه أن الخبر العالم قد يجهل ما يجد عند من هو دونه في العلم وفيه انقياد العالم إلى العلم حيث كان وفيه إيجاب العمل بخبر الواحد وأما قوله سنوا فيهم سنة أهل الكتاب فهو من الكلام الخارج مخرج العموم والمراد منه الخصوص لأنه إنما أراد سنوا بهم سنة أهل الكتاب في الجزية لا في نكاح نسائهم ولا في أكل ذبائحهم وهذا لا خلاف فيه بين العلماء إلا شيء يروى عن سعيد بن المسيب أنه لم ير بذبح المجوس لشاة المسلم إذا أمره المسلم بذبحا بأسا والناس على خلافه والمعنى عند طائفة من الفقهاء في ذلك أن أخذ الجزية صغار لهم وذلة لكفرهم وقد ساووا أهل الكتاب في الكفر بل هم أشد كفرا فوجب أن يجروا مجراهم في الذل والصغار لأن الجزية لم تؤخذ من الكتابيين رفقا بهم وإنما منهم تقوية للمسلمين وذلا للكافرين وليس نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم من هذا الباب لأن ذلك مكرمة بالكتابيين لموضع كتابهم واتباعهم الرسل عليهم السلام فلم يجز أن يحلق بهم من لا كتاب له في هذه المكرمة هذه جملة اعتل بها أصحاب مالك وغيرهم ولا خلاف بين علماء المسلمين أن الجزية تؤخذ من المجوس لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس أهل البحرين ومن مجوس هجر وفعله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم واختلف الفقهاء في مشركي العرب ومن لا كتاب له هل تؤخذ منهم الجزية أم لا فقال مالك تقبل الجزية من جميع الكفار عربا كانوا أو عجما لقوله الله عز وجل من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون التوبة قال وتقبل من المجوس بالسنة وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور وأحمد وداود وإليه ذهب عبد الله بن وهب

وقال الأوزاعي ومالك وسعد بن عبد العزيز إن الفرازنة ومن لا دين له من أجناس الرتك والهند وعبدة النيران والأوثان وكل جاحد ومكذب بدين الله عز وجل يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية فإن بذلوا الجزية قبلت منهم وكانوا كالمجوس في تحريم مناكحهم وذبائحهم وسائر أمورهم قال أبو عبيد كل عجمي تقبل منه الجزية إن بذلها ولا تقبل من العرب إلا من كتابهم وحجة من رأى الجزية القياس على المجوس لأنهم في معناهم في أن لا كتاب لهم وقد تقدمت حجة الشافعي ومن قال بقوله وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة أهل الكتاب دليل على أنهم ليسوا أهل كتاب وعلى ذلك جمهور العلماء ومما احتجوا به قول الله تعالى إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا الأنعام يعني اليهود والنصارى وقوله عز وجل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل المائدة قالوا فلا أهل كتاب إلا أهل التوراة والإنجيل وقد روي عن الشافعي أنهم كانوا أهل كتاب فبدلوه وأظنه ذهب في ذلك إلى ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من وجه فيه ضعف يدور على أبي سعد البقال واسمه سعيد بن المرزبان وليس بقوي عندهم وقد سئل عنه أبو زرعة الرازي عنه فقال صدوق مدلس وقال مرة لين الحديث فيه ضعف قيل هو صدوق قال نعم كان لا يكذب وقد ذكرنا ذلك الحديث في التمهيد ومن ذهب إلى أن المجوس أهل كتاب قال في قوله صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة أهل الكتاب يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد سنوا بهم سنة أهل الكتاب الذين يعلم كتابهم على ظهور واستفاضة وأما المجوس فعلم كتابهم على خصوص وقد أنزل الله تعالى كتبا وصحفا على جماعة من أنبيائه منها زبور داود وصحف إبراهيم وأي الأمرين كان فلا خلاف بين العلماء أن المجوس تؤخذ منهم الجزية والآثار في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلة ومرسلة من المتصلة حديث شهاب ذكره موسى بن عقبة عنه حدثني عروة عن

المسور بن مخرمة أنه أخبره أن عمرو بن عوف وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان قد شهد بدرا أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان قد صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وذكر الحديث والدليل على أن أهل البحرين مجوس ما رواه قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مجوس البحرين يدعوهم إلى الإسلام فمن أسلم منهم قبل منه ومن أبى وجبت عليه الجزية ولا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة وقد ذكرنا الآثار بهذا المعنى في التمهيد مسندة ومرسلة واختلف العلماء في مقدار الجزية فروي مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهما مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام وذهب إلى ذلك وقال عطاء بن أبي رباح التوقيت في ذلك إنما هو على ما صولحوا عليه وكذلك قاله يحيى بن آدم وأبو عبيد والطبري إلا أن الطبري قال أقله دينار وأكثره لا حد له إلا الإجحاف والاحتمال قالوا الجزية على قدر الاحتمال بغير توقيت يجتهد في ذلك الإمام ولا يكلفهم ما لا يطيقون هذا معنى قولهم وأظن من ذهب إلى هذا القول يحتج بحديث عمرو بن عوف الذي قدمنا ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين على الجزية وبما رواه محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة فأخذوه وأتي به فحقن له دمه وصالحه على الجزية وبحديث السدي عن بن عباس في مصالحة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران ولما رواه معمر عن بن شهاب ان النبي صلى الله عليه وسلم صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا ما كان من العرب

ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث بهذا اللفظ عن بن شهاب إلا معمرا وقد جعلوه وهما منه وقال الشافعي المقدار في الجزية دينار دينار على الغني والفقير من الأحرار والبالغين وحجته في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر وهي ثياب باليمن وهو المبين عن الله عز وجل مراده في قوله تعالى حتى يعطوا الجزية التوبة فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدار ما يؤخذ من كل واحد منهم بحديث معاذ هذا ومن أحسن أسانيده ما حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا النفيلي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن معاذ الحديث قال الشافعي وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز إذا طابت بذلك أنفسهم قال وإن صولحوا على ضيافة ثلاثة أيام جاز إذا كانت الضيافة معلومة في الخبز والشعير والتبن والإدام وذكر ما على الوسط من ذلك وما على الموسر وذكر موضع النزول والكن من البرد والحر قال أبو عمر هذا تفسير لقول عمر ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام ومعنى قوله أرزاق المسلمين يريد رفد أبناء السبيل وعدتهم ثم أخبرهم أن الضيافة ثلاثة أيام لا زيادة والله أعلم وقال مالك لا يزاد على ما فرض عمر عليهم ولا ينقص إلا أن مذهبه ومذهب غيره من العلماء فيمن لا يقدر على الجزية لشدة فقره وضع عنه أو خفف ولا يكلف ما لا يطيق وقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأحمد بن حنبل الجزية اثنا عشر وأربعة وعشرون وستة وأربعون يعنون أن على الفقير اثنا عشر وعلى الوسط أربعة وعشرون وعلى الغني ستة وأربعون

روى السدي وشعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب أن عمر بن الخطاب بعث عثمان بن حنيف فوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثنا عشر يعني درهما وقال الثوري جاء عن عمر بن الخطاب في ذلك ضرائب مختلفة فللوالي أن يأخذ بأيها شاء إذا كانوا ذمة وأما أهل الذمة فما صولحوا عليه لا غير ذكره الأشجعي والفريابي وعبد الرزاق عن الثوري وزاد عبد الرزاق وذلك إلى الوالي يزيد عليهم بقدر يدهم ويضع بقدر حاجتهم وليس لذلك وقت مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب إن في الظهر ناقة عمياء فقال عمر ادفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها قال فقلت وهي عمياء فقال عمر يقطرونها بالإبل قال فقلت كيف تأكل من الأرض قال فقال عمر أمن نعم الجزية هي أم من نعم الصدقة فقلت بل من نعم الجزية فقال عمر أردتم والله أكلها فقلت إن عليها وسم الجزية فأمر بها عمر فنحرت وكان عنده صحاف تسع فلا تكون فاكهة ولا طريفة إلا جعل منها في تلك الصحاف فبعث به إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الذي يبعث به إلى حفصة ابنته من آخر ذلك فإن كان فيه نقصان كان في حظ حفصة قال فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور فبعث به إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بما بقي من لحم تلك الجزور فصنع فدعا عليه المهاجرين والأنصار قال مالك لا أرى أن تؤخذ النعم من أهل الجزية إلا في جزيتهم أما قوله إن في الظهر ناقة عمياء فإنه يعني أن في الإبل التي من مال الله وهي التي جاءت من الصدقة ناقة عمياء كلمة عميت معلومة أنها عمياء إذا أخذها من له أخذها فظن عمر أنها من نعم الصدقة وأمر أن يعطاها أهل بيت فقراء ينتفعون بلبنها وتحميلها إن شاؤوا لأن الصدقة وجد فيها أسنان الإبل في فرائضها فلا يوجد في الجزية إلا كما يوجد العروض بالغنيمة فلما علم عمر رضي الله عنه أنها من نعم الجزية حمله الإشفاق والحذر على أن قال ما قال وعلم أسلم فحوى كلامه ومعناه فلم ينل ذلك فقال له إن عليها وسم الجزية كأنه زاده تعريفا واستظهارا عن جوابه في تبيين أنهم أرادوا أكلها

ويحتمل أن يكون فيه حرجا على عادة العرب في روح كلامها لا والله وبلى والله وهو المتبع عند أكثر أهل العلم وفي قوله كيف تأكل من الأرض يعني وهي عمياء لا ترعى دليل على أنها مما لا بد من نحرها وأنه لا ينتفع في غير ذلك بها وأمر بها عمر فنحرت وقسمها قسمته العادلة على الأغنياء وأهل السابقة على المعروف من مذهبه في تفضيلهم في قسمته الفيء عليهم وعلى ذلك كان عثمان رضي الله عنه وكان تفضيله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم تفضيلا نبيلا لموضعهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم من سائر المسلمين لأنهن أمهاتهم وأما علي فذهب في قسمة الفيء إلى التسوية إلى أهل السابقة وغيرهم على ما كان عليه أبو بكر في ذلك روى معن بن عيسى قال حدثني أسامة بن زيد عن زيد بن أسلم عن عروة عن عائشة قالت قسم أبو بكر رضي الله عنه للرجل عشرة ولزوجه عشرة ولعبده عشرة ولخادم زوجته عشرة ثم قسم السنة المقبلة لكل واحد منهم عشرين عشرين وروي عن بن أبي ذئب عن خالد بن الحارث بن عبد الرحمن بن مرة مولى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال قسم لي أبو بكر مثل ما قسم لسيدي والأحاديث عن أبي بكر في تسويته في قسمة الفيء بين العبد والحر والشريف والمضروب والرفيع والوضيع كثيرة لا تختلف عنه في ذلك وكذلك سيرة علي رضي الله عنه والآثار عنه أيضا بذلك كثيرة لا تختلف ذكر أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا حيان بن بشر قال حدثنا يحيى قال حدثنا قيس عن أبي إسحاق قال كان عمر يفضل في العطاء وكان علي لا يفضل قال عمر بن شبة وحدثني محمد بن جبير قال حدثنا إبراهيم بن المختار قال حدثنا عنبة بن الأزهر عن يحيى بن عقيل الخزاعي عن أبي يحيى قال قال علي رضي الله عنه إني لم أعن بتدوين عمر الدواوين ولا تفضيله ولكني أفعل كما كان خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كان يقسم ما جاءه بين المسلمين ثم يأمر ببيت المال فينضح ويصلي فيه

قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا خالد بن أبي عمرو قال حدثنا أنس بن سيرين أن عليا رضي الله عنه كان يقسم الأموال حتى يفرغ بيت المال فيرش له فيجلس فيه قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا سليمان بن مسلم العجلي قال سمعت أبي يذكر أنه شهد عليا أعطى أربعة أعطيات في سنة واحدة ثم نضح بيت المال فصلى فيه ركعتين وأما عمر وعثمان رضي الله عنهما فكانا يفضلان وكان عمر أول من دون الدواوين ففضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس أجمعين ففرض لهن اثني عشر ألف درهم وفرض لأهل بدر المهاجرين خمسة آلاف درهم وللأنصار البدريين أربعة آلاف وقد روي عنه من وجوه أيضا أنه فضل العباس وعليا والحق الحسن والحسين في أربعة آلاف وقيل إنه الحق أسامة بن زيد ومحمد بن عبد الله بن جحش وعمر بن أبي سلمة بهما وجعل عبد الله بن عمر في ثلاثة آلاف فكلمه في ذلك وقال شهدت ما لم يشهد أسامة وما شهد مشهدا إلا شهدته فلم فضلته علي فقال كان أبوه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك وكان أسامة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك وقد روي أنه لم يفرد لأسامة ومحمد بن عبد الله بن جحش وعمر بن أبي سلمة إلا ألفين والآثار عنه في قسمته وسيرته في الفيء وتفضيله كثيرة لم تختلف في التفضيل ولكنها اختلفت في مبلغ العطاء ولم تختلف الآثار عنه فيما علمت أنه فرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم اثنى عشر ألفا ولكنه لم يلحق بهن أحدا وروي عنه أنه جعل العباس في عشرة آلاف وذكر عمر قال حدثنا محمد بن حاتم قال حدثنا علي بن ثابت قال حدثني موسى بن ثابت بن عيينة عن إسماعيل بن عمر قال لما فرض عمر بن الخطاب الديوان جاءه طلحة بن عبيد الله بنفر من بني تميم ليفرض لهم وجاءه رجل من الأنصار بغلام مصفر سقيم فقال عمر للأنصار من هذا الغلام قالوا هذا بن أخيك هذا بن أنس بن النضر قال عمر مرحبا وأهلا وضمه إليه وفرض له ألفا

فقال له طلحة يا أمير المؤمنين انظر في أصحابي هؤلاء قال نعم يفرض له في ستمائة ستمائة فقال طلحة والله ما رأيتك كاليوم أي شيء هذا فقال عمر أنت يا طلحة تظنن أني أنزل هؤلاء منزلة هذا هذا بن من جاءنا يوم أحد أنا وأبو بكر وقد أشيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل فقال يا أبا بكر ويا عمر ما لي أراكما واجفان إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل فإن الله حي لا يموت ثم ولى بسيفه فضرب عشرين ضربة عدها في وجهه ثم قتل شهيدا وهؤلاء قتل آباؤهم على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف أجعل بن من قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كابن من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ الله أن نجعله بمنزلة سواء قال أبو عمر كان يفضل أهل السوابق ومن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة ومنزلة في العطاء وكان أبو بكر يقول أجر أولئك على الله وأما ما جاء في تفضيله أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الناقة العمياء وأنه لم يطبخ للمهاجرين والأنصار منها إلا ما فضل عنهن فهذه كانت سيرته في قسمته المال على أهله والجزية ركن من أركان الفيء والفيء حلال للأغنياء بإجماع من العلماء وأما حديث مالك في هذا الباب أنه بلغه عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله أن يضعوا الجزية عمن أسلم من أهل الجزية حين يسلمون فأجمع العلماء على أن الذمي إذا أسلم فلا جزية عليه فيما يستقبل واختلفوا فيه إذا أسلم في بعض الحول أو مات قبل أن يتم حوله فقال مالك إذا أسلم الذمي أو مات سقط عنه كل ما لزمه من الجزية لما مضى وسواء اجتمع عليه محول أو أحوال وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وعبيد الله بن الحسن وقال الشافعي وبن شبرمة إذا أسلم في بعض السنة أخذ منه بحساب وقال الشافعي إن أفلس غريم من الغرماء وقول أحمد بن حنبل في هذه المسألة كقول مالك وهو الصواب إن شاء الله

على عموم قوله صلى الله عليه وسلم ليس على المسلم جزية وعلى ظاهر قول عمر ضعوا الجزية عمن أسلم لأنه لا يوضع عنه إلا ما مضى وأما قوله في هذا الباب مضت السنة أن لا جزية على نساء أهل الكتاب ولا على صبيانهم وأن الجزية لا تؤخذ إلا من الرجال الذين قد بلغوا الحلم فهذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم فيه أن الجزية إنما تضرب على البالغين من الرجال دون النساء والصبيان وكذلك قول مالك وليس على أهل الذمة ولا المجوس في نخلهم ولا كرومهم ولا زروعهم ولا مواشيهم صدقة لأن الصدقة إنما وضعت على المسلمين تطهيرا لهم وردءا على فقرائهم ووضعت الجزية على أهل الكتاب صغارا لهم فهذا أيضا إجماع من العلماء إلا أن منهم من رأى تضعيف الصدقة على بني تغلب دون جزية وهو فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما روى عنه أهل الكوفة وممن ذهب إلى تضعيف الصدقة على بني تغلب دون جزية الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل قالوا يؤخذ منهم كل ما يؤخذ من المسلم مثلاها حتى في الركاز ويؤخذ منهم فيه الخمسان ومما يؤخذ من المسلم فيه العشر أخذ فيه عشران وما أخذ من المسلمين ربع العشر أخذ منهم نصف العشر ويجري ذلك على أموالهم وعلى نسائهم بخلاف الجزية وقال زفر لا شيء على نساء بني تغلب في أموالهم وليس عن مالك في بني تغلب شيء منصوص وبني تغلب عند جماعة أصحابه وغيرهم من النصارى سواء في أخذ الجزية منهم وقد جاء عن عمر بن الخطاب أنه إنما فعل ذلك لهم لئلا ينظروا أجناسهم قد فعلوا ذلك فلا عهد لهم كذلك قال داود بن كردوس وهو راوية عمر في بني تغلب وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني خلاد أن عمرو بن شعيب

أخبره أن عمر بن الخطاب كان لا يدع يهوديا ولا نصرانيا ينصر ولده ولا يهوده في بلاد العرب وعن بن التيمي عن أبي عوانة عن الكلبي عن الأصبغ بن نباتة عن علي قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صالح نصراني بني تغلب على أن لا ينصروا الأبناء فإن فعلوا فلا عهد لهم قال وقال علي لو قد عرفت لقاتلتهم قال عبد الرزاق وأخبرنا معمر عن أيوب عن بن سيرين عن عبيدة السلماني أن عليا كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب وهو لأنهم لم يتمسكوا من النصرانية إلا بشرب الخمر قال أبو عمر فدعا الله عز وجل أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم فلا وجه لإخراج بني تغلب وأما قول مالك في هذا الباب في تجار أهل الذمة من خرج منهم من بلادهم إلى غير بلادهم من مصر إلى الشام إلى العراق فإنهم يؤخذ منهم العشر في ذلك مما بأيديهم في تجاراتهم وقد مضى القول في هذه المسألة في باب زكاة العروض لما ذكره مالك هناك عن عمر بن عبد العزيز رحمهما الله باب عشور أهل الذمة ذكر فيه مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر وعن بن شهاب عن السائب بن يزيد أنه قال كنت غلاما عاملا مع عبد الله بن عتبة بن مسعود على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكنا نأخذ من النبط العشر وأنه سأل بن شهاب على أي وجه كان يأخذ عمر بن الخطاب من

النبط العشر فقال بن شهاب كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية فألزمهم ذلك عمر قال أبو عمر روى جويرية عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب أخذ من النبط العشور بالجابية ولا أعلم أحدا ذكر في حديث مالك هذا بالجابية غير جويرية وحديث السائب بن يزيد عام فخصه بالنبط وحديث سالم عن أبيه في الحنطة والزيت أنه كان يأخذ منهما خاصة نصف العشر وقد بين العلة وهي ليكثروا حمل ذلك إلى المدينة لأنهما لا يشهدان غيرها في شدة الحاجة إليه في القوت والإدام وأما أقاويل الفقهاء وتنازعهم في هذا الباب فقال مالك في الباب قبل هذا في موطئه وليس على أهل الذمة ولا على المجوس في نخيلهم ولا كرومهم ولا زروعهم ولا مواشيهم صدقة لأن الصدقة إنما وضعت على المسلمين تطهيرا لهم وردا على فقرائهم ووضعت الجزية على أهل الكتاب صغارا لهم فهم ما كانوا ببلدهم الذين صالحوا عليه ليس عليهم شيء سوى الجزية في شيء من أموالهم إلا أن يتجروا في بلاد المسلمين ويختلفوا فيها فيؤخذ منهم العشر فيما يديرون من التجارات وذلك أنهم إنما وضعت عليهم الجزية وصالحوا عليها على أن يقروا ببلادهم ويقاتل عنهم عدوهم فمن خرج منهم من بلاده إلى غيرها يتجر إليها فعليه العشر من تجر منهم من أهل مصر إلى الشام ومن أهل الشام إلى العراق ومن أهل العراق إلى المدينة أو اليمن أو ما أشبه هذا من البلاد فعليه العشر ولا صدقة على أهل الكتاب ولا المجوس في شيء من أموالهم ولا من مواشيهم ولا ثمارهم ولا زروعهم مضت بذلك السنة ويقرون على دينهم ويكونون على ما كانوا عليه وإن اختلفوا في العام الواحد مرارا في بلاد المسلمين فعليهم كلما اختلفوا العشر لأن ذلك ليس مما صالحوا عليه ولا مما شرط لهم وهذا الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر لم يسم ها هنا حنطة ولا دينا بمكة ولا بالمدينة وقد ذكره عنه بن عبد الحكم وغيره اتباعا لعمر رضي الله عنه في ذلك ويؤخذ منهم عند مالك في قليل التجارة وكثيرها ولا يكتب لهم فيما يؤخذ منهم كتاب ويؤخذ منهم كلما تجروا واختلفوا

وقال بن وهب في موطئه سألت مالكا عن العبيد النصارى العشر إذا قدموا التجارة فقال نعم قلت متى يعشرون أقبل أن يبيعوا أو بعد قال بعد أن يبيعوا فقلت أرأيت إن كسد عليهم ما قدموا به فلم يبيعوه قال لا يؤخذ منهم شيء حتى يبيعوا قلت فإن أرادوا الرجوع بمتاعهم إذا لم يوافقهم السوق قال ذلك لهم وقال الثوري إذا مر أهل الذمة بشيء للتجارة أخذ منهم نصف العشر إذا كان معه ما يبلغ مائتي درهم وإن كان أقل من مائتي درهم فلا شيء عليه والذمي والمسلم في ذلك سواء إلا أنه لا يؤخذ من المسلم إلا ربع العشر وإذا أعسر المسلم والذمي لم يؤخذ منه شيء إلى تمام الحول ويوضع ما يؤخذ من المسلم موضع الزكاة وما أخذ من الذمي موضع الخراج وهذا كله قول أبي حنيفة وأصحابه إلا أن أبا حنيفة لا يرى على الذمي إذا حمل فاكهة رطبة وما لا يتبقى بأيدي الناس شيئا وقال أبو يوسف ومحمد ذلك وغيره سواء وقال يؤخذ من الحربي العشر في كل ما يؤخذ فيه من الذمي نصف العشر وهذا كله في الذمي والحربي قول أبي ثور قال الشافعي لا أحب أن يدع الوالي أحدا من أهل الذمة في صلح إلا مكشوفا مشهودا عليه وأحب أن يسأل أهل الذمة عما صالحوا عليه مما يؤخذ منهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين فإن أنكرت منهم طائفة أن تكون صالحت على شيء يؤخذ منها سوى الجزية لم يلزمها ما أنكرت وعرض عليها إحدى خصلتين أن لا تأتي الحجاز بحال أو تأتي الحجاز على أنها متى أتت الحجاز أخذ منها ما صالحها عليه عمر وزيادة إن رضيت به وإنما قلنا لا تأتي الحجاز لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلاها من الحجاز وقلنا تأتيه على ما أخذ عمر أن ليس في إجلائها من الحجاز أمر يبين أن يحرم أن تأتي الحجاز منتابة وإن رضيت بإتيان الحجاز على شيء مثل ما أخذ عمر أو أكثر منه أذن لها أن تأتيه منتابة لا تقيم ببلد منه أكثر من ثلاث فإن لم ترض منعها منه وإن دخلته بلا أذن لم يؤخذ من مالها لشيء وأخرجها منه وعاقبها إن علمت منعه إياها ولم يعاقبها إن لم تعلم منعه إياها وتقدم إليها فإن عادت عاقبها ويقدم إلى ولاته أن لا يجيزوا بلاد الحجاز إلا بالرضا والإقرار بأن يؤخذ منهم ما أخذ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وإن زادوه عليها شيئا لم يحرم عليه فكان أحب إلي

وإن عرضوا عليه أقل منه لم احب أن يقبله وإن قبله لخلة بالمسلمين رجوت أن يسعه ذلك لأنه إذا لم يحرم أن يأتوا الحجاز مجتازين لم يحل إتيانهم الحجاز كثير يؤخذ منهم ويحرمه قليل وإذا قالوا نأتيها بغير شيء لم يكن ذلك للوالي ولا لهم ويجتهد أن يجعل هذا عليهم في كل بلد انتابوه فإن منعوا منه في البلدان فلا يبين لي أن له أن يمنعهم بلدا غير الحجاز ولا يأخذ من أموالهم وإن اتجروا في بلد غير الحجاز شيئا ولا يحل أن يؤذن لهم في مكة بحال وإن أتوها على الحجاز أخذ منهم ذلك وإن جاءوها على غير شرط لم يكن له أن يأخذ منهم شيئا وعاقبهم إن علموا نهيه عن إتيان مكة ولم يعاقبهم إن لم يعلموا قال الشافعي رحمه الله تعالى وينبغي أن يبتدئ صلحهم على البيان من جميع ما وصفت ثم يلزمهم ما صالحوا عليه فإن أغفلهم منعهم الحجاز كله فإن دخلوه بغير صلح لم يأخذ منهم شيئا ولا يبين لي أن يمنعهم غير الحجاز من البلدان قال ولا أحسب عمر بن الخطاب ولا عمر بن عبد العزيز أخذ ذلك منهم إلا عن رضا منهم بما أخذ منهم فأخذه منهم كما تؤخذ الجزية فأما أن يكون ألزموه بغير رضا منهم فلا أحسبه وكذلك أهل الحرب يمنعون الإتيان إلى بلاد المسلمين بتجارة بكل حال إلا بصلح فما صالحوا عليه جاز لمن أخذه وإن دخلوا بأمان وغير صلح مقرين به لم يؤخذ منهم شيء من أموالهم وردوا إلى مأمنهم إلا أن يقولوا إنما دخلنا على أن يؤخذ منا فيؤخذ منهم وإن دخلوا بغير أمان غنموا وإذا لم يكن لهم دعوى أمان ولا رسالة كانوا فيئا وقتل رجالهم إلا أن يسلموا أو يؤدوا الجزية قبل أن نظفر بهم إن كانوا ممن يجوز أن تؤخذ منهم الجزية وإن دخل رجل من أهل الذمة بلدا أو دخلها حربي بأمان فأدى عن ماله شيئا ثم دخل بعد لم يؤخذ ذلك منه إلا بأن يصالح عليه قبل الدخول أو يرضى به بعد الدخول فأما الرسل ومن ارتاد الإسلام فلا يمنعون الحجاز لأن الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله التوبة وإن أراد أحد من الرسل الإمام وهو بالحرم فعلى الإمام أن يخرج إليه ولا يدخله إلا أن يكون يغني الإمام فيه الرسالة والجواب فيكتفي بهما فلا يترك يدخل الحرم بحال باب اشتراء الصدقة والعود فيها مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال سمعت عمر بن

الخطاب وهو يقول حملت على فرس عتيق في سبيل الله وكان الرجل الذي هو عنده قد أضاعه فأردت أن اشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه وذكر مثله عن نافع عن بن عمر عن عمر قال أبو عمر الفرس العتيق هو الفاره عندنا وقال صاحب العين عتقت الفرس تعتق إذا سبقت وفرس عتيق رائع وفي هذا الحديث من الفقه إجازة تحبيس الخيل في سبيل الله وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وأما خالد فإنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله وفيه أنه من حمل على فرس في سبيل الله وغزا به فله أن يفعل فيه بعد ذلك ما يفعل في سائر ماله ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على بائعه بيعه وأنكر على عمر شراءه ولذلك قال بن عمر إذا بلغت به واد القرى فشأنك به

وقال سعيد بن المسيب إذا بلغ به رأس مغزاته فهو له ويحتمل أن يكون هذا الفرس ضاع حتى عجز عن اللحاق بالخيل وضعف عن ذلك فأجيز له بيعه لذلك ومن أهل العلم من يقول يضع ثمنه ذلك في فرس عتيق إن وجده وإلا أعان به في مثل ذلك ومنهم من يقول إنه كسائر ماله إذا غزا عليه وإما اختلاف الفقهاء في هذا المعنى فقال مالك من أعطى فرسا في سبيل الله فقيل له هو لك في سبيل الله فله أن يبيعه وإن قيل هو في سبيل الله ركبه ورده وقال الشافعي وأبو حنيفة الفرس المحمول عليها في سبيل الله هي لمن يحمل عليها تمليكا قالوا وإن قيل له إذا بلغت به رأس مغزاك فهو لك كان تمليكا على مخاطرة ولم يجز وقال الليث من أعطى فرسا في سبيل الله لم يبعه حتى يبلغ مغزاه ثم يصنع به ما شاء إلا أن يكون حبسا فلا يباع وقال عبيد الله بن الحسن إذا قال هو لك في سبيل الله فرجع به رده حتى يجعله في سبيل الله وفي هذا الحديث أيضا أن كل من يجوز تصرفه في ماله وبيعه وشرائه فجائز له بيع ما شاء من ماله بما شاء من قليل الثمن وكثيره كان مما يتغابن الناس به أو لم يكن إذا كان ذلك ماله ولم يكن وكيلا ولا وصيا لقوله عليه السلام في هذا الحديث ولو أعطاكه بدرهم وكان أبو محمد عبد الله بن إبراهيم يحكي عن أبي بكر الأبهري أنه كان يقول بفسخ البيع فيما كان فيه التغابن أقل من ثلث المال وهذا لا يقر به المالكيون عندنا واختلف الفقهاء في كراهية شراء الرجل صدقته الفرض والتطوع إذا أخرجها عن يدهه لوجهها ثم أراد شراءها من الذي صارت إليه فقال مالك في الموطأ في رجل تصدق بصدقة فوجدها مع غير الذي تصدق بها عليه تباع أيشتريها فقال تركها أحب إلي

وقد روي عنه أنه قال لا يشتريها وذكر بن عبد الحكم عن مالك من حمل على فرس فباعه الذي حمل عليه فوجده الحامل في يد المشتري فلا يشتره أبدا وكذلك الدراهم والثوب وقال عنه في موضع آخر من كتابه من حمل على فرس فباعه ثم وجده الحامل في يد الذي اشتراه فترك شرائه أفضل قال أبو عمر كره مالك والليث والحسن بن حي والشافعي شراء الصدقة لمن تصدق بها فإن اشترى أحد صدقته لم يفسخوا العقد ولم يردوا البيع ورأوا له التنزه عنها وكذلك قولهم في شراء الإنسان ما يخرجه في كفارة اليمين مثل الصدقة سواء وإنما كرهوا شراءها لهذا الحديث ولم يفسخوا البيع لأنها راجعة إليه بغير ذلك المعنى وقد بدا ذلك في قصة هدية بريرة بما تصدق به عليها من اللحم وقال أهل الظاهر يفسخ البيع في مثل هذا لأنه طابق النهي ففسر بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لا تشتره ولا تعد في صدقتك ولم يختلفوا أنه من تصدق بصدقة ثم رزقها أنها حلال له رواه بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد وجب أجرك ورجعت إليك بالميراث ويحتمل حديث هذا الباب أن يكون على وجه التنزه للرواية أن بيع الصدقة قبل إخراجها أو تكون موقوفا على التطوع في التنزه عن شرائها وقال أبو جعفر الطحاوي المصير إلى حديث عمر في الفرس أولى من قول من أباح شراء صدقته قال أبو عمر استدل من أجاز للمتصدق به بعد قبض المتصدق عليه له على أن نعيه عن شرائه على التنزه لا على التحريم بقوله صلى الله عليه وسلم في الخمسة الذين تحل لهم

الصدقة أو رجل اشتراها بماله فلم يخص المعطي من غير المعطي وغير ذلك على العموم وقال في هذا الحديث أيضا أو مسكين تصدق عليه فأهداها المسكين للغني وهذا في معنى قصة بريرة وسنوضحه في موضعه إن شاء الله وأما ما يوجبه تهذيب الآثار في ذلك عندي فللقول بأنه لا يجوز شراء ما تصدق به لأن الخصوص قاض على العموم لأنه مستبق منه ألا ترى أنه قد جاء في حديث واحد يعني إلا لمن اشتراها بماله بما لم يكن هذا المتصدق لم يكن كلاما متدافعا ولا معارضا مجمل الحديثين عندي على هذا استعمال لهما دون رد أحدهما بالآخر وبالله التوفيق باب من تجب عليه زكاة الفطر ذكر فيه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يخرج زكاة الفطر عن غلمانه بوادي القرى وبخيبر وذكر أن الرجل يلزمه زكاة الفطر عن كل من يضمن نفقته وعن مكاتبه وعن مدبره ورقيقه غائبهم وشاهدهم للتجارة كانوا أو لغير تجارة إذا كان مسلما قال أبو عمر اختلف الفقهاء فيمن تلزم السيد زكاة الفطر عنه من عبيد الكفار وغيرهم والغائب منهم والحاضر فقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور ليس على أحد أن يؤدي عن عبده الكافر صدقة الفطر وإنما هي على من صام وصلى وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وحجتهما قوله عليه السلام في حديث بن عمر من المسلمين فدل أن حديث الكفار بخلاف ذلك

وقال الثوري وسائر الكوفيين عليه أن يؤدي زكاة الفطر عن عبده الكافر وهو قول عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والنخعي وروي ذلك عن أبي هريرة وبن عمر ولا يصح والله أعلم عندي عن بن عمر لأن الذي يروي مالك عن نافع عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فرض زكاة الفطر على الحر والعبد على الذكر والأنثى من المسلمين فكيف يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا ويوجب زكاة الفطر عن الكافر هذا يبعد إلا أن قول مالك في هذا الحديث من المسلمين قد خالفه فيه غيره من حفاظ حديث نافع وسنذكر ذلك عند ذكر مالك لهذا الحديث في أول باب مكيلة زكاة الفطر إن شاء الله واحتج الطحاوي للكوفيين في إجازة زكاة الفطر على العبد الكافر بأن قوله عليه السلام من المسلمين يعني من تلزمه إخراج الزكاة عن نفسه وعن غيره ولا يكون إلا مسلما فأما العبد فلا يدخل في هذا الحديث لأنه لا يملك شيئا ولا يقضي عليه شيء وإنما أريد بالحديث ملك العبد فأما العبد فلا حرمة في نفسه لزكاة الفطر ألا ترى إلى إجماع العلماء في العبد يعتق قبل أن يؤدي عنه سيده زكاة الفطر أنه لا تلزمه إذا ملك بعد ذلك مالا إخراجها عن نفسه كما يلزمه إخراج كفارة ما حنث فيه من الأيمان فهو عند رأيه لا يكفرها بصيام ولو لزمته صدقة الفطر لأداها عن نفسه بعد عتقه قال أبو عمر قوله عليه السلام من المسلمين يقضي لمالك والشافعي وهذا القضاء أيضا لأنها طهرة للمسلم وتزكية وهو سبيل الواجبات من الصدقات والكافر لا يتزكى فلا وجه لأدائها عنه أخبرنا أحمد بن محمد حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا مطرف بن عبد الرحمن حدثنا يحيى بن بكير عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر من المسلمين وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد

حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي زهير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر صاع من بر عن كل اثنين أو صاع من شعير عن كل واحد صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمود بن خالد الدمشقي وعبد الله بن عبد الرحمن عن عكرمة عن بن عباس قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة الصيام من اللغو والرفث وطعمة للمساكين وذكر تمام الخبر فهذه الآثار كلها تشهد بصحة من قال إن زكاة الفطر لا تكون إلا عن مسلم والله أعلم وقال أبو ثور يؤدي العبد عن نفسه إن كان له مال وهو قول عطاء وداود وقال مالك يؤدي الرجل زكاة الفطر عن مكاتبه وهو قول عطاء وبه قال أبو ثور وحجتهم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من أصحابه المكاتب عبد ما بقي عليه شيء وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة وأصحابه الزكاة عليه في مكاتبه لأنه لا ينفق عليه ومما انفرد بكسبه دون المولى ولا سبيل لمولاه إلى أخذ شيء من ماله غير أنجم كتابه وجائز له أخذ الصدقة وإن كان مولاه غنيا وكان عبد الله بن عمر يخرج زكاة الفطر عن عبيده ولا يخرجها عن مكاتبيه ولا مخالف له من الصحابة وقال الشافعي ولا يؤدي المكاتب عن نفسه واختلفوا في عبيد التجارة فذهب مالك والشافعي والأوزاعي إلى أن في عبيد التجارة زكاة الفطر وبه قال أحمد وإسحاق

وحجتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل حر وعبد وهو على عمومه في كل العبيد إذا ما استثنى في الحديث من المسلمين وقال أبو حنيفة والثوري وعبيد الله بن الحسن العنبري ليس في عبيد التجارة صدقة الفطر وهو قول عطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي ولم يختلفوا في المدبر أن على السيد زكاة الفطر عنه إلا أبا ثور وداود فهما على أصلهما في أن زكاة الفطر على العبد دون سيده عندهما واختلفوا في العبد الغائب عن سيده هل عليه فيه زكاة الفطر آبقا كان أو مغصوبا فقال مالك إذا كانت غيبة الآبق قريبة علمت حياته أو لم تعلم يخرج عنه سيده زكاة الفطر إذا كانت رجعته يرجى وترجى حياته ولم يعلم موته قال فإن كانت غيبته وإباقه قد طال ويئس منه فلا أرى أن يزكي عنه وقال الشافعي تؤدى زكاة الفطر عن المغصوب والآبق وإن لم ترج رجعتهم إذا علمت حياتهم فإن لم تعلم حياتهم فلا وهو قول أبي ثور وزفر وقال أبو حنيفة في العبد الآبق والمغصوب ليس على مولاه فيه زكاة الفطر وهو قول الثوري وعطاء وروى أنس بن عمر عن أبي حنيفة أن عليه في الآبق صدقة الفطر وقال الأوزاعي إذا علمت حياة العبد أديت عنه زكاة الفطر وإن كان في دار الإسلام وقال الزهري إن علم مكان الآبق أدي عنه زكاة الفطر وبه قال أحمد بن حنبل واختلفوا في العبد المرهون فمذهب مالك والشافعي أن يؤدي عنه زكاة الفطر وهو قول أبي ثور وقال أبو حنيفة إن كان عند الراهن وفاء بالدين الذي رهن فيه عبده وفضل مائتي درهم زكى عنه زكاة الفطر وإن لم يكن عنده فلا شيء عليه واختلفوا في العبد يكون بين الشريكين فقال مالك والشافعي يؤدي كل واحد منهما عنه من زكاة الفطر بقدر ما يملك

وهو قول محمد بن الحسن وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر والثوري والحسن بن حي ليس على واحد منهما فيه صدقة الفطر وهو قول الحسن وعكرمة واختلفوا أيضا في العبد المعتق بعضه فقال مالك يؤدي السيد عن نصفه المملوك وليس على العبد أن يؤدي عن نصفه الحر وقال عبد الملك بن الماجشون على السيد أن يؤدي عنه صاعا كاملا وقال الشافعي يؤدي السيد عن النصف المملوك ويؤدي العبد عن نصفه الحر وبه قال محمد بن سلمة قال يؤدي عن نفسه بقدر حريته قال فإن لم يكن للعبد مال رأيت لسيده أن يزكي عنه وقال أبو حنيفة ليس على السيد أن يؤدي عما ملك من العبد إلا أن يملكه كله ولا على العبد أن يؤدي عن نفسه لما فيه من الحرية وقال أبو ثور ومحمد بن الحسن على العبد أن يؤدي عن نفسه زكاة الفطر وهو بمنزلة العبد إذا عتق نصفه وكأنه قد عتق كله واختلفوا في العبد يباع بالخيار فقال مالك يؤدي عنه البائع وقال الشافعي إن كان الخيار للبائع وأنفذ البيع فإنه يؤدي عنه البائع وإن كان الخيار للمشتري أولهما فعلى المشتري وقال أبو حنيفة إذا كان أحدهما بالخيار فصدقة الفطر عن العبد على من يصير إليه وقال زفر الزكاة على من له الخيار فسخ أو أجاز واختلفوا في العبد الموصي برقبته لرجل ولآخر بخدمته فقال عبد الملك بن الماجشون الزكاة عنه على من جعلت له الخدمة إذا كان زمانا طويلا وقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور زكاة الفطر عنه على مالك رقبته واختلفوا في عبيد العبيد فقال مالك ليس عليه في عبيد عبيده صدقة الفطر وهو الأمر عندنا وقال أبو حنيفة والشافعي صدقة الفطر عنهم على السيد الأعلى وقال الليث بن سعد يخرج عن عبيد عبيده زكاة الفطر ولا يؤدي عن مال عبده الزكاة

وأما قول مالك أن الرجل يلزمه زكاة الفطر عن كل من يضمن نفقته فقد وافقه على ذلك الشافعي وقولهما جميعا أن زكاة الفطر تلزم الرجل في كل من تجب عليه نفقته من غير أن يكون له تركها وذلك من تلزمه نفقته بسبب كالأبناء الفقراء والآباء الفقراء إلا أن مالكا لا يرى النفقة على الابن البالغ وإن كان فقيرا والشافعي يرى النفقة على الأبناء الصغار والكبار والزمنى والنفقة على الآباء الفقراء والأمهات وكذلك من تلزمه عندهما نفقته بنكاح كالزوجات وملك اليمين كالإماء والعبيد وذكر بن عبد الحكم عن مالك أنه قال ليس عليه في رقيق امرأته زكاة الفطر إلا من كان بخدمه وذلك واحد لا زيادة وقال بن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد يؤدي الرجل عن أهله ورقيقه ولا يؤدي عن الأجير ولكن الأجير المسلم يؤدي عن نفسه وهو قول ربيعة وقال الليث إذا كانت إجازة الأجر معلومة فليس عليه أن يؤدي عنه وإن كانت يده مع يده وينفق عليه ويكسوه أدى عنه قال الليث وليس عليه أن يؤدي عن رقيق امرأته وأما اختلافهم في الزوجة فقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور على زوجها أن يخرج عنها زكاة الفطر وهي واجبة عليه عنها وعن كل من يمون ممن تلزمه نفقته وهو قول بن علية أنها واجبة على الرجل في كل من يمون ممن تلزمه نفقته وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه ليس على الزوج أن يؤدي عن زوجته ولا عن خادمها زكاة الفطر وعليها أن تؤدي ذلك عن نفسها وخادمها قالوا وليس على أحد أن يؤدي إلا عن ولده الصغير وعبده قال أبو عمر قد أجمعوا أن عليه أن يؤدي عن ابنه الصغير إذا لزمته نفقته فصار أصلا يجب القياس ورد ما اختلفوا فيه إليه فوجب في ذلك أن تجب عليه في كل من تلزمه نفقته وبالله التوفيق وقد ناقض الكوفيون في الصغير لأن معنى قول بن عمر عندهم فرض رسول

الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى الصغير والكبير الحر والعبد يعنون كلا عن نفسه وهذه مناقضة في الصغير وقال مالك تجب زكاة الفطر على أهل البادية كما تجب على القرى وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين قال أبو عمر قول مالك عليه جمهور الفقهاء وممن قال بذلك الثوري والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابهم وقال الليث بن سعد على أهل العمود الفطر أصحاب الخصوص والمال وإنما هي على أهل القرى قال أبو عمر قول الليث ضعيف لأن أهل البادية في الصيام والصلاة كأهل الحاضر وكذلك هم في صدقة الفطر باب مكيلة زكاة الفطر ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين وعن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم

فأما قوله في حديث بن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعناه عند أكثر أهل العلم أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأمر الله أوجبه وما كان لينطق عن الهوى فأجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر ثم اختلفوا في نسخها فقالت فرقة هي منسوخة بالزكاة ورووا عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بها قبل نزول الزكاة فلما نزلت آية الزكاة لم يأمرنا بها ولم ينهنا ونحن نفعله وقال جمهور من أهل العلم من التابعين ومن بعدهم هي فرض واجب على حسب ما فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينسخها شيء وممن قال بهذا مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه قال إسحاق هو لا الإجماع وقال أشهب سألت مالكا عن زكاة الفطر أواجبة هي قال نعم وفي سماع زياد بن عبد الرحمن قال سئل مالك عن تفسير قول الله تعالى وءاتوا الزكاة البقرة هي الزكاة التي قرنت بالصلاة فسمعته يقول هي زكاة الأموال كلها من الذهب والورق والثمار والحبوب والمواشي وزكاة الفطر وتلا خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم التوبة وذكر أبو التمام قال قال مالك زكاة الفطر واجبة قال وبه قال أهل العلم كلهم إلا بعض أهل العراق فإنه قال هي سنة مؤكدة قال أبو عمر اختلف المتأخرون من أصحاب مالك في وجوبها فقال بعضهم هي سنة مؤكدة وقال بعضهم هي فرض واجب وممن ذهب إلى هذا أصبغ بن الفرج وأما أبو محمد بن أبي زيد فإنه قال هي سنة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يضع شيئا واختلف أصحاب داود في ذلك على قولين أيضا أحدهما أنها فرض واجب والآخر أنها سنة مؤكدة وسائر العلماء على أنها واجبة

والقول بوجوبها من جهة اتباع المؤمنين لأنهم الأكثر والجمهور الذين هم حجة على من شذ عنهم وقول من قال إنها سنة قول ضعيف وتأويله في قول بن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى أنه قدر ذلك صاعا وأنه مثل قولهم فرض القاضي نفقة اليتيم ربعين أي قدرها خلاف الظاهر ادعاء على النبي ما يخرجه في المعهود فيه لأنه لم يختلفوا في قول الله عز وجل فريضة من الله النساء أي إيجاب من الله وكذلك لهم فرض الله طاعة رسوله وفرض الصلاة والزكاة هذا كل ذلك أوجب وألزم وكذلك قالوا في الواجب هو فريضة وما لم يلزم لزومه قالوا سنة وقد أوضحنا هذا المعنى بزيادات في الاعتراضات في التمهيد وأما قوله فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس فقد اختلف العلماء في الحين والوقت الذي يلزم لمن أدركه زكاة الفطر فقال في رواية بن القاسم وبن وهب وغيرهما عنه تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر ومعناه أنها لا تجب عن من ولد أو ملك بعد ذلك الوقت وذكروا عنه مسائل إن لم تكن على الاستحباب فهي تناقض على هذا وهي في المولود ضحى يوم الفطر أو العبد يشترى بعد طلوع الشمس في يوم الفطر أنه يزكى عنه أبوه وسيده وروى أشهب عن مالك أن الزكاة تجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان وهي ليلة الفطر وقال مالك إذا مات العبد ليلة الفطر قبل طلوع الفجر فعلى المولى صدقة الفطر عنه لأنه قد كان أدركه وقت وجوبها حيا ومعلوم أن ليلة الفطر ليست من رمضان فمن ولد فيها من الأحرار والعبيد وملك فيها من العبيد فإنه لم يلد ولم يملك في رمضان وإنما وقع ذلك في شوال وزكاة الفطر إنما هي لرمضان لا لشوال وبهذا قال الشافعي وأصحابه إلا أن أصحابه في المسألة على قولين على أن قوله ببغداد كان أنها تجب بطلوع الفجر على كل مسلم أدركه ذلك الوقت حيا وأما أبو حنيفة وأصحابه فقولهم في ذلك كما رواه بن القاسم عن مالك بطلوع الفجر تجب زكاة الفطر وهو قول أبي ثور

ومن قال بهذا لم يعتبر ليلة الفطر لأن الفطر ليس بموضع صيام يراعى ويعتبر وهو قول من لم ينعم النظر لأن يوم الفطر ليس بموضع صيام فأحرى ألا يراعى واختلفوا في وجوبها على الفقراء فروى بن وهب عن مالك أنه قال في رجل له عبد لا يملك غيره عليه فيه زكاة الفطر قال مالك والذي ليس له إلا معيشة خمسة عشر يوما أو نحوها والشهر ونحوه عليه زكاة الفطر قال مالك وإنما هي زكاة الأبدان وروى أشهب عن مالك أن زكاة الفطر لا تجب على من ليس عنده من أين يؤديها وروي عن مالك أيضا أن عليه زكاة صدقة الفطر وإن كان محتاجا وروي عنه أنه من جاز له أخذ صدقة الفطر لم تلزمه وذكر أبو التمام عن مالك أنه قال زكاة الفطر واجبة على الفقير الذي يفصل عن قوته صاع كوجوبها على الغني قال وبه قال الشافعي قال أبو عمر قال الشافعي من ملك قوته وقوت من يمونه ذلك اليوم ومن يؤدي عنه وعنهم زكاة الفطر فعليه أن يؤديها عن نفسه وعنهم فإن لم يكن عنده إلا ما يؤدي عن نفسه وعن البعض أدى عن ذلك البعض وقول بن علية في هذه المسألة كقول الشافعي وقال عبيد الله بن الحسن إذا أصاب فضلا عن غذائه وعشائه فعليه أن يأخذ ويعطي صدقة الفطر وأما قوله في حديث بن عمر صاعا من تمر أو صاعا من شعير وروايته في هذا الباب عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرا

ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر فقال فيه قال عبد الله فعدل الناس بعد نصف صاع من بر بصاع من تمر قال وكان عبد الله يعطي التمر فيعوز أهل المدينة التمر عاما فأعطى الشعير وروى بن عيينة عن أيوب بإسناده مثله وقال فيه قال بن عمر فلما كان معاوية عدل الناس نصف صاع من بر بصاع من شعير قال نافع فكان عبد الله يخرج زكاة الفطر عن الصغير من أهله والكبير والحر والعبد ورواه بن أبي رواد عبد العزيز عن نافع عن بن عمر وقال فيه فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل نصف صاع منها مثل صاع من تلك الأشياء وذكر في حديثه هذا صاعا من تمر أو شعير أو سلت أو زبيب ولم يقل ذلك عن نافع أحد غيره وليس ممن يحتج به في حديث نافع إذا خالفه حفاظ أصحاب نافع وهم عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب وفي التمهيد من هذا المعنى أكثر من هذا وأما قوله في حديث أبي سعيد الخدري كنا نخرج في زكاة الفطر صاعا من طعام وذكر الشعير والتمر والزبيب والأقط صاعا صاعا فقد ذكرنا في التمهيد من رفع هذا الحديث فقال فيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يختلف من ذكر الطعام في هذا الحديث أنه أراد به الحنطة ومنهم من لم يذكره ومن رواته أيضا من ذكر فيه نصف صاع من بر وذكر فيه بن عيينة عن زيد بن أسلم الدقيق ولم يتابع عليه وقد ذكر فيه السلت والدقيق أو أحدهما وذكر فيه مالك والثوري من طعام وحسبك بهما حفظا وأمانة وإتقانا وقد أوضحنا ذلك كله ومن رواه ومن أسقطه في التمهيد واختلف أهل العلم في مقدار ما يؤدي المرء عن نفسه في صدقة الفطر من الحبوب بعد إجماعهم أنه لا يجزئ من التمر والشعير أقل من صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربعة أمداد بمدة صلى الله عليه وسلم فأما اختلافهم في مقدار ذلك من البر وهي الحنطة فقال مالك والشافعي وأصحابهما لا يجزئ من البر ولا من غيره أقل من صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم عن إنسان واحد صغيرا كان أو كبيرا

وهو قول البصريين وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يجزئ من البر نصف صاع وروي ذلك عن جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين وحجة مالك والشافعي في إيجاب الصاع من البر وأنه كغيره مما ذكر عنه حديث بن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير قالوا وذلك كان قوت القوم يومئذ فخرج عليه الخبر فكل من اقتات شيئا من الحبوب المذكورات في حديث أبي سعيد الخدري وغيره لزمه إخراج صاع منه ويشهد لذلك حديث مالك والثوري ومن تابعهما في حديث أبي سعيد الخدري المذكور في هذا الباب كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر صاعا من طعام ثم ذكر الشعير وغيره فبان بذكره الطعام هنا أنه أراد البر والله أعلم ولم يفصل بينه وبين الشعير في الحنطة وفي المكيلة بل جعله كله صاعا صاعا وأما حجة من قال أنه يجزئه من البر نصف صاع فقول بن عمر في حديثه وقد ذكر التمر والشعير قال فعدل الناس بصاع من شعير أو تمر نصف صاع من بر والناس في ذلك الزمان كبار الصحابة وحجتهم أيضا حديث الزهري عن بن أبي صعير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في زكاة الفطر صاع من بر بين اثنين أو صاع من شعير أو تمر عن رجل واحد وهذا نص في موضع الخلاف إلا أنه لم يروه كبار أصحاب بن شهاب ولا من يحتج بروايته منهم إذا انفرد ولكنه لم تخالفه في روايته تلك غيره وروى الثقات عن سعيد بن المسيب أنه قال كانت صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف صاع من حنطة أو صاعا من شعير أو تمر وروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وبن مسعود وبن عباس على اختلاف عنه وأبي هريرة وجابر ومعاوية وبن الزبير نصف صاع من بر وفي الأسانيد عن بعضهم ضعف واختلاف

وروي عن سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير وأبي سلمة ومصعب بن سعد نصف صاع من بر قال أبو حنيفة يؤدي نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو زبيب أو صاعا من تمر أو شعير قال أبو يوسف ومحمد الزبيب بمنزلة التمر والشعير وما سوى ذلك يخرج بالقيمة قيمة نصف صاع من بر أو قيمة صاع من شعير أو تمر وروينا عن أبي حنيفة أنه قال لو أعطيت في زكاة الفطر عدل ذلك أجزأك يعني بالقيمة وقال الأوزاعي يؤدي كل إنسان مدين من قمح بمد أهل بلده وقال الليث بن سعد يخرج مدين من قمح بمد هشام أو أربعة أمداد من التمر أو الشعير أو الأقط وقال أبو ثور يخرج صاعا من تمر أو شعير أو زبيب وسكت عن البر وقال أشهب سمعت مالكا يقول لا يؤدي الشعير إلا من هو أكله يؤده كما يأكله قيل له إن من الناس من يقول مدين من بر قال إنما القول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم صاع قال فذكرت له الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في المدين من الحنطة فأنكرها وأما قوله في حديث بن عمر على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين فقد تقدم القول فيمن تجب عليه زكاة الفطر من المالك والمملوك والصغير والكبير وأما قوله من المسلمين فإنه لم يقله من ثقات أصحاب نافع غيره ورواه أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر وموسى بن عقبة وغيرهم عن نافع عن بن عمر لم يقولوا فيه من المسلمين وقد ذكرنا فيه في التمهيد من قال عن عبيد الله من المسلمين ومن تابع مالكا على ذلك وذكرنا في الباب قبل هذا أيضا حكم قوله من المسلمين وما للعلماء في ذلك من المذاهب وبالله التوفيق وأما قوله في آخر هذا الباب والكفارات كلها وزكاة الفطر وزكاة العشور كل ذلك بالمد الأصغر مد النبي صلى الله عليه وسلم إلا الظهار فإن الكفارة فيه بمد هشام وهو المد الأعظم فلم يختلف العلماء بالمدينة وغيرها أن الكفارات كلها بمد النبي صلى الله عليه وسلم إلا

الظهار فإن مالكا خالف في الإطعام به فأوجبه بمد هشام بن إسماعيل المخزومي عامل كان بالمدينة لبني مروان وسيأتي القول في ذلك في باب كفارة الظهار إن شاء الله ومد هشام بالمدينة معروف كما أن الصاع الحجاجي معروف بالعراق باب وقت إرسال زكاة الفطر ذكر فيه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة وذكر أنه رأى أهل العلم يستحبون أن يخرجوا زكاة الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر قبل أن يغدوا إلى المصلى قال مالك وذلك واسع إن شاء الله أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده قال أبو عمر في هذا من فعل بن عمر دليل على جواز تعجيل ما تجب لوقت من الزكوات وقد تقدم الوقت الذي تجب فيه صدقة الفطر وما للعلماء في ذلك وإن كان تقديمها باليوم واليومين جائز عندهم ومالك وغيره يجيزون ما كان بن عمر يفعله من ذلك إلا أن مالكا يستحب ما استحبه أهل العلم في وقته من إخراج زكاة الفطر صبيحة يوم الفطر في الفجر أو ما قاربه وفي قول مالك ما يدل على أن أداء زكاة الفطر بعد وجوبها أو في حين وجوبها أفضل وأحب إليه وإلى أهل العلم ببلده في وقته وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك خبر حسن من أخبار الآحاد العدول حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو محمد النفيلي قال حدثنا زهير قال حدثنا موسى بن عقبة عن

نافع عن بن عمر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى قال وكان بن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين وليس قول مالك في تعجيل زكاة الأموال كذلك وليس في الموطأ موضع هذا ذكر المسألة من هذا واختلف أهل العلم في جواز تعجيل الزكاة فقال مالك فيما روى عنه بن وهب وأشهب وخالد بن خداش من أدى زكاة ماله قبل محلها بتمام الحول فإنه لا يجزئ عنه وهو كالذي يصلي قبل الوقت وروي ذلك عن الحسن البصري وبه قال بعض أصحاب داود وروى بن القاسم عنه لا يجوز تعجيلها قبل الحول إلا بيسير وكذلك ذكر عنه بن عبد الحكم بالشهر ونحوه وأجاز تعجيل الزكاة قبل الحول سفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وإسحاق وأبو عبيد وروي ذلك عن سعيد بن جبير وإبراهيم وبن شهاب والحكم وبن أبي ليلى وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يجوز تعجيل الزكاة لما في يده ولما يستفيد في الحول وبعده وقال زفر التعجيل عما في يده جائز ولا يجوز عما يستفيده وقال بن شبرمة يجوز تعجيلها لسنين وقال الشافعي يجوز للمصدق إذا رأى العوز في أهل الصدقة أن يستلف لهم من صدقة أهل الأموال إذا كانوا ميسورين وليس على رب المال أن يخرج صدقته قبل الحول إلا أن يتطوع قال ولو أن رجلا أخرج زكاة ماله فقال إن ما تجب فيه الزكاة كانت هذه عنه لم يجزئ عنه لأنه أداها إلى سبب بلا سبب لم تجز فيه الزكاة وعمل شيئا لا يجب عليه إن حال فيه حول

قال أبو عمر حجة من لم يجز تعجيل الزكاة قياسها على الصلاة وحجة من أجاز تعجيلها القياس على الديون الواجبة لآجال محدودة أنه جائز تعجيلها أو تقديمها قبل محلها وحديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استلف صدقة العباس قبل محلها وقد روي لعامين وفرقوا بين الصلاة والزكاة بأن الناس يستوون في وقت الصلاة ولا يستوون في وقت وجوب الزكاة وقياس مالك ومن قال بقوله على الصلاة أصح في سبيل القياس والله أعلم باب من لا تجب عليه زكاة الفطر قال مالك ليس على الرجل في عبيد عبيده ولا في أجيره ولا في رقيق امرأته زكاة إلا من كان منهم يخدمه ولا بد له منه فتجب عليه وليس عليه زكاة في أحد من رقيقه الكافر ما لم يسلم لتجارة كانوا أو لغير تجارة قال أبو عمر قد تقدم القول في مسائل هذا الباب كلها وما للعلماء من المذاهب فيما تقدم من أبواب زكاة الفطر فلا معنى لإعادة ذلك هنا إلا أن جملة ذلك أنه لا خلاف عن مالك وأصحابه أنه ليس على السيد زكاة الفطر في عبيد عبيده كما أنه ليس عليه أن يزكي عما بيد عبده من المال وأما أبو ثور وداود فعلى أصلهما أن عبيد العبيد يخرجون عن أنفسهم زكاة الفطر لأنهم مالكون عبيدهم وأما الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والليث والثوري وجمهور أهل العلم فإن زكاة الفطر على السيد عندهم في عبيده وفي عبيد عبيده لأنهم كلهم عبيده وأما قول مالك ولا في أجيره فلأنه لا يلزمه نفقته في الشرع والقربة وأصله أنه لا تلزم صدقة الفطر إلا عمن تلزم نفقته في الشريعة إلا من صدقة الفطر إلا عمن تلزم نفقته في الشريعة إلا من طريق التطوع ولا المعارضة

وهو قول الشافعي وأما سفيان والكوفيون فإن زكاة الفطر لا تجب عندهم إلا عن الابن الصغير والعبد فقط وأما قوله ولا في رقيق امرأته فقوله وقول الشافعي في ذلك سواء إلا أن أصلهما أنها تلزمه فيمن تلزمه النفقة عليه وذلك عند الشافعي خادم واحد وعند مالك من يخدمه ولا بد منه إلا أن الأظهر من مذهبه أنه تلزمه في خادم واحد قد اختلف أصحابه في ذلك على ما ذكرناه عنهم في كتاب اختلاف أصحاب مالك وأقوالهم وقال الليث يؤدي عن امرأته وليس عليه أن يؤدي عن أحد من رقيقها وأما سفيان والكوفيون فلا يرون زكاة الفطر عليه عن امرأته فكيف عن رقيقها بل عليها أن تخرج زكاة الفطر عن نفسها وعن عبدها لأن السنة عندهم أن يخرجها الذكر والأنثى عن أنفسهم وعبيدهم وقد تقدم الأصل عنهم ولغيرهم في ذلك وفيما لم يسلم من العبد والحمد لله تم شرح كتاب الزكاة والحمد لله كثيرا

كتاب الصيام باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وعن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدد العدة ثلاثين

وهذا الحديث محفوظ لعكرمة عن بن عباس وقد أوضحنا في التمهيد حال عكرمة ولم ترك مالك ذكره من هذا الموضع من كتابه إن كان كما ظن من زعم أن مالكا طرح اسمه من كتابه للذي بلغه فيه عن سعيد بن المسيب وما أدري صحة ذلك لأنه ذكره في كتاب الحج من الموطأ وفي ذلك ما يوهن قول من قال إنه قد طرح ذكر اسمه من كتابه والله أعلم والذي أوجب قول القائل ما ذكرناه والله أعلم ما رويناه عن مالك أنه قيل له أبلغك أن عبد الله بن عمر قال لنافع يا نافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على بن عباس قال أبو عمر جعل مالك رحمه الله حديث بن عباس بعد حديث بن عمر لأنه عنده مفسر له ومبين لمعنى قوله فاقدروا له في حديث بن عمر وكان بن عمر يذهب في معنى قوله فاقدروا مذهبا خلافا لما ذهب إليه مالك في ذلك والذي ذهب إليه مالك هو الذي عليه جمهور العلماء وهو الصحيح وسنبين ذلك كله في هذا الباب بعون الله وفضله وما رواه بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين قد رواه أبو هريرة وأبو بكرة وحذيفة وطلق الحنفي وغيرهم ولم يرو أحد فيما علمت فاقدروا له إلا بن عمر وحده على أن عبد الرزاق قد روى عن معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما ولم يقل مالك ولا عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث ثلاثين يوما ورواه بن أبي رواد عن نافع عن بن عمر بلفظ حديث بن عباس فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين والذي عليه جمهور أهل العلم أنه لا يصام رمضان إلا بيقين من خروج شعبان واليقين في ذلك رؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يوما وكذلك لا يقضى بخروج رمضان إلا بيقين مثله قال الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه البقرة يريد والله أعلم من علم منكم بدخول الشهر علم يقين فليصمه والعلم اليقين الرؤية الصحيحة الفاشية الظاهرة أو إكمال العدد

وكذلك في الشريعة أيضا شهادة عدلين أنهما رأيا الهلال ليلة ثلاثين فيصح بذلك أن الشهر الماضي من تسع وعشرين وهذا عند بعضهم إذا لم تكن في السماء علة فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم فاقدروا له عند أكثر أهل العلم ولا خلاف أن الشهر العربي قد يكون ثلاثين يوما ويكون تسعة وعشرين وأما بن عمر فله مذهب ذهب إليه في تأويل ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فاقدروا له وذلك أنه كان يقول إذا لم ير هلال رمضان ليلة ثلاثين من شعبان وكان صحوا فلا صيام لرمضان وإن لم يكن صحوا وكان في السماء غيم أصبح الناس صائمين وأجزأهم من رمضان إن ثبت بعد أن الشهر كان من تسع وعشرين وإلى هذا ذهب طاوس اليماني وأحمد بن حنبل وروي مثل ذلك عن عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر رضوان الله عليهم وما أعلم أحدا ذهب مذهب بن عمر في ذلك غيرهم حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهيم قال حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة قالا حدثنا أيوب عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واللفظ لحديث قاسم والمعنى سواء إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له قال نافع فكان عبد الله بن عمر يبعث مساء ليلة ثلاثين يوما من شعبان من ينظر له الهلال فإن كان صحوا ورأوه صام وإن لم يروه لم يصم وإن حال دونه سحاب أو قتر أصبح صائما وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر أنه إذا كان سحاب أصبح صائما وإن لم يكن سحاب أصبح مفطرا وعن معمر عن بن طاوس عن معمر مثله وقال أحمد بن حنبل صيام يوم الشك واجب وهو يجزئ من رمضان إن ثبت أنه من رمضان

وقال أهل اللغة قوله عليه السلام فاقدروا له كقوله قدروا له يقال منه قدرت وقدرت وأقدرته وقال بن قتيبة في قوله اقدروا له أي قدروا الشهر بالمنازل يعني منازل القمر قال أبو عمر قد كان بعض كبار التابعين فيما ذكر محمد بن سيرين ذهب في هذا الباب إلى اعتباره بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب قال بن سيرين كان أفضل له لو لم يفعل قال أبو عمر قيل إنه مطرف بن عبد الله بن الشخير والله أعلم وكان مطرف من جلة تابعي البصرة العلماء الفضلاء الحلماء وقد حكى بن سريج عن الشافعي أنه قال من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه جاز له أن يعتقد الصوم ويبيته ويجزئه قال أبو عمر الذي عندنا في كتبه أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية أو شهادة عادلة أو إكمال شعبان ثلاثين يوما لقوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين وعلى هذا مذهب جمهور فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام والمغرب منهم مالك والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وعامة أهل الحديث إلا أحمد بن حنبل ومن قال منهم بقوله وسيأتي القول في صيام يوم الشك في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله مالك أنه بلغه أن الهلال رؤى في زمان عثمان بن عفان بعشي فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس قال أبو عمر هذه المسألة اختلف فيها السلف والخلف ولم يختلف فيها عن عثمان ولاعن علي ولا عن عمر وبن مسعود وأنس واختلفت الرواية فيها عن عمر فروى الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة

قال أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين إن الأهلة بعضها أكثر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان أنهما رأياه بالأمس وهذا مذهب عثمان وعلي وبن عمر وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم إلا عبد الملك بن حبيب عندنا فإنه قال فيها بالرواية الثانية عن عمر وهي رواية رواها القطان وبن مهدي ووكيع وغيرهم عن الثوري عن مغيرة عن سماك عن إبراهيم قال بلغ عمر بن الخطاب أن قوما رأوا الهلال بعد زوال الشمس فأفطروا فكتب إليهم يلزمهم وقال إذا رأيتم الهلال نهارا قبل زوال الشمس فأفطروا وإذا رأيتموه بعد الزوال فلا تفطروا وبهذا قال سفيان الثوري وأبو يوسف وقال أبو حنيفة ومحمد في ذلك برواية سفيان عن عمر وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو ثور ورواية الأعمش عن شقيق أبي وائل أصح عن عمر لأنها متصلة وإبراهيم النخعي لم يدرك عمر حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا البغوي قال حدثنا سعد بن الجعدي قال حدثنا زهير بن معاوية عن الأعمش عن شقيق بن سلمة قال كتب إلينا عمر ونحن بخانقين إن الأهلة بعضها أكثر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال أتانا كتاب عمر بن الخطاب ونحن بخانقين إن الأهلة تختلف فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان من المسلمين أنهما رأياه بالأمس قال أبو عمر وفي حديث الأعمش هذا نهارا لم يخص فيه قبل الزوال ولا بعده ومن ذهب مذهب الثوري وأبي يوسف قال إنه حديث مجمل وحديث إبراهيم حديث مفسر فهو أولى أن يقال به

قالوا إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإذا رؤي الهلال بعد الزوال فهو للقابلة وإلى هذا ذهب عبد الملك بن حبيب وبه كان يفتي بقرطبة وأما قول مالك من رأى هلال رمضان وحده فإنه يصوم لا ينبغي له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان ومن رأى هلال شوال وحده فإنه لا يفطر لأن الناس يتهمون على ان يفطر منهم من ليس بمأمون فلا أعلم خلافا في هلال رمضان أنه من رآه يلزمه الصوم إلا عطاء بن أبي رباح فإنه قال لا يصوم وحده ولا يفطر وحده وإن رآه واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم فيمن رأى هلال رمضان وحده أنه يصوم وهو قول الثوري والحسن بن حي وأحمد بن حنبل لا يسعه عندهم غير ذلك وهو قول أبي ثور واختلفوا في هلال شوال يراه الرجل وحده فقال مالك وأبو حنيفة لا يفطر وهو قول أحمد بن حنبل وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كره لمن رأى هلال شوال وحده أن يفطر وقال الشافعي يفطر الذي رأى هلال شوال وحده إذا لم يشك فيه فإن شك أو خاف أن يتهم لم يأكل وهو قول أبي ثور قال ولا يسعه أن يصوم فإن خاف التهمة اعتقد الفطر وأمسك عن الأكل والشرب وقال مالك من رأى هلال رمضان وحده فأفطر عامدا كان عليه القضاء والكفارة وقال أبو حنيفة عليه القضاء ولا كفارة عليه للشبهة وهذا قول أكثر الفقهاء

قال أبو عمر لم يذكر مالك في موطئه حكم إشهاده على هلال رمضان وذكره غير واحد من أصحابه عنه ولم يختلف قوله وقول أصحابه أنه لا يجوز على شهادة رمضان أقل من رجلين عدلين وهلال شوال وسائر الأحكام وقال الشافعي فيما ذكر عنه المزني إن شهد على هلال رمضان شاهد واحد عدل رأيت أن أقبله للأثر الذي جاء فيه قال والقياس ألا يقبل فيه إلا شهادة عدلين قال وأما هلال الفطر فلا يقبل فيه إلا عدلان والذي ذكر المزني عن الشافعي في قبول شهادة الواحد في هلال رمضان هو قول الكوفيين وبن المبارك وأحمد وقال إسحاق لا يقبل في هلال رمضان وشوال إلا عدلان وقال أبو بطين عن الشافعي ولا يصام رمضان ولا يفطر منه بأقل من عدلين حرين لسائر الحقوق وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان في السماء علة قبلت شهادة رجل عدل في هلال رمضان قالوا وإن لم تكن في السماء علة قبلت شهادة رجل عدل في هلال رمضان قالوا وإن لم تكن في السماء علة لم تقبل إلا شهادة عدلين وهذا قول داود وطائفة من أصحاب الظاهر وقال الثوري والأوزاعي والليث والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن كقول مالك يقبل في الشهادة على هلال شوال عدلان في الصحو والغيم ولا يقبل أقل من عدلين وهو قول الشافعي قال أبو عمر حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أجاز شهادة الأعرابي وحده في هلال رمضان مختلف فيه فمنهم من أسنده وأكثرهم أرسله عن عكرمة كذلك رواه الثوري وجماعة عن سماك بن حرب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وهو قول أكثر الفقهاء ورواه زائدة بن قدامة والوليد بن ثور وحماد بن سماك عن حماد عن عكرمة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا

ورواه بن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن بن عمر قال تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام واختلف العلماء في حكم هلال رمضان أو شوال يراه أهل بلد دون غيرهم فكان مالك فيما رواه عنه بن القاسم والمصريون إذا ثبت عند الناس أن أهل بلد رأوه فعليهم القضاء لذلك اليوم الذي أفطروه وصيامه غيرهم برؤية صحيحة وهو قول الليث والشافعي والكوفيين وأحمد وروى المدنيون عن مالك وهو قول المغيرة وبن دينار وبن الماجشون أن الرؤية لا تلزم غير أهل البلد الذي وقعت فيه إلا أن يكون الإمام يحمل الناس على ذلك أما الاختلاف الأعمال والسلاطين فلا إلا في البلد الذي رأى فيه الهلال وفي عمله هذا بمعنى قولهم وروي عن بن عباس أنه قال لكل قوم رؤيتهم وبه قال عكرمة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وإليه ذهب بن المبارك وإسحاق بن راهويه وطائفة قال أبو عمر حجة من قال بهذا القول ما أخبرنا به أبو محمد عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو بكر محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال حدثني محمد بن أبي حرملة قال أخبرني كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني بن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال قلت رأيته ليلة الجمعة قال أنت رأيته قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية قال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى نكمل الثلاثين أو نراه فقلت أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه قال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال أخبرنا علي بن حجر قال أخبرنا إسماعيل بن جعفر قال حدثنا محمد بن أبي حرملة قال أخبرني كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل علي هلال رمضان وذكر رمضان الحديث سواء كما تقدم لأبي بكر قال أبو عمر قد أجمعوا أنه لا تراعى الرؤية فيما أخر من البلدان كالأندلس من خراسان وكذلك كل بلد له رؤيته إلا ما كان كالمصر الكبير وما تقاربت أقطاره من بلاد المسلمين والله أعلم وأما قول مالك في الناس يصومون يوم الفطر لرؤيته من رمضان فيأتيهم الثبت أن هلال شوال قد رؤي البارحة أو هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم وأن يومهم ذلك يوم الفطر أحد وثلاثون يوما فإنهم يفطرون ذلك اليوم أي ساعة جاءهم الخبر غير أنهم لا يصلون صلاة العيد إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس وقد مضى ما للعلماء في معنى ما ذكر إلا في صلاة العيد فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك فمذهب مالك الذي لا خلاف فيه عنه وعن أصحابه أنه لا تصلي صلاة العيد في غير يوم العيد ولا في يوم العيد بعد زوال الشمس واختلف قول الشافعي في هذه المسألة فمرة قال بقول مالك لا تصلى صلاة العيد بعد الزوال واختاره المزني وقال إذا لم يجز أن تصلى في يوم العيد بعد الزوال فاليوم الثاني أبعد من وقتها وأحرى أن لا تصلى فيه وعن الشافعي رواية أخرى أنها تصلى في اليوم الثاني ضحى وقال البويطي عنه لا تصلى بعد إلا إن ثبت في ذلك حديث قال أبو عمر لو قضيت صلاة العيد بعد خروج وقتها لأشبهت الفرائض وقد أجمعوا في سائر السنن أنها لا تقضى فهذه مثلها وأما أبو حنيفة وأصحابه فقد ذكر الطحاوي قال كان بن أبي عمر يحكي أن أبا حنيفة كان يقول إذا لم تدرك صلاة العيد حتى تزول الشمس لم تصل بعد

وقال أبو يوسف في الإملاء إذا فاتتهم الصلاة يوم العيد بزوال الشمس صلاها بها إمامهم من الغد ما بينهم وبين الزوال فإن لم يفعل لم يصل بعد هذا في الفطر وأما في الأضحى فيصليها بهم في اليوم الثالث وقال بن سماعة مثل ذلك عن محمد بن الحسن ولم يذكر خلافا وقال الثوري في الفطر يخرجون من الغد وقال أحمد يخرجون في الغد وقال الحسن بن حي لا يخرجون في الفطر ويخرجون في الأضحى قال أبو عمر لأن الأضحى أيام عيد وهي صلاة عيد وليس للفطر صلاة عيد إلا واحد فإذا لم تصل فيه لم تقض في غيره لأنها ليست بفريضة فتقضى وقال الليث بن سعد يخرجون في الفطر والأضحى من الغد وقال الأوزاعي إذا شهد على رؤية هلال شوال بعد الزوال أنهم رأوه بالأمس أفطر الناس ولو كان ذلك قبل مغيب الشمس بيسير وخرجوا إلى مصلاهم من الغد والحجة لمن قال إنها تصلى من الغد حديث هشيم وغيره عن أبي بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة أمه من الأنصار أنهم حدثوه قالوا أغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صيام فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوه بالأمس فأمر النبي عليه السلام الناس أن يفطروا من يومهم ويخرجوا لصلاتهم من الغد أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمر بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثني شعبة قال حدثني أبو بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له أن قوما رأوا الهلال وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يفطروا بعد ما ارتفع النهار وأن يخرجوا إلى العيد من الغد باب من أجمع الصيام قبل الفجر ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر

وعن بن شهاب عن عائشة وحفصة مثل ذلك قال أبو عمر روى بن القاسم وغيره عن مالك قال لا يصوم إلا من بيت من الليل قال ومن أصبح لا يريد الصيام ولم يصب شيئا من الطعام حتى تعالى النهار ثم بدا له أن يصوم لم يجز له صيام ذلك اليوم وقال مالك من بيت الصيام أول ليلة من رمضان أجزأه ذلك عن سائر الشهر وقال مالك من كان شأنه صيام يوم من الأيام لا يدعه فإنه لا يحتاج إلى التبييت لما قد أجمع عليه من ذلك قال ومن قال لله علي أن أصوم شهرا متتابعا فصام أول يوم بنية ذلك أجزأه ذلك عن باقي أيام الشهر ومذهب الليث في هذا كله كمذهب مالك وقال الشافعي لا يجزئ كل صوم واجب من رمضان أو نذر أو غيره إلا بنية قبل الفجر ويجزئ التطوع أن ينويه قبل الزوال وقال الثوري في صوم رمضان يحتاج أن ينويه من الليل كل أيامه وقال الثوري في صوم التطوع إذا نواه في آخر النهار أجزأه قال وقال إبراهيم له أجر ما استقبل وهو قول الحسن بن حي وقال أبو حنيفة وأصحابه إلا زفر لا يجوز صيام رمضان إلا بنية كل يوم محدودة ويجوز أن ينويه قبل الزوال وإن لم ينوه من الليل وهو قول الأوزاعي وقال الوليد بن مزيد قلت للأوزاعي رجل صام يوما من آخر شعبان تطوعا ثم تبين له بعد ذلك أنه من رمضان أيجزئ ذلك عنه من شهر رمضان قال نعم وقد وفق لصيامه وقال زفر يجزئ صوم رمضان بغير نية قال ولو نوى فيه الإفطار إلا أنه أمسك عما يمسك عنه الصائم أجزأه الصوم إلا أن يكون مسافرا أو مريضا يعذر في الإفطار فلا يجوز إلا أن ينويه من الليل وحجته أنه كما لا يجزئ أن يصوم أحد من شعبان أو غيره صوما يستقبل به

رمضان كذلك لا يكون صيام رمضان عن غيره لأنه وقت لا يصح فيه غيره ولم يختلف عن مالك وبن القاسم أن المسافر يبيت كل ليلة في شهر رمضان وأنه لا يجزئه الصيام في السفر إلا أن بيته من الليل قال أبو عمر روى الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب وروى بن وهب عن بن لهيعة ويحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له قال أبو عمر لم يخص في هذا فرضا ولا سنة من نفل وهذا حديث فرد في إسناده ولكنه أحسن ما روي مرفوعا في هذا الباب والاختلاف في هذا الباب عن التابعين اختلاف كثير ولم يختلف عن بن عمر ولا عن حفصة أنهما قالا لا صيام إلا لمن نواه قبل الفجر وروي عن بن عباس وعلي وبن مسعود وحذيفة وأنس أنهم أجازوا في التطوع أن ينويه بالنهار قبل الزوال وروي عن عائشة فيه حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأتي أهله ويقول هل عندكم من طعام فإن قالوا لا قال وأنا إذا صائم رواه طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله فاختلف عليه فيه فرواه عنه طائفة عن مجاهد عن عائشة وطائفة روته عنه عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين

ومنهم من لا يقول فيه إذا ويقول فأنا صائم وتأولوا فيه قال البخاري قالت أم الدرداء كان أبو الدرداء يقول هل عندكم طعام فإن قلت لا قال فإني صائم وقال وفعله أبو طلحة وأبو هريرة وبن عباس وحذيفة باب ما جاء في تعجيل الفطر ذكر فيه مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وعن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد ذكرناه مسندا في التمهيد وفي هذا فضل تعجيل الفطر وكراهة تأخيره ثم أردف ذلك بما أوضح به التعجيل فروي عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا ثم يفطرا بعد الصلاة وذلك في رمضان ورواية معمر لهذا الحديث عن بن شهاب بخلاف هذا اللفظ ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عمر وعثمان كانا يصليان المغرب في رمضان قبل أن يفطرا وقد روي عن بن عباس وطائفة أنهم كانوا يفطرون قبل الصلاة وروى الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن بن المسيب قال كتب عمر إلى

أمراء الأجناد ألا تكونوا مسرفين بفطركم ولا منتظرين بصلاتكم اشتباك النجوم وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر لأن اليهود يؤخرون قال أبو عمر أجمع العلماء على أنه إذا حلت صلاة المغرب فقد حل الفطر للصائم فرضا وتطوعا وأجمعوا أن صلاة المغرب من صلاة الليل والله عز وجل يقول و أتموا الصيام إلى الليل البقرة حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير ومحمد بن إسماعيل قالا حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرني أبي قال سمعت عاصم بن عمر بن الخطاب يحدث عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبا في رمضان ذكر فيه مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن أبي يونس مولى عائشة عن عائشة أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب وأنا أسمع يا رسول الله إني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فقال صلى الله عليه وسلم وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم فقال له الرجل يا رسول الله إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي سقط ليحيى في هذا الحديث عن عائشة كذلك رواه عنه عبيد الله ابنه وذكر بن وضاح فيه عائشة كما رواه سائر الرواة عن مالك

وذكر مالك أيضا عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أنهما قالتا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع غير احتلام في رمضان ثم يصوم قال أبو عمر الآثار متفقة عن عائشة وأم سلمة وغيرهما بمعنى ما ذكره مالك عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وما أعلم خلافا في ذلك إلا ما يروى عن أبي هريرة وهو قوله من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم وقد وقف على ذلك ما حال فيه على غيره وسنذكره بعد إن شاء الله أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال أخبرنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان عن عمرو عن يحيى بن جدعة قال سمعت عبد الله بن عمرو القارئ قال سمعت أبا هريرة يقول لا ورب هذا البيت ما أنا قلته من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصوم محمد ورب الكعبة قاله وروى الليث عن عقيل عن الزهري قال أخبرني عبد الله بن عبد الله بن عمر أنه احتلم ليلا فاستيقظ قبل أن يطلع الفجر ثم نام قبل أن يغتسل فلم يستيقظ حتى أصبح قال فلقيت أبا هريرة حين أصبحت فاستفتيته في ذلك فقال أفطر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا قال عبد الله بن عبد الله بن عمر فجئت عبد الله بن عمر فذكرت الذي أفتاني به أبو هريرة فقال إني أقسم بالله لأن أفطرت لأوجعن متنيك فإن بدا لك أن تصوم يوما آخر فافعل اختلف عن بن شهاب في اسم بن عبد الله بن عمر هذا فقيل عبد الله بن عبد الله بن عمر وقيل عبيد الله بن عبد الله بن عمر وكان ما يروي كلاهما ثقة ثبت

قال أبو عمر روي عن أبي هريرة أنه رجع عن هذه الفتوى إلى ما عليه الناس من حديث عائشة ومن وافقها روى عبد الله بن المبارك عن بن أبي ذئب عن سليمان بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أخيه محمد بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول من احتلم أو واقع أهله ثم أدركه الفجر ولم يغتسل فلا يصم قال ثم سمعته نزع عن ذلك وروى منصور عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أن أبا هريرة كف ذلك لحديث عائشة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه نزع أيضا وأما اختلاف العلماء في هذا الباب فالذي عليه فقه جماعة الأمصار بالعراق والحجاز القول بحديث عائشة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا ويصوم ذلك اليوم وهو قول علي وبن مسعود وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وأبي ذر وعبد الله بن عمر وبن عباس ومن الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي والليث وأصحابهم وأحمد وأبو ثور وإسحاق وبن علية وأبو عبيد وداود والطبري وجماعة أهل الحديث وروي عن إبراهيم النخعي وعروة بن الزبير وطاوس أن الجنب في رمضان إذا علم بجنابته فلم يغتسل حتى يصبح فهو مفطر وإن لم يعلم حين يصبح فهو صائم وروي عن الحسن البصري وسالم بن عبد الله أنهما قالا يتم صومه ذلك اليوم ويقضيه إذا أصبح فيه جنبا وقال إبراهيم النخعي في رواية إن ذلك يجزئه في التطوع ويقضي في الفرض وكان الحسن بن حي يستحب لمن أصبح جنبا في رمضان أن يقضي ذلك اليوم وكان يقول يصوم الرجل تطوعا وإذا أصبح جنبا فلا قضاء عليه وكان يدعي على الحائض إذا أدركها الصبح ولم تغتسل أن تقضي ذلك اليوم وذهب عبد الملك بن الماجشون في الحائض إلى نحو هذا المذهب انها إذا طهرت قبل الفجر ثم أخرت غسلها حتى تطلع الشمس فيومها يوم فطر لأنها في

بعضه غير طاهرة وليست كالتي تصبح جنبا فتصوم لأن الاحتلام لا ينقض الوضوء والحيض ينقضه قال أبو عمر قول بن الماجشون في التي تؤخر غسلها بعد طهرها قبل الفجر حتى يطلع الفجر ثم تغتسل بعد الفجر أن يومها يوم فطر لأنها كانت في بعضه حائض غفلة شديدة وكيف تكون في بعضه حائضا وقد كمل طهرها قبل الفجر ولذلك أمرت بالغسل ولو لم تكن ما أمرت بالغسل بل هي طاهر فرطت في غسلها فحكمها وحكم الجنب سواء وعلى هذا جمهور العلماء بالحجاز والعراق وهو قول مالك وأصحابه حاشا عبد الملك وقول الشافعي وأبي حنيفة وإسحاق وأحمد وأبي ثور وغيرهم وإنما دخلت الشبهة فيه على بن الماجشون لأن مالكا جعل لها إذا لم تفرط في الحيض من غسلها حكم الحائض وأسقط عنها الصلاة إذا لم تدرك بعد غسلها من غير تفريط مقدار ركعة من وقتها وقد ذكرنا من خالفه من العلماء في ذلك وأما الصيام فالطهر فيه عند العلماء رؤيتها للنقاء ولا يراعون غسلها بالماء فمن طلع بها الفجر طاهرا لزمها صوم ذلك اليوم لأن الصوم ليس من شرطه الاغتسال قال أبو عمر قد ثبت عن النبي في الصائم يصبح جنبا ما فيه غناء واكتفاء عن قول كل أحد ودل كتاب الله تعالى على مثل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قال الله تعالى فالأن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر البقرة فإذا أبيح الجماع والأكل والشرب حتى يتبين الفجر فمعلوم أن الغسل لا يكون إلا بعد الفجر وقد نزع بهذا جماعة من العلماء منهم ربيعة والشافعي وغيرهما ومن الحجة أيضا في ذلك أن العلماء أجمعوا أن الاحتلام بالنهار لا يفسد الصيام وفي حديث سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة وأم سلمة

والحديث الطويل الذي فيه مراجعة مروان لأبي هريرة وهو مذكور في التمهيد على وجهه بما فيه من المعاني من الفقه ما يدل أن الشيء إذا تنوزع فيه رد إلى من يظن به أن يوجد عنده علم منه وذلك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بهذا المعنى وفيه أن من كان عنده علم في شيء وسمع خلافه كان عليه إنكاره من ثقة سمع ذلك أو من غير ثقة حتى يتبين له صحة خلاف ما عنده وفيه أن الحجة القاطعة عند الاختلاف فيما لا نص فيه من كتاب الله سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه اعتراف العالم بالحق وإنصافه إذا سمع الحجة وهكذا أهل العلم والدين وقد ذكرنا في التمهيد وجوها غير هذه من توجيه الحديث قال أبو عمر قد ثبت أن أبا هريرة لم يسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف عليه فيمن أخبره بذلك ففي رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال حدثني الفضل بن عباس رواه معمر وغيره عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن وكذلك رواه جعفر بن ربيعة عن عراك بن عبد الرحمن بن مالك عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وروى المقبري عن أبي هريرة قال حدثنيه بن عباس ورواه عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده عن عائشة وقال فأخبرت أبا هريرة فقال هن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منا حدثني بذلك أسامة بن زيد ذكره النسائي عن جعفر بن مسافر عن بن أبي فديك عن بن أبي ذئب عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن وقد ذكرته بإسناده في التمهيد عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن

هشام أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يقول كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم فقال مروان أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلم عليها ثم قال يا أم المؤمنين إنا كنا عند مروان بن الحكم فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم قالت عائشة ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن أترغب عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فقال عبد الرحمن لا والله قالت عائشة فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم قال ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة قال فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم فذكر له عبد الرحمن ما قالتا فقال مروان أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فإنها بالباب فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعقيق فلتخبرنه ذلك فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة ثم ذكر له ذلك فقال له أبو هريرة لا علم لي بذاك إنما أخبرنيه مخبر مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أنهما قالتا إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلا قبل امرأته

وهو صائم في رمضان فوجد من ذلك وجدا شديدا فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لها فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم فرجعت فأخبرت زوجها بذلك فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لهذه المرأة فأخبرته أم سلمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك فقالت قد أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يحل لرسوله صلى الله عليه وسلم ما شاء فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله إني لأتقاكم لله وأعلمكم بحدوده قال أبو عمر هذا الحديث مرسل عند جميع رواة الموطأ عن مالك والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم صحيح من حديث عائشة وحديث أم سلمة وحفصة وحديث عائشة عند مالك مسند من حديث هشام عن أبيه عن عائشة ومرسل أيضا على ما ذكرنا وفيه من الفقه أن القبلة للصائم جائزة في رمضان وغيره شابا كان أو شيخا على عموم الحديث وظاهره لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل للمرأة هل زوجك شيخ أو شاب ولو ورد الشرع بالفرق بينهما لما سكت عنه عليه السلام لأنه المنبئ عن الله عز وجل مراده من عباده وأظن أن الذي فرق بين الشيخ في القبلة للصائم والشاب ذهب إلى قول عائشة وأيكم أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في

حديثها عنه أنه كان يقبلها وهو صائم صلى الله عليه وسلم يعني أملك لنفسه وشهوته والدليل أن الشيخ والشاب عندها في ذلك سواء وأن قولها إنما خرج على الإشفاق والاحتياط في ذلك ما ذكره مالك عن يحيى بن سعيد أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب كانت تقبل رأس عمر بن الخطاب وهو صائم فلا ينهاها مالك عن أبي النضر عن عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين فدخل عليها زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو صائم فقالت عائشة ما يمنعك أن تدنو من أهلك وتقبلها وتلاعبها فقال أقبلها وأنا صائم فقالت نعم مالك عن زيد بن أسلم أن أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص كانا يرخصان في القبلة للصائم وقد أجمع العلماء على أن من كره القبلة لم يكرهها لنفسها وإنما كرهها خشية ما تحمل إليه من الإنزال وأقل ذلك المذي لم يختلفوا في أن من قبل وسلم من قليل ذلك وكثيره فلا شيء عليه وممن قال بإباحة القبلة للصائم عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وبن عباس وعائشة وبه قال عطاء والشعبي والحسن وهو قول أحمد وإسحاق وداود وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس بالقبلة للصائم إذا كان يأمن على نفسه قالوا وإن قبل وأمنى فعليه القضاء ولا كفارة عليه وهو قول الثوري والحسن بن حي والشافعي وكلهم يقول من قبل فأمنى فليس عليه غير القضاء وقال بن علية لا تفسد القبلة الصوم إلا أن ينزل الماء الدافق

قال أبو عمر لا أعلم أحدا رخص في القبلة للصائم إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها وان من يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه وجب عليه اجتنابها ولو قبل فأمذى لم يكن عليه شيء عند الشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وبن علية وأما أحمد والشافعي فلا يريان الكفارة إلا على من جامع فأولج أو أنزل ناسيا عند أحمد وعند الشافعي عامدا وسيأتي هذا المعنى في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وقال مالك لا أحب للصائم أن يقبل فإن قبل في رمضان فأنزل فعليه القضاء والكفارة وإن قبل فأمذى فعليه القضاء ولا كفارة عليه والمتأخرون من أصحاب مالك البغداديون يقولون إن القضاء ها هنا استحباب وقد أوضحنا في التمهيد ما في هذا الحديث من إيجاب العمل بخبر الواحد وهو قوله صلى الله عليه وسلم ألا أخبرتيها وذكرنا الآثار المتصلة في هذا الباب من طرق في التمهيد وهي كلها تبيح القبلة للصائم باب ما جاء في التشديد في القبلة للصائم ذكر فيه مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم تقول وأيكم أملك لنفسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد ذكرنا هذا الحديث من طرق عن عائشة كلها صحيحة في التمهيد منها ما حدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن عبيد الله بن عمر قال سمعت القاسم بن محمد يحدث عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني في رمضان وهو صائم ثم تقول عائشة وأيكم كان أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه سفيان بن عيينة والثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عائشة

ورواه الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة عن عائشة ورواه بن شهاب عن عروة وأبي سلمة عن عائشة كلهم بمعنى واحد وقد مر في الباب قبل هذا معناه وذكر مالك في هذا الباب عن هشام بن عروة قال عروة بن الزبير لم أر القبلة للصائم تدعو إلى خير وعن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن عباس سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب وذكر عن نافع أن عبد الله بن عمر كان ينهى عن القبلة والمباشرة للصائم قال أبو عمر وممن كره القبلة للصائم بن مسعود وبن عباس روى فضيل بن مرزوق عن عطية عن بن عباس في القبلة للصائم قال إن عروق الخصيتين معلقة بالأنف فإذا وجد الريح تحرك ودعى إلى ما هو أكثر والشيخ أملك لإربه وذكر عبد الرزاق عن معمر عن عاصم بن سليمان الأحول قال جاء رجل شيخ إلى بن عباس يسأله عن القبلة وهو صائم فرخص له وجاءه شاب فنهاه قال عبد الرزاق وأخبرنا بن عيينة عن عبد الله بن أبي يزيد قال سمعت بن عباس يقول لا بأس بها إذا لم يكن معها غيرها قال أبو عمر لم يأخذ مالك بقول بن عباس في ذلك لأنه كرهها للشيخ والشاب وذهب فيها مذهب بن عمر وهو شأنه في الاحتياط رضي الله عنه والأصل أن القبلة لم يكرهها من كرهها إلا لما يخشى أن تولده على الصائم من التطرق إلى الجماع على كل صائم وبالله التوفيق أخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا همام عن قتادة عن رزين بن كريم

عن بن عمر أنه سئل ما للصائم لا يرفث ولا يقبل ولا يلمس وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قلت لأبي روى يونس بن عبيد عن رزيق بن كريم السلمي عن بن عمر أنه سئل ما للصائم من امرأته قال لا يقبل ولا يلمس ولا يرفث عف صومك فقال نعم رزيق بن كريم هذا رواه عنه يونس بن كريم وسعيد الجريري باب ما جاء في الصيام في السفر ذكر في هذا الباب عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر فأفطر الناس وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال تقووا لعدوكم وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قال الذي حدثني لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت قال فلما كان رسول الله بالكديد دعا بقدح فشرب فأفطر الناس وذكر عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال سافرنا مع

رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم وذكر عن هشام بن عروة عن أبيه أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني رجل أصوم أفأصوم في السفر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فصم وإن شئت فأفطر وذكر عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يصوم في السفر وذكر عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يسافر في رمضان ونسافر معه فيصوم عروة ونفطر نحن فلا يأمرنا بالصيام قال أبو عمر قوله وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إنه من كلام بن شهاب وفيه دليل أن في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخا ومنسوخا واحتج من ذهب إلى أن الفطر أفضل في السفر لأن آخر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطر في السفر ورواه معمر عن الزهري وقال فيه قال الزهري فكان الفطر آخر الأمرين وفي هذا الحديث إباحة السفر في رمضان وفي ذلك رد لقول من قال من دخل عليه رمضان لم يجز له أن يسافر فيه إلا أن يصوم لأنه قد لزمه صومه في الحضر ولو دخل عليه رمضان في سفره كان له أن يفطر في سفره ذلك وقد أوضحنا معنى هذا القول ومن قال به فيما بعد من هذا الكتاب وفي هذا الحديث أيضا رد لقول من زعم أن الصيام في السفر لا يجزئ لأن الفطر عزيمة من الله تعالى

روي معنى ذلك عن عمر وبن عمر وأبي هريرة وعبد الرحمن بن عوف وبن عباس على اختلاف عنه وعن الحسن البصري مثله وبه قال قوم من أهل الظاهر وأحاديث هذا الباب تدفع هذا القول وتقضي بجواز الصوم للمسافر إن شاء وأنه مخير إن شاء صام وإن شاء أفطر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام في السفر وأفطر وعلى التخيير في الصوم أو الفطر للمسافر جمهور العلماء وجماعة فقهاء الأمصار وفيه أيضا رد لقول علي رضوان الله عليه أنه من استهل عليه رمضان مقيما ثم سافر أنه ليس له أن يفطر لقول الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر البقرة والمعنى عندهم من أدركه رمضان مسافرا أفطر وعليه عدة من أيام أخر ومن أدركه حاضرا فليصمه روى حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه قال من أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر لزمه الصوم لأن الله تعالى يقول فمن شهد منكم الشهر فليصمه البقرة وبه قال عبيدة وسويد بن غفلة وأبو مجلز كذا قال أبو مجلز لا يسافر أحد في رمضان فإن سافر ولا بد فليصم وقوله مردود لسفر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان وإفطاره فيه واختلف العلماء في فطر رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور في هذا الحديث فقال قوم معناه أنه أصبح مفطرا فقدم الفطر في ليلة فتمادى عليه في سفره وهذا جائز للمسافر بإجماع الأمة إن اختار الفطر إن بيته في سفره وقال آخرون معناه أنه أفطر في نهاره بعد أن مضى صدر منه وأن الصائم جائز له أن يفعل ذلك في سفره واحتجوا بما حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر في رمضان فاشتد الصوم على رجل من أصحابه فجعلت ناقته تهيم به تحت الشجر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمره فدعا لبنا فلما رآه الناس على يده أفطروا

وبحديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس وهم مشاة وركبان فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصوم وإنما ينظرون إلى ما فعلت فدعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فأفطر بعض الناس وصام بعض فقيل للنبي عليه السلام إن بعضهم قد صام فقال أولئك العصاة واختلف العلماء في الذي يختار الصوم في السفر فيبيت الصيام ويبيت صائما ثم يفطر نهارا من غير عذر فكان مالك يوجب عليه القضاء والكفارة لأنه كان مخيرا في الصوم والفطر فلما اختار الصوم وبيته لزمه ولم يكن له الفطر فإن أفطر عامدا من غير عذر فعليه القضاء والكفارة وقد روي عنه أنه لا كفارة عليه وهو قول أكثر أصحابه إلا عبد الملك فإنه قال إن أفطر بجماع كفر لأنه لا يقوى بذلك على سفره ولا عذر له لأن المسافر إنما أبيح له الفطر ليقوى بذلك على سفره وقال سائر الفقهاء بالعراق والحجاز إنه لا كفارة عليه منهم الشافعي والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفة وروى البويطي عن الشافعي قال يفطر إن صح حديث كراع الغميم لم أر بأسا أن يفطر المسافر بعد دخوله في الصوم وروى عنه المزني أنه لا يفطر فإن أفطر فلا كفارة عليه قال أبو عمر الحجة في سقوط الكفارة واضحة من جهة الأثر المذكور عن جابر ومن جهة النظر أيضا لأنه متأول غير هاتك لحرمة صومه عند نفسه وهو مسافر قد دخل في عموم إباحة الفطر وأما حديث سمي فهو مسند صحيح ولا فرق فيه بين أن يسمي التابع الصاحب الذي حدثه أو لا يسميه في جواز العمل بحديثه لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون وهذا أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث وقد روى معنى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بن عباس وأبو سعيد الخدري وجابر

وفيه أيضا من الفقه أن المسافر جائز له الصوم في السفر بخلاف ما روي فيه عمن قدمنا ذكره وأما حديث حميد عن أنس فإن بن وضاح زعم أن مالكا لم يتابع على قوله فيه كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنما الحديث عن حميد عن أنس أنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون فيصوم بعضهم ويفطر بعضهم فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم ليس فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أنه كان شاهدهم في حالهم تلك وهذا غلط منه وقلة معرفة بالأثر وقد تابع مالكا على ذلك جماعة من الحفاظ منهم أبو إسحاق الفزاري وأنس بن عياض ومحمد بن عبد الله الأنصاري وعبد الوهاب الثقفي كلهم رووه عن حميد عن أنس بلفظ حديث مالك سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء وقد ذكرنا أسانيد ذلك كله في التمهيد وروى بن عباس وأبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل لفظ حديث أنس وما أعلم أحدا روى حديث أنس على ما حكاه بن وضاح إلا يحيى بن سعيد القطان عن حميد عن أنس قال كنا نسافر مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان منا الصائم ومنا المفطر فلا يعيب هذا على هذا ولا هذا على هذا ومن هنا قال بن وضاح ما قاله مما ذكرنا عنه والله أعلم لأنه قد روى من حديث القطان ثلاثة أجزاء قد كتبناها عن شيوخنا وفيها هذا الحديث كما ذكر وليس بشيء والذي رواه الحفاظ أولى وفي الحديث من الفقه رد قول من زعم أن الصائم في السفر لا يجزئه الصوم وقد ذكرنا القائلين فيما تقدم من هذا الباب ولا حجة لأحد من السنة الثابتة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صام في السفر ولم يعب على من أفطر ولا على من صام فثبتت حجته ووجب التسليم له وإنما اختلف الفقهاء في الأفضل من الفطر في السفر أو الصوم فيه لمن قدر عليه فروينا عن عثمان بن أبي العاص وأنس بن مالك صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما قالا الصوم في السفر أفضل لمن قدر عليه

وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وهو نحو قول مالك والثوري قالا الصوم في السفر أحب إلينا لمن قدر عليه فاستدللنا أنهم لم يستحسنوه إلا أنه أفضل عندهم وقال الشافعي وهو مخير ولم يفضل وهو قول بن علية وقد روي عن الشافعي أن الصوم أحب إليه وروي عن بن عمر وبن عباس أن الرخصة أفضل وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه كلهم يقول الفطر أفضل لقوله عز وجل يريد الله بكم اليسر البقرة قرأت على عبد الوارث عن قاسم قال حدثنا أحمد بن يزيد قراءة عليه قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصوم في السفر عليكم برخصة الله فاقبلوها وقد روي عن بن عباس في المسافر إن شاء صام وإن شاء أفطر وهو الثابت عن النبي عليه السلام من حديث أنس وحمزة بن عمرو وبن عباس وأبي سعيد قال أبو عمر كان حذيفة وسعيد بن جبير والشعبي وأبو جعفر محمد بن علي لا يصومون في السفر وكان عمرو بن ميمون والأسود بن يزيد وأبو وائل يصومون في السفر وكان بن عمر يكره الصيام في السفر

فإن قال قائل ممن يميل إلى قول أهل الظاهر في هذه المسألة قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس من البر الصيام في السفر وما لم يكن من البر فهو من الإثم يذكر ذلك أن صوم رمضان لا يجزئ في السفر فالجواب أن هذا الحديث خرج لفظه على بعض معين وهو رجل رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم قد ظلل عليه وهو يجود بنفسه فقال ذلك القول أي ليس البر أن يبلغ الإنسان بنفسه هذا المبلغ والله قد رخص له في الفطر حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم ومحمد بن أبي العوام قالا حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو بن حسن عن جابر بن عبد الله قال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا فقالوا صائم فقال ليس من البر أن تصوموا في السفر قال أبو عمر يعني إذا بلغ الصوم من أحدكم هذا المبلغ والله أعلم قال أبو عمر الدليل على صحة هذا التأويل صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ولو كان الصوم في السفر إثما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس منه ويحتمل قوله عليه السلام ليس من البر الصيام في السفر هو أبر البر لأنه قد يكون الإفطار أبر منه إذا كان في حج أو جهاد ليقوى عليه وقد يكون الفطر في السفر المباح برا لأن الله تعالى أباحه وقوله ليس من البر وليس البر سواء إلا أن العرب تقول ما جاءني من أحد تريد ما جاءني أحد ونظير هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم ليس المسكين بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان قيل فمن المسكين قال الذي سئل ولا عليه وقالت عائشة إن المسكين ليقف على بابي الحديث

ومعلوم أن الطواف مسكين وأنه من أهل الصدقة لقوله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والمساكين التوبة وأجمعوا أن الطواف منهم فعلم أن قوله عليه السلام ليس المسكين بالطواف معناه ليس السائل بأشد الناس مسكنة لأن المتعفف الذي لا يسأل الناس أشد مسكنة منه وكذلك قوله عليه السلام ليس من البر الصيام في السفر لأن الفطر فيه بر أيضا لمن شاء أن يأخذ برخصة الله تعالى وقد قال صلى الله عليه وسلم إذا وقف المسكين على باب أحدكم فليبره ولو بتمرة فأما من احتج بقوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر البقرة وزعم أن ذلك عزمة فلا دليل على ذلك لأن ظاهر الكلام وسياقه يدل على الرخصة والتخيير والدليل على ذلك قوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر البقرة ودليل آخر أن المريض الحامل على نفسه إذا صام فإن ذلك يجزئ عنه فدل ذلك أنه رخصة له والمسافر في المعنى مثله والله الموفق للصواب وأما حديث حمزة بن عمرو فإن يحيى رواه عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن حمزة بن عمرو وسائر أصحاب مالك رواه عن هشام عن أبيه عن عائشة كذلك رواه جماعة عن هشام منهم حماد بن سلمة وبن عيينة ومحمد بن عجلان ويحيى القطان وبن نمير وأبو أسامة ووكيع وأبو معاوية والليث بن سعد وأبو حمزة وأبو إسحاق الفزاري كلهم ذكروا فيه عائشة ورواه أبو معشر المدني وجرير بن عبد الحميد والمفضل بن فضالة عن هشام عن أبيه أن حمزة بن عمرو كما رواه يحيى عن مالك ورواه بن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن أبي مراوح عن حمزة بن عمر وأبو الأسود ثبت في عروة وقد خالف هشاما فجعل الحديث عن عروة عن أبي مراوح عن حمزة بن عمرو وعن عروة عن عائشة ورواية أبي الأسود تدل أن رواية يحيى ليست بخطأ

وقد روى سليمان بن يسار هذا الحديث عن حمزة بن عمرو الأسلمي وسنه قريب من سن عروة والحديث صحيح لعروة وقد يجوز أن يكون عروة سمعه من عائشة ومن أبي مراوح جميعا عن حمزة فحدث به عن كل واحد منهما وأرسله أحيانا والله أعلم وفي هذا الحديث التخيير للصائم في سفره في الفطر والصيام وهو مذهب جماعة فقهاء الأمصار روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال دعا عمر بن عبد العزيز سالم بن عبد الله وعروة بن الزبير فسألهما عن الصيام في السفر فقال عروة نصوم وقال سالم لا نصوم فقال عروة إنما أحدث عن عائشة وقال سالم إنما أحدث عن عبد الله بن عمر فلما امتريا قال عمر بن عبد العزيز اللهم اغفر أصومه في اليسر وأفطره في العسر وأما حديثه عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يصوم في السفر فيحتمل أن يكون على الاختيار فيكون أحد القائلين بأن الفطر في السفر أفضل وقد مضت الحجة لهذا القول وعليه وكان عروة أحد المختارين للصوم في السفر وقد ذكرنا ذلك كله والحمد لله باب ما يفعل من قدم من سفر أو أراده في رمضان مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كان إذا كان في سفر في رمضان فعلم أنه داخل المدينة من أول يومه دخل وهو صائم قال مالك من كان في سفر فعلم أنه داخل على أهله من أول يومه وطلع له الفجر قبل أن يدخل دخل وهو صائم قال أبو عمر أما ما ذكره مالك عن عمر فهو المستحب عند جماعة العلماء إلا أن بعضهم أشد تشديدا فيه من بعض وما أعلم أحدا دخل مسافرا على أهله مفطرا كفارة وأما قول مالك في الذي يريد ان يخرج في رمضان مسافرا فطلع له الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم فإن العلماء اختلفوا في الذي يصبح في

الحضر صائما في رمضان ثم يسافر في صبيحة يومه وذلك هل له أن يفطر في ذلك اليوم في سفره أم لا فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي إلى أنه لا يفطر ذلك اليوم وهو قول الزهري ويحيى بن سعيد والأوزاعي وأبي ثور وكلهم قالوا إن أفطر بعد خروجه ذلك اليوم فليس عليه إلا القضاء وروي عن المخزومي وبن كنانة انه يقضي ويكفر وليس قولهما هذا بشيء ولا له حظ من النظر ولا سلف من جهة الأثر وروي عن بن عمر في هذه المسألة أنه يفطر في يومه ذلك إن شاء إذا خرج مسافرا وهو قول الشعبي وأحمد وإسحاق قال أحمد يفطر إذا برز عن البيوت وقال إسحاق يفطر حين يضع رجله في الرحل وهو قول داود وروي عن الحسن في رواية أنه لا يفطر ذلك اليوم إلا أن يشتد عليه العطش فإن خاف على نفسه أفطر وقال إبراهيم النخعي لا يفطر ذلك اليوم ولم يختلف عن مالك في الذي يريد السفر أنه لا يجوز له أن يفطر في الحضر حتى يخرج واختلف أصحابه فيه إن أفطر قبل أن يخرج فذكر بن سحنون عن بن الماجشون أنه إن سافر فلا شيء عليه من الكفارة وإن لم يسافر فعليه الكفارة واحتج بما روي عن الحسن البصري قال يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج وقال أشهب لا شيء عليه من الكفارة سافر أو لم يسافر وقال سحنون عليه الكفارة سافر أو لم يسافر وهو بمنزلة المرأة تقول غدا تأتيني حيضتي فتفطر لذلك ثم رجع إلى قول عبد الملك وقال ليس مثل المرأة لأن الرجل يحدث السفر إذا شاء والمرأة لا تحدث الحيضة

وقال بن حبيب إن كان قد تأهب لسفره وأخذ في سبب الحركة فلا شيء عليه وحكي ذلك عن أصبغ وبن الماجشون فإن عاقه عن السفر عائق كان عليه الكفارة قال أبو عمر هذا ضعف من الذي قاله لأنه إن كانت حركته لسفر وتأهبه يبيح له الفطر وحكمه في ذلك حكم المسافر وقد وقع أكله مباحا وعذره قائم بالعائق المانع فلا وجه للكفارة هنا ولا معنى وروى عيسى عن بن القاسم أنه لا كفارة عليه لأنه متأول في فطره قال أبو عمر هذا أصح أقاويلهم في هذه المسألة لأنه غير منتهك لحرمة الصوم وإنما هو متأول ولو كان الأكل مع نية السفر يوجب عليه الكفارة لأنه كان قبل خروجه ما أسقطها عنه خروجه وتأمل ذلك تجده كذلك إن شاء الله وقد روى إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا عيسى بن ميناء قالون قال حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن بن المنكدر عن محمد بن كعب قال أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا فأكل فقلت له سنة فلا أحسبه إلا قال نعم قال وحدثنا علي بن المديني قال حدثنا أبي عن زيد بن أسلم بإسناده مثله وقال قلت له سنة قال نعم ثم ركب قال وحدثنا به علي بن المديني وإبراهيم بن قرة عن الدراوردي عن زيد بن أسلم بإسناده وقال فيه قلت له سنة قال لا ثم ركب واتفقوا في الذي يريد السفر في رمضان أنه لا يجوز له أن يبيت الفطر لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية وإنما يكون مسافرا بالنهوض في سفره أو الأخذ في أهبته وليست النية في السفر كالنية في الإقامة لأن المسافر إذا نوى الإقامة كان مقيما في الحين لأن الإقامة لا تفتقر إلى عمل والمقيم إذا نوى السفر لم يكن مسافرا حتى يأخذ في سفره ويبرز عن الحضر فيجوز له حينئذ تقصير الصلاة وأحكام المسافر إلا من جعل تأهبه للسفر وعمله فيه كالسفر والبروز عن الحضر لزمه أن لا يجب عليه في أكله قبل خروجه وقد أجمعوا أنه لو مشى في سفره حتى تغيب بيوت القرية والمصر فنزل فأكل ثم عاقه عائق عن النهوض في ذلك السفر لم تلزمه كفارة

وأما قول مالك في الذي يقدم من سفره وهو مفطر وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها في رمضان أن لزوجها أن يصيبها إن شاء قال أبو عمر لم يفرق مالك في هذه المسألة بين قدوم المسافر مفطرا في أول النهار أو في آخره وهو يبين لك أن قوله في آخر الباب من علمه في سفره أنه داخل إلى أهله وطلع له الفجر أنه يدخل صائما على الاستحسان وهو قول الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد والطبري واحتج الثوري بحديث عن جابر بن زيد أنه قدم من سفره في رمضان فوجد امرأته قد طهرت فأصابها قال وقال بن مسعود من أكل أول النهار فليأكل آخره وقال الثوري هو عندي مثل فعل جابر بن زيد وقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي والأوزاعي في الحائض تطهر والمسافر يقدم أنهما يمسكان عن الأكل في بقية يومهما ويقضيان وقال بن شبرمة في المسافر إذا قدم وقد أكل أنه يصوم يومه ويقضي قال وأما المرأة فإنها تأكل إذا طهرت نهارا ولا تصوم قال أبو عمر احتج الكوفيون على مالك والشافعي باتفاقهم في الذي ينوي الإفطار في أول يوم من رمضان وهو عنده آخر يوم من شعبان ثم يصح عنده في ذلك اليوم أنه رمضان ولم يأكل أنه يتم صومه ويقضيه قال أبو عمر ليس هذا بلازم والفرق بينهما أن المسافر له الفطر والحاضر الجاهل بدخول الشهر ليس جهله برافع عنه الواجب عليه إذا علمه لزوال جهله بذلك ولم يكن ما فعله كما كان للمسافر فعل ما فعله من فطره والله الموفق للصواب باب كفارة من أفطر في رمضان مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن

أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا فقال لا أجد فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر فقال خذ هذا فتصدق به فقال يا رسول الله ما أحد أحوج مني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال كله وعن عطاء بن عبد الله الخرساني عن سعيد بن المسيب أنه قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب نحره وينتف شعره ويقول هلك الأبعد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك فقال أصبت أهلي وأنا صائم في رمضان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تستطيع أن تعتق رقبة فقال لا فقال هل تستطيع أن تهدي بدنة قال لا قال فاجلس فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر فقال خذ هذا فتصدق به فقال ما أحد أحوج مني فقال كله وصم يوما مكان ما أصبت قال مالك قال عطاء فسألت سعيد بن المسيب كم في ذلك العرق من التمر فقال ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين قال أبو عمر لم يختلف رواة الموطأ عن مالك في حديث بن شهاب في هذا الباب أنه رواه بلفظ التخيير في العتق والصوم والإطعام ولم يذكر الفطر بأي شيء كان بجماع أو بأكل وتابعه على روايته هذه بن جريج وأبو إدريس عن بن شهاب وكذلك رواه أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن بن شهاب بإسناده مثله ورواه أشهب عن مالك والليث جميعا عن بن شهاب بإسناده مثله وهو خطأ من أشهب على الليث والمعروف فيه عن الليث كرواية بن عيينة ومعمر وإبراهيم بن سعد ومن تابعهم والذي رواه بن عيينة ومعمر وأكثر رواة بن شهاب في هذا الحديث عن بن

شهاب عن حميد عن نافع عن أبي هريرة أن رجلا وقع على امرأته في رمضان فذكروا المعنى الذي به أفطر عامدا وذكروا الكفارة على ترتيب كفارة الطهارة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تستطيع أن تعتق رقبة قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا ثم ذكروا الإطعام إلى آخر الحديث ورواه كما رواه بن عيينة وشعيب بن أبي حمزة والأوزاعي وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر والليث بن سعد وإبراهيم بن سعد والحجاج بن أرطاة ومنصور بن المعتمر وعراك بن مالك كلهم عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة في رجل وقع على امرأته في رمضان على هذا الترتيب وقد رواه قوم عن مالك كرواية هؤلاء على الترتيب وذكر الجماع منهم الوليد بن مسلم وحماد بن مسعدة وإبراهيم بن سعد وقد ذكرنا الأحاديث عنهم وعن أصحاب بن شهاب بذلك في التمهيد والصحيح عن مالك ما في الموطأ وذهب مالك في الموطأ إلى أن المفطر في رمضان بأكل أو شرب أو جماع أن عليه الكفارة المذكورة في هذا الحديث على ظاهره لأنه ليس في روايته فطر مخصوص بشيء دون شيء فكل ما وقع عليه اسم فطر متعمدا فالكفارة لازمة لفاعله على ظاهر الحديث وروي عن الشعبي في المفطر عامدا في رمضان أن عليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين مع قضاء اليوم وروي مثل ذلك عن الزهري ذكره سعيد قال حدثنا معتمر بن سليمان عن برد بن سفيان عن بن شهاب الزهري في الرجل يقع على امرأته في رمضان قال فيه من الكفارة ما في الطهارة بعتق رقبة أو يطعم ستين مسكينا أو يصوم شهرين متتابعين وفي قول الشعبي والزهري ما يقضي لرواية مالك بالتخيير في هذا الحديث وهو حجة مالك إلا أن مالكا يختار الإطعام لأنه يشبه البدل من الصيام ألا ترى أن الحامل والمرضع والشيخ الكبير والمفرط في رمضان حتى يدخل عليه رمضان آخر لا يؤمر واحد منهم بعتق ولا صيام مع القضاء وإنما يؤمر بالإطعام فالإطعام له مدخل من الصيام ونظائر من الأصول فهذا ما اختاره مالك وأصحابه

وقال بن وهب عن مالك الإطعام أحب إلي في ذلك من العتق وغيره وقال بن القاسم عنه إنه لا يعرف إلا الإطعام ولا يأخذ بالعتق لا بالصيام وقد ذكر عن عائشة قصة الواقع على أهله في رمضان في هذا الخبر ولم يذكر فيه الإطعام وذهب الشافعي والثوري وسائر الكوفيين إلى أن كفارة المفطر في رمضان للجماع عامدا ككفارة المظاهر مرتبة وذهبت جماعتهم أيضا إلى أن من كفر بالصيام أن الشهرين متتابعان إلا بن أبي ليلى فقال ليس الشهران متتابعين من ذلك وقد ذكرنا في التمهيد من ذكر التتابع في الشهرين بأسانيد حسان واختلفوا أيضا في قضاء ذلك اليوم مع الكفارة فقال مالك الذي نأخذ به في الذي يصيب أهله في رمضان إطعام ستين مسكينا وصيام ذلك اليوم قال وليس العتق والنحر من كفارة رمضان في شيء وقال الأوزاعي إن كفر بالعتق أو بالطعام صام يوما مكان ذلك اليوم الذي أفطر فإن صام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء يومه ذلك وقال الثوري يقضي اليوم ويكفر مثل كفارة الظهار وقال الشافعي يحتمل إن كفر أن تكون الكفارة بدلا من الصيام ويحتمل أن يكون الصيام بدلا من الكفارة ولكل وجه وأحب إلي أن يكفر ويصوم مع الكفارة هذه رواية الربيع وقال المزني عنه فيمن وطى ء امرأته فأولج عامدا كان عليه القضاء والكفارة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق ويقضي يوما مكانه ويكفر مثل كفارة الظهار

وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله الذي يجامع في رمضان ثم يكفر أليس عليه أن يصوم يوما مكانه قال ولا بد أن يصوم يوما مكانه ومن حجة من لم ير مع الكفارة قضاء أنه ليس في خبر أبي هريرة ولا خبر عائشة ولا في نقل الحفاظ لهما ذكر القضاء وإنما فيهما الكفارة فقط ولو كان القضاء واجبا لذكره مع الكفارة ومن حجة من رأى القضاء مع الكفارة حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا جاء ينتف شعره فقال يا رسول الله وقعت على امرأتي في رمضان فذكر مثل حديث أبي هريرة وزاد وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي يوما مكانه وقد رواه هشام بن سعد عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فخالف الحفاظ فيه في موضعين أحدهما أنه جعله عن أبي سلمة وإنما هو عن حميد والآخر أنه زاد فيه ذكر الصوم قال فيه كله أنت وأهل بيتك وصم يوما مكانه وهشام بن سعد لا يحتج به في حديث بن شهاب ومن جهة النظر والقياس أن الكفارة عقوبة للذنب الذي ركبه والقضاء بدل من اليوم الذي أفسده فكما لا يسقط عن المفسد حجة بالوطئ البدل إذا أهدى فكذا قضاء اليوم والله أعلم واختلف العلماء فيمن أفطر يوما في رمضان بأكل أو شرب متعمدا فقال مالك وأصحابه والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور عليه من الكفارة ما على المجامع كل واحد منهم على أصله الذي قدمنا ذكره عنهم من الترتيب والتخيير وإلى هذا ذهب محمد بن جرير وروي مثل ذلك أيضا عن عطاء في رواية وعن الحسن والزهري وقال الشافعي وأحمد عليه القضاء ولا كفارة عليه وهو قول سعيد بن جبير وبن سيرين وجابر بن سعد والشعبي وقتادة وروى مغيرة عن إبراهيم مثله ذكر سنيد عن عباد بن العوام عن سعيد بن أبي عروبة عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير قال إذا أفطر يوما من رمضان متعمدا قضى يوما مكانه كما قال

وحدثنا عباد بن هشام بن حسان عن سعيد عن بن سيرين قال يعوذ منه من الذنوب يستغفر الله منه ويتوب ويصوم يوما مكانه قال عباد إنما الكفارة على من واقع وقال الشافعي عليه مع القضاء العقوبة وانتهاكه حرمة الشهر وسائر من ذكرنا قوله من التابعين قال يقضي يوما مكانه ويستغفر الله ويتوب إليه قال بعضهم ويصنع معروفا ولم يذكر عنهم عقوبة وقال أحمد والشعبي لا أقول بالكفارة إلا في الفتيان ذكره الأثرم عنه وقد روي عن عطاء أن من أفطر يوما من رمضان من غير علة كان عليه تحرير رقبة فإن لم يجد فبقرة أو بدنة أو عشرون صاعا من طعام يطعم المساكين وروى قتادة عن الحسن قال إذا لم يجد المجامع عامدا في رمضان رقبة أهدى بدنة إلى مكة قال ولو أفطر بغير جماع لم يكن عليه إلا قضاء يوم وقد روي عن الحسن أنه سوى بين الآكل والمجامع في الرقبة والبدنة وعن بن عباس قال عليه عتق رقبة أو صوم شهر أو إطعام ثلاثين مسكينا وعن بن المسيب أنه قال عليه صوم شهر وعنه أيضا وهو قول ربيعة أن عليه أن يصوم اثني عشر يوما وكان ربيعة يحتج لقوله هذا بأن شهر رمضان فضل على اثنى عشر شهرا فمن أفطر فيه يوما كان عليه اثنى عشر يوما وكان الشافعي يعجب من هذا وينتقص فيه ربيعة ولربيعة شذوذ منها في المحرم يقتل جرادة أن عليه صاعا من قمح لأنه أذى الصيد ومنها فيمن طلق امرأة من نسائه الأربع وجهلها بعينها أنه لا يلزمه فيهن شيء ولا يمنع من وطئهن وبه قال داود وروى معمر عن قتادة عن بن المسيب أنه سأله عن رجل أكل في رمضان

عامدا قال عليه صيام شهر فقلت يومين قال صيام شهر قال فعددت أياما فقال صيام شهر هكذا قال معمر عن قتادة وهي رواية مفسرة وأظنه ذهب إلى التتابع في الشهر ألا يخلطه بفطر كأنه يقول من أفسده بفطر يوم أو أكثر قضاه كله نسقا لأن الله تعالى فرض شهر رمضان وهو متتابع فإذا تخلله فطر لزمه في القضاء التتابع كمن قدر صوم شهر رمضان متتابعا والله أعلم وقال بن سيرين يقضي يوما ويستغفر الله قال أبو عمر أقاويل التابعين بالعراق والحجاز لا وجه لها عند أهل الفقه لمخالفتها السنة وإنما في المسألة قولان أحدهما قول مالك ومن تابعه والحجة لهم حديث بن شهاب هذا ومن جهة النظر أن الآكل والشارب في القياس كالمجامع سواء لأن الصوم من الشريعة الامتناع من الأكل والشرب والجماع فإذا أثبتت الشريعة من وجه واحد منها شيء سبيل نظيره في الحكم سبيله والنكتة الجامعة بينهما انتهاك حرمة الشهر بما يفسد الصوم عمدا ولفظ حديث مالك يجمع كل فطر والقول الثاني قول الشافعي ومن تابعه والحجة لهم أن الحديث ورد في المجامع وليس الأكل مثله فدليل إجماعهم أن المستقيء عامدا عليه القضاء وليس عليه كفارة وهو مفطر عمدا وكذلك مزدرد الحصاة عمدا عليه القضاء وهو مفطر متعمدا ولأن الذمة بريئة فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين وروى أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أفطر يوما من رمضان قويا متعمدا لم يجزه صيام الدهر وإن صامه وروي عن علي وبن مسعود مثله وهذا يحتمل أن يكون لو صح على التغليظ وهو حديث ضعيف لا يحتج به وقد جاءت الكفارة بأسانيد صحاح

واختلف الفقهاء فيما يجزئ من الإطعام عمن يجب أن يكفر فيه عن فساد يوم من شهر رمضان فقال مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي يطعم ستين مسكينا بمد النبي صلى الله عليه وسلم مدا لكل مسكين وذكر ان العرق كان فيه خمسة عشر صاعا وذلك في حديث مالك عن عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب وهو مذكور أيضا في حديث مجاهد وعطاء عن أبي هريرة وقد ذكرناه في التمهيد إلا أن في حديث أبي هريرة عشرين صاعا وقد روي ذلك من وجوه مرسلة ومسندة ومعلوم أن ذلك غير ما ذهب إليه من قال بنصف صاع لكل مسكين وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه لا يجزئه أقل من مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك نصف صاع لكل مسكين قياسا على فدية الأذى وقول مالك أولى لأنه نص لا قياس واختلف العلماء أيضا في الواطئ أهله في رمضان إذا وجب عليه التكفير بالإطعام دون غيره ولم يجد ما يطعم وكان في حكم الرجل الذي ورد فيه الحديث فأما مالك فلم أجد عنه في ذلك شيئا منصوصا وكان عيسى بن دينار يقول إنها على المعسر واجبة فإذا أيسر أداها وقد يخرج قول بن شهاب على هذا لأنه جعل إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل أكل الكفارة لعسرته رخصة له وخصوصا قال بن شهاب ولو أن رجلا فعل ذلك لم يكن له بد من التكفير وقيل للأوزاعي فيمن لم يجد كفارة المفطر ولم يقدر على الصيام أيسأل في الكفارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رد كفارة المفطر عليه وعلى أهله فليستغفر الله ولا يعد ولم ير عليه شيئا إذا كان معسرا وقال الشافعي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كله وأطعمه أهلك يحتمل معاني منها أنه لما كان في الوقت الذي أصاب فيه أهله ليس ممن يقدر على واحدة من الكفارات تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قال له في شيء أتي به كفر به فلما ذكر الحاجة ولم يكن الرجل قبضه قال له كله وأطعمه أهلك وجعل التمليك له حينئذ مع القبض

ويحتمل أن يكون لما ملكه وهو محتاج وكان إنما تكون الكفارة عليه إذا كان عنده فضل ولو لم يكن عنده فضل كان له أكله هو وأهله لحاجته ويحتمل في هذا أن تكون الكفارة دينا عليه متى أطاقها أداها وإن كان ذلك ليس في الخبر وكان هذا أحب إلينا وأقرب من الاحتياط قال ويحتمل إذا كان لا يقدر على شيء من الكفارات وكان لغيره أن يكفر عنه كان لغيره أن يتصدق عليه وعلى أهله بتلك الكفارة إذا كانوا محتاجين ويجزئ عنه ويحتمل أن يكون إذا لم يقدر على شيء في حاله تلك أن تكون الكفارة ساقطة عنه إذا كان معسرا كما سقطت الصلاة عن المغمى عليه إذا كان مغلوبا وقال الأثرم قلت لابن حنبل حديث الزهري عن حميد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أطعمه عيالك أتقول به قال نعم إذا كان محتاجا ولكن لا يكون في شيء من الكفارات إلا في الجماع في رمضان وحده لا في كفارة اليمين ولا في كفارة الظهار قيل له أليس في حديث سلمة بن صخر حين ظاهر من امرأته ووقع عليها نحو هذا قال ولمن تقول هذا إنما حديث سلمة بن صخر تصدق بكذا واستعن بسائره على أهلك فإنما أمر له بما بقي قلت فإن كان المجامع محتاجا فأطعمه عياله قال يجزئ عنه قلت ولا يكفر إذا وجد قال لا إلا أنه خاص في الجماع وحده وزعم الطبري أن قياس الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور أن الكفارة دين عليه لا يسقطها عنه عسره وعليه أن يأتي بها إذا قدر عليها كسائر الكفارات قال أبو عمر إن احتج محتج في إسقاط الكفارة عن المعسر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له كله أنت وعيالك ولم يقل له تؤديها إذا أيسرت ولو كانت واجبة عليه لم تسقط عنه حتى يبين ذلك له قيل له ولا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها ساقطة عنك لعسرتك بعد أن أخبره بوجوبها عليه وكل ما وجب أداؤه في اليسار لزم الذمة إلى الميسرة والله أعلم واختلفوا في الكفارة على المرأة إذا وطئها زوجها وهي طائعة في رمضان فقال مالك إذا طاوعته فعلى كل واحد منهما كفارة وإذا أكرهها فعليه كفارتان عنه وعنها وكذلك إذا وطى ء أمته كفر كفارتين

وقال الأوزاعي سواء طاوعته امرأته أو أكرهها فليس عليه إلا كفارة واحدة إن كفر بالعتق أو الإطعام فإن كفر بالصيام فعلى كل واحد منهما صيام شهرين متتابعين وقال الشافعي الصيام والعتق والإطعام سواء ليس عليهما إلا كفارة واحدة وسواء طاوعته أو أكرهها لأن النبي عليه السلام إنما أجاب السائل بكفارة واحدة ولم يسأله طاوعته امرأته أو أكرهها ولو كان الحكم مختلفا لما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم تبيين ذلك وهو قول داود وأهل الظاهر وأجمعوا أن كفارة المظاهر واحدة وإن وطى ء قال أبو حنيفة وأصحابه إن طاوعته فعلى كل واحد منهما كفارة وإن أكرهها فعليه كفارة واحدة ولا شيء عليها ومن حجة من رأى الكفارة لازمة عليها إن طاوعته القياس على قضاء ذلك اليوم فوجب عليها قضاء ذلك اليوم وجبت عليها الكفارة وأجمعوا على أن من وطى ء في رمضان فكفر عنه ثم وطى ء في يوم آخر أن عليه كفارة أخرى وأجمعوا على أن ليس على من وطى ء مرارا في يوم واحد إلا كفارة واحدة واختلفوا فيمن وطى ء في يوم من رمضان فلم يكفر حتى وطى ء في يوم آخر فقال مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد عليه لكل يوم كفارة كفر أو لم يكفر وقال أبو حنيفة وأصحابه إن كفر ثم وطى ء فعليه كفارة أخرى وإن وطى ء قبل أن يكفر فكفارة واحدة قياسا على حد الزاني والسارق وقال الثوري أحب إلي أن يكفر عن كل يوم وأرجو أن تجزئه كفارة واحدة ما لم يكفر واختلفوا فيمن جامع ناسيا في صومه فقال الشافعي والثوري في رواية الأشجعي وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأبو ثور وإسحاق بن راهويه ليس عليه شيء لا قضاء ولا كفارة بمنزلة من أكل ناسيا عندهم وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وإبراهيم وقال مالك والليث والأوزاعي والثوري في رواية عليه القضاء ولا كفارة

وروي مثل ذلك عن عطاء وقد روي عن عطاء أن عليه الكفارة مع القضاء وقال مثل هذا لا ينسى وقال قوم من أهل الظاهر سواء وطى ء ناسيا أو عامدا عليه القضاء والكفارة وهو قول عبد الملك بن الماجشون وإليه ذهب أحمد بن حنبل لأن الحديث الموجب للكفارة لم يفرق فيه بين الناسي والعامد قال أحمد بن حنبل وظاهر قول الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم وقعت على امرأتي النسيان والجهالة فلم يسأله أنسيت أم تعمدت وأفتاه على ظاهر الفعل واختلفوا أيضا فيمن أكل أو شرب ناسيا فقال الثوري وبن أبي ذئب والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وإسحاق وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه وداود لا شيء عليه ويتم صومه وهو قول جمهور التابعين قال ربيعة ومالك عليه القضاء وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل عمن أكل ناسيا في رمضان فقال ليس عليه شيء على حديث أبي هريرة الله أطعمه وسقاه ثم قال أبو عبد الله مالك زعموا أنه يقول عليه القضاء وضحك وروي عن علي بن أبي طالب وبن عمر وعلقمة وإبراهيم وبن سيرين وجابر بن زيد من أكل ناسيا لا قضاء عليه وأما حديثه عن عطاء الخرساني عن سعيد بن المسيب فلم يختلف على مالك في إرساله وكذلك رواه بن جريج عن عطاء كما قال مالك سواء ولا يحفظ عن سعيد بن المسيب ذكر البدنة إلا من رواية عطاء الخرساني وهو ثقة وروي عن أيوب عن القاسم بن عاصم أنه قال لسعيد بن المسيب إن عطاء الخرساني يحدث عنك في الرجل الذي وقع على أهله في رمضان أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بعتق رقبة قال لا أجد فقال انحر جزورا فقال لا أجد قال فتصدق بعشرين صاعا من تمر فقال سعيد كذب الخرساني إنما بلغني أن النبي عليه السلام قال له تصدق فتصدق

قال أبو عمر قد ذكرنا هذا الحديث في التمهيد اضطراب فيه على القاسم بن عاصم ولا يجرح بمثله عطاء الخرساني بفضله وشهرته في العلم والخبر أكثر من شهرة القاسم بن عاصم وإن كان البخاري ذكر عطاء الخرساني بهذا الخبر في كتاب الضعفاء له ولم يتابعه أحد على ذلك وعطاء مشهور الفضل وقد روى عنه الأئمة وله فضائل جمة وأما ذكر البدنة في هذا الخبر فلا أعلمه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا إلا من رواية ليث عن مجاهد وعطاء جميعا عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام ذكره البخاري في التاريخ عن بن شريك عن أبيه عن ليث عن عطاء ومجاهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أعتق رقبة ثم قال انحر بدنة قال البخاري ولا يتابع عليه قال أبو عمر أحسن طرق هذا الحديث عندي والله أعلم ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن يزيد المعلم قال حدثني موسى بن معاوية قال حدثنا جرير عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وقعت على امرأتي في رمضان قال بئس ما صنعت أعتق رقبة قال لا أجد قال انحر بدنة قال لا أجدها قال اذهب فتصدق بعشرين صاعا قال لا أجد قال فجئني أتصدق عنك قال ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه مني قال اذهب فكله أنت وأهلك قال أبو عمر قد وجدنا ذكر البدنة في هذا الحديث من غير رواية عطاء الخرساني فلا وجه لإنكار من أنكر ذلك عليه والله أعلم إلا أن العمل عند أهل العلم بالحجاز والعراق الذين تدور عليهم الفتوى على ما في حديث بن شهاب عن حميد عن أبي هريرة المذكور عنه في هذا الباب ليس فيه نحر البدنة وما أعلم أحدا أفتى في هذه المسألة بنحر بدنة إلا عطاء والحسن البصري على ما تقدم قال أبو عمر روى قتادة عن سعيد بن المسيب أن الرجل الذي وقع على امرأته في رمضان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سلمان بن صخر البياضي وهذا وهم من قتادة وممن رواه عن قتادة وليس في أصحاب النبي عليه

السلام من يسمى سلمان إلا سلمان الفارسي وسلمان بن عامر الضبي والحديث الصحيح إنما فيه سلمة بن صخر ولو صح سلمان لأمكن أن يكون أخا سلمة بن صخر البياضي وقد ذكرنا الخبر بإسناده في التمهيد وقد قيل إن سلمة بن صخر كان يقال له سلمان فالله أعلم قال مالك سمعت أهل العلم يقولون ليس على من أفطر يوما في قضاء رمضان بإصابة أهله نهارا أو غير ذلك الكفارة التي تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أصاب أهله نهارا في رمضان وإنما عليه قضاء ذلك اليوم قال مالك وهذا أحب ما سمعت فيه إلي قال أبو عمر على ما ذكره مالك جمهور العلماء أن المجامع في قضاء رمضان لا كفارة عليه حاشا قتادة وحده وعليه الكفارة وكذلك جمهور العلماء يقولون إن المفطر في قضاء رمضان لا يقضيه وإنما عليه ذلك اليوم الذي كان عليه من رمضان لا غير إلا بن وهب ورواية عن بن القاسم فإنهما جعلا عليه يومان قياسا على الحج وقوله بعرق تمر فأكثرهم يرويه بسكون الراء والصواب عند أهل اللغة فتح الراء وزعم بن حبيب أنه رواه مطرف عن مالك بتحريك الراء قال والعرق بفتح الراء المكتل العظيم الذي يسع قدر خمسة عشر صاعا وهي ستون مدا كذلك سمعت مطرفا وبن الماجشون يقولان وقال الأخفش أحمد بن عمران المكتل العظيم وإنما سمي عرقا لأنه يعمل عرقة عرقه ثم يضم والعرقة الطريقة العريضة ولذلك سميت درة المكتب عرقة يقال عرقة وعرق كما يقال علقة وعلق قال أبو كبير الهذلي نغدو فنترك في المزاحف من ثوى ونقر في العرقات من لم يقتل

باب ما جاء في حجامة الصائم وذكر فيه عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم قال ثم ترك ذلك بعد فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر وذكر عن بن شهاب أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان وعن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يحتجم وهو صائم ثم لا يفطر قال وما رأيته احتجم قط إلا وهو صائم قال أبو عمر أما بن عمر فإنما ترك الحجامة صائما لما بلغه فيها والله أعلم ومن الورع بالموضع المعلوم وأما عروة بن الزبير فإنه كان يوصل الصوم فمن هنا قال ابنه ما احتجم إلا وهو صائم وأما سعد فإن حديثه في الموطأ منقطع ورواه عفان عن عبد الواحد بن زياد عن عثمان بن حكيم عن عامر بن سعد قال كان أبي يحتجم وهو صائم قال أبو عمر هذا الخبر عن سعد يضعف حديث سعد المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم وقد أنكروه على من رواه عن سعد لما جاء عنه من طريق بن شهاب وغيره أنه كان يحتجم وهو صائم وحديثه في أفطر الحاجم والمحجوم انفرد به داود بن الزبرقان وهو متروك الحديث عن محمد بن جحادة عن مصعب بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم

وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم من طرق يصحح بعضها أهل العلم بالحديث منها حديث رافع بن خديج وحديث ثوبان وحديث شداد بن أوس وهذه أحسن ما روي في هذا المعنى قال أبو داود قلت لأحمد بن حنبل أي حديث أصح في أفطر الحاجم والمحجوم قال حديث ثوبان قال أبو عمر لم يخرج أبو داود غيره وخرج حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم صائما وأما حديث أسامة بن زيد وحديث معقل بن سنان وحديث أبي هريرة فمعلولة لا يثبت شيء منها من جهة النقل وقد جاء عن عائشة وبن عباس في ذلك ما لا يصح عندهما بل الصحيح عنها وعن بن عباس خلاف ذلك أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم ورواه وهب عن أيوب بإسناده مثله وزاد وهو محرم ورواه هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس ورواه مقسم عن بن عباس قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما محرما

فحديث بن عباس صحيح لا مدفع فيه ولا يختلف في صحته وثبوته وقد صحح أحمد بن حنبل حديث ثوبان وحديث شداد بن أوس وحديث رافع بن خديج في أفطر الحاجم والمحجوم قال علي بن المديني حديث رافع بن خديج صحيح قال أبو عمر رواه جماعة منهم معمر عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم والقول عندي في هذه الأحاديث أن حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم صائما محرما ناسخ لقوله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم لأن في حديث شداد بن أوس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عام الفتح على رجل يحتجم لثماني عشر ليلة خلت من رمضان فقال أفطر الحاجم والمحجوم فابن عباس شهد معه حجة الوداع وشهد حجامته يومئذ محرم صائم فإذا كانت حجامته عليه السلام عام حجة الوداع فهي ناسخة لا محالة لأنه لم يدرك بعد ذلك رمضان لأنه توفي في ربيع الأول صلى الله عليه وسلم وإنما وجه النظر والقياس في ذلك بأن الأحاديث متعارضة متدافعة في إفساد صوم من احتجم فأقل أحوالها أن يسقط الاحتجاج بها والأصل أن الصائم لا يقضى بأنه مفطر إذا سلم من الأكل والشرب والجماع إلا بسنة لا معارض له ووجه آخر من القياس وهو ما قال بن عباس الفطر مما دخل لا مما خرج وقد أجمعوا على ألا يقال للخارجة من جميع البدن نجاسة كانت أو غيرها أنها لا تفطر الصائم لخروجها من بدنه فكذلك الدم في الحجامة وغيرها فإن احتج محتج بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ذرعه القيء فلا شيء عليه ومن استقاء فعليه القضاء وبحديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قيل له هذه حجة لنا لأنه لما لم يكن على من ذرعه القيء شيء دل على أن ما

خرج من نجس وغيره من الإنسان لا يفطره وكان المستقيء بخلاف ذلك لأنه لا يرى منه رجوع بعض القيء في حلقه لتردد ذلك وتصعده ورجوعه وأما الحديث عنه عليه السلام أنه قاء فأفطر فليس بالقوي ومعنى قاء استقاء والمعنى فيه ما ذكرنا وقد روي عن النبي عليه السلام بمثل هذه الأسانيد من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث لا يفطرن الصائم القيء والحجامة والاحتلام ومن حديث حميد الطويل عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبلة وفي الحجامة للصائم ومن حديث أبي سعيد أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم وحسبك بحديث بن عباس في ذلك فإنه لا مدفع فيه عند جماعة أهل العلم بالحديث وهذا بيان تهذيب هذه المسألة من طريق الأثر ومن طريق القياس والنظر وهذه المقايسة إنما تصح في المحجوم لا الحاجم ويرجع ذلك إلى أنها من العبادات التي لا يوقف على عللها وأنها مسألة أثرية لا نظرية ولهذا ما قدمنا الآثار في الواردة بها وقد اضطربت وصح النسخ فيها لأن حجامته صلى الله عليه وسلم صحت عنه وهو صائم محرم عام حجة الوداع وقوله أفطر الحاجم والمحجوم كان منه عام الفتح في صحيح الأثر بذلك وأما الحاجم فقد أجمعت الأمة أن رجلا لو سقى رجلا ماء وأطعمه خبزا طائعا أو مكرها لم يكن بفعله ذلك لغيره مفطرا فدل ذلك على أن الحديث ليس على ظاهره في حكم الفطر وإنما هو في ذهاب الأجر لما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك كما روي من لغى يوم الجمعة فلا جمعة له يريد ذهاب أجر جمعته باللغو وقد قيل إنهما كانا يغتابان غيرهما أو قاذفين فبطل أجرهما لا حكم صومهما والله أعلم وما ذكرناه هو أصح من هذا وأولى بذوي العلم إن شاء الله

وأما اختلاف العلماء فيها فمعلوم من الصحابة ومن بعدهم روينا عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كرهوا الحجامة للصائم وقال منهم جماعة لا بأس بها للصائم ويحتمل أن يكون كرهها من كرهها منهم لما يخشى على فاعلها من الضعف عن تمام صومه من أجلها حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي قال حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال ما كنا ندع الحجامة للصائم إلا مخافة الجهد وأما اختلاف فقهاء الأمصار في ذلك فقال مالك في الموطأ لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية أن يضعف ولو أن رجلا احتجم وسلم من أن يفطر لم أر عليه قضاء وهو قول الثوري وقال أبو حنيفة وأصحابه إن احتجم الصائم لم يضره شيء وقال أبو ثور أحب إلي أن لا يحتجم أحد صائما فإن فعل لم يفطر وهو باق على صومه وهذا معنى قول الشافعي لأنه قال في بعض كتبه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم محرم وقال لا أعلم واحدا من الحديثين ثابتا ولو توقى رجل الحجامة صائما كان أحب إلي إن احتجم صائما لم أر ذلك يفطره وأما أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه فقالا لا يجوز لأحد أن يحتجم صائما فإن فعل فعليه القضاء وبه قال داود والأوزاعي وعطاء إلا أن عطاء قال إن احتجم ساهيا لصومه أو جاهلا فعليه القضاء وإن احتجم متعمدا فعليه القضاء والكفارة قال أبو عمر شذ عطاء عن جماعة العلماء في إيجابه الكفارة في ذلك وقوله أيضا خلاف السنة فيمن استقاء عامدا فعليه القضاء والكفارة وقال بن المبارك من احتجم قضى ذلك اليوم وقال عبد الرحمن بن مهدي من احتجم وهو صائم فعليه القضاء

قال أبو عمر لا قضاء عليه لما قدمنا وهو الصحيح وبالله التوفيق باب صيام يوم عاشوراء مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه وذكر عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يوم عاشوراء عام حج وهو على المنبر يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر قال أبو عمر لا يختلف العلماء أن يوم عاشوراء ليس بفرض صيامه وفي هذا الحديث دليل على فضل صوم يوم عاشوراء لأنه لم يخصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بندبه أمته إلى صيامه وإرشادهم إلى ذلك وإخباره إياهم بأنه صائم له ليقتدوا به إلا لفضل فيه وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة وقوله فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطر فإنها إباحة وردت بعد وجوب وذلك أن طائفة من العلماء قالوا إن صوم يوم عاشوراء كان فرضا ثم نسخ بشهر رمضان فلهذا ما أخبرهم بهذا الكتاب واحتجوا بحديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل في رمضان الحديث

هكذا رواه بن عيينة وجماعة عن بن شهاب عن عروة عن عائشة وروى سعيد بن جبير عن بن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد يهود تصوم يوم عاشوراء فقال لهم ما هذا قالوا يوم نجى الله فيه موسى وأغرق فرعون فنحن نصومه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه ولما فرض رمضان صام رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الفضيلة والتبرك وأمر بصيامه على ذلك وأخبر بفضل صومه وفعل ذلك بعده أصحابه ذكر مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أرسل إلى الحارث بن هشام إن غدا يوم عاشوراء فصم وأمر أهلك أن يصوموا وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه أخبره أن عمر بن الخطاب أرسل إلى عبد الرحمن بن الحارث ليلة عاشوراء أن تسحر لتصبح صائما فأصبح عبد الرحمن صائما هكذا قال أرسل إلى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهذا حديث متصل وهو عندي أصح من بلاغ مالك والله أعلم وروي عن علي مثل ذلك حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أنه كان يأمر بالصيام يوم عاشوراء وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن يزيد قال سمعت بن عباس يقول ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم يوم فضله على الأيام إلا يوم عاشوراء

ومن حديث أبي قتادة عن النبي عليه السلام قال صيام يوم عاشوراء يكفر سنة والدليل على تأكيد صومه على جهة الفضل لا على الفرض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه أذن في قومك يوم عاشوراء أن يصوموا ومن أكل منهم فليصم بقية يومه أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن المنهال قال حدثنا زيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة عن محمد أن أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء فقال صمتم يومكم هذا قالوا لا قال فأتموا بقية يومكم واقضوه وهذا عندي يحتمل أن يكون ذلك قبل أن يفرض رمضان إذ كان عاشوراء يصام على الوجوب ويحتمل أن يكون ذلك لفضله تأكيدا في التقرب بصومه والله أعلم وهو حديث مختلف فيه على قتادة فسعيد يقول عبد الرحمن بن سلمة أو سلمة عن عمه وشعبة يقول عن قتادة عن عبد الرحمن بن المنهال الخزاعي عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسلم يوم عاشوراء صوموا اليوم قالوا إنا قد أكلنا قال صوموا بقية يومكم واختلف العلماء في يوم عاشوراء فقالت طائفة هو اليوم العاشر من المحرم وممن روي ذلك عنه سعيد بن المسيب والحسن البصري وقال آخرون هو اليوم التاسع منه واحتجوا بحديث الحكم بن الأعرج قال أتيت بن عباس في المسجد الحرام فسألته عن صيام يوم عاشوراء فقال اغد فإذا أصبحت اليوم التاسع فأصبح صائما قلت كذلك كان محمد يصوم قلت نعم صلى الله عليه وسلم

وقد روي عن بن عباس القولان جميعا وقال قوم من أهل العلم من أحب صيام يوم عاشوراء صام التاسع والعاشر وأظن ذلك احتياطا منهم وممن روي عنه ذلك بن عباس أيضا وأبو رافع صاحب أبي هريرة وبن سيرين وقاله الشافعي وأحمد وإسحاق وروى القطان عن بن أبي ذئب عن شعبة مولى بن عباس قال كان بن عباس يصوم يوم عاشوراء في السفر ويوالي بين اليومين مخافة أن يفوته وكان بن سيرين يصوم العاشر فيبلغه أن بن عباس كان يصوم التاسع والعاشر فكان بن سيرين يصوم التاسع والعاشر وروى بن جريج عن عطاء أنه سمع بن عباس يقول خالفوا اليهود صوموا التاسع والعاشر وقال معقل بن يسار وبن عباس عاشوراء اليوم التاسع ولكنه اسمه العاشوراء وروى بن وهب عن يحيى بن أيوب أن إسماعيل بن أمية حدثه أنه سمع أبا غطفان يقول سمعت بن عباس يقول حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان العام القابل صمنا التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال صاحب العين عاشوراء اليوم العاشر من المحرم قال ويقال اليوم التاسع وروي عن بن شهاب أنه كان يصوم يوم عاشوراء في السفر وكان يأمر بفطر رمضان في السفر فقيل له في ذلك فقال رمضان له عدة من أيام أخر وعاشوراء يفوت وروي عن بن عمر وطاوس أنهما كانا لا يصومان عاشوراء في السفر حدثنا أحمد بن قاسم ومحمد بن إبراهيم ومحمد بن حكم قالوا حدثنا

محمد بن معاوية قال حدثنا الفضل بن الحباب قال حدثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي قال حدثنا شعبة عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته قال جابر جربناه فوجدناه كذلك وقال أبو الزبير وقال شعبة مثله حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو وضاح قال حدثنا أبو محمد العابد عن بهلول بن راشد عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال قال عمر بن الخطاب من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة قال يحيى بن سعيد جربنا ذلك فوجدناه حقا وروى بن عيينة وإبراهيم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال من وسع على أهله في عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة قال سفيان جربنا ذلك فوجدناه كذلك وسيأتي القول في معنى قول معاوية يا أهل المدينة أين علماؤكم في باب إصلاح الشعر في الجامع إن شاء الله تعالى باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر ذكر فيه مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين يوم الفطر ويوم الأضحى وذكر أنه سمع أهل العلم يقولون لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها وهي أيام مني ويوم الأضحى ويوم الفطر فيما بلغنا قال وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك

قال أبو عمر صيام هذين اليومين لا خلاف بين العلماء في أنه لا يجوز على حال من الأحوال لا لمتطوع ولا لناذر ولا لقاض فرضا أن يصومهما ولا لمتمتع لا يجد هديا ولا يأخذ من الناس وهما يومان حرام صيامهما فمن نذر صيام واحد منهما فقد نذر معصية وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ولو نذر ناذر صيام يوم بعينه أو صياما بعينه مثل سنة بعينها فوافق هذا اليوم فطرا أو أضحى فأجمعوا أنه لا يصومها واختلفوا في قضائها ففي أحد قولي الشافعي وزفر بن الهذيل وجماعة ليس عليه قضاؤها وهو قول بن كنانة صاحب مالك وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يقضيهما وهو قول الحسن بن حي والأوزاعي وآخر قولي الشافعي وروي عن الأوزاعي أنه يقضيهما إلا أن ينوي أن لا يقضيهما ولا يصومهما واختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أوجه أحدها أنه لا يقضيهما والآخر أنه يقضيهما إلا أن يكون نوى أن لا يقضيهما والثالث أنه لا يقضيهما إلا أن يكون نوى أن يصومهما وروى الرواية الأولى بن وهب عنه والروايتان الأخريان رواهما بن وهب وبن القاسم عنه قال بن القاسم قوله لا قضاء عليه إلا أن ينوي أن يقضيهما أحب إلي فأما آخر أيام التشريق الذي ليس فيه ذبح عنده فإنه يصومه ولا يدعه وقال الليث بن سعد فيمن جعل على نفسه صيام سنة أنه يجعل على نفسه صيام ثلاثة عشر شهرا لمكان رمضان ويومين لمكان الفطر والأضحى ويصوم أيام التشريق

وقال المرأة في ذلك مثل الرجل وتقضي أيام الحيض وروي عنه فيمن نذر صيام الاثنين والخميس فوافق ذلك الفطر والأضحى أنه يفطر ولا قضاء عليه وهذا خلاف الأول إلا أني أحسب أنه جعل الاثنين والخميس كمن نذر صوم سنة بعينها والجواب الأول في سنة بغير عينها قال أبو عمر القياس أن لا قضاء في ذلك لأن من نذر صيام يوم بعينه أبدا لا يخلو أن يدخل يوم الفطر والأضحى في نذره أو لا يدخل فإن دخل في نذره فلا يلزمه لأن من قصد إلى نذر صومه لم يلزمه ونذره ذلك باطل ومن لم يدخل في نذره فهو أبعد من أن يجب عليه قضاؤه وعلى ما ذكرنا يسقط الاعتكاف عمن نذره يوم الفطر ويوم النحر عند من يقول لا اعتكاف إلا بصوم وأما صيام الدهر لمن أفطر الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصيامها فمباح عند أكثر العلماء إلا أن الصيام عمل من أعمال البر وفضله معلوم وفي نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام أيام ذكرها على إباحة ما سواها والله أعلم وقد كره بعض أهل العلم صيام الدهر لحديث أبي قتادة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صيام الدهر فقال من فعل ذلك فلا صام ولا أفطر ويروى لا صام ولا أفطر أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما

وهذا عندي على الاختيار والله أعلم لا على شيء يلزم باب النهي عن الوصال في الصيام ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال فقالوا يا رسول الله فإنك تواصل فقال إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والوصال إياكم والوصال قالوا فإنك تواصل يا رسول الله قال إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني قال أبو عمر قد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما رواه بن عمر وأبو هريرة أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهم واختلف أهل العلم في تأويل هذا الحديث فقال منهم قائلون إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رفقا لأمته ورحمة بهم فمن قدر على الوصال فلا حرج لأنه لله عز وجل يدع طعامه وشرابه وكان عبد الله بن الزبير وغيره جماعة يواصلون الأيام أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا أحمد بن إسماعيل الأنصاري قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن سلمة عن مالك بن أنس أن عامر بن عبد الله بن الزبير كان يواصل في شهر رمضان ثلاثا فقيل له ثلاثة أيام قال لا ومن يقوى يواصل ثلاثة أيام يومه وليله

ومن حجة من ذهب هذا المذهب حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة قالوا يا رسول الله إنك تواصل قال إني لست كأحد منكم يطعمني ربي ويسقيني وكان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه لا يكرهان أن يواصل الرجل من سحر إلى سحر لا غير ومن حجة من ذهب إلى هذا أيضا حديث عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر قالوا فإنك تواصل قال إني لست كهيئتكم إن لي مطعما يطعمني وساقيا يسقيني وحديث بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال فقال رجل من المسلمين إنك يا رسول الله تواصل فقال لستم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال صلى الله عليه وسلم لو تأخر لزدتكم كالمنكل بهم هكذا رواه صالح بن كيسان وشعيب بن أبي حمزة ويحيى بن سعيد عن بن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة وزاد بعضهم فيه كالمنكل بهم حين أبوا أن ينتهوا ورواه عبد الرحمن بن سمرة عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار كلها في التمهيد وكره مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي وجماعة من أهل الفقه والأثر الوصال على كل حال لمن قوي عليه ولغيره ولم يجيزوه لأحد ومن حجتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال وأنه عليه السلام قال إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا وإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم

وحقيقة النهي الزجر والمنع وقالوا لما قال لهم إني لست كهيئتكم أعلمهم أن الوصال له خاصة لا لغيره كما خص بسائر ما خص صلى الله عليه وسلم وقد احتج من ذهب هذا المذهب بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عاصم بن عمر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم قالوا ففي هذا ما يدل على أن الوصال للنبي عليه السلام مخصوص وأن المواصل لا ينتفع بوصاله لأن الليل ليس بموضع للصيام بدليل هذا الحديث وشبهه وروى عبد الله بن أبي أوفى عن النبي عليه السلام مثله ولا معنى لطلب الفضل في الوصال إلى السحر على مذهب من أراد ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وقالت عائشة كان النبي عليه السلام أعجل الناس فطرا باب صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر قال مالك أحسن ما سمعت فيمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في قتل خطأ أو تظاهر فعرض له مرض يغلبه ويقطع عليه صيامه أنه إن صح من مرضه وقوي على الصيام فليس له أن يؤخر ذلك وهو يبني على ما قد مضى من صيامه

وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس خطأ إذا حاضت بين ظهري صيامها أنها إذا طهرت لا تؤخر الصيام وهي تبني على ما قد صامت وليس لأحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله أن يفطر إلا من علة مرض أو حيضة وليس له أن يسافر فيفطر قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك وروى بن القاسم عن مالك في غير الموطأ قال من أفطر يوما في السفر بعذر ولم يصله استأنف وإن وصله بنى وإن سافر لا يفطر وإن فطر استأنف وإن مرض في سفره مرضا لم يجب عليه السفر من حر أو برد واستيقن أنه من غير السفر بنى إذا صح قال أبو عمر قوله أحسن ما سمعت يدل على علمه بالخلاف في هذه المسألة والذي أراد والله أعلم الرجل يمرض بين ظهري شهري التتابع في الظهار أو القتل أو الكفارة من رمضان وأما الحائض فلا أعلم فيها خلافا أنها إذا طهرت فلم تؤخر ووصلت بأي صيامها بما سلف منه إلا أنها لا شيء عليها غير ذلك وتستأنف البناء وليس عليها أن تسقط إلا أن تكون طاهرا قبل الفجر فتترك صيام ذلك اليوم عالمة بطهرها فإن فعلت استأنفت عند جماعة العلماء وأما اختلافهم في المريض الذي قد صام من شهري التتابع بعضها قضى قولين أحدهما ما قال مالك في سن البناء ومن قال بذلك سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن والشعبي وعطاء ومجاهد وقتادة وطاوس وذكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن أنهما قالا يعتد بما صام إذا كان له عذر وسائرهم قال المريض يبني إذا برأ ووصل ذلك ولم يفرط كما وصفنا في الحائض والقول الثاني يستأنف الصيام وممن قال ذلك سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وعطاء الخرساني قال معمر سألت عطاء الخرساني فقال كنا نرى أنه مثل شهري رمضان حتى

كتبنا فيه إلى أحد الناس من أهل الكوفة فكتبوا إلينا أنه يستقبل وذكر عبد الرزاق عن الثوري مثله وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأحد قولي الشافعي وله قول آخر وهو يبني وقول بن شبرمة يقضي ذلك اليوم وحده إن كان عذر غالب كصوم رمضان قال أبو عمر حجة من قال يبني لأنه معذور في قطع التتابع بمرضه ولم يتعذر وقد تجاوز الله عن غير المعتمر وحجة من قال يستأنف لأن التتابع فرض لا يسقط بعذر وإنما يسقط فيه المأثم قياسا على الصلاة لأنها ركعات متتابعات فإذا قطعها عذر استأنف ولم يبن باب ما يفعل المريض في صيامه قال مالك الأمر الذي سمعت من أهل العلم أن المريض إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه ويتعبه ويبلغ ذلك منه فإن له أن يفطر وكذلك المريض الذي اشتد عليه القيام في الصلاة وبلغ منه وما الله أعلم بعذر ذلك من العبد ومن ذلك ما لا تبلغ صفته فإذا بلغ ذلك صلى وهو جالس ودين الله يسر وقد أرخص الله للمسافر في الفطر في السفر وهو أقوى على الصيام من المريض قال الله تعالى في كتابه فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر البقرة فأرخص الله للمسافر في الفطر في السفر وهو أقوى على الصوم من المريض فهذا أحب ما سمعت إلي وهو الأمر المجتمع عليه قال أبو عمر قد جود مالك في هذا الباب وأتى عليه بعين الصواب والأمر في هذا المعنى أنه شيء يؤتمن عليه المسلم فإذا بلغ به المرض إلى حال لا يقدر معها على الصيام أو كان بحال يستيقن أنه قال إذا قام فأداه المريض حتى بلغ به إلى الحال المخوفة عليه كان له أيضا أن يتأول في مرضه ذلك وحسب المسلم أن لا يفطر حتى يدخل تحت قول الله عز وجل بيقين فمن

كان منكم مريضا أو على سفر البقرة فإذا صح مرضه صح له الفطر وبالله التوفيق وقد قيل إن المريض إنما يفطر للمرض الذي قد نزل به ولا يطيق الصيام ولا يفطر لما يخشى من زيادة المرض لأنه ظن لا يقين معه وقد وجب عليه الصيام بيقين وسقط عنه المرض بيقين فإذا لم يستيقنه لم يجز له الفطر والله أعلم باب النذر في الصيام والصيام عن الميت ذكر فيه مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل نذر صيام شهر هل له أن يتطوع فقال سعيد ليبدأ بالنذر قبل أن يتطوع قال مالك وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك قال أبو عمر هذا عند أهل العلم على الاختيار وعلى استحسان البدار إلى ما وجب عليه قبل التطوع قال الله تعالى يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود المائدة وقال تعالى سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة الحديد وقال فاستبقوا الخيرات البقرة فهذا الذي ينبغي من جهة الاختيار فإن تطوع قبل نذره ثم أتى بنذره في وقته إن كان مؤقتا وأتى به قبل موته إن لم يكن مؤقتا فقد أجزأه ولا شيء عليه وقد مضى في كتاب الصلاة ما للعلماء فيمن دخل المسجد وقد صلى أهله هل يتطوع قبل الفرض أم لا وهو من هذا المعنى وقال مالك من مات وعليه نذر من رقبة يعتقها أو صيام أو صدقة أو بدنة فأوصى أن ينفذ عنه فإن ذلك من ثلثه يبدى على ما سواه من الوصايا التي يتطوع بها قال وإنما كان ذلك أنا لو جعلناه في راس ماله لإقراره بأنه كان لازما له لم يؤمن على من شاء أن يمنع ورثته الميراث إلا منعه ما يقر به على نفسه من زكاة وكفارات فرض فيها فلذلك منع من أن يكون في رأس ماله وجعل في ثلثه وبدي على سائر ما يتطوع به

قال أبو عمر هذا معنى قوله دون لفظه وقد ذكرنا في الزكاة هذه المعاني واختلاف العلماء فيما اختلفوا فيه من ذلك ويأتي في كتاب الوصايا ما للعلماء فيما يبدي منها وما يكون منها في الثلث وفي رأس المال إن شاء الله وذكر مالك في هذا الباب أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد قال أبو عمر أما الصلاة فإجماع من العلماء أنه لا يصلي أحد عن أحد فرضا عليه من الصلاة ولا سنة ولا تطوعا لا عن حي ولا عن ميت وكذلك الصيام عن الحي لا يجزئ صوم أحد في حياته عن أحد وهذا كله إجماع لا خلاف فيه وأما من مات وعليه صيام فهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا فقال مالك ما تقدم ذكره لا يصوم أحد عن أحد قال وهو أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه عندنا وروي مثل قول مالك عن بن عباس وبن عمر إلا أنه اختلف فيه عن بن عباس من رواته عنه بمذهب بن عمر ومالك في ذلك ما حدثناه محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا حجاج الأحول قال حدثنا أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن بن عباس قال لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة وقال الشافعي يطعم عنه ولا يصام عنه وهو قول الثوري في رواية وقال أبو حنيفة وأصحابه إن من أمكنه القضاء فقد أبعد فإنه يطعم عنه قال والنذر من قضاء رمضان في ذلك سواء وهو قول بن علية وقال الأوزاعي يجعل وليه مكان الصوم صدقة فإن لم يجد صام عنه

وروي ذلك عن الثوري وقال الحسن بن حي لا يصوم أحد عن أحد فإن اعتكف اعتكف عنه وصام عنه بعد موته وقال الثوري يصوم عنه وليه وقال أحمد بن حنبل وأبو عبيد القاسم بن سلام يطعم عنه مدا من حنطة عن كل يوم مدا وفي النذر يصوم عنه وقال أبو ثور يقضي عنه الصوم في ذلك كله وجملة أقوالهم في ذلك أن أبا حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي والحسن بن حي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبا عبيد قالوا واجب أن يطعم عنه من رأس ماله أوجب عليه إلا أبا حنيفة فإنه قال يسقط عنه ذلك بالموت وقال مالك الإطعام غير واجب على الورثة إلا أن يوصي بذلك إليهم وتحصيل مذهبه أن ذلك واجب على الميت غير واجب على الورثة فإن أوصى بذلك كان في ثلثه ومعنى قولي واجب عليه أي واجب عليه صومه فإن حضرته الوفاة كان واجبا عليه أن يوصي بالإطعام عنه كسائر الكفارات في الإيمان وغيرها فإن فعل كان في ثلث وإن لم يفعل فلا شيء على الورثة قال أبو عمر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا بن وهب قال أخبرنا عمر بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه قال أبو داود وهذا في النذر

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا زائدة قال قاسم وحدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا زائدة قال قاسم قال حدثنا عبد الله بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية كلاهما عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها قال نعم فدين الله أحق أن يقضى وفي حديث أبي معاوية أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن امي ماتت وعليها صوم شهر فذكره وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا نبيشة بن سعيد قال حدثنا عبيد عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها فقال أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه قال نعم قال فدين الله أحق أن يقضى رواه الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه وروي عن سعيد بن جبير عن بن عباس أنه أفتى في قضاء رمضان فقال يطعم وفي النذر يصام عنه وهو قول أحمد روى عنه محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان فيهما جميعا الإطعام وزعم من احتج للكوفيين ومالك أن بن عباس لم يخالف بفتواه وقد روي عن عائشة أيضا من قوله أنه يطعم عنه في قضاء رمضان ولا يصام

رواه عبد العزيز بن رفيع عن امرأة منهم يقال لها عمرة عن عائشة وهذا والله أعلم قال أحمد إن معنى حديث بن عباس المرفوع أنها في النذر دون قضاء رمضان وأما أبو ثور فقال يصام عنه في الوجهين جميعا وهو قول داود على ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم من مات وعليه صيام صام عنه وليه وهذا عندهم واجب عليه وقال الحسن إن صام عنه ثلاثون رجلا يوما واحدا جاز يريد أن ذلك كرجل واحد صام ثلاثين يوما قال أبو عمر لولا الأثر المذكور لكان الأصل القياس على الأصل المجتمع عليه في الصلاة وهو عمل بدن لا يصوم أحد عن أحد كما لا يصلي أحد عن أحد باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات ذكر فيه مالك عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب أفطر ذات يوم في رمضان في ذي غيم ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين طلعت الشمس فقال عمر الخطب يسير وقد اجتهدنا قال مالك يريد بقوله الخطب يسير القضاء فيما نرى والله أعلم وخفة مؤونته ويسارته يقول نصوم يوما مكانه قال أبو عمر ما تأوله مالك رحمه الله عمل عمر رضوان الله عليه فقد روي عن عمر من أهل الحجاز وأهل العراق أيضا ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال حدثني زيد بن أسلم عن أبيه قال أفطر الناس في شهر رمضان في يوم مغيم ثم نظر ناظر فإذا الشمس فقال عمر الخطب يسير وقد اجتهدنا نقضي يوما مكانه قال بن جريج فهذا الحديث عن زيد بن أسلم عن أبيه ولم يقل عن أخيه

وروى الثوري عن جبلة بن سحيم عن علي بن حنظلة عن أبيه أنه شهد عمر فذكر هذه القصة وقال يا هؤلاء من كان أفطر فإن قضاء يوم يسير ومن لم يكن أفطر فليتم صومه وروى معمر عن الأعمش عن زيد بن وهب قال أفطر الناس في زمان عمر فرأيت عساسا أخرجت من بيت حفصة فشربوا في رمضان ثم طلعت الشمس من سحاب فكأن ذلك شق على الناس وقالوا أنقضي هذا اليوم فقال عمر ولم تقضي والله ما تجانفنا الإثم قال أبو عمر فهذا خلاف عن عمر في هذه المسألة والرواية الأولى أولى بالصائم إن شاء الله وممن قال لا يقضي هشام بن عروة وداود بن علي والجمهور على القضاء وأما مالك فيقضي عنده قياسا على الناسي عنده قال مالك فيمن أكل قبل غروب الشمس وهو يظنها قد غابت أو أكل بعد الفجر وهو يظنه لم يطلع قال فإن كان نظر غامضا فيه فلا شيء عليه وإن كان واجبا فعليه القضاء وقال الكوفيون والشافعي والثوري وبن سعد إذا تسحر بعد طلوع الفجر أو أكل قبل غروب الشمس فعليه القضاء قال أبو عمر الدليل على صحة من قال يقضي اليوم إجماعه على أنه لو غم هلال رمضان فأفطروا ثم قامت الحجة برؤية الهلال أن عليهم القضاء بعد إتمام صيامهم يومهم وأما اختلافهم في من أكل وهو شاك في الفجر فقال مالك أكره أن يأكل إذا شك فإن أكل فعليه القضاء أرى أن يقضي يوما مكانه فإن كان عليه فقد قضاه وإن لم يكن عليه فقد أجر إن شاء الله وقال الثوري يتسحر ما شك في الفجر حتى يرى الفجر وقال الشافعي وعبيد الله بن الحسن لا يأكل إذا شك فإن أكل فلا شيء عليه وقال الأوزاعي إذا شك الرجل فلم ير وأكل في الفجر أم في الليل فلا شيء عليه

وقال أبو حنيفة وأصحابه إن كان أكثر رأيه أنه أكل بعد طلوع الفجر فأوجب أن يقضي قال أبو عمر قول الشافعي ومن تابعه قول احتياط لأنه قد نهاه عن الأكل مع الشك خوفا أن يواقع ما لا يحل من الأكل بعد الفجر ولم ير عليه قضاء لأنه لم يبن له أنه أكل بعد الفجر وإيجاب القضاء إيجاب فرض فلا ينبغي أن يكون إلا بيقين واحتج بعض أصحابنا لمالك بأن الصائم يلزمه اعتراف طرفي النهار وذلك لا يكون إلا بتقدم شيء وإن قل من السحر وآخر شيء من الليل قال أبو عمر هذا التزام لصوم ما لم يأمر الله بصيامه مع مخالفة الآثار في تعجيل الفطر وتأخير السحور وهي متواترة صحاح وقول الثوري من الفقه وقول الله عز وجل وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر البقرة فلم يمنعهم من الأكل حتى يستبين لهم الفجر فأما رواية مالك في هذا الباب عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول يصوم قضاء رمضان متتابعا من أفطره من مرض أو في سفر وعن بن شهاب أن عبد الله بن عباس وأبا هريرة اختلفا في قضاء رمضان فقال أحدهما يفرق بينه وقال الآخر لا يفرق بينه لا أدري أيهما قال يفرق بينه وعن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يسأل عن قضاء رمضان فقال سعيد أحب إلي أن لا يفرق قضاء رمضان وأن يواتر قال أبو عمر هو قول مالك لا خلاف عنه في أنه يستحب أن يتابع قضاء رمضان ولا يرى إعادة على من لم يتابعه هذا قوله في موطئه وغيره وكذلك يستحب في كل صيام مذكور في كتاب الله عز وجل بكفارة يمين وغيرها

وأما حديث بن شهاب عن أبي هريرة وبن عباس وقوله لا أدري أيهما قال لا يفرق بينه وأيهما قال يفرق بينه ولا أدري عمن أخذ بن شهاب ذلك وقد صح عندنا عن بن عباس وأبي هريرة أنهما أجازا أن يفرق قضاء رمضان ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء عن بن عباس وأبي هريرة قالا في قضاء رمضان فرقه إن شئت حسبك إذا أحصيته قال وأخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس قال صم كيف شئت قال الله عز وجل فعدة من أيام أخر البقرة قال وأخبرنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن هشام بن يحيى عن أبي هريرة قال صم كيف شئت وأحص العدة قال وأخبرنا الثوري عن رجل من قريش عن أمه أنها سألت أبا هريرة عن قضاء رمضان فقال لا بأس أن تفرقيه إنما هي عدة من أيام أخر وأما بن عمر فلا أعلم عنه خلافا أنه قال صمه متتابعا كما أفطرته ذكره معمر وبن جريج عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر وعبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر وعن الثوري عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال صمه متتابعا وهو قول الحسن والشعبي وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت نزلت من أيام أخر البقرة متتابعات ثم سقطت متتابعات قال أبو عمر قولها سقطت يحتمل نسخت ورفعت وهو دليل على سقوط التتابع وليس شيء بين الدفتين متتابعات فصح سقوطها ورفعها وعلى هذا جمهور العلماء وهو قول طاوس ومجاهد وعطاء وعبيد بن عمير وجماعة وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق وكلهم مع ذلك يستحبونها متتابعات وأما حديثه في هذا الباب عن نافع عن بن عمر أنه كان يقول من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن ذرعه القيء فليس عليه القضاء

فقد روى هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا من حديث أبي هريرة رواه عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن يزيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه القضاء ومن استقاء فعليه القضاء أخبرنا عبد الله بن محمد أخبرنا محمد بن بكر أخبرنا أبو داود أخبرنا مسدد أخبرنا عيسى بن يونس وعيسى ثقة فاضل إلا أنه عند أهل الحديث قد وهم فيه وأنكروه عليه وقد زعم بعضهم أنه قد رواه حفص بن غياث عن هشام بن حسان بإسناده والله أعلم قال أبو عمر وقد رواه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن جده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن سعيد ضعيف لا يحتج به ورواه معاوية بن سلام وغيره عن يحيى بن كثير قال أخبرني عمر بن الحكم بن ثوبان أنه سمع أبا هريرة يقول إذا قاء أحدكم فلا يفطر فإنما يخرج ولا يدخل وهذا عندهم أصح موقوفا على أبي هريرة واختلف العلماء فيمن استقاء بعد إجماعهم على أن من ذرعه القيء فلا شيء عليه فقال مالك والثوري وأبو حنيفة وصاحباه والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق من استقاء عامدا فعليه القضاء قال أبو عمر على هذا جمهور العلماء فيمن استقاء أنه ليس عليه إلا القضاء روي ذلك عن عمر وعلي وبن عمر وأبي هريرة وجماعة من التابعين وهو قول بن شهاب قال أبو عمر ليس في قوله عليه السلام إن صح ثلاث لا يفطرن الصائم القيء والحجامة والاحتلام حجة في هذا الباب لأنه يحتمل للتأويل في الاستقاءة ومن ذرعه القيء

وقال الأوزاعي وأبو ثور عليه القضاء والكفارة مثل كفارة الآكل عمدا في رمضان وهو قول عطاء بن أبي رباح وحجة هؤلاء حديث الأوزاعي عن يعيش بن الوليد بن هشام أن أباه حدثه قال حدثني معدان فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فقلت إن أبا الدرداء حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال صدق وأنا صببت له وضوءه وزاده عمر عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد بمعناه قالوا وإذا كان القيء يفطر الصائم فعلى من تعمده قياسا على من تعمد الأكل أو الشرب أو الجماع لأنه بهذه أو بواحدة منها يكون مفطرا ومن تعمد الإفطار فعليه القضاء والكفارة قال أبو عمر زعم محمد بن عيسى الترمذي وغيره أن حديث أبي الدرداء أصح من حديث أبي هريرة المرفوع في هذا الباب وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال قلت لعطاء رجل استقاء في رمضان قال يقضي ذلك اليوم ويكفر بما قال النبي صلى الله عليه وسلم قال وإن كان جاهلا أو ناسيا فلا قال بن جريج وقال مثل ذلك عمرو بن دينار وفي هذا الباب قال مالك من أكل أو شرب في رمضان ساهيا أو ناسيا أو ما كان من صيام واجب عليه أن عليه قضاء يوم مكانه هذا قوله في موطئه وقال أشهب عنه أحسن ما سمعت ثم ذكر معناه وقال الليث بن سعد كما قال مالك من أكل أو شرب أو جامع ناسيا فعليه القضاء وهو قول ربيعة وبن علية

قال بن علية من أكل أو جامع ناسيا فإنما عليه القضاء لا غير ولا إثم عليه ولو تعمد أثم وكفر وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والحسن بن حي والثوري وبن أبي ذئب والأوزاعي وأبو ثور من جامع أو أكل أو شرب ناسيا في رمضان فلا قضاء عليه هذا قول الثوري في رواية الأشجعي وقد روي عن أبي حنيفة أنه قال لولا قول الناس لقلت يقضي وروى المعافري عن الثوري أنه قال إذا جامع ناسيا فليصم يوما مكانه وإن أكل أو شرب ولم يفطر فلا شيء عليه وقال أهل الظاهر من جامع ناسيا أو عامدا فعليه القضاء والكفارة وهو قول أحمد بن حنبل قال ليس في حديث أبي هريرة الفرق بين الناسي والعامد يريد حديث بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة موقوفا قال أحمد قال مجاهد في الرجل يطأ أهله في رمضان وهو ناس لا شيء عليه وقال عطاء ليس مثل هذا ينسى ولا يعذر فيه أحد قال أحمد وقول عطاء أحب إلي قال أحمد بن حنبل من أكل أو شرب ناسيا في رمضان فلا شيء عليه لا قضاء ولا كفارة وذهب فيه إلى حديث أبي هريرة ثم قال حدثنا محمد بن جعفر وروح بن عبادة قالا حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي رافع أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أكل أو شرب في صومه ناسيا فليتم يومه قال أبو عمر أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا بن سلمة عن أيوب وحبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين قال قال رجل يا رسول الله إني أكلت وشربت ناسيا في رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أطعمك وسقاك أتم صومك ولا شيء عليك

قال أبو عمر رواه معمر عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة موقوفا قال من أكل أو شرب ناسيا فليس عليه بأس الله أطعمه وسقاه قال معمر وكان قتادة يقوله وروي عن علي وعن بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم وعن عطاء وطاوس وإبراهيم والحسن فيمن أكل أو شرب ناسيا أنه لا شيء عليه وفي هذا الباب ذكر مالك عن حميد بن قيس المكي أنه أخبره قال كنت مع مجاهد وهو يطوف بالبيت فجاءه إنسان فسأله عن صيام أيام الكفارة أمتتابعات أم يقطعها قال حميد فقلت له نعم يقطعها إن شاء قال مجاهد لا يقطعها فإنها في قراءة أبي بن كعب ثلاثة أيام متتابعات قال مالك وأحب إلي أن يكون ما سمى الله في القرآن يصام متتابعا قال أبو عمر في هذا الحديث جواب المتعلم بين يدي المعلم أنه لا حرج عليه في ذلك وحسب الشيخ إن كان عنده علم بذلك أخبر به ونبه عليه فأفاد ولم يعنف ويجب بدليل هذا الخبر أيضا أن من رد على غيره قوله كان دونه أو مثله أو فوقه أن يأتي بحجة أو وجه يبين به فضل قوله لموضع الخلاف وفيه جواز الاحتجاج من القراءات بما ليس في مصحف عثمان إذا لم يكن في مصحف عثمان ما يدفعها وهذا جائز عند جمهور العلماء وهو عندهم يجري مجرى خبر الواحد في الاحتجاج به للعمل بما يقتضيه معناه دون القطع عن مغيبيه وفي مثل هذا ما مضى في كتاب الصلاة من الاحتجاج على قول الله عز وجل فاسعوا إلى ذكر الله فامضوا إلى ذكر الله الجمعة وهي قراءة ابنه مسعود وأما صيام الثلاثة أيام في كفارة اليمين لمن لم يجد ما يكفر به من إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فجمهور أهل العلم يستحبون أن تكون متتابعات

ولا يوجبون التتابع إلا في الشهرين اللذين يصامان كفارة لقتل الخطأ أو الظهار أو الوطء عامدا في رمضان ويستحبون في ذلك ما استحبه مالك ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن مجاهد قال كل صوم في القرآن فهو متتابع إلا قضاء رمضان وعن بن جريج قال سمعت عطاء يقول بلغنا أن في قراءة بن مسعود فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات المائدة قال عطاء وكذلك يقرؤها وكذلك كان يقرؤها أبو إسحاق والأعمش وعن معمر عن أبي إسحاق والأعمش قالا في حرف بن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات وعن بن عيينة عن بن جريج قال جاء رجل إلى طاوس يسأله عن صيام ثلاثة أيام كفارة اليمين فقال صم كيف شئت فقال مجاهد يا أبا عبد الرحمن إنها في قراءة بن مسعود متتابعات قال فأخبر الرجل وفيما ذكرنا عن هؤلاء العلماء دليل على صحة ما وصفنا وبالله توفيقنا وأما قوله سئل مالك عن المرأة تصبح صائمة في رمضان فتدفع دفعة من دم عبيط في غير أوان حيضها إلى آخر قوله فقد تقدم في كتاب الحيض وجه هذه المسألة وأصل مالك الذي تقدم منه هذه المسألة ومثلها عنده أن كل دم ظاهر من الرحم في غير أوان الحيض أو في غير أوانه قل أو كثر فهو دم حيض عنده تترك له المرأة الصوم والصلاة ما تمادى فيها حتى تتجاوز خمسة عشرة يوما فيعلم ذلك الوقت أنه فساد ودم عرق منقطع لا دم حيض وهذه رواية المدنيين عنه وكذلك إذا جاوزت أيامها المعروفة واستظهرت بثلاث في رواية المصريين عنه وهذا كله مبين في باب الحيض والحمد لله وفي هذا الباب وسئل مالك عمن أسلم في آخر يوم من رمضان هل عليه قضاء رمضان كله أو يجب عليه قضاء اليوم الذي أسلم فيه فقال ليس عليه قضاء ما مضى وإنما يستأنف الصيام فيما يستقبل وأحب إلي أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه قال أبو عمر اختلف علماء التابعين من السلف ومن بعدهم في الكافر يسلم في

رمضان والصبي يبلغ فيه هل عليهما قضاء ما مضى من شهر رمضان وفي اليوم الذي أسلم أو بلغ فيه ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال إن أسلم نصراني في بعض رمضان صام ما مضى منه مع ما بقي وإن أسلم في آخر النهار صام ذلك اليوم وعن الحكم بن أبان عن عكرمة قال يصوم ما بقي من رمضان ويقضي ما فاته فإن أسلم في آخر يوم من رمضان فهو بمنزلة المسافر يدخل في صلاة المقيمين وعن معمر عن من سمع الحسن يقول إذا أسلم في شهر رمضان صامه كله قال معمر وقال قتادة يصوم ما بقي من الشهر قال معمر وقول قتادة أحب إلي قال عبد الرزاق وقال الثوري لو أسلم كف عن الطعام في ذلك اليوم ولم يقضه ولا شيء عليه فيما مضى وهذا نحو قول مالك قال بن القاسم عن مالك يكف الذي يسلم في رمضان عن الأكل بقية يومه وليس عليه قضاء ذلك اليوم بواجب وأحب إلي لو قضاه وهو قول الشافعي قال في النصراني يسلم في رمضان والصبي يحتلم عليهما أن يصوما ما بقي من شهر رمضان ولا شيء عليهما فيما مضى ولا يجب عليهما قضاء اليوم الذي أسلم أو بلغ وأستحب لهما صومه هذا كله معنى قول أبي حنيفة وأصحابه والليث بن سعد وعبيد الله بن الحسن وكلهم يستحب لهما أن يكفا ذلك اليوم عن الطعام وقال الأوزاعي في الغلام يحتلم في النصف من رمضان فإنه يصوم ما مضى لأنه كان يطيق الصوم وبه قال عبد الملك بن الماجشون قال أبو عمر من أوجب على الكافر يسلم في رمضان والصبي يحتلم ما مضى فقد كلف غير مكلف لأن الله تعالى لم يكلف الصيام إلا على المؤمن إذا كان بالغا لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام البقرة ولقوله واتقون يا أولي الألباب البقرة فلم يدخل في إيجاب هذا الخطاب

من لم يبلغ مبلغ من تلزمه الفرائض لقوله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاث وذكر الغلام حتى يحتلم والجارية حتى تحيض ومن أوجب عليهم صوم ما مضى فقد أوجبه على غير مؤمن وكذلك من لم يحتلم لأنه غير مخاطب لرفع القلم عنه حتى يحتلم على ما جاء في الأثر هذا وجه النظر والله أعلم قال أبو عمر من لم يوجب عليه صوم اليوم الذي يبلغ فيه أو يسلم استحال عنده ان يكون صائما في آخر يوم كان في أوله مفطرا وليس كاليوم الذي ظنه من شعبان الذي يبلغ أو يسلم في بعض النهار لما لم يلزمه في أول النهار لم يلزمه آخره واليوم الذي يظن أنه من شعبان ثم يصح عنده في نصف النهار أنه من رمضان لازم من أوله إلى آخره فلما فاته ذلك بجهله لزمه قضاؤه وسقط الإثم عنه ولزمه الإمساك بقية النهار عن الأكل عند جماعة العلماء لأنه كان واجبا عليه أوله وآخره وكذلك آخره مع العلم والله أعلم باب قضاء التطوع عن مالك عن بن شهاب أن عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أصبحتا صائمتين متطوعتين فأهدي لهما طعام فأفطرتا عليه فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة فقالت حفصة وبدرتني بالكلام وكانت بنت أبيها يا رسول الله إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين فأهدي إلينا طعام فأفطرنا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقضيا مكانه يوما آخر هكذا هذا الحديث عند جماعة رواة الموطأ فيما علمت وقد روي عن عبد العزيز بن يحيى ومطرف وروح بن عبادة والقدامي عن

مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة مسندا إلا أنه لم يروه عنه إلا من ليس بذاك من أصحابه وممن رواه كذلك عن بن شهاب جعفر بن برقان وسفيان بن حسين وصالح بن أبي الأخضر وإسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة وصالح بن كيسان ويحيى بن سعيد الأنصاري إلا أن مدار حديث صالح بن كيسان ويحيى بن سعيد الأنصاري على يحيى بن أيوب وليس بذاك القوي وإسماعيل بن إبراهيم متروك الحديث وجعفر بن برقان في الزهري ليس بشيء وسفيان بن حسين وصالح بن أبي الأخضر في حديثهما عن الزهري خطأ كبير وحفاظ بن شهاب يروونه مرسلا عن بن شهاب أن عائشة وحفصة منهم مالك ومعمر وعبيد الله بن عمر وبن عيينة هكذا روى حديث عبيد الله بن عمر عنه يحيى القطان وهو الصحيح عن عبيد الله أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان قال سمعناه من صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت أصبحت أنا وحفصة صائمتين فأهدي لنا طعام مخروص عليه الحديث قال سفيان فسألوا الزهري وأنا شاهد أهو عن عروة قال لا قال أبو عمر أظن السائل الذي أشار إليه بن عيينة بالذكر هو بن جريج ذكر عن سفيان قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال قلت لابن شهاب أحدثك عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أفطر في التطوع فليصمه قال لم أسمع من عروة في ذلك شيئا ولكن حدثني في خلافة سليمان إنسان عن بعض من كان يسأل عائشة أنها قالت أصبحت أنا وحفصة صائمتين وذكر الحديث

قال الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن بن جريج قال قلت لابن شهاب أسمعته من عروة بن الزبير قال لا إنما أخبرنيه رجل بباب عبد الملك بن مروان أو رجل من جلساء عبد الملك بن مروان أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن عثمان بن ثابت قال حدثنا أحمد بن إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا سفيان قال جاءنا صالح بن الأخضر قبل أن يجيء الزهري لنا فقام فروى لنا عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها أصبحت هي وحفصة صائمتين متطوعتين فأهدي لهما طعام وكان الطعام مخروصا عليه فلما جاء الزهري حدثنا بهذا الحديث فلم يذكر فيه عروة ولا قال فيه وكان الطعام مخروصا عليه فوقفوا الزهري وأنا حاضر هل سمعته من عروة فقال لم أسمعه من عروة وقد ذكرنا في التمهيد ما روي مسندا في معنى هذا الحديث وعلل تلك الأحاديث كلها قال أبو عمر أجمع العلماء على أنه لا شيء على من دخل في صيام أو صدقة تطوع فقطعه عليه عذر من حدث أو غيره لم يكن له فيه سبب واختلفوا فيمن قطع صلاته أو صيامه عامدا فقال مالك وأصحابه من أصبح صائما متطوعا ثم أفطر عامدا فعليه القضاء وكذلك قال أبو حنيفة وأبو ثور وحجتهم ما ذكرنا من حديث بن شهاب المذكور وما كان معناه فيما ذكرناه في التمهيد وقال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق أستحب له أن لا يفطر فإن أفطر فلا قضاء عليه وقال الثوري أحب إلي أن يقضي واختلف أصحاب أبي حنيفة فمنهم من قال بقول صاحبهم ومنهم من قال بقول الشافعي والفقهاء كلهم من أهل الرأي والأثر يقولون إن المتطوع إذا أفطر ناسيا أو عليه شيء فلا قضاء عليه وقال بن علية المتطوع عليه القضاء أفطر متعمدا أو ناسيا قياسا على الحج وقال الأثرم سألت أبا عبد الله بن حنبل عن رجل أصبح صائما متطوعا ثم بدا

له فأفطر أيقضيه قال إن قضاه فحسن وأرجو أن لا يجب عليه شيء قيل له فالرجل يدخل في صلاة متطوعا أله أن يقطعها فقال الصلاة أشد لا يقطعها قيل له فإن قطعها أيقضيها قال فإن قضاها خرج من الاختلاف قال أبو عمر من حجة من قال إن المتطوع إذا أفطر لا شيء عليه من قضاء ولا غيره ما أخبرناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير بن عبد الحميد عن زيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن أم هانئ قالت لما كان يوم فتح مكة جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم هانئ عن يمينه قالت فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته فشرب منه ثم ناوله أم هانئ فشربت منه قالت يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة فقال لها أكنت تقضين شيئا قالت لا قال فلا يضرك إن كان تطوعا وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا محمد بن حسان قال حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن هارون بن أم هانئ عن أم هانئ قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا صائمة فأتي بإناء من لبن فشرب ثم ناولني فشربت فقلت يا رسول الله إني كنت صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان من قضاء رمضان فاقضي يوما مكانه وإن كان من غير قضاء رمضان فإن شئت فاقضي وإن شئت لا تقضي قال أبو عمر إختلف في هذا الحديث عن سماك وغيره وهذا الإسناد أصح إسناد لهذا الحديث من طرق سماك ولا يقوم على غيره رواه شعبة عن سماك قال شعبة وكان سماك يقول حدثني ابنا أم هانئ فرويته عن أفضلهما واحتج الشافعي أيضا بجواز الفطر في التطوع بأن قال حدثنا سفيان بن عيينة عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إنا خبأنا لك حيسا فقال أما إني كنت أريد الصوم ولكن قدميه

قال وأخبرنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة حتى إذا كان بكراع الغميم وهو صائم رفع إناء فوضعه على يده وهو الرحل فشرب والناس ينظرون فقال هذا لما كان له أن يدخل في الصوم في السفر وألا يدخل وكان مخيرا في ذلك إذا دخل فيه أن يخرج منه والتطوع بهذا أولى قال وأخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن بن جريج عن عطاء أن بن عباس كان لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا قال ويضرب لذلك أمثالا رجل طاف سبعا ولم يوفه فقد ما احتسب أو صلى ركعة فلم يصل أخرى فقد ما احتسب قال وأخبرنا مسلم وعبد المجيد عن بن جريج عن الزبير عن جابر أنه كان لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا قال وأخبرنا عبد المجيد عن بن جريج عن عطاء عن أبي الورد مثله قال أبو عمر ذكر هذه الآثار كلها عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء عن عمرو بن دينار عن أبي الزبير سواء وذكر معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن بن عباس قال الصوم كالصدقة أردت أن تصوم فبدا لك وأردت أن تصدق فبدا لك قال عبد الرزاق وأخبرني إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس قال من أصبح صائما متطوعا إن شاء صام وإن شاء أفطر وليس عليه قضاء وهو قول سلمان وأبي الدرداء ومجاهد وطاوس وعطاء واختلف فيه عن سعيد بن جبير واحتج الشافعي على من أدخل عليه الحجة بالإجماع في حج العمرة والتطوع أنه ليس لأحد الخروج منهما بعد الدخول فيهما وأن من خرج منهما قضاهما وأن الصيام قياس عليه بأن قال الفرق بين ذلك أن من أفسد صلاته أو صيامه أو طوافه كان عاصيا لو تمادى في ذلك فاسدا وهو في الحج مأمور بالتمادي فيه فاسدا ولا يجوز له

الخروج منه حتى يتمه على فساده ثم يقضيه وليس كذلك الصوم والصلاة قال أبو عمر من حجة مالك ومن قال بقوله في إيجاب القضاء على المتطوع إذا أفسد صومه عامدا مع حديث بن شهاب المذكور في هذا الباب حديث عائشة وحفصة وقول الله عز وجل ومن يعظم حرمات الله فهو خير له الحج وليس من أفطر متعمدا بعد دخوله في الصوم بمعظم لحرم الصوم وقد أبطل عمله فيه وقد قال الله عز وجل ثم أتموا الصيام إلى الليل البقرة وهو يقتضي عموم الفرض والنافلة كما قال الله عز وجل وأتموا الحج والعمرة البقرة وقد أجمعوا أن المفسد لحجة التطوع أو عمرته أن عليه القضاء فالقياس على هذا الإجماع إيجاب القضاء على مفسد صومه عامدا وأما من احتج في هذه المسألة بقوله ولا تبطلوا أعمالكم محمد فجاهل بأقوال أهل العلم فيها وذلك أن العلماء فيها على قولين فقول أكثر أهل السنة لا تبطلوها بالرياء أخلصوها لله وقال آخرون ولا تبطلوا أعمالكم محمد بارتكاب الكبائر وممن روي عنه ذلك أبو العالية وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وروي فإن شاء أكل وإن كان صائما فلا يأكل فلو كان الفطر في التطوع حسنا لكان أفضل ذلك وأحسنه في إجابة الدعوة التي هي سنة مسنونة فلما لم يكن ذلك كذلك علم أن الفطر في التطوع لا يجوز وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تصوم امرأة وزوجها شاهد من غير شهر رمضان إلا بإذنه

وفي هذا أن المتطوع لا يفطر ولا يفطره غيره لأنه لو كان للرجل أن يفسد عليها ما احتاجت إلى إذنه ولو كان مباحا كان إذنه لا معنى له وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قدم إليه سمن وتمر وهو صائم فقال ردوا تمركم في وعائه وسمنكم في سقائه فإني صائم ولم يفطر بل أتم صيامه إلى الليل على ظاهر قول الله ثم أتموا الصيام إلى الليل البقرة ولم يخص فرضا من نافلة وقد روي عن بن عمر أنه قال في المفطر متعمدا في صوم التطوع ذاك اللاعب بدينه أو قال بصومه وقال سعيد بن جبير لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إلي أن أفطر أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا قزعة بن سويد قال حدثنا معروف بن أبي معروف إن عطاء صنع لهم طعاما بذي طوى فقربه إليهم وعطاء صائم ومجاهد صائم وسعيد بن جبير صائم فأفطر عطاء ومجاهد وقال سعيد لأن تختلف الشفار في جوفي أحب إلي من أن أفطر وهو قول بن عمر وإبراهيم النخعي والحسن البصري ومكحول وإليه ذهب أبو ثور وهو قول مالك وأصحابه وقد احتج مالك في موطئه لهذه المسألة وما كان مثلها من صلاة التطوع بما قد أوردنا معناه فيما مضى لهذا الباب باب فدية من أفطر في رمضان من علة ذكر فيه مالك أنه بلغه أن أنس بن مالك كبر حتى كان لا يقدر على الصيام فكان يفتدي قال مالك ولا أرى ذلك واجبا وأحب إلي أن يفعله إذا كان قويا عليه فمن فدى فإنما يطعم مكان كل يوم مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم

قال أبو عمر الخبر بذلك عن أنس صحيح متصل رواه حماد بن زيد وحماد بن سلمة ومعمر بن راشد عن ثابت البناني قال كبر أنس بن مالك حتى كان لا يطيق الصوم قبل موته بعام أو عامين فكان يفطر ويطعم وروى قتادة عن النضر بن أنس مثله قال كان يطعم عن كل يوم مسكينا قال أبو عمر اختلف عن أنس في صفة إطعامه فروي عنه مد لكل مسكين وروي عنه نصف صاع وروي عنه انه كان يجمعهم فيطعمهم فربما جمع ثلاث مائة مسكين فأطعمهم وجبة واحدة وربما أطعم ثلاثين مسكينا كل ليلة من رمضان يتطوع بذلك وكان يصنع لهم الجفان من الخبز واللحم قال أبو عمر أجمع العلماء على أن للشيخ الكبير والعجوز اللذين لا يطيقان الصوم الإفطار ثم اختلفوا في الواجب عليهما فقال مالك ما ذكرناه عنه في موطئه وروى عنه أشهب قال قال ربيعة في الكبير والمستعطش إذا أفطرا إنما عليهما القضاء ولا إطعام عليهما قال أشهب وقال لي مالك مثله وقال الأوزاعي قال الله عز وجل كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى قوله فدية طعام مسكين البقرة قال كان من أطاق الصيام إن شاء صام وإن شاء أطعم فنسختها هذه الآية فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر البقرة فثبت الفدية للكبير الذي لا يطيق الصوم أن يطعم لكل يوم مسكينا مدا من حنطة وقال الشافعي الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ويقدر على الكفارة يتصدق عن كل يوم بمد من حنطة قلته خبرا عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقياسا على من لم يطق الحج أنه يحج عنه غيره وليس عمل غيره عمله عن نفسه كما ليس الكفارة كعمله قال والحال التي يترك فيها الكبير الصوم يجهده الجهد غير المحتمل

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم يفطر ويطعم لكل يوم مسكينا نصف صاع من حنطة ولا شيء عليه غير ذلك وقال أبو ثور أما الشيخ الكبير الذي لا يقدر على الصوم فإنه يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا إذا كان الصوم يجهده وإن كان لا يقدر على الصوم فلا شيء عليه قال أبو عمر قال الله تعالى كتب عليكم الصيام إلى قوله فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم البقرة قوله تعالى يطيقونه هو الثابت بين لوحي المصحف المجتمع عليه وهي القراءة الصحيحة التي يقطع بصحتها ويقطع الفرد بمجيئها وقد اختلفت العلماء بتأويلها قال منهم قائلون هي منسوخة قالوا كان المقيم الصحيح المطيق للصيام مخيرا بين أن يصوم رمضان وبين أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا وإن شاء صام منه ما شاء وأطعم عما شاء فكان الأمر كذلك حتى أنزل الله عز وجل فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر البقرة فنسخ به ما تقدم من التخيير بين الصوم والإطعام واختلفوا مع هذا في تأويل قوله فمن تطوع خيرا فهو خير له البقرة فقال بعضهم يطعم مسكينين عن كل يوم مدا مدا أو نصف صاع وقال بعضهم يطعم مسكينا أكثر مما يجب عليه وقال بعضهم أراد بقوله فمن تطوع خيرا فهو خير له البقرة أن يصوم مع الفدية قال والصوم مع ذلك خير له من ذلك وكل هؤلاء يقولوا الآية منسوخة بقوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه البقرة وممن قال بذلك عبد الله بن عباس رواه أيوب وخالد الحذاء عن محمد بن سيرين عن بن عباس ورواه يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس ورواه بن جريج وعثمان بن عطاء الخرساني عن عطاء عن بن عباس

وهو قول سلمة بن الأكوع لم يختلف عنه فيه وقول علقمة وعبيدة وبن سيرين والشعبي وبن شهاب الزهري وهو قول جماعة من أهل الحجاز والعراق إلا أنهم في قولهم أنها منسوخة مفترقون فرقتين منهم من قال منسوخة جملة في الشيخ وفي غيره ومن قول هؤلاء أو بعضهم أن الناس لا يخلون من إقامة أو سفر ومن صحة أو مرض فالصحيح المقيم غير مخير لأن الصوم كان عليه فرضا واجبا لقدرته على ذلك وإقامته ببلده والمسافر يخير على ما تقدم من حكمه في كتاب الله عز وجل فإن أفطر فعليه عدة من أيام أخر ولا فدية والمريض لا يخلو من أن يرجى برؤه وصحته فهذا إن صح قضى ما عليه عدة من أيام أخر وإن لم يطمع له بصحة ولا قوة كالشيخ والعجوز اللذين قد انقطعت قوتهما ولا يطمعان أن يثوبا إليهما حال يمكنها من القضاء فلا شيء عليهما من فدية ولا غيرها لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها هذا معنى قول القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله ومكحول الدمشقي وربيعة بن عبد الرحمن وسعيد بن عبد العزيز ومالك وأصحابه وبه قال أبو ثور ورواية عن قتادة إلا أن مالكا يستحب للشيخ الذي لا يقدر على الصيام إذا قدر على الفدية بالطعام أن يطعم عن كل يوم مدا لمسكين من قوته ولا يرى ذلك عليه واجبا عليه وذهبت الفرقة الأخرى تقرأ يطيقونه وترى الآية منسوخة إلا أن النسخ فيها على بعض المطيقين للصوم وهي محكمة عند بعضهم فقالوا كل من طاف الصوم فلا مشقة تضر به فالصوم واجب عليه وكل من لم يطق الصوم إلا بجهد ومشقة مضرة به فله أن يفطر ويفتدي لقول الله عز وجل يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر البقرة قالوا وذلك في الشيخ الكبير والعجوز والحامل والمرضع الذين لا يطيقون الصيام إلا بجهد ومشقة خوفا على الولد ذهب إلى هذا جماعة من العلماء منهم أنس بن مالك وبن عباس في رواية وعطاء ومجاهد وطاوس وعكرمة وشريح كان يطعم عن نفسه ولا يصوم كفعل أنس بن مالك

وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي والأوزاعي والشافعي وطائفة من أهل المدينة منهم يحيى بن سعيد وأبو الزناد وبن شهاب في رواية وهو معنى قراءة من قرأ يطيقونه لأن القراءتين على هذا التأويل غير متناقضتين وهذا شأن الحروف السبعة يختلف سماعها ويتفق مفهومها فقراءة من قرأ يطيقونه يعني بمشقة وهو بمعنى يطوقونه أي يتكلفونه ولا يطيقونه إلا بمشقة وعن بن شهاب رواية أخرى وهي أصح وذلك إن كان يرى الآية في التخيير بين الإطعام والصيام للمسافر والمريض خاصة وقرأها منسوخة كما ذكرنا من قوله عز وجل فمن شهد منكم الشهر فليصمه فعدة من أيام أخر قال القضاء باق ونسخ الخيار قال أبو عمر قول بن شهاب هذا كالقول الأول الذي حكيناه عن ربيعة ومالك ومن ذكرنا معهم في ذلك ومن حجة من قال بوجوب الفدية ظاهر قول الله عز وجل وعلى الذين يطيقونه يريد يطيقونه ويشق عليهم ويضر بهم فدية طعام قال لو أفطر هؤلاء في الآية المحكمة ألزموا الفدية بدلا من الصوم كما ألزم من لا يطيق الحج ببدنه أن يحج غيره بماله وكما ألزم الجميع الجاني على عضو مخوف الدية بدلا من القصاص في قول الله عز وجل والجروح قصاص المائدة قال أبو عمر الاحتجاج بهذه الأقوال يطول وقد أكثروا فيها والصحيح في النظر والله أعلم قول من قال إن الفدية غير واجبة على من لا يطيق الصيام لأن الله تعالى لم يوجب الصيام على من لا يطيقه لأنه لم يوجب فرضا إلا على من أطاقه والعاجز عن الصوم كالعاجز عن القيام في الصلاة وكالأعمى العاجز عن النظر لا يكلفه وأما الفدية فلم تجب بكتاب مجتمع على تأويله ولا سنة يفقهها من تجب الحجة بفقهه ولا إجماع في ذلك عن الصحابة ولا عن من بعدهم والفرائض لا تجب إلا من هذه الوجوه والذمة بريئة قالوا أحب أن لا يوجب فيها شيء إلا بدليل لا تنازع فيه والاختلاف عن السلف في إيجاب الفدية موجود والروايات في ذلك عن بن عباس مختلفة وحديث علي أن لا يصح عنه وحديث أنس بن مالك يحتمل أن يكون طعامه عن نفسه تبرعا وتطوعا وهو الظاهر في الأخبار عنه في ذلك

وأما الذين كانوا يقرؤون على الذين يطوقونه فدية طعام مساكين فهذه القراءة رويت عن بن عباس من طرق وعن عائشة كذلك كان يقرأ مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة وجماعة من التابعين وغيرهم وكلهم يذهب إلى أن الآية محكمة في الشيخ والعجوز والحامل والمرضع الذين يكلفون الصيام ولا يطيقونه وسيأتي ذكر الحامل والمرضع في هذا الباب إن شاء الله ومعنى يطيقونه عند جميعهم يكلفونه ثم اختلفوا فقال بعضهم يكلفونه ولا يطيقونه إلا بجهد ومشقة مضرة فهؤلاء جعلت عليهم الفدية وهذا القول نحو ما قدمنا عن الذين ذهبوا إلى ذلك ممن قرأ القراءة الثابتة في المصحف يطيقونه وقال بعضهم يكلفونه ولا يطيقونه على حال النية فألزموا الفدية بدلا من الصوم وذكروا نحو ما ذكرنا من الحجة ومعارضات لم أر لذكرها وجها لأن القراءة غير ثابتة في المصحف ولا يقطع بها على الله تعالى وإنما مجراها مجرى أخبار الآحاد العدول في الأحكام وفيما ذكرنا كفاية ودلالة على ما عنه سكتنا وبالله توفيقنا وأما حديث مالك في هذا الباب أنه بلغه أن عبد الله بن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام قال تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال مالك وأهل العلم يرون عليها القضاء كما قال الله عز وجل فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ويرون ذلك مرضا من الأمراض مع الخوف على ولدها قال أبو عمر أما الخبر عن بن عمر بما ذكر مالك أنه بلغه فقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر وحماد بن سلمة عن أيوب وعبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه كان يقول في الحامل والمرضع يفطران وتطعمان عن كل يوم مدا لمسكين

ومعمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال الحامل إذا خشيت على نفسها في رمضان تفطر وتطعم ولا قضاء عليها وهو قول سعيد بن جبير والقاسم بن محمد وطائفة قال إسحاق بن راهويه والذي أذهب إليه في الحامل والمرضع أن يفطرا ويطعما ولا قضاء عليهما اتباعا لابن عباس وبن عمر قال أبو عمر رواه عن بن عباس سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة بأسانيد حسان أنهما تفطران وتطعمان ولا قضاء عليهما وقال بن عباس خمسة لهم الفطر في شهر رمضان المريض والمسافر والحامل والمرضع والكبير فثلاثة عليهم الفدية ولا قضاء عليهم الحامل والمرضع والكبير قال الوليد فذكرت هذا الحديث لأبي عمرو يعني الأوزاعي فقال الحمل والرضاع عندنا مرض من الأمراض تقضيان ولا إطعام عليهما روي ذلك عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعطاء والزهري والضحاك والأوزاعي وربيعة والثوري وأبي حنيفة وأصحابه والليث والطبري وبه قال أبو ثور وأبو عبيد وهو قول مالك في المرضع وأحد قولي الشافعي في الحامل والثالث عليها القضاء والإطعام معا قال أبو عبد الله المروزي لا نعلم أحدا صح عنه أنه جمع عليهما الأمرين القضاء والإطعام إلا مجاهدا قال وروي ذلك عن عطاء وعن بن عمر أيضا ولا يصح عنهما والصحيح عن بن عمر فيها الإطعام ولا قضاء ويقول مجاهد في جمع القضاء والإطعام عليهما بقول الشافعي في رواية المزني عنه وروى عنه البويطي أن الحامل لا إطعام عليها وهي كالمريض تقضي عدة من أيام أخر وهو قول أحمد بن حنبل كقول الشافعي في رواية المزني قال أحمد الحامل إذا خافت على جنينها والمرضع إذا خافت على ولدها أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا قال ومن عجز عن الصوم لكبر أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا والقول الراجح الفرق بين الحامل والمرضع

قال مالك الحامل كالمريض تفطر وتقضي ولا إطعام عليها والمرضع تفطر وتقضي وتطعم عن كل يوم مدا من بر وقد ذكرنا قوله الآخر في المرضع وقال بعض أصحابه إن الإطعام في المرضع استحباب قال أبو عمر الفقهاء في الإطعام في هذا الباب وفي سائر أبواب الصيام وسائر الكفارات على أصولهم كل على أصله والإطعام عند الحجازيين مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم وعند العراقيين نصف صاع وأما حديث مالك في هذا الباب عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول من كان عليه قضاء رمضان فلم يقضه وهو قوي على صيامه حتى جاء رمضان آخر فإنه يطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة وعليه مع ذلك القضاء وعن مالك أنه بلغه عن سعيد بن جبير مثل ذلك قال أبو عمر ليس في هذا الباب عند مالك شيء عن أحد من الصحابة ولا أعلم فيه حديثا مسندا وما ذكر فيه أنه بلغه عن سعيد بن جبير فهو محفوظ عن سعيد بن جبير رواه بن أبي شيبة عن غندر عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير وأما أقاويل الفقهاء في هذه المسألة فقال مالك والثوري والليث بن سعد والشافعي والحسن بن حي والأوزاعي إن فرط في رمضان حتى دخل رمضان آخر صام الآخر ثم قضى ما كان عليه من الأول وأطعم عن كل يوم مسكينا وروي ذلك عن بن عباس وبن عمر وأبي هريرة وعطاء والقاسم بن محمد وبن شهاب الزهري وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق والكوفيون نصف صاع والحجازيون مد كل على أصله وذكر يحيى بن أكثم أنه وجب في هذه المسألة الإطعام عن ستة من الصحابة لم يعلم لهم منهم مخالفا

وقال أبو حنيفة وأصحابه يصوم رمضان الثاني ثم يقضي الأول ولا فدية عليه سواء قوي على الصيام أم لا وهو قول الحسن وإبراهيم النخعي وبه قال داود ليس على من أوجب الفدية في هذه المسألة حجة من كتاب ولا سنة ولا إجماع وقال أبو جعفر الطحاوي قال الله تعالى فعدة من أيام أخر فأوجب القضاء دون غيره فلا يجوز زيادة الطعام إلا أن هذه الجماعة من الصحابة قد اتفقت على وجوب الإطعام بالتفريط إلى دخول رمضان آخر قال أبو عمر التفريط أن يكون صحيحا لا علة تمنعه من الصيام حتى يدخل رمضان آخر واختلفوا فيما يجب عليه إن لم يصح من مرضه حتى دخل الرمضان المقبل فروي عن بن عباس وبن عمر وسعيد بن جبير وقتادة يصوم الثاني إذا أدركه صحيحا ويطعم عن الأول ولا قضاء عليه وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وطاوس وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق يصوم الثاني ثم يقضي الأول ولا فدية عليه لأنه لم يفرط وقال الأوزاعي إذا فرط في قضاء رمضان الأول ومرض في الآخر حتى انقضى ثم مات فإنه يطعم عن الأول مدين مدا لتضييعه ومدا للصيام ويطعم عن الآخر مدا لكل يوم باب جامع قضاء الصيام ذكر فيه مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول إن كان ليكون علي الصيام من رمضان فما أستطيع أن أصومه حتى يأتي شعبان

قال أبو عمر حملها رضي الله عنها على ذلك الأخذ بالرخصة والتوسعة لأن ما بين رمضان عامها ورمضان العام المقبل وقت القضاء كما ان وقت الصلاة له طرفان ومثل ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة ليس التفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى وقد أجمع العلماء على قضاء ما عليه من إتمام رمضان في شعبان بعده أنه مؤد لفريضة غير مفرط وقد قيل إن ذلك كان لشغلها برسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ليس بشيء لأن شغل سائر أزواج النبي عليه السلام كشغلها أو قريبا منه لأنه كان صلى الله عليه وسلم أعدل الناس بين نسائه في كل ما يجب لهن عليه وكان مع ذلك يخاف أن يؤاخذ على ما في قلبه من حب من مالت نفسه إليها أكثر منه إلى غيرها وكان يقول إذا قسم بينهن شيئا اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب قال الله عز وجل لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم الأنفال وقد يجوز أن يشتبه على قائلها ذلك القول بحديث السدي عن عبد الله البهي عن عائشة قالت ما كنت أقضي ما يكون علي من رمضان إلا في شعبان حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله في هذا الحديث حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يخبر من وجه يحتج به إن شاء الله باب صيام اليوم الذي يشك فيه ذكر فيه مالك أنه سمع أهل العلم ينهون أن يصام اليوم الذي يشك فيه من شعبان إذا نوى به صيام رمضان ويرون أن على من صامه على غير رؤية

ثم جاء الثبت أنه من رمضان أن عليه قضاءه ولا يرون بصيامه تطوعا بأسا قال مالك وهذا الأمر عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر هذا أعدل المذاهب في هذه المسألة إن شاء الله وعليه جمهور العلماء وممن روي عنه كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وحذيفة وبن مسعود وبن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك ومن التابعين سعيد بن المسيب وأبو وائل والشعبي وعكرمة وإبراهيم النخعي والحسن وبن سيرين وبه قال مالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وإسحاق بن راهويه وداود بن علي والحجة في ذلك من طريق الأثر حديث عمار قال من صام هذا اليوم يعني يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم وقال الليث بن سعد من أصبح صائما في آخر يوم من شعبان متطوعا أو احتياطا كالدخول لدخول رمضان إذا أصبح مفطرا إلا أنه لم يطعم ثم جاءهم الخبر أنه من رمضان فإنهم يتمون صيامهم ولا قضاء عليهم قال الليث وإن لم يأتهم الخبر إلا بعد ذلك اليوم أو بعد ما أمسوا كان عليهم قضاء ذلك اليوم وكان عبد الله بن عمر يصومه إذا حال دون ذلك منظر الهلال ليلة ثلاثين من شعبان غيم أو سحاب وإن لم يكن ذلك لم يصمه وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وروى عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تصوم اليوم الذي يغم فيه على الناس نحو مذهب بن عمر وروت عن عائشة أنها قالت لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان

وهذا صوم اليوم الذي يشك فيه وقال أحمد بن حنبل الذي أذهب إليه في هذا فعل بن عمر ثم قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال أخبرنا أيوب عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له قال نافع فكان عبد الله إذا كان من شعبان تسع وعشرون بعث من ينظر الهلال فإن رآه فذلك وإن لم ير دون منظره سحاب أو قتر أصبح مفطرا وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما قال أحمد إن كان صحو ولم يكن في السماء علة أكملوا شعبان ثلاثين يوما وإن كان في السماء علة ليلة الشك فأصبح الرجل وقد أجمع الصيام من الليل وصام فإذا هو من رمضان أجزأه وإن لم يجمع الصيام من الليل وقال إن صام الناس صمت وأصبح على ذلك وصامه لم يجزه لحديث حفصة لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل قال أبو عمر كل من أجمع الصيام بلا تبييت أجاز قول من قال إن كان غدا رمضان صمت وأصبح على ذلك صائما من غير يقين بدخول رمضان وبعضهم يقول قد وفق لصيامه وقد مضت هذه المسألة في صدر هذا الكتاب وذكر البويطي والربيع عن الشافعي قال لا أحب لأحد أن يتعمد صيام يوم الشك تطوعا ومن كان يسدد الصيام أو كان يصوم أياما جعلها على نفسه فوافق ذلك اليوم فلا بأس أن يصومه وكرهت طائفة من أهل الحديث صيام يوم الشك تطوعا لحديث أبي هريرة عن

النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم وهو حديث صحيح من جهة النقل وقد قيل إن ذلك كراهة ان يدخل صيام شعبان برمضان واستحب بن عباس وجماعة من السلف رحمهم الله أن يفصلوا بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو أيام كما كانوا يستحبون أن يفصلوا بين صلاة الفريضة والنافلة بكلام أو قيام أو مشي أو تقدم أو تأخر من المكان وقد روى الدراوردي وغيره عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا وهو حديث صحيح إلا أن الذي عليه جماعة الفتوى من فقهاء الأمصار أنه لا بأس بصيام يوم الشك تطوعا كما قال مالك رحمه الله قال أبو عمر من هنا قال يحيى بن معين كانوا يتقون حديث العلاء بن عبد الرحمن وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صام شعبان كله وهذه حجة لهم ومن حديث عائشة رضي الله عنها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما منه في شعبان كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله

رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة وروى الثوري عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان وقال عبد الله بن المبارك جائز في كلام العرب أن يقال صام الشهر كله إذا صام أكثره إن شاء الله تعالى باب جامع الصيام ذكر فيه مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان قال أبو عمر لا تنازع بين العلماء في هذا الحديث وليس فيه ما يشكل وصيام غير رمضان تطوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر وذكر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم قال أبو عمر الصيام في الشريعة الإمساك عن الأكل والشرب والجماع هذا فرضه عند جميع الأئمة وسننه اجتناب قول الزور واللغو والرفث

وأصله في اللغة الإمساك مطلقا وكل من أمسك عن شيء فهو صائم منه ألا ترى قول الله تعالى إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا مريم وقوله جنة فهي الوقاية والستر عن النار وحسبك بهذا فضلا للصائم وروي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الصيام جنة يستجن بها العبد من النار وقوله فلا يرفث فالرفث هنا الكلام القبيح والشتم والخنا والغيبة والجفاء وأن تغضب صاحبك بما يسوءه والمراء ونحو ذلك كله ومعنى لا يجهل قريب مما يصيبنا من الشتم والسباب والقباح كقول القائل ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا واللغو هو الباطل قال الله عز وجل وإذا مروا باللغو مروا كراما الفرقان قال العجاج عن اللغا ورفث التكلم وروي عن أبي العالية أنه قال خرجنا مع بن عباس حجاجا فأحرم وأحرمنا ثم نزل يرتجز يسوق الإبل ويقول وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير تنك لميسا

فقلت يا أبا عباس ألست محرما قال بلى فقلت هذا الكلام الذي تكلم به قال لا يكون الرفث إلا ما واجهت به النساء وليس معنا نساء واختلف العلماء في قوله عز وجل فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج البقرة فأكثر العلماء على أن الرفث ها هنا جماع النساء وكذلك لم يختلفوا في قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم البقرة أنه الجماع وأما قوله فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم ففيه قولان أحدهما أن يقول الذي يريد مشاتمته ومقاتلته إني صائم وصومي يمنعني من مجاوبتك لأني أصون صومي عن الخنا والزور والمعنى في المقاتلة مقاتلته بلسانه وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه والمعنى الثاني أن الصائم يقول في نفسه إني صائم يا نفسي فلا سبيل إلى شفاء غيظك بالمشاتمة ولا يعلن بقوله إني صائم لما فيه من الرياء واطلاع الناس عليه لأن الصوم من العمل الذي لا يظهر وكذلك يجزئ الله الصائم أجره بغير حساب ومعنى قوله من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه فمعناه الكراهة والتحذير كما جاء من شرب الخمر فليشقص الخنازير أي يذبحها وليس هذا على الأمر بتشقيص الخنازير ولكنه على تعظيم إثم شارب الخمر وكذلك من اغتاب أو شهد زورا أو منكرا لم يؤمر بأن يدع صيامه ولكنه باجتناب ذلك ليتم له أجر صومه

عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي فالصيام لي وأنا أجزي به كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به قوله لخلوف فم الصائم يعني ما يعتريه في آخر النهار من التغير وأكثر ذلك في شدة الحر وقوله أطيب عند الله من ريح المسك يريد أزكى عند الله وأقرب إليه من ريح المسك عندكم يحضهم عليه ويرغبهم فيه وهذا في فضل الصيام وثواب الصائم وقوله الصيام لي وأنا أجزي به معناه والله أعلم أن الصوم لا يظهر من بن آدم في قول ولا عمل وإنما هو نية ينطوي عليها لا يعلمها إلا الله وليست مما يظهر فيكتبها الحفظة كما تكتب الذكر والصلاة والصدقة وسائر أعمال الظاهر لأن الصوم في الشريعة ليس هو بالإمساك عن الطعام والشراب دون استشعار النية واعتقاد النية بأن تركه الطعام والشراب والجماع ابتغاء ثواب الله ورغبته فيما ندب إليه تزلفا وقربة منه كل ذلك منه إيمانا واحتسابا لا يريد به غير الله عز وجل ومن لم ينو بصومه أنه لله عز وجل فليس بصيام فلهذا قلنا إنه لا تطلع عليه الحفظة لأن التارك للأكل والشرب ليس بصائم في الشرع إلا أن ينوي بفعله ذلك التقرب إلى الله تعالى بما أمره به ورضيه من تركه طعامه وشرابه له وحده لا شريك له لا لأحد سواه فمعنى قوله الصوم لي والله أعلم وكل ما أريد به وجه الله فهو له ولكنه ظاهر والصوم ليس بظاهر وفي قوله الصوم لي فضل عظيم للصوم لأنه لا يضاف إليه إلا أكرم الأمور وأفضل الأعمال كما قال بيت الله في الكعبة وكما قال تعالى ونفخت

فيه من روحي الحجر وقيل لعيسى عليه السلام روح الله وكما قال صبغة الله البقرة وكما قال وطهر بيتي للطائفين الحج ويقال دين الله وبيت الله ومثل هذا كثير والصوم في لسان العرب الصبر قال بن الأنباري إنما سمي الصوم صبرا لأنه حبس النفس عن المطاعم والمشارب والمناكح والشهوات وقال قال عليه السلام من صام شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر فكأنما صام الدهر يعني بشهر الصبر شهر رمضان وقد يسمى الصائم سائحا ومنه قوله تعالى السائحون التوبة يعني الصائمين المصلين ومنه قوله تعالى عابدات سائحات التحريم وللصوم وجوه في لسان العرب مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين قال أبو عمر هذا الحديث ذكرناه في التمهيد لأن مثله لا يكون رأيا ولا يدرك إلا بتوقيف وقد روي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سهيل وغيره من رواية مالك أيضا كذلك هو في موطأ معن بن عيسى عن مالك مرفوعا وقد ذكرنا طرقه مرفوعة من وجوه في التمهيد ومن أحسنها ما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا قالون قال حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير القارئ عن نافع عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استهل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين

قال أبو عمر صفدت الشياطين وجهه عندي والله أعلم أنه على المجاز وإن كان قد روي في بعض الأحاديث سلسلت فهو عندي مجاز والمعنى فيه والله أعلم أن الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي ولا يخلص إليهم فيه الشياطين كما كانوا يخلصون إليهم في سائر السنة وأما الصفد بتخفيف الفاء فهو الغل عند العرب وقد روي من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة قبلها خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويزين الله لهم كل يوم جنته ثم يقول يوشك عبادي الصائمون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ثم يصيرون إليك وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ويغفر لهم آخر كل ليلة قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر قال لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله وقد ذكرنا أسانيد هذا الحديث في التمهيد وروى أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم وقد ذكرناه من طرق في التمهيد وذكرنا هناك أيضا قوله عليه السلام تغلق في رمضان أبواب النار وتفتح أبواب الجنة وتصفد فيه الشياطين وينادي مناد كل ليلة يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر انصرف

وذكر مالك في هذا الباب أنه سمع أهل العلم لا يكرهون السواك للصائم في رمضان في ساعة من ساعات النهار لا في أوله ولا في آخره ولم أسمع أحدا من أهل العلم يكره ذلك ولا ينهى عنه قال أبو عمر اختلف الفقهاء في السواك للصائم فرخص فيه مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وبن علية وهو قول النخعي ومحمد بن سيرين وعروة بن الزبير ورواية الرخصة فيه أيضا عن عمر وبن عباس وحجة من ذهب إلى هذا قوله عليه السلام لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك لكل صلاة ولم يخص رمضان من غيره ولا خص من السواك نوعا رطبا ولا يابسا ولا صدر النهار ولا آخره وقد روي عنه عليه السلام أنه كان يستاك وهو صائم وروي عنه عليه السلام أنه قال أفضل خصال الصائم للصائم السواك وكان مالك رحمه الله يكره السواك الرطب للصائم في أول النهار وآخره وهو قول أحمد وإسحاق وروي ذلك عن زياد بن يزيد بن ميسرة والشعبي والحكم بن عتيبة ورخص في السواك الرطب الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وهو قول مجاهد وإبراهيم وعطاء وبن سيرين وروي ذلك عن بن عمر وقال بن علية السواك سنة الصائم والمفطر والرطب واليابس سواء لأنه ليس بمأكول ولا مشروب

وقال الشافعي أحب السواك عند كل وضوء في الليل والنهار وعند تغيير الفم إلا أني أكرهه للصائم آخر النهار ومن أجل الحديث في خلوف فم الصائم وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وروي ذلك عن عطاء ومجاهد وذكر مالك في صيام ستة أيام بعد الفطر أنه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها قال ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك قال أبو عمر في هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث انفرد به عمر بن ثابت عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنه صام الدهر أخبرناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال أخبرنا أبو داود قال حدثنا النفيلي وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا خلاد بن أسلم قالا حدثنا عبد العزيز بن محمد عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد عن عمر بن ثابت الأنصاري عن أبي أيوب صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر وقال أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا أبو عبد الرحمن المروي قال حدثنا شعبة بن الحجاج عن عبد ربه بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام السنة كلها هكذا ذكره موقوفا على أبي أيوب وقد روي عن يحيى بن سعيد عن عمر بن ثابت بإسناده مثله موقوفا

قال أبو عمر انفرد بهذا الحديث عمر بن ثابت الأنصاري وهو من ثقات أهل المدينة قال أبو حاتم الرازي عمر بن ثابت الأنصاري سمع أبا أيوب الأنصاري روى عنه الزهري وصفوان بن سليم وصالح بن كيسان ومالك بن أنس وسعد وعبد ربه ابنا سعيد وحديث ثوبان يعضد حديث عمر بن ثابت هذا أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا محمد بن شعيب بن سابور قال حدثنا يحيى بن الحارث قال حدثنا أبو أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله يقول جعل الله الحسنة بعشر فشهر رمضان بعشرة أشهر وستة أيام بعد الفطر تمام السنة قال أبو عمر لم يبلغ مالكا حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه والذي كرهه له مالك أمر قد بينه وأوضحه وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان وأن يستبين ذلك إلى العامة وكان رحمه الله متحفظا كثير الاحتياط للدين وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان رضي الله عنه فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله لأن الصوم جنة وفضله معلوم لمن رد طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى وهو عمل بر وخير وقد قال الله عز وجل وافعلوا الخير الحج ومالك لا يجهل شيئا من هذا ولم يكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك وخشي أن يعدوه من فرائض الصيام مضافا إلى رمضان وما أظن مالكا جهل الحديث والله أعلم لأنه حديث مدني انفرد به عمر بن ثابت وقد قيل إنه روى عنه مالك ولولا علمه به ما أنكره وأظن الشيخ عمر بن ثابت لم يكن عنده ممن يعتمد عليه وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عن بعض شيوخه إذا لم يثق بحفظه ببعض ما رواه وقد يمكن أن يكون جهل الحديث ولو علمه لقال به والله أعلم وقال مالك لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه

قال أبو عمر اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم الجمعة ف روى بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر قال وما رأيته يفطر يوم الجمعة وهو حديث صحيح وقد روي عن بن عمر أنه قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مفطرا يوم جمعة قط ذكره بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن ليث بن أبي سليم عن عمير بن أبي عمير عن بن عمر وروي عن بن عباس أنه كان يصوم يوم الجمعة ويواظب عليه وأما الذي ذكره مالك فيقولون إنه محمد بن المنكدر وقيل إنه صفوان بن سليم عن رجل من بني جشم أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوم الجمعة كتب له عشرة أيام عددهن من أيام الآخرة لا تشاكلهن أيام الدنيا رواه علي بن المديني وغيره عن الدراوردي وأما الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن صيام يوم الجمعة فحديث جابر على أنه قد روي عنه أنه سئل عن صيام يوم الجمعة فقال قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرد بصوم وحديث أبي هريرة وغيره فأما حديث جابر ف حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة عن محمد بن عباد قال سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة قال نعم ورب هذا البيت

وحدثنا عبد الله قال حدثنا حمزة قال حدثنا أحمد قال حدثنا عمر بن علي قال حدثنا يحيى القطان قال حدثنا بن جريج قال أخبرني محمد بن عباد بن جعفر قال قلت لجابر أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم قال أي ورب الكعبة هكذا رواه فأسقط من الإسناد عبد الحميد بن جبير بن شيبة وتابعه على ذلك النضر بن شميل وحفص بن غياث وأما حديث أبي هريرة ف حدثنا عبد الله قال حدثنا حمزة قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن منصور والحارث بن مسكين قراءة عليه واللفظ له عن سفيان عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن عبد الله بن عمرو القارئ قال سمعت أبا هريرة يقول ما أنا نهيت عن صيام يوم الجمعة محمد صلى الله عليه وسلم ورب هذا البيت نهى عنه وعلى هذا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صيام يوم الجمعة إلا أن يصام قبله أو بعده وروت جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وهذه الآثار كلها ذكرها النسائي وأبو داود وبن أبي شيبة والأصل في صوم يوم الجمعة أنه عمل بر لا يمتنع منه إلا بدليل لا معارض له وأما الذين كرهوا صيامه من الصحابة والتابعين فبشهود يوم العيد فلذلك كرهوا صومه ومنهم من قال يفطره ليقوى على الصلاة ذلك اليوم كما قال بن عمر لا يصام يوم عرفة بعرفة من أجل القوة على الدعاء ذكر بن أبي شيبة عن عمران بن ظبيان عن حكيم بن سعد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال من كان منكم متطوعا من الشهر أياما فليكن في صومه يوم الخميس ولا يصوم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر فيجمع الله يومين صالحين يوم صيامه ويوم نسكه مع المسلمين وذكره الشعبي ومجاهد أن يتعمد يوم الجمعة بصوم

وذكر عن جرير بن مغيرة عن إبراهيم أنهم كرهوا صوم يوم الجمعة ليقووا على الصلاة وعن وكيع عن سفيان عن عاصم عن بن سيرين قال لا تخصوا يوم الجمعة بصوم بين الأيام ولا ليلة الجمعة بقيام بين الليالي وممن كره صوم يوم الجمعة الزهري وأحمد وإسحاق وقال الشافعي لا يتبين لي أنه نهى عن صيام يوم الجمعة إلا على الاختيار تم كتاب الصيام بحمد الله وعونه وتأييده ونصره

كتاب الاعتكاف باب ذكر الاعتكاف ذكر فيه مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد اختلاف أصحاب مالك عليه في إسناد هذا الحديث ومتنه واختلاف أصحاب بن شهاب عليه في ذلك أيضا وبينا ذلك كله هنالك والحمد لله وأما الاعتكاف في كلام العرب فهو القيام على الشيء والمواظبة عليه والملازمة له وأما في الشريعة فمعناه الإقامة على الطاعة وعمل البر على حسب ما ورد من سنن الاعتكاف فما أجمع العلماء عليه من ذلك أن الاعتكاف جائز الدهر كله إلا الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها فإنها موضع اختلاف لاختلافهم في جواز الاعتكاف بغير صوم

وأجمعوا أن سنة الاعتكاف المندوب إليها شهر رمضان كله أو بعضه وأنه جائز في السنة كلها إلا ما ذكرنا وأجمعوا أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد لقوله تعالى وأنتم عاكفون في المساجد في الآية المذكورة يعني في البقرة فذهب قوم إلى أن الآية خرجت على نوع من المساجد وإن كان لفظه العموم فقالوا لا اعتكاف إلا في مسجد نبي كالكعبة أو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أو بيت المقدس لا غير وروي هذا القول عن حذيفة بن اليمان وسعيد بن المسيب ومن حجتهما أن الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في مسجده وكان القصد والإشارة إلى نوع ذلك المسجد مما بناه نبي وقال آخرون لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجمعة لأن الإشارة في الآيات عندهم إلى ذلك الجنس من المساجد روي هذا القول عن علي بن أبي طالب وبن مسعود وبه قال عروة بن الزبير والحكم بن عيينة وحماد والزهري وأبو جعفر محمد بن علي وهو أحد قولي مالك وقال آخرون الاعتكاف في كل مسجد جائز روي عن سعيد بن جبير وأبي قلابة وإبراهيم النخعي وهمام بن الحارث وأبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي الأحوص والشعبي وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والثوري وهو أحد قولي مالك وبه يقول بن علية وداود والطبري وحجتهم حمل الآية على عمومها في كل مسجد وقال مالك في الموطأ أنه سأل بن شهاب عن الرجل يعتكف هل يدخل لحاجته تحت سقف فقال نعم لا بأس بذلك قال مالك الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها وإلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة أو يدعها فإن كان

مسجدا لا يجمع فيه الجمعة ولا يجب على صاحبة إتيان الجمعة في مسجد سواه فإني لا أرى بأسا بالاعتكاف فيه لأن الله تبارك وتعالى قال وأنتم عاكفون في المساجد البقرة فعم الله المساجد كلها ولم يخص شيئا منها وقال الشافعي لا يعتكف في غير المسجد الجامع إلا من الجمعة إلى المسجد قال والاعتكاف في المسجد الجامع أحب إلي قال ويعتكف المسافر والعبد والمرأة حيث شاؤوا ولا اعتكاف إلا في مسجد وذكر بن عبد الحكم عن مالك قال لا يعتكف أحد إلا في رحاب المسجد التي يجوز فيها الصلاة واختلفوا في مكان اعتكاف النساء ف قال الشافعي ما قدمنا عنه وقال مالك تعتكف المرأة في مسجد الجماعة ولا يعجبه اعتكافها في مسجد بيتها وقال الكوفيون لا تعتكف المرأة إلا في مسجد بيتها ولا تعتكف في مسجد الجماعة وسنزيد هذا بيانا في باب قضاء الاعتكاف إن شاء الله وهناك ذكر مالك هذه المسألة قال أبو عمر في ترجيل عائشة شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتكف دليل على أن اليدين من المرأة ليستا بعورة ولو كانتا عورة لم تباشره بهما في اعتكافه لأن المعتكف منهي عن المباشرة قال الله عز وجل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد البقرة ويدلك على ذلك أيضا أنها تنهى في الإحرام عن لباس القفازين وتؤمر بستر ما عدا وجهها وكفيها وهكذا حكمها في الصلاة تكشف وجهها وكفيها وقد مضى ذكر ما هو عورة في كتاب الصلاة وقد روى تميم بن سلمة وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه وهو مجاور وأنا في حجرتي فأرجله وأنا حائض

وفي ذلك دليل على أن الحائض طاهر غير نجسة إلا موضع النجاسة منها وقد مضى هذا المعنى مجودا في باب الحيض وأما قولها وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي ذلك دليل على أن المعتكف لا يشتغل بغير ملازمة المسجد للصلوات وتلاوة القرآن وذكر الله أو السكوت ففيه سلامة ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان كل ما لا غنى بالإنسان عنه من منافعه ومصالحه وما لا يقضيه عنه غيره ومعنى ترجيل شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمال كل ما كان فيه صلاح بدنه من الغذاء وغيره مما يحتاج إليه ومن جهة النظر فإن المعتكف ناذر جاعل على نفسه المقام في المسجد لطاعة الله فواجب عليه الوفاء بذلك وأن لا يشتغل بما يلهيه عن الذكر والصلاة ولا يخرج إلا لضرورة كالمرض البين والحيض في النساء وهذا في معنى خروجه صلى الله عليه وسلم لحاجة الإنسان لأنها ضرورة واختلف قول مالك في المعتكف يخرج لعذر غير ضرورة مثل أن يموت أبوه أو ابنه ولا يكون له من يقوم به أو شراء طعام يفطر عليه أو غسل النجاسة من ثوبه فروي عنه أنه من فعل ذلك كله يبتدئ اعتكافه وروي عنه أنه يبني وهو الأصح عندي قياسا على حاجة الإنسان وأما حديثه عن بن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة كانت إذا اعتكفت لا تسأل عن المريض إلا وهي تمشي لا تقف فقد ذكرنا في التمهيد علل إسناده لأن عبد الرحمن بن مهدي والقطان روياه عن مالك عن بن شهاب عن عروة عن عمرة عن عائشة ورواه أكثر أصحاب مالك كما رواه يحيى عن مالك عن عمرة عن عائشة لم يذكروا عروة ورواه الشافعي وطائفة من أصحاب مالك عن مالك عن عروة عن عائشة وبين أصحاب بن شهاب فيه وفي المسند الذي قبله ضروب من الاضطراب قد ذكرنا أكثر ذلك في باب بن شهاب من التمهيد وفي حديثها هذا دليل على أن المريض لا يجوز عندها أن يعوده المعتكف ولا يخرج لعيادته له عن اعتكافه

وأما قول مالك لا يأتي المعتكف حاجة ولا يخرج لها ولا يعين أحدا عليها ولا يشتغل بتجارة ولا يعرض لها ولا بأس أن يأمر بمصلحة أهله وبيع ماله وصلاح ضيعته وقال بن القاسم عنه لا يقوم المعتكف لرجل يعزيه ولا يهنيه ولا يشهد عقد نكاح يقوم له من مكانه ولا يشتغل بالكلام في العلم وكتابته وجائز له ما خف من الشراء قال في موطئه ولو كان المعتكف خارجا لحاجة أحد لكان أحق ما يخرج إليه عيادة المريض والصلاة على الجنائز واتباعها ولا يكون معتكفا حتى يجتنب ما يجتنب المعتكف مالك عن بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذهب لحاجة الإنسان في البيوت قال مالك لا يخرج المعتكف مع جنازة أبويه وذكر أنه سأل بن شهاب عن الرجل يعتكف هل يدخل لحاجته تحت سقف قال نعم لا بأس بذلك قال أبو عمر هو قول مالك واختلف الفقهاء في اشتغال المعتكف بالأمور المباحة أو المندوب إليها فقال مالك ما ذكرناه عنه وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه للمعتكف أن يتحدث ويبيع ويشتري في المسجد واشتغال ما لا يأثم فيه وليس عليه صمت واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة أن المعتكف لا يخرج من موضع اعتكافه لشهود جنازة ولا لعيادة مريض ولا يفارق موضع اعتكافه إلا لحاجة الإنسان ومعانيهم متقاربة جدا في هذا الباب وقال الثوري المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة والجمعة وما لا يحسن به أن يضيع من أموره ولا يدخل تحت سقف إلا أن يكون ممره فيه ولا يجلس عنده أهله ولا يوصيهم لحاجة إلا وهو قائم أو ماش ولا يبيع ولا يشتري وإن دخل تحت سقف بطل اعتكافه

وقال الحسن بن حي إذا دخل المعتكف بيتا غير المسجد الذي هو فيه أو بيتا ليس في طريقه بطل اعتكافه ويحضر الجنازة ويعود المريض في المسجد ويشهد الجمعة ويخرج للوضوء ويكره أن يبيع ويشتري قال أبو عمر من الحجة لمالك ومن تابعه في هذا الباب ما رواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج إلا لما لا بد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع قال أبو عمر لم يقل أحد في حديث عائشة هذا السنة إلا عبد الرحمن بن إسحاق ولا يصح الكلام عندهم إلا من قول الزهري وبعضه من كلام عروة وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه قال المعتكف لا يجيب دعوة ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة والحجة لمذهب الثوري ومن تابعه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال من اعتكف فلا يرفث ولا يساب وليشهد الجمعة والجنازة ويوصي أهله إذا كانت له حاجة وهو صائم ولا يجلس عندهم ذكره عبد الرزاق عن معمر والثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي وبه يأخذ عبد الرزاق وذكر الحسن الحلواني قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا إسحاق الفزاري عن أبي إسحاق الشيباني عن سعيد بن جبير قال اعتكفت في مسجد الحي فأرسل إلي عمرو بن حريث يدعوني وهو أمير على الكوفة فلم آته فعاد فلم آته ثم عاد فلم آته ثم عاد فأتيته فقال ما يمنعك أن تأتينا قلت إني كنت معتكفا فقال وما عليك إن المعتكف يشهد الجمعة ويعود المريض ويمشي مع الجنازة ويجيب الإمام وبهذا كان يفتي سعيد بن جبير وعن بن جريج ومعمر عن الزهري قال لا يخرج المعتكف إلا إلى حاجة لا بد له منها غائطا وبولا ولا يشيع جنازة ولا يعود مريضا قال وقال عطاء إن عاد مريضا قطع اعتكافه

قال أبو عمر ذكر بن خواز بنداذ أن مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري في المعتكف يأتي كبيرة أنه قد بطل اعتكافه قال أبو عمر هؤلاء يبطلون الاعتكاف بترك سنة عمدا فكيف بارتكاب الكبيرة فيه وروي عن أبي حنيفة أن من سكر ليلا لم يفسد اعتكافه يعني إذا لم يتعمد السكر وأما قول مالك لم أسمع أحدا من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطا وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال مثل الصلاة والصيام والحج إلى آخر كلامه في هذا الباب من الموطأ ومعناه أن الشرط فيه لا يبطل شيئا من سنته ولا يجزئه إلا على سنته كسائر ما ذكر معه من أعمال البر قول جماعة من العلماء منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب قالا على المعتكف الصوم وإن نوى ألا يصوم وبه قال بن شهاب الزهري وأبو عمر والأوزاعي قال أبو عمر أما الصلاة والصيام فأجمعوا أن لا مدخل للشرط فيهما وأما الحج فإنهم اختلفوا فيه فمن أجاز فيه الأشراط احتج بحديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها أهلي بالحج واشرطي أن تحلي حيث حبست وسنذكر هذه المسألة في موضعها من كتاب الحج مما فيها للعلماء من المذاهب إن شاء الله وأما الاعتكاف فالشرط فيه أنه متى عرضه ما يقطعه عليه أن يبني إن شاء ولا يبتدئ ف أكثر أهل العلم على ما قال مالك أنه إذا أتى ما يقطع اعتكافه ابتدأ ولم ينفعه شرطه وعليه قضاء اعتكافه ومنهم من أجاز له شرطه إذا اشترط في حين دخوله في اعتكافه ذكر عبد الرزاق عن شيوخه بالأسانيد أن قتادة وعطاء وإبراهيم أجازوا الشرط للمعتكف في البيع والشراء وعيادة المريض واتباع الجنازة والجمعة وأن يأتي الخلاء في بيته ونحو ذلك

وزاد عطاء إن اشترط أن يعتكف النهار دون الليل وأن يأتي بيته ليلا فذلك له وعن علي بن أبي طالب وعبد الله له نيته وقال الشافعي لا بأس أن يشرط إن عرض لي أمر خرجت وممن أجاز الشرط للمعتكف أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلا أن أحمد اختلف قوله فيه فمرة قال أرجو أنه لا بأس به ومرة منع منه وقال إسحاق أما الاعتكاف الواجب فلا أرى أن يعود فيه مريضا ولا يشهد جنازة وأما التطوع فإنه يشرط فيه حين يبتدئ شهود الجنازة وعيادة المرضى واختلفوا في المعتكف يمرض ف قال مالك وأبو حنيفة والشافعي يخرج فإذا صح رجع فأتم ما بقي عليه من اعتكافه إذا كان نذرا واجبا عليه وقال الثوري يبتدئ قال أبو عمر هذا إذا كان مرضه يمنعه معه المقام واختلفوا في المعتكفة تطلق أو يموت عنها زوجها ف قال مالك تمضي في إعتكافها حتى تفرغ منه وتتم بقية عدتها في بيت زوجها وقال الشافعي تخرج فإذا انقضت عدتها رجعت واختلفوا في المعتكف يدخل بيتا ف قال بن عمر وعطاء وإبراهيم لا يدخل تحت سقف وبه قال إسحاق وقال الثوري إن دخل بيتا غير مسجده بطل اعتكافه ورخص فيه بن شهاب ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وكان الشافعي لا يكره للمعتكف أن يصعد المنارة وهو قول أبي حنيفة وبه قال أبو ثور وكره ذلك مالك ولم يرخص فيه واختلفوا في المعتكف يصعد المئذنة ليؤذن ف كره ذلك مالك والليث وقالا لا يصعد على ظهر المسجد

وقال الحسن بن حي لا بأس بذلك كله قال أبو حنيفة أن يفعل لم يضره شيء ولا يفسد اعتكافه ولو كانت خارج المسجد وهو قول الشافعي وقال مالك لا يشتمل المعتكف في مجالس أهل العلم ولا يكتب العلم وقال عطاء بن أبي رباح والأوزاعي وسعيد بن عبد الرحمن والليث بن سعد والشافعي لا بأس أن يأتي المعتكف مجالس العلماء في المسجد الذي يعتكف فيه قال أبو عمر من كره ذلك كما كرهه مالك فلأن مجالس العلم شاغلة له كما جعل على نفسه وقصده من الاعتكاف وإذا لم يشهد الجنازة ويعود المريض على أن لا يتعدى اعتكافه إلى شيء من أعمال البر إلا اعتكافه وكما لا تقطع صلاة التطوع ولا غيرها لعمل بر سواها من إصلاح بين الناس وغير ذلك فكذلك لا يدع اعتكافه لما يشغله عنه من أعمال البر ومن رخص في مشاهدته مجالس العلم في المسجد فلأنه عمل لا ينافي اعتكافه وإنما يكره له ما ينافي اعتكافه من اللهو والباطل والحرام قال أبو عمر مالك أقرب بأصله من هؤلاء لأنهم ذهبوا إلى أن المعتكف لا يشهد جنازة ولا يعود مريضا إن شاء الله تعالى باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد ونافعا مولى عبد الله بن عمر قالا لا اعتكاف إلا بصيام بقول الله تبارك وتعالى في كتابه وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد البقرة فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام قال مالك وعلى ذلك الأمر عندنا أنه لا اعتكاف إلا بصيام قال أبو عمر قول مالك وعلى ذلك الأمر عندنا أنه لا اعتكاف إلا بصيام في هذا الباب هو قول بن عباس على اختلاف عنه وهو قول عبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم

ذكر بن وهب وعبد الرزاق قالا أخبرنا بن جريج عن عطاء عن بن عباس وبن عمر قالا لا اعتكاف إلا بصوم وبه قال عروة بن الزبير وعامر الشعبي وبن شهاب الزهري وسفيان الثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وقال الشافعي الاعتكاف جائز بغير صيام وهو قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما كلاهما قال المعتكف إن شاء صام وإن شاء لم يصم وعن بن مسعود أنه قال ليس على المعتكف صوم إلا أن يجعله على نفسه وبه قال الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وبن علية وداود واختلف في هذه المسألة عن بن عباس وروى عنه طاوس ليس على المعتكف صوم إلا أن يجعله على نفسه رواه أبو سهيل نافع بن مالك عن طاوس وروى عنه عطاء ومقسم وأبو فاختة لا اعتكاف إلا بصوم وكذلك روى ليث عن طاوس واختلف في هذه المسألة عن إبراهيم النخعي فروي عنه القولان جميعا وكذلك اختلف فيها عن أحمد وإسحاق وأما أبو ثور فقوله فيها كقول الشافعي وهو اختيار المزني واحتج لمذهبه ومذهب الشافعي كذلك بحجج منها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نذر أن يعتكف ليلة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفي بنذره وليس الليل موضع صيام ومنها أن صيام رمضان لا ينوي به أحد رمضان وغيره معا لا واجبا من الصيام ولا غير واجب ومعلوم أن اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في رمضان ومنها أن ليل المعتكف ونهاره سواء وليس الليل بموضع الصيام وذكر الحميدي عن الدراوردي قال أخبرني أبو سهيل بن مالك قال اجتمعت أنا وبن شهاب عند عمر بن عبد العزيز فكان على امرأتي اعتكاف ثلاثة أيام في المسجد الحرام فقال بن شهاب لا يكون الاعتكاف إلا بصيام فقال عمر بن

عبد العزيز أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قال فمن أبي بكر قال لا قال فمن عمر قال لا قال فمن عثمان قال لا قال أبو سهيل فانصرفت فوجدت طاوسا وعطاء فسألتهما عن ذلك فقال طاوس كان بن عباس لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه قال عطاء وذلك رأيي وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل باب خروج المعتكف للعيد هذا الباب والبابان اللذان بعده إلى آخر كتاب الاعتكاف لم يسمع ذلك يحيى عن مالك فرواه عن زياد بن عبد الرحمن عن مالك وقيل سمع الموطأ من زياد عن مالك ثم دخل إلى مالك فلم يتم الموطأ فاته منه عليه لمرضه وحضور أجله هذه الأبواب فتحملها عن زياد عنه لما فاته عن مالك أتى زيادا فرواها عنه عن مالك ذكر فيه مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أن أبا بكر بن عبد الرحمن اعتكف فكان يذهب لحاجته تحت سقيفة في حجرة مغلقة في دار خالد بن الوليد ثم لا يرجع حتى يشهد العيد مع المسلمين قال أبو عمر أما مشي أبي بكر بن عبد الرحمن تحت سقيفة حجرة خالد بن الوليد فقد مضى القول فيمن أجاز ذلك ومن كرهه في الباب الذي قبل هذا والأصل في الأشياء الإباحة حتى يقرع السمع ما يوجب الحظر ولم يمنع الله من ذلك ولا رسوله ولا اتفق الجميع على المنع منه ولا تقوم الحجة إلا من هذه الوجوه أو ما كان في معناها وأما قول مالك أنه رأى أهل العلم إذا اعتكفوا في العشر الأواخر من رمضان لا يرجعون إلى أهليهم حتى يشهدوا الفطر مع المسلمين قال مالك وبلغني ذلك عن أهل الفضل الذين مضوا وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر هذا من قوله يدل على أنه سمع الاختلاف في هذه المسألة وقد اختلف قوله فيها فالأكثر عنه ما في موطئه أنه لا يخرج من معتكفه من اعتكف العشر الأواخر إلا إلى المصلى وإن خرج فلا شيء عليه

رواه بن القاسم عن مالك في المدونة وهو قول بن القاسم وقال بن الماجشون وسحنون يعيد اعتكافه قال سحنون لأن السنة المجتمع عليها أن يبيت في معتكفه حتى يصبح قال أبو عمر لم يقل بقولهما أحد من أهل العلم فيما علمت إلا رواية جاءت عن مالك ذكرها إسماعيل في المبسوط لا وجه لها في القياس لما وصفنا والصحيح عن مالك فيها ما ذكرنا ولم يجتمع على ما ذكر سحنون أنها سنة مجمع عليها والخلاف موجود فيها والخلاف لا حجة فيه وذكر بن وهب عن الليث أن عقيلا حدثه عن بن شهاب أنه كان لا يرى بأسا أن ينصرف المعتكف إلى أهله ليلة الفطر وبه قال الليث بن سعد قال أبو عمر هي مسألة استحباب ليصل المعتكف اعتكافه بصلاة العيد فيكون قد وصل نسكا بنسك والله أعلم لأن ذلك لا واجب ولا لازم ولا سنة مؤكدة لأن الأصل ليلة العيد ويوم العيد ليس بموضع اعتكاف لا سيما عند من لا يراه إلا بصيام ومع هذا فإن الذي ذكره مالك معلوم بالمدينة وبالكوفة ذكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن مغيرة عن أبي معشر عن إبراهيم قال كانوا يستحبون للمعتكف أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يكون غدوه منه إلى العيد وعن وكيع عن بن عمر عن عمران بن جرير عن أبي مجلز قال يبيت ليلة الفطر في المسجد الذي اعتكف فيه حتى يكون خروجه منه إلى مصلاه وعن إسماعيل بن علية عن أيوب عن أبي قلابة أنه فعل مثل ذلك فهؤلاء من أهل الكوفة والبصرة أعلام إلى ما حكاه مالك عن طائفة من فضلاء أهل المدينة وعلمائهم ومذهب أحمد بن حنبل في ذلك على ما اختاره مالك واستحبه وكان الشافعي والأوزاعي يقولان يخرج من اعتكافه إذا غربت الشمس من آخر أيامه قال الشافعي إذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر دخل قبل الغروب فإذا أهل هلال شوال فقد أتم العشر وهو قول أبي حنيفة وأصحابه

قال أبو عمر قد أجمعوا في المعتكف في العشر الأول أو الوسط من رمضان أنه يخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه وفي إجماعهم على ذلك ما يوهن ورواية من روى يخرج من صبيحتها أو في صبيحتها وإجماعهم على ذلك نقيض ما اختلفوا فيه من الخروج لمن اعتكف العشر الأواخر ويدل على تصويب رواية من روى يخرج فيها من اعتكافه يعني بعد الغروب والله أعلم والصحيح في تحصيل مذهب مالك أن يقام المعتكف ليلة الفطر في معتكفه وخروجه منه إلى العيد استحباب وفضل لا إيجاب وهو الذي ذكر فيه قوله في موطئه بل قد نص عليه وبالله التوفيق باب قضاء الاعتكاف مالك عن بن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه وجد أخبية خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب فلما رآها سأل عنها فقيل له هذا خباء عائشة وحفصة وزينب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آلبر تقولون بهن ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال قال أبو عمر كذا روى يحيى بن يحيى هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب ولم يتابعه على روايته عن مالك عن بن شهاب أحد من رواة الموطأ والحديث معروف عن مالك وغيره عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة ولم يروه بن شهاب أصلا ولا يعرف هذا الحديث لابن شهاب لا من رواية مالك ولا من رواية غيره من أصحابه وإنما هو في الموطأ وغيره لمالك عن يحيى بن سعيد كذلك رواه جماعة الموطأ عن مالك وكذلك رواه أصحاب يحيى بن سعيد عنه عن عمرة لا يذكر عائشة ومنهم من يرويه عن مالك عن يحيى بن سعيد لا يذكر عمرة

وقد ذكرنا كثيرا من طرقه بذلك عن يحيى بن سعيد في التمهيد وذكره البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف وساقه بكماله وذكره البخاري أيضا عن أبي النعمان عارم بن الفضل عن حماد بن زيد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قال أبو عمر هذا الحديث أدخله مالك في باب قضاء الاعتكاف وهو أعظم ما اعتمد عليه من فقه ومعنى ذلك عندي والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد عزم على اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فلما رأى ما كرهه من تنافس زينب وحفصة وعائشة في ذلك وخشي أن يدخل نيتهن داخلة انصرف ثم وفى الله عز وجل بما نواه من فعل البر فاعتكف عشرا من شوال وفي ذلك جواز الاعتكاف في غير رمضان وهو أمر لا خلاف فيه وأما قوله في الحديث آلبر تقولون بهن فمعناه يظنون بهن البر وأنا أخشى عليهن أن يردن الكون معي على ما يريد النساء من الانفراد بالأزواج في كل حين وإن لم يكن حين جماع فكأنهن مع إرادتهن لذلك لم يكن اعتكافهن خالصا لله فكره لهن ذلك وهو معنى قوله في غير حديث مالك آلبر تردن أو يردن كأنه توبيخ أي ما أظنهن يردن البر وقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كره لأزواجه الاعتكاف لشدة مؤنته لأن ليله ونهاره سواء قال مالك لم يبلغني أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا بن المسيب ولا أحدا من سلف هذه الأمة اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن وذلك والله أعلم لشدة الاعتكاف ولو ذهب ذاهب إلى أن الاعتكاف للنساء مكروه بهذا الحديث لكان مذهبا ولولا أن بن عيينة وهو حافظ ذكر فيه أنهن استأذنه في الاعتكاف لقطعت بأن الاعتكاف للنساء في المساجد غير جائز وما أظن استئذانهن محفوظا ولكن بن عيينة حافظ وقد تابعه الأوزاعي وبن فضيل في أن عائشة استأذنته لنفسها وبعضهم يقول إن عائشة استأذنته لنفسها وحفصة في الاعتكاف فأذن لمن استأذنته منهن ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم فيما في نيتهن

وفي هذا الحديث من الفقه أن الاعتكاف يلزم مع النية بالدخول فيه فإذا دخل الإنسان ثم قطعه لزمه قضاؤه وإنما قلنا إنه يلزمه بالنية مع الدخول وإن لم يكن في حديث مالك ذكر دخوله صلى الله عليه وسلم في ذلك الاعتكاف الذي قضاه إلا في رواية بن عيينة لهذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذ أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه فلما صلى الصبح يعني في المسجد وهو موضع اعتكافه مع عقد نيته على ذلك والنية هي الأصل في الأعمال وعليها تقع المجازات فمن هنا والله أعلم قضى اعتكافه في ذلك في شوال صلى الله عليه وسلم وقد ذكر سنيد قال حدثنا معمر بن سليمان عن كهمس عن معبد بن ثابت في قوله عز وجل ومنهم من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله التوبة إنما هو شيء يروه في أنفسهم ولم يتكلموا به ألا تسمع إلى قوله تعالى في الآية أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب التوبة قال وحدثنا معتمر وقال ركبت البحر فأصابتنا ريح شديدة فنذر قوم معنا نذرا ونويت أنا شيئا لم أتكلم به فلما قدمت البصرة سألت أبا سليمان التيمي فقال يا بني فء به فغير نكير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قضى الاعتكاف من أجل أنه كان قد نوى أن يعمله وإن لم يدخل فيه لأنه كان أوفى الناس لربه بما عاهده عليه وأبدرهم إلى طاعته فإن كان دخل فيه فالقضاء واجب عند العلماء لا يختلف في ذلك الفقهاء وإن كان لم يدخل فيه فالقضاء مستحب لمن هذه حاله عند أهل العلم مندوب إليه أيضا مرغوب فيه ومن العلماء من أوجب قضاءه عليه من أجل أنه كان عقد عليه نيته والوجه عندنا ما ذكرنا ومن جعل على المعتكف قضاء ما قطعه من اعتكافه قاسه على الحج التطوع يقطعه صاحبه عمدا أو مغلوبا وقد ذكرنا حكم قطع الصلاة التطوع والصيام التطوع وما للعلماء في ذلك من المذاهب فيما مضى من هذا الكتاب وذكر الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن النساء أيعتكفن قال نعم وقد ذكرنا طرفا من اختلاف العلماء في مكان معتكف النساء في أول باب الاعتكاف وقد ذكرنا ها هنا ما هو على شرطنا

قال مالك لا يعجبني أن تعتكف المرأة في مسجد بيتها ولتعتكف في مسجد الجماعة وقال أبو حنيفة لا تعتكف المرأة إلا في مسجد بيتها ولا تعتكف في مسجد الجماعة وقال الثوري اعتكاف المرأة في بيتها أفضل من اعتكافها في المسجد وهو قول إبراهيم قال أبو عمر من حجة من أجاز اعتكاف المرأة حديث بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة هذا لأن فيه أنهن استأذنه في الاعتكاف فأذن لهن فضربن أخبيتهن في المسجد ثم منعهن بعد ومعلوم أن منعه لهن كان لغير المعنى الذي أذن لهن من أجله وقال أصحاب أبي حنيفة إنما جاز لهن ضرب أخبيتهن في المسجد للاعتكاف من أجل أنهن كن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وللنساء أن يعتكفن في المسجد مع أزواجهن وكما أن للمرأة أن تسافر مع زوجها كذلك لها أن تعتكف معه وقال من لم يجز اعتكافهن في المسجد أصلا إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعتكاف إنكارا عليهن قال ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم آلبر يردن أي ليس هذا ببر ولم يختلفوا أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد فكذلك الاعتكاف قال أبو عمر ليس في حديث مالك في هذا الباب ذكر دخول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الاعتكاف الذي قضاه أي وقت هو وقد ذكره غيره حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا الحميد قال سفيان بن عيينة قال سمعت يحيى يحدث عن عمرة عن عائشة قالت أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان فسمعت بذلك فاستأذنته فأذن لي ثم استأذنته حفصة فأذن لها ثم استأذنته زينب فأذن لها قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه فلما صلى الصبح رأى في المسجد أربعة أبنية وذكر الحديث

وذكره البخاري قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي يعتكف فيه قال فاستأذنته عائشة وذكر الحديث وذكره أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية ويعلى بن عبيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه وذكر باقي الحديث قال أبو عمر لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بهذا الحديث مع ثبوته وصحته في وقت دخول المعتكف موضع اعتكافه إلا الأوزاعي والليث بن سعد وقد قال به طائفة من التابعين وروى بن وهب عن الليث قال إنما يدخل المعتكف المسجد للاعتكاف قبل الفجر ليلة إحدى وعشرين وذكر الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن المعتكف في أي وقت يدخل معتكفه فقال يدخل قبل غروب الشمس فيكون يبتدي ليلته فقيل له قد روى يحيى بن سعيد عن عمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر ثم يدخل معتكفه فسكت قال وسمعته مرة أخرى يسأل عن المعتكف في أي وقت يدخل معتكفه فقال قد كنت أحب له أن يدخل معتكفه في أول الليل حتى يبيت فيه ويبتدي ولكن حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل معتكفه إذا صلى الغداة قيل فمتى يخرج قال يخرج منه إلى المصلى قال أبو عمر اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة على خلاف هذا الحديث إلا أنهم اختلفوا في وقت دخول المعتكف المسجد للاعتكاف إذا نذره أياما وليالي أو يوما واحدا فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة إذا أوجب على نفسه اعتكاف شهر دخل المسجد قبل غروب الشمس

قال مالك ومن أراد أن يعتكف يوما أو أكثر يدخل معتكفه قبل مغيب الشمس من ليلة ذلك اليوم وقال الشافعي إذا قال لله علي اعتكاف يوم دخل قبل طلوع الفجر وخرج بعد غروب الشمس خلاف قوله في الشهر وقال زفر بن الهذيل والليث بن سعد يدخل قبل طلوع الفجر والشهر واليوم عندهما سواء تقدم وروي مثل ذلك عن أبي يوسف وقال الأوزاعي بظاهر حديث عائشة المذكور قال يصلي في المسجد الصبح ويقوم إلى معتكفه وقال أبو ثور إذا أراد اعتكاف عشرة أيام دخل في اعتكافه قبل طلوع الفجر وإذا أراد عشر ليال دخل قبل غروب الشمس قال أبو عمر ذهب هؤلاء إلى أن الليل لا يدخل في الاعتكاف إلا أن يتقدمه اعتكاف النهار لأن الليل ليس بموضع اعتكاف فلا يصلح الابتداء به وذهب أولئك إلى أن الليل تبع للنهار على كل حال فلذلك ابتدؤوا به والله أعلم وأما قوله في حديث مالك ثم اعتكف عشرا من شوال فقد مضى القول في وجوب قضاء الاعتكاف للباد والقاطع بعذر وبغير عذر ومضى مع ما قضى النبي صلى الله عليه وسلم اعتكافه كل ذلك في هذا الباب والحمد لله ومضى في الباب قبله خروج المعتكف لمرض يعرض له واختلاف العلماء في حكمه فقول مالك في موطئه أصح ما روي عنه في ذلك أن المريض يتم ما بقي عليه من اعتكافه إذا صح واحتج مالك بحديثه في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد الاعتكاف في رمضان فلم يعتكف واعتكف عشرا من شوال قال مالك والمتطوع في الاعتكاف والذي عليه الاعتكاف أجرهما سواء فيما يحل لهما ويحرم عليهما قال ولم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اعتكافه إلا تطوعا

قال أبو عمر هذا قوله مع جملة العلماء لأن الاعتكاف وإن لم يكن واجبا لا على من نذره فإنه يجب بالدخول فيه كالصلاة النافلة والحج والعمرة النافلتين وقد اختلف العلماء في أقل ما يلزمه ها هنا ولم يرو في شيء من الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل على نفسه اعتكافا وذلك دليل على أن اعتكافه كان تطوعا وقد أوضحنا وجه قضائه عشرا من شوال في اعتكافه بما لا معنى لإعادته ها هنا واختلف العلماء في أقل مدة الاعتكاف ف روى بن وهب عن مالك أن أقله عنده ثلاثة أيام وذكر بن حبيب أن أقله عنده يوم وليلة وقال بن القاسم في المدونة وقفت مالكا على ذلك فأنكره وقال أقله عشرة أيام قال أبو عمر هذا على الاستحقاق لأن مالكا قال من عليه الجمعة فلا يعتكف في غير مسجد الجامع إلا من الجمعة إلى الجمعة وهو قول الشافعي ولا حد عند أبي حنيفة والشافعي وأكثر الفقهاء في أقل مدته وروى بن جريج عن عطاء عن بن أمية قال إني لأمكث ساعة معتكفا قال عطاء وسمعت أنه لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام قال عطاء والاعتكاف ما مكث فيه المعتكف قال مالك في المرأة إنها إذا اعتكفت ثم حاضت في اعتكافها إنها ترجع إلى بيتها فإذا طهرت رجعت إلى المسجد أية ساعة طهرت ثم تبني على ما مضى من اعتكافها ومثل ذلك المرأة يجب عليها صيام شهرين متتابعين فتحيض ثم تطهر فتبني على ما مضى من صيامها ولا تؤخر ذلك قال أبو عمر حكم المعتكفة تحيض كحكم من نذر صيام أيام متتابعات أو كان عليه أيام متتابعات صيام متتابع وعلى ما ذكره مالك جماعة الفقهاء وقد مضى القول فيمن كان عليه أيام متتابعات فمرض أو امرأة كان عليها صيام متتابع فمرضت أو حاضت في باب صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر بما أغنى عن إعادته وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال إذا حاضت المعتكفة خرجت إلى بيتها فإذا طهرت قضت ذلك

وعن بن جريج عن عطاء قال إذا حاضت المعتكفة خرجت فإذا طهرت رجعت إلى موضعها قلت فيطؤها زوجها في يوم طهرها قال لا قلت فإن كانت مريضة قال تخرج إلى بيتها فإذا صحت رجعت إلى موضعها قلت أيطؤها زوجها في مرضها قال لا إن وطى ء الحائض في طهرها أو المريضة في مرضها فسد اعتكافها ولم يكن لها البناء على ما مضى وبالله التوفيق باب النكاح في الاعتكاف قال مالك لا بأس بنكاح المعتكف نكاح الملك ما لم يكن المسيس والمرأة المعتكفة أيضا تنكح نكاح الخطبة ما لم يكن المسيس ويحرم على المعتكف من أهله بالليل ما يحرم عليه منهن بالنهار ولا يحل لرجل أن يمس امرأته وهو معتكف ولا يتلذذ منها بقبلة ولا غيرها ولم أسمع أحدا يكره للمعتكف ولا للمعتكفة أن ينكحا في اعتكافهما ما لم يكن المسيس وكذلك الصائم ينكح في ليل صيامه وليس للمحرم إلى آخر كلامه قال أبو عمر قال الله عز وجل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد البقرة فأجمع العلماء على أنه إن وطى ء في اعتكافه عامدا في ليل أو نهار يبدأ اعتكافه وروي عن بن عباس ومجاهد والضحاك قالوا كانوا يجامعون وهم معتكفون حتى نزلت ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد وقال بن عباس كانوا إذا اعتكفوا يخرج أحدهم إلى الغائط جامع امرأته ثم اغتسل ورجع إلى اعتكافه فنزلت الآية وأجمعوا أن قوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد قد اقتضى الجماع واختلفوا فيما دونه من القبلة واللمس والمباشرة فقال مالك من أفطر في اعتكافه يوما عامدا أو جامع ليلا أو نهارا ناسيا أو قبل أو لمس أو باشر فسد اعتكافه أنزل أو لم ينزل لقوله تعالى ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن باشر أو قبل أو نزل فسد اعتكافه

وقال الشافعي إن باشر فسد اعتكافه وقال في موضع آخر لا يفسد الاعتكاف إلا بالوطء الذي يوجب الحد وهو قول عطاء وقال أبو ثور إذا جامع دون الفرج أفسد اعتكافه وقال الزهري والحسن ويجب عليه ما يجب على الواطئ في رمضان وروى بن عيينة والثوري عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عباس قال إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم وسالم وعطاء وجماعة الفقهاء وكلهم يلزمه الاستئناف إلا الشعبي فإنه قال يتم ما بقي وقال مجاهد يتصدق بدينارين قال أبو عمر فساد الاعتكاف بالوطء لا شك فيه والعزم في الكفارة مختلف فيه ولا حجة لمن أوجبه فإن كان الاعتكاف في رمضان ووطئ فيه فكفارته كفارة الجماع في رمضان أو كان في غير رمضان فلا كفارة عليه وعليه قضاء اعتكافه ولا أعلم خلافا في المعتكف يطأ أهله عامدا أنه قد أفسد اعتكافه كما يفسد صومه لو فعل ذلك فإن وطى ء ناسيا فكل على أصله يقضي بفساد الصوم بالوطء ناسيا فالاعتكاف كذلك عنده فاسد ومن لم يفسد الصوم بالوطء ناسيا لم يفسد لذلك الاعتكاف وبالله التوفيق باب ما جاء في ليلة القدر مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من صبحها من اعتكافه قال من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني

أسجد من صبحها في ماء وطين فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر قال أبو سعيد فأمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد قال أبو سعيد فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبح ليلة إحدى وعشرين قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على أن الاعتكاف في رمضان سنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يواظب على الاعتكاف فيه وما واظب عليه فهو سنة والدليل على أنه كان يعتكف في كل رمضان قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوسط من رمضان وهذا اللفظ يدل على المداومة وفي رواية محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد في هذا الحديث بيان ذلك عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان وأما قوله حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من صبيحتها من اعتكافه هكذا رواه يحيى بن بكير والشافعي عن مالك يخرج فيها من صبيحتها ورواه القعنبي وبن وهب وبن القاسم وجماعة عن مالك وقالوا فيه وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه وقد ذكرنا مسألة خروج المعتكف في العشر الأواخر أي وقت هو في باب خروج المعتكف إلى العيد وأما خروج من اعتكف العشر الوسط أو اعتكف في أول الشهر ف روى بن وهب وبن عبد الحكم عن مالك قال من اعتكف أول الشهر أو وسطه فليخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه وإن اعتكف في آخر الشهر فلا ينصرف إلى بيته حتى يشهد العيد وكذلك بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر لا أعلم خلافا في المعتكف في غير رمضان أو في العشر الأول أو الوسط من رمضان أنه لا يخرج من اعتكافه إلا إذا غربت الشمس من آخر أيام اعتكافه

وهذا يعضد ويشهد بصحة رواية من روى يخرج فيها من اعتكافه وأن رواية من روى يخرج من صبيحتها وهم وأظن الوهم دخل عليهم من مذهبهم في خروج المعتكف العشر الأواخر في صبيحة يوم الفطر حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو سلمة القعنبي قال حدثنا مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه وذكر الحديث وروى البخاري عن عبد الله بن منير عن هارون بن إسماعيل عن علي بن المبارك عن يحيى بن كثير عن أبي سلمة أنه سأل أبا سعيد الخدري قال قلت هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ليلة القدر قال نعم اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان فخرجنا صبيحة عشرين فخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عشرين فقال إني أريت ليلة القدر فذكر الحديث كذا قال صبيحة عشرين وهذا خلاف ما رواه مالك وغيره في حديث أبي سعيد الخدري هذا والوجه عندي والله أعلم انه أراد خطبهم غداة عشرين ليعرفهم أنه اليوم الآخر من أيام اعتكافهم وأن الليلة التي تلك الصبيحة هي ليلة إحدى وعشرين هي المطلوب فيها ليلة القدر بما رأى من الرؤيا وقوله إني أريتها ثم أنسيتها ورأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر فهذا يدل على أن ليلة القدر تنتقل ويخيل أن يكون قوله التمسوها في العشر الأواخر يعني في الوتر منها أي في ذلك العام والله أعلم ويحتمل أن يكون ذلك في الأغلب من كل عام ورؤياه صلى الله عليه وسلم دلته على أنها من ذلك العام في الأيام الباقية من شهر رمضان وهي العشر الأواخر وأنها في الوتر منها فلذلك خاطبهم ثم خاطبهم به والله أعلم ويدل على هذا التأويل اختلاف الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم واختلاف العلماء فيها على ما نراه في هذا الباب إن شاء الله حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن

أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا عبد الرحيم بن شريك عن أبيه عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر فإني قد رأيتها فنسيتها وهي ليلة مطر وريح أو قال فطر وريح قال أبو عمر هذا يدل على أنه أراد في ذلك العام والله أعلم وأما قوله وكان المسجد على عريش فوكف فإنه أراد أن سقفه كان معرشا بالجريد من غير طين ولذلك كان يكف وقوله فوكف يعني هطل فتبلل المسجد من ذلك ماء وطين وقد اختلف قول مالك في الصلاة في الطين على حسب اختلاف الأحوال فمرة قال لا يجزيه إلا أن ينزل بالأرض ويسجد عليها على حسب ما يمكنه استدلالا بهذا الحديث لقوله فيه فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين ومرة قال يجزيه أن يومئ إيماء ويجعل سجوده أخفض من ركوعه يعني إذا كان الماء قد أحاط به أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن عمر بن يحيى بن حرب قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أنه قال أومأ في ماء وطين قال عمرو وما رأيت أعلم من جابر بن زيد وقد ذكرنا في التمهيد حديث يعلى بن أمية قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتنا السماء فكانت البلة من تحتنا والسماء من فوقنا ونحن في مضيق فحضرت الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن وأقام وتقدم رسول الله يصلي على راحلته والقوم على راحلتهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع وقد ذكرنا هذا من طرق في التمهيد وعن جماعة من التابعين مثل ذلك بالأسانيد وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الصلاة المكتوبة على الراحلة فقال في شدة الحرب وأما الأمن فلا إلا في موضعين التطوع وفي الطين المحيط به وقد تكلمنا على هذه المسألة في التمهيد وأتينا منه ها هنا وفي كتاب الصلاة بما فيه كفاية والحمد لله

وفي هذا الحديث ما يدل أن السجود على الأنف والجبهة جميعا واجتمع العلماء على أنه إذا سجد على جبهته وأنفه فقد أدى فرض سجوده واختلفوا فيمن سجد على أنفه دون جبهته أو على جبهته دون أنفه فقال مالك يسجد على جبهته وأنفه فإن سجد على أنفه دون جبهته لم يجزه وإن سجد على جبهته دون أنفه فقد أدى ولا إعادة عليه وقال الشافعي لا يجزيه حتى يسجد على جبهته وأنفه وهو قول الحسن بن حي واحتج الشافعي بحديثه في هذا الباب وبقوله عليه السلام أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء وذكر منها الوجه وبان في حديث أبي سعيد هذا أن سجوده على وجهه كان على جبهته وأنفه وروى حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لم يضع أنفه في الأرض في سجوده فلا صلاة له وقال أبو حنيفة إذا سجد على جبهته أو ذقنه أو أنفه أجزأه وحجته حديث بن عباس عن النبي عليه السلام أمرت أن أسجد على سبعة آراب فذكر منها الوجه قالوا فأي شيء وضع من الوجه أجزأه وهذا ليس بشيء لأن حديث بن عباس قد ذكر فيه جماعة من الحفاظ الأنف والجبهة وقد ذكرناه في التمهيد من طرق ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله عز وجل مراده قولا وفعلا وأما حديث مالك في هذا الباب عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان

فقد وصلناه في التمهيد أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمر قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي يعقوب عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال سمعت عائشة تقول كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق الجوهري قال حدثنا محمد بن جعفر بن أعين قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا المسعودي عن محارب بن دثار عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال التمسوها ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ومعلوم سماع عروة من عائشة وبن عمر في غير حديث وقوله التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر على انتقالها في الوتر منها على ما قدمنا ذكره وحديثه عن عبد الله بن دينار عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان القول فيه كالقول فيما قبله والأغلب من قوله في السبع الأواخر أنه في ذلك العام والله أعلم لئلا يتضاد مع قوله في العشر الأواخر ويكون قوله وقد مضى من الشهر ما يوجب قول ذلك وفي هذه الأحاديث الحض على التماس ليلة القدر وطلبها بصلاة الليل والاجتهاد بالدعاء وذكر عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عبد الله بن أنيس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني رجل شاسع الدار فمرني ليلة أنزل لها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان

قال أبو عمر وهذا حديث منقطع ولم يلق أبو النضر عبد الله بن أنيس ولا رآه ولكنه يتصل من وجوه شتى صحاح ثابتة منها ما رواه الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم متصل وأخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو بكر بن الأسود قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن الحارث التيمي عن بن عبد الله بن أنيس قال حدثني أبي قال قلت يا رسول الله إني أكون في باديتي وأنا بحمد الله أصلي فيها فمرني بليلة من هذا الشهر أنزل بهذا المسجد أصليها فيه قال انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيه وروى يزيد بن الهاد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه أخبره عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عبد الله بن أنيس بمعناه قال بن الهاد وكان محمد بن إبراهيم يجتهد تلك الليلة وذكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة عن بن عباس قال بينا أنا نائم في رمضان فقيل لي إن الليلة ليلة القدر فقمت وأنا ناعس فتعلقت ببعض أطناب فسطاط رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وهو يصلي فنظرت في الليلة فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين قال بن عباس إن الشيطان يطلع مع الشمس كل يوم إلا ليلة القدر وذلك أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها ذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد قال كان بن عباس ينضح على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين وعن بن جريج قال أخبرني يونس بن يوسف أنه سمع سعيد بن المسيب يقول استقام ملأ القوم أنها ليلة ثلاث وعشرين قال أبو عمر يعني في ذلك العام والله أعلم وهذه الليلة تعرف بليلة الجهني بالمدينة وذكر عبد الرزاق عن منصور عن إبراهيم عن الأسود قال كانت عائشة توقظ أهلها ليلة ثلاث وعشرين وعن محمد بن راشد عن مكحول أنه كان يراها ليلة ثلاث وعشرين قال معمر كان أيوب يغتسل في ليلة ثلاث وعشرين

وذكر بن وضاح قال حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثنا رشدين بن سعد عن زهرة بن معبد قال أصابني احتلام في أرض العدو وأنا في البحر ليلة ثلاث وعشرين في رمضان قال فذهبت لأغتسل فسقطت في الماء فإذا الماء عذب فأذنت أصحابي وأعلمتهم أني في ماء عذب وأما حديث مالك في هذا الباب عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقال إني أريت هذه الليلة في رمضان حتى تلاحى رجلان فرفعت فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة هكذا روى مالك هذا الحديث عن أنس قال خرج علينا رسول الله وخالفه أصحاب حميد كأنهم قرؤوه عن حميد عن أنس عن عبادة بن الصامت قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الوهاب عن حميد عن أنس عن عبادة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان فقال إني خرجت أن أخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان ولعل ذلك أن يكون خيرا فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة وكذلك رواه يحيى القطان وبشر بن المفضل وبن أبي عدي وحماد بن سلمة وغيرهم عن حميد عن أنس عن عبادة كلهم جعله من مسند عبادة وقال علي بن المديني وهم فيه مالك وخالفه أصحاب حميد وهم أعلم به منه ولم يكن له وحميد علم كعلمه بمشيخة أهل المدينة قال أبو عمر ليس في حديث عبد الوهاب هذا فرفعت وهو في حديث مالك وغيره والله أعلم بما أراد رسوله بقوله ذلك والأظهر من معانيه أنه رفع علم تلك الليلة عنه فأنسيها بعد أن كان علمها وكان سبب ذلك ما كان من تلاحي الرجلين والله أعلم

والملاحاة المراء والمراء لا تؤمن فتنته ولا تفهم حكمته ومن تقدم الملاحاة أنهم حرموا ليلة القدر في تلك الليلة ولم يحرموها في ذلك العام بدليل قوله التمسوها في التاسعة والخامسة والله أعلم وأما قوله في التاسعة فإنه أراد تاسعة تبقى وهي ليلة إحدى وعشرين وقوله والسابعة السابعة تبقى وهي ليلة ثلاث وعشرين والخامسة يريد الخامسة تبقى وهي ليلة خمس وعشرين وهذا عن الأغلب في أن الشهر ثلاثين يوما وهو الأصل بدليل قوله صلى الله عليه وسلم فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ومعلوم أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الشهر تسع وعشرون وثلاثون وقد أوضحنا هذا المعنى بالآثار والشواهد في التمهيد قال أبو عمر في ليلة إحدى وعشرين حديث أبي سعيد الخدري من رواية مالك وغيره وفي ليلة ثلاث وعشرين حديث عبد الله بن أنيس الجهني وقد تقدم ذكره وفي ليلة سبع وعشرين حديث أبي بن كعب وحديث معاوية وهي كلها صحاح تدل على انتقال ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر في الأغلب ولا يبعد أن تكون في غير العشر الأواخر ولا أن تكون في غير الوتر ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر في كل وتر وأما حديث أبي بن كعب فحدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن

بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا حدثنا حماد عن عاصم عن زر قال قلت لأبي بن كعب يا أبا المنذر أخبرني عن ليلة القدر فإن صاحبنا سئل عنها فقال من يقم الحول يصبها فقال رحم الله أبا عبد الرحمن والله لقد علم أنها في رمضان ولكن كره أن تتكلوا والله إنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثني قلت يا أبا المنذر أنى علمت ذلك قال بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ما الآية قال تطلع الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع وأما قوله إنها تكون في غير الوتر فلحديث عبد الله بن أنيس وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أرسلني إليك رهط من بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر فقال كم الليلة قلت اثنان وعشرون قال هي الليلة ثم رجع فقال أو القابلة يريد ثلاثا وعشرين وفي هذا الحديث دليل على جواز كونها ليلة اثني وعشرين وليس ذلك بوتر إلا أنه حديث انفرد به عباد بن إسحاق عن الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أنيس عن أبيه وعباد ليس بالقوي وممن ذهب إلى هذا الحسن البصري ذكر معمر عن من سمع الحسن يقول نظرت الشمس عشرين سنة فرأيتها تطلع ليلة أربع وعشرين من رمضان ليس لها شعاع وأما قولي إنها قد تكون في غير العشر الأواخر فلما رواه جعفر عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يتحرى ليلة القدر ليلة تسعة عشر وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وروى يزيد بن هارون قال أخبرنا المسعودي عن حوط الخزاعي قال سألت زيد بن أرقم عن ليلة القدر فما تمارى ولا شك ليلة تسع عشرة ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان

وعن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود قال قال عبد الله بن مسعود تحروا ليلة القدر ليلة سبع عشرة صبيحة بدر أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين وقد روي حديث بن مسعود هذا مرفوعا وقد ذكرناه وما كان مثله في التمهيد وذكرنا هناك بالأسانيد عن أربعة من الصحابة أن ليلة القدر في كل رمضان بن عمر وبن عباس وأبي ذر وأبي هريرة ومنهم من يروي حديث بن عمر وحديث أبي ذر مرفوعين وقد ذكرنا ذلك في التمهيد وروى بن جريج قال أخبرني داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن محصن قال قلت لأبي هريرة وعمر أإن ليلة القدر قد رفعت قال كذب من قال ذلك قلت فهي في كل رمضان قال نعم وهذا كله من قول بن مسعود وغيره يرد رواية من روى عن بن مسعود من يقم الحول يصبها وأن ذلك على ما تأوله عليه أبي بن كعب حين قال أحب أبا عبد الرحمن أن لا يتكلوا وقد حكى الجوزجاني عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أنهم قالوا ليلة القدر في السنة كلها كأنهم ذهبوا إلى قول بن مسعود قال مالك والشافعي والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور هي منتقلة في العشر الأواخر من رمضان ولا يدفعون أن تكون في كل رمضان قال أبو عمر روى حماد بن سلمة قال أخبرنا ربيعة بن كلثوم قال سأل رجل الحسن وأنا عنده فقال يا أبا سعيد أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي قال أي والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي كل رمضان وأنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم فيها يقضي الله كل خلق وأجل ورزق وعمل إلى مثلها وذكرنا في التمهيد خبر بن عباس من طريق عكرمة عنه ومن طريق سعيد بن جبير أيضا عنه واختصرنا هنا الخبرين معا أن عمر بن الخطاب دعا جماعة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر فقالوا كنا نراها في العشر الأوسط

وبلغنا أنها في العشر الأواخر وأكثروا في ذلك فقال بن عباس إني لأعلم أي ليلة هي فقال عمر وأي ليلة هي فقال سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال عمر من أين علمت ذلك قال رأيت الله عز وجل خلق سبع سماوات وسبع أرضين وسبعة أيام يدور الدهر عليهن وخلق الإنسان من سبع ويأكل من سبع فتلا قوله عز وجل ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين المؤمنون وأما يأكل من سبع فقول الله تعالى فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا عبس فالأب للأنعام والسبعة للإنسان قال أبو عمر وفي هذا الخبر أن عمر سأل من حضره يومئذ من الصحابة وكانوا جماعة عن معنى نزول سورة إذا جاء نصر الله والفتح الفتح فوقفوا ولم يزيدوا على أن قالوا أمر نبيه عليه السلام إذا فتح الله عليه أن يسبحه ويستغفره فقال عمر ما تقول يا بن عباس فقال معنى يا أمير المؤمنين أنه نعى إليه نفسه وأعلمه أنه قابضه إليه إذا دخلت العرب في الدين أفواجا فسر عمر بذلك وقال يلوموني في تقريب هذا الغلام فقال عبد الله بن مسعود لو أدرك أسناننا ما عاشره منا رجل ونعم ترجمان القرآن بن عباس وأما حديث مالك في هذا الباب أنه بلغه أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تواطأت في السبع فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر هكذا روى هذا الحديث وتابعه قوم ورواه القعنبي والشافعي ومعن بن عيسى وبن وهب وبن القاسم بن بكير وأكثر الرواة عن مالك عن نافع عن بن عمر أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الحديث والحديث محفوظ معلوم من حديث نافع عن بن عمر لمالك وغيره محفوظ أيضا معناه لمالك وغيره عن عبد الله بن دينار عن بن عمر على ما تقدم

ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال كانوا لا يزالون يقصون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا بأنها في الليلة السابعة من العشر الأواخر فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني أرى رؤياكم قد تواطأت أنها الليلة السابعة من العشر الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها ليلة السابعة من العشر الأواخر قال أبو عمر قوله من كان متحريها يدل على أن قيام ليلة القدر نافلة غير واجب ولكنها فضل ويدل هذا الحديث وما كان مثله على أن الأغلب فيها ليلة سبع وعشرين ويمكن أن تكون ليلة ثلاث وعشرين وقوله أرى رؤياكم قد تواطأت يعني في ذلك المنام والله أعلم وبدليل سائر الأحاديث في ذلك أخبرنا عبد الرحمن بن مروان قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن يحيى القلزمي قال حدثنا عبد الله بن علي قال حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثنا عبد الرحمن بن سعيد قال حدثنا جابر بن يزيد بن رفاعة عن يزيد بن أبي سليمان قال سمعت زر بن حبيش يقول لولا سفهاؤكم لوضعت يدي في أذني ثم ناديت إلا إن ليلة القدر في السبع الأواخر قبلها ثلاث نبأ من لم يكذبني عن نبأ من لم يكذبه يعني به أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر قال أبو عمر لا أعلم هذا الحديث يروى مسندا ولا مرسلا من وجه من الوجوه إلا ما في الموطأ وهو أحد الأربعة الأحاديث التي لا توجد في غير الموطأ أحدها إني لأنسى أو أنسى والثاني إذا نشأت بحرية والثالث حسن خلقك للناس معاذ بن جبل

والرابع هذا وليس منها حديث منكر ولا ما يدفعه أصل وفيه من وجوه العلم أن ليلة القدر لم يعطها إلا محمد وأمته صلى الله عليه وسلم وفيه أن أعمار من مضى كانت أطول من أعمارنا أخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا محمد بن المصفى قال حدثنا بقية بن الوليد قال حدثني بجير بن سعيد عن خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة القدر في العشر البواقي من قامهن ابتغاء وجه الله غفر الله له ما تقدم من ذنبه وهي ليلة تسع تبقى أو سبع أو خمس أو ثلاث أو آخر ليلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمرا ساطعا ساكنة لا برد فيها ولا حر ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى يصبح وإن أمارتهما الشمس أن تخرج صبيحتها مشرقة ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشيطان أن يطلع معها يومئذ قال أبو عمر هذا حديث حسن حديث غريب وهو من حديث الشاميين رواته كلهم ثقات وبقية إذا روى عن الثقات فليس بحديثه بأس وأما حديث مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها قال أبو عمر مثل هذا لا يكون رأيا ولا يؤخذ إلا توقيفا ومراسيل سعيد أصح المراسيل وفيه الحض على شهود العشاء في جماعة وبيان فضيلة ليلة القدر وبالله التوفيق تم شرح كتاب الاعتكاف

كتاب الحج القسم الأول باب الغسل للإهلال مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء بنت عميس أنها ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مرها فلتغتسل ثم لتهل مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن أسماء بنت عميس ولدت محمد بن أبي بكر بذي الحليفة فأمرها أبو بكر أن تغتسل ثم تهل مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم ولدخوله مكة ولوقوفه عشية عرفة قال أبو عمر حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء مرسل لأنه لم يسمع القاسم من أسماء بنت عميس وقد رواه سليمان بن بلال قال حدثنا يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد يحدث عن أبيه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه خرج

حاجا بامرأته أسماء بنت عميس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت محمد بن أبي بكر بالشجرة فأتى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمرها أن تغتسل ثم تهل بالحج ثم تصنع ما يصنعه الحاج إلا أنها لا تطوف بالبيت حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان بن بلال فذكره مسندا ورواه إسحاق بن محمد الفروي أيضا مسندا عن عبد الله بن عمر العمري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة وعن نافع عن بن عمر أن أبا بكر خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أسماء بنت عميس حتى إذا كانت بذي الحليفة ولدت أسماء محمد بن أبي بكر فاستفتى أبو بكر لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال مرها فلتغتسل ثم تهل قال أبو عمر مرسل مالك أقوى وأثبت من مسانيد هؤلاء لما ترى من اختلافهم في إسناده والفروي ضعيف وسليمان بن بلال أحد ثقات أهل المدينة وأما حديث مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب فاختلفوا فيه عن سعيد فرواه بن وهب عن الليث ويونس وعمرو بن الحارث عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس أم عبد الله بن جعفر وكانت عاركا أن تغتسل ثم تهل بالحج قال بن شهاب فلتفعل المرأة في العمرة ما تفعل في الحج ورواه بن عيينة عن عبد الكريم الجزري وعن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب موقوفا على أبي بكر كما رواه مالك والمعنى فيه صحيح عند جماعة العلماء في أن الحائض والنفساء تغتسلان وتهلان بالحج وإن شاءتا بالعمرة ثم تحرمان وإن شاءتا فلتعملا عمل الحج كله إلا الطواف بالبيت أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عيسى وإسماعيل بن إبراهيم أبو معمر قالا حدثنا مروان بن شجاع عن خصيف عن عكرمة ومجاهد وعطاء عن بن عباس أن النبي

صلى الله عليه وسلم قال النفساء والحائض إذا أتتا على الوقت تغتسلان وتحرمان وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت لم يذكر بن عيسى عن عكرمة ومجاهد وإنما قال عن خصيف عن عطاء عن بن عباس عن بن عمر قال أبو عمر في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائض والنفساء بالغسل عند الإهلال دليل على تأكيد الإحرام بالغسل بالحج أو العمرة إلا أن جمهور العلماء يستحبونه ولا يوجبونه وما أعلم أحدا من المتقدمين أوجبه إلا الحسن البصري فإنه قال في الحائض والنفساء إذا لم تغتسل عند الإهلال اغتسلت إذا ذكرت وبه قال أهل الظاهر قالوا الغسل واجب عند الإهلال على كل من أراد أن يهل وعلى كل من أراد الحج طاهرا كان أو غير طاهر وقد روي عن عطاء إيجابه وروي عنه أن الوضوء يكفي منه قال أبو عمر الغسل عند الإهلال بالحج أو العمرة سنة مؤكدة عند مالك وأصحابه لا يرخصون في تركها إلا من عذر ولا يجوز عندهم ترك السنن اختيارا روى بن نافع عن مالك أنه استحب الأخذ بقول بن عمر في الاغتسال والإهلال بذي الحليفة وبذي طوى لدخول مكة وعند الرواح إلى عرفة ولو تركه تارك من عذر لم أر عليه شيئا وقال بن القاسم لا يترك الرجل والمرأة الغسل عند الإحرام إلا من ضرورة وقال مالك إن اغتسل بالمدينة وهو يريد الإحرام ثم مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم فإن غسله يجزئ عنه قال وإن اغتسل بالمدينة غدوة ثم أقام إلى العشي ثم راح إلى ذي الحليفة فأحرم قال لا يجزئه غسله إلا أن يغتسل ويركب من فوره إلا أن يأتي ذا الحليفة إذا أراد الإحرام وقال أحمد بن المعذل عن عبد الملك بن الماجشون الغسل عند الإحرام لازم إلا أنه ليس في تركه ناسيا ولا عامدا دم ولا فدية قال وإن ذكره بعد الإهلال فلا أرى عليه غسلا

قال ولم أسمع أحدا قاله يعني أوجبه بعد الإهلال وقال بن نافع عن مالك لا تغتسل الحائض بذي طوى لأنها لا تطوف بالبيت وقد روي عن مالك أنها تغتسل كما تغتسل غير الحائض وقال بن خويز منداد الغسل عند الإهلال عند مالك أوكد من غسل الجمعة وقال أبو حنيفة والأوزاعي والثوري يجزئه الوضوء وهو قول إبراهيم وقال الشافعي لا أحب لأحد أن يدع الاغتسال عند الإهلال فإن لم يفعل فقد أساء إن تعمد ذلك وأجزأه باب غسل رأس المحرم ذكر فيه مالك عن زيد بن أسلم عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء فقال عبد الله يغسل المحرم رأسه وقال المسور بن مخرمة لا يغسل المحرم رأسه قال فأرسلني عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري قال فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستر بثوب فسلمت عليه فقال من هذا فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم قال فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه أصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل قال أبو عمر روى هذا الحديث يحيى بن يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن نافع عن إبراهيم عن عبد الله بن حنين عن أبيه فذكره ولم

يتابعه على إدخال نافع بين زيد بن أسلم وبين إبراهيم بن عبد الله أحد من رواة الموطأ وذكر نافع هنا خطأ من خطأ اليد والله أعلم لا شك فيه ولذلك طرحته من الإسناد كما طرحه بن وضاح وقد روى عن إبراهيم هذا بن شهاب ونافع مولى عبد الله بن عمر وزيد بن أسلم ومحمد بن عمرو بن علقمة ومحمد بن إسحاق والحارث بن أبي ذباب ويزيد بن أبي حبيب وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن وموسى بن عبيدة وغيرهم وحنين جد إبراهيم هذا يقال إنه مولى العباس بن عبد المطلب وقيل مولى علي بن أبي طالب والله أعلم وفيه من الفقه أن الصحابة إذا اختلفوا لم تكن في قول واحد منهم حجة على غيره إلا بدليل يجب التسليم له من الكتاب أو السنة ألا ترى أن بن عباس والمسور لما اختلفا لم يكن لواحد منهما حجة على صاحبه حتى أدلى بن عباس بالحجة بالسنة ففلج وهذا يبين لك أن قوله عليه السلام أصحابي كالنجوم هو على ما فسره المزني وغيره وأن ذلك في النقل لأن جميعهم ثقات عدول فواجب قبول ما نقل كل واحد منهم ولو كانوا كالنجوم في آرائهم واجتهادهم إذا اختلفوا لقال بن عباس للمسور أنت نجم وأنا نجم فلا عليك وبأينا اقتدى المقتدي فقد اهتدى ولما احتاج لطلب البينة والبرهان من السنة على صحة قوله وكذلك سائر الصحابة رضوان الله عليهم إذا اختلفوا حكمهم كحكم بن عباس والمسور وهم أول من تلا فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول النساء قال العلماء إلى كتاب الله وإلى نبيه عليه السلام ما كان حيا فإن قبض فإلى سنته ألا ترى أن بن مسعود قيل له إن أبا موسى الأشعري قال في أخت وابنة وابنة بن إن للابنة النصف وللأخت النصف ولا شيء لبنت الابن وأنه قال للسائل أئت بن مسعود فإنه سيتابعنا فقال بن مسعود قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين

الأنعام أقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت وبعضهم لم يرفع هذا الحديث وجعله موقوفا على بن مسعود وكلهم رووا فيه و قد ضللت إذا الآية الأنعام وفي الموطأ أن أبا موسى الأشعري أفتى بجواز رضاع الكبير ورد ذلك عليه بن مسعود فقال أبو موسى لا تسألوني ما دام هذا الحبر بين أظهركم وروى مالك عن بن مسعود أنه رجع عن قوله في الربيبة إلى قول أصحابه في المدينة وهذا الباب طويل إذا كان الصحابة خير أمة أخرجت للناس وهم أهل العلم والفضل لا يكون أحدهم حجة على صاحبه إلا الحجة من كتاب الله أو سنة نبيه فمن دونهم أولى أن يعضد قوله بما يجب التسليم له قال مجاهد في قوله عز وجل ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق سبأ قال أصحاب محمد عليه السلام قال مالك الحكم حكمان حكم جاء به كتاب الله وحكم أحكمته السنة قال ومجتهد رأيه فلعله يوفق ومتكلف فطعن عليه

قال وذكر بن وضاح عن بن وهب قال قال لي مالك الحكمة والعلم نور يهدي به الله من يشاء ويؤتى من أحب من عبادة وليس بكثرة المسائل قال أبو عمر وقد استوفينا هذا المعنى في كتاب العلم وفي هذا الحديث دليل على أن بن عباس قد كان عنده في غسل المحرم رأسه والله اعلم علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنباه ذلك أبو أيوب أو غيره ألا ترى أن قول عبد الله بن حنين إلى أبي أيوب أرسلني إليك بن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ولم يقل هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم فالظاهر أنه كان عنده من ذلك علم واختلف العلماء في غسل رأسه فكان مالك لا يجيز ذلك للمحرم ويكرهه له ومن حجته أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام قال مالك فإذا أوفى المحرم جمرة العقبة جاز له غسل رأسه وإن لم يحلق قبل الحلق لأنه إذا رمى جمرة العقبة فقد حل له قتل القمل وحلق الشعر وإلقاء التفث ولبس الثياب قال وهذا الذي سمعت من أهل العلم وروى جويرية عن مالك عن الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه رأى قيس بن سعد بن عبادة غسل أحد شقي رأسه بالشجرة فالتفت فإذا هدية قد قلدت فقام فأهل قبل أن يغسل شق رأسه الآخر وفي حديث سعد بن قيس من الفقه أنه كان يذهب إلى أنه من قلد هدية أو قلد عنه هدية بأمره فهو محرم وهذه مسألة ستأتي في موضعها إن شاء الله من هذا الكتاب وفيه أن قيس بن سعد بن عبادة كان لا يرى أن يغسل المحرم رأسه ويحمل حديث أبي أيوب عند مالك أنه كان ربما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه من الجنابة محرما فلا يكون عليه فيه حجة وعند غيره يحمله على العموم

والظاهر لأنه لم يجر في الحديث لواحد منهم ذكر الجنابة ومحال أن يختلف عالمان في غسل المحرم وغير المحرم رأسه من الجنابة وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وداود لا بأس أن يغسل المحرم رأسه بالماء وهو محرم وكان عمر بن الخطاب يغسل رأسه بالماء وهو محرم ويقول لا يزيده الماء إلا شعثا وروي في الرخصة في ذلك عن بن عباس وجابر وعليه جماعة التابعين وجمهور الفقهاء وقد أجمعوا أن المحرم يغسل رأسه من الجنابة وأتباع مالك في كراهته للمحرم غسل رأسه بالماء قليل وقد كان بن وهب وأشهب يتغاطسان في الماء وهما محرمان مخالفة لابن القاسم في إبايته من ذلك وكان بن القاسم يقول إن من غمس رأسه في الماء أطعم شيئا خوفا من قتل الدواب قال أبو عمر لا يجب الفداء في ذمة المحرم إلا بيقين الحكم وغير ذلك استحباب ولا بأس عند جميع أصحاب مالك أن يصب الماء على رأسه لحر يجده وكان أشهب يقول لا أكره للمحرم غمس رأسه في الماء قال وما يخاف في الغمس ينبغي أن يخاف مثله في صب الماء على الرأس من الحر وأما غسل المحرم رأسه بالخطمي أو السدر فالفقهاء على كراهية ذلك هذا مذهب مالك والشافعي والأوزاعي وأبي حنيفة وكان مالك وأبو حنيفة يريان الفدية على المحرم إذا غسل رأسه بالخطمي وقال أبو ثور لا شيء عليه إن فعل وكان عطاء وطاوس ومجاهد يرخصون للمحرم إذا كان قد لبد رأسه في الخطم ليلين وروي عن بن عمر أنه كان يفعل ذلك

ويحتمل أن يكون هذا من فعل بن عمر بعد رمي جمرة العقبة وكان إذا لبد حلق وإنما كان فعله ذلك عونا على الحلق واحتج بعض المتأخرين على جواز غسل المحرم رأسه بالخطمي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمحرم الميت أن يغسلوه بماء وسدر وأمرهم أن يجنبوه ما يجتنب المحرم فدل ذلك على إباحة غسل ر أس المحرم بالسدر قال والخطمي في معناه وهذه مسألة اختلف فيها الفقهاء تأتي في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله واختلفوا في دخول المحرم الحمام فتدلك وإن نقى الوسخ فعليه الفدية وكان الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق وداود لا يرون بدخول المحرم بأسا وروي عن بن عباس من وجه ثابت أنه كان يدخل الحمام وهو محرم وفيه استتار الغاسل بالثوب معلوم وفيه أن الذي كان يستره بالثوب لا يطلع منه على ما يتستر به من مثله فالسترة واجبة عن القريب والبعيد وأما قوله يغتسل بين القرنين فقال بن وهب هما العمودان المبنيان اللذان فيهما الساقية على رأس الجحفة وقال غيره هما حجران مشرفان أو عمودان على الحوض يقوم عليهما السقاة وفي هذا الباب عن مالك عن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن عمر بن الخطاب قال ليعلى بن منية وهو يصب على عمر بن الخطاب ماء وهو يغتسل أصبب على رأسي فقال يعلى أتريد أن تجعلها بي إن أمرتني صببت فقال له عمر بن الخطاب اصبب فلن يزيده الماء إلا شعثا ومعنى هذا الحديث كله قد تقدم في الحديث الذي قبله وقول يعلى أتريد أن تجعلها بي يريد الفدية يقول إن صببت على رأسه ماء يكاد يموت شيء من دواب رأسه من ذلك أو ليس الشعر وزوال شعثه لزمني الفدية

فإن أمرتني كانت عليك فأخبره عمر أنه لا فدية في ذلك الفعل على فاعله ولا على الآمر به هذا معنى قوله والله أعلم ومنية أم يعلى بن أمية وقد ذكرنا أباه وأمه ونسبيهما في كتاب الصحابة وروى بن جريج عن عطاء عن صفوان بن أمية عن أبيه قال سترت على عمر وهو يغتسل وهو محرم فقال يا يعلى أفض على رأسي فقلت أمير المؤمنين أعلم فقال والله إن الماء لا يزيده إلا شعثا ثم أفاض على رأسه وروى سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن بن عباس قال ربما قال لي عمر بن الخطاب ونحن محرمون تعال أطاولك في أينا أطول نفسا أما حديثه في هذا الباب عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا دنا من مكة دخلها من الثنية التي بأعلى مكة ولا يغتسل ويأمر من معه أن يغتسلوا قبل أن يدخلوا وأنه كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام فقد مضت معاني الغسل كلها وأن أهل العلم يستحبون الغسل ولا يرونه واجبا إلا الحسن وقوما من أهل الظاهر على ما وصفنا والوضوء يجزئ عند الجماعة غيرهم وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال فمن أهل بغير وضوء أهدى هديا قال أبو عمر كان بن عمر كثير الاتباع والامتثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل ما يندب إليه وروى أيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا قدم مكة بات بذي طوى حتى يصبح فيغتسل ثم يدخل مكة نهارا ويذكر عن النبي عليه السلام أنه فعله

وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل مكة من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلي يعني ثنيتي مكة وأنه كان أيضا يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي عليه السلام كان إذا دخل مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها وأنه دخلها عام الفتح من كداء من أعلى مكة ودخل في العمرة من كداء هكذا يروون فيهما الأولى بالفتحة والثانية بالضمة قال هشام وكان عروة يدخل منهما جميعا وكان أكثر ما يدخل من كداء وكان أقربهما إلى منزله ذكر ذلك كله أبو داود وغيره وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر والزهري عن منصور عن مالك بن الحارث عن أبي نصر أن عليا قال إذا أردت أن تحرم فامض إذا ويمم ثم أحرم وعن طاوس عن عطاء عن إبراهيم أنهم كانوا يغتسلون ويقولون من توضأ أجزأه وأما قوله سمعت أهل العلم يقولون لا بأس أن يغسل الرجل المحرم رأسه بالغسول بعد أن يرمي جمرة العقبة وقبل أن يحلق رأسه وذلك أنه إذا رمى جمرة العقبة فقد حل له قتل القمل وحلق الشعر وإلقاء التفث ولبس الثياب قال أبو عمر قد احتج مالك لما حكاه عن أهل العلم بحجة صحيحة لأن عمر بن الخطاب خطب بهذا المعنى على رؤوس الناس بمنى فلم ينكر أحد قال إذا رميتم جمرة العقبة فقد حل لكم كل ما حرم عليكم إلا النساء والطيب وستأتي هذه المسألة وغيرها في موضعها إن شاء الله باب ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم

ما يلبس المحرم من الثياب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس سئل مالك عما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل فقال لم أسمع بهذا ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس السراويلات فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم أن يلبسها ولم يستثن فيها كما استثنى في الخفين قال أبو عمر كل ما في هذا الحديث مجتمع عليه من أهل العلم أنه لا يلبسه المحرم ما دام محرما وفي معنى ما ذكرنا من القمص والسراويلات والبرانس يدخل المخيط كله فلا يجوز لباس شيء للمحرم عند جميع أهل العلم إلا من شذ عنه ممن لا يجد خلافا عنهم بل هو محجوج بهم وأجمعوا أن المراد بهذا الخطاب في اللباس المذكور الرجال دون النساء وأنه لا بأس للمرأة بلباس القميص والدرع والسراويل والخمر والخفاف وأجمعوا أن إحرام الرجل في رأسه وأنه ليس له أن يغطي رأسه بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس البرانس والعمائم وأجمعوا أن إحرام المرأة في وجهها وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها وهي محرمة وأن لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجل إليها

ولم يجوز لها تغطية رأسها وهي محرمة إلا ما ذكرنا عن أسماء روى مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر قالت كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق قال أبو عمر قد يحتمل هذا أن يكون كنحو ما روي عن عائشة أنها قالت كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن محرمون فإذا مر بنا راكب سدلنا الثوب من قبل رؤوسنا وإذا جاوزنا الراكب رفعناه قال أبو عمر قد روي عن النبي عليه السلام أنه نهى المرأة الحرام عن النقاب والقفازين روى الليث بن سعد عن نافع عن بن عمر قال قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب فذكر الحديث وقال في آخره ولا تنتقب المرأة الحرام ولا تلبس القفازين قال أبو داود روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر عن النبي عليه السلام كما رواه الليث ورواه أبو قرة وموسى بن طارق عن موسى بن عقبة عن نافع موقوفا على بن عمر قال أبو عمر رفعه صحيح رواه بن إسحاق عن نافع عن بن عمر مرفوعا ورواه بن المبارك عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر مرفوعا أيضا وعلى كراهة النقاب للمرأة جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار لم يختلفوا في كراهة التبرقع والنقاب للمرأة المحرمة إلا شيء روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة وروي عن عائشة أنها قالت تغطي المرأة المحرمة وجهها إن شاءت وروي عنها أنها لا تفعل وعليه الناس وأما القفازان فاختلفوا فيهما أيضا وروي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يلبس بناته وهن محرمات القفازين

ورخصت فيهما عائشة أيضا وبه قال عطاء والثوري ومحمد بن الحسن وهو أحد قولي الشافعي وقد يشبه أن يكون مذهب بن عمر لأنه كان يقول إحرام المرأة في وجهها وقال مالك إن لبست المرأة قفازين افتدت وللشافعي قولان في ذلك أحدهما تفتدي والآخر لا شيء عليها قال أبو عمر الصواب عندي قول من نهى المرأة عن القفازين وأوجب عليها الفدية لثبوته عن النبي عليه السلام وأما الرجل فأجمع العلماء على أن المحرم لا يخمر رأسه على ما قدمنا ذكره واختلفوا في تخمير وجهه وسنذكره في بابه بعد هذا إن شاء الله وأما قول مالك أنه لا يجوز للمحرم لبس السراويل فقد أوضح وجه قوله وحجته في ذلك وأجمع العلماء أن المحرم إذا وجد إزارا لم يجز له لبس السراويل واختلفوا فيه إذا لم يجد إزارا هل له أن يلبس السراويل وإن لبسها على ذلك هل عليه فدية أم لا فقول مالك على ما ذكره في موطئه على حسب ما ذكرناه في هذا الباب عنه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه واتفق مالك وأبو حنيفة في إيجاب الفدية على من لبس السراويل فقالا عليه الفدية وجد الإزار أو لم يجد الإزار إلا أن يشق السراويل ويفتقه ويتزر به وقال عطاء بن أبي رباح والشافعي والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود إذا لم يجد المحرم إزار لبس السراويل ولا شيء عليه وحجة من ذهب إلى هذا حديث عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن بن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول السراويل لمن لم يجد الإزار والخفان لمن لم يجد النعلين وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في التمهيد واختلفوا فيمن لم يجد نعلين هل يلبس الخفين ولا يقطعهما

ذهب عطاء بن أبي رباح وسعيد بن سالم القداح وطائفة من أهل العلم إلى أن من لم يجد النعلين لبس الخفين ولا يقطعهما وبه قال أحمد بن حنبل قال عطاء في قطعهما فساد والله لا يحب الفساد وقال أكثر أهل العلم إذا لم يجد المحرم نعلين لبس الخفين بعد أن يقطعهما أسفل من الكعبين وبهذا قال مالك بن أنس والشافعي والثوري وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور وجماعة من التابعين وقال الشافعي بن عمر قد زاد على بن عباس شيئا نقصه بن عباس وحفظه بن عمر وذلك قوله وليقطعهما أسفل من الكعبين قال والمصير إلى رواية بن عمر أولى وروى بن وهب عن مالك والليث فيمن لبس خفين مقطوعين أو غير مقطوعين إذا كان واجدا للنعلين فعليه الفدية وقال أبو حنيفة لا فدية عليه إذا لبسهما مقطوعين وهو واجد نعلين قال ومن لبس السراويل افتدى على كل حال وجد إزارا أو لم يجد إلا أن يعتق السراويل واختلف قول الشافعي فيمن لبس الخفين مقطوعين وهو واجد النعلين فمرة قال عليه الفدية وبه قال أبو ثور ومرة قال لا شيء عليه قال أبو عمر كان بن عمر يقطع الخفين حتى للمرأة المحرمة وهذا لم يفعله في المرأة المحرمة أحد من أهل العلم غيره والله أعلم وقد روي عنه أنه انصرف عن ذلك إلى ما عليه الجماعة من جواز لباس الخفين غير مقطوعين للمحرمة كما تلبس المخيط وقد كره بن عمر أيضا أن يلقى عليه برنس أو ثوب مخيط وهو مريض محرم وقال لنافع أتلقي علي هذا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم قال أبو عمر هذا من بن عمر ورع وأما سائر العلماء فإنما يكرهون من البرنس والثوب المخيط الدخول فيه

أخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة قال حدثني بن عدي عن محمد بن إسحاق عن بن شهاب قال حدثني سالم أن عبد الله بن عمر كان يقطع الخفين للمرأة المحرمة ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص للنساء في لبس الخفين فترك ذلك وقال مالك من ابتاع خفين وهو محرم فجربهما أو قاسهما في رجليه فلا شيء عليه وإن تركهما حتى منعة ذلك من حر أو برد أو مطر افتدى في الأسدية عن أسد وسحنون وأبي ثابت وأبي زيد قلت لابن القاسم هل كان مالك يكره للمحرم أن يدخل منكبيه في القباء من غير أن يدخل يديه في كمية ولا يزره عليه قال نعم قلت فكان يكره له أن يطرح قميصه على ظهره بردائه من غير أن يدخل فيه قال لا قال أبو عمر كره من ذلك ما كره مالك الثوري والليث والشافعي وكان أبو حنيفة وأبو ثور يقولان لا بأس أن يدخل منكبيه في القباء وهو قول إبراهيم وقال عطاء لا بأس أن يتردى به وقال مالك إذا أدخل المحرم كفيه في القباء افتدى وإن لم يدخل فيه كفيه فلا شيء عليه وهو قول زفر والشافعي وقال أبو حنيفة لا فدية عليه إلا أن يدخل فيه ذراعيه وقال مالك إن عقد إزاره على عنقه افتدى وقال الشافعي وأبو حنيفة لا شيء عليه وبالله التوفيق باب لبس الثياب المصبغة في الإحرام ذكر فيه مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس وقال من لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين قال أبو عمر قد مضى القول في الباب قبل هذا في الخفين وقطعهما وما للعلماء في ذلك وذكر عن نافع أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب يحدث عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم فقال عمر ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة فقال طلحة يا أمير المؤمنين إنما هو مدر فقال عمر إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة وذكر عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات المشبعاب وهي محرمة ليس فيها زعفران وسئل مالك عن ثوب مسه طيب ثم ذهب منه ريح الطيب هل يحرم فيه فقال نعم ما لم يكن فيه صباغ زعفران أو ورس قال أبو عمر الثوب المصبوغ بالورس والزعفران فلا خلاف بين العلماء أن لباس ذلك لا يجوز للمحرم على ما في حديث بن عمر هذا والورس نبات يكون باليمن صبغة ما بين الصفرة والحمرة ورائحته طيبة فإن غسل ذلك الثوب حتى يذهب ريح الزعفران منه وخرج عنه فلا بأس به عند جميعهم أيضا وكان مالك فيما ذكره بن القاسم عنه يكره الثوب الغسيل من الزعفران والورس إذا بقي فيه من لونه شيء وقال لا يلبسه المحرم وإن غسله إذا بقي فيه

شيء من لونه إلا أن لا يجد غيره فإن لم يجد غيره صبغة بالمشق وأحرم فيه قال أبو عمر انفرد يحيى بن عبد الحميد الحماني عن أبي معاوية عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال فيه ولا تلبسوا ثوبا مسه ورس أو زعفران إلا أن يكون غسيلا وذكر الطحاوي عن بن أبي عمران قال رأيت يحيى بن سعيد وهو يتعجب من الحماني كيف يحدث بهذا الحديث فقال عبد الرحمن بن مهدي هذا عندي ثم وثب من فوره فجاء بأصله فأخرج منه هذا الحديث عن أبي معاوية هذا كما قال الحماني واختلفوا في العصفر فجملة مذهب مالك أن العصفر ليس بطيب ويكره للحاج استعمال الثوب الذي ينتفض في جلده فإن فعل فقد أساء ولا فدية عليه وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه العصفر طيب وفيه الفدية على من استعمل شيئا منه في اللباس وغيره إذا كان محرما وقال أبو ثور كقول أبي حنيفة إلا في المعصفر فإنه قال إن لبسه المحرم فقد أساء ولا شيء عليه قال وإنما كرهناه لأن النبي عليه السلام نهى عن لبسه لأنه طيب قال أبو عمر النهي عن لبس المعصفر محفوظ في حديث علي بن أبي طالب من حديث مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي وعن لبس المعصفر الحديث وأما إنكار عمر على طلحة لباسه المصبغ بالمدر فإنما كرهه من طريق رفع الشبهات لأنه صبغ لا يختلف العلماء في جوازه وإنما كره أن تدخل الداخلة على من نظر إليه فظنه صبغا فيه طيب وللأئمة الاجتهاد في قطع الذرائع وفيه شهادة عمر بأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أئمة

روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي أن عمر بن الخطاب أبصر على عبد الله بن جعفر ثوبين مدرجين وهو محرم فقال عمر ما هذا فقال علي ما أخال أحدا يعلمنا السنة فسكت عمر وأما رواية مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر فلم يتابعه أحد والله أعلم على قوله عن أبيه من أصحابه في هذا الحديث عن هشام بن عروة وإنما يروونه عن هشام عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء وأما لباس أسماء للمعصفرات فلا خلاف للعلماء في أن الرجال والنساء في الطيب سواء واختلافهم في المعصفر هل هو طيب أم لا فقد اختلف وسيأتي ذكر الطيب في بابه إن شاء الله باب لبس المحرم المنطقة ذكر فيه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكره لبس المنطقة للمحرم وذكر عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول في المنطقة يلبسها المحرم تحت ثيابه أنه لا بأس بذلك إذا جعل طرفيها جميعا سيورا يعقد بعضها إلى بعض قال أبو عمر روى هذا الخبر سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه يسأل عن المنطقة للمحرم فقال لا بأس بها إذا جعلت في طرفيها سيورا ثم يعقد بعضها إلى بعض ولا يدخل السيور في ثقب المنطقة وسفيان عن أبي سليمان بن سعيد بن جبير أنه سأل سعيد بن المسيب عن المنطقة فقال لا تدخل السير في الثقب ولكن اجعل سيرا من هذا الجانب وسيرا من هذا الجانب ثم اعقدهما قال أبو عمر إنما كره سعيد بن المسيب أن يدخل السير وهو الخيط في ثقب المنطقة لأنه كالخياطة عنده والمخيط لا يجوز للمحرم لبسه وأجاز ربط الخيط

على ما وصف لأنه كالهميان الذي يجوز له عقده عند أكثر العلماء وقد كرهه قوم من العلماء منهم سعيد بن جبير وعطاء والصواب قول من أباحه وبالله التوفيق لا شريك له وقول مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك يعني ما رواه عن سعيد بن المسيب لا ما رواه عن بن عمر وما استحبه مالك في هذا الباب وهو الذي عليه جماعة العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم من المفتين وممن روى عنه من الصحابة أنه لا بأس بالمنطقة للمحرم عبد الله بن عباس وعائشة وهو قول الشافعي والكوفيين وأصحابهما والليث والأوزاعي وأحمد وأبي ثور وداود والطبري وبن علية روى سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها كانت تقول في المنطقة أحرز عليك نفقتك وقال الشافعي يلبس المحرم المنطقة للنفقة ويستظل في المحمل ونازلا في الأرض وقال بن علية قد أجمعوا على أن للمحرم أن يعقد الهميان والمئزر على مئزره وبالمنطقة كذلك قال أبو عمر قد قال إسحاق بن راهوية ليس للمحرم أن يعقد يعني المنطقة ولكن له أن يدخل السيور بعضها في بعض وقول إسحاق لا يعد خلافا على الجميع وليس له أيضا حظ من النظر ولا له أصل لأن النهي عن لباس المخيط وليس هذا منه فارتفع أن يكون له حكمه وكان مالك يكره المناطق على غير الحقو وأن تكون ظاهرة ولا يرى على فعل ذلك فدية باب تخمير المحرم وجهه مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أخبرني

الفرافصة بن عمير الحنفي أنه رأى عثمان بن عفان بالعرج يغطي وجهه وهو محرم وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم وعن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين وعن نافع أن عبد الله بن عمر كفن ابنه واقد بن عبد الله ومات بالجحفة محرما وخمر رأسه ووجهه وقال لولا أنا حرم لطيبناه قال مالك وإنما يعمل الرجل ما دام حيا فإذا مات فقد انقضى العمل قال أبو عمر اختلف العلماء من الخلف والسلف في تخمير المحرم لوجهه بعد إجماعهم على انه لا يخمر رأسه فكان بن عمر فيما رواه مالك وغيره عنه يقول ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم ولذلك ذهب مالك وأصحابه وبه قال محمد بن الحسن من غير خلاف عن أصحابه قال بن القاسم كره مالك للمحرم أن يغطي ذقنه أو شيئا مما فوق ذقنه لأن إحرامه في وجهه ورأسه قيل لابن القاسم فإن فعل أترى عليه فدية قال لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى عليه شيئا لما جاء عن عثمان في ذلك وقد روي عن مالك من غطى وجهه وهو محرم أنه يفتدي

وفي موضع آخر من كتاب بن القاسم أرأيت محرما غطى وجهه ورأسه في قول مالك قال قال مالك إن نزعه مكانه فلا شيء عليه وإن تركه فلم ينزعه مكانه حتى انتفع بذلك افتدى قلت وكذلك المرأة إذا غطت وجهها قال نعم إلا أن مالكا كان يوسع للمرأة أن تسدل رداءها فوق رأسها على وجهها إذا أرادت سترا وإن كانت لا تريد سترا فلا تسدل قال أبو عمر روي عن عثمان وبن عباس وعبد الرحمن بن عوف وبن الزبير وزيد بن ثابت وسعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله أنهم أجازوا للمحرم أن يغطي وجهه فهم مخالفون لابن عمر في ذلك وعن القاسم بن محمد وطاوس وعكرمة إنهم أجازوا للمحرم أن يغطي وجهه وقال عطاء يخمر المحرم وجهه إلى حاجبيه وبه قال الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود وذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال كان عثمان وزيد بن ثابت يخمران وجوههما وهما محرمان وكل من سمينا في هذا الباب من الصحابة ففي كتاب عبد الرزاق وأجمعوا أن للمحرم أن يدخل الخباء والفسطاط وإن نزل تحت شجرة أن يرمي عليها ثوبا واختلفوا في استظلاله على دابته أو على المحمل ف روي عن بن عمر أنه قال أضح لمن أحرمت له وبعضهم يرفعه عنه وكره مالك وأصحابه استظلال المحرم على محمله وبه قال بن مهدي وبن حنبل وقد روي عن عثمان بن عفان أنه كان يستظل وهو محرم وأنه أجاز ذلك للمحرم وبه قال عطاء بن أبي رباح والأسود بن يزيد وهو قول ربيعة والثوري وبن عيينة وأبي حنيفة والشافعي وأصحابهما وقال مالك إذا استظل المحرم في محمله افتدى

وقال أبو حنيفة والشافعي لا شيء عليه وروى عبد الرزاق وهشام بن يوسف ويحيى بن سعيد عن بن جريج قال قال عطاء يخمر المحرم وجهه إلى حاجبيه ويخمر أذنيه حتى حاجبيه قال بن جريج فقلت لعطاء أرأيت قولك ذلك رأي هو قال لا ولكن أدركنا الناس عليه قال وقال عطاء يصعد الثوب عن وجهه إلى حاجبه ولا يصبه على وجهه صبا ويخمر أذنيه مع وجهه ورواه سفيان بن عيينة عن بن جريج عن عطاء مثله وروى بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال أخبرتني أمي وأختي أنهما دخلتا على عائشة أم المؤمنين فسألتاها كيف تخمر المرأة وجهها فأخذت أسفل خمارها فغطت به وجهها وعليها درج مدرج وخمار حبشي أما حديثه عن نافع عن بن عمر أنه كفن ابنة واقدا ومات بالجحفة محرما وخمر وجهه ورأسه وقال لولا أنا حرم لطيبناه فإليه ذهب مالك وقال في الموطأ إنما يعمل الرجل ما دام حيا فإذا مات انقطع العمل ولا خلاف عنه وعن أصحابه أنه يفعل بالميت المحرم ما يفعل بالحلال وهو قول عائشة ذكر عبد الرزاق عن منصور عن إبراهيم عن الأسود قال سئلت عائشة عن المحرم يموت فقالت اصنعوا به ما تصنعوا بموتاكم يعني من الطيب وغيره وبه قال الحسن البصري وعكرمة والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وقال الشافعي لا يخمر رأس المحرم ولا يطيب اتباعا لحديث بن عباس في الذي وقصته ناقته وهو محرم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وعبد الكريم عن سعيد بن جبير عن بن عباس

وحدثناه عبد الوارث قال حدثنا القاسم قال حدثنا بكر قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد عن عمرو بن دينار وأيوب عن سعيد بن جبير عن بن عباس أن رجلا كان واقفا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فوقع عن راحلته قال أيوب فوقصته فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوب ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا وبه قال أحمد وإسحاق وهو قول عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال خرج عبد الله بن الوليد معتمرا مع عثمان بن عفان فمات بالسقيا وهو محرم فلم يغيب عثمان رأسه ولم يمسه طيبا فأخذ الناس بذلك حتى توفي واقد بن عبد الله بن عمر بالجحفة وهو محرم فغيب رأسه بن عمر فأخذ الناس بذلك باب ما جاء في الطيب في الحج ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت وعن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحنين وعلى الأعرابي قميص وبه أثر صفرة فقال يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني أن أصنع فقال له رسول

الله صلى الله عليه وسلم انزع قميصك واغسل هذه الصفرة عنك وافعل في عمرتك ما تفعل في حجك وعن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة فقال ممن ريح هذا الطيب فقال معاوية بن أبي سفيان مني يا أمير المؤمنين فقال منك لعمر الله فقال معاوية إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين فقال عمر عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه قال أبو عمر ظاهر هذا الخبر أنه عزم على معاوية أن يغسله بنفسه وليس على ظاهره فيما رواه الزهري عن سالم عن أبيه قال وجد عمر طيبا وهو بالشجرة فقال ما هذه الريح فقال معاوية طيبتني أم حبيبة فتغيظ عليه عمر وقال منك لعمري أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسلن عنك كما طيبتك وكان الزهري يأخذ بقول عمر فيه ذكره عبد الرزاق عن معمر عنه وذكر عن الصلت بن زبيد عن غير واحد من أهله أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة وإلى جنبه كثير بن الصلت فقال عمر ممن ريح هذا الطيب فقال كثير مني يا أمير المؤمنين لبدت رأسي وأردت أن لا أحلق فقال عمر فاذهب إلى شربه فادلك رأسك حتى تنقيه ففعل كثير بن الصلت قال مالك الشربة حفير تكون عند أصل النخلة قال أبو عمر أما حديث عائشة المتقدم في هذا الباب فلم يختلف فيه عن عائشة والأسانيد متواترة به وهي صحاح إلا أنه ذكر فيه إبراهيم بن محمد بن المنتشر شيئا سنذكره فيما بعد إن شاء الله وأما حديث حميد بن قيس عن عطاء فهو مرسل في المؤطأ وهو متصل صحيح من حديث يعلى بن أمية رواه عن عطاء بن أبي رباح جماعة منهم أبو الزبير وعمرو بن دينار وقتادة وبن جريج وقيس بن سعد وهمام بن يحيى ومطر الوراق وإبراهيم بن يزيد وعبد الملك بن أبي سليمان ومنصور بن المعتمر وبن أبي ليلى والليث بن سعد وبعضهم أتقن له من بعض وأحسنهم

رواية له عن عطاء بن جريج وعمرو بن دينار وإبراهيم بن يزيد وقيس بن سعد وهمام بن يحيى فإن هؤلاء كلهم رووه عن عطاء قال حدثني صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر وحدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا سعيد بن عمار قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا همام قال حدثنا عطاء قال حدثنا صفوان بن يعلى عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر الخلوق أو قال صفرة فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي قال فأنزل على النبي عليه السلام الوحي فاستتر بثوب وكان يعلى يقول وددت أني قد رأيت النبي عليه السلام قد أنزل عليه فقال عمر يا يعلى أيسرك أن تنظر إلى النبي عليه السلام وقد أنزل عليه فقلت نعم فرفع طرف الثوب فنظرت إليه فإذا له غطيط قال أحسبه كغطيط البكر فلما سري عنه قال أين السائل عن العمرة اخلع عنك الجبة واغسل عنك أثر الخلوق أو قال الصفرة وقال اصنع في عمرتك كما صنعت في حجتك وذكر قصة العاض ليد صاحبها واللفظ لابن نصر وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن عيينة عن بن جريج عن عطاء قال أخبرني صفوان بن يعلى أن يعلى كان يقول لعمر أرني نبي الله حين ينزل عليه فلما كان بالجعرانة وعلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب قد أظل به عليه معه فيه ناس من أصحابه منهم عمر إذ جاءه رجل وعليه جبة متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ بطيب فسكت ساعة فجاءه الوحي فأشار عمر إلى يعلى بيده أن تعالى فجاء فأدخل رأسه فإذا النبي عليه السلام محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سري عنه فقال أين السائل عن العمرة آنفا فالتمس الرجل فأتي به فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الطيب الذي بك فاغسله عنك ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك قال بن جريج كان عطاء يأخذ في الطيب بهذا الحديث وكان يكره الطيب عند الإحرام ويقول إن كان به شيء فليغسله ولينقه

قال بن جريج قال وكان شأن صاحب الجبة قبل حجة الوداع والأخذ بالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق قال أبو عمر أما قوله في حديث حميد بن قيس وهو بحنين فالمراد منصرفة من غزوة حنين والموضع الذي لقي الأعرابي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الجعرانة وهو طريق حنين وفي هذا الموضع قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين كما ذكره أهل السير وأما قوله وعلى الأعرابي قميص فالقميص المذكور في حديث مالك هو الجبة المذكورة في حديث غيره ولا خلاف بين العلماء أن المخيط كله من الثياب لا يجوز لباسه للمحرم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لباس القمص والسراويلات وأما قوله وبه أثر صفرة فقد بان بما ذكرناه من الآثار أنها كانت صفرة خلوق وهو طيب معمول من الزعفران وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لباس ثوب مسه زعفران أو ورس وأجمع العلماء على أن الطيب كله محرم على الحاج والمعتمر بعد إحرامه وكذلك لباس الثياب واختلفوا في جواز الطيب للمحرم قبل الإحرام لما يبقى عليه بعد الإحرام فأجاز ذلك قوم وكرهه آخرون ومن كرهه احتج بحديث الأعرابي صاحب القميص وممن كره الطيب للمحرم من قبل الإحرام عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص كلهم كرهوا أن يوجد من المحرم شيء من ريح الطيب ولم يرخصوا لأحد أن يتطيب عند إحرامه وقال بهذا من العلماء عطاء بن أبي رباح وسالم بن عبد الله على اختلاف

عن سالم في ذلك والزهري وسعيد بن جبير والحسن وبن سيرين على اختلاف عنهم وإلى هذا ذهب مالك بن أنس وأصحابه ومحمد بن الحسن رواه عنه بن سماعة وهو اختيار أبي جعفر الطحاوي إلا أن مالكا كان أخفهم في ذلك قولا ذكر بن عبد الحكم عنه قال وترك الطيب عند الإحرام أحب إلينا ومن حجة من قال بهذا القول من طريق النظر أن الإحرام يمنع من لبس القمص والسراويلات والخفاف والعمائم ويمنع من الطيب ومن قتل الصيد وإمساكه فلما أجمعوا أن الرجل إذا لبس قميصا أو سراويل قبل أن يحرم فما أحرم وهو عليه أنه يؤمر بنزعه وإن لم ينزعه وتركه كان كمن لبسه في إحرامه لبسا مستقبلا ويجب عليه في ذلك ما يجب عليه لو استأنف لبسه بعد إحرامه وكذلك لو اصطاد صيدا في الحل وهو حلال فأمسك في يده ثم أحرم وهو في يده أمر بتخليته وإن لم يخله كان إمساكه له بعد إحرامه كابتدائه الصيد وإمساكه في إحرامه قالوا فلما كان ما ذكروا كما وصفنا وجب أن يكون الطيب قبل الإحرام وبعده سواء واعتلوا في دفع حديث عائشة بما رواه إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال سألت بن عمر عن الطيب عند الإحرام فقال لئن أطلى بقطران أحب إلي من أصبح محرما ينضخ مني ريح الطيب قال فدخلت على عائشة فأخبرتها بحديث بن عمر فقالت رحم الله أبا عبد الرحمن طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف على نسائه ثم أصبح محرما رواه عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر جماعة منهم مسعر وسفيان وشعبة زاد بعضهم فيه أصبح محرما ينضخ طيبا فاحتج من كره الطيب قبل الإحرام بهذا الخبر وقال قد بان بهذا في حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه بعد التطيب وإذا طاف عليهن اغتسل لا محاله فكان بين إحرامه وتطيبه غسل قالوا فكأن عائشة إنما أرادت بهذا الحال الاحتجاج على من كره من المحرم بعد إحرامه ريح الطيب كما كره ذلك بن عمر

وأما بقاء نفس الطيب على المحرم فلا فهذه جملة من حج من كره الطيب عند الإحرام من جهة الأثر والقياس وقال جماعة من العلماء لا بأس أن يتطيب المحرم قبل أن يحرم بما شاء من الطيب مما يبقى عليه بعد إحرامه ومما لا يبقى وممن قال بذلك من الصحابة سعد بن أبي وقاص وبن عباس وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر وعائشة وأم حبيبة فثبت الخلاف في هذه المسألة بين الصحابة رضوان الله عليهم وقال به من التابعين عروة بن الزبير وجابر بن محمد والشعبي والنخعي وخارجة بن زيد ومحمد بن الحنفية واختلف في ذلك عن الحسن وبن سيرين وسعيد بن جبير وقال به من الفقهاء أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والحجة لهم حديث عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت هذا لفظ القاسم بن محمد عن عائشة ومثله رواية عطاء عن عائشة في ذلك وقال الأسود عن عائشة أنها كانت تطيب النبي صلى الله عليه وسلم بأطيب ما تجد من الطيب حتى قالت إني لأرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته وروى موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر عن عائشة قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغالية الجيدة عند إحرامه وهذا رواه أبو زيد بن أبي الغمر عن يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن موسى بن عقبة

وروى هشام بن عروة عن أخيه عثمان بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه بأطيب ما أجد وربما قالت بأطيب الطيب لحرمه ولحله وقالوا لا معنى لحديث بن المنتشر لأنه ليس مما يعارض به هؤلاء الأئمة ولو كان ما كان في لفظه حجة لأن قولهم طاف على نسائه لأنه يحتمل أن يكون طوافه لغير جماع ليعلمهن كيف يحرمن وكيف يعملن في حجهن وغير ذلك والدليل على ذلك ما رواه منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كان يرى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث وهو محرم والصحيح في حديث بن المنتشر ما رواه شعبة عنه عن أبيه عن عائشة فقال فيه فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضخ طيبا قالوا والنضخ في كلام العرب الظهور ومنه قوله عز وجل فيهما عينان نضاختان وذكر مالك أيضا عن يحيى بن سعيد وعبد الله بن أبي بكر وربيعة بن أبي عبد الرحمن أن الوليد بن عبد الملك سأل سالم بن عبد الله وخارجة بن زيد بن ثابت بعد أن رمى الجمرة وحلق رأسه وقبل أن يفيض عن الطيب فنهاه سالم وأرخص له خارجة بن زيد بن ثابت قال أبو عمر لم يختلف عن خارجة فيما حكاه عنه مالك في موطئه واختلف عن سالم فروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله وربما قال عن أبيه وربما لم يقل قال عمر إذا رميتم الجمرة وذبحتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء حرم عليكم إلا النساء والطيب قال إسماعيل بن إسحاق جاء عن عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله بعد أن رمى الجمرة وقبل أن يطوف

قال سالم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع قال أبو عمر راعى مالك الخلاف في هذه المسألة فلم ير بعد رمي الجمار الفدية وقبل الإفاضة قال أبو ثابت قلت لابن القاسم أكان مالك يكره أن يتطيب إذا رمى جمرة العقبة قبل أن يفيض قال نعم قلت فإن فعل أترى عليه الفدية قال لا أرى عليه شيئا لما جاء في ذلك قال مالك لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب قبل أن يحرم وقبل أن يفيض بالزيت والبان غير المطيب مما لا ريح له قال والفرق في التطيب بين الجاهل والعاقد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الأعرابي وقد أحرم وعليه خلوق بنزع الجبة وغسل الصفرة ولم يأمره بفدية ولو كانت عليه فدية لأمره بها كما أمره بنزع الجبة وفي هذه القصة رد على من زعم من العلماء أن الرجل إذا أحرم وكان عليه قميص كان له أن يشقه وقالوا لا ينبغي أن ينزعه كما ينزع الحلال قميصه لأنه إذا فعل ذلك غطى رأسه وذلك لا يجوز له فلذلك أمر بشقه وممن قال بذلك الحسن والشعبي والنخعي وأبو قلابة وسعيد بن جبير على اختلاف عنه وحجتهم ما رواه عبد الرزاق عن داود بن قيس عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة أنه سمع ابني جابر بن عبد الله يحدثان عن أبيهما قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه شق قميصه حتى خرج منه فقيل له فقال واعدتهم يقلدون هديي اليوم فنسيت ورواه أسد بن موسى عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عطاء بن عبد الملك عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي وكان بعث ببدنه وأقام بالمدينة وقال جمهور فقهاء الأمصار ليس على من نسي فأحرم وعليه قميصه أن يخرقه ولا يشقه وهو قول عطاء وطاوس وبه قال مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والثوري وسائر فقهاء الأمصار أصحاب الرأي والآثار

واحتجوا بحديث يعلى بن أمية في قصة الأعرابي الذي أحرم وعليه جبة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزعها ولا خلاف بين أهل الحديث أنه حديث صحيح وحديث جابر الذي يرويه عبد الرحمن بن عطاء ضعيف لا يحتج به وهو مردود أيضا بحديث عائشة أنها قالت كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي وإن كان جماعة من العلماء قالوا إذا أشعر هدية أو قلده فقد أحرم وقال آخرون إذا كان يريد بذلك الإحرام قال أبو عمر ليس نزع القميص بمنزلة اللباس لأن المحرم لو حمل على رأسه شيئا لم يعد ذلك كلباس القلنسوة وكذلك من تردى بإزار أو جربه بدنه لم يحكم له بحكم لباس المخيط وهذا يدل أنه إنما هو نهى عن لباس القلنسوة بالإحرام اللباس المعهود وعن لباس الرجل القميص اللباس المعهود وأن النهي إنما وقع في ذلك وقصد به إلى من تعمد فعل ما نهي عنه في إحرامه من اللباس المعهود في حال إحلاله وقوله اصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك فإنما أراد من غسل الطيب ونزع المخيط وهذا أوضح من أن يتكلم فيه وأما قول مالك في آخر الباب عن طعام فيه زعفران هل يأكله المحرم فقال أما ما تمسه النار من ذلك فلا بأس به أن يأكله المحرم وأما ما لم تمسه النار من ذلك فلا يأكله المحرم قال أبو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة فقال مالك إن المحرم لا يمس طيبا فجملة قول مالك أن المحرم لا يمس طيبا ولا يشمه ولا يصحب من يجد منه ريح طيب ولا يجلس إلى العطارين قال مالك وأرى أن يقام العطار من بين الصفا والمروة وأن لا نخلق الكعبة ومذهبه أن من مس طيبا وانتفع به افتدى

قال مالك ولا بأس أن يأكل المحرم الخبيص والطعام الذي طبخت زعفرانته النار قال أبو حنيفة يكره للمحرم مس الطيب وشم الريحان فإن شم الطيب فلا فدية عليه تعلق بيده منه شيء أم لا ولا بأس أن يأكل المحرم عنده الخبيص والطعام الذي طبخت زعفرانته النار كقول مالك وقال الشافعي والأوزاعي لا بأس أن يشم المحرم الطيب وأن يجلس إلى العطارين وللشافعي أقاويل فيما مسته النار من الزعفران في الخبيص والطعام أحدها مثل قول مالك والآخر إن كان يصبغ اللسان فعليه الفدية ذكره المزني عنه وقال في الأم والمختصر إن وجد له ريح أو لون أو طعم فعليه الفدية وإن لم يكن إلا اللون وحده فلا فدية فيه بمنزلة العصفر إذا غسل قال أبو عمر روي عن عطاء ومجاهد والأسود بن يزيد ونافع مولى بن عمر وسعيد بن جبير وجابر بن زيد وإبراهيم النخعي أنهم كانوا يرخصون في الخبيص والجوارشنات الأصفر إذا مسته النار للمحرم وعن عطاء في الجوارشنات والخبيص إذا لم يجد طعمه ولا ريحه فلا بأس به وذكره عبد الرزاق قال أخبرنا محمد بن مسلم قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كره للمحرم طعام فيه زعفران باب مواقيت الإهلال ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل

أهل نجد من قرن قال عبد الله بن عمر وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم وعن عبد الله بن دينار عن عبد بن عمر أنه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن قال عبد الله بن عمر أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم وعن نافع أن عبد الله بن عمر أهل من الفرع وعن الثقة عنده أن عبد الله بن عمر أهل من إيلياء وذكر أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل من الجعرانة بعمرة قال أبو عمر أما قول بن عمر بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم فمرسل الصاحب عن الصاحب هو عندهم كالمسند سواء في وجوب الحجة به وقد روى بن عباس في هذا ما هو أكمل معنى من حديث بن عمر

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن هدية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا قتيبة بن سعيد قالا حدثنا حماد عن عمرو عن طاوس عن بن عباس قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة بالحليفة ولأهل الشام بالجحفة ولأهل نجد قرنا ولأهل اليمن يلملم قال وهن لهم ولمن أتى عليهن ممن سواهم ممن أراد الحج والعمرة قال ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ قال وكذلك أهل مكة يهلون منها وذكر عبد الرزاق عن معمر عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس مثله قال أبو عمر أجمع أهل العلم بالعراق والحجاز على القول بهذه الأحاديث واستعمالها لا يخالفون شيئا منها وأنها مواقيت لأهلها في الإحرام بالحج منها ولكل من أتى عليها من غير أهلها ممن أراد حجا أو عمرة إلا أنهم اختلفوا في ميقات أهل العراق وفي من وقته لهم فقال مالك والشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابهم ميقات أهل العراق من ناحية المشرق كلها ذات عرق وهو قول سائر العلماء وزاد الثوري إن أهلوا من العقيق فهو أحب إلينا وقال جابر بن زيد أبو الشعثاء وطائفة معه لم يوقت النبي عليه السلام لأهل العراق وقتا وذكر الطبري قال حدثنا بن دثار قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا بن جريج قال أخبرنا عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه كان يقول لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق وقتا وإنما أخذ الناس حيال قرن ذات عرق وقال جابر وعائشة وغيرهما وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق ذات عرق

وقالت طائفة عمر بن الخطاب هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق لأن العراق في زمانه افتتحت ولم تكن العراق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات إسلام ذكر الطبري قال حدثنا عصام بن رواد بن الجراح أنه قال حدثني أبي قال حدثني عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن بن عمر أنه كان يقول لما وقت قرن لأهل نجد قال عمر مهل أهل العراق ذات عرق فاختلفوا في القياس فقال بعضهم ذات عرق وقال بعضهم بطن العقيق قال بن عمر فقاس الناس ذلك وقال آخرون هذه غفلة من قائل هذا القول بل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق بالعقيق كما وقت لأهل الشام الجحفة والشام كلها يومئذ ذات كفر كما كانت العراق يومئذ ذات كفر فوقت لأهل النواحي لأنه علم أنه سيفتح الله على أمته الشام والعراق وغيرهما من البلدان وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها بمعنى ستمنع وقال عليه السلام ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار وقال عليه السلام زويت لي الأرض فأريت مشارقها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها قال أبو عمر روى حفص بن غياث عن حجاج بن أرطأة عن جابر أن النبي عليه السلام وقت لأهل العراق ذات عرق وروى الثوري عن يزيد بن زياد عن محمد بن علي عن بن عباس قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق وروى هلال بن زيد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدائن العقيق

ولأهل البصرة ذات عرق ولأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد وذكر أبو داود قال حدثنا هشام بن بهرام قال حدثنا المعافى قال حدثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة قالت وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام ومصر الجحفة ولأهل العراق ولأهل اليمن يلملم قال أبو عمر كل عراقي أو مشرقي أحرم من ذات عرق فقد أحرم عند الجميع من ميقاته والعقيق أحوط وأولى عندهم من ذات عرق وكره مالك أن يحرم أحد عند الميقات وروي عن عمر بن الخطاب أنه أنكر على عمران بن الحصين إحرامه من البصرة وعن عثمان بن عفان أنه أنكر على عبد الله بن عامر إحرامه قبل الميقات وكره الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح الإحرام في الموضع البعيد هذا والله أعلم منهم كراهة أن يضيق المرء على نفسه ما قد وسع الله عليه وأن يتعرض لما لم ير أن يحدث في إحرامه وكلهم ألزمه الإحرام لأنه زاد ولم ينقص والدليل على ذلك أن بن عمر روى المواقيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أجاز الإحرام بعدها من موضع بعيد هذا كله قول إسماعيل قال وليس الإحرام مثل عرفات والمزدلفة التي لا يجاوز بها موضعها قال والذين أحرموا قبل الميقات من الصحابة والتابعين كثير روى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة أن رجلا أتى عليا فقال أرأيت قول الله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله البقرة قال له علي تمامها أن تحرم من دويرة أهلك وروى حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن بن عمر أهل من بيت المقدس قال أبو عمر أحرم بن عمر من بيت المقدس عام الحكمين وذلك بأنه شهد التحكيم بدومة الجندل فلما افترق عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري من غير اتفاق نهض إلى بيت المقدس ثم أحرم منه

ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن عيينة قال حدثني عبد الملك بن أعين عن عبد الرحمن بن أذينة عن أبيه قال أتيت عمر بن الخطاب فقلت يا أمير المؤمنين إني قد ركبت السفن والخيل والإبل فمن أين أحرم قال أئت عليا فاسأله فرددت عليه القول فقال ائت عليا فاسأله فأتيت عليا فسألته فقال من حيث بدأت فرجعت إلى عمر فقلت له أتيت عليا قال فما قال لك قلت قال لي أحرم من حيث بدأت قال فهو ما قال لك قال وأخبرني العمري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن عبد الرحمن بن أذينة عن أبيه أذينة بن سلمة قال أتيت عمر فذكر مثله إلا أنه قال ما أجد لك إلا ما قال علي قال سفيان وصنعنا ذلك على المواقيت وعن الثوري عن منصور عن إبراهيم قالوا كانوا يستحبون للرجل أول ما يحج أن يحرم من بيته وأول ما يعتمر أن يحرم من بيته وقال أحمد بن حبيب وإسحاق والإحرام من المواقيت أفضل وهي السنة المجتمع عليها سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وعمل بها الصحابة معه وبعده وجد عليها عمل المسلمين وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والحسن بن حي المواقيت رخصة وتوسعة يتمتع المرء بحله حتى يبلغها ولا يتجاوزها والإحرام قبلها فيه فضل لمن فعله وقوي عليه ومن أحرم من منزلة فقد أحسن والإحرام من موضعه أفضل ومن حجتهم أن علي بن أبي طالب وبن مسعود وعمران بن حصين وبن عمر وبن عباس أحرموا من المواضع البعيدة وهم فقهاء الصحابة وقد شهدوا إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته من ميقاته وعرفوا مقداره ومراده وعلموا أن إحرامه من ميقاته كان تيسيرا على أمته أحرم بن عباس وبن عمر من الشام وأحرم عمران بن حصين من البصرة وأحرم بن مسعود من القادسية وكان إحرام علقمة والأسود وعبد الرحمن بن يزيد وأبي إسحاق السبيعي من بيوتهم وقال سعيد بن جبير تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك واختلفوا في الرجل المريد للحج والعمرة يجاوز ميقات بلده إلى ميقات آخر أقرب إلى مكة مثل أن يترك أهل المدينة الإحرام من ذي الحليفة حتى يحرموا من الجحفة

فتحصيل مذهب مالك أن من فعل فعليه دم واختلفوا في ذلك فمنهم من أوجب الدم فيه ومنهم من أسقطه وأصحاب الشافعي على إيجاب الدم في ذلك وهو قول الثوري والليث بن سعد وقال أبو حنيفة وأصحابه لو أحرم المدني من ميقاته كان أحب إليهم فإن لم يفعل فأحرم من الجحفة فلا شيء عليه وهو قول الأوزاعي وأبي ثور وكره أحمد بن حنبل وإسحاق مجاوزة ذي الحليفة إلى الجحفة ولم يوجب الدم في ذلك وقد روي عن عائشة أنها كانت إذا أرادت الحج أحرمت من ذي الحليفة وإذا أرادت العمرة أحرمت من الجحفة واختلفوا فيمن جاوز الميقات وهو يريد الإحرام بالحج والعمرة ثم رجع إلى الميقات فقال مالك إذا جاوز الميقات ولم يحرم منه فعليه دم ولم ينفعه رجوعه وهو قول أبي حنيفة وعبد الله بن المبارك وقال الشافعي والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد إذا رجع إلى الميقات فقد سقط عنه الدم لبى أو لم يلب وروي عن أبي حنيفة أنه إن رجع إلى الميقات فلبى سقط عنه الدم وإن لم يلب لم يسقط عنه الدم وكلهم يقول إنه إن لم يرجع وتمادى فعليه دم وللتابعين في هذه المسألة أقاويل أيضا غير هذه أحدها أنه لا شيء على من ترك الميقات هذا قول عطاء والنخعي وقول آخر أنه لا بد له أن يرجع إلى الميقات فإن لم يرجع حتى قضى حجة فلا حج له هذا قول سعيد بن جبير وقول آخر وهو أنه يرجع إلى الميقات كل من تركه فإن لم يفعل حتى تم حجه رجع إلى الميقات فأهل منه بعمرة روي هذا عن الحسن البصري

وهذه الثلاثة الأقوال شذوذ صعبة عند فقهاء الأمصار لأنها لا أصل لها في الآثار ولا تصح في النظر واختلفوا في العبد يجاوز الميقات بغير نية إحرام ثم يحرم فقال مالك أيما عبد جاوز الميقات لم يأذن له سيده في الإحرام ثم أذن له بعد مجاوزته الميقات فأحرم فلا شيء عليه وهو قول الثوري والأوزاعي وقال أبو حنيفة عليه دم لتركه الميقات وكذلك إن أعتق اضطرب الشافعي في هذه المسألة فمرة قال في العبد عليه دم كما قال أبو حنيفة وقال في الكافر يجاوز الميقات ثم يسلم فلا شيء عليه قال مالك وكذلك في الصبي يجاوزه ثم يحتلم فلا شيء عليه وقال مرة أخرى لا شيء على العبد وعلى الصبي وعلى الكافر إذا أحرما من مكة ومرة قال عليهم بلادهم وهو تحصيل مذهبه قال أبو عمر الصحيح عندي في هذه المسألة أنه لا شيء على واحد منهم لأنه لم يحضر بالميقات مريدا للحج فإنما يجاوزه وهو غير قاصد إلى الحج ثم حدث له حال وقته بمكة فأحرم منها فصار كالمكي الذي لا حرم عليه عند الجميع وقال مالك من أفسد حجته فإنه يقضيها من حيث كان أحرم بالحجة الذي أفسد وهو قول الشافعي وهو عند أصحابهما على الاختيار واتفق مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والثوري وأبو ثور على أن من مر بالميقات لا يريد حجا ولا عمرة ثم بدا له الحج والعمرة وهو قد جاوز الميقات أنه يحرم من الموضع الذي بدا له منه في الحج ولا يرجع إلى الميقات ولا شيء عليه وقال أحمد وإسحاق يرجع إلى الميقات ويحرم منه وأما حديثه عن نافع عن بن عمر أنه أهل من الفرع فمجملة عند أهل العلم أنه مر بالميقات لا يريد إحراما ثم بدا له فأهل منه أو جاء إلى الفرع من مكة وغيرها ثم بدا له في الإحرام هكذا ذكر الشافعي وغيره في معنى حديث بن عمر هذا

ومعلوم أن عمر روى حديث المواقيت ومحال أن يتعدى ذلك مع علمه به فوجب على نفسه دما هذا لا يدخله عالم فأجمعوا كلهم على أن من كان أهله دون المواقيت إلى مكة أن ميقاته من أهله حتى يبلغ مكة على ما في حديث بن عباس وفي هذه المسألة أيضا قولان شاذان أحدهما لأبي حنيفة فيمن منزله بين المواقيت ومكة قال يحرم من موضعه فإن لم يفعل فلا يدخل الحرم إلا حرام فإن دخله غير حرام فليخرج من الحرم وليهل من حيث شاء من المهل وسائر العلماء لا يلزمونه الخروج من الحرم إلى الحل في الحج وإنما يلزمه عندهم أن ينشئ حجة من حيث نواه والقول الآخر لمجاهد قال إذا كان الرجل منزلة بين مكة والميقات أهل من مكة وأما إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة بعمرة فذلك منصرفه من حنين إلى مكة والعمرة لا ميقات لها إلا الحل فمن أتى الحل أهل بها منشؤها قريبا أو بعيدا فلا حرج وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء والحمد لله باب العمل في الإهلال ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل كذا روى هذا الحديث جماعة رواة عن مالك وكذلك رواه أصحاب نافع أيضا ورواه بن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى بن مسعود وجابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا في تلبية رسول الله عليه السلام دون زيادة بن عمر من قوله

وفي حديث أبي هريرة زيادة لبيك إله الحق واختلفت الروايات في فتح إن وكسرها وقوله إن الحمد والنعمة لك وأهل العربية يختارون في ذلك الكسر وأجمع العلماء على القول بهذه التلبية واختلفوا في الزيادة فيها فقال مالك أكره أن يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد قولي الشافعي وقد روي عن مالك انه لا بأس أن يزاد فيها ما كان بن عمر يزيده في هذا الحديث وقال الشافعي لا أحب أن يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شيئا يعجبه فيقول لبيك إن العيش عيش الآخرة وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل وأبو ثور لا بأس بالزيادات في التلبية على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد فيها ما شاء قال أبو عمر من حجة من ذهب إلى هذا ما رواه القطان عن جعفر بن محمد قال حدثني أبي عن جابر بن عبد الله قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية بمثل حديث بن عمر قال والناس يزيدون لبيك ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي عليه السلام يسمع فلا يقول لهم شيئا واحتجوا أيضا بأن بن عمر كان يزيد فيها ما ذكره مالك وغيره عن نافع في هذا الحديث وما روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول بعد التلبية لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك مرهوبا منك ومرغوبا إليك وعن أنس بن مالك انه كان يقول في تلبيته لبيك حقا حقا تعبدا وزقا ومن كره الزيادة في التلبية احتج بأن سعد بن أبي وقاص أنكر على من سمعه يزيد في التلبية ما لم يعرفه وقال ما كنا نقول هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه يحيى بن سعيد عن بن عجلان قال حدثني عبد الله بن أبي سلمة عن سعد

قال أبو عمر من زاد في التلبية ما يجمل ويحسن من الذكر فلا بأس ومن اقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أفضل عندي ومعنى التلبية إجابة عباد الله عز وجل ربهم فيما فرض عليهم من حج بيته والإقامة على طاعته يقال منه قد ألب بالمكان إذا أقام به وقال الراجز لب بأرض ما تخطاها الغنم وإلى هذا ذهب الخليل قال أبو عمر وقال جماعة من العلماء إن معنى التلبية إجابة إبراهيم عليه السلام حين أذن بالحج في الناس روى جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن بن عباس قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال رب وما يبلغ الصوت قال أذن وعلي البلاغ فنادى إبراهيم أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق قال فسمعه ما بين السماوات والأرض أفلا ترون الناس يجيؤون من أقطار الأرض يلبون وروى بن جريج عن مجاهد في قوله تعالى وأذن في الناس بالحج الحج قال قام إبراهيم على مقامه قال أيها الناس أجيبوا ربكم فقالوا اللهم لبيك فمن حج البيت فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذ قال أبو عمر معنى لبيك اللهم لبيك أي إجابتي إليك إجابة بعد إجابة ومعنى قول بن عمر لبيك وسعديك أي أسعدنا سعادة بعد سعادة وإسعاد بعد إسعاد وقد قيل معنى وسعديك سعادة لك وكان ثعلب يقول إن بالكسر في قوله إن الحمد والنعمة لك أحب إلي لأن الذي يكسرها يذهب إلى أن الحمد والنعمة لك على كل حال والذي يفتح يذهب إلى أن المعنى لبيك إلى أن الحمد لك أي لبيك ولهذا السبب واستحب الجميع أن يكون ابتداء المحرم بالتلبية بأثر صلاة يصليها

وكان مالك يستحب أن يبتدئ المحرم بالتلبية بإثر صلاة نافلة أقلها ركعتان وكره أن يحرم بإثر الفريضة دون نافلة فإن أحرم بإثر صلاة مكتوبة فلا حرج وقال غيره ويحرم بإثر نافلة أو فريضة من ميقاته إذا كانت صلاة يتنفل بعدها فإن كان في غير وقت صلاة لم يبرح حتى يحل وقت صلاة فيصلي ثم يحرم إذا استوت به راحلته وكان ممن يمشي فإذا خرج من المسجد أحرم وقال العلماء بتأويل القرآن في قوله عز وجل فمن فرض فيهن الحج البقرة قالوا الفرض التلبية قاله عطاء وطاوس وعكرمة وغيرهم وقال بن عباس الفرض الإهلال والإهلال التلبية وقال بن مسعود وبن الزبير الفرض الإحرام وهو كله معنى واحد وقالت عائشة لا إحرام إلا لمن أحرم ولبى وقال الثوري الفرض الإحرام والإحرام التلبية والتلبية في الحج مثل التكبير في الصلاة قال أبو عمر اللفظ بالتلبية في حين فرض الإحرام عند الثوري وأبي حنيفة ركن من أركان الحج والحج إليها مفتقر ولا تجزئ التلبية عنها عندهما إلا أن أبا حنيفة يجوز عنده سائر الوجوه من التهليل والتكبير والتسبيح عن التلبية كما يفعل في الإحرام بالصلاة ولم أجد عند الشافعي نصا في ذلك وأصوله تدل على أن التلبية ليست من أركان الحج عنده وهو قول الحسن بن حي وأوجب التلبية أهل الظاهر داود وغيره وقال الشافعي تكفي النية في الإحرام بالحج من أن يسمى حجا أو عمرة قال وإن لبى حجا أو عمرة لحجة يريد عمرة فهي عمرة وإن لبى بحج يريد عمرة فهي عمرة وإن لبى بحج يريد عمرة فهو حج وإن لبى ليس يريد حجا ولا عمرة فليس بحج ولا عمرة وإن لبى ينوي الإحرام ولا ينوي حجا ولا عمرة فله الخيار يجعله أيهما شاء وإن لبى وقد نوى أحدهما فنسي فهو قارن لا يجزئه غير ذلك هذا قول الشافعي قال أبو عمر ذكر إسماعيل بن إسحاق عن أبي ثابت قال قيل لابن

القاسم أرأيت المحرم من مسجد ذي الحليفة إذا توجه من فناء المسجد بعد أن صلى فتوجه وهو ناس أن يكون في توجهه محرما فقال بن القاسم أراه محرما فإن ذكر من قريب لبى ولا شيء عليه وإن تطاول ذلك عليه ولم يذكر حتى خرج من حجه رأيت أن يهريق دما قال إسماعيل وهذا يدل على أن الإهلال للإحرام ليس عنده بمنزلة التكبير للدخول في الصلاة لأن الرجل لا يكون داخلا في الصلاة إلا بالتكبير ويكون داخلا في الإحرام بالتلبية وبغير التلبية من الأعمال التي توجب الإحرام بها على نفسه مثل أن يقول قد أحرمت بالحج والعمرة أو يشعر الهدي وهو يريد بإشعاره الإحرام أو يتوجه نحو البيت وهو يريد بتوجهه الإحرام فيكون بذلك كله وما أشبهه محرما وكان مالك يرى على من ترك التلبية من أول إحرامه إلى آخر حجة دما يهريقه وكان الشافعي وأبو حنيفة لا يريان على من احرم على ما قد قدمنا عنهما ثم لم يلب إلى آخر الحج شيئا وفي هذا الباب مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين فإذا استوت به راحلته أهل وذكر عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ثم يخرج فيركب فإذا استوت به راحلته أحرم

مالك بلغه أن عبد الملك بن مروان أهل من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته وأن أبان بن عثمان أشار عليه بذلك قال أبو عمر أما حديث هشام بن عروة فلم يختلف الرواة عن مالك في إرساله ومعناه قد روي من وجوه ذكرت أكثرها في التمهيد وفيه من الفقه أن الإهلال سنته أن تكون قبله صلاة نافلة أقلها ركعتان ثم يهل بإثرها ويركب فيهل أيضا إذا ركب حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثني عيسى بن إبراهيم عن بن وهب قال أخبرنا يونس عن بن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب راحلته بذي الحليفة ثم يهل حتى تستوي به قائمة حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا محمد بن بكر قال أخبرنا بن جريج عن محمد بن المنكدر عن أنس قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح فلما ركب راحلته واستوت به أهل قال أبو عمر يعني بعد أن ركع الركعتين اللتين في حديث هشام بن عروة بعد طلوع الشمس وأحرم بإثرهما وأما قوله في حديث موسى بن عقبة بيداؤكم هذه فإنه أراد موضعكم الذي تزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهل إلا منه قال ذلك بن عمر منكرا لقول من قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أهل في حجته حين أشرف على البيداء والبيداء الصحراء يريد بيداء ذي الحليفة وأما قوله ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فالإهلال في الشريعة هو الإحرام وهو فرض الحج وهو التلبية بالحج أو العمرة وقوله لبيك اللهم لبيك وينوي ما شاء من حج أو عمرة واتفق مالك والشافعي على أن النية في الإحرام تجزئ عن الكلام ولا قضاء

وناقض أبو حنيفة فقال إن الإحرام عنده من شرطه التلبية ولا يصح إلا بالنية كما لا يصح الدخول في الصلاة إلا بالنية والتكبير جميعا ثم قال فيمن أغمي عليه فأحرم عنه أصحابه ولم يفق حتى فاته الوقوف بعرفة يجزئه إحرام أصحابه عنه وبه قال الأوزاعي قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد من عرض له هذا فقد فاته الحج ولا ينفعه إحرام أصحابه عنه وناقض مالك أيضا فقال من أغمي عليه فلم يحرم فلا حج له ومن وقف بعرفة مغمى عليه أجزأه وقال بعض أصحابنا ليس بتناقض لأن الإحرام لا يفوت إلا بفوت عرفة وحسب المغمى عليه أن يحرم إذا أفاق قبل عرفة فإذا أحرم ثم أغمي عليه فوقف مغمى عليه أجزأه من اجل أنه على إحرامه قال أبو عمر الذي يدخل علينا أن الوقوف بعرفة فرض ويستحيل أن يتأدى من غير قصد إلى أدائه كالإحرام سواء وكسائر الفروض لا تسقط إلا بالقصد إلى أدائها بالنية والعمل حتى يكملها هذا هو الصحيح ووافق أبو حنيفة مالكا فيمن شهد عرفة مغمى عليه ولم يفق حتى انصدع الفجر وخالفهما الشافعي فلم يجز للمغمى عليه وقوفا بعرفة حتى يصبح عالما بذلك قاصدا إليه وبقول الشافعي قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود واكثر الناس واختلفت الآثار في الموضع الذي أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم منه لحجته من أقطار ذي الحليفة فقال قوم أحرم من مسجد ذي الحليفة بعد أن صلى فيه وقال آخرون لم يحرم إلا من بعد أن استوت به راحلته بعد خروجه من المسجد وقال آخرون إنما أحرم حين أطل على البيداء وأشرف عليها وقد أوضح بن عباس المعنى في اختلافهم فأما الآثار التي ذكر فيها أنه أهل حين أشرف على البيداء ف

روى أشعث عن الحسن عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا على جبل البيداء أهل وروى شعبة عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من البيداء وربما قال من المسجد حين استوت به راحلته رواية شعبة لهذا الحديث عن موسى بن عقبة مخالفة لرواية مالك عنه بإسناد واحد وحديث عبيد بن جريج عن بن عمر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهل حتى تنبعث به راحلته وحديث محمد بن إسحاق عن أبي الزناد عن عائشة بنت سعد عن أبيها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استوت به راحلته وإذا أخذ طريق الفرع أهل إذا أشرف على البيداء ففي هذه الآثار كلها الإهلال بالبيداء وهي مخالفة لحديث مالك في هذا الباب وقد ذكر أبو داود وغيره هذه الأحاديث كلها وهي صحيحة وحديث بن عباس يفسر ما أوهم الاختلاف بينها والحمد لله حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن منصور قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعيد قال حدثني أبي عن بن إسحاق قال حدثني خصيف عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوجب حجته فقال إني لأعلم الناس بذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى بمسجده ذي الحليفة ركعتيه أوجبه في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من الركعتين فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه ذلك ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وأدرك ذلك منه أقوام فحفظوا ذلك عنه وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا إنما أهل حين استقلت به ناقته ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وقف

على شرف البيداء أهل وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا إنما أهل على شرف البيداء فمن أخذ من قول بن عباس أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه وفي هذا الباب مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها قال وما هن يا بن جريج قال رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين ورأيتك تلبس النعال السبتيه ورأيتك تصبغ بالصفرة ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهلل أنت حتى يكون في يوم التروية فقال عبد الله بن عمر أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس إلا اليمانيين وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته قال أبو عمر عبيد بن جريج من ثقات التابعين ذكر الحسن الحلواني قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا بن وهب قال حدثني أبو صخر عن بن قسيط عن عبيد بن جريج قال حججت مع بن عمر من بين حج وعمرة اثنتي عشرة مرة قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال

والمذاهب كان في الصحابة موجودا وهو عند العلماء أصح ما يكون في الاختلاف إذا كان بين الصحابة وأما ما أجمع عليه الصحابة واختلف فيه من بعدهم فليس اختلافهم بشيء وإنما وقع الاختلاف بين الصحابه بالتأويل المحتمل فيما سمعوه أو رأوه أو فيما انفرد بعلمه بعضهم دون بعض أو فيما كان منه صلى الله عليه وسلم على طريق الإباحة في فعله لشيئين مختلفين في وقته وفي هذا الحديث دليل على أن الحجة عند الاختلاف سنة وأنها حجة على ما خلفها وليس من خالفها عليها حجة ألا ترى أن بن عمر لما قال له بن جريج رأيتك تصنع أشياء لم يصنعها أحد من أصحابك لم يستوحش من مفارقة أصحابه إذ كان عنده في ذلك علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل له بن جريج الجماعة أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منك ولعلك قد وهمت كما يقول اليوم من لا علم له بل انقاد للحق إذ سمعه وهكذا يلزم الجميع وأما قوله رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين فالسنة التي عليها جمهور الفقهاء وأئمة الفتوى بالأمصار أن ذينك الركنين يستلمان دون غيرهما وروينا عن بن عمر أنه قال ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين الذين يليان الحجر أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم وأما السلف فقد اختلفوا في ذلك فروي عن جابر وأنس وبن الزبير والحسن والحسين رضي الله عنهم أنهم كانوا يستلمون الأركان كلها وعن عروة مثل ذلك وعن جابر بن زيد ومن يتق شيئا من البيت وكان معاوية يستلم الأركان فقال بن عباس لمعاوية ألا تقتصر على استلام الركنين فقال معاوية ليس شيء من البيت مهجورا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن

حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن أبي الطفيل قال حج بن عباس فجعل معاوية يستلم الأركان كلها قال بن عباس إنما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الركنين الأيمنين فقال معاوية ليس من أركانه مهجور أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الطيالسي قال حدثنا ليث بن سعد عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر قال لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين وأما قوله رأيتك تلبس النعال السبتية فهي النعال السود التي ليس فيها الشعر ذكره بن وهب صاحب مالك وقال الخليل السبت الجلد المدبوغ بالقرظ وقال الأصمعي هو الذي ذكره بن قتيبة وقال أبو عمرو الشيباني هو كل جلد مدبوغ وقال أبو زيد جلود البقر خاصة مدبوغة كانت أو غير مدبوغة ولا يقال لغيرها سبت وجمعها سبوت وقال غيره السبت نوع من الدباغ يقلع الشعر وتلبس النعال منها قال أبو عمر لا أعلم خلافا في جواز لباس النعال السبتية في غير المقابر وأما في المقابر فقد جاء فيها عن النبي عليه السلام وعن العلماء ما قد ذكرناه في التمهيد وليس هذا موضع ذكره وأما قوله في حديث مالك ورأيتك تصبغ بالصفرة وقول بن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فإن العلماء اختلفوا في تأويل هذا الحديث فقال قوم أراد الخضاب بها واحتجوا برواية مسدد وغيره عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر قال حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن

بن جريج قال قلت لابن عمر أربع خصال رأيتك تضعهن قال وما هن قلت رأيتك تلبس النعال السبتية ورأيتك لا تستلم غير الركنين اليمانيين ورأيتك تصفر لحيتك وساق الحديث وفيه وأما تصفيري لحيتي فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته وذكر تمام الخبر ومثل ذلك رواية محمد بن إسحاق لهذا الحديث عن سعيد بن أبي سعيد عن عبيد بن جريج قال قلت لابن عمر يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصفر لحيتك قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصفر بالورس فأنا أحب أن أصفر به كما كان يصنع ورواه حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن بن جريج قال رأيت بن عمر يصفر لحيته قلت له رأيتك تصفر لحيتك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته وروى عيسى بن يونس عن عبد الواحد بن زياد عن الحجاج عن عطاء رأيت بن عمر ولحيته صفراء وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث عن الذي ذكرنا عنهم في التمهيد وذكرنا حديث أبي الدرداء أنه قال ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب ولكنه قد كان فيه شعرات بيض فكان يغسلها بالحناء والسدر وقد ذكر بن أبي خيثمة في هذا اخبارا كثيرة وفي هذه أيضا وقال آخرون معنى قول عبيد بن جريج في حديث مالك رأيتك تصبغ بالصفرة أراد أنه كان يصفر ثيابه ويلبس ثيابا صفرا وأما الخضاب فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب واحتجوا بآثار كثيرة قد ذكرنا في هذا الموضع وفي باب ربيعة من التمهيد وفي كتاب الجامع منها ديوان من ذلك كفاية وقد حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد بن سعد قال حدثنا زهير بن معاوية عن حميد الطويل قال سئل أنس بن مالك عن الخضاب فقال خضب أبو بكر بالحناء والكتم فخضب عمر بالحناء قيل له فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء

قال حميد كن سبع عشرة شعرة وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثنا أبي عن قتادة قال سألت سعيد بن المسيب أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يبلغ ذلك وذكر مالك عن نافع عن بن عمر أنه كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق والمصبوغ بالزعفران قال أبو عمر حديث بن عمر هذا يدل على أن قوله في حديث عبيد بن جريج كان في صبغ الثياب بالصفرة لا في خضاب الشعر وأما قوله في الحديث ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى كان يوم التروية فقال بن عمر لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته فإن بن عمر قد جاء بحجة قاطعة نزع بها وأخذ بالعموم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخص مكة من غيرها وقال لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت ومواضع المناسك والشعائر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل واتصل له عمله وقد تابع بن عمر على إهلاله هذا في إهلال المكي من غير أهلها جماعة من أهل العلم ذكر عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس قال لا يهل أحد من مكة بالحج حتى يريد الرواح إلى منى قال بن طاوس وكان أبي إذا أراد أن يحرم من المسجد استلم الركن ثم خرج قال بن جريج وقال عطاء إهلال أهل مكة أن يهل أحدهم حين تتوجه به دابته نحو منى فإن كان ماشيا فحين يتوجه نحو منى وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا في حجتهم مع النبي عليه السلام عشية التروية حين توجهوا إلى منى قال بن جريج وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله وهو يخبر عن

حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال فأمرنا بعد ما طفنا أن نحل قال وإذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى فأهلوا قال فأحللنا من البطحاء وفي هذه المسألة مذهب آخر لعمر بن الخطاب تابعه عليه أيضا جماعة من العلماء سنذكره في باب إهلال أهل مكة إن شاء الله باب رفع الصوت بالإهلال مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن خالد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال يريد أحدهما وذكر أنه سمع أهل العلم يقولون ليس على النساء رفع الصوت بالتلبية لتسمع المرأة نفسها قال مالك لا يرفع المحرم صوته بالإهلال في مساجد الجماعات ليسمع نفسه ومن يليه إلا في المسجد الحرام ومسجد منى فإنه يرفع صوته فيهما قال مالك سمعت بعض أهل العلم يستحب التلبية دبر كل صلاة وعلى كل شرف من الأرض قال أبو عمر في حديث أبي قلابة عن أنس قال سمعتهم يصرخون بهما جميعا والصراخ الصياح وقد أوجب أهل الظاهر رفع الصوت بالتلبية فرضا ولم يوجبه غيرهم وهو عندهم سنة قال مالك يرفع المحرم صوته بالتلبية قدر ما يسمع نفسه وكذلك المرأة ترفع صوتها قدر ما تسمع نفسها

وقال إسماعيل بن إسحاق الفرق بين المسجد الحرام ومسجد منى وبين سائر المساجد في رفع الصوت بالتلبية أن مساجد الجماعة إنما بنيت للصلاة خاصة فكره رفع الصوت فيها وجاءت الكراهية في رفع الصوت فيها عاما لم يخص أحدا من أحد إلا الإمام الذي يصلي بالناس فيها فدخل الملبي في الجملة ولم يدخل في ذلك في المسجد الحرام ومسجد منى لأن المسجد الحرام جعل للحاج وغير الحاج قال الله تعالى سواء العاكف فيه والباد الحج وكان الملبي إنما يقصد إليه فكان له فيه من الخصوص ما ليس في غيرها وأما مسجد منى فإنه للحاج خاصة وقد ذكر أبو ثابت عن بن نافع عن مالك أنه سئل هل ترفع المرأة المحرم صوتها بالتلبية في المساجد بين مكة والمدينة قال نعم قال لا بأس بذلك قال إسماعيل لأن هذه المساجد إنما جعلت للمارين وأكثرهم المحرمون فهم من النوع الذي وصفناه وقال أبو حنيفة والثوري وأصحابهما والشافعي يرفع المحرم صوته بالتلبية عند اصطدام الرفاق والإشراف والهبوط واستقبال الليل في المساجد كلها وقد كان الشافعي يقول بالعراق مثل قول مالك ثم رجع إلى هذا على ظاهر حديث هذا الباب وعمومه لأنه لم يخص فيه موضعا من موضع وكان بن عمر يرفع صوته بالتلبية وقال بن عباس هي زينة الحاج وقال أبو حازم كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم من التلبية وأجمع أهل العلم أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها وإنما عليها أن تسمع نفسها فخرجت من جملة ظاهر الحديث وخصت بذلك وبقي الحديث في الرجال واستبعدهم به من ساعده ظاهره وبالله التوفيق ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم قال كان بن عمر يرفع صوته بالتلبية فلا يأت الروحاء حتى يصحل صوته قال الخليل صحل صوته يصحل صحلا فهو أصحل إذا كانت فيه بحة وأما قوله عن بعض أهل العلم أنه كان يستحب التلبية دبر كل صلاة وعلى كل شرف فهو مستحب عند جميع العلماء لا يختلفون فيه

باب إفراد الحج ذكر فيه مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة وعمرة ومنا من أهل بالحج وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج فأما من أهل بعمرة فحل وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج يحيى وعن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله مالك أنه سمع أهل العلم يقولون من أهل بحج مفرد ثم بدا له أن يهل بعده بعمرة فليس له ذلك قال مالك وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر أما قول عائشة في حديث أبي الأسود خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه من الفقه خروج النساء في شهر الحج مع أزواجهن ولا خلاف في هذا بين العلماء واختلفوا في المرأة لا يكون لها زوج ولا ذو محرم منها هل تخرج إلى الحج دون ذلك مع النساء أم لا وهل للمحرم من الاستطاعة أم لا سنذكر الاختلاف في

ذلك عند قوله عليه السلام لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم وفي حديث عائشة إفراد الحج وإباحة التمتع بالعمرة إلى الحج وإباحة القران وهو جمع الحج مع العمرة ولا خلاف بين العلماء في ذلك وإنما اختلفوا في الأفضل من ذلك وكذلك اختلفوا فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم به محرما في خاصته عام حجة الوداع وأما مالك قال في ذلك بما روي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة وعن الأسود عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وجابر ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال بلغنا أن عمر بن الخطاب قال في قوله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله البقرة قال من تمامها أن تفرد كل واحدة منهما من الأخرى وأن تعمر في غير أشهر الحج فإن الله عز وجل يقول الحج أشهر معلومات البقرة قال أبو عمر الإفراد أحد قولي الشافعي وقول عبد العزيز بن أبي سلمة والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن وبه قال أبو ثور وروى محمد بن الحسن عن مالك أنه قال إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان مختلفان وبلغنا أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين وتركا الآخر فإن في ذلك ذكر له لا أن الحق ما عملا به قال أبو عمر وقد روى الإفراد عن النبي عليه السلام جابر بن عبد الله وطرق حديثه وأثره صحاح عنه وقد ذكرنا منها في التمهيد ما فيه كفاية والحجة أيضا في إفراد الحج حديث بن عيينة عن الزهري عن عروة عن

عائشة في هذا الحديث قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل قالت عائشة فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج الحديث وروى الحميدي عن الدراوردي عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج والأحاديث عن عائشة مضطربة في هذا جدا واستحب آخرون التمتع بالعمرة إلى الحج وقالوا ذلك أفضل وهو مذهب عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وبن الزبير وعائشة أيضا وهو مذهب عطاء بن أبي رباح وأهل مكة وقد روى الثوري عن بن حصين عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أنه قرن الحج مع أبي بكر وعمر رواه عن الثوري عبد الرزاق وغيره قال عبد الرزاق أخبرنا عمر بن ذر قال حججت فأمرني أبي أن أفرد الحج فذهبت مع نفر من مكة فسألنا عطاء بن أبي رباح فأمرني بالمتعة فلقيت عامرا الشعبي فقال هيه يا بن ذر أما اقتاد أهل مكة وما قال لك بن أبي رباح قال ما رأيتهم يعدلون بالمتعة فقال الشعبي أما أنا فحجة عراقية أحب إلي من حجة مكة وبه قال أحمد بن حنبل وهذا أحد قولي الشافعي واحتج القائلون بذلك بحديث الليث عن عقيل عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وساق الهدي معه من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج يتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج قال عقيل قال بن شهاب وأخبرني عروة عن عائشة بمثل خبر سالم عن أبيه في تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج واحتجوا بحديث سعد بن أبي وقاص في المتعة صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه

وبحديث عمران بن حصين تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متعة الحج وبحديث مالك وعبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن حفصة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحل أنت من عمرتك واحتجوا بحديث الثوري عن ليث عن طاوس عن بن عباس قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات وأبو بكر حتى مات وعمر حتى مات وعثمان حتى مات وأول من نهى عنها معاوية قال أبو عمر حديث ليث هذا منكر والمشهور عن عمر وعثمان أنهما كانا لا يريان التمتع ولا القران وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال قال عروة لابن عباس ألا تتق الله ترخص في المتعة فقال بن عباس سل أمك يا عرية فقال عروة أما أبو بكر وعمر فلم يفعلا فقال بن عباس والله ما أراكم بمنتهين حتى يعذبكم الله عز وجل نحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وتحدثونا عن أبي بكر وعمر قال أبو عمر قد كان جماعة من العلماء يزعمون أن المتعة التي نهى عنها عمر رضي الله عنه وضرب عليها فسخ الحج في عمرة فأما التمتع بالعمرة إلى الحج فلا وزعم من صحح نهي عمر عن التمتع أنه إنما نهى عنه لينتجع البيت مرتين أو أكثر في العام وقال آخرون إنما نهى عنها عمر لأنه رأى الناس مالوا إلى التمتع ليسارته وخفته فخشى أن يضيع القران والإفراد وهما سنتان للنبي عليه السلام وروى الزهري عن سالم قال سئل بن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقيل له إنك تخالف أباك فقال إن عمر لم يقل الذي تقولون إنما قال عمر أفردوا الحج من العمرة فإنه أتم للعمرة أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها وقد أحلها الله عز

وجل وعمل بها رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا أكثروا عليه قال كتاب الله بيني وبينكم كتاب الله أحق أن يتبع أم عمر وقال أحمد بن حنبل لا يشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنا والتمتع أحب إلي واحتج في اختيار التمتع بقوله عليه السلام لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وجعلتها عمرة وقال آخرون القران أفضل وهو أحب إليهم منهم أبو حنيفة والثوري وبه قال المزني صاحب الشافعي قال لأنه يكون مؤديا للفرضين جميعا قال إسحاق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع قارنا وهو قول علي بن أبي طالب وجماعة من التابعين وغيرهم قال أبو حنيفة القران أفضل ثم التمتع ثم الإفراد وقال أبو يوسف القران والتمتع سواء وهما أفضل من الإفراد واحتج من استحب القران وفعله بآثار منها حديث بن عباس عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي العقيق أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة ذكره البخاري قال حدثني الحميدي قال حدثنا الوليد وبشر بن بكر التنيسي قالا حدثنا الأوزاعي قال حدثنا يحيى قال حدثنا عكرمة أنه سمع بن عباس أنه سمع عمر فذكره وبحديث الصبي بن معبد عن عمر بن الخطاب قال الصبي أهللت بالحج والعمرة جميعا فلما قدمت على عمر ذكرت ذلك له فقال هديت لسنة نبيك عليه السلام

وهذا الحديث حدثناه سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثنا عبدة بن أبي لبابة وحفظناه عنه غير مرة قال سمعت أبا وائل شقيق بن سلمة يقول كثيرا ما ذهبت أنا ومسروق إلى الصبي بن معبد استذكره هذا الحديث قال الصبي كنت رجلا نصرانيا فأسلمت فخرجت أريد الحج فلما كنت بالقادسية أهللت بالحج والعمرة جميعا فسمعني سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان فقالا لهذا أضل من بعير أهله فكأنما حمل علي بكلمتهما جبل فلقيت عمر بن الخطاب فأخبرته فأقبل عليهما فلامهما ثم أقبل علي فقال هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ومنها حديث حفصة الذي قدمناه وحديث انس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبيك بحجة وعمرة معا رواه حميد الطويل وحبيب بن الشهيد عن بكر المزني قال بكر فحدثت بذلك بن عمر فقال لبى بالحج وحده فلقيت أنسا فحدثته فقال ما تعدوننا إلا صبيانا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك بعمرة وحجة معا وهذا الحديث يعارض ما روي عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع ويحتمل قول بن عمر أنه لبى بالحج وحده أي من مكة وقالت طائفة من العلماء لا يجوز أن يقال في واحد من هذه الوجوه وهي الإفراد والتمتع والقران أنه أفضل من غيره لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباحها كلها وأذن فيها ورضيها ولم يخبر بأن واحدا منها أفضل من غيره ولا أمكن منها العمل بها كلها في حجته التي لم يحج غيرها وبهذا نقول وبالله التوفيق وأما قول مالك أنه سمع أهل العلم يقولون من أهل بحج مفرد ثم بدا له أن يهل بعد بعمرة فليس ذلك له قال مالك وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر اختلف العلماء في إدخال الحج على العمرة والعمرة على الحج

فقال مالك يضاف الحج إلى العمرة ولا تضاف العمرة إلى الحج قال فمن فعل ذلك فليست العمرة بشيء ولا يلزمه لذلك شيء وهو حج مفرد وكذلك من أهل بحجة فأدخل عليها حجة أخرى وأهل بحجتين لم يلزمه إلا واحدة ولا شيء عليه وبهذا قال الشافعي في المشهور من مذهبه وقال ببغداد إذا أهل بحجة فقد قال بعض أصحابنا لا يدخل العمرة عليه والقياس أن أحدهما إذا جاز أن يدخل على الآخر فهما سواء وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يدخل الحج على العمرة ولا يدخل العمرة على الحج قال أبو عمر يحتمل من قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول من قال إفراد الحج أي أمر به وأجازه وجاز أن يضاف ذلك إليه كما قال عز وجل ونادى فرعون في قومه الزخرف أي أمر فنودي وإذا أمر الرئيس بالشيء جاز أن يضاف فعله إليه كما يقال رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنى وقطع في السرقة وتقول العرب حضرت زرعي ونحو ذلك إذا كان ذلك باد فيه والاختلاف هنا واسع جدا لأنه مباح كله بإجماع من العلماء والحمد لله قال أبو حنيفة من أهل بحجتين أو عمرتين لزمتاه وصار رافضا لإحداهما حين يتوجه إلى مكة قال أبو يوسف تلزمه الحجتان فيصير رافضا لإحداهما ساعتئذ قال محمد بن الحسن يقول مالك والشافعي تلزمه الواحدة إذا أهل بهما جميعا لا شيء عليه وقال أبو ثور إذا أحرم بحجة فليس له أن يضم إليها أخرى وإذا أهل بعمرة فلا يدخل عليها حجة ولا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة وفي حديث مالك عن أبي الأسود في أول الباب قوله وأما من جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر ففيه أن من كان قارنا أو مفردا ألا يحل دون يوم النحر وهذا معناه أنه يرمي جمرة العقبة يحل له اللباس وإلقاء التفث كله كل الحيل إلا بطواف الإفاضة فهو الحل كله لمن رمى جمرة العقبة قبل ذلك يوم النحر ضحى ثم طاف الطواف المذكور وهذا لا خلاف فيه

باب القران في الحج مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا وهو ينجع بكرات له دقيقا وخبطا فقال هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة فخرج علي بن أبي طالب وعلى يديه أثر الدقيق والخبط فما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه حتى دخل على عثمان بن عفان فقال أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة فقال عثمان ذلك رأيي فخرج علي مغضبا وهو يقول لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا هذا الحديث منقطع لأن محمد بن علي بن حسين أبا جعفر لم يدرك المقداد ولا عليا وقد روي من وجوه منها ما حدثنا عبد الله بن محمد بن أمية قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال أخبرنا أبو عامر قال حدثنا شعبة عن الحكم قال سمعت علي بن الحسين يحدث عن مروان أن عثمان نهى عن المتعة وأن يجمع الرجل بين الحج والعمرة فقال عمر لبيك بحجة وعمرة معا فقال عثمان أتفعلهما وأنا أنهي عنهما وقال علي لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من الناس ومنها حديث الثوري عن بكير بن عطاء الليثي قال أخبرني حريث بن سليم الفروي قال نهى عثمان عن أن يقرن بين الحج والعمرة فسمعت عليا يقول اللهم لبيك بحجة وعمرة قال عثمان إنك ممن ينظر إليه قال علي وأنت ممن ينظر إليه ذكره عبد الرزاق عن الثوري وذكر بن أبي شيبة قال أخبرني الحكم بن عتيبة عن علي بن حسين عن مروان عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة وأن عليا

فعل ذلك أيضا فعاب ذلك عليه عثمان فقال علي ما كنت لأدع شيئا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله وذكر البخاري قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن الحكم عن علي بن حسين عن مروان بن الحكم قال شهدت عثمان وعليا رضي الله عنهما وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما فلما رأى ذلك علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة وقال ما كنت لأدع سنة النبي عليه السلام لقول أحد قال وحدثنا قتيبة بن محمد عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب قال اختلف علي وعثمان وهما بعسفان فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعا ومما دل على صحة هذا ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا حجاج بن محمد قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال كنت مع علي رضي الله عنه إذ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن قال فأصبت معه أواقي فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد فاطمة قد لبست ثيابا صبيغا ونضحت البيت بنضوح فقال مالك قالت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه أن يحلوا قال قلت لها أني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي كيف صنعت قال قلت له أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال فإني قد سقت الهدي وقرنت وذكر تمام الحديث وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا معاوية بن صالح قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا حجاج بن محمد قال حدثنا يونس بن إسحاق عن أبي إسحاق عن البراء قال كنت مع علي بن أبي طالب على اليمن فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال علي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف صنعت قال أهللت بإهلالك قال فإني سقت الهدي وقرنت

عبد الله بن محمد قال حدثنا بن حمران قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني حجاج بن محمد قال حدثنا ليث بن سعد قال حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن أبي عمران مولى تجيب قال حججت مع موالي فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسمعتها تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج وروى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت عبد الله بن أبي أوفى بالكوفة يقول إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة لأنه علم أنه لا يحج بعدها أبدا ومما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنا من رواية مالك حديثه عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ومعلوم أنه كان معه هدي ساقه صلى الله عليه وسلم ومحال أن يأمر من كان معه هدي بالقرآن ومعه الهدي ولا قارنا وحديث مالك عن نافع عن بن عمر عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم إني قلدت هديا ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر هديي وسيأتي في موضعه إن شاء الله وحديث أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا لبيك عمرة وحجة قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو قلابة قال حدثنا سعيد بن عامر قال حدثني حبيب بن الشهيد عن بكر بن عبد الله المزني عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك حجة وعمرة فذكرت ذلك لابن عمر فقال إنما أهل بالحج فذكرت ذلك لأنس فقال ما يعدونا إلا صبيانا

وحدثني عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب وعارم قالا حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال سمعتهم يصرخون بهما جميعا وذكره البخاري عن معاذ بإسناده وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا نصر بن محمد قال حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا الأشعث أن الحسن حدثهم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة وقرن القوم معه فلما قدموا مكة قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلوا فهاب القوم فقال لولا أن معي هديا لأحللت فحل القوم حتى حلوا إلى النساء قال أبو عمر قوله في هذا الحديث وقرن القوم معه يعني من كان معه هدي منهم وقالوا أحلوا لمن لم يكن معه هدي فهذا بين في هذا الحديث وفي كثير من الأحاديث وحديث حفصة في القرآن وقولها ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي وقلدت هديا فلا أحل حتى أنحر هذا لفظ حديث مالك حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى يعني القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن حفصة قالت قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك قال إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلم أحل حتى أحل من الحج وحديث بن عباس عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني آت من ربي الليلة فقال صل في أصل هذا الوادي المبارك وهو بالعقيق وقل عمرة في حجة

وقول عمر للصبي بن معبد إذ سأله عن قران الحج والعمرة وأنه قرنهما فأنكر ذلك عليه سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان فقال له عمر حين ذكر له ذلك هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم فلهذه الآثار وما كان مثلها رأى علي قران الحج والعمرة وقال لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك حديث مالك عن نافع عن بن عمر عن حفصة وفي حديث هذا الباب ما كان عليه علي رضي الله عنه من التواضع في خدمته لنفسه وامتهانه لها وذلك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لعائشة رضي الله عنها كيف كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته قالت كان يخيط ثوبه ويصلح نعله ويصنع ما يصنع أحدكم في بيته وفيه من الفقه أن من سمع إنكار شيء في الدين يعتقد جوازه عن صحته أن يبينه على من أنكره ويستعين من يعينه على إظهار ما استتر منه وذلك أن المقداد كان قد علم أن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القران وذلك من المباح المعمول به فذكر ذلك لعلي فرأى علي أن يحرم قارنا ليظهر إلى الناس أن الذي نهى عنه عثمان نهي اختيار لا أنه نهي عن حرام لا يجوز ولا عن مكروه لا يحل وخوفا من أن يكون القران يدرس ويفنى لما كان عليه الثلاثة الخلفاء من الاختيار فتضيع سنة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعسى أن يكون علي قد كان يذهب إلى أن القران ليس بدون الإفراد في الفضل أو لعله عنده كان أفضل من الإفراد وقد قدمنا في الباب قبل هذا ذكر القائلين بذلك وذكرنا الآثار التي ورد فيها القران عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال مالك الأمر عندنا أن من قرن الحج والعمرة لم يأخذ من شعره شيئا ولم يحلل من شيء حتى ينحر هديا إن كان معه ويحل بمنى يوم النحر وروايته عن محمد بن عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول

الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع خرج إلى الحج فمن أصحابه من أهل بحج الحديث فقد مضى معنى هذا الحديث في باب إفراد الحج وأما قول مالك في القران فلا خلاف بين العلماء أن القارن لا يحل إلا يوم النحر فإذا رمى جمرة العقبة حل له الحلاق والتفث كله فإذا طاف بالبيت حل كل الحل وقوله حتى ينحر هديا إن كان معه يريد أن القارن إذا لم يجد الهدي فحكمه حكم المتمتع في الصيام وغيره وإحلاله بعد رمي جمرة العقبة كما وصفت له وأما قول مالك أنه سمع أهل العلم يقولون من أهل بعمرة ثم بدا له أن يحج يهل بحج معها فذلك له ما لم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة وقد صنع ذلك عبد الله بن عمر حين قال إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت إلى أصحابه فقال ما أمرهما إلا واحد أشهدكم إني قد أوجبت الحج مع العمرة قال وقد أهل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع بالعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا قال أبو عمر قد احتج مالك لإدخال الحج على العمرة لقول النبي عليه السلام ثم بفعل بن عمر وعليه جمهور العلماء وقد ذكرنا في الباب من شاهد مخالف في ذلك فقال لا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة وهذا قياس في غير موضعه لأنه لا مدخل للنظر مع صحيح الأثر وحمله قول مالك أن الحج يضاف إلى العمرة ولا تضاف العمرة إلى الحج ومن أضاف الحج إلى العمرة فإنما له ذلك ما لم يطف بالبيت على ما قاله مالك فإن طاف فلا يفعل حتى

يحل من عمرته فإن فعل بفعله باطل ولا شيء عليه ومن أضاف الحج إلى العمرة وقد ساق هديا لعمرته فيستحب له مالك أن يهدي معه هديا آخر قال فإن لم يفعل جزى ذلك عنه وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز إدخال العمرة على الحج ومن أدخل الحج على العمرة قبل الطواف لها كان قارنا ومن أدخلها عليها بعد الطواف لها أمر أن يرفض عمرته وعليه دم لرفضها عمرة مكانها وقال الشافعي إذا أخذ المعتمر في الطواف فطاف لها شوطا أو شوطين لم يكن له إدخال الحج عليها فإن أحرم بالحج في ذلك الوقت لم يكن له إحراما حتى يفرغ من عمل العمرة باب قطع التلبية يعني في الحج ذكر فيه مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يلبي في الحج حتى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية قال مالك وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا وذكر عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تترك التلبية إذا رجعت إلى الموقف وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى

إلى الحرم حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يلبي حتى يغدو من منى إلى عرفة فإذا غدا ترك التلبية وكان يترك التلبية في العمرة إذا دخل الحرم وعن بن عمر أنه كان لا يلبي وهو يطوف بالبيت وبعض هذا ذكره بن شهاب عن بن عمر هكذا وعن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تنزل من عرفة بنمرة ثم تحولت إلى الأرك وعن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز غدا يوم عرفة من منى فسمع التكبير عاليا فبعث الحرس يصيحون في الناس أيها الناس إنها التلبية قال أبو عمر أما قوله هما غاديان من منى إلى عرفة فإن ذلك كان يوم عرفة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثنا محمد بن أبي عمر قال حدثنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول من سنة الحج أن يصلي الإمام يوم التروية الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى فإذا طلعت الشمس وارتفعت غدا إلى عرفة قال أبو عمر قائلون إن الحاج جائز له قطع الوقوف قبل الوقوف بعرفة وقبل رمي جمرة العقبة وهو موضع اختلف فيه السلف والخلف فروي عن أنس بن مالك في الموطأ وعن بن عمر في غير الموطأ مثله مرفوعا وعن أنس بن مالك وقد ذكرناه في التمهيد قالوا وإن أخر قطع التلبية إلى زوال الشمس بعرفة فحسن ليس به بأس وروي عن الحسن البصري مثل قول بن عمر

وقال آخرون لا تقطع التلبية إلا عند زوال الشمس بعرفة روي ذلك عن جماعة من السلف وهو قول مالك وأصحابه وأكثر أهل المدينة قال بن شهاب كانت الأئمة أبو بكر وعثمان وعمر وعائشة وسعيد بن المسيب يقطعون التلبية إذا زالت الشمس يوم عرفة قال أبو عمر أما عثمان وعائشة فقد روي عنهما غير ذلك وكذلك سعيد بن المسيب وأما علي بن أبي طالب فلم يختلف عنه في ذلك على ما علمت فيما ذكره مالك في هذا الباب وكذلك أم سلمة كانت تقطع التلبية إذا زالت الشمس يوم عرفة وقد روي عن بن عمر مثل ذلك والرواية الأولى أثبت وهو قول السائب بن يزيد وسليمان بن يسار وبن شهاب وفي المسألة قول ثالث وهو أن التلبية لا يقطعها الحاج حتى يروح من عرفة إلى الموقف وذلك بعد جمعه بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر وهو قريب من القول الذي قبله وروي ذلك عن عثمان وعائشة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيب وغيرهم وفيها قول رابع أن المحرم بالحج يلبي أبدا حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر ثبت ذلك عن النبي عليه السلام وهو قول بن عمر وعبد الله بن مسعود وبن عباس وميمونة وبه قال عطاء بن رباح وطاوس وسعيد بن جبير والنخعي وهو قول جمهور الفقهاء وأهل الحديث منهم سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وبن أبي ليلى والحسن بن حي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وداود والطبري وأبو عبيد إلا أن هؤلاء اختلفوا في شيء من ذلك فقال الثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وأبو ثور يقطعها في أول حصاة يرميها من جمر العقبة

وكذلك كان بن مسعود يفعل يقطع التلبية بأول حصاة من جمرة العقبة يوم النحر وقال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل النظر والأثر لا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة بأسرها قالوا وهو ظاهر الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ولم يقل أحد ممن روى الحديث حتى رمى بعضها وقال بعضهم فيه ثم قطع التلبية في آخر حصاة رواه بن جريج عن عطاء عن بن عباس عن الفضل بن عباس وكان ردف النبي عليه السلام أنه عليه السلام لبى حتى رمى جمرة العقبة قال أبو عمر من تأمل الأحاديث المرفوعة في هذا الباب مثل حديث محمد بن أبي بكر الثقفي عن أنس وحديث بن عمر استدل على الإباحة في ذلك ولذلك اختلف السلف فيه هذا الاختلاف ولم ينكر بعضهم على بعض وقال كل واحد منهم بما ذهب إليه استحبابا لا إيجابا ذكر يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد قال حدثني وبرة قال سألت بن عمر عن التلبية يوم عرفة فقال التكبير أحب إلي وقال طارق بن شهاب أفاض عبد الله بن مسعود من عرفات وهو يلبي فسمعه رجل وقال من هذا أو ليس بحين تلبية فقيل له هذا بن أم عبد فاندس في الناس وذهب فذكر ذلك لعبد الله فجعل يلبي لبيك لبيك عدد التراب فهذا يدل على أن الاختلاف قديم في هذه المسألة وأنه لا ينكره إلا من لا علم له وروى حماد بن زيد عن سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين قال

حججت مع بن الزبير فسمعته يقول يوم عرفة ألا وإن أفضل الدعاء اليوم التكبير وهو على الأفضل عنده وما كان يستحبه لا على دفع ماسواه ذكر بن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن جابر قال يهل ما دون عرفة ويكبر يوم عرفة ومن حجة من قال يلبي الحاج إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى حتى رمى جمرة العقبة وروي عن بن عباس عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق وقال عليه السلام خذوا عني مناسككم أخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا وكيع قال حدثنا بن جريج عن عطاء عن بن عباس عن الفضل بن عباس أن النبي عليه السلام لبى حتى رمى جمرة العقبة وذكر أبو عيسى الترمذي قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا بن أبي عدي عن محمد بن إسحاق قال سأل أبي عكرمة وأنا أسمعه عند الإهلال متى تقطع فقال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رمى الجمرة وعمر وعثمان قال بن إسحاق وأنبأني أبان بن صالح عن عكرمة قال وقفت مع الحسين بن علي بالمزدلفة فلم أزل أسمعه يقول لبيك لبيك فقلت ما هذا الإهلال يا أبا عبد الله فقال سمعت عليا يهل حتى رمى جمرة العقبة وحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل حتى انتهى إليها قال فأتيت بن عباس فسألته وأخبرته بقول الحسين فقال صدق حدثني الفضل بن عباس وكان ردف النبي يومئذ فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يهل حتى رمى جمرة العقبة قال أبو عيسى سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال هو حديث محفوظ واختلف العلماء في التلبية في الطواف للحاج فكان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يلبي إذا طاف بالبيت ولا يرى بذلك بأسا

وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل وكرهه مالك وهو قول سالم بن عبد الله وقال بن عيينة ما رأيت أحدا يقتدى به يلبي حول البيت إلا عطاء بن السائب وقال إسماعيل بن إسحاق الذي نقول به لا يزال الرجل ملبيا حتى يبلغ الغاية التي إليها تكون استجابة وهو الموقف بعرفة عن الشافعي أنه قال لا أحب لمن لبى في الطواف أن يجهر وبالله التوفيق باب إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال يا أهل مكة ما شأن الناس يأتون شعثا وأنتم مدهنون أهلوا إذا رأيتم الهلال وعن هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير أقام بمكة تسع سنين يهل بالحج لهلال ذي الحجة وعروة بن الزبير معه يفعل ذلك قال مالك وإنما يهل أهل مكة وغيرهم بالحج إذا كانوا بها ومن كان مقيما بمكة من غير أهلها من جوف مكة لا يخرج من الحرم قال أبو عمر ما جاء عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير في إهلال أهل مكة اختيار واستحباب ليس على الإلزام والإيجاب لأن الإهلال إنما يجب على من يتصل به عمله في الحج لا على غيره لأنه ليس من السنة أن يقيم المحرم في أهله والأصل في هذا حديث مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر رأيتك تفعل أربعة لم أر أحدا من أصحابك يفعلها فذكر منها ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت إلى يوم التروية فأجابة بن عمر أنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل إلا حين انبعثت به راحلته يريد بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أهل من ميقاته في حين ابتدائه عمل حجته وفي حديث عبيد بن جريج هذا على أن الاختلاف في هذه المسألة قديم بين

السلف وأن بن عمر لم ير أحدا حجة على السنة ولا التفت إلى عمل من عمل عنده بغيرها وإن كان أبوه رضي الله عنه كان يأمر أهل مكة بخلاف ذلك وقد تابع بن عمر في هذه المسألة جماعة منهم بن عباس وغيره ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أبيه عن طاوس عن بن عباس قال لا يهل أحد بالحج من مكة حتى يروح إلى منى قال وأخبرنا بن جريج قال أخبرنا عطاء وجه إهلال أهل مكة حين تتوجه به دابته نحو منى فإن كان ماشيا فحين يتوجه نحو منى قال بن جريج وقال لي عطاء إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلوا في حجتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عشية التروية حتى توجهوا إلى منى قال بن جريج وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يحكي عن حجة النبي عليه السلام قال فأمرنا بعد ما طفنا أن نحل وقال إذا أردتم أن تحلوا إلى منى فانطلقوا قال أبو عمر لما فسخوا حجهم في عمرة وحلوا إلى النساء صاروا كأهل مكة في إطراح الشعث والتفث ومس النساء فإذا كانت السنة فيهم ألا يهلوا إلى يوم التروية فكذلك أهل مكة وهذا خلاف ما روي عن بن عمر وبن الزبير من رواية مالك وغيره ولا وجه لقول عمر عندي إلا الاستحباب كما وصفنا وبالله توفيقنا وقد روي عن بن عمر ما يوافق قول عمر لأهل مكة وفعل بن الزبير ذكره مالك في موطئه أن عبد الله بن عمر كان يهل لهلال ذي الحجة من مكة ويؤخر الطواف بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى وذكر عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع قال أهل بن عمر بحجة حين رأى الهلال من جوف الكعبة ومرة أخرى حين انطلق إلى منى وأخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه أهل بالحج من مكة ثلاث سنوات وعن معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر مثله وعن بن جريج عن مجاهد نحوه قال مجاهد فقلت لابن عمر قد أهللت فينا إهلالا مختلفا قال أما أول عام

فأخذت بأخذ بلدي ثم نظرت فإذا أنا أدخل على أهلي حراما وأخرج حراما وليس كذلك كنا نصنع إنما كنا نهل ثم نجعل على شأننا قلت فبأي شيء تأخذ قال نحرم يوم التروية قال وأخبرنا بن عيينة عن بن جريج عن عطاء قال إن شاء المكي أن لا يحرم بالحج إلا يوم منى يعمل أخبرنا هشام بن حسان قال كان عطاء بن أبي رباح يعجبه أن يهل إذا توجه إلى منى قال وقال عطاء إذا أحرم يوم التروية فلا يطوف بالبيت حتى يروح إلى منى قال هشام وقال الحسن أي ذلك فعل فلا بأس إن شاء أهل حين يتوجه إلى منى وإن شاء قبل ذلك وإذا أهل قبل يوم التروية فإنه يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة يعني إن شاء وليس طوافه ذلك له بلازم ولا سنة لأنه طواف سنة لقادم مكة من غيرها من الآفاق وأما قول مالك في هذا الباب أن المكي لا يخرج من مكة للإهلال ولا يهل إلا من جوف مكة فهذا أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه وليس كالمعتمر عند الجميع لأن الشأن في الحاج والمعتمر أن يجمع بين الحل والحرم فأمروا المعتمر المكي أو من كان بمكة أن يخرج إلى الحل لأن عمرته تنقضي بطوافه بالبيت وسعيه بين الصفا والمروة والحاج لا بد له من عرفة وهي حل فيحصل بذلك له الجمع بين الحل والحرم ولذلك لم يكن الخروج إلى الحل ليهل منه بخلاف المعتمر وأما قول مالك في هذا الباب من أهل من مكة بالحج فليؤخر الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى قال وكذلك صنع عبد الله بن عمر وفعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أهلوا بمكة لم يطوفوا ولم يسعوا حتى رجعوا بمكة فإن ما ذكره عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بن عمر أيضا فالآثار به متواترة محفوظة صحاح وأهل العلم كلهم قائمون به لا يرون على المكي طوافا إلا الطواف المفترض وهو طواف الإفاضة عند أهل الحجاز ويسميه أهل العراق الطواف وأما الطواف الأول وهو طواف الدخول فساقط عن المكي وساقط عن

المراهن الذي يخاف فوت الوقوف قبل الفجر من ليلة النحر ويصل المكي والمراهن طواف الإفاضة بالسعي بين الصفا والمروة لأن الطواف الأول هو الوصول به السعي لمن قدم مكة ودخلها ساعيا أو معتمرا وذكر بن عبد الحكم وغيره عن مالك من أحرم من مكة وطاف وسعى قبل خروجه إلى منى لزمه أن يطوف بعد الرمي والسعي فإن لم يعد الطواف حتى رجع إلى بلده أجزى وأما قول مالك لا يهل الرجل من أهل مكة حتى يخرج إلى الحل فيحرم منه فقد ذكرت لك أن ذلك إجماع من العلماء لا يختلفون فيه والحمد لله لأن العمرة زيارة البيت وإنما يزار الحرم من خارج الحرم كما يزار المزور في بيته من غير بيته وتلك سنة الله في المعتمرين من عباده واختلفوا فيمن أهل بالعمرة من مكة فقالت طائفة يخرج إلى الميقات أو إلى الحل فيحرم منه بعمرة وإن لم يخرج وطاف وسعى فعليه دم لتركه الخروج إلى الحل هذا قول أبي حنيفة وأصحابه وبن القاسم وأبي ثور وهو أحد قولي الشافعي وللشافعي قول آخر انه لا يجزئه وعليه الخروج إلى الحل والإهلال منه بالعمرة وغيرها وهو قول الثوري وأشهب والمغيرة باب ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عباس قال من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي وقد بعثت بهدي فاكتبي إلي بأمرك أو مري صاحب الهدي

قالت عمرة قالت عائشة ليس كما قال بن عباس أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سألت عمرة بنت عبد الرحمن عن الذي يبعث بهديه ويقيم هل يحرم عليه شيء فأخبرتني أنها سمعت عائشة تقول لا يحرم إلا من أهل ولبى عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى رجلا متجردا بالعراق فسأل الناس عنه فقالوا إنه أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد قال ربيعة فلقيت عبد الله بن الزبير فذكرت له ذلك فقال بدعة ورب الكعبة قال أبو عمر قد روى حديث عائشة المسند في أول الباب بن جريج وغيره ورواه أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة ورواه الأسود عن عائشة ومسروق عن عائشة من أئمة أهل الحديث بالكوفة وهو حديث مجتمع على إسناده واختلف في معنى هذا الحديث فقال جماعة من أهل العلم منهم عطاء وسعيد بن جبير إذا قلد الحاج هديه فقد أحرم وحرم عليه ما يحرم على الملبي بالحج وكذلك إذا أشعر هديه واختلفوا في تحليله فمنهم من قال الإحلال كالتقليد والإشعار ومنهم من أباه وقالت طائفة لا يكون محرما إلا من أحرم ولبى كما روي عن عائشة

وقال آخرون إذا نوى بالتقليد الحج أو العمرة فهو محرم وإن لم يلب وهذا كله عنهم في معنى قول الله تعالى فمن فرض فيهن الحج البقرة وكلهم يستحب أن يكون إحرام الحج وتلبيته في حين تقليده الهدي وإشعاره وقالت طائفة منهم بن عمر كقول بن عباس من قلد هديه سواء خرج معه أو بعث به وأقام وهو يفعله يحرم عليه ما يحرم على المحرم وسئل مالك عمن خرج بهدي لنفسه فأشعره وقلده بذي الحليفة ولم يحرم هو حتى جاء الجحفة قال لا أحب ذلك ولم يصب من فعله ولا ينبغي له أن يقلد الهدي ولا يشعره إلا عند الإهلال إلا رجل لا يريد الحج فيبعث به ويقيم في أهله قال أبو عمر يعني حالا وسئل مالك هل يخرج بالهدي غير محرم فقال نعم لا بأس بذلك وسئل أيضا عما اختلف فيه الناس من الإحرام لتقليد الهدي ممن لا يريد الحج ولا العمرة فقال الأمر عندنا الذي نأخذ به في ذلك قول عائشة أم المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بهديه ثم أقام فلم يحرم عليه شيء مما أحله الله له حتى نحر هديه قال أبو عمر في حديث عائشة المسند في هذا الباب من الفقه أن عبد الله بن عباس كان يرى أن من بعث بهدي إلى الكعبة لزمه إذا قلده أن يحرم ويجتنب كل ما يجتنبه الحاج حتى ينحر هديه وتابع عبد الله بن عباس على ذلك عبد الله بن عمر وطائفة منهم قيس بن سعد وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير على اختلاف عنه روى سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال أخبرني قيس بن سعد بن عبادة أن بدنه قلدت ورأسه في حجر جاريته فانتزعه وممن قال بهذا ميمون بن أبي شبيب قال من قلد أو أشعر أو جلل فقد أحرم وروي بمثل ذلك أثر مرفوع من حديث عمر عن النبي عليه السلام وفيه أنهم كانوا يختلفون في مسائل الفقه وعلوم الديانة فلا يعيب بعضهم بعضا بأكثر من رد قوله ومخالفته إلى ما عنده من السنة في ذلك

وفيه ما كانوا عليه من الاهتبال بأمر الدين والكتاب فيه إلى البلدان وفيه عمل أزواج النبي عليه السلام بأيديهن وامتهانهن أنفسهن وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتهن نفسه في عمل بيته فربما خاط ثوبه وخصف نعله وقلد هديه المذكور في هذا الحديث بيده عليه السلام وفيه أن تقليد الهدي لا يوجب على صاحبه الإحرام وهذا المعنى الذي سبق له هذا الحديث وهو الحجة عند الشارع وقد اختلف العلماء في ذلك فقال مالك ما ذكره في موطئه وبه قال الشافعي والثوري وأبو حنيفة والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن والأوزاعي والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود كل هؤلاء يقول بحديث عائشة أن التقليد لا يوجب الإحرام على من لم ينوه هذه جملة أقوالهم وأما تفصيلها ف قال الثوري إذا قلد الهدي فقد أحرم إن كان يريد الحج أو العمرة وإن كان لا يريد ذلك فليبعث بهديه وليقم حلالا وقال الشافعي وأبو ثور وداود ولا يكون أحدا محرما بسياقه الهدي ولا بتقليده ولا يجب عليه بذلك إحرام حتى ينويه ويريده وقال أبو حنيفة من ساق هديا وهو يؤم البيت ثم قلده فقد وجب عليه الإحرام وإن جلل الهدي أو أشعره لم يكن محرما وإنما يكون محرما بالتقليد وقال إن كانت معه شاة فقلدها لم يجب عليه الإحرام لأن الغنم لا تقلد وقال إن بعث بهديه فقلده وأقام حلالا ثم بدى له أن يخرج فخرج واتبع هديه فإنه لا يكون محرما حين يخرج وإنما يكون محرما إذا أدرك هديه وأخذه وسار به وساقه معه وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وإن بعث بهدي لمتعة ثم أقام حلالا أياما ثم خرج وقد كان قلد هديه فهو محرم حين يخرج ألا ترى أنه بعث بهدي المتعة قال أبو عمر روي عن عطاء نحو مذهب بن عباس ومن قال بقوله روى القطان وعبد الرزاق وهشام بن يوسف عن بن جريج قال قال عطاء أما الذي قلد الهدي فقد أحرم قال ومثل التقليد فرض الرجل هديه ثم يقول أنت هدي أو قد أهديتك قال وبمنزلة ذلك المجلل والأشعار

ويحتمل هذا من قول عطاء أن ينوي فعل ذلك أو يتوجه مع هديه قال أبو عمر وأما حديث جابر الذي ذهب إليه من اتبع بن عباس وبن عمر رواه أسد بن موسى وغيره عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة عن عبد الملك بن جابر عن جابر بن عبد الله قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم جالسا فقد قميصه من جنبه حتى أخرجه من رجليه فنظر القوم إلى النبي عليه السلام فقال أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد وتشعر على مكان كذا وكذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي فذهب قوم إلى أن الرجل إذا بعث بهديه وأقام في أهله فقلد الهدي وأشعره أنه يتجرد فيقيم كذلك حتى يحل الناس من حجهم واحتجوا بهذا الحديث وبقول بن عباس في حديث مالك من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج وعبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة شيخ من أهل المدينة روى عنه سليمان بن بلال والدراوردي وداود بن قيس وحاتم بن إسماعيل إلا أنه ممن لا يحتج به فيما ينفرد به فكيف فيما خالفه فيه من هو أثبت منه ولكنه قد عمل بحديثه بعض الصحابة رضي الله عنهم روى معمر عن أيوب عن بن سيرين أن بن عباس بعث بهديه ثم وقع على جارية له فأتى مطرف بن الشخير في المنام فقيل له أئت بن عباس فمره أن يطهر فرجه فأبى أن يأتيه فأتى الليلة الثانية فقيل له مثل ذلك فأبى أن يأتيه فأتى الليلة الثالثة وقيل له قول فيه بعض الشدة فلما أصبح أتى بن عباس فأخبره بذلك فقال بن عباس وما ذلك ثم ذكر فقال إني وقعت على فلانة بعد ما قلدت الهدي فكتب ذلك اليوم الذي وقع عليها فلما قدم ذلك الرجل الذي بعث معه الهدي سأله أي يوم قلدت الهدي فأخبره فإذا هو قد وقع عليها بعد ما قلد الهدي فأعتق بن عباس جاريته تلك وروى بن جريج وأيوب وعبيد الله بمعنى واحد عن نافع عن بن عمر قال إذا قلد الرجل هديه فقد أحرم والمرأة كذلك فإن لم يحج فهو حرام حتى ينحر هديه وروى أبو العالية عن بن عمر خلاف ما روى نافع عنه ذكر معمر عن أيوب عن أبي العالية قال سمعت بن عمر يقول تقولون إذا بعث الرجل الهدي فهو محرم والله لو كان محرما ما كان يدخل دون أن يطوف بالبيت

قال أيوب فذكرته لنافع فأنكره قال أبو عمر اختلف على بن عمر في هذا الباب ولم يختلف على بن عباس ونافع أثبت في بن عمر من أبي العالية وأعلم به وهذا ما لا يختلف أهل العلم بهذا الشأن فيه إلا أن الذي حكاه أبو العالية عن بن عمر قول صحيح في النظر وهو الثابت في الأثر من حديث عائشة عن النبي عليه السلام أنه لم يحرم عليه شيء أحله الله في حين قلد هديه وبعث إلى مكة به وعلى القول بحديث عائشة دون حديث بن أبي لبيبة جمهور أهل العلم وأئمة الفتوى بالأمصار على ما ذكرناه عنهم في هذا الباب وفي حديث عائشة أيضا من الفقه ما يرد حديث أم سلمة عن النبي عليه السلام أنه قال إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره لأن في هذا الحديث النهي من أن يأخذ في العشر من ذي الحجة من ظفره أو من شعره كل من أراد أن يضحي والهدي في حكم الضحية وفي حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تقليده الهدي لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم فهو معارض لأم سلمة وهو أثبت منه وأصح لأن طائفة من أهل العلم من بالنقل تقول إن عمر بن مسلم شيخ مالك مجهول يقول فيه شعبة وبعض أصحاب مالك عن مالك عمرو بن مسلم وكذلك قال فيه سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي عليه السلام وقال فيه بن وهب عن مالك عن عمرو بن مسلم وتابعه جماعة من أصحاب مالك وكذلك قال فيه محمد بن عمر عن عمر بن مسلم بن عمارة بن أكيمة حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عمر بن محمد بن القاسم ومحمد بن أحمد بن كامل ومحمد بن أحمد بن المنصور قالوا حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن عمر عن سعيد بن المسيب عن أم سلمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رأى هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا

ورواه القعنبي وأبو مصعب وأبو بكير عن مالك وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في غير هذا الموضع إلا أنه ليس عند أكثر رواه الموطأ وقد رواه شعبة عن مالك حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن العسكري قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق بن دينار البصري بمصر قال حدثنا بشر بن عمر قال أخبرنا شعبة عن مالك بن أنس عن عمر بن سلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من رأى منكم هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا قال أبو عمر ترك مالك أن يحدث بهذا الحديث في آخر عمره وقاله عنه عمران بن أنس فقال ليس من حديثي قال فقلت لجلسائه فقد رواه عنه شعبة وهو يقول ليس من حديثي وقد اختلف العلماء في القول بهذا الحديث فقال مالك لا بأس بحلق الرأس وقص الأظفار والشارب وحلق العانة في عشر ذي الحجة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري واختلف في ذلك قول الشافعي فمرة قال من أراد الضحية لم يمس في عشر ذي الحجة من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي ومرة قال أحب إلي أن لا يفعل ذلك فإن أخذ من شعره أو أظفاره شيئا فلا بأس لحديث عائشة كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وقال الأوزاعي إذا اشترى أضحيته بعد ما دخل العشر فإنه يكف عن قص شاربه وأظفاره وإن اشتراها قبل أن يدخل العشر فلا بأس وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية بظاهر حديث أم سلمة واختلف عن سعيد بن المسيب في ذلك وروي عنه أنه أفتى بما روي عن أم سلمة في ذلك وروى مالك عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب قال لا بأس بالاطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة وهو أترك لما رواه عن أم سلمة وقد أجمعوا على أنه لا بأس بالجماع في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي وأن ذلك مباح فحلق الشعر والأظفار أحرى أن يكون مباحا قال أبو عمر من الاختلاف في حديث أم سلمة أن بن عيينة رواه عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه يحيى بن سعيد القطان عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد عن أم سلمة موقوفا عليها وكذلك رواه بن وهب قال أنس بن عياض عن الليث عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن قال سمعت سعيد بن المسيب قال قالت أم سلمة فذكره موقوفا على أم سلمة فضعفت طائفة من أهل الحديث هذا وأما أحمد بن حنبل فقال هو صحيح من رواية مالك قال وقد رواه محمد بن عمرو عن شيخ مالك كما رواه مالك قد ذكرنا أن سعيد بن أبي هلال رواه عنه كما رواه مالك ومحمد بن عمرو إلا أنهم اختلفوا في عمر بن مسلم بن أكيمة الليثي وهو بن أخي الذي روى عنه بن شهاب قال أحمد ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي حديث أم سلمة وحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث الهدي لم يحرم عليه شيء فبقي ساكتا ولم يجب وذكرته ليحيى بن سعيد فقال ذاك له وجه وهذا له وجه وحديث أم سلمة لمن أراد أن يضحي بالمصر وحديث عائشة لمن بعث بهديه وأقام قال أحمد وهكذا أقول حديث عائشة هو على المقيم الذي يرسل بهديه ولا يريد أن يضحي بعد ذلك الهدي الذي بعث به فإن أراد أن يضحي لم يأخذ من شعره شيئا ولا من أظفاره على أن حديث أم سلمة هو عندي على كل من أراد أن يضحي في مصره حكى ذلك كله عنه الأثرم قال أبو عمر قد صح أن النبي عليه السلام إذ بعث بهديه لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم وصح أنه كان يضحي صلى الله عليه وسلم ويحض على الضحية ولم يصح عندنا أنه صلى الله عليه وسلم في العام الذي بعث فيه بهديه ولم يبعث بهديه لينحر عنه بمكة إلا سنة تسع مع أبي بكر ولا يوجد أنه لم يضح في ذلك العام والله أعلم والقياس على ما أجمعوا عليه من جواز الإجماع أن يجوز ما دونه من حلاق الشعر وقطع الظفر وبالله عز وجل التوفيق قال أبو عمر صحح الطحاوي حديث أم سلمة هذا وقال به وخالف أصحابه فيه بعد أن ذكر طرقه والاختلاف فيها وقال بعضها يشد بعضا وقال ليس شيخ

مالك بمجهول لأنه قد روى عنه ثلاثة أئمة مالك ومحمد بن عمرو وسعيد بن أبي هلال وقد تابعه على روايته مالك عن سعيد بن المسيب عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ولا يضره توقيف من وقفه إذا رفعه ثقات ولا يضره أن يكون اسمه عمر ومال الطحاوي إلى القول بحديث أم سلمة هذا واحتج له وخالف فيه أصحابه الكوفيين ومالكا ومما ذكره فمن ذلك قال حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة قال حدثنا قتادة عن كثير بن أبي كثير أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان في الرجل إذا اشترى أضحية وسماها ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره فلا يمس منها شيء قال كثير فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال نعم قد أحسن قلت عن من يا أبا محمد قال عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون أو كانوا يفعلون ذلك وأما قول بن الزبير في الذي تجرد حين أمر بهديه أن يقلد بدعة ورب الكعبة وقال الطحاوي محتجا لأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد لا يجوز أن يكون عندنا حلف الزبير على ذلك أنه بدعة إلا وقد علم أن السنة على خلاف ذلك وأما بن عباس فإنما اعتمد على حديث جابر المذكور وقد ذكرنا علة إسناده ولو علم به بن الزبير لم يقسم وأما قول مالك أنه لا يحب لأحد قلد هديه بذي الحليفة أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة فإن الهدي لما كان محل هديه محله وذلك يوم النحر وكذلك ينبغي أن يكون إحرامه مع تقليده له وهذا ما لا خلاف فيه وهي السنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلد هديه ثم أحرم وقال لا أحل حتى أنحر الهدي ولا يختلف العلماء أن الهدي ولا كل من كان ميقاته ذا الحليفة أنه ليس له أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة وإنما يؤخر إحرامه إلى الجحفة المغربي والشامي على أنه يستحب له إذا مر بذي الحليفة أن يحرم منها

باب ما تفعل الحائض في الحج مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول المرأة الحائض التي تهل بالحج أو العمرة أنها تهل بحجها أو عمرتها إذا أرادت ولكن لا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة وهي تشهد المناسك كلها مع الناس غير أنها لا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ولا تقرب المسجد حتى تطهر قال أبو عمر ما قاله بن عمر رضي الله عنه نقله جماعة العلماء وهي السنة المأثورة عن أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي نفساء أن تغتسل ثم تهل بالحج أو العمرة غير أن لا تطوف بالبيت وأمر عائشة وغيرها من نسائه لما حاضت أن تفعل ما يفعله الحاج غير الطواف بالحج وأما قول بن عمر في هذا الحديث وما بين الصفا والمروة فإنما ذلك من أجل أن السعي بين الصفا والمروة بالطواف لا فصل بينهما والطواف لا يكون عند الجميع إلا على طهارة وإن كانوا قد اختلفوا في حكم من فعله على غير طهارة ولا يوجبونها شرطا فيه كما هو عندهم في الطواف لأنهم لم يختلفوا فيمن طاف على طهارة فلما أكملها انتقضت طهارته أنه يهدي هديا صحيحا فالطواف لو ترك كان بالهدي أولى وفي هذا الخبر وما كان مثله دليل على أن الحائض لا تقرأ القرآن وفي القياس ولا شيئا منه لأنها لو قرأت القرآن صلت ولو صلت دخلت المسجد وعلى هذا أكثر العلماء وهي رواية أشهب عن مالك وهو الصواب وبالله التوفيق

باب العمرة في أشهر الحج مالك انه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا عام الحديبية وعام القضية وعام الجعرانة وهذا الحديث يتصل من وجوه قد ذكرناها في التمهيد وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن بن شهاب قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر اعتمر من الجحفة عام الحديبية فصده الذين كفروا في ذي القعدة سنة ست واعتمر في العام المقبل في ذي القعدة سنة تسع آمنا هو وأصحابه ثم اعتمر الثالثة في ذي القعدة سنة ثلاث حين أقبل من الطائف من الجعرانة ورواه معمر عن الزهري مثله سواء إلا أنه قال أربع منهن واحدة مع حجته وهذا يشهد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حجته قارنا عنده وذهب إلى هذا جماعة غيره وقال بن شهاب أيضا في الثلاث العمر كلهن في ذي القعدة وعروة بن الزبير يقول اثنتان في ذي القعدة وواحدة في شوال ذكره مالك في هذا الباب عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر إلا ثلاثا إحداهن في شوال واثنتين في ذي القعدة وقد روي حديث عروة هذا مسندا ذكرناه في التمهيد كذلك من وجوه أحدها من كتاب أبي داود قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال حدثنا داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال وقد روي بمثل ما قال بن شهاب أن عمرة كلها كانت في ذي القعدة إلا عمرته التي كانت مع حجته آثار مرفوعة حسان من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره وقد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد

وذكر البزار قال حدثنا محمد بن معمر قال حدثنا سهل بن بكار قال حدثنا وهيب عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير وطلق بن حبيب وأبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا كلها في ذي القعدة إحداهن زمن الحديبية والأخرى في صلح قريش والأخرى مرجعه من الطائف ومن حنين من الجعرانة أخبرنا عبد الوارث بن سفيان وعمر بن حنين قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا جرير عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد وإذا بن عمر جالس إلى حجرة عائشة فسألناه كم اعتمر النبي عليه السلام فقال أربعا إحداهن في رجب وكرهنا أن نرد عليه فقلنا يا أم المؤمنين أما تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن فقالت وما يقول قال يقول اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب قالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط وحدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن زكريا عن أبي إسحاق عن البراء قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر وفي هذا الباب مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أن رجلا سأل سعيد بن المسيب فقال أأعتمر قبل أن أحج فقال سعيد نعم قد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج وعن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا سلمة استأذن عمر بن الخطاب أن يعتمر في شوال فإذن له فاعتمر ثم قفل إلى أهله ولم يحج قال أبو عمر الحج والعمرة نسكان لا يختلف العلماء في ذلك أن المستطيع السبيل إليهما يبدأ بأيهما شاء وقد جاء ذلك عن جماعة من السلف ذكر عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كثير بن

أفلح قال سئل زيد بن ثابت عن رجل اعتمر قبل أن يحج فقال صلاتان لا يضرك بأيهما بدأت قال الحسن وقال هشام نسكان لا يضرك بأيهما بدأت وعن معمر عن أيوب عن بن سيرين عن زيد بن ثابت مثله وعن الثوري عن سليمان التيمي عن سعيد الجريري عن حيان بن عمير قال سألت بن عباس فذكر مثله والحجة ما قاله سعيد بن المسيب لمسائله قد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا إسحاق الأزرق قال حدثنا زكريا عن أبي إسحاق عن البراء قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحج قال أبو عمر إنما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحج على ما ذكره في شهور الحج على ما ذكره العلماء كبراء أصحابه أن العمرة في شهور الحج جائزة خلافا لما كان عليه المشركون في جهالتهم ولذلك استأذن والله أعلم عمر بن أبي سلمة عمر بن الخطاب أن يعتمر في شوال ليقف على ما في ذلك عمر لأنه لم يكن ممن حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم لصغر سنه إلا قليلا وكان سفيان بن عيينة يقول معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة لم يرد به فسخ الحج وإنما أراد جواز عمل العمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة مفردة ويستمتع بها إلى الحج وأن يقرن مع الحج كل ذلك جائز إلى يوم القيامة وهو قول حسن جدا باب قطع التلبية في العمرة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم قال مالك فيمن أحرم من التنعيم إنه يقطع التلبية حين يرى البيت

قال يحيى سئل مالك عن الرجل يعتمر من بعض المواقيت وهو من أهل المدينة أو غيرهم متى يقطع التلبية قال أما المهل من المواقيت فإنه يقطع التلبية إذا انتهى إلى الحرم قال وبلغني أن عبد الله بن عمر كان يصنع ذلك قال أبو عمر اختلف العلماء في قطع التلبية في العمرة فقال مالك ما ذكره في موطئه على ما ذكرناه وأضاف قوله ذلك إلى بن عمر وعروة بن الزبير وقال الشافعي يقطع المعتمر التلبية في العمرة إذا افتتح الطواف وقال مرة يلبي المعتمر حتى يستلم الركن وهو شيء واحد وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يزال المعتمر يلبي حتى يفتتح الطواف قال أبو عمر لأن التلبية استجابة لما ذكر إليه فرضا أو ندبا فإذا وصل إلى البيت قطع الاستجابة والله أعلم وهؤلاء كلهم لا يفرقون بين المهل بالعمرة بعيد أو قريب باب ما جاء في التمتع مالك عن بن شهاب عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب أنه حدثه انه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك بن قيس لا يفعل ذلك إلا من جهل أمر الله عز وجل فقال سعد بئس ما قلت يا بن أخي فقال الضحاك فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك فقال سعد قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه قال أبو عمر قد ذكرنا سعد بن أبي وقاص الزهري والضحاك بن قيس الفهري في كتاب الصحابة بما يجب من ذكرهما وذكرنا محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي وإخوته في التمهيد

في هذا الحديث ذكر التمتع بالعمرة إلى الحج والتمتع على أربعة أوجه ومعان أحدها التمتع المعروف عند عامة العلماء وهو ما أورد مالك بعد في هذا الباب من موطئه عن عبد الله بن دينار عن بن عمر فبين به معنى التمتع عنه فقال إنه كان يقول من اعتمر في أشهر الحج شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة قبل الوقفة ثم أقام بمكة حتى أدركه الحج فهو متمتع إن حج وعليه ما استيسر من الهدي فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع قال أبو عمر ما ذكره مالك في هذا الحديث عن عبد الله بن دينار عن بن عمر لا اختلاف بين العلماء أنه التمتع المراد بقوله عز وجل فمن تمتع بالعمرة إلى الحج البقرة إلا أنه قصر فيه وأجمل ما فسر فيه معنى التمتع عند الجميع إن شاء الله فمن ذلك قوله إن حج يعني في عامة ذلك ويحتاج مع ذلك أن يكون من غير أهل مكة فيكون مسكنه وأهله من وراء المواقيت إلى سائر الآفاق فإذا كان كذلك وطاف بعمرة لله وسعى لها في أشهر الحج بعد أن يكون إحرامه كما قال بن عمر في أشهر الحج وحل من عمرته بالسعي لها بين الصفا والمروة قبل أوان عمل الحج ثم أنشأ الحج من مكة بعد حله فحج من عامه فهذا متمتع عند جماعة العلماء فإن أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج وطاف لها في أشهر الحج فهو موضع اختلاف وسنذكر في هذا الباب بعد الفراغ من الكلام في معنى حديث سعد والضحاك وما للعلماء من المذاهب في وجوه التمتع إن شاء الله ومن معنى التمتع أيضا القران عند جماعة من الفقهاء لأن القارن يتمتع بسقوط سفره الثاني من بلده كما صنع المتمتع في عمرته إذا حج من عامه ولم ينصرف إلى بلده فالتمتع والقران يتفقان في هذا المعنى وكذلك يتفقان عند أكثر العلماء في الهدي والصيام لمن لم يجد هديا منها وأما قول الضحاك بن قيس في التمتع إنه لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله فإنه لم يكن عنده علم في سبب نهي عمر عن التمتع

وفي إنكار سعد على الضحاك قوله دليل على أن العالم يلزمه إنكار ما سمعه من كل قول يضاف به إلى العلم ما ليس بعلم إنكارا فيه رفق وتوءدة ألا ترى قول سعيد له ليس ما قلت يا بن أخي فلما أخبره الضحاك أن عمر نهى عنها لم ير ذلك حجة لما كان عنده حجة من السنة وقال صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه وكذلك قال عمران بن حصين نزل القرآن بالتمتع وصنعناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قال رجل بدا له ما شاء قال أبو عمر يعني عمر رضي الله عنه وقد كان بن عمر يخالف أباه في ذلك فكان يقول ما ذكره مالك في هذا الباب عن صدقة بن يسار عنه قال والله لأن أعتمر قبل الحج وأهدى أحب إلي أن أعتمر بعد الحج قال أبو عمر التمتع الذي قدمنا ذكره عن جمهور العلماء وأئمة الفتوى ثم القران وجهان من التمتع والوجه الثالث هو فسخ الحج في عمرة وجمهور العلماء يكرهونه وقد ذكرنا من مال إليه وقال به في غير هذا الباب من هذا الكتاب والوجه الرابع ما ذهب إليه بن الزبير أن التمتع هو تمتع المحصر وهو محفوظ عن بن الزبير من وجوه منها ما رواه وهيب قال حدثنا إسحاق بن سويد قال سمعت عبد الله بن الزبير وهو يخطب ويقول يا أيها الناس إنه والله ليس التمتع بالعمرة إلى الحج كما تصنعون ولكن التمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج الرجل حاجا فيحبسه عدو أو أمر يعذر به حتى تذهب أيام الحج فيأتي البيت ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحل ثم يتمتع بحله إلى العام المقبل ثم يحل ويهدي وأما نهي عمر بن الخطاب عن التمتع فإنما هو عندي نهي أدب لا نهي تحريم لأنه كان يعلم أن التمتع مباح وأن القران مباح وأن الإفراد مباح فلما صحت عنده الإباحة والتخيير في ذلك كله اختار الإفراد فكان يحض على ما هو المختار عنده ولهذا كان يقول أفصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج

وهذا قد خالفه فيه جماعة من الصحابة القائلين بالتمتع وبالقران أيضا واختاروهما على الإفراد فمن حجة من اختار التمتع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة والصحيح عندي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم ينه عن التمتع المذكور في هذا الباب لأنه كان أعلم بالله ورسوله من أن ينهي عما أباحه الله في كتابه وأباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به وأذن فيه وإنما نهى عمر عند أكثر العلماء عن فسخ الحج في العمرة فهذه العمرة التي تواعد عليها عمر وفيها روي الحديث عنه أنه قال متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج يعني فسخ الحج في العمرة وعلى أن فسخ الحج في العمرة لا يجوز عند اكثر علماء الأمة من الصحابة ومن بعدهم لقول الله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله البقرة يعني لمن دخل فيه ولا أعرف من الصحابة من يجيز فسخ الحج في العمرة بل خص به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم روي عن عثمان بن عفان أنه قال متعة الحج كانت لنا ليست لكم يعني أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة بفسخ الحج في العمرة وقال أبو ذر ما كان لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخ بعمرة وروى ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه قال قلت يا رسول الله أفسخ الحج لنا خاصة أم لمن بعدنا فقال بل لنا خاصة

وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في التمهيد ونذكرها في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله وأما قول سعد قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه فإن ظاهره يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متمتعا وهذا قد روي فيه من الآثار ما ذكرنا في باب الإفراد ولا يصح عندي أن يكون متمتعا إلا تمتع قران لأنه لا خلاف بين العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل من عمرته حين أمر أصحابه أن يحلوا ويفسخوا حجهم في عمرة فإنه أقام محرما من أجل هدية إلى محل الهدي يوم ينحر وهذا حكم القارن لا حكم المتمتع وقد تأول من قال بالإقران قوله صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد هذا وفيه حديث عمران بن حصين المذكور وفي قول بن عمر تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج وساق الهدي أن ذلك كله أضافوه إليه لأمره به فأشار به لا أنه يعلمه في خاصة نفسه كما قالوا رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاني المحصن وقطع السارق ونحو ذلك وهذا اعتلال غير صحيح لأنه يلزمهم مثله في رواية من قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج أي أباحه وأذن فيه ولم يفعله في خاصته ولكل واحد منهم حجج يدعو بها يطول ذكرها وقد ذكرنا أصولها وعيونها في التمهيد وفي مواضع من هذا الكتاب وفي هذا الباب قال مالك في رجل من أهل مكة انقطع إلى غيرها وسكن سواها ثم قدم معتمرا في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى أنشأ الحج منها إنه متمتع يجب عليه الهدي أو الصيام إن لم يجد هديا وأنه لا يكون مثل أهل مكة قال أبو عمر لا خلاف بين أهل العلم فيما ذكره مالك في هذه المسألة إلا شذوذ لا يعرج عليه ولا التفت أحد من الفقهاء إليه إذا لم يكن له أهل بمكة وقد ذكرناه وذكر أنه سئل عن رجل من غير أهل مكة دخل مكة بعمرة في أشهر الحج وهو يريد الإقامة بمكة ينشئ الحج أامتمتع هو فقال نعم هو متمتع وليس هو مثل أهل مكة وإن أراد الإقامة وذلك أنه دخل مكة وليس هو من أهلها وإنما الهدي أو الصيام على من لم يكن من أهل مكة وأن هذا الرجل يريد الإقامة ولا يدري ما يبدو له بعد ذلك

قال أبو عمر قد احتج مالك لمسألته هذه بقوله أنه يريد الإقامة ولا يدري ما يبدو له يعني أنه لا يكون مكيا إلا حتى يصبح استيطانه وسكنه بمكة أقل ذلك عام لأنه رجل من غير أهل مكة دخل مكة معتمرا وحكم التمتع إنما جعله الله تعالى لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام وهذا لا خلاف فيه إلا في حاضري المسجد الحرام منهم وسنذكر ذلك فيما بعد من هذا الباب إن شاء الله وفي هذا الباب مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول من اعتمر في شوال أو ذي العقدة أو في ذي الحجة ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج فهو متمتع إن حج وما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع قال أبو عمر قول سعيد هذا قد تقدم في معنى قول بن عمر وقول مالك ولا مدخل للقول فيه إلا أنه لم يستثن من كان أهله حاضري المسجد الحرام الذين لازم عليهم أن يتمتعوا هم أهل مكة وأهل الوادي ذي طوى وما كان من ذلك مثل مكة وقال الثوري هم أهل مكة دون غيرهم وقال أبو حنيفة هم أهل المواقيت ومن بعدهم إلى مكة ومن اعتمر عند أبي حنيفة وأصحابه من المواقيت أو من دونها إلى مكة ثم حج من عامه فليس بمتمتع ولا هدي عليه وقال مكحول من كان منزله وأهله دون المواقيت إلى مكة فهو من حاضري المسجد الحرام وأما أهل المواقيت فهم كسائر أهل الآفاق وروي ذلك عن عطاء وهو قول الشافعي بالعراق وقال الشافعي بمصر حاضرو المسجد الحرام من كان بينه وبين مكة ليلتان وذلك أدنى المواقيت ومن كان له ساق من منزله إلى مكة لم يجز له أن يقصر الصلاة وهو قول عطاء في اعتبار ما تقصر فيه الصلاة قال وأما ضجنان وعرفة والنخلتان والترجيع ومر الظهران فأهلها من حاضري المسجد الحرام

وقال طاوس ومجاهد من كان ساكن الحرم فهو من حاضري المسجد الحرام وإليه ذهب طاوس وأهل العلم وقال أبو حنيفة حاضرو المسجد الحرام ليس لهم أن يتمتعوا ولا أن يقرنوا وروي مثل ذلك عن الحسن البصري وجماعة من التابعين وبه قال أبو عبيد وقال مالك لا أحب على أن يقرن بين الحج والعمرة ولا أعلم أن مكيا قرن وقال بن الماجشون على أهل مكة الدم متى قرنوا ولا دم عليهم إن تمتعوا باب ما لا يجب فيه التمتع قال مالك من اعتمر في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة ثم رجع إلى أهله ثم حج من عامه ذلك فليس عليه هدي إنما الهدي على من اعتمر في أشهر الحج ثم أقام حتى الحج ثم حج وكل من انقطع إلى مكة من أهل الآفاق وسكنها ثم اعتمر في أشهر الحج ثم أنشأ الحج منها فليس بمتمتع وليس عليه هدي ولا صيام وهو بمنزلة أهل مكة إذا كان من ساكنيها سئل مالك عن رجل من أهل مكة خرج إلى الرباط أو إلى سفر من الأسفار ثم رجع إلى مكة وهو يريد الإقامة بها كان له أهل بمكة أو لا أهل له بها فدخلها بعمرة في أشهر الحج ثم أنشأ الحج وكانت عمرته التي دخل بها من ميقات النبي صلى الله عليه وسلم أو دونه أمتمتع من كان على تلك الحالة فقال مالك ليس عليه ما على المتمتع من الهدي أو الصيام وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام البقرة قال أبو عمر أما قول مالك فليس عليه هدي يريد أنه ليس بمتمتع فلذلك لم يلزمه الهدي ولو كان متمتعا للزمه الهدي في التمتع عند جمهور العلماء هذا الذي لا يرجع إلى بلده ويحج من عامه وروي عن الحسن في ذلك خلاف ما عليه الجمهور وذلك أنه قال عليه الهدي حج أو لم يحج رجع إلى بلده أو لم يرجع لأنه كان يقول عمرة في أشهر الحج متعة

وروى شعبة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمرون في أشهر الحج ثم يرجعون فلا يهدون فقلت لسعيد بن المسيب فإن حج من عامه فقال فعليه الهدي قال قتادة وقال الحسن عليه الهدي حج أو لم يحج وروى هشيم بن بشير عن الحسن مثله قال عليه الهدي حج أو لم يحج وروى أشعث عن الحسن قال من اعتمر في أشهر الحج ثم رجع إلى أهله ثم حج من عامه ذلك فعليه هدي لأنه كان يقال عمرة في أشهر الحج متعة وروى هشيم عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال من اعتمر في أشهر الحج ثم أقام حتى يحج فهو متمتع وعليه الهدي فإن رجع إلى مصره ثم حج من عامه فلا شيء عليه قال أبو عمر على قول سعيد هذا فقهاء الأمصار وجمهور العلماء وقد روي عن طاوس في التمتع قولان هما أشد شذوذا مما ذكرنا عن الحسن أحدهما أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى الحج ثم حج من عامه فهو متمتع وهذا لم يقله أحد من العلماء غيره فيما علمت وذلك والله أعلم أن شهور الحج أحق بالحج من العمرة لأن العمرة جائزة في السنة كلها والحج إنما موضعه أشهر معلومات فإذا جعل أحد العمرة في أشهر الحج ولم يحج العام فقد جعل العمرة في عام كان الحج أولى بها ثم رخص الله عز وجل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في العمرة في أشهر الحج للمتمتع وللقارن ولمن شاء أن يفردها في أشهر الحج والقول الآخر قاله في المكي إذا تمتع من مصر من الأمصار فعليه الهدي وهذا لم يعرج عليه أحد لظاهر قول الله عز وجل ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام البقرة وأوجب القول فيمن أنشأ عمرة في غير أشهر الحج ثم عملها في أشهر الحج ثم حج من عامه ذلك ف قال مالك عمرته في الشهر الذي حل فيه يريد إن كان حل منها في غير أشهر الحج فليس بمتمتع وإن كان حل منها في أشهر الحج فهو متمتع إن حج من عامه وقال الثوري إذا قدم الرجل معتمرا في شهر رمضان وقد بقي عليه منه يوم أو

يومان فلم يطف لعمرته حتى رأى هلال شوال فكان إبراهيم يقول هو متمتع وأحب إلي أن يهريق دما وقال أبو حنيفة وأصحابه إن طاف للعمرة ثلاثة أشواط في رمضان وأربعة أشواط في شوال كان متمتعا وإن طاف لها أربعة في رمضان وثلاثة في شوال لم يكون متمتعا قال الشافعي إذا طاف بالبيت في أشهر الحج بالعمرة فهو متمتع إن حج من عامه ذلك وذلك أن العمرة إنما تكمل بالطواف بالبيت وإنما ينظر إلى كمالها وقال أبو ثور إذا دخل في العمرة في غير أشهر الحج فبدأ الطواف لها في رمضان أو في شوال لا يكون متمتعا واختلفوا في وقت وجوب الهدي على المتمتع ف ذكر بن وهب عن مالك أنه سئل عن المتمتع بالعمرة إلى الحج يموت بعد ما يخرج بالحج بعرفة أو غيرها أترى عليه هديا قال من مات من أولئك قبل أن يرمي جمرة العقبة فلا أرى عليه هديا ومن رمى ثم مات فعليه الهدي قيل له فالهدي من رأس المال أو من الثلث قال بل من رأس المال وقال الشافعي إذا أحرم بالحج فقد وجب عليه دم المتعة إذا كان واجدا لذلك ذكره الزعفراني عنه وهو قول الكوفيين وقال ربيعة إذا أهل المتمتع بالحج ثم مات من ساعته أو قبل أن يصوم ففيه قولان أحدهما أن عليه دم المتعة لأنه دين عليه ولا يجوز أن يصام عنه والآخر أنه لا دم عليه لأن الوقت الذي قد وجب عليه الصوم قد مات فيه واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم أن المتمتع إذا لم يجد هديا صام ثلاثة أيام إذا أحرم بالحج إلى آخر يوم عرفة وهو قول أبي ثور وقال عطاء لا بأس أن يصوم المتمتع في العشر وهو حلال قبل أن يحرم وقال مجاهد وطاووس إذا صامهن في أشهر الحج أجزاه وقال مالك إن صام بعد إحرامه بالعمرة وهو يريد أن يتمتع بالعمرة إلى الحج لم يجزه ولكن يصوم ما بين إحرامه بالحج إلى يوم عرفة

وهو قول الشافعي وروي عن عائشة وبن عمر مثل ذلك وقال الثوري وأبو حنيفة إن من صام بعد إحرامه بالعمرة أجزاه وقال زفر إذا بدأ بالحج فأحرم به وهو يريد أن يضيف إليه عمرة فصام قبل إحرامه للعمرة أجزاه وقال أبو يوسف إن بدأ بإحرام العمرة فصام قبل إحرام الحج أجزاه وإن بدأ بإحرام الحج فصام قبل إحرام العمرة يجزيه وقال الحسن بن زياد إن أحرم بالعمرة لم يجزه الصوم حتى يحرم بالحج وهو قول عمرو بن دينار وقال عطاء لا يصوم حتى يقف بعرفة وأجمعوا على أن الصوم لا سبيل للمتمتع إليه إذا كان يجد الهدي فلا يصم الثلاثة الأيام قبل يوم النحر فقال مالك يصومها في أيام التشريق فإن فاته ذلك صام عشرة أيام إذا رجع إلى بلاده وأجزاه وإن وجد هديا بعد رجوعه وقبل صومه أهدى قبل أن يصوم وقال أبو حنيفة إذا لم يصم الثلاثة الأيام في الحج لم يجزه الصوم بعد وكان عليه هديان هدي لمتعتة أو قرانه وهدي لتحلله من غير هدي ولا صيام وقال سفيان الثوري إذا لم يصم الثلاثة الأيام في الحج ولا سبيل إلى الصيام بعد وقال الأوزاعي لا يقضى يوم النحر حتى يهدي أو يصوم فإن لم يهد حتى رجع إلى بلاده فعليه هدي ويصوم عشرة أيام في بلده ويهدي إن وجد وعن الشافعي قولان أحدهما قول مالك والآخر كقول أبي حنيفة واختلف قوله في صيام أيام منى للمتمتع إذا لم يجد الهدي فقال بالعراق يصومها كقول مالك وقال في مصر لا يصومها أحد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها واختلفوا فيه إذا كان غير واجد للهدي فصام ثم وجد الهدي قبل كمال صومه ف ذكر بن وهب عن مالك قال إذا دخل في الصوم فإن وجد هديا فأحب إلي أن يهدي فإن لم يفعل أجزاه الصيام

وذكر بن عبد الحكم وغيره عن مالك في هذا الباب أن المتظاهر والحالف إن دخل أحدهم في الصيام ثم وجد المتمتع الهدي أو وجد المتظاهر الرقبة والحالف ما يطعم أو يكسو أن كل واحد منهما بالخيار بعد دخوله في الصوم أنه إن شاء فادى في الصوم وإن شاء رجع إلى ما كان عليه وقال أبو حنيفة والثوري لا يجزئ الصوم واحدا منهم إذا وجد قبل أن يتم صومه وهو قول عطاء وعثمان البتي والحسن بن صالح وقال الشافعي يمضي في صومه وهو فرضه كما يمضي في الصلاة بالتيمم إذا طرأ عليه الماء وهو فيها وهو قول أبي ثور وقال أبو حنيفة إذا أيسر المتمتع في يوم الثلاث من صومه يصل الصوم ووجب الهدي فإن صام ثلاثة أيام في الحج كاملة ثم أيسر كان له أن يصوم السبعة الأيام ولا يرجع إلى الهدي وقال إبراهيم النخعي إذا وجد ما يذبح قبل أن يحل من حجه فليذبح وإن كان قد صام لم يجد ما يذبح حتى يحل فقد أجزاه الصوم وقال عطاء إن صام ثم وجد ما يذبح فليذبح حل أو لم يحل ما كان في أيام التشريق واختلفوا فيما على من فاته صوم الثلاثة الأيام قبل يوم النحر ف ذكر بن وهب عن مالك قال من نسي صوم الثلاثة الأيام في الحج أو مرض فيها فإن كان بمكة فليصم الثلاثة الأيام فيها وليصم إذا رجع إلى أهله سبعة وإن كان رجع إلى أهله فليهد إن قدر فإن لم يقدر فليصم ثلاثة وسبعة بعدها وهو قول أبي ثور وتحصيل مذهبه إنه إذا قدم بلده ولم يصم ثم وجد الهدي لم يجزه الصوم ولا يصوم إلا إذا لم يجد هديا وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا انقضى يوم عرفة ولم يصم الثلاثة الأيام فعليه دم واتفق مالك وغيره والشافعي وأبو حنيفة والثوري وأبو ثور على أن المتمتع يطوف لعمرته بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة وعليه بعد ذلك طواف آخر لحجه وسعي آخر بين الصفا والمروة

وروي عن عطاء وطاوس ومجاهد أنه يكفيه سعي واحد بين الصفا والمروة واختلفوا في حكم المتمتع الذي يسوق الهدي ف قال مالك إن كان متمتعا حل إذا طاف وسعى ولا ينحر هديه إلا بمنى إلا أن يكون مفردا للعمرة فإن كان مفردا للعمرة نحره بمكة وإن كان قارنا نحره بمنى ذكره بن وهب وغيره عن مالك وقال مالك من أهدى هديا للعمرة وهو متمتع لم يجزه ذلك وعليه هدي آخر لمتعته لأنه إنما يصير متمتعا إذا أنشأ الحج بعد أن حل من عمرته وحينئذ يجب عليه الهدي وقال أبو حنيفة وأبو بكر ومحمد والثوري وإسحاق وأبو ثور لا ينحر المتمتع هديا إلا يوم النحر وقال أحمد إن قدم المتمتع قبل العشر طاف وسعى ونحر هديه وإن قدم في العشر لم ينحر إلا يوم النحر وقاله عطاء وقال الشافعي يحل من عمرته إذا طاف وسعى ساق هديا أو لم يسق وقال أبو ثور يحل ولكن لا ينحر هديه حتى يحرم بالحج وينحره يوم النحر وقول أحمد بن حنبل في مسائل المتمتع المذكورة كلها في هذا الباب كقول الشافعي سواء قال أبو حنيفة وأصحابه إذا لم يسق المتمتع هديا فإذا فرغ من عمرته كان حلالا ولا يزال كذلك حتى يحرم بالحج فيصير حراما ولو كان ساق الهدي لمتعته لم يحل من عمرته حتى يحل من حجة لأنه ساق الهدي معه وحجتهم في ذلك حديث بن عمر أن حفصة قالت ما بال الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك وقال مالك والشافعي إذا ساق المتمتع الهدي لمتعته وطاف للعمرة وسعى حل إلى يوم التروية قال الشافعي وما يكون متمتعا إذا استمتع بإحلاله إلا أن يحرم بالحج يوم التروية فأما من لم يحل من المعتمر فإنما هو قارن لا متمتع وبالله التوفيق

باب جامع ما جاء في العمرة مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة قال أبو عمر هذا حديث مسند صحيح وقوله فيه العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما مثل قوله الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر قد ذكرنا الأحاديث بذلك في كتاب الصلاة وأما قوله الحج المبرور فهو الحج المتقبل والله أعلم وقد روى يحيى بن أبي كثير عن جعفر عن أبي هريرة قال الحج المبرور يكفر خطأ تلك السنة وأبو جعفر هذا رجل من أهل المدينة مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير وسمي أصح منه وهو يرفعه لأن معناه يقتضي أنه صح وسلم من الخطايا قبل حجه وإنما تكون الجنة جزاء من غفر له وثقلت موازين حسناته وتجاوز الله عن سيئاته ويشهد لحديث سمي هذا حديث أبي حازم عن أبي هريرة حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن سليمان عن منصور عن هلال بن يسار عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه وقيل الحج المبرور الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق وكانت النفقة فيه من المال الطيب

وقد قيل في الحج المبرور حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا بن الأعرابي قال حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال حدثنا حكيم بن سالم الرازي عن ثعلبة عن ليث عن مجاهد عن بن عمر قال الحج المبرور إطعام الطعام وحسن الصحبة وروى ضمرة بن ربيعة عن ثور بن يزيد قال من أم هذا البيت ولم يكن فيه ثلاث خصال لم يسلم له حجة من لم يكن له حلم يضبط به جهله وورع عما حرم الله عليه وحسن الصحبة لمن صحبة وقد حدثنا احمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا أيوب عن سويد عن الأوزاعي عن محمد بن المنكدر عن جابر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بر الحج قال إطعام الطعام وطيب الكلام وذكر بن شاهين قال حدثنا أحمد بن المغلس قال حدثنا عروة بن علي قال حدثنا عمر بن أبي خلف العنبري قال حدثنا داود أبو سعيد قال قال رجل للحسن يا أبا سعيد ما الحج المبرور قال أن يدفع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني قد كنت تجهزت للحج فاعترض لي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمري في رمضان فإن عمرة فيه كحجة قال أبو عمر هكذا الحديث مرسلا في الموطأ إلا انه قد صح أن أبا بكر بن عبد الرحمن قال سمعت من تلك المرأة فصار بذلك مسندا وقد ذكرنا شواهد الآثار المسندة بما وصفنا في التمهيد وفيه من الفقه تطوع النساء بالحج إذا كان معهن ذو محرم أو زوج أو كانت المرأة في جماعة نساء يعين بعضهن بعضا يعني أن لا ينضم الرجال إليهن عند النزول والركوب وكانت الطرق مأمونة

وفيه أن بعض الأعمال أفضل من بعض وأن الشهور بعضها أفضل من بعض وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عمرة في رمضان تعدل حجة من حديث علي بن أبي طالب وأنس وبن عباس وأم معقل وهو حديثه هذا وقد ذكرنا الأسانيد من أحاديث هؤلاء في التمهيد وأحسنها حديث بن عباس وقيل في هذه المرأة أم معقل وقيل أم الهيثم وقيل أم سنان وهي جدة عبد الله بن سلام والأشهر أم معقل ذكر عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن امرأة من بني أسد من خزيمة يقال لها أم معقل قالت قلت يا رسول الله إني رأيت الحج فضل جملي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة فيه تعدل حجة هكذا قال الزهري أم معقل في اسم المرأة وقد تابعه على ذلك جماعة قال بن جريج سمعت داود بن أبي عاصم يحدث بهذا الحديث عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال اسم المرأة أم سنان وأما قوله فإن عمرة في رمضان كحجة يريد والله أعلم في التطوع لكل واحد منهما والثواب عليهما أنه سواء والله يوفي فضله من يشاء والفضائل ما تدرك بقياس وإنما فيها ما جاء في النص وفي الباب مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإن ذلك أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج قال أبو عمر كان عمر رضي الله عنه يرى الأفراد ويميل إليه ويستحبه فلا يرى أن يقرن الحج مع العمرة وإن كان ذلك عنده جائز بدليل حديث الصبي بن معبد إذ قرن وسأله عن القرآن وذكر له إنكار سليمان بن ربيعة وزيد بن صوحان لتلبيته

بالحج والعمرة معا فقال له هديت لسنة نبيك فهذا بين له أن القرآن عنده سنة ولكنه أستحب الإفراد لأنه إذا أفرد الحج ثم قصد البيت من قابل العمرة أو قبلها في عامه من بلده أو من مكة في غير أشهر الحج كان عمله وتعبه ونفقته أكثر ولهذا لم يكن يستحب العمرة في أشهر الحج ولا استحب التمتع بالعمرة إلى الحج كل ذلك حرص منه على زيارة البيت وعلى كثرة العمل لأن من أفرد عمرته من حجة كان أكثر عملا من القارن ومن كان أكثر عملا كان اكثر أجرا إن شاء الله أو لما أعلم الله عز وجل من استحبابه الإفراد ولعله كان يعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مفردا في حجته فمال إلى ذلك واستحبه ولقد روي عنه أنه قال في قول الله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله البقرة قال إتمامها أن تفردها وتفرد الحج ولا أعلم أحدا من السلف روي ذلك عنه غيره إلا طاوسا ومن هذا المعنى حديثه هذا افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإن ذلك أتم لحج أحدكم وعمرته وللعلماء في قول الله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله أقوال منها قول عمر هذا ومنها قول علي وطائفة قالوا إتمامها أن تحرم بهما من منزلك أو مسكنك ومنها قول من قال وأتموا الحج والعمرة أي أقيموا الحج والعمرة ذكر عبد الرزاق قال أخبرني الثوري عن ثور بن يزيد عن سليمان بن موسى عن طاوس في قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله قال إتمامهما أن تفردهما وتحرم من دويرة أهلك وقالت طائفة من أهل العلم إنما خوطب بهذه الآية من دخل في الحج أو العمرة ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم قال سئل بن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقيل له إنك تخالف أباك فقال إن عمر لم يقل الذي تقولون إنما قال عمر أفردوا الحج من العمرة فإنه أتم للحج وأتم للعمرة أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها وقد أحلها الله تعالى وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أكثروا عليه قال كتاب الله أحق أن يتبع أو عمر

قال وأخبرنا معمر عن صدقة بن يسار قال سمعت بن عمر يقول لو أن بين الحج والعمرة أحب إلي من المتعة قال وأخبرني بن التيمي عن القاسم بن الفضل قال سمعت رجلا قال أنهى عمر عن متعة الحج قال لا أبعد كتاب الله مالك أنه بلغه أن عثمان كان إذا اعتمر ربما لم يحطط عن راحلته حتى يرجع المغني في هذا الخبر عن عثمان بن عفان ما كان عليه رضي الله عنه من الحرص على الطاعة والقربة إلى الله بالانصراف إلى دار الهجرة التي افترض عليه المقام فيها وأن لا يظعن عنها إلا فيما لا بد منه من دين أو دنيا ظعن سفر لا ظغن إقامة عنها وكان من الفرض عليه وعلى كل من كان مثله ألا يرجع للسكنى والمقام إلى الدار التي افترض عليه الهجرة منها وانصرف وأن يجعل الانصراف إلى موضع هجرته بمقدار ما يمكنه وإنما أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا يعني لقضاء حاجاته فرأى عثمان أنه مستغن عن الرخصة في ذلك لما يلزم من القيام بأمور الخاصة والعامة من المسلمين وفي هذا الباب أيضا قال مالك العمرة سنة ولا نعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها قال أبو عمر هذا اللفظ يدل ظاهرة على وجوب العمرة وقد جهل بعض الناس مذهب مالك فظن أنه يوجب العمرة فرضا بقوله ولا نعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها وقال هذا سبيل الفرائض وليس كذلك عند جماعة أصحابه ولا يختلفون عنه أنها سنة مؤكدة وقال إبراهيم النخعي هي سنة حسنة وكان الشافعي ببغداد يقول هي سنة لا فرض وقال بمصر هي فرض لازم كالحج مرة في الدهر

وهو قول بن عمر وبن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وبن سيرين وداود وسعيد بن جبير وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور على اختلاف عنه وقال أبو حنيفة وأصحابه هي تطوع وليست بواجبه وهو قول الشعبي وبه قال أبو ثور وداود وروي عن بن مسعود قال الحج فريضة والعمرة تطوع وذكر الطبري أن قول أبي ثور كقول الشافعي المصري يوجبون العمرة وذكره بن المنذر عن أبي حنيفة فأخطأ عليه عند جماعة أصحابه وقال الثوري الذي بلغنا وسمعنا أنها واجبة وقال الأوزاعي كان بن عباس يقول إنها واجبة كوجوب الحج قال أبو عمر المعروف من مذهب الثوري والأوزاعي إيجابها ومن حجة من لم يوجب العمرة أن الله عز وجل لم يوجب العمرة بنص مجتمع عليه ولا أوجبها رسوله في ثابت النقل عنه ولا اتفق المسلمون على إيجابها والفروض لا تجب إلا من هذه الوجوه أو من دليل منها لا مدفع فيه وحجة من أوجبها وهم الأكثر قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله البقرة ومعنى أتموا عند من قال بذلك أقيموا الحج والعمرة لله وقالوا لما كان وأقيموا في قوله تعالى فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة النساء أي فأتموا الصلاة كان معنى فأتموا أقيموا وروى الثوري عن منصور والأعمش عن إبراهيم في حرف بن مسعود وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت قال الحج المناسك كلها والعمرة الطواف والسعي ذكر بن وهب عن مالك قال العمرة سنة وليست بواجبة مثل الحج لكل شيء قدرا وذكر بن وهب عن مالك أيضا قال لا يعتمر في السنة إلا مرة كما لا يحج إلا مرة وقال أحمد وإسحاق العمرة واجبة وتقضي منها المتعة

وهو قول جماعة من السلف وروي عن عمر بن الخطاب قال كتب الله عليكم الحج والعمرة وروي وجوب العمرة عن علي وبن عباس وبن عمر وروى بن عيينة عن عمرو عن طاوس عن بن عباس قال والله إنها لقرينتها في كتاب الله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله البقرة وروى بن جريج وأيوب وعبيد الله عن نافع عن بن عمر انه قال ليس أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان إن استطاع إليهم السبيل والآثار عمن ذكرنا كثيرة جدا وروي عن عائشة أنها قالت يا رسول الله ألا نخرج ونجاهد معك فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من الجهاد قال لا إن لكن أحسن الجهاد حج البيت حج مبرور ومعنى هذه الآية عند من لم يوجب العمرة فرضا وجوب إتمامها وإتمام الحج على من دخل فيها قالوا ولا يقال أتموا إلا لمن دخل في ذلك العمل واستدلوا على صحة هذا التأول بالإجماع على أن من دخل في حجة أو عمرة ضرورة كانت أو غير ضرورة متطوعا كان أو مؤديا فرضا ثم عرض له ما يفسده عليه أنه واجب عليه إتمام ذلك الحج وتلك العمرة والتمادي فيهما مع فسادهما حتى يتمهما ثم يقضي بعد بخلاف الصلاة وهذا الإجماع أولى بتأويل الآية أيضا قولان آخران قد مضى ذكرهما في هذا الباب ومن حجة من لم يوجب العمرة حديث الحجاج بن أرطأة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي قال لا ولأن تعتمر خير لك

وهذا لا حجة فيه عند أهل العلم بالحديث لانفراد الحجاج به وما انفرد به فليس بحجة عندهم وقد روى شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين قال قلت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة قال فاحجج عن أبيك واعتمر وهذا الحديث عندهم أصح من حديث الحجاج بن أرطأة وقد روى الثوري عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح الحنفي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج واجب والعمرة تطوع وهذا منقطع ولا حجة فيه ومثله مما يعارضه حديث عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم العمرة الحج الأصغر وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة أنه كان يحدث أنه لما نزلت ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا آل عمران قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي حج وعمرة فمن قضاهما فقد قضى الفريضة والذي نفسي بيده لو قلت كل عام لوجبت قال معمر قال قتادة العمرة واجبة قال وأخبرنا بن جريج عن بن عطاء عن عكرمة عن بن عباس قال وأخبرنا بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال سمعت بن عباس إنها لقرينتها في كتاب الله ثم قرأ وأتموا الحج والعمرة لله البقرة

قال وأخبرني الثوري عن سعيد الجريري وسليمان التيمي عن حيان بن عمير عن بن عباس قال العمرة واجبة قال وأخبرنا بن جريج قال أخبرني نافع أنه سمع عبد الله بن عمر يقول ليس من خلق الله أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع إليه سبيلا ومن زاد بعدهما شيئا فهو خير وتطوع قال وأخبرني الثوري ومعمر عن بن جريج عن نافع عن بن عمر قال العمرة واجبة قال وأخبرنا عبد الله بن أبي سليمان قال سألت سعيد بن جبير عن العمرة واجبة هي قال نعم فقال له نسير بن رومان إن الشعبي يقول ليست واجبة قال كذب الشعبي إن الله تعالى يقول وأتموا الحج والعمرة لله البقرة قال أبو عمر قوله كذب ها هنا معناه غلط وهو معروف في اللغة وقد أتينا بشواهده في غير هذا الموضع قال عبد الرزاق أخبرنا بن جريج عن عطاء قال ليس من خلق الله أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان ولا بد منهما كما قال الله تعالى من استطاع إليه سبيلا حتى أهل بوادي قائل إلا أهل مكة فإن عليهم حجة وليست عليهم عمرة من أجل أنهم أهل البيت يطوفون به وإنما العمرة من أجل الطواف قال أبو عمر قول عطاء هذا بعيد من النظر ولو كانت العمرة ساقطة عن أهل مكة لسقطت عن الآفاق والله أعلم وأما قول مالك في هذا الباب لا أرى لأحد أن يعتمر في السنة مرارا فقد قاله غيره وإن كان جمهور العلماء على إباحة العمرة في كل السنة لأنها ليس لها عند الجميع وقت معلوم ولا وقت ممنوع لأن تقام فيه إلا من بعد طواف الحج بالبيت أو آخره في الطواف أو عند طواف القدوم إلى أن يتم حجة وما عدا هذا الوقت فجائز عمل العمرة فيه العام كله إلا أن من أهل العلم من استحب إلا يزيد في الشهر على عمرة ومنهم من استحب أن لا يعتمر المعتمر في السنة إلا مرة واحدة كما قال مالك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمع عمرتين في عام

والجمهور على جواز الاستكثار منها في اليوم والليلة لأنه عمل بر وخير فلا يجب الامتناع منه إلا بدليل ولا دليل أمنع منه بل الدليل يدل عليه بقول الله عز وجل وافعلوا الخير الحج وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وأما الاستحباب بغير لازم ولا يضيق لصاحبه ذكر عبد الرزاق قال أخبرني الثوري عن منصور عن إبراهيم قال كانوا لا يعتمرون في السنة إلا مرة واحدة قال وأخبرنا جعفر عن هشام عن الحسن أنه كان يكره عمرتين في سنة وقال بن سيرين تكره العمرة في السنة مرتين وأما الذين أجازوا العمرة في السنة مرارا فمنهم علي وبن عباس وبن عمر وعائشة وأنس والقاسم بن محمد وطاوس وسعيد بن المسيب ذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال اعتمرت عائشة في سنة ثلاث مرات مرة من الجحفة ومرة من التنعيم ومرة من ذي الحليفة قال وأخبرنا عبيد الله وعبد الله ابنا عمر عن نافع أن بن عمر اعتمر في عام القتال عمرتين قال وأخبرنا معمر عن الثوري عن صدقة عن القاسم قال فرطت عائشة في الحج فاعتمرت تلك السنة مرارا ثلاثا قال صدقة قلت للقاسم أنكر عليها أحد قال سبحان الله على أم المؤمنين وذكر الطبري قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن معاذة عن عائشة قالت العمرة في السنة كلها إلا أربعة أيام هي يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق قال أبو عمر هذا قول أبي حنيفة وأصحابه قالوا العمرة جائزة في السنة كلها إلا يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق فإنها مكروهة فيها وكان القاسم يكره عمرتين فيها ويقول في كل شهر عمرة وكذلك قال طاوس في كل شهر عمرة

وعن علي رضي الله عنه في كل شهر عمرة وقال عكرمة يعتمر متى شاء وقال عطاء إن شاء اعتمر في كل شهر مرتين وعن طاوس إذا ذهبت أيام التشريق فاعتمر ما شئت وقال الثوري السنة كلها وقت العمرة يعتمر فيها من شاء متى شاء وهو قول أبي حنيفة والشافعي وسائر الفقهاء إلا ما ذكرنا من تخصيص أيام التشريق وقد يحتمل قول الثوري أن يجوز العمرة لكل من طاف طواف الإفاضة لأنه قد دخل الحل كله وليست العمرة بواجبة من أيام التشريق قال مالك في المعتمر يقع بأهله أن عليه في ذلك الهدي وعمرة أخرى يبتديها بعد إتمامه التي أفسد ويحرم من حيث أحرم بعمرته التي أفسد إلا أن يكون أحرم من مكان أبعد من ميقاته فليس عليه أن يحرم إلا من ميقاته قال أبو عمر لا يختلف العلماء في أن كل من أفسد عمرته بوطء أهله أن عليه إتمامها ثم قضاءها إلا شيء جاء عن الحسن البصري سنذكره في باب من وطى ء في حجة لم يتابعه عليه أحد فإنهم مجمعون غير الرواية التي جاءت عن الحسن على التمادي في الحج والعمرة حتى يتما ذلك ثم القضاء بعد والهدي للإفساد إلا أنهم اختلفوا في الوقت الذي إذا جامع فيه المعتمر أفسد عمرته ف مذهب مالك والشافعي أن المعتمر إذا وطى ء بعد إحرامه بالعمرة إلى أن يكمل السعي بعد الطواف فعليه عمرته وعليه المضي فيها حتى يتم والهدي لإفسادها ثم قضاؤها وإن جامع قبل الحلاق وبعد السعي فعليه دم وهو قول الشافعي قال الشافعي إن جامع المعتمر فيما بين الإحرام وبين أن يفرغ من الطواف والسعي أفرد عمرته وقال أبو حنيفة إن طاف ثلاثة أشواط ثم جامع فقد أفسد عمرته وإن طاف أربعة أشواط ثم جامع فعليه دم ولم يكن عليه قضاء عمرته ويتمادى ويجزيه وعليه دم يجزيه منه شاة قال أبو عمر الصواب في هذه المسألة ما قاله مالك والشافعي وأما قول الكوفيين فلا وجه له إلا خطأ الرأي والإغراق في القياس الفاسد على غير أصل

وقال الشافعي أحب لمن أفسد عمرته أن يعجل الهدي وله أن يؤخره إلى القضاء وأما مالك فاستحب تأخيره إلى القضاء وكلهم يرى أن يقضي العمرة من أفسدها من ميقاته الذي أحرم منه بها إلا أن مالكا قال إن كان أحرم بها من أبعد من ميقاته أجزاه الإحرام بها من الميقات وقال مالك من دخل مكة بعمرة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وهو جنب أو على غير وضوء ثم وقع بأهله ثم ذكر قال يغتسل ويتوضأ ثم يعود يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويعتمر عمرة أخرى ويهدي وعلى المرأة إذا أصابها زوجها وهي محرمة مثل ذلك قال أبو عمر إنما أمره بإعادة الطواف لأن طوافه كان كلا طواف إذ طافه على غير طهارة ولما كان على المفسد عمرته التمادي فيها حتى يتمها أمرنا بالكفارة للطواف لأنه كالصلاة لا يعمل منه شيء إلا الطهارة وهو قول الشافعي ويلزم أبا حنيفة وأصحابه أن يأمروه بالطهارة لأنه بمكة لم يرجع إلى بلده إن كان وطئه قبل أن يكمل أربعة أشواط قال مالك فأما العمرة من التنعيم فإنه من شاء أن يخرج من الحرم ثم يحرم فإن ذلك يجزئ عنه إن شاء ولكن الأفضل أن يهل من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ما هو أبعد من التنعيم قال أبو عمر لا مدخل للقول في هذا وإنما اختار مالك رحمه الله أن يحرم المعتمر بالعمرة من الميقات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت للحاج منهم والمعتمر بالعمرة من ميقات رسو ل الله صلى الله عليه وسلم أفضل والتنعيم أقرب الحل إلى الطواف بالبيت والسعي هذا ما لا خلاف فيه ولا يصح العمرة عند الجميع إلا من الحل لمكي وغير مكي فإن بعد كان أكثر عملا وأفضل ويجزئ أقل الحل وهو التنعيم وذلك أن يحرم بها من الحل فأقصاه المواقيت أدناه التنعيم واختلف العلماء فيمن أحرم بعمرة من الحرم فقال مالك ما رأيت أحدا فعل ذلك ولا يحرم أحد من مكة بعمرة وقال أبو حنيفة وصاحباه من أحرم بمكة أو من الحرم بعمرة فإن خرج محرما

إلى الحل ثم عمل عمرته فلا شيء عليه وإن لم يفعل حتى حل فعليه دم لتركه الميقات وكذلك لو طاف بها شوطا أو شوطين لزمه الدم ولا يسقطه عنه خروجه إلى الميقات قال أبو عمر قياس قول مالك الأول عندي فيمن أحرم بعمرة من الحرم أنه يلزمه الدم ولا ينفعه خروجه إلى الحل بعد إحرامه بالعمرة من مكة و الثاني إن خرج ملبيا يلبي بالعمرة وخارجا من الحرم يدخل ثم يدخل فيطوف بالبيت ويسعى أنه لا شيء عليه باب نكاح المحرم مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير وأردت أن تحضر فأنكر ذلك عليه أبان وقال سمعت عثمان يقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح المحرم ولا يخطب مالك عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المري أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه ولا على غيره

مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار سئلوا عن نكاح المحرم فقالوا لا ينكح المحرم ولا ينكح قال مالك في الرجل المحرم إنه يراجع امرأته إن شاء إذا كانت في عدة منه قال أبو عمر حديث مالك عن ربيعة في هذا الباب غير متصل وقد رواه مطر الوراق فوصله رواه حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت الرسول بينهما فأما تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة فقد اختلفت فيه الآثار المسندة واختلف في ذلك أهل السير والعلم في الأخبار أن الآثار بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا أتت متواترة من طرق شتى عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وعن سليمان بن يسار وهو مولاها وعن يزيد بن الأصم وهو بن أختها وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبي بكر بن عبد الرحمن وبن شهاب وجمهور علماء المدينة يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكح ميمونة إلا وهو حلال وما أعلم أحدا من الصحابة روي عنه أنه عليه السلام نكح ميمونة وهو محرم إلا بن عباس وحديثه بذلك صحيح ثابت من نكاح ميمونة إلا أن يكون متعارضا مع رواية غيره فيسقط الاحتجاج بكلام الطائفتين وتطلب الحجة من غير قصة ميمونة وإذا كان ذلك كذلك فإن عثمان بن عفان قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن نكاح المحرم وقال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا معارض له لأن حديث بن عباس في نكاح ميمونة قد عارضه في ذلك غيره أخبرنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يحيى بن آدم قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا أبو فزارة عن يزيد بن الأصم قال حدثتني ميمونة ابنة الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة ابن الصلاح تقي الدين عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح

     مقدمة ابن الصلاح  تقي الدين عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح  يعد هذا الكتاب أشهر كتاب في علم مصطلح الحديث على الإطلاق ذكر في...