الدعاء

اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الأحد، 28 أغسطس 2022

ج5.وج6.الاستذكار أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

 

5. الاستذكار
المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

قال يزيد كانت خالتي وخالة بن عباس وروى حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف وهما حلالان بعد ما رجعا من مكة وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا قال أبو عمر قد نقل قوم حديث يزيد بن الأصم مرسلا لظاهر رواية الزهري وليس كما ظهر إلا رواية الزهري فحملت للتأويل وجاز لمن أخبرته ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا أن يخبر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا يحدث به هكذا وحده يقول حدثتني ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا على أنهم يلزمهم مثله في حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم لأنه ليس فيه أن ميمونة أخبرته وموضع بن عباس من ميمونة بموضع يزيد بن الأصم سواء واختلف الفقهاء في نكاح المحرم فقال مالك والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي لا ينكح المحرم ولا ينكح فإن فعل فالنكاح باطل وهو قول عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وبه قال أحمد بن حنبل قال أحمد ذهب فيه إلى حديث عثمان وقال روى عن عمر وعلي وزيد بن ثابت أنهم فرقوا بينهما وقال أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري لا بأس أن ينكح المحرم وأن ينكح وهو قول القاسم بن محمد وإبراهيم النخعي ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا محمد بن مسلم الطائفي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه لم ير بنكاح المحرم بأسا قال وأخبرني الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال يتزوج المحرم إن شاء الله لا بأس به

قال عبد الرزاق قال الثوري لا يلتفت إلى أهل المدينة حجة الكوفيين في جواز نكاح المحرم حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم رواه عن بن عباس جماعة من أصحابه منهم عطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبر وجابر بن زيد أبو الشعثاء وعكرمة وسعيد بن جبير وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار قال حديث بن شهاب عن جابر بن زيد عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم فقال بن شهاب حدثني يزيد بن الأصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة قال عمرو فقلت لابن شهاب أتجعل حفظ بن عباس كحفظ أعرابي يبول على فخذيه قال أبو عمر قد ذكرنا حجة الحجازيين القائلين بأن نكاح المحرم لا يجوز لحديث عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن نكاح المحرم وأن عمر بن الخطاب فرق بين من نكح وبين امرأته والفرقة لا تكون في هذا إلا عن بصيرة مستحكمة وذكرنا جماعة الأئمة القائلين من أهل المدينة وليس مع العراقيين في هذا حجة إلا حديث بن عباس في قصة قد خالفه فيها غيره بما قد تقدم ذكره وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن ميمون بن مهران قال أتيت صفية ابنة شيبة امرأة كبيرة فقلت لها أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم قالت لا والله لقد تزوجها وهما حلالان وأخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا بن سنجر قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا عطاء بن أبي رباح عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم قال سعيد بن المسيب وهم بن عباس وإن كانت خالته تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما حل قال أبو عمر أظن القائل قال سعيد عطاء أو الأوزاعي واختلف أهل السير في تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر موسى بن عقبة عن بن شهاب أنه تزوجها حلالا وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى تزوجها وهو محرم

والأول اصح إن شاء الله والحجة في ذلك حديث عثمان والحمد لله وأما قول مالك في الرجل المحرم أنه يراجع زوجته إن شاء إذا كانت في عدة منه فلا خلاف في ذلك بين أئمة الفقهاء بالأمصار وليست المراجعة كالنكاح لأنها زوجه لا يحل في رجعتها الصداق ولا الولي وتلزمه نفقتها ويلحقها طلاقه لو طلقها وكذلك أبناؤه وظهاره منها باب حجامة المحرم مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم فوق رأسه وهو يومئذ بلحيي جمل فكان بطريق مكة مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول لا يحتجم المحرم إلا مما لا بد له منه قال مالك لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء في أنه لا يجوز للمحرم حلق شيء من شعر رأسه حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر إلا من ضرورة وأنه إن حلقه من ضرورة فعليه الفدية التي قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على كعب بن عجرة حين آذاه القمل في رأسه حتى تناثر على وجهه واختلفوا فيمن فعل ذلك على ضرورة وسيأتي ذكره ذلك في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله وأما حديثه في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار فإنه متصل ولكنه متصل من وجوه صحاح من حديث بن عباس وحديث جابر وحديث أنس وحديث عبد الله بن بحينة كلهم يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو محرم

وبعضهم يروي وهو صائم محرم وأكثرهم يقول من أذى كان برأسه أخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا هلال بن بشر قال حدثنا محمد بن خالد بن عثمة قال حدثني سليمان بن بلال قال حدثني علقمة بن أبي علقمة عن الأعرج قال سمعت عبد الله بن بحينه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وسط رأسه وهو محرم بلحيي جمل من طريق مكة قال أبو عمر هذا حديث مدني لفظه لفظ حديث مالك وأخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم في رأسه من أذى كان به قال أبو عمر إذا لم يحلق المحرم شعرا فهو كالعرق يقطعه أو الدمل يبطه أو الدمل ينكزها ولا يضره ذلك ولا شيء عليه فيه عند جماعة العلماء باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله التيمي عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري عن أبي قتادة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى

حمارا وحشيا فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك فقال إنما هي طعمة أطعمكموها الله وعن زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره عن أبي قتادة في الحمار الوحشي مثل حديث أبي النضر إلا أن في حديث زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل معكم من لحمة شيء وعن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم قال مالك والصفيف القديد قال أبو عمر يقال إن أبا قتادة كان وجهة رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق البحر مخافة العدو فلذلك لم يكن محرما إذ اجتمع مع أصحابه لأن مخرجهم لم يكن واحدا وكان ذلك عام الحديبية أو بعده بعام عام القضية وكان اصطياد أبي قتادة الحمار لنفسه لا لغيره والله أعلم وفي هذا الحديث من الفقه أن لحم الصيد حلال أكله للمحرم إذا لم يصده وصاده الحلال وفي ذلك دليل في قوله عز وجل وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما المائدة معناه الاصطياد وقيل الصيد وأكله لمن صاده وأما من لم يصده فليس ممن عني بالآية ويبين ذلك قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم المائدة لأن هذه الآية إنما نهى فيها عن قتل الصيد واصطياده لا غير وهذا باب اختلف فيه الخلف والسلف

فكان عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير يرون للمحرم أكل كل ما صاده الحلال من الصيد الذي يحل للحلال أكله وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وأبي هريرة وكعب الأحبار واحتجوا بحديث أبي قتادة هذا وبحديث البهزي وبحديث طلحة بن عبيد الله ذكره السندي قال حدثنا كعب بن علي قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثنا بن جريج قال حدثنا محمد بن المنكدر عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي عن أبيه قال كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن محرمون فأهدي لنا طير وهو راقد فأكل بعضنا فاستيقظ طلحة وفق من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قول عمر ففي الموطأ ذكره عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه أفتى الركب المحرمين بأكل صيد وجدوه بالربذة ثم قدم المدينة فذكره لعمر فقال له لو أفتيتهم بغير ذلك لفعلت بك يتواعده وهذا من عمر لا يكون إلا عن بصيرة قوية عنده في جواز أكل لحم الصيد المحرم إذا صاده الحلال ومثل هذا حديث مالك عن بن شهاب عن سالم عن أبي هريرة بمعنى ما تقدم سواء ومثله حديث مالك في هذا الباب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن

عمر وكعب إلا أن في حديث زيد بن أسلم قصة الجراد نذكرها في آخر هذا الباب إن شاء الله وقال آخرون لحم الصيد محرم على المحرمين على كل حال ولا يجوز لمحرم أكل صيد البتة على ظاهر عموم قوله عز وجل وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما المائدة قال بن عباس هي مبهمة وكذلك كان علي بن أبي طالب وبن عمر لا يريان أكل الصيد للمحرم ما دام محرما وكره ذلك طاوس وجابر بن زيد وروي عن زيد وروي عن الثوري وإسحاق مثل ذلك وحجة من ذهب إلى هذا حديث بن عباس عن الصعب بن جثامة أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار وحش بالأبواء أو بودان فرده عليه وقال لم نرده عليك إلا أنا حرم فلم يعتل بغير الإحرام وأطلق من أجله تحريم أكل الصيد لم يقيده بشيء وسيأتي القول في معنى هذا الحديث في الباب بعد هذا إن شاء الله ومن حجتهم أيضا حديث زيد بن أرقم أن بن عباس قال له يا زيد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي له صيد فلم يقبله وقال إنا حرم قال نعم وحديث علي بن أبي طالب في معناه وقد ذكرناها كلها في التمهيد وقال آخرون ما صاده الحلال للمحرم أو من أجله فلا يجوز له أكله وما لم يصد له ولا من أجله فلا بأس للمحرم بأكله وهو الصحيح عن عثمان في هذا الباب وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد وإسحاق وأبو ثور وروي أيضا عن عطاء مثل ذلك وحجة من ذهب هذا المذهب أنه عليه تتفق الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكل الصيد مع ظاهر تضادها وأنها إذا حملت على ذلك لم تتضاد ولا تدافعت وعلى هذا يجب أن تحمل السنن ولا يعارض بعضها بعضا ما وجد إلى استعمال ذلك سبيل وقد روي عن النبي عليه السلام معنى ذلك حدثني عبد الوارث حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا

يوسف بن عدي قال حدثنا بن وهب عن يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو مولى بني المطلب أنه أخبره عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثني بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا يعقوب عن عمرو مولى المطلب عن جابر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أويصد لكم قال أبو عمر في حديث أبي قتادة المذكور في أول الباب أنه لما استوى على فرسه سأل أصحابه أن يناولوه سوطه أو رمحه فأبوا وفي هذا دليل على أن المحرم إذا أعان الحلال على الصيد بما قل أو كثر فقد فعل ما لا يجوز له وهذا إجماع من العلماء واختلفوا في المحرم يدل المحرم أو الحلال على الصيد فيقتله فأما إذا دل المحرم الحلال على الصيد فقال مالك والشافعي وأصحابهما يكره له ذلك ولا جزاء عليه وهو قول أبي ثور وقال المزني جائز أن يدل المحرم الحلال على الصيد وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه الجزاء قال أبو حنيفة ولو دله في الحرم لم يكن عليه الجزاء وقال زفر عليه الجزاء في الحل دله عليه أو الحرم وبه قال أحمد وإسحاق وهو قول علي وبن عباس وعطاء واختلفوا أيضا فيما يجب على المحرم يدل المحرم على الصيد فيقتله فقال قوم عليهما كفارة واحدة منهم عطاء وحماد بن أبي سليمان وقال آخرون على كل واحد منهما كفارة وروي ذلك عن سعيد بن جبير والشعبي والحارث العكلي

وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وقال الشافعي وأبو ثور لا جزاء إلا على القاتل وحده واختلفوا في الجماعة يشتركون في قتل الصيد فقال مالك إذا قتل جماعة محرمون صيدا أو جماعة محلون في الحرم صيدا فعلى كل واحد منهما جزاء كامل وبه قال الثوري والحسن بن حي وهو قول الحسن البصري والشعبي والنخعي ورواية عن عطاء وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قتل جماعة محرمون صيدا فعلى كل واحد منهما جزاء كامل وإن قتل جماعة محلون صيدا في الحرم فعلى جماعتهم جزاء واحد وقال الشافعي على كل عليهم كلهم جزاء واحد وسواء كانوا محلين أو محرمين في الحرم وهو قول عطاء والزهري وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وروي عن عمر وعبد الرحمن بن عوف أنهما حكما على رجلين أصابا ظبيا بشاة قال أبو عمر من جعل على كل واحد منهم الجزاء قاسه على الكفارة في قتل النفس لأنهم لا يختلفون في وجوب الكفارة على كل واحد من القائلين في قتل النفس خطأ كفارة كاملة ومن جعل فيه جزاء واحدا قاسه على الدية ولا يختلفون على أنه فيمن قتل نفسا خطأ وإن كانوا جماعة إنما عليهم دية واحدة يشتركون فيها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة هذا ما يدل على أن المحرم المشير لا يجوز له أكل ما أشار بقتله إلى الحلال أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمود بن غيلان قال أخبرنا أبو داود قال أخبرنا شعبة قال أخبرنا عثمان بن عبد الله بن موهب قال سمعت عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه أنهم كانوا في مسير لهم بعضهم محرم وبعضهم ليس بمحرم قال فرأيت حمار وحش فركبت فرسي وأخذت الرمح فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني فاختلست سوطا من بعضهم فشددت على الحمار فأصبته فأكلوا منه فأشفقوا قال

فسئل النبي عليه السلام فقال هل أشرتم أو أعنتم قالوا لا قال فكلوا وأما حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير كان يتزود صفيف الظباء في الإحرام فذلك لأنه كان ذلك اللحم الذي جعله صفيفا وتزوده قد ملكه قبل الإحرام فجاز له أكله قبل الإحرام ومذهبه في ذلك مذهب من لا يحرم على المحرم من الصيد ما قتله أو اصطاده دون أكله من صيد الحلال وهو معنى هذا الباب وكذلك أدخله فيه مالك والعلماء مجمعون على أن قتل المحرم للصيد حرام وعليه جزاؤه وأكله عليه حرام وهم مختلفون فيما صاده الحلال هل يحل للمحرم أكله على أقوال أحدها أن أكل الصيد حرام على المحرم بكل حال على ظاهر قول الله عز وجل وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما المائدة لم يخص أكلا من قتل والثاني أن ما صاده الحلال جاز لمن كان حلالا في حين اصطياده محرما دون من كان محرما من ذلك الوقت وقت اصطياده والثالث أن ما صيد لمحرم بعينه جاز لغيره من المحرمين أكله ولم يجز ذلك له وحده والرابع أن ما صيد لمحرم لم يجز له ولا لغيره من المحرمين أكله هذه المسألة في الباب بعد هذا إن شاء الله مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمير بن سلمة الضمري عن البهزي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين

الرفاق ثم مضى حتى إذا كان بالأثابة بين الرويثة والعرج إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يقف عنده لا يربيه أحد من الناس حتى يجاوزه قال أبو عمر لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث واختلف أصحاب يحيى بن سعيد فيه على يحيى بن سعيد ورواه جماعة كما رواه مالك ورواه حماد بن زيد وهشيم ويزيد بن هارون وعلي بن مسهر عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك في التمهيد والقول عندي قول من جعل الحديث لعمير بن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال حماد بن زيد ومن تابعه ومما يدل على صحة ذلك أن يزيد بن الهاد وعبد ربه بن سعيد رويا هذا الحديث عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة الضمري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث بن الهاد بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الليث بن سعد هكذا عن يزيد بن الهاد وقال موسى بن هارون إنما جاء ذلك من يحيى بن سعيد كان يرويه أحيانا فيقول فيه عن البهزي وأحيانا لا يقول فيه عن البهزي ولعل المشيخة الأولى كان ذلك جائزا عندهم في كلامهم أن يقولوا بمعنى عن فلان بمعنى قصة فلان لقول من قال عن البهزي يريد عن قصة البهزي قال أبو عمر عمير بن سلمة هذا الصاحب الذي روى قصة حمار البهزي عن النبي عليه السلام والبهزي هو الصائد للحمار وهو صاحبه الذي في الحديث من قول النبي عليه الصلاة والسلام دعوه يعني الحمار فإنه يوشك أن يجيء صاحبه

واسمه زيد بن كعب للمحرم وقد مضى القول في هذا المعنى وما للعلماء في ذلك وفي ذلك أيضا دليل على أن المحرم لا يجوز له أن ينفر الصيد ولا يعين عليه ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يقف عند الظبي الحاقف حتى يجاوزه الناس لا يريبه أحد يعني لا يمسه ولا يهيجه قال أبو عمر الحاقف الواقف المنثني والمنحني وكل منحن فهو محقوقف هذا قول الأخفش وقال غيره من أهل اللغة الحاقف الذي يلجأ إلى حقف وهو ما انعطف من الرمل وقال العجاج سماوة الهلال حتى احقوقف يعني انعطف وسماوته شخصه والروحاء والأثابة والعرج والرويثة مواضع ومناهل بين مكة والمدينة وفيه من الفقه جواز أكل الصيد إذا غاب عنه صاحبه أو مات عنه وذلك محمول على أنه قد بلغت رميته الرامي منه موضع الذكاة ولذلك والله أعلم أمر صلى الله عليه وسلم بقسمته بينهم وليس في حديث مالك ما يدل على أن ذلك الظبي كان قد غاب عنه صاحبه ليله وذلك في حديث حماد بن زيد لأنه قال فيه بالإسناد المذكور عن عمير بن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل مع صحبة وهم محرمون حتى إذا كانوا بالروحاء وإذا في بعض أفيائها حمار وحش عقير فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير فقال دعوه حتى يأتي طالبه فقال قال فجاء رجل من بهز فقال يا رسول الله أصبت هذا بالأمس فشأنكم به وذكر تمام الحديث وفيه أيضا من الفقه إن الصائد إذا أثبت الصيد برمحه أو سهمه وأصاب مقاتله فقد ملكه بذلك إذا كان الصيد لا يمتنع من أجل فعله به عن أحد ألا ترى قوله عليه السلام يوشك صاحبه أن يأتي فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه يصحب ملكه له وقد استدل قوم بهذا الحديث أيضا على جواز هبة المشاع لقول البهزي للجماعة شأنكم به ثم قسمة أبو بكر بينهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنذكر ما للفقهاء في هبة المشاع من التنازع في موضعه إن شاء الله وأما مسألة الصيد يغيب عن صاحبه فيجده ميتا بعد ليلة أو قبل ذلك فإن

الفقهاء اختلفوا في ذلك فقال مالك إذا أدركه الصائد من يومه أكله في الكلب والسهم جميعا وإن كان ميتا إذا كان فيه أثر جرحه أثرا بلغ القتل وإن كان قد بات عنه لم يأكله وقال الثوري إذا غاب عنه يوما وليلة كرهت أكله وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا توارى عنه الصيد وهو في طلبه فوجده وهو قد قتله كلبه أو سهمه جاز أكله وإن ترك الطلب واشتغل بعمل غيره ثم ذهب في طلبه فوجده مقتولا والكلب عنده كرهنا أكله وقال الأوزاعي إذا وجده من الغد ميتا فوجد فيه سهمه وأثره فليأكله وقال الشافعي القياس لا يأكله إذا غاب عنه يعني لأنه لا يدري أمات من رميته أو من غيرها وروي عن بن عباس كل ما أصبت ودع ما أنميت يقول كل ما عاينت صيده وموته من سلاحك أو كلابك ودع ما غاب عنك وفي حديث أبي رزين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره أكل ما غاب عنه مصرعه من الصيد وهو حديث مرسل لأنه ليس بأبي رزين العقيلي وإنما هو أبو رزين مولى أبي وائل رواه موسى بن أبي عائشة عنه من حديث الثوري وغيره وروى أبو ثعلبه الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يدرك صيده بعد ثلاث يأكله ما لم ينتن وهو حديث صحيح قد ذكرناه في موضعه من هذا الكتاب وفي حديث عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيد يغيب عن صاحبه الليلة والليلتان فقال إذا وجدت فيه سهمك ولم تجد أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكله وتأتي هذه المسألة بأكثر من هذا في كتاب الصيد إن شاء الله

وأما قوله في حديث مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ثم كما كانوا ببعض طريق مكة قرت بهم رجل من جراد فأفتاهم كعب أن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر بن الخطاب ذكروا له ذلك فقال له ما حملك على أن تفتيهم بهذا قال هو من صيد البحر قال وما يدريك قال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إن هي إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين قال أبو عمر أما صيد المحرم فحلال للمحرم والحلال بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وإنما اختلفوا فيما وجد فيه طافيا وكذلك اختلفوا في غير السمك منه وسيأتي القول بما للعلماء من المذاهب في كتاب الصيد إن شاء الله فإن كان الجراد نثرة حوت كما ذكر كعب فحلال للمحرم وغير المحرم أكله وما ذكره كعب لم يوقف على صحة ولم يكذبه في ذلك عمر ولا رد عليه قوله ولا صدقة فيه لأنه خشي أن يكون عنده فيه علم من التوراة وهي السنة فيما حدث به أهل الكتاب عن كتابهم إلا يصدقوا ولا يكذبوا لئلا يكذبوا في حق جاؤوا به أو يصدقوا في باطل اختلفوا في دليله لأن عندهم الحق في التوراة وعندهم الباطل فيما حرفوه عن مواضعه وكتبوه بأيديهم وقالوا هو من عند الله وما هو من عند الله وقد أفردنا لهذا المعنى بابا كافيا في كتاب العلم والحمد لله وفي إنكار عمر على كعب ما أفتى به المحرمين من أكل الجراد ثم كفه عنه إذ أعلمه بما أعلمه به مما جرى في هذا الباب ذكره دليل على أن العالم لا يجب له نفي شيء ولا إثباته إلا بعلم صحيح قد وقف عليه من كتاب أو سنة أو ما كان في معناهما وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يحتج به أن الجراد من صيد البحر رواه حماد بن زيد عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجراد من صيد البحر

وقد اختلف في هذا الحديث على حماد بن زيد ومن رواية من جعله من قول أبي هريرة وهو أشبه بالصواب وقد روي عن علي من وجه ضعيف أيضا أنه سئل عن الجراد فقال هو من صيد البحر وروي عن عروة بن الزبير في هذا المعنى نحو ما روي عن كعب رواه حماد بن زيد قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في الجراد نثرة حوت ذكره الساجي عن يحيى بن حبيب بن عدي عن حماد بن زيد ولم أدر ما معنى رواية مالك في الموطأ عن كعب في قوله في الجراد والذي نفسي بيده إن هي إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين لأنه قد جاء عن كعب في ذلك ما هو أشبه بما في أيدي أهل العلم ذكر الساجي قال حدثنا بندار قال حدثني يحيى يعني القطان قال حدثنا سالم بن هلال قال حدثنا أبو الصديق الناجي أنه حج مع أبي سعيد الخدري هو وكعب فجاء رجل جرادة فجعل كعب يضربها بسوطه فقلت يا أبا إسحاق ألست محرما قال بلى ولكنه من صيد البحر خرج أوله من منخر حوت قال أبو عمر ففي هذا الخبر أن أول خلق الجراد كان من منخر حوت لا أنه اليوم مخلوق من نثرة حوت لأن المشاهدة تدفع ذلك ويعضد هذا عن كعب ما ذكره مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر إذ حكم كعب في الجراد حكم فيها بدرهم فقال له عمر إنك لتجد الدراهم لتمرة خير من جرادة ولو كان عنده من صيد البحر ما حكم فيه بشيء وجاء عن كعب أنه رأى في الجراد القيمة درهم في الجرادة من غير هذا الوجه أيضا ذكره الساجي قال حدثنا الربيع قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن بن جريج عن يوسف بن ماهك أن عبد الله بن أبي عمار أخبره انه أقبل مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في ناس محرمين وأن كعبا أخذ جرادتين ونسي إحرامه ثم ذكر إحرامه فألقاهما فدخلوا على عمر بن الخطاب فقص عليه كعب قصة الجرادتين فقال عمر ومن يدلك لعلمك بذلك يا كعب قال نعم قال إن حمير تحب الجراد قال ما جعلت في نفسك قال درهمين فقال عمر بخ درهمان خير من مائة جرادة اجعل ما جعلت في نفسك

قال أبو عمر لا يصح في الجراد أنه من صيد البحر إلا عن بن عباس ولا عن من يجب بقوله حجة ولم يعرج العلماء ولا جماعة الفقهاء على ذلك ذكر الساجي قال حدثنا أحمد بن أبان قال حدثنا سفيان قال قال بن جريج عن عطاء قلت لابن عباس ما تقول في صيد الجراد في الحرم قال لا يصح قلت إن قومك والله يأخذونه قال إنهم والله لا يعلمون قال الساجي وحدثنا أحمد بن أبان قال حدثني سفيان عن بن جريج عن بكير عن القاسم قال سئل بن عباس عن رجل أصاب جرادات وهو محرم قال فيهن قبض قبضات من طعام وإني لآخذ بقبضة جرادات وهو قول عطاء والجماعة من العلماء واختلفوا فيما يجب على المحرم في الجرادة إذا قتلها وسيأتي ذكر ذلك في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله وقال بن وهب عنه في الجرادة قبضة وفي الجرادات أيضا قبضة قال أبو عمر كأنه يقول ما دون قبضة من الطعام فلا قدر له وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد تمر خير من جرادة وروي ذلك عن عمر وبن عباس وفي هذا الباب سئل مالك عما يوجد من لحوم الصيد على الطريق هل يبتاعه المحرم فقال أما ما كان من ذلك يعترض به الحجاج ومن أجلهم صيد فإني اكرهه وأنهى عنه فأما أن يكون عند رجل لم يرد به المحرمين فوجده محرم فابتاعه فلا بأس به قال أبو عمر وقد مضى ما للعلماء في معنى ما صيد من أجل المحرم مجملا ونزيده هنا بيانا بأقوالهم حتى يتبين لك مذاهبهم في ذلك إن شاء الله فمن ذلك قول مالك هنا أما ما كان من ذلك يعترض الحاج ومن أجلهم صيد فإني أكرهه وأنهى عنه إلى آخر قوله ولم يختلف قوله في المحرم يأكل من صيد يعلم أنه قد اصطيد من أجله أن عليه جزاء ذلك الصيد وقال أشهب سألت مالكا عما صيد لرجل بعينه من المحرمين فقال لا أحب لأحد من المحرمين ولا من المحلين أكله قال وما صيد من أجل محرم أو ذبح من أجله من الصيد فلا يحل لمحرم ولا لحلال أكله

قال وسئل عما صيد لمحرمين فقال ما صيد قبل إحرامهم فلا بأس به وما صيد بعد إحرامهم فلا يأكلوه وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس على المحرم أن يأكل من لحم الصيد حلال للمحرم ما لم يصده أو يصد له وبه قال أبو ثور وفي هذا الباب قال مالك فيمن أحرم وعنده صيد قد صاده أو ابتاعه فليس عليه أن يرسله ولا بأس أن يجعله عند أهله هكذا هذه المسألة في الموطأ عند يحيى وطائفة من رواة الموطأ وزاد فيها بن وهب وطائفة عنه أيضا في الموطأ قال مالك من أحرم وعنده شيء من الصيد قد استأنس ودجن فليس عليه أن يرسله فلا شيء عليه إن تركه في أهله قال بن وهب وسألت مالكا عن الحلال يصيد الصيد أو يشتريه ثم يحرم وهو معه في قفص فقال مالك يرسله بعد أن يحرم ولا يمسكه بعد إحرامه وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه إذا أحرم وفي يده أو معه شيء من الصيد فعليه إرساله قالوا ولو كان الصيد في بيته لم يكن عليه إرساله كائن ما كان وقال الشافعي ليس على من ملك صيدا قبل الإحرام ثم أحرم وهو في يده أن يرسله وبه قال أبو ثور لأنه في حكم ما دجن من الصيد والحجة لكل واحد من هؤلاء بينت لما قدمنا من الأصول فتحصيل قول مالك أنه كان عنده الصيد في حين إحرامه أرسله من يده وإن كان لأهله فلا شيء عليه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وبه قال أحمد بن حنبل وقال بن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح سواء كان في يده أو في بيته عليه أن يرسله فإن لم يفعل ضمن وهو أحد قولي الشافعي وللشافعي قول آخر أنه لا يرسله كان في يده أو في أهله

وبه قال أبو ثور وهو قول مجاهد وعبد الله بن الحارث وقال مالك في صيد الحيتان في البحر والأنهار والبرك وما أشبه ذلك إنه حلال للمحرم أن يصطاده قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه لقول الله عز وجل أحل لكم صيد البحر المائدة والبحر كل ماء مجتمع على ملح أو عذب قال الله عز وجل وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج فاطر وكل ما كان أغلب عيشه في الماء فهو من صيد البحر ويأتي هذا الباب في كتاب الصيد إن شاء الله باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بوادان فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي قال إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم قال أبو عمر قد روي عن بن عباس من حديث سعيد بن جبير ومقسم وطاوس أن الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا قال سعيد بن جبير عجز حمار فرده يقطر دما رواه شعبة عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن بن عباس وقال مقسم في حديثه رجل حمار وحش وقال عطاء في حديثه أهدي له عضد صيد فلم يقبله وقال طاوس في حديثه عضو من لحم صيد إلا أن منهم من يجعله عن بن عباس عن زيد بن أرقم

رواه بن جريج قال أخبرني حسن بن مسلم بن نياق عن طاوس عن بن عباس قال قدم زيد بن أرقم فقال له بن عباس يستذكره كيف أخبرتني عن لحم أهدي للنبي عليه السلام حراما قلت نعم أهدى له رجل عضوا من لحم فرده عليه وقال لا نأكله إنا حرم قال إسماعيل بن إسحاق سمعت سليمان بن حرب يتأول هذا الحديث على أنه صيد من أجل النبي عليه السلام ولولا ذاك كان أكله جائزا قال سليمان ومما يدل على أنه صيد من أجله قولهم في الحديث فرده يقطر دما كأنه صيد في ذلك الوقت قال إسماعيل وإنما تأول إسماعيل الحديث الذي فيه أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حمار وهو موضع يحتمل التأويل وأما رواية مالك أن الذي أهدي إليه حمار وحشي فلا يحتاج إلى تأويل لأن المحرم لا يجوز له أن يمسك صيدا حيا ولا يجوز له أن يذكيه إنما يحتاج إلى التأويل قول من قال إن الذي أهدي له هو بعض الحمار قال إسماعيل وعلى تأويل سليمان بن حرب تكون الأحاديث كلها المرفوعة غير مختلفة قال أبو عمر الأحاديث المرفوعة في هذا الباب منها حديث عمير بن سلمة في قصة البهزي وحماره العقير ومنها حديث أبي قتادة رواه مالك عن أبي النضر ومنها حديث الصعب بن جثامة هذا وحديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل حمار وحشي فأبى أن يأكله وحديث المطلب عن جابر يفسرها كلها وهو قوله عليه السلام صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم وأجمع العلماء أنه لا يجوز للمحرم قبول صيد إذا وهب له بعد إحرامه ولا يجوز له شراؤه ولا اصطياده ولا استحداث ملكه بوجه من الوجوه وهو محرم ولا خلاف بين العلماء في ذلك لعموم قوله تعالى وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما المائدة ولحديث الصعب بن جثامة في قصة الحمار ولأهل العلم في المحرم يشتري الصيد قولان أحدهما أن الشراء فاسد والثاني أنه صحيح وعليه أن يرسله وقد تقدم في الباب قبل هذا ما للعلماء فيمن أحرم وفي يده أو معه أو في بيته شيء من الصيد

وقد روي عن علي بن أبي طالب انه حج في عام حج فيه عثمان فأتي عثمان بلحم صيد صاده حلال قال فأكل منه وهو محرم ولم يأكل منه علي فقال عثمان إنما صيد قبل أن يحرم فقال علي ونحن قد بدا لنا وأهالينا لنا حلال أفيحللن لنا اليوم رواه هشيم قال أخبرنا عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال حج عثمان معه علي فذكره في هذه الرواية عن علي أنه لم ير للمحرم أكل ما صاده الحلال وإن كان صيد له قبل أن يحرم المحرم وأن عثمان كان يخالطه في الغضب ويحاسبه وكان يخالفه لأنه لا يرى بأسا بما صاده الحلال قبل إحرام المحرم وأن يأكله المحرم في إحرامه وقد روي عن علي رضي الله عنه خلاف هذه الرواية عنه وموافقته لرأي عثمان ذكره إسحاق بن يوسف الأزرق عن شريك عن سماك بن حرب عن صبيح بن عبد الله العبسي قال استعمل عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحارث على العروض فمر به رجل من أهل الشام ومعه باز وصقر فاستعاره منه وصاد به من اليعاقيب فلما سمع بعثمان قد مر حاجا أمر بهن فذبحن فطبخن ثم جعلن في جفنة فجاء بهن آل عثمان فقال عثمان كفوا فقال بعض القوم انظروا عليا يأتيكم الآن فلما جاء علي ورآها بين أيديهم أبى أن يأكل فقال له عثمان ما شأنك فقال لم أكن لآكل من هذا قال عثمان لم قال هو صيد لا يحل لمن أكله وأنا محرم قال عثمان فبين لنا فقال قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم المائدة قال عثمان فنحن قتلناه إنا لم نقتله قال فقرأ عليهم علي وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما المائدة فمكث عثمان ما شاء الله أن يمكث ثم أتى وهو بمكة فقيل له هل لك في بن أبي طالب أهدي إليه صفيف حمار فهو يأكل منه فأرسل إليه عثمان فسأله عن أكله الصفيف وقال له أما أنت فتأكل وأما نحن فتنهانا فقال له إنه صيد عام أول وأنا حلال فليس علي في أكله بأس وصيد ذلك يعني اليعاقيب وأنا حرام وذبحن وأنا حرام وبهذا كان يفتي بن عباس ويذهب إليه ذكر إسحاق عن شريك عن سماك عن عكرمة عن بن عباس وبلال ما صيد أو ذبح وأنت حلال فهو لك حلال وما صيد أو ذبح وأنت حرام فهو عليك حرام

وهو قول عطاء وذكر عبد الرزاق عن إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس قال ما صيد وأنت حلال فكله وما صيد وأنت حرام فلا تأكله قال أبو عمر وما كان مثلها عن علي يعضد ما روي عنه في الصيد للمحرم أنه لا يأكله على عموم قوله تعالى وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما المائدة ولم يفسر ما صيد قبل إحرامه أو بعد إحرامه وهذه الرواية مفسرة كما ترى وقد روي عن بن عباس أنه لا يجوز للمحرم أكل لحم صيد على حال صيد من أجله أو من لم يصد لعموم قول الله عز وجل وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وقال بن عباس هي مبهمة وبه قال طاوس وجابر بن زيد وإليه ذهب الثوري وإسحاق في رواية وذكر عبد الرزاق عن معمر عن يزيد بن أبي يزيد قال سمعت عبد الله بن الحارث بن نوفل يحدث أن عليا كره أكل لحم الصيد وهو محرم قال وأخبرني معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر أنه كان يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال قال معمر وأخبرني أيوب عن نافع عن بن عمر مثله قال وأخبرنا معمر عن طاوس وعبد الكريم بن أمية عن طاوس عن بن عباس أنه كره لحم الصيد للمحرم وقال هي مبهمة يعني قوله وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما المائدة وكان عمر بن الخطاب وأبو هريرة والزبير بن العوام وكعب ومجاهد وعطاء في رواية وسعيد بن جبير يرون للمحرم أكل الصيد على كل حال إذا اصطاده الحلال صيد من أجله أو لم يصد وبه قال الكوفيون ذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طلق بن حبيب عن قزعة قال كان بن عمر لا يأكل لحم الصيد وهو محرم فقيل له إن عمر وأبا هريرة كانا يأكلانه فقال عمر خير وأبو هريرة خير مني

قال عمرو بن دينار وكان بن عباس لا يأكله وذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور إلى أن ما صيد من أجل المحرم لم يجز له أكله وما لم يصد من أجله جاز له أكله وهو قول عثمان وروي ذلك أيضا عن عطاء وبه قال إسحاق وهذا أعدل المذاهب وأعلاها وعليه يصح استعمال الأحاديث المرفوعة وتوجيهها وفيه مع ذلك نص حسن رواه بن وهب قال حدثني يحيى بن عبد الله بن سالم ويعقوب بن عبد الرحمن المخزومي عن عمرو مولى المطلب بن عبد الله أنه أخبرها عن المطلب بن عبد الله بن حنظلة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم رواه عن عمر بن أبي عمرو مولى المطلب كما رواه يحيى بن عبد الله بن سالم ويعقوب بن عبد الرحمن سليمان بن بلال وإبراهيم بن أبي يحيى جعلوه كلهم عن عمر مولى المطلب عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أنه أخبره عن جابر ورواه الدراوردي عن عمرو عن رجل من بني سلمة عن جابر فأخطأ فيه وصوابه ما رواه يعقوب مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن عامر بن ربيعة قال رأيت عثمان بن عفان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ثم أتى بلحم صيد فقال لأصحابه كلوا فقالوا أو لا تأكل أنت فقال إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي وعن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت له يا بن أختي إنما هي عشر ليال فإن تخلج في نفسك شيء فدعه تعني أكل لحم الصيد

قال مالك في الرجل المحرم يصطاد من أجله صيد فيصنع له ذلك الصيد فيأكل منه وهو يعلم أنه من أجله صيد فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله قال أبو عمر أما حديث عثمان ففيه من الفقه أنه لا بأس على المحرم في اليوم الشديد الحر أن يغطي وجهه فإن الله تعالى غني عن تعذيب المؤمن نفسه وقد تأول قوم في ذلك على عثمان أنه قال كان مذهبه إن إحرام المحرم في رأسه دون وجهه وقد ذهب إلى ذلك قوم وقد تقدم ذكر هذه المسألة في بابها من هذا الكتاب وقد يحتمل أن يكون عثمان قد اقتدى بفعله ذلك على مذهب بن عمر ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم ولكن الظاهر من مذهبه أن إحرام المحرم في رأسه دون وجهه وفيه أن من وسع الله عليه وسع على نفسه في الملبس وغيره فإن الله عز وجل يحب أن يرى أثر نعمته على عبده إذا أنعم بها عليه وهذا ثابت المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد يحتمل أن يكون لباسه الأرجوان لأنه صوف والأرجوان الشديد الحمرة قال أبو عبيد ولا يقال لغير الحمرة أرجوان وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا نلبس الأرجوان وعن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاه عن لبسه وقد ذكرنا الأحاديث بذلك في موضعها من هذا الكتاب وذكرنا ما يعارضها واختلاف العلماء في معناها هناك والحمد لله وأما قوله لأصحابه في لحم الصيد كلوا فإني لست كهيئتكم إنه صيد من أجلي فقد مضى هذا المعنى وقال أشهب عن مالك أنه سئل عن معنى قول عثمان إنما صيد من أجلي فقال إنما ذلك من أجل أنه صيد له بعد أن أحرم فأما ما صيد من أجل محرم أو

محرمين وذبح قبل الإحرام فلا بأس به إنما مثل ذلك مثل رجل صاد ها هنا صيدا فذبحه وحمل لحمه معه ثم أحرم وأما قول عائشة لعروة إنما هي عشر ليال تعني أيام الحج فإنها خاطبت بهذا من كان إحرامه قبل يوم التروية أن يكف عن أكل لحم الصيد جملة فما صاده الحلال من أجله أو من أجل غيره ليدع ما يربيه إلى ما لا يريبه ويترك ما شك فيه وحاك في صدره وأما قول مالك ما على المحرم إذا أكل من صيد صيد من أجله جزاؤه كله فإن العلماء في ذلك مذاهب منها ما قاله مالك أنه يجزئ الصيد كله إذا أكل منه ومنه أنه لا يجزئ منه إلا مقدار ما أكل وقول ثالث إنه ليس عليه جزاؤه لأنه أكل صيدا حلال أكله لصائده وإنما حرم الله على المحرم قتل الصيد لا أكله هذا على مذهب عمر بن الخطاب وأبي هريرة والزبير وكعب ومن تابعهم على ذلك على ما ذكرناه عنهم واختلف قول الشافعي في ذلك فمرة قال من أكل من صيد صاده حلال من أجله أنه يفدي ما أكل منه ومرة قال لا شيء عليه وهو قول أبي ثور وهو الذي ذكره المزني عن الشافعي في المحرم يأكل من صيد صيد من أجله مما قد ذبحه حلال أو صاده أنه لا جزاء عليه فيما أكل منه لأن الله تعالى إنما جعل الجزاء على من قتل الصيد وهذا لم يقتله وليس من أكل محرما يكون عليه جزاء ولم يختلف قوله أن المحرم ممنوع من أكل ما صيد من اجله اختلف قوله في وجوب الجزاء عليه إن أكل منه وفي هذا الباب وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم أيصيد الصيد فيأكله أم يأكل الميتة فقال بل يأكل الميتة وذلك أن الله تبارك وتعالى لم يرخص للمحرم في أكل الصيد ولا في أخذه في حال من الأحوال وقد أرخص في الميتة على حال الضرورة قال مالك وأما ما قتل المحرم أو ذبح من الصيد فلا يحل أكله لحلال ولا لمحرم لأنه ليس بذكي كان خطأ أو عمدا فأكله لا يحل وقد سمعت ذلك من غير واحد

زاد أشهب فمن كنت أقتدي به ونتعلم منه كلهم يقولون لا يؤكل لأنه ليس بذكي فقيل له أرأيت من المحرمين عليهم جزاؤه فقال أما من ليس بمحرم فلا أرى عليه جزاؤه وأما المحرمون ففيه نظر وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا رمى المحرم الصيد وسمى فقتله فعليه جزاؤه فإن أكل منه حلال فلا شيء عليه وإن أكل منه المحرم الذي قتله بعد ما جزاه فعليه قيمة ما أكل في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا جزاء عليه ولا ينبغي أن يأكله حلال ولا حرام وللشافعي قولان أحدهما كقول مالك والآخر يأكله ولا يأكل الميتة وقال أبو ثور إذا قتل المحرم الصيد فعليه جزاؤه وحلال أكل ذلك الصيد إلا أني أكرهه للذي صاده للخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لحم الصيد لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم والحجة لمالك في مذهبه لهذه المسألة الجميع على أن من كان قادرا على ذبح الشاة من مذبحها فذبحها فقطع عنقها أو قتلها أنه لا يحل أكله لأنه استباح ذلك بخلاف ما أباح الله له وكذلك يحرم الصيد على المحرم إذا فعل لأنه أباح غير ما أباحه الله له فلا تقع ذكاة بما حرم الله فعله وهو قول داود وأصحابه وحجة من أجازه إجماع الجمهور على وقوع الذكاة بالسكين المعضوبة أو ذبح السارق ذكر عبد الرزاق عن المثنى عن عطاء في المحرم المضطر قال يأكل الميتة ويدع الصيد قال عبد الرزاق وسئل الثوري وأنا أسمع عن المحرم يضطر فيجد الميتة ولحم الخنزير ولحم الصيد قال يأكل الخنزير والميتة وذكر في باب آخر سألت الثوري عن محرم ذبح صيدا هل يحل أكله لغيره قال أخبرني الليث عن عطاء أنه قال لا يحل أكله لأحد قال الثوري وأخبرني أشعث عن الحكم بن عتيبة قال لا بأس بأكله قال الثوري وقول الحكم أحب إلي وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن ربيعة عن القاسم بن محمد وسالم أنهما قالا لا يحل أكله لأحد بحال

وقال أبو حنيفة والثوري وزفر إذا اضطر المحرم أكل الميتة ولم يضطر وهذا أحد قولي الشافعي وقال أبو يوسف يصيد ويأكل وعليه الجزاء ولا يأكل الميتة ولم يختلف قول الشافعي أنه لا يأكل المحرم ما صيد من أجله واختلف قوله في إيجاب الجزاء عليه إن أكل منه وقال مالك في آخر هذا الباب في الذي يقتل الصيد ثم يأكله إنما عليه كفارة واحدة مثل من قتله ولم يأكل منه قال أبو عمر على هذا مذاهب علماء الأمصار وجمهور العلماء وقد روي عن عطاء وطائفة فيه كفارتان روى عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء قال إن ذبحه ثم أكله يعني المحرم فكفارتان قال أبو عمر لم يختلفوا فيمن وطى ء مرارا قبل الحد أنه ليس عليه إلا حد واحد وكذلك المحرم يقتل الصيد في الحرم فيجمع عليه حرمتان حرمة الإحرام وحرمة الحرم ليس عليه إلا جزاء واحد عند الجمهور وبالله التوفيق

كتاب الحج القسم الثاني باب أمر الصيد في الحرم قال مالك كل شيء صيد في الحرم أو أرسل عليه كلب في الحرم فقتل ذلك الصيد في الحل فإنه لا يحل أكله وعلى من فعل ذلك جزاء الصيد فأما الذي يرسل كلبه على الصيد في الحل فيطلبه حتى يصيده في الحرم فإنه لا يؤكل وليس عليه في ذلك جزاء إلا أن يكون أرسله عليه وهو قريب من الحرم فإن أرسله قريبا من الحرم فعليه جزاؤه قال أبو عمر اختلف الفقهاء في الذي يرسل كلبه في الحل فيقتل الصيد في الحرم فقال مالك عليه جزاؤه وكذلك لو رمى سهما في الحل فقتل في الحرم وهو قول الأوزاعي والليث وقال أبو حنيفة لو رمى من الحل فوقعت الرمية في الحرم فقتل صيدا فعليه الجزاء وإن أرسل كلبا في الحل فقتل في الحرم فلا جزاء عليه وقال الثوري في شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحل سقط عليها طائر قال ما كان في الحل يلزم وما كان في الحرم فلا يلزمه وقال الوليد بن مزيد سئل الأوزاعي عن رجل أرسل كلبه في الحل على صيد فأدخله الحرم ثم أخرجه من الحرم فقتله فقال لا أدري ما أقول فيها فقال له السائل لو رددتني شهرا فيها لم أرسل عنها أحدا غيرك فقال الأوزاعي لا يؤكل الصيد وليس على صاحبه جزاء

قال الوليد فحججت في العام المقبل فلقيت بن جريج فسألته عنها فحدثني عن عطاء عن بن عباس بمثل ما قال الأوزاعي قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء من السلف والخلف في تحريم الصيد بمكة من سائر الحرم وأنه حرم آمن كما قال الله عز وجل أو لم يروا أنا جعلنا حرما أمنا العنكبوت وقال إبراهيم عليه السلام رب اجعل هذا البلد أمنا إبراهيم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمها الناس وقال عليه السلام إن إبراهيم حرم مكة وهذا معناه أنه دعى في تحريمها فكان سبب ذلك فأضيف إليه على ما تعرفه العرب من كلامها وقد روى أبو هريرة بالنقل الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض وقد أوضحنا معاني ذلك كله في كتاب الجامع وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها

وقد رأى جماعة من العلماء أن الجاني إذا عاذ بالحرم لم يقم عليه حده فيه حتى يخرج منه ولهذه المسألة باب غير هذا وقالوا لم يكن الجزاء في غير هذه الأمة إلا على محرم فلا على قاتل صيد في الحرم وهو حلال وإنما كان الجزاء على هذه الأمة لقوله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا المائدة واتفق فقهاء الأمصار ومالك والثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي أن على من قتل صيدا وهو حلال في الحرم الجزاء كما لو قتله محرم وبه قال جماعة أصحاب الحديث وشذت فرقة منهم داود بن علي فقالوا لا جزاء على من قتل في الحرم شيئا من الصيد إلا أن يكون محرما ولا يختلفون في تحريم الصيد في الجزاء وإنما اختلفوا في وجوب الجزاء فيه وقد روي عن عمر وعثمان وعلي وبن عباس وبن عمر في حمام الحرم شاة في كل واحدة منها ولم يخصوا محرما من حلال ولا مخالف لهم من الصحابة وقد يوجد لداود سلف من التابعين ذكر عبد الرزاق عن معمر عن صدقة بن يسار قال سألت سعيد بن جبير عن حجلة ذبحتها وأنا بمكة فلم ير علي شيئا وكان أبو حنيفة يقول للحلال يقتل الصيد في الحرم أنه لا يجزئه إلا الهدي والإطعام ولا يجزئه الصوم كأنه جعله ثمنا وعند مالك والشافعي يجزئه الصوم كسائر من وجب عليه جزاء الصيد من المحرمين وقال أبو حنيفة في المحرم إذا أدخل مع الضحية شيئا من صيد الحل إلى الحرم فلا يجوز له ذبحه ولا حبسه وعليه أن يرسله وقال مالك والشافعي جائز له بيعة وهبته في الحرم

باب الحكم في الصيد قال مالك قال الله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره المائدة قال مالك فالذي يصيد الصيد وهو حلال ثم يقتله وهو محرم بمنزلة الذي يبتاعه وهو محرم ثم يقتله وقد نهى الله عن قتله فعليه جزاؤه قال مالك والأمر عندنا أنه من أصاب الصيد وهو محرم حكم عليه يحيى قال مالك أحسن ما سمعت في الذي يقتل الصيد فيحكم عليه فيه أن يقوم الصيد الذي أصاب فينظر كم ثمنه من الطعام فيطعم كل مسكين مدا أو يصوم مكان كل مد يوما وينظر كم عدة المساكين فإن كانوا عشرة صام عشرة أيام وإن كانوا عشرين مسكينا صام عشرين يوما عددهم ما كانوا وإن كانوا أكثر من ستين مسكينا قال مالك سمعت أنه يحكم على من قتل الصيد في الحرم وهو حلال بمثل ما يحكم به على المحرم الذي يقتل الصيد في الحرم وهو محرم قال أبو عمر هذا الذي ذكره مالك عليه جماعة العلماء في أن الحرمتين إذا اجتمعتا حرمة الحرم وحرمة الإحرام فليس فيهما إلا حدا واحدا على قاتل الصيد محرما في الحرم لقول الله عز وجل لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم المائدة ولم يخص موضعا من موضع ولا استثنى حلا من حرم ومعلوم أن الإحرام إنما يقصد به إلى الحرم وهناك عظم عمل المحرم واختلف الفقهاء في استئناف الحكم على قاتل الصيد فيما مضى فيه من السلف حكم فقال فيه مالك يستأنف الحكم في كل ما مضت فيه حكومة أو لم تمض وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي إن اختار بحكومة الضحايات من غير أن يحكم عليه جاز فإذا قتل نعامة أهدى بدنة وإذا قتل غرابا أهدى شاة واختلفوا في قول الله عز وجل فجزاء مثل ما قتل من النعم المائدة والنعم الإبل والبقر والغنم

فإذا قتل المحرم صيدا له مثل من النعم في المنظر والبدن يكون أقرب شبها به من غيره فعليه مثله في الظبي شاة وفي النعامة بدنة وفي البقرة الوحش بقرة هذا قول مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة وأبو يوسف الواجب في قتل الصيد قيمته كان له مثل من النعم أو لم يكن وهو بالخيار بين أن يتصدق بقيمته وبين أن يصرف القيمة في مثله من النعم فيشتريه ويهديه فإن اشترى بالقيمة هديا أهداه وإن اشترى به طعاما أطعم كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير أو صام مكان كل صاع يومين وقال محمد بن الحسن المثل النظير من النعم كقول مالك والشافعي وقال في الطعام والصيام بقول أبي حنيفة ولم يختلف قول مالك فيمن استهدى لغيره شيئا من العروض أن القيمة فيه هي المثل قال والقيمة أعدل في ذلك ولكن السلف رضي الله عنهم حكم جمهورهم في النعامة ببدنة وفي الغزال بشاة وفي البقرة الوحش ببقرة واعتبروا المثل فيما وصفنا لا القيمة فلا ينبغي خلافهم لأن الرشد في اتباعهم واختلفوا في قاتل الصيد هل يكون أحد الحكمين أم لا فعند أصحاب مالك لا يجوز أن يكون القاتل أحدهما وقال الشافعي يجوز ذلك واختلف أصحاب أبي حنيفة على القولين فقال بعضهم يجوز وقال بعضهم لا يجوز واختلفوا في التخيير والترتيب في كفارة جزاء الصيد فقال مالك يخير الحكمان المحكوم عليه فإن اختار الهدي حكم به عليه وإن اختار الإطعام والصيام حكما عليه بما يختار من ذلك موسرا كان أو معسرا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وقال زفر الكفارة مرتبة يقوم المقتول دراهم يشتري بها هديا فإن لم يبلغ اشتري به طعام فإن لم يجد ما يشتري به هديا ولا طعاما صام بقيمتها ينظر كم تكون تلك الدراهم طعاما فيصوم عن كل صاع من بر يومين

واختلف فيها قول الشافعي فقال مرة بالترتيب هدي فإن لم يجد فطعام فإن لم يجد فصيام ومرة بالتخيير كما قال مالك وهو الصواب عندي لأن الله عز وجل يقول يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما المائدة وحقيقة أو التخيير لا الترتيب والله أعلم واختلفوا هل يقدم الصيد أو المثل فقال مالك إذا اختار قاتل الصيد أن يحكم عليه بالإطعام قوم الصيد على أنه حي كم يساوي من الطعام وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي يقوم المثل ولهم في ذلك حجج يطول ذكرها فقال مالك يقوم الصيد طعاما فإن قوم دراهم ثم قوم الطعام بالدراهم رأيت أن يجزئ وقال الشافعي ومحمد بن الحسن يقوم بالدراهم ثم تقوم الدراهم طعاما وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا حكم الحكمان بالقيمة كان المحكوم عليه مخيرا إن شاء أهدى وإن شاء صام وإن شاء تصدق واختلفوا في موضع الإطعام فمذهب مالك أن الإطعام في الموضع الذي أصاب فيه الصيد إن كان ثم طعام وإلا في أقرب المواضع إليه حيث الطعام وقال أبو حنيفة يطعم إن شاء في الحرم وإن شاء في غيره وقال الشافعي لا يطعم إلا مساكين مكة كما لا ينحر الهدي إلا بمكة واختلفوا في مقدار الإطعام والصيام عنه فقال مالك يطعم كل مسكين مدا أو يصوم مكان كل مد يوما وهو قول الشافعي وأهل الحجاز وقال أبو حنيفة يطعم كل مسكين مدين أو يصوم مكان كل مدين يوما وهو قول الكوفيين ومجاهد واختلفوا في المحرم يقتل الصيد ثم يأكل منه فقال مالك والشافعي ليس عليه إلا جزاء واحد

وهو قول أبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة في قتلة الجزاء كامل وفي أكله ضمان ما أكل وبه قال الأوزاعي وقال الأوزاعي لو صاد الحلال في الحرم فعليه الجزاء فإن أكل مما صاد لم يضمن شيئا مما أحل واختلفوا في الحلال إذا دخل معه من صيد الحل شيئا إلى الحرم هل يجوز له أن يذبحه في الحرم ففي الموطأ الذي يصيد الصيد وهو حلال ثم يذبحه وهو محرم عليه جزاؤه وهو بمنزلة الذي يبتاعه وهو محرم ثم يقتله وقد روي عنه أن للمحل الذي صاده في الحل أن يذبحه في الحرم وأن يبيعه ويهبه فيه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز له فيه شيء من ذلك وعليه أن يرسله واتفقوا في المحرم إذا قتل صيدا مملوكا لغيره أن عليه قيمته لصاحبه والجزاء وخالفهم المزني فقال لا جزاء عليه ولا يلزمه غير قيمته باب ما يقتل المحرم من الدواب مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور وعن عبد الله بن دينار عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في معناه

وروى أيوب عن نافع عن بن عمر مثله سواء وزاد قال أيوب قلت لنافع فالحية قال الحية لا شك في قتلها وقال بعضهم عن أيوب قلت لنافع فالحية قال الحية لا يختلف في قتلها واختلف فيه عن الزهري فرواه بن عيينة عن الزهري عن سالم عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه زيد بن جبير عن بن عمر قال أخبرتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله كان يأمر المحرم بقتل خمس من الدواب فذكر مثله سواء وقد ذكرنا الأسانيد بذلك كله في التمهيد وعن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق يقتلن في الحرم فذكره سواء رواه معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر مالك عن بن شهاب أن عمر بن الخطاب أمر بقتل الحيات في الحرم قال مالك في الكلب العقور الذي أمر بقتله في الحرم إن كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو الكلب العقور وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب والهر وما أشبههن من السباع فلا يقتلهن المحرم فإن قتله فداه وأما ما ضر من الطير فإن المحرم لا يقتله إلا ما سمى النبي صلى الله عليه وسلم الغراب والحدأة وإن قتل المحرم شيئا من الطير سواهما فداه قال أبو عمر أجمع العلماء على القول بجملة معنى أحاديث هذا الباب واختلفوا في تفصيلها على ما نورده عنهم بحول الله وقوته إن شاء الله

فأما الكلب العقور فقد ذكر مالك مذهبه فيه في موطئه على حسب ما أوردناه ومذهب بن عيينة في الكلب العقور نحو مذهب مالك قال بن عيينة معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكلب العقور كل سبع يعقر ولم يخص به الكلب قال سفيان و فسره لي زيد بن أسلم كذلك وكذلك قال أبو عبيد وروى زهير بن محمد عن زيد بن أسلم عن عبد ربه بن سبلان عن أبي هريرة قال الكلب العقور كالأسد فكل هؤلاء يقولون إنه لم يعن بالكلب العقور الكلاب الآنسية العادي منها ولا غير العادي دون سائر ما يعقر الناس ويعدو عليهم من السباع كلها واحتج بعض من ذهب هذا المذهب بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في عتبة بن أبي لهب اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فعدى عليه الأسد فقتله ومذهب الثوري في ذلك كمذهب مالك قال الثوري يقتل المحرم الكلب العقور قال وهو كل ما عدا عليك من السباع تقتله ولا كفارة عليك ومذهب الشافعي في الكلب العقور نحو ذلك أيضا قال الشافعي الكلب العقور ما عدا على الناس من الكلاب قال ومثل الكلب العقور كل سبع عقور مثل النمر والفهد والذئب والأسد ونحوه قول أحمد بن حنبل قال تقتل كل ما عدا عليك وعقرك وآذاك ولا فدية عليك فهؤلاء العلماء كلهم مذاهبهم متقاربة في العبارة عن الكلب العقور وكلهم لا يرى ما ليس من السباع الغراب والحدأة في الأغلب ليست في معنى الكلب العقور في شيء ولا يجوز للمحرم عندهم قتل الهر الوحش ولا الثعلب ولا الضبع وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يقتل المحرم من السباع إلا الكلب والذئب فقط يقتلهما فلا شيء عليه فيهما ابتدآه أو ابتدأهما وإن قتل شيئا من السباع فداه إلا أن يكون ابتدأه السبع فإن ابتدأه فقتله فلا شيء عليه وإن لم يبتدئه وقتله أفداه

وهو قول الأوزاعي والحسن بن صالح وقال زفر لا يقتل المحرم إلا الذئب وحده ومتى قتل غيره فعليه الفدية ابتدأه أو لم يبتدئه قال أبو عمر تلخيص مذهب مالك في الكلب العقور وسائر السباع فيما ذكره بن القاسم وبن وهب وأشهب عنه أن المحرم يقتل السباع التي تعدو على الناس وتفترس ابتدأته أو ابتدأها جائز له قتلها على كل حال وأما صغار أولادها التي لا تعدو على الناس ولا تفترس فلا يقتلها ولا يقتل ضبعا ولا ثعلبا ولا هرا وحشيا إلا أن يبتدئه أحد هذه بالأذى والعداء عليه فإن فعل فله قتله ودفعه عن نفسه قال بن القاسم كما لو أن رجلا عدا على رجل فأراد قتله فدفعه عن نفسه لم يكن عليه شيء وقال أشهب عنه إن قتل المحرم ثعلبا أو هرا أو ضبعا وداه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن في قتل السباع وإنما أذن في قتل الكلب العقور قال وكذلك صغار الذئاب والنمور لا يرى أن يقتلها المحرم فإن قتلها فداها وهي مثل فراخ الغربان وقال أبو حنيفة كل من قتل شيئا من السباع صغيرا أو كبيرا فداه إلا الكلب العقور والذئب وقال الشافعي الذي يجوز للمحرم قتله من السباع فصغاره وكباره سواء يقتلها ولا شيء عليه وما لا يجوز قتله صغيرا لم يقتله كبيرا وكل ما لا يجوز أكل لحمه فلا بأس على المحرم في قتله وجائز عنده أكل الضبع والثعلب والهر وسنبين مذهبه ومذهب سائر العلماء فيما يؤكل من الدواب في بابه من هذا الكتاب عند ذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع إن شاء الله وليس هذا الباب فيما للمحرم قتله عند مالك وأصحابه من باب ما يؤكل لحمه في شيء يعقب على ذلك وأما الغراب والحدأة في هذا الباب فقال أشهب سئل مالك أيقتل المحرم الغراب والحدأة من غير أن يضرانه قال لا إلا أن يضرانه إنما أذن في قتلهما إذا أضرا في رأيي فأما أن يصيبهما بدءا فلا وهما صيد

وليس للمحرم أن يصيد وليا مثل العقرب والفأرة والغراب والحدأة صيد فإن أضر الغراب والحدأة بالمحرم فله أن يقتلهما قال ولا بأس أن يقتل الحية والفأرة والعقرب وإن لم تضره وقال بن وهب وأشهب عن مالك أما الطير فلا يقتل المحرم منه إلا ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغراب والحدأة ولا أرى له أن يقتلهما إلا أن يضراه وقال أبو حنيفة وأصحابه لا شيء على المحرم في قتل الحية والعقرب والحدأة الفأرة والغراب وقال الشافعي لا بأس بقتل الغراب والحدأة والرحم والنسور والخنافس والقردان والحلم وكل ما لا يؤكل لحمه فلا شيء على المحرم في قتل شيء من ذلك ولا بأس بقتله للمحرم وغيره هذا معنى قوله وهو قول بن عمر وعائشة وعروة وبن شهاب ذكر الساجي قال حدثني علي بن عبد الحميد الغدائري قال حدثنا الهيثم بن جميل قال حدثني شريك عن هشام بن عروة عن أبيه قال ذكر عند بن عمر الغراب فقال هو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفويسق والله ما هو من الطيبات التي ذكر الله عز وجل في القرآن قال وحدثني محمد بن الحارث المخزومي قال حدثني بن أبي أويس عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت إني لأعجب من أكل الغراب وقد رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه فاسقا والله ما هذا من الطيبات وحدثني بن المثنى قال حدثنا أبو داود قال حدثني همام عن قتادة أنه كره لحم الغراب قال وحدثني عبد الرزاق قال حدثني حجاج بن المنهال قال حدثني حماد بن سلمة قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه أنه سئل عن لحم الغراب فكرهه قال أبو عمر جائز عند مالك أكل الغراب والحدأة وكل ذي مخلب من الطير ولم يصح عنده في ذلك النهي الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد صح عند أبي بكر الصديق أنه قال كل الطير كله وقد ذكرنا الخبر عنه في غير هذا الموضع وهو قول عطاء وجماعة من العلماء

وذكر بن وهب عن خالد بن حميد عن عقيل عن بن شهاب أنه سأله رجل عن أكل البازي فأمره بأكله قال بن وهب وأخبرني الليث قال كتبت إلى يحيى بن سعيد في لحم الغراب والحدأة والنسر والصقر والبازي والعقاب وأشباهها هل يكره أم لا فقال يحيى بن سعيد ليس ينبغي أن تحرم إلا ما حرم الله عز وجل أو بما تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عنه قال بن وهب وسألت مالكا عن أكل الغراب والحدأة وقلت له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماهما فاسقين وأمر المحرم بقتلهما فقال لم أدرك أحدا ينهى عن أكلهما قال ولا بأس بأكلهما قال وإني لأكره أكل الفارة والحية والعقرب من غير أن أراه حراما قال ومن أكل حية فلا يأكلها حتى يذكيها قال أبو عمر العلماء مجمعون على قتل الحية والعقرب في الحل والحرم للحلال والمحرم وكذلك الأفعى عندهم جميعهم وفي حديث بن مسعود كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ليلة عرفة فخرجت حية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوا فسيقا وفي حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل المحرم الأفعى والأسود والحية والعقرب والحدأة والكلب العقور والفويسقة قال أبو عمر قد ذكرنا إسناد هذين الحديثين في التمهيد والأسود الحية والفويسقة الفأرة روى شعبة عن مخارق بن عبد الله عن طارق بن شهاب قال اعتمرت فمررت بالرمال فرأيت حيات فجعلت أقتلهن وسألت عمر فقال هي عدو فاقتلوهن

وقال بن عيينة سمعت الزهري يحدث عن سالم عن أبيه أن عمر سئل عن الحية يقتلها المحرم فقال هي عدو فاقتلوها حيث وجدتموها قال سفيان وقال لنا زيد بن أسلم ويحك أي كلب أعقر من الحية قال أبو عمر وكذلك أجمع العلماء على جواز قتل الفأرة في الحل والحرم وقتل العقرب والوزغ إلا أن بن القاسم وبن وهب وأشهب رووا عن مالك وذكره بن عبد الحكم عنه قال لا أدري أن يقتل المحرم الوزغ لأنه ليس من الخمس التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهن قيل له فإن قتل المحرم الوزغ قال أرى أن يتصدق وهو مثل شحمة الأرض وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الدواب فليس عليهن شيء إلا سبعا قال ولا يقتل المحرم قردا ولا خنزيرا ولا الحية الصغيرة ولا صغار السباع ولا فراخ الغربان قال أبو عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الوزغ وسماه فويسقا رواه بن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن بن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم والآثار بذلك متواترة وقد ذكرنا بعضها في التمهيد وقد أجاز مالك قتل الحية والأفعى وليست من الخمس التي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم والكلب العقور عنده صفة لا عين مسماة فيدخل في ذلك أكثر من الخمس وقد قال إسماعيل بن إسحاق اختلف في الزنبور فشبهه بعضهم بالحية والعقرب قال ولولا أن الزنبور لا يبتدئ لكان أغلظ على الناس من الحية والعقرب ولكنه ليس في طبعه من الأذى ما في الحية والعقرب لأنه إنما يجيء إذا أوذي قال فإن عرض الزنبور لإنسان فدفعه عن نفسه لم يكن عليه فيه شيء

قال إسماعيل وإنما لم يدخل أولاد الكلب العقور في حكم العقور لأنهن لا يعقرن في صغرهن قال وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس فواسق والفواسق فواعل والصغار لا فعل لهن قال أبو عمر وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم التمثيل بالبهائم ونهى أن يتخذ شيئا فيه الروح غرضا ونهى أن تصبر البهائم وذلك فيما يجوز أكله وفيما لا يجوز وإجماع العلماء المسلمين على ذلك وقال صلى الله عليه وسلم من قتل عصفورا بغير حقه عذب به يوم القيامة قيل وما حقه يا رسول الله قال يذبحه ولا يقطع رأسه فيرمي به وفي هذا كله دليل واضح أن ما يحل أكله لا يجوز قتله لما فيه من الفساد وإضاعة المال والله قد نهى عن الفساد وأخبر أنه لا يحبه وقد نهى عن إضاعة المال وكل مقدور عليه ذكاته الذبح وكل ممتنع من الصيد ذكاته الحديد حيث أدركت منه مع سنة التسمية في ذلك وقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل تلك الفواسق وشبهها في الحل والحرم على ما في حديث عائشة وغيره وقال المحرم يقتله

وأما مالك ومن تابعه على جواز أكل الطير كله ذي المخلب منه وغير ذي المخلب فمن حجتهم أن الحدأة والغراب استثناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصيد الذي نهى المحرم عنه وقد قالت فرقة منهم مجاهد بن جبر ولا يقتل الغراب ولكن يرمي وروي ذلك عن علي رضي الله عنه ولا يصح عنه وقد ذكرنا إسناده عنه في التمهيد واحتج من قال بذلك بحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عما يقتل المحرم فقال الحية والعقرب والفويسقة ويرمي الغراب ولا يقتله والكلب العقور والحدأة والسبع العادي رواه هشيم قال حدثني يزيد بن أبي زياد قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري وقد ذكرناه بإسناده ويزيد بن أبي زياد ليس بحجة فيما انفرد به وشذت فرقة أخرى فقالت لا يقتل من الغربان إلا الغراب الابقع واحتجوا بما حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمر بن علي قال حدثني يحيى قال حدثني شعبة قال حدثني قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس يقتلهن المحرم الحية والفأرة والحدأة والغراب والأبقع والكلب العقور قال أبو عمر الأبقع من الغربان الذي في ظهره وبطنه بياض وكذلك الكلب الأبقع أيضا وأما الأدرع فهو الأسود والغراب الأعصم هو الأبيض الرجلين وكذلك الوعل الأعصم عصمته بياض في رجليه باب ما يجوز للمحرم أن يفعله مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث

التيمي عن ربيعة بن أبي عبد الله بن الهدير أنه رأى عمر بن الخطاب يقرد بعيرا له في طين بالسقيا وهو محرم قال أبو عمر تقريد البعير نزع القراد عنه ورميه وكان عمر يدفنها في الطين لئلا ترجع إلى البعير وليكون أعون له على قتلها وأدخل مالك هذا الخبر عن عمر بعد ما ترجم الباب ب ما يجوز للمحرم أن يفعله ثم قال بأثر عمر هذا قال مالك وأنا أكرهه ثم أدخل في هذا الباب عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكره أن ينزع المحرم حلمة أو قرادا عن بعيره قال مالك وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر كأنه رأى أن قول بن عمر أحوط فمال إليه ولم يتابعه جمهور العلماء عليه لأن القراد ليس من الصيد فيدخل في معنى قول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم المائدة ولا هو ممن يعتبر به المحرم في نفسه من الصبر مما يغير به المحرم في نفسه من الصيد على أذاه وليس في جسده ولا في رأسه ولم يتعد كونه في هوام جسد بعيره فليس لقول بن عمر وجه ولا معنى صحيح في النظر وقد قال بن عباس لا بأس أن يقتل المحرم القراد والحلم والبراغيث قال أبو عمر على قول بن عباس في هذا اكثر الناس قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث والأوزاعي لا بأس أن يقرد المحرم بعيره وهو قول جابر بن زيد وعطاء وبه قال أبو ثور وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وداود والطبري

مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسأل عن المحرم أيحك جسده فقالت نعم فليحككه وليشدد ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء في أن للمحرم أن يحك جسده وأن يحك رأسه حكا رقيقا لئلا يقتل قملة أو يقطع شعرة وإنما قالت عائشة والله أعلم يحك المحرم جسده وليشدد لأن شعر الجسد حق عند أهل العلم وهم لا يرون على من حك رأسه شيئا إلا أن يستيقن أنه قتل قملا أو قطع شعرا ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز للمحرم أخذ شيء من شعر رأسه وجسده لضرورة ما دام محرما فإن فعل فقد تجاوز له بعض العلماء في اليسير من الشعر مثل الشعرة والشعرتين قال عطاء ليس في الشعرة ولا في الشعرتين شيء قال عطاء فإن كن شعرات ففيهن الكفارة قال أبو عمر الكفارة ما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على كعب بن عجرة وسيأتي القول في هذا في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله وقال الشافعي إذا قطع المحرم من رأسه أو جسده ثلاث شعرات أو نتفهن فعليه فدية وإن نتف شعره فعليه مد وإن نتف شعرتين فمدان وبه قال أبو ثور ولم يحد مالك في ذلك شيئا وقال مالك فيمن نتف شعر أنفه أو إبطيه أو اصطلى بنورة أو حلق عن شجة في رأسه لضرورة أو حلق قفاه لموضع المحاجم وهو محرم ناسيا أو جاهلا فعليه الفدية قال أبو عمر قول مالك أصوب لأن الحدود في الشريعة لا تصح إلا بتوقيف ممن يجب التسليم له وقال أبو حنيفة وأصحابه إن أخذ المحرم من شعر رأسه أو لحيته فعليه صدقة أو نتف شعرات فإن نتف إبطيه فعليه دم وإن حلق موضع المحاجم فعليه دم في قول أبي حنيفة

وفي قول أبي يوسف ومحمد عليه صدقة وروي عن الحسن البصري أن عليه في شعرة واحدة دما وهذا إسراف والله أعلم مالك عن أيوب بن موسى أن عبد الله بن عمر نظر في المرأة لشكو كان بعينيه وهو محرم قال أبو عمر لم يرو مالك هذا الخبر عن نافع وقد رواه عبيد الله وعبد الله العمريان عن نافع عن بن عمر ورواه أيوب السختياني عن نافع عن بن عمر ذكره معمر عن أيوب عن نافع قال رأيت بن عمر نظر في المرآة وهو محرم قال أبو عمر روي عن مالك أنه كره النظر في المرآة للمحرم من غير شكوى وكأنه دخل قوله في بن عمر لشكوى كانت بعينيه يريد أنه لم يكن نظره فيها رفاهية ولا زينة ولا لدفع شيء من الشعث وعن الحسن وبن سيرين وعطاء وطاوس ومجاهد أنه لا بأس للمحرم أن ينظر في المرآة وقد روي عن عطاء أنه كرهه إذا كان ذلك لزينة واختلف عن بن عباس فروى بن جريج عن عطاء الخرساني أن بن عباس كره أن ينظر المحرم في المرآة وروى هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس قال لا بأس أن ينظر المحرم في المرآة قال أبو عمر على هذا الناس لأن الله تعالى لم ينه عن ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في الأصول شيء يمنع منه مالك عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم أنه سأل سعيد بن المسيب عن ظفر له انكسر وهو محرم فقال سعيد اقطعه وهذا أيضا لا بأس به عند العلماء وذكر عبد الرزاق عن معمر والثوري عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس

قال المسلم ينزع ضرسه وإن انكسر ظفره طرحه أميطوا عنكم الأذى فإن الله تعالى لا يصنع بأذاكم شيئا وسئل مالك عن الرجل يشتكي أذنه أيقطر في أذنه من البان الذي لم يطيب وهو محرم فقال لا أرى بذلك بأسا ولو جعله في فيه لم أر بذلك بأسا قال أبو عمر ما ليس بطيب فلا يختلف العلماء في أنه مباح ويحل للمحرم مباشرته والتداوي به قال مالك ولا بأس أن يبط المحرم خراجه ويفقأ دمله ويقطع عرقه إذا احتاج إلى ذلك قال أبو عمر الأصل في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم من أذى كان به وفي ذلك إباحة التداوي بقطع العرق وشبهه من بط الخراج وفقء الدمل وقلع الضرس وما كان مثل ذلك كله وعلى ذلك فتوى جماعة الفقهاء وعلى ذلك مضى من قبلهم من التابعين وسلف العلماء وقد أجمعوا على نزع الشوكة وشبهها للمحرم وقد مضى معنى هذا الباب والله الموفق للصواب باب الحج عمن يحج عنه مالك عن بن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن

عباس قال كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر فقالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم وذلك في حجة الوداع قال أبو عمر وهذا الحديث قد سمعه سليمان بن يسار من عبد الله بن عباس من رواية الأوزاعي وبن عيينة عن الزهري حدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني الزهري قال حدثني الحميدي وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قالا حدثنا سفيان قال حدثني الزهري قال سمعت سليمان بن يسار يقول سمعت بن عباس يقول إن امرأة من خثعم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة النحر والفضل رديفه فقالت إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة هل ترى أن أحج عنه قال نعم قال الحميدي وحدثني سفيان قال كان عمرو بن دينار حدثناه أولا عن الزهري عن سليمان بن يسار عن بن عباس وزاد فيه فقالت يا رسول الله أو ينفعه ذلك قال نعم كما لو كان على أحدكم دين فقضاه غيره عنه قال فلما جاءنا الزهري تفقدت هذا فلم يقله قال أبو عمر هذه الرواية التي رواها عمرو بن دينار عن الزهري بإسناده المذكور محفوظة من وجوه كثيرة من حديث الزهري وغيره وليس ما سمعه بن عيينة من عمرو بن دينار عن الزهري بدون ما سمعه هو من الزهري وعمرو أحد الأئمة الحفاظ وفي هذا الحديث من الفقه ركوب شخصين على دابة هذا مما لا خلاف فيه جوازه إذا أطاقت الدابة ذلك وفيه إباحة الارتداف وذلك من التواضع وأفعال رسو ل الله صلى الله عليه وسلم كلها سنن مرغوب فيها يحسن التأسي بها على كل حال وجميل الارتداف بالجليل من الرجال وفيه بيان ما ركب في الآدميين من شهوات النساء في الرجال والرجال في النساء وما يخاف من النظر إليهن وكان الفضل بن عباس من أجمل الشبان في زمانه

وفيه أن على العالم والإمام أن يغير من المنكر كل ما يمكنه بحسب ما يقدر عليه إذا رآه وليس عليه ذلك فيما غاب عنه وفيه دليل على أنه يجب على الإمام أن يحول بين الرجال والنساء اللواتي لا يؤمن عليهن ولا منهن الفتنة ومن الخروج والمشي منهن في الحواضر والأسواق وحيث ينظرن إلى الرجال وينظر إليهن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وفيه دليل على أن إحرام المرأة في وجهها وقد مضى القول في هذا المعنى وقد زعم بعض أصحابنا أن في هذا الحديث دليلا على أن للمرأة أن تحج وإن لم يكن معها ذو محرم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمرأة الخثعمية حجي عن أبيك ولم يقل إن كان معك ذو محرم وهذا ليس بالقوي من الدليل لأن العلم ما نطق به لا ما سكت عنه وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر إلا مع ذي محرم أو زوج وأما اختلاف أهل العلم في معنى هذا الحديث الذي له سن وذلك حج المرء عن من لا يطيق الحج من الأحياء فإن جماعة منهم ذهبوا إلى أن هذا الحديث مخصوص به أبو الخثعمية لا يجوز أن يتعدى به إلى غيره بدليل قول الله عز وجل ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا آل عمران ولم يكن أبو الخثعمية ممن يلزمه الحج لما لم يستطع إليه سبيلا فخص بأن يقضى عنه وينفعه ذلك وخصت ابنته أيضا أن تحج عن أبيها وهو حي وممن قال بذلك مالك وأصحابه قالوا خص أبو الخثعمية والخثعمية بذلك كما خص سالم مولى أبي حذيفة برضاعه في حال الكبر وهذا مما يقول به المخالف فيلزمه وروي معنى قول مالك عن عبد الله بن الزبير وعكرمة وعطاء والضحاك

قال بن الزبير والاستطاعة القوة وقال عكرمة الاستطاعة الصحة وقال أشهب قيل لمالك الاستطاعة الزاد والراحلة قال لا والله وما ذاك إلا على قدر طاقة الناس فرب رجل يجد زادا وراحلة ولا يقدر على المسير وآخر يقوى يمشي على راحلته وإنما هو كما قال الله عز وجل من استطاع إليه سبيلا قال أبو عمر وذهب آخرون إلى أن الاستطاعة تكون في البدن والقدرة وتكون أيضا بالمال لمن لم يستطع ببدنه واستدلوا بهذا الحديث وما كان مثله وممن قال بذلك الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وسعيد بن جبير والحسن وعمرو بن دينار والسدي كلهم وجماعة سواهم يقولون السبيل الزاد والراحلة وهذا يدل على أن فرض الحج على البدن والمال وروي عن النبي عليه السلام أنه قال السبيل الزاد والراحلة من وجوه منها مرسلة ومنها ضعيفة والاستطاعة في لسان العرب تكون بالمال وتكون بالبدن وتقول العرب أنا أستطيع أن أبني داري يعني بماله وكذلك سائرها يشبهه ذلك والاحتجاج لكلا الفريقين يطول وليس هنا مما قصد به إلى ذلك وقد أوضحنا أصول ذلك في التمهيد وأما اختلافهم في المعضوب الذي لا يستطيع أن يثبت على الراحلة لكبر أو لضعف أو لزمانة فقال مالك لا حج على من هذه حاله وإن كان واجدا لما يبلغه الحج من ماله وقال أبو حنيفة والشافعي هو مستطيع إذا وجد من يحج عنه بمال أو بغير مال

قال الشافعي الاستطاعة على وجهين أحدهما أن يكون مستطيعا ببدنه والآخر من ماله ما يبلغه الحج زاد وراحلة قال والوجه الآخر أن يكون معضوبا ببدنه لا يقدر على مركب بحال وهو قادر على من يطيعه إذا أمره أن يحج عنه بطاعته له أو باستحبابه له فيكون ممن يلزمه الحج واحتج بحديث الخثعمية قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حجي عن أبيك فإن ذلك يجزئ كما لو كان عليه دين فقضيته عنه قال أبو عمر احتج بعض أصحابنا المالكيين بحديث عبد الرزاق عن الثوري عن سليمان بن الشيباني عن يزيد بن الأصم عن بن عباس أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحج عن أبي قال نعم إن لم تزده خيرا لم تزده شرا قال أبو عمر هذا الحديث قد أنكروه على عبد الرزاق وخطؤوه فيه لأنه حديث لم يروه أحد عن الثوري غيره فلا يوجد في غير كتاب عبد الرزاق وقالوا هذا حديث منكر لا يشبه ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم ومحال أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يدري أينفع أم لا حدثني خلف بن سعيد قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني أحمد بن خالد قال حدثني عبيد بن محمد الكشوري قال لم يرو حديث الشيباني عن يزيد بن الأصم عن بن عباس أحد غير عبد الرزاق عن الثوري لم يروه عن الثوري كوفي ولا بصري ولا حجازي ولا أحد غير عبد الرزاق قال أبو عمر لما لم يوجد عند من هو أعرف بالثوري من عبد الرزاق مثل القطان وبن مهدي ووكيع وأبي نعيم وبن المبارك والفريابي والأشجعي وغيرهم علم أن عبد الرزاق قد وهم فيه لفظا وأشبه عليه وقد روى شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين العقيلي أنه قال يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن قال حج عن أبيك واعتمر وقد روى هشيم وغيره عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس

قال أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أختي نذرت أن تحج فماتت أفأحج عنها قال نعم أرأيت لو كان عليها دين فقضيه الله أولى بالوفاء وفي هذا الحديث الحج عن الميت وفي هذا الباب أحاديث كثيرة قد ذكرنا أكثرها في التمهيد وقد أجمعوا أن لا تقضى الصلاة عن حي ولا ميت واختلفوا في الصيام لاختلاف الآثار في ذلك والله أعلم ففي هذا الحديث مع إيجاب الحج على من قدر عليه بماله وضعف عن إقامته ببدنه جواز حج الرجل عن غيره وقد اختلف العلماء في ذلك فقال الحسن بن صالح بن حي لا يحج أحد عن أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الإسلام وهو قول مالك والليث وقال أبو حنيفة للصحيح أن يأمر من يحج عنه يكون ذلك في ثلثه وإن تطوع رجل بالحج عنه بعد الموت أجزاه ولا يجوز عنده أن يؤاجر أحد نفسه في الحج وقول الثوري نحو قول أبي حنيفة قال سفيان الثوري إذا مات الرجل ولم يحج فليوص أن يحج عنه فإن هو لم يوص فحج عنه ولده فحسن فإنما هو دين يقضيه قال وقد كان يستحب لذي القرابة أن يحج عن قرابته فإن كان لا قرابة له فمواليه إن كان له موالي فإن ذلك يستحب فإن أحجوا عنه رجلا تطوعا فلا بأس قال سفيان وإذا أوصى الرجل أن يحج عنه فليحج عنه ولا ينبغي لرجل أن يحج عن غيره إذا لم يحج عن نفسه وقال بن أبي ليلى والأوزاعي والشافعي يحج عن الميت وإن لم يوص به ويجزيه

قال الشافعي ويكون ذلك من رأس المال وقال مالك يجوز أن يحج عن الميت من لم يحج قط ولكن الاختيار أن يحج عن نفسه أولا ثم يحج عن غيره وهو قول أبي حنيفة والأوزاعي والثوري وقال لا يحج عن الميت إلا من حج عن نفسه وكان يكره أن تحج المرأة عن الرجل ولا يكره للرجل أن يحج عن المرأة لأن المرأة تلبس والرجل لا يلبس وقال الشافعي لا يحج عن الميت إلا من حج عن نفسه فإن حج عن الميت صرورة كانت نيته للنفل لغوا وقال الشافعي جائز أن يؤاجر نفسه في الحج ولست أكرهه وقال مالك وأكره أن يؤاجر نفسه في الحج فإن فعل جاز وهكذا كان قول الشافعي بالعراق وعند أبي حنيفة لا يجوز الاستئجار على الحج قربة إلى الله عز وجل ولا يصح أن يعمله غير المتقرب به واحتج بعض أصحابه بالإجماع على أنه لا يجوز أن يستأجر الذمي بأن يحج عن مسلم وذلك لأنه قربة للمسلم ومن حجة مالك والشافعي على جواز ذلك إجماعهم على كتب المصحف وبناء المسجد وحفر القبر وصحة الاستئجار في ذلك وهو قربة إلى الله عز وجل فكذلك عمل الحج عن الغير والصدقات قربة إلى الله عز وجل وقد أباح للعامل عليها الأجر على عمالته ويدخل عليهم في احتجاجه بالإجماع على أن الذمي لا يجوز لمسلم أن يستأجره على أداء الحج عن نفسه إجماعهم أيضا أنه لا يجوز استئجار الذمي في التطوع بالحج وهم يحرمونه للمسلم في التطوع فكذلك الفرض وفي حديث الخثعمية حديث مالك هذا رد على الحسن بن صالح بن حي في قوله أن المرأة لا يجوز أن تحج عن الرجل وهو حجة لمن أجاز ذلك وأما حجة من أبى من جواز حج الرجل وهو صرورة عن غيره حتى يحج عن

نفسه ما حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثني إسحاق بن إسماعيل الطالقاني قال حدثني عبدة بن سليمان عن بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي فقال حججت عن نفسك قال لا قال فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة ومن أبى القول بهذا الحديث علله بأنه قد روي هذا الحديث موقوفا على بن عباس أنه سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة الحديث لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يرويه عن قتادة عن سعيد بن جبير لا يذكر عزرة والذي يقبله يحتج بأن الذي رفعه حافظ قد حفظ ما فسر عنه غيره فوجب قبول زيادته وبالله التوفيق هو حسبي ونعم الوكيل باب ما جاء فيمن أحصر بعدو قال مالك من حبس بعدو فحال بينه وبين البيت فإنه يحل من كل شيء وينحر هديه ويحلق رأسه حيث حبس وليس عليه قضاء مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدي ثم لم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا يعودوا لشيء مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بعمرة من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة عام الحديبية ثم إن عبد الله نظر في أمره فقال ما أمرهما إلا واحد ثم التفت إلى أصحابه

فقال ما أمرهما إلا واحد أشهدكم إني قد أوجبت الحج والعمرة ثم نفذ حتى جاء البيت فطاف طوافا واحدا ورأى ذلك مجزيا عنه وأهدى قال مالك فهذا الأمر عندنا فيمن أحصر بعدو كما أحصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأما من أحصر بغير عدو فإنه لا يحل دون البيت قال أبو عمر الإحصار عند أهل العلم منها المحصر بعدو وبالسلطان الجائر ومنها بالمرض وأصل الأسر في اللغة الحبس والمنع قال الخليل وغيره حصرت الرجل حصرا منعته وحبسته قال وأحصر الرجل عن بلوغ مكة والمناسك من مرض أو نحوه هكذا قالوا جعلوا الأول ثلاثيا من حصرت والثاني رباعيا من أحصرت في المرض وعلى هذا خرج قول بن عباس لا حصر إلا حصر العدو ولم يقل لا إحصار إلا إحصار العدو وقال جماعة من أهل اللغة يقال أحصر من عدو ومن المرض جميعا وقالوا حصر وأحصر بمعنى واحد في المرض والعدو ومعنى أحصر حبس واحتج من قال هذا من الفقهاء بقول الله عز وجل فإن أحصرتم البقرة وإنما نزلت هذه الآية في الحديبية وكان حبسهم ومنعهم يومئذ بالعدو قال أبو عمر إما قول مالك فيمن أحصر بعدو أنه يحل من إحرامه ولا هدي عليه ولا قضاء إلا أنه إن كان ساق هديا نحره فقد وافقه الشافعي على أنه في الموضع الذي حيل فيه بينه وبين الوصول إلى البيت وأنه لا قضاء عليه إلا أن يكون صرورة فلا يسقط ذلك عنه فرض الحج وخالفه في وجوب الهدي عليه فقال الشافعي عليه الهدي ينحره في المكان الذي حبس فيه ويحل وينصرف وهو قول مالك في المحصر بعدو أنه ينحر هديه حيث حصر في الحرم وغيره إلا أنه إن لم يسق هديا لم يوجب عليه هديا وعند الشافعي لا بد له من الهدي فإذا نحره في موضعه حل وهو قول أشهب

واتفق مالك والشافعي أن المحصر بعدو ينحر هديه حيث حبس وصد ومنع في الحل كان أو في الحرم وخالفهما أبو حنيفة وأهل الكوفة وسنذكره بعد واختلف في نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية هل كان في الحل أو الحرم فكان عطاء يقول لم ينحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه يوم الحديبية إلا في الحرم وهو قول بن إسحاق وقال غيره من أصحاب المغازي وغيرهم لم ينحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه يوم الحديبية إلا في الحل وهو قول الشافعي واحتج بقول الله عز وجل هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله الفتح وذكر يعقوب بن سفيان الفسوي قال بن أبي أويس عن مجمع بن يعقوب عن أبيه قال لما حبس رسول الله وأصحابه نحروا بالحديبية وحلقوا فبعث الله تعالى ريحا عاصفا فحملت شعورهم فألقتها في الحرم وهذا يبين أنهم حلقوا بالحل قال أبو عمر قوله عز وجل في يوم الحديبية ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله البقرة يعني حتى تنحروا ومحله هذا نحره وأما قوله في البدن ثم محلها إلى البيت العتيق الحج فهذا لمن لم يمنع من دخول مكة ومكة كلها ومنى مسجد لمن قدر على الوصول إليها وليس البيت بموضع النحر وقال أبو حنيفة على المحصر أن يقدم الهدي ولا يجوز له أن ينحره إلا في الحرم وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأكثر أهل العراق الإحصار بالمرض والإحصار بعدو سواء وتبيين مذهبهم في ذلك في الباب بعد هذا إن شاء الله وقال مالك والشافعي لا حصر إلا حصر العدو وهو قول بن عباس يريدون أن حصر العدو لا يشبهه حصر المرض ولا غيره لأنه من حصر بالعدو

خاصة يحل في موضعه على ما وصفنا دون الوصول إلى البيت والمحصر بمرض لا يحله إلا الطواف والسعي بين الصفا والمروة ولا قضاء عند مالك والشافعي على المحصر بعدو إذا فاته ما دخل فيه بخلاف من فاته الحج وبخلاف المريض إلا أن يكون صرورة ولم يحج حجة الإسلام فإن كان كذلك لم يجزه ذلك من حجة الإسلام وجملة قول أبي حنيفة في المحصر بعدو أو مرض أنهما عنده سواء ينحر كل واحد منهما هدية في الحرم ويحل يوم النحر إن شاء وعليه حجة وعمرة وهو قول الطبري وقال أبو يوسف ومحمد ليس ذلك له ولا يتحلل دون يوم النحر وهو قول الثوري والحسن بن صالح واختلفوا فيمن حصره العدو بمكة فقال مالك يتحلل بعمل عمرة كما لو حصره العدو في الحل إلا أن يكون مكيا فيخرج إلى الحل ثم يتحلل بعمرة وقد قال مالك أهل مكة في ذلك كأهل الآفاق قال الشافعي الإحصار بعدو بمكة وغيرها سواء ينحر هديه ويحل مكانه وقال أبو حنيفة إذا أتى مكة محرما بالحج فلا يكون محصرا وقال مالك من وقف بعرفة فليس بمحصر ويقيم على إحرامه حتى يطوف بالبيت ويهدي وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي يكون محصرا وهو قول الحسن بن حي وللشافعي فيها قول آخر كقول مالك سواء وأما حديث بن عمر في هذا الباب ففيه من الفقه معان كثيرة منها إباحة الإهلال والدخول في الإحرام على أنه إن سلم نفذ وإن منعه مانع صنع ما يجب له في ذلك وسنذكر مسألة الاشتراط في الحج عند الإحرام به في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وفيه ركوب الطريق في الخوف وهذا إذا كان الأغلب فيه سلامة المهجة لأن بن عمر لم يخف في الفتنة إلا منع الوصول إلى البيت خاصة دون القتل لأنهم لم يكونوا في فتنتهم يقتلون من لا يقاتلهم

وأما قوله ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة وقد كان أحرم بعمرة ففيه جواز إدخال الحج على العمرة وقد مضى القول في ذلك في موضعه من هذا الكتاب وقد ذكرنا هناك ما للعلماء في إدخال الحج على العمرة وإدخال العمرة على الحج وفي إدخال الحج على الحج وفي إدخال العمرة على العمرة وجمهور العلماء مجمعون على أنه إذا أدخل الحج على العمرة في أشهر الحج قبل الطواف بالبيت أنه جائز ويكون قارنا ويلزمه ما يلزم من أهل بهما معا وقالت طائفة من أصحاب مالك له أن يدخل الحج على العمرة وإن أكمل الطواف بالبيت ما لم يسع بين الصفا والمروة وقال بعضهم له أن يدخل الحج على العمرة وأن يسعى بعد الطواف ما لم يركع ركعتي الطواف وهذا شذوذ لا نظر فيه ولا سلف له وقال أشهب متى طاف لعمرته شوطا واحدا لم يكن له إدخال الحج عليها وهذا هو الصواب إن شاء الله واختلف الفقهاء أيضا فيمن أدخل الحج على العمرة بعد أن أخذ في الطواف فقال مالك من أدخل الحج على العمرة بعد أن يفتتح الطواف لزمه وصار قارنا وروي ذلك عن أبي حنيفة والمشهور عنه أن ذلك لا يجوز إلا قبل الأخذ بالطواف وقال الشافعي لا يكون قارنا وذكر أن ذلك قول عطاء وبه قال أبو ثور وأحمد وإسحاق وأما قوله في حديث بن عمر ثم نفذ حتى جاء البيت فطاف به طوافا واحدا ورأى أن ذلك مجزيا عنه وأهدى ففيه حجة لمالك في قوله إن طواف الدخول إذا وصل بالسعي يجزئ عن طواف الإفاضة لمن تركه جاهلا أو لسنة ولم يؤده حتى رجع إلى بلده وعليه الهدي ولا أعلم أحدا قاله غير مالك ومن اتبعه من أصحابه والله أعلم على أن تحصيل مذهبه عند أكثر أصحابه انه لا يجزئ عن طواف الإفاضة إلا ما كان من الوقوف بعرفة قبل الجمرة أو بعدها

وهو قول إسماعيل ومن بعده من البغداديين من المالكيين وقال أبو الفرج هو الذي لا يجوز غيره وأنكر رواية المصريين عن مالك وجمهور العلماء على أن طواف القدوم لا يجزئ عن طواف الإفاضة لأن طواف قبل عرفة ساقط عن المكي وعن المراهق وهم مجمعون على أن طواف الإفاضة الذي يجزئ عن طواف القدوم إذا وصل بالسعي بين الصفا والمروة للناسي والجاهل إذا رجع إلى بلده وعليه دم فإن كان مراهقا أو مكيا فلا دم عليه ولا شيء وهذا ما لا خلاف فيه عن مالك وغيره وهذا يدلك من قول مالك ومن قول الجمهور على أن الطواف المفترض في الحج طواف واحد لا غير وما سواه سنة إلا أن حكم طواف الإفاضة وسنته أن يكون يوم النحر مما بعده إلى آخر أيام التشريق وفيما ذكرنا أيضا عن بن عمر حجة لمالك والشافعي وأكثر أهل الحجاز في أن القارن يجزئه طواف واحد لحجة وعمرته وسنذكر اختلاف العلماء في ذلك عند ذكر حديث عائشة وقولها فيه وأما الذين أهلوا بالحج أو جمعوا الحج مع العمرة فإنما طافوا طوافا واحدا في موضعه من هذا الكتاب وقال القعنبي في حديث بن عمر في هذا الباب ورأى أن ذلك مجزيا عنه وأهدى شاة ولم يقله في الموطأ يحيى ولا بن القاسم ولا أبو المصعب واختلف الفقهاء فيما على القارن من الهدي أو الصيام فروي عن بن عمر أن القارن أو المتمتع على كل واحد منهما هدي بدنة أو بقرة وكان يقول فما استيسر من الهدي البقرة بدنة أو بقرة يريد بدنه دون بدنه أو بقرة من بقره وهذا من مذهبه مشهور معلوم محفوظ وهو يرد رواية القعنبي في حديث بن عمر هذا ويشهد بأنه وهم في قوله وأهدى شاة إلا أن جمهور العلماء قالوا في معنى قول الله عز وجل فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي البقرة قالوا شاة روي ذلك عن عمر وعلي وبن عباس وغيرهم وعليه جماعة أهل الفتوى بالأمصار وكان مالك يقول في القارن إن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع هو والمتمتع في ذلك سواء

وقال الشافعي يجزئ القارن في ذلك شاة قياسا على المتمتع قال وهو أخف شأنا من المتمتع وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يجزئه شاة والبقرة أفضل ولا يجزئه عندهم إلا الدم عن المعسر وغيره في ذلك عندهم سواء قياسا على من جاوز الميقات غير محرم وهو يريد الحج أو رمي الجمار حتى مضت أيامها أن عليه دما ولا يجزئه منه صيام قال أبو عمر قياس القارن على المتمتع أولى وأقرب وأصوب من قياسه على من جاوز الميقات أو ترك رمي الجمار لأن المعنى الموجب للدم على المتمتع هو موجود في القارن وهو سقوط السعي عنه لحجه أو لعمرته من بلده واحتج من أوجب القضاء على المحصر بعدو بما أخبرنا به عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا النفيلي قال حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن ميمون قال سمعت أبا حاضر الحميري يحدث أبي ميمون بن مهران قال خرجت معتمرا عام حاصر بن الزبير أهل الشام بمكة وبعث معي رجالا من قومي بهدي فلما انتهيت إلى أهل الشام منعوني أن أدخل الحرم فنحرت الهدي مكاني ثم حللت ثم رجعت فلما كان من العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي فأتيت بن عباس فسألته فقال أبدل الهدي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء قوله خرجت العام المقبل لأقضي عمرتي ليس فيه قول غير قوله والخبر عن نفسه لا عن بن عباس وليس في قوله حجة وبن عباس إنما قال له أبدل الهدي وذلك حجة للشافعي وأشهب في إيجابهما الهدي على المحصر دون القضاء واحتج أيضا من قال بإيجاب القضاء على المحصر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا في العام المقبل من عام الحديبية قضاء لتلك العمرة قالوا ولذلك قيل لها عمرة القضاء واستدلوا بحديث الحجاج بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى وعمرة

قالوا وكذلك كل ممنوع محبوس ممنوع من الوصول إلى البيت بعدو أو بغير عدو يحل وعليه حجة أخرى إن كان حاجا أو عمرة إن كان معتمرا ومن زعم أن المحصر بعدو ينحر هديه ويحلق رأسه قد حل بفعله ذلك من كل شيء ولا شيء عليه احتج بان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لواحد منهم في العام المقبل إن هذه العمرة لي ولكم قضاء عن العمرة التي صددنا عنها وحصرنا ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضى عام الحديبية قريشا على أن يحج في العام المقبل وقولهم عمرة القضاء وعمرة القضية سواء إن شاء الله وبالله التوفيق لا شريك له ولا أعلم خلافا فيمن حصره العدو أنه إذا غلب عليه رجاؤه في الوصول إلى البيت وأدرك الحج أنه يقيم على إحرامه حتى ييأس فإذا يئس حل عند مالك والشافعي وأبي ثور وإن كان معه هدي نحر وقصر ورجع ولا قضاء عليه إلا أن يكون صرورة وخالفهم العراقيون فأوجبوا عليه القضاء وهو قول مجاهد وعكرمة وإبراهيم والشعبي باب ما جاء فيمن أحصر بغير عدو مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أنه قال المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة فإذا اضطر إلى لبس شيء من الثياب التي لا بد له منها أو الدواء صنع ذلك وافتدى وعن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول المحرم لا يحله إلا البيت

وعن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال خرجت إلى مكة حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس فلم يرخص لي أحد أن أحل فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر حتى أحللت بعمرة قال أبو عمر هذا الرجل الذي ذكر مالك في حديثه أنه من أهل البصرة هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي شيخ أيوب السختياني ومعلمه روى حماد بن زيد هذا الحديث عن أيوب عن أبي قلابة قال خرجت معتمرا حتى إذا كنت ببعض المياه وقعت على رجلي فكسرت فأرسلت إلى بن عمر وبن عباس فسئلا فقالا العمرة ليس لها وقت كوقت الحج يكون على إحرامه حتى يصل إلى البيت قال فبقيت على ذلك الماء ستة أشهر أو سبعة محرما حتى وصلت إلى البيت مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أنه قال من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن سعيد بن حزابة المخزومي صرع ببعض طريق مكة وهو محرم فسأل من يلي على الماء الذي كان عليه فوجد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم فذكرت لهم الذي عرض له فكلهم أمره أن يتداوى بما لا بد له منه ويفتدي فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه ثم عليه حج قابل ويهدي ما استيسر من الهدي قال مالك وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو وقد أمر عمر بن الخطاب أبا أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود حين فاتهما الحج وأتيا يوم النحر أن يحلا بعمرة ثم يرجعا حلالا ثم يحجان عاما قابلا ويهديان فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله قال مالك وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم إما بمرض أو بغيره أو بخطأ من العدد أو خفي عليه الهلال فهو محصر عليه ما على المحصر

وسئل مالك عمن أهل من أهل مكة بالحج ثم أصابه كسر أو بطن متحرق أو امرأة تطلق قال من أصابه هذا منهم فهو محصر يكون عليه مثل ما على أهل الآفاق إذا هم أحصروا قال مالك في رجل قدم معتمرا في أشهر الحج حتى إذا قضى عمرته أهل بالحج من مكة ثم كسر أو أصابه أمر لا يقدر على أن يحضر مع الناس الموقف قال مالك أرى أن يقيم حتى إذا برأ خرج إلى الحل ثم يرجع إلى مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يحل ثم عليه حج قابل والهدي قال مالك فيمن أهل بالحج من مكة ثم طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ثم مرض فلم يستطع أن يحضر مع الناس الموقف قال مالك إذا فاته الحج فإن استطاع خرج إلى الحل فدخل بعمرة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة لأن الطواف الأول لم يكن نواه للعمرة فلذلك يعمل بهذا وعليه حج قابل والهدي فإن كان من غير أهل مكة فأصابه مرض حال بينه وبين الحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة حل بعمرة وطاف بالبيت طوافا آخر وسعى بين الصفا والمروة لأن طوافه الأول وسعيه إنما كان نواه للحج وعليه حج قابل والهدي قال أبو عمر أما قول بن عمر في المحصر بمرض إنه لا يحله إلا الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فهو الذي عليه جمهور أهل الحجاز وهو قول بن عمر وبن عباس وعائشة وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وما أعلم لابن عمر مخالفا من الصحابة في هذه المسألة إلا بن مسعود فإنه قال في المحصر بمرض إذا بعث بهدي وواعد صاحبه ثم يوم ينحره جاز له أن يحل وهو بموضعه قبل أن يصل إلى البيت وقد روي مثل ذلك عن زيد بن ثابت من طريق منقطع لا يحتج به وهو قول جمهور العلماء وهو قول عطاء وبه قال أبو ثور في رواية عنه وشذت طائفة قالت من أحصر بمرض أو كسر أو عرج فقد حل بالموضع الذي عرض له هذا فيه ولا هدي عليه وعليه القضاء وممن قال بهذا أبو ثور وداود وحجتهم حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى رواه الحجاج بن أبي عثمان الصواف قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني عكرمة قال حدثني الحجاج بن عمرو فذكره قال عكرمة حدثت به بن عباس وأبا هريرة فقالا صدق هكذا رواه إسماعيل بن علية ويحيى بن سعيد القطان عن الحجاج بن أبي عثمان الصواف بإسناده المذكور ورواه معمر بن راشد ومعاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن الحجاج بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فأدخلوا بين عكرمة وبين الحجاج بن عمرو عبد الله بن رافع وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد وهذا يحتمل عند العلماء معنى قوله فقد حل أي فقد حل له أن يحل بما يحل به المحصر من النحر أو الذبح لا أنه قد حل بما نزل به من إحرامه قالوا وإنما ذلك مثل قولهم قد حلت فلانة للرجال إذا انقضت عدتها يريدون بذلك حل للرجال أن يخطبوها ويتزوجوها بما تحل به الفروج في النكاح من الصداق وغيره هذا تأويل من ذهب مذهب الكوفيين وتأول من ذهب مذهب الحجازيين أي فقد حل إذا وصل إلى البيت حلا كاملا وحل له بنفس الكسر والعرج أن يفعل ما شاء من إلقاء التفث ويفتدي وليس الصحيح أن يفعل ذلك وقد تقدم قول مالك في هذا الباب وتبين فيه مذهبه وهو مذهب الشافعي والحجازيين وأما أهل العراق فنذكر نصوص أقوالهم ليوقف كذلك على مذاهبهم قول سفيان الثوري إذا أحصر المحرم بالحج بعث بهدي فنحر عنه يوم النحر وإن نحر قبل ذلك لم يجزه وجملة قول أبي حنيفة وأصحابه أنه إذا أحصر الرجل بعث به وواعد المبعوث معه يوما يذبحه فيه فإذا كان ذلك اليوم حلق عند أبي يوسف أو قصر وحل ورجع

فإن كان مهلا بحج قضى حجة وعمرة لأن إحرامه بالحج صار عمرة وإن كان قارنا قضى حجة وعمرتين وإن كان مهلا بعمرة قضى عمرة وسواء عندهم المحصر بعدو أو بمرض وذكر الجوزجاني قال قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من أهل بحج فأحصر فعليه أن يبعث بثمن هدي فيشتري له بمكة فيذبح عنه يوم النحر ويحل وعليه حجة وعمرة وليس عليه تقصير في قول أبي حنيفة ومحمد لأن التقصير نسك وليس عليه من النسك شيء وقال أبو يوسف يقصر فإن لم يفعل فلا شيء عليه وقالوا إن فعل فالهدي فإن شاء أقام مكانه وإن شاء انصرف وإن كان مهلا بعمرة بعث فاشتري له الهدي وتواعدهم يوما فإذا كان ذلك اليوم حل وكان عليه عمرة مكانها قالوا وإذا كان المحصر قارنا فإنه يبعث فيشترى له هديان فينحران عنه ويحل وعليه عمرتان وحجة فإن شاء قضى العمرتين متفرقتين والحجة بعد ذلك وإن شاء ضم العمرتين إلى الحجة وهكذا عندهم المحصر بأي كان بعدو أحصر أو بمرض يذبح هديه في الحرم ويحل قبل يوم النحر إن ساق هديا وعليه حجة وعمرة هذا قول أبي حنيفة وهو قول الطبري وقال أبو يوسف ومحمد ليس له ذلك ولا يتحلل دون يوم النحر إن كان حاجا وهو قول الثوري والحسن بن صالح وروي مثل ذلك عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في المحصر بعمرة متى شاء وينحر هديه سواء بقي الإحصار إلى يوم النحر أو زال وروى زفر عن أبي حنيفة أنه إن بقي الإحصار إلى يوم النحر جزى ذلك عنه وكان عليه قضاء حجة وعمرة وإن صح قبل فوت الحج لم يجزه وكان محرما بالحج على حاله قال ولو صح في العمرة بعد أن بعث بالهدي نظر فإن قدر على إدراك الهدي قبل أن يذبح مضى حتى يقضي عمرته وإن لم يقدر حل إذا نحر عنه الهدي قال أبو عمر أما قول الكوفيين ففيه ضعف وتناقض لأنهم لا يجيزون لمحصر

بعدو ولا بمرض أن يحل حتى ينحر هديه في الحرم وإن أجازوا للمحصر بمرض أن يبعث بهدي ويواعد حامله يوم ينحره فيه فيحلق ويحل فقد أجازوا له أن يحل على غير يقين من نحر الهدي وبلوغه وحملوه على الإحلال بالظنون والعلماء متفقون على أنه لا يجوز لمن لزمه شيء من فرائضه أن يخرج منه بالظن والدليل على أن ذلك ظن قولهم لو عطب ذلك الهدي أو ضل أو سرق فحل مرسله وأصاب النساء وصاد أنه يعود حراما وعليه جزاء ما صاد فأباحوا له فساد الحج بالجماع وألزموه ما يلزم من لم يحل من إحرامه وهذا ما لا خفاء به من التناقض وضعف المذهب وإنما بنوا مذهبهم على قول بن مسعود ولم ينظروا في خلاف غيره له وأما قول عائشة في هذا الباب المحرم لا يحله إلا البيت فمعناه المحرم يمرض لا يقدر أن يصل إلى البيت فإنه يبقى على حاله فإن احتاج إلى شيء يتداوى به وافتدى فإذا برأ أتى البيت فطاف به وسعى ولا يحل بشيء غير ذلك وهو كقول بن عمر سواء ومثله قول بن عباس والناس في حديث مالك عن أيوب وحديثه عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر مثله أيضا وأما حديثه عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن سعيد بن حزابة صرع بطريق مكة وهو محرم فسأل من يلي على الماء الذي كان به فوجد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم فمعناه أيضا معنى ما تقدم سواء عن بن عمر وبن عباس وعائشة وأما قوله فيه فإذا صح اعتمر فإنه أراد إذا صح أتى مكة فعمل عمرة هو الطواف والسعي ثم عليه حج قابل ويهدي ما استيسر من الهدي قال مالك وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدو يريد أنه يقضي حجه إن كان حاجا أو عمرته إن كان معتمرا بخلاف من حصره العدو وأما قول مالك وقد أمر عمر بن الخطاب أبا أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود حين فاتهما الحج وأتيا أن يحلا بعمرة ثم يرجعا حلالا ثم يحجان عاما قابلا ويهديان إلى آخر قوله فإنه أرسل هذا حجة لمذهبه بأن المحصر لا يحله إلا البيت يطوف به ثم يسعى بين الصفا والمروة إذا كان محصرا حابس له عن إدراك الحج

وهو كالذي فاته الحج بغير مرض من خطأ عدد أو عذر يفعل ما يفعله الذي يفوته الحج وهو عمل العمرة وقد أمر عمر بن الخطاب أبا أيوب وهبار بذلك ثم أبان مذهبه في ذلك بما لا مزيد فيه فقال كل من حبس عن الحج بعد ما يحرم إما بمرض أو بغيره أو بخطأ من العدد أو خفي عليه الهلال فهو محصر عليه ما على المحصر ولا خلاف عن مالك أن المحصر بمرض ومن فاته الحج حكمهما سواء كلاهما يتحلل بعمرة وعليه دم لا يذبحه إلا بمكة أو منى وهو قول أبي حنيفة ينحره حيث حبس في حل كان أو حرم وقال بعض أصحابه إنما ينحره في الحل إذا قدر على الحرم والمعروف عن الشافعي أنه قال في المحصر ينحر هديه حيث أحصر لأنه خارج من قول الله عز وجل ثم محلها إلى البيت العتيق الحج بدليل نحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه يوم الحديبية في الحل وقول الله عز وجل والهدي معكوفا أن يبلغ محله الفتح فدل ذلك أن البلوغ على من قدر لا على من أحصر وعند مالك والشافعي وأبي ثور في المكي والغريب يحصر بمكة أنه يحل بالطواف والسعي قال مالك إذا بقي المكي محصورا حتى فرغ الناس من حجهم فإنه يخرج إلى الحل فيلبي ويفعل ما يفعل المعتمر ويحل فإذا كان قابل حج وأهدى وهو قول أبي حنيفة في الذي يفوته الحج أنه يتحلل بعمرة ولا هدي عليه وعليه الحج قابلا فقط وقال أحمد بن حنبل يحل بعمرة مجرد لها الطواف وقال بن شهاب الزهري فيمن أحصر في مكة من أهلها لا بد له من أن يقف بعرفة وقال أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن بكير المالكي في قول مالك في المحصر المكي أن عليه ما على أهل الآفاق من إعادة الحج والهدي هذا خلاف ظاهر الكتاب لقول الله عز وجل ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام البقرة قال والقول في هذا عندي قول الزهري في أن الإباحة من الله عز وجل لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أن يقيم لبعد المسافة يتعالج وإن فاته الحج

فأما من كان بينه وبين المسجد الحرام ما لا تقصر في مثله الصلاة فإنه يحضر المشاهد لقرب المسافة قال وقد عارض مالك الزهري بمعارضة غير صحيحة فقال أرأيت إن كانت امرأة تطلق أو بطن متحرق قال وهذا لا تقع عليه الإباحة لأن الإباحة لا تقع إلا لمن في طاقته فعل الشيء الذي أبيح له أن يفعله فأما من ليس في طاقته فعل ذلك الشيء فإنه لا تقع الإباحة لمثله والقول في هذه الآية قول عروة والزهري قال عروة في الرجل إذا أحصر بكسر أو لدغ فامتنع من المصير حتى يفوت وقت الحج أنه إن شاء بعث بهدي فيحل له حلق رأسه ولبس ثيابه وما كان في معناهما ويبقى محرما من النساء حتى يصل إلى الكعبة متى وصل ويطوف ويسعى ويحل ويكون عليه حج قابل والهدي قال فعلى قول عروة الهدي الأول غير الثاني لأن الأول يتحلل به في حلاق الشعر وإلقاء التفث والهدي الثاني قوله تعالى فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي البقرة قال والمعنى إن أحصرتم فأردتم أن تحلقوا رؤوسكم قبل أن يبلغ الهدي محله فعليكم ما استيسر من الهدي فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي البقرة فهذا هدي ثان لأن الهدي الأول للمتمتع بالحلاق وما كان مثله قال وقال مالك الهدي الأول هو الثاني ثم احتج بذلك فطال قال أبو عمر ظاهر الكتاب يشهد لما قاله مالك ومن تابعه بأنه هدي واحد على المحصر قال الله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله البقرة فأجمع العلماء على أن تمام الحج الوقوف بعرفة والطواف بالبيت طواف الإفاضة وفي العمرة الدخول من الحل إلى البيت للطواف به والسعي بين الصفا والمروة ولا يحل ولا يتم حجه ولا عمرته إلا بما وصفنا وإن كانوا قد اختلفوا في هذه الآية في معان قد ذكرناها والحمد لله قال وإن أحصر متمتع من الوصول في الحج إلى عرفة في الفترة من الوصول إلى الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فعلى من منع من الوصول إلى ما

وصفنا في الحج وما ذكرنا في العمرة بمرض أو غير مرض من كل ما يمنعه من ذلك وعند الكوفيين وعند الحجازيين من كل مانع غير العدو أن يبقى على حاله فيصل إلى البيت فيحل بعمل عمرة ويهدي كالذي يفوته الحج سواء فإن احتاج إلى لبس ثياب أو حلق شعر فتلك فدية الهدي وقد أجمعوا أن الفدية ما جاءت به السنة في كعب بن عجرة من التخيير في الصيام أو الصدقة أو النسك والنسك ها هنا لمن ليس يهدي وما قاله مالك أولى من قول الزهري والله أعلم فليس ها هنا أمر يهدي فيما قاله مالك لمن شاء أن لا ينسك بشاة وإنما هو صيام وصدقة فإن شاء أن ينسك بشاة كان له ذلك وليس هذا حل من لزمه الهدي عند جماعة الفقهاء أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثني عبد الله بن محمد بن علي قال وحدثنا بن أبي تمام قال حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثني أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول لا يحل محرم بحج ولا عمرة حبسه بلاء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة إلا من حبسه عدو فإنه يحل حيث حبس قال أبو عمر هذا معنى قول بن عباس لا حصر إلا ما أحصر العدو أي لا يحل لمحصر أن يحل دون البيت إلا من أحصره العدو باب ما جاء في بناء الكعبة مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم قالت فقلت يا

رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت قال فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة أم المؤمنين قالت لا أبالي أصليت في الحجر أم في البيت مالك أنه سمع بن شهاب يقول سمعت بعض علمائنا يقول ما حجر الحجر فطاف الناس من ورائه إلا إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت كله قال أبو عمر أما حديث عائشة المسند في أول هذا الباب ففيه وجوب معرفة بناء قريش للكعبة وأن بنيانهم لها لم يتم على قواعد إبراهيم والقواعد أسس البيت واحدتها قاعدة عند أهل اللغة قالوا والواحدة من النساء اللاتي قعدت عن الولادة قاعد بغير هاء والجمع فيهما جميعا قواعد قال الله عز وجل وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت البقرة قال والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا النور وقد ذكرنا بنيان إبراهيم وإسماعيل البيت ومن بناه أيضا قبلهما على حسب ما روي قبل ذلك فقد قيل آدم أول من أمر ببنيانه وقيل بل شيث بن آدم وقد ذكرنا هذا هناك ونذكر ها هنا بنيان قريش له خاصة وهم القوم الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله لعائشة ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم وفي هذا الحديث أيضا حديث الرجل مع أهله في باب العلم وغيره من أيام الناس وغير ذلك من معاني الفقه

وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر وذلك والله أعلم لأنهما كسائر حيطان البيت التي لا تستلم لأنهما ليسا بركنين على حقيقة بناء إبراهيم عليه السلام وأما بنيان قريش للبيت الحرام فلا خلاف في ذلك وقد اختلف في تاريخ بنائهم له فذكر موسى بن عقبة عن بن شهاب قال كان بين الفجار وبناء الكعبة خمس عشرة سنة وذكر بن وهب عن بن لهيعة عن بن الأسود محمد بن عبد الرحمن قال إن الله عز وجل بعث محمدا على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة وقال محمد بن جبير بن مطعم بني البيت بعد خمس وعشرين سنة بعد الفيل وقال بن إسحاق على رأس خمس وثلاثين سنة وقد ذكرنا الآثار عن هؤلاء كلهم في التمهيد وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن مجاهد قال كان البيت عريشا تقتحمه العنز حتى إذا كان قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة سنة بنته قريش وعن معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل قال كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم ليس فيها مدد وكانت قدر ما تقتحمها العناق وكانت ثيابها توضع عليها تسدل سدلا وكان الركن الأسود موضوعا على سورها باديا وكانت ذات ركنين هيئة هذه الحلقة فأقبلت سفينة من الروم تريد الحبشة حتى إذا كانوا قريبا من جدة انكسرت السفينة فخرجت قريش ليأخذوا خشبها فوجدوا روميا عندها فأخذوا الخشب وقدموا بالرومي فقالت قريش نبني بهذا الخشب بيت ربنا فلما أرادوا هدمه إذا هم بحية على سور البيت مثل قطعة الجائز سوداء الظهر بيضاء البطن فجعلت كلما أتى أحد إلى البيت ليهدمه أو يأخذ من حجارته سعت إليه فاتحة فاها فاجتمعت قريش عند المقام فعجوا إلى الله تعالى فقالوا ربنا لم ترع أردنا تشريف بيتك وتزيينه فإن كنت ترضى بذلك وإلا فما بدا لك فافعل فسمعوا خواتا في السماء يعني صوتا ورجة فإذا هم

بطائر أعظم من النسر أسود الظهر أبيض البطن والرحلين فغرز مخالبه في قفا الحية فانطلق بها تجر ذنبها أعظم من كذا وكذا حتى انطلق بها نحو أجياد فهدمتها قريش وجعلوا يبنونها بالحجارة حجارة الوادي تحملها قريش على رقابها فرفعوها في السماء عشرين ذراعا فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة ضاقت عليه النمرة فذهب يضع النمرة على عاتقه فترى عورته من صغر النمرة فنودي يا محمد خمر عورتك فلم ير عريانا بعد ذلك وكان بين بنيان الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين وبين مخرجه من مكة وبنيانها خمس عشرة سنة فلما جيش الحصين بن نمير فذكر حريقها في زمن بن الزبير فقال بن الزبير إن عائشة أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا حداثة قومك بالكفر لهدمت الكعبة فإنهم تركوا منها سبعة أذرع في الحجر ضاقت بهم النفقة والخشب قال بن خثيم فأخبرني بن أبي مليكة عن عائشة أنها سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وقال النبي عليه السلام وجعلت له بابين شرقيا وغربيا يزحفون من هذا ويخرجون من هذا ففعل ذلك بن الزبير وكانت قريش قد جعلت لها درجا يرقى عليها من يأتيها فجعلها بن الزبير لاصقة بالأرض قال بن خثيم وأخبرني بن سابط أن زيدا أخبره أنه لما بناها بن الزبير كشفوا عن القواعد فإذا الحجر مثل الخلقة والحجارة مشتبكة بعضها ببعض إذا حركت بالعتلة تحرك الذي بالناحية الأخرى قال بن سابط فأراني ذلك ليلا بعد العشاء في ليلة مقمرة فرأيتها أمثال الخلف متشبكة أطراف بعضها ببعض قال معمر وأخبرني الزهري قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلم أجمرت امرأة الكعبة فطارت شرارة من مجمرها في ثياب الكعبة فاحترقت فتشاورت قريش في هدمها وهابوا هدمها فقال لهم الوليد بن المغيرة ما تريدون بهذا الإصلاح أم الفساد فقالوا الإصلاح قال فإن الله تعالى لا يهلك المصلح قالوا فمن الذي يعلوها قال الوليد بن المغيرة أنا أعلوها فأهدمها فارتقى الوليد بن المغيرة على

ظهر البيت ومعه الفأس فقال اللهم إنا لا نريد إلا الإصلاح ثم هدم فلما رأته قريش قد هدم منها ولم يأتهم ما خافوا من العذاب هدموا معه حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تلي رفعه حتى كاد يشجر بينهم فقالوا تعالوا نحكم أول من يطلع علينا من هذه السكة فاصطلحوا على ذلك فاطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم أمر سيد كل قبيلة فأعطاها ناحية من الثوب ثم ارتقى فرفع إليه الركن فكان هو يضعه صلى الله عليه وسلم وذكر بن جريج عن مجاهد معنى حديث أبي الطفيل المتقدم ذكره ومعنى حديث الزهري هذا وحديثهما أكمل وأتم وفي هذا الباب حديث تفرد به إبراهيم بن طهمان عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن أهدم الكعبة وأبنيها على قواعد إبراهيم وأجعل لها بابين وأسويها بالأرض فإنهم إنما رفعوها أن لا يدخلها إلا من أحبوا وروينا أن هارون الرشيد ذكر لمالك بن أنس أنه يريد هدم ما بنى الحجاج من الكعبة وأن يرده إلى بنيان بن الزبير لما جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وامتثله بن الزبير فقال له مالك ناشدتك الله يا أمير المؤمنين أن تجعل هذا البيت ملعبة للملوك لا يشاء أحد منهم إلا نقض البيت وبناه فتذهب هيبته من صدور الناس قال أبو عمر في حديث مالك عن بن شهاب عن سالم في هذا الباب دليل على أن الحجر من البيت وإذا صح ذلك فواجب إدخاله في الطواف وأجمع العلماء أن كل من طاف بالبيت لزمه أن يدخل الحجر في طوافه واختلفوا فيمن لم يدخل الحجر في طوافه فالذي عليه جمهور أهل العلم أن ذلك لا يجزئ وأن فاعل ذلك في حكم من لم يطف الطواف كاملا وأن من لم يطف الطواف الواجب كاملا يرجع من طوافه حتى يطوفه وهو طواف الإفاضة وممن قال ذلك الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود وهو قول بن عباس وعطاء وكان بن عباس يقول الحجر من البيت وليطوفوا بالبيت العتيق الحج ويقول طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر

قال مالك والشافعي ومن وافقهما من لم يدخل الحجر في طوافه ولم يطف من ورائه شوطا أو شوطين أو أكثر ألغى ذلك وبنى على ما كان طاف طوافا كاملا قبل أن يسلك في الحجر ولا يعتد بما سلك في الحجر وقال أبو حنيفة من سلك في الحجر ولم يطف من ورائه وذكر ذلك وهو بمكة أعاد الطواف فإن كان شوطا قضاه وإن كان أكثر قضى ما بقي عليه من ذلك فإن خرج من مكة وانصرف إلى الكوفة فعليه دم وحجة تام وروي عن الحسن البصري نحو ذلك قال من فعل ذلك فعليه الإعادة فإن حل أهراق دما وأما حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت ما أبالي أصليت في الحجر أم في البيت فليس فيه أكثر من أن الحجر من البيت وأن من صلى فيه كمن صلى في البيت وسنذكر اختلاف العلماء في الصلاة في البيت في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وقد اختلف العلماء في صلاة ركعتي الطواف في الحجر فأكثر العلماء على أن ذلك جائز لا بأس به وهو مذهب عطاء وبه قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وروي ذلك عن بن عمر وبن الزبير وسعيد بن جبير وغيرهم وكل هؤلاء يرى الصلاة في البيت جائزة نافلة وفريضة وإن كان منهم من يستحب أن تصلى الفريضة خارج البيت والنافلة أيضا وقال مالك لا يصلي أحد صلاة واجبة في البيت ولا في الحجر قال ومن ركع ركعتي الطواف الواجب في الحجر أعاد الطواف والسعي بين الصفا والمروة وإن لم يركعهما حتى بلغ بلده أهراق دما ولا إعادة عليه وأما قول بن شهاب عن بعض علمائهم فإنما فيه الشهادة بأن الحجر من البيت وأنه من لم يطف به من ورائه لم يستكمل الطواف بالبيت ولا خلاف عليه بين العلماء أنه من لم يدخل الحجر في طوافه لا يجزيه ذلك الطواف ما دام بمكة لأنه لم يستوعب الطواف بالبيت واختلفوا هل ينوب عنه الدم لمن رجع إلى بلاده أم لا بد له من الرجوع إليه على ما ذكرناه والحمد لله

باب الرمل في الطواف مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف قال مالك وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثة أطواف ويمشي أربعة أطواف مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى الأشواط الثلاثة يقول اللهم لا إله إلا أنتا وأنت تحيي بعد ما أمتا يخفض صوته بذلك مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم قال ثم رأيته يسعى حول البيت الأشواط الثلاثة مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا أحرم من مكة لم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى وكان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة قال أبو عمر لا اعلم خلافا أن الرمل وهو الحركة والزيادة في المشي لا يكون إلا في ثلاثة أطواف من السبعة في طواف دخول مكة خاصة للقادم الحاج أو المعتمر

وفي هذا الحديث دليل على أن الطائف يبتدئ طوافه من الحجر وهذا ما لا خلاف فيه أيضا وروى بن وهب عن يونس عن بن شهاب عن سالم عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة يستلم الركن أول ما يطوف قال أبو عمر إذا بدأ من الحجر مضى على يمينه وجعل البيت عن يساره وذلك أن الداخل من باب بني شيبة أو غيره أول ما يبتدئ به أن يأتي الحجر يقصده فيقبله إن استطاع أو يمسحه بيمينه ويقبلها بعد أن يضعها عليه فإن لم يقدر قام بحذائه فكبر ثم أخذ في طوافه ثم يمضي على يمينه كما وصفت لك على باب الكعبة إلى الركن الذي لا يستلم ثم الذي يليه مثله ثم الركن الثالث وهو اليماني الذي يستلم وهو يلي الأسود ثم إلى ركن الحجر الأسود هذا حكم كل طواف واجب وغير واجب وهذه طوفة واحدة يفعل ذلك ثلاثة أطواف يرمل فيها ثم أربعة مثلها لا يرمل فيها إذا كان هذا كله في طواف الدخول وهذا كله إجماع من العلماء أنه من فعل هكذا فقد فعل ما ينبغي فإن لم يطف كما وصفنا وجعل البيت عن يمينه ومضى من الركن الأسود على يساره فقد نكس طوافه ولم يجزه ذلك الطواف عندنا واختلف الفقهاء فيمن طاف الطواف الواجب منكوسا فقال مالك والشافعي وأصحابهما لا يجزئه الطواف منكوسا وعليه أن ينصرف من بلاده فيطوف لأنه كمن لم يطف وهو قول الحميدي وأبي ثور وقال أبو حنيفة وأصحابه يعيد الطواف ما دام بمكة فإذا بلغ الكوفة أو أبعد كان عليه دم ويحزئه وكلهم يقول إذا كان بمكة أعاد وكذلك القول عند مالك والشافعي فيمن نسي شوطا واحدا من الطواف أنه لا يجزئه وعليه أن يرجع من بلاده على بقية إحرامه فيطوف وقال أبو حنيفة إن بلغ بلده لم ينصرف وكان عليه دم قال أبو عمر حجة من لم يجز الطواف منكوسا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلم الركن في أول طوافه وأخذ عن يمينه وجعل البيت عن يساره وقال خذوا عني

مناسككم فمن خالف فعله فليس بطائف وفعله مردود عليه لقوله صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد وحجة أبي حنيفة أنه طواف قد حصل بالبيت سبعا ولم يأت به على سنته فيجبر بالدم إذا رجع إلى بلده أو أبعد لأن سنن الحج تجبر بالدم وأما الرمل فهو المشي خببا يشتد فيه دون الهرولة وهيئته أن يحرك الماشي منكبيه لشدة الحركة في مشيه هذا حكم الثلاثة الأشواط في الطواف بالبيت طواف دخول لا غيره وأما الأربعة الأشواط تتمة السبعة فحكمها المشي المعهود هذا أمر مجتمع عليه أن الرمل لا يكون إلا في ثلاثة أطواف من طواف الدخول للحاج والمعتمر دون طواف الإفاضة وغيره إلا أن العلماء اختلفوا في الرمل هل هو سنة من سنن الحج لا يجوز تركها أم ليس بسنة واجبة لأنه كان لعلة ذهبت وزالت فمن شاء فعليه اختيارا فروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية أن الرمل سنة لكل قادم مكة حاجا أو معتمرا في الثلاثة الأطواف الأول وقال آخرون ليس الرمل بسنة ومن شاء فعله ومن شاء لم يفعله روي ذلك عن جماعة من التابعين منهم عطاء وطاوس ومجاهد والحسن وسالم والقاسم وسعيد بن جبير وهو الأشهر عن بن عباس

وقد روي عنه مثل قول عمر ومن تابعه وحجة من لم ير الرمل سنة حديث أبي الطفيل عن بن عباس روى فطر عن أبي الطفيل قال قلت لابن عباس زعم قومك أن رسول الله رمل بالبيت وقال ذلك سنة فقال صدقوا وكذبوا قلت ما صدقوا وما كذبوا قال صدقوا رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طاف بالبيت وكذبوا ليس ذلك بسنة إن قريشا زمن الحديبية قالوا إن به وبأصحابه هزلا وقعدوا على قعيقعان ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه أرملوا أروهم أن بكم قوة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمل من الحجر الأسود إلى اليماني فإذا توارى عنهم مشى قال أبو عمر قد روى بن المبارك عن عبيد الله بن أبي زياد عن أبي الطفيل عن بن عباس قال رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر وهذا معناه في حجة الوداع أو في عمرته لا عام الحديبية وروى حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة فرمل بالبيت ثلاثة ومشى أربعة ففي هاتين الروايتين عن أبي الطفيل عن بن عباس أن رسول الله رمل الأشواط الثلاثة كلها وهذا مع حديث جابر في حجة الوداع يرد قول من قال يمشي بين الركن اليماني والأسود وقد اختلف عن بن عمر في ذلك

وجمهور العلماء على أن الرمل من الحجر إلى الحجر على ما في حديث جابر في الأشواط الثلاثة وقد روى عطاء وطاوس وعكرمة عن بن عباس معنى حديث أبي الطفيل هذا وقد ذكرنا الأحاديث عنهم بذلك في التمهيد واحتجوا أيضا بحديث الحجاج بن أرطأة عن أبي جعفر وعكرمة عن بن عباس قال لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أهل مكة أن بأصحابه هزلا فلما قدم مكة قال لأصحابه شدوا مآزركم وأرملوا حتى يرى قومكم أن بكم قوة ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرمل قال أبو عمر هذا ليس بشيء لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمل في حجته حجة الوداع من الحجر إلى الحجر ثلاثة أشواط ومشى أربعة من حديث مالك وغيره عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وقد ذكرنا جماعة رووه بإسناده كذلك في التمهيد وهذا يدل على ضعف ما رواه الحجاج بن أرطأة من قوله ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرمل وروى هشام عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال في الرمل لا تدع شيئا صنعناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت عن عمر وبن مسعود وبن عمر أنهم كانوا يرملون في الطواف ثلاثا طواف القدوم فصار سنة معمولا بها لا يضرها من جهلها وأنكرها وروى الشافعي قال حدثني أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعة يعني في حجته قال أبو عمر هذا خير من حديث العلاء بن المسيب عن الحكم عن مجاهد عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل في العمرة ومشى في الحج وأصح وأثبت إن شاء الله وروى مالك وأيوب وعبد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر بمعنى واحد أنه كان إذا قدم مكة رمل بالبيت وطاف بين الصفا والمروة إلى يوم النحر

قال أبو عمر على هذا جماعة العلماء بالحجاز والعراق من أئمة الفتوى وأتباعهم وهم الحجة على من شذ عنهم وقد مضى حديث جابر بما يغني عن الدلائل والتأويل واختلف قول مالك وأصحابه فيمن ترك الرمل في الطواف بالبيت طواف الدخول أو ترك الهرولة في السعي بين الصفا والمروة ثم ذكر ذلك وهو قريب فمرة قال مالك يعيد ومرة قال لا يعيد وبه قال بن القاسم واختلف قوله أيضا هل عليه دم إن أبعده فقال مرة لا شيء عليه ومرة قال عليه دم وقال بن القاسم وهو خفيف ولا أرى فيه شيئا وكذلك روى بن وهب عن مالك في موطئه أنه استخفه قال ولم ير فيه شيئا وروى معن بن عيسى عن مالك أن عليه دما وهو قول الحسن البصري وسفيان الثوري وقال بن القاسم رجع عن ذلك مالك وذكر بن حبيب عن مطرف وبن الماجشون وبن القاسم أن عليه في قليل ذلك وكثيره دما واحتج بقول بن عباس من ترك من نسكه شيئا فعليه دم قال أبو عمر الحجة لمن لم ير فيه شيئا واستخفه أنه شيء مختلف فيه لم تثبت به سنة وألزمه على البراءة حتى يصح ما يجب إثباته فيها وقد روي عن بن عباس فيمن ترك الرمل أنه لا شيء عليه وهو قول عطاء وبن جريج والشافعي وأبي حنيفة والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأجمعوا أنه ليس على النساء رمل في طوافهن بالبيت ولا هرولة في سعيهن بين الصفا والمروة وكذلك أجمعوا على أن لا رمل على من احرم بالحج من مكة من غير أهلها

وهم المتمتعون لأنهم قد رملوا في حين دخولهم حين طافوا للقدوم واختلفوا في أهل مكة إذا حجوا هل عليهم رمل أم لا فكان بن عمر لا يرى عليهم رملا إذا طافوا بالبيت وقال بن وهب كان مالك يستحب لمن حج من مكة أن يرمل حول البيت وقال الشافعي كل طواف قبل عرفة كل طواف يوصل بينه وبين السعي فإنه يرمل فيه وكذلك العمرة قال أبو عمر قد دخل فيما ذكرنا في هذا الباب جميع معاني الآثار المرسومة من جنسه وأما قول عروة في الطواف اللهم لا إله إلا أنتا وأنت تحيي بعد ما أمتا فإن الموزون من الكلام وما يكره كغير الموزون وأما قول عروة في الطواف اللهم لا إله إلا أنتا وأنت تحيي بعد ما أمتا فإن الموزون من الكلام وما يكره كغير الموزون وأما الشعر الذي يجري مجرى الذكر وكان شاعرا رحمه الله والشعر ديوان العرب وألسنتهم به رطبة وقد كان الحسن يقول في مثل هذا يا فالق الإصباح أنت ربي وأنت مولاي وأنت حسبي فأصلحن باليقين قلبي ونجني من كرب يوم الكرب وقد أوضحنا ما يجوز من الشعر ومن رفع العقيرة به وما يكره من الغناء وشبهه في كتاب الجامع من هذا الديوان عند ذكر رفع بلال عقيرته ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليد باب الاستلام في الطواف مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى طوافه بالبيت وركع الركعتين وأراد أن يخرج إلى الصفا والمروة استلم الركن الأسود قبل أن يخرج قال أبو عمر وهو محفوظ من حديث جابر الحديث الطويل في الحج رواه جماعة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بتمامه

وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعا ثم رجع فاستلم الحجر ثم خرج من الباب إلى الصفا ويأتي ذكر الركعتين في الباب بعد هذا إن شاء الله ذكر عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه طاف بالبيت ثم صلى ركعتين عند المقام ثم عاد إلى الحجر فاستلمه ثم خرج إلى الصفا وهو معمول به مستحب عند جماعة الفقهاء مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن فقال عبد الرحمن استلمت وتركت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت قال أبو عمر كان بن وضاح يقول في موطأ يحيى إنما الحديث كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن الأسود وزعم أن يحيى سقط له من كتابه الأسود وأمر بن وضاح بإلحاق الأسود في كتاب يحيى قال أبو عمر رواه عن مالك كما قال بن وضاح الركن الأسود بن القاسم وبن وهب والقعنبي وجماعة وقد رواه أبو المصعب وغيره كما رواه يحيى لم يذكر الأسود وكذلك رواه بن عيينة وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه لم يذكروا الأسود كما روى يحيى وهو أمر محتمل جائز في الوجهين جميعا ورواه الثوري عن هشام عن أبيه فقال فيه كيف صنعت في استلامك الحجر فقد روي عن هشام في ذلك مثل رواية الثوري ذكره بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن كيف فعلت يا أبا محمد في استلام الحجر وكان استأذنه في العمرة فقال كيف صنعت حين طفت فقال استلمت وتركت قال أصبت وقد ذكرنا في التمهيد الأحاديث في استلام الركنين دون غيرهما وأوضحنا ذلك كله بالأسانيد

ولا خلاف بين العلماء أن الركنين جميعا يستلمان الأسود واليماني وإنما الفرق بينهما أن الأسود يقبل واليماني لا يقبل وقد روى عبد الله بن مسلم بن هرمز عن مجاهد عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله ووضع خده عليه وهذا غير معروف ولم يتابع عليه وإنما المعروف قبل يده وإنما يعرف تقبيل الحجر الأسود ووضع الوجه عليه وما أعرف أحدا من أهل الفتوى يقول بتقبيل غير الأسود وقد ذكرت في التمهيد بإسناده أن عبد الرحمن بن عوف كان إذا أتى الركن فوجدهم يزدحمون عليه استقبله فكبر ودعا ثم طاف فإذا وجد خلوة استلمه وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف إذ قال استلمت وتركت فقال أصبت دليل على أن الاستلام ليس بواجب وأنه حسن لا حرج على من تركه في بعض طوافه عامدا وإن غلبه بالزحام لم يضره ذلك أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني أحمد بن إبراهيم بن محمد بن جامع السكري قراءة عليه وأنا أسمع سنة أربع وأربعين وثلاثمائة قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثني سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن عوف قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف صنعت في استلام الحجر قلت استلمت وتركت قال أصبت وقد روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف حجة الوداع حول البيت يستلم الركن بمحجن كراهية أن يصرف الناس عنه وروى بن عيينة عن أبي يعفور عن رجل من خزاعة عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا حفص إنك رجل قوي فلا تزاحم الناس على الركن فإنك تؤذي الضعيف ولكن إذا وجدت خلوة فاستلم ولا تكر وامض وقال الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم بن نافع قال طفت مع طاوس فلم يستلم شيئا من الأركان حتى فرغ من طوافه

قال أبو عمر الاستلام للرجال دون النساء عن عائشة وعطاء وغيرهما وعليه جماعة الفقهاء فإذا وجدت المرأة الحجر خاليا واليماني استلمت إن شاءت وكانت عائشة رضي الله عنها تقول للنساء إذا وجدتن فرجة فاستلمن وإلا فكبرن وامضين مالك عن هشام بن عروة إن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها وكان لا يدع اليماني إلا أن يغلب عليه قال أبو عمر قد مضى في حديث مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يستلم من الأركان إلا اليمانيين ما فيه كفاية في استلام الأركان وقد كان عبد الله بن الزبير ومعاوية يفعلان ما كان يفعله عروة من استلام الأركان كلها وقالا ليس من البيت شيء مهجور وقال معاوية لابن عباس فقال له بن عباس لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الأحزاب وقد بان في بناء الكعبة معنى ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين اللذين يليان الحجر وقال الشافعي ليس قول من قال محتجا لاستلام الأركان كلها ليس من البيت شيء مهجور بصحيح لأنه ليس في ترك استلامهما هجر لهما ومن طاف من ورائهما لم يهجرهما والحيطان كلها من البيت لا يستلم منها غير الأركان وليس ذلك بهجر للبيت وحكم ذلك الركنين حكم سائر الحائط أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثني محمد بن جرير الطبري قال حدثني محمد بن المثنى وأبو معمر قالا حدثني أبو عامر قال حدثنا رباح بن أبي معروف عن يوسف بن ماهك قال كان بن عمر إذا مر بالركن اليماني والحجر الأسود استلمهما لا يدعهما فقلت يا أبا عبد الرحمن تمر بهذين الركنين فتستلمهما لا يدعهما قال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما لا يدعهما قلنا له أتمر بهذين وتمر بهذين الركنين فلا تستلمهما قال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بهما فلا يستلمهما قال الطبري واحتج من رأى الاستلام في الأركان كلها بما

حدثناه بن حميد قال حدثني يحيى بن وضاح قال حدثني الحسين بن واقد عن أبي الزبير عن جابر قال كنا نؤمر إذا طفنا أن نستلم الأركان كلها قال أبو الزبير ورأيت عبد الله بن الزبير يفعله قال أبو عمر قول أبي الزبير أنه رأى عبد الله بن الزبير يفعله وهو مكي يرى الجماعات من الصحابة وكبار التابعين يحجون فلو رآهم يفعلون ذلك لم يخص بذلك بن الزبير وهذا يعضده حديث عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر رأيتك تفعل أربعا لم أر أحدا يفعلهن غيرك فذكر منهن أنه كان لا يستلم إلا الركنين فقط قال أبو عمر هو مباح لمن فعله لا حرج عليه والسنة استلام الركنين الأسود واليماني وعليه جماعة الفقهاء بالأمصار أهل الفتوى والحمد لله وقد كان جماعة من السلف لا يستلمون الركن إلا في الوتر من الطواف منهم مجاهد وطاوس واستحبته طائفة من الفقهاء قال الشافعي أحب الاستلام في كل وتر أكثر مما احبه في كل شفع وإذا لم يكن الازدحام أحببت الاستلام في كل طواف باب تقبيل الركن الأسود في الاستلام مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت للركن الأسود إنما أنت حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك ثم قبله قال مالك سمعت بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف بالبيت يده عن الركن اليماني أن يضعها على فيه قال أبو عمر هذا الحديث مرسل لأن عروة لم يسمع من عمر وقد روي متصلا مسندا من وجوه منها ما رواه

بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث ويونس بن يزيد عن بن شهاب عن سالم عن أبيه أنه حدثه قال قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك قال عمرو بن الحارث وحدثني بمثلها زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال أبو عمر زعم أبو بكر البزار أن هذا الحديث رواه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا أربعة عشر رجلا وقد ذكرنا بعض تلك الطرق في التمهيد ولا يختلف العلماء أن تقبيل الحجر الأسود في الطواف من سنن الحج لمن قدر عليه ومن لم يقدر عليه وضع يده على فيه ثم وضعها عليه مستلما ورفعها إلى فيه فإن لم يقدر أيضا على ذلك كبر إذا قابله وحاذاه فإن لم يفعل فلا أعلم أحدا أوجب عليه دما ولا فدية روى بن جريج عن محمد بن جعفر قال رأيت بن عباس قبل الركن ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثلاث مرات وروى الشافعي قال حدثني سعيد عن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس أنه كان لا يستلم الحجر إلا أن يراه خاليا وكان إذا استلمه قبله ثلاث مرات ثم سجد عليه على إثر كل تقبيلة قال أبو عمر وروي في الحجر الأسود آثار عن السلف منها عن بن عباس وعبد الله بن عمر ووهب بن منبه وكعب الأحبار وغيرهم أن الحجر الأسود من الجنة وأنه كان أشد بياضا من الثلج حتى سوده لمس أهل الشرك وعبدة الأصنام له وأنه لولا مسه من أرجاس أهل الجاهلية وأنجاسها ما مسه ذو عاهة إلا برأ وعن بن عباس وسلمان الفارسي أنه من حجارة الجنة وأنه يبعث يوم القيامة وله لسان وشفتان وعينان يشهد لمن استلمه بالوفاء والحق وهو يمين الله في الأرض وهو يصافح بها عبادة وعن السدي قال هبط آدم بالهند وأنزل معه الحجر الأسود وأنزل معه قبضة من ورق الجنة فنثرها آدم بالهند فأنبتت شجر الطيب فأجل ما يؤتى به من الطيب الهندي من ذلك الورق وإنما قبض آدم القبضة أسفا على الجنة حيث أخرج منها وروى بن وهب عن عمرو بن الحارث أن قتادة حدثه أن أنس بن مالك

حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الحجر الأسود من حجارة الجنة وإني قد رضيت بما قسم قال وحدثني يونس بن يزيد عن بن شهاب أنه سمع سعيد بن المسيب يقول الركن حجر من حجارة الجنة أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو إسماعيل الترمذي قال حدثني شاذ بن الفياض قال حدثني عمر بن إبراهيم العبدي البزار عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحجر الأسود من حجارة الجنة قال أبو عمر كل ما ذكرنا في الحجر الأسود قد جاء عن السلف على حسب ما وصفنا وهو الصواب عندنا وأولى من قول من شذ فقال إنه من حجارة الوادي وبالله التوفيق قال الشافعي السجود على الحجر سجود لله تعالى وأنا أحب ما صنع بن عباس وطاوس قال وأخبرنا سعيد بن سالم عن بن جريج قال قلت لعطاء هل رأيت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلموا قبلوا أيديهم قال نعم رأيت جابر بن عبد الله وبن عمر وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم قلت وبن عباس قال نعم حسبت كثيرا قلت هل تدع أنت إذا استلمت أن تقبل يديك قال فلم أستلمه إذن قال بن جريج قلت لعطاء تقبيل الركن الأسود قال حسن قال أبو عمر إذا كان موجودا عن السلف في الركن الأسود فما ذكره مالك عن بعض أهل العلم في الركن اليماني لأن الركنين السنة فيهما استلامهما وتقبيل اليد وتقبيل الحجر الأسود خاصة لمن قدر عليه وبالله التوفيق باب ركعتي الطواف مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يجمع بين السبعين لا يصلي بينهما ولكنه يصلي بعد كل سبع ركعتين فربما صلى عند المقام وعند غيره

وسئل مالك عن الطواف إن كان أخف على الرجل أن يتطوع به فيقرن بين الأسبوعين أو أكثر ثم يركع ما عليه من ركوع تلك السبوع قال لا ينبغي ذلك وإنما السنة أن يتبع كل سبع ركعتين قال مالك في الرجل يدخل في الطواف فيسهو حتى يطوف ثمانية أو تسعة أطواف قال يقطع إذا علم أنه قد زاد ثم يصلي ركعتين ولا يعتد بالذي كان زاد ولا ينبغي له أن يبني على التسعة حتى يصلي سبعين جميعا لأن السنة في الطواف أن يتبع كل سبع ركعتين قال مالك ومن شك في طوافه بعد ما يركع ركعتي الطواف فليعد فليتمم طوافه على اليقين ثم ليعد الركعتين لأنه لا صلاة لطواف إلا بعد إكمال السبع ومن أصابه شيء بنقض وضوئه وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو بين ذلك فإنه من أصابه ذلك وقد طاف بعض الطواف أو كله ولم يركع ركعتي الطواف فإنه يتوضأ ويستأنف الطواف والركعتين وأما السعي بين الصفا والمروة فإنه لا يقطع ذلك عليه ما أصابه من انتقاض وضوئه ولا يدخل السعي إلا وهو طاهر بوضوء قال أبو عمر أما فعل عروة رحمه الله أنه كان لا يجمع بين السبعين إلى آخر خبره المذكور في أول هذا الباب فالسنة المجتمع عليها في الاختيار أن يتبع كل سبوع ركعتين وعلى هذا جمهور العلماء قال بن وهب عن مالك السنة التي لا اختلاف فيها ولا شك والذي اجتمع عليه المسلمون أن مع كل أسبوع ركعتين وقال أشهب سئل مالك عمن طاف سبعين ثم ركع لهما فقال ما أحبه وما ذلك من عمل الناس وكره الثوري أن يجمع بين سبوعين وكرهه أيضا أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق وأكثر أهل العلم وقد كان بعض السلف يقرن بين الأسابيع منهم عائشة أم المؤمنين والمسور بن مخرمة ومجاهد ذكر بن عيينة قال حدثني محمد بن السائب عن أبيه أن عائشة كانت تطوف ثلاثة أسابيع تفرق بينها وتركع لكل سبوع ركعتين

وذكر شعبة عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد أنه كان لا يرى بأسا أن يطوف الرجل ثلاثة أسابيع أو خمسة وما كان وترا ويصلي لكل أسبوع ركعتين ويجمعهن وكان يكره سبعين أو أربعا وقال به أبو يوسف أيضا وكان المسور بن مخرمة يفرق بين الأسبوعين قال أبو عمر الحجة لمن كره ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وقال خذوا عني مناسككم فينبغي الاقتداء به والانتهاء إلى ما سنه صلى الله عليه وسلم وعله من أجاز ذلك أنها صلاة ليس لها وقت فيتعدى والطواف لا وقت له أيضا فحسبه أن يأتي من الطواف بما شاء ويركع لكل أسبوع ركعتين قياسا على من كانت عليه كفارتان في وقتين يجمعهما في وقت واحد وأما كراهة مجاهد الجمع بين السبعين وإجازته ثلاثة أسابيع فإنما ذلك والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إلى الركعتين بعد وتر من طوافه ومن طاف أسبوعين لم ينصرف على وتر فلذلك أجاز أن يطوف ثلاثة أسابيع وخمسة وسبعة ولم يجز اثنين قال أبو عمر ثبتت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما طاف بالبيت صلى عند المقام ركعتين وأجمعوا على قول ذلك وأجمعوا أيضا على أن الطائف يصلي الركعتين حيث شاء من المسجد وحيث أمكنه وأنه إن لم يصل عند المقام أو خلف المقام فلا شيء عليه واختلفوا فيمن نسي ركعتي الطواف حتى خرج من الحرم أو رجع إلى بلاده فقال مالك إن لم يركعهما حتى يرجع إلى بلده فعليه هدي وقال الثوري يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم وقال الشافعي وأبو حنيفة يركعهما حيث ما ذكر من حل أو حرم وحجة مالك في إيجاب الدم في ذلك قول بن عباس من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما وركعتا الطواف من النسك وحجة من أسقط الدم في ذلك أنها صلاة تقضى متى ذكرت لقوله صلى الله عليه وسلم من نام

عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وليستا بأوكد من المكتوبة ولا مدخل للدم عندهم وأما قول مالك في الرجل يدخل الطواف فيسهو حتى يطوف ثمانية أطواف أو تسعة فإنه يقطع ويركع ركعتين ولا يعتد بالذي زاد ولا يبني عليه فهذه مسألة اختلف الفقهاء فيها فقول أبي حنيفة ومحمد في ذلك كقول مالك وبه قال أبو ثور وهو الأولى قياسا على صلاة النافلة فيهن يبني ويسلم في ركعتين فإذا قام إلى ثالثة وعمل فيها ثم ذكر رجع إلى الجلوس وتشهد وسلم وسجد وقال الثوري إن بنى على الطواف والطوافين أسبوعا آخر فلا بأس ولا أحبه واستحب الشافعي في ذلك ما قاله مالك ولم يخرج عنده سهو الساهي إذا بنى وأما قوله من شك في طوافه بعد ما يركع ركعتي الطواف فليعد فليتم طوافه على اليقين ثم ليعد الركعتين لأنه لا صلاة لطواف إلا بعد إكمال السبع فقد احتج مالك للمسألة بما لا ريبة فيه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شك أثلاثا صلى أم أربعا فليبن على يقين وليأت بركعة ولا خلاف أن الركعتين لا تكونان إلا بعد السبعة الأطواف وأما قوله من أصابه شيء ينقض وضوءه إلى آخر قوله فالسنة المجتمع

عليها أنه لا ينبغي أن يكون الطواف إلا على طهارة لقوله عليه السلام للحائض من نسائه اقض ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي هذا هو الاختيار عندهم واختلفوا فيمن طاف على غير طهارة فجملة قول مالك في ذلك أنه قاسها على من صلى على غير وضوء وقال مالك لا يطاف إلا في ثوب طاهر وعلى طهارة فإن أحدث في الطواف توضأ واستقبل إذا كان الطواف واجبا عليه أو من سنن الحج وأما الطواف التطوع فإنه إن أراد تمامه استأنف الوضوء له وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إن ذكر الذي طاف الطواف الواجب أو المسنون أنه كان على غير طهارة ذلك اليوم أو جنبا له الإعادة وعليه دم وقال محمد ليس عليه إعادة الطواف وإن طاف كان حسنا والدم على كل حال لا يسقطه عنه إعادة الطواف وقال الشافعي إذا طاف في ثوب نجس وإن كان حسنا فالدم عليه على كل حال وقال أو على جسده شيء من نجاسة أو في نعله نجاسة لم يعتد بما طاف بتلك الحال كما لا يعتد بالصلاة في ذلك وكان في حكم من لم يطف قال والطائف بالبيت في حكم المصلي في الطهارة خاصة ولا يرى الشافعي في الطواف تطوعا على من قطعه عليه الحدث أو قطعه عامدا أعاده كالصلاة النافلة عنده ولا يحل عنده الطواف التطوع ولا صلاة التطوع إلا على طهارة وقال أبو ثور إذا طاف على غير وضوء أو في ثوبه بول أو قذر أو دم كثيرا فأخشى وهو يعلم لم يجزه ذلك وإن كان لا يعلم أجزاه طوافه

وقال أحمد وإسحاق لا يجوز طواف إلا على طهارة وقال إبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان ومنصور بن المعتمر والأعمش يجزئ الطواف على غير طهارة روى شعبة عن منصور وحماد والأعمش في الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة لم يروا بذلك بأسا قال الأعمش أحب إلي أن يطوف على طهارة قال أبو عمر من أجاز الطواف على غير طهارة قاسه على إجماع العلماء في السعي بين الصفا والمروة أنه جائز على غير طهارة ومن لم يجزه إلا على طهارة احتج بما تقدم من قوله عليه السلام تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وقوله وقول أصحابه الطواف بالبيت صلاة وهو مرتبط بالبيت بعده ولا خلاف بينهما أنها لا تجزي على غير طهارة وأما قول مالك أنه لا يدخل السعي إلا بطواف فهذا اختيار منه لمن صح له طوافه على طهارة باب الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عبدالقاري أخبره أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح فلما قضى عمر طوافه نظر فلم ير الشمس طلعت فركب حتى أناخ بذي طوى فصلى ركعتين مالك عن أبي الزبير المكي أنه قال رأيت عبد الله بن عباس يطوف بعد صلاة العصر ثم يدخل حجرته فلا أدري ما يصنع قال أبو عمر روى هذا الخبر بن عيينة عن أبي الزبير بخلاف رواية مالك ذكره بن أبي عمر وغيره عن بن عيينة عن عمرو بن دينار قال رأيت بن عباس طاف بعد العصر فلا أدري أصلى أم لا فقال له أبو الزبير عمرو لم يره صلى قال لا قال أبو الزبير لكني رأيته صلى

مالك عن أبي الزبير المكي أنه قال قد رأيت البيت يخلو بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر ما يطوف به أحد قال أبو عمر هذا خبر منكر يدفعه كل من رأى الطواف بعد الصبح والعصر ولا يرى الصلاة حتى تغرب الشمس قال مالك ومن طاف بالبيت بعض أسبوعه ثم أقيمت صلاة الصبح أو صلاة العصر فإنه يصلي مع الإمام ثم يبني على ما طاف حتى يكمل سبعا ثم لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب قال وإن أخرهما يعني الركعتين حتى يصلي المغرب فلا بأس بذلك قال مالك ولا بأس أن يطوف الرجل طوافا واحدا بعد الصبح وبعد العصر لا يزيد على سبع واحد ويؤخر الركعتين حتى تطلع الشمس كما صنع عمر بن الخطاب ويؤخرهما بعد العصر حتى تغرب الشمس فإذا غربت الشمس صلاهما إن شاء وإن شاء أخرهما حتى يصلي المغرب لا بأس بذلك قال أبو عمر قد قال في الموطأ عند جماعة من رواته أحب إلي يركعهما بعد صلاة العصر قال أبو عمر للمسألة في هذا الباب ثلاثة أقوال أحدها إجازة الطواف بعد الصبح وبعد العصر وتأخير الركعتين حتى تطلع الشمس أو تغرب وهو مذهب عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء وجماعة وهو قول مالك وأصحابه روى بن عيينة عن بن أبي نجيح عن أبيه قال قدم علينا أبو سعيد الخدري فطاف بالبيت سبعا بعد الصبح فقلنا انظروا كيف يصنع فجلس حتى طلعت الشمس ثم قام فصلى ركعتين والقول الثاني كراهة الطواف وكراهة الركوع له بعد الصبح وبعد العصر قاله سعيد بن جبير ومجاهد وجماعة والثالث إباحة ذلك كله وجوازه بعد الصبح وبعد العصر وبه قال الشافعي وجماعة غيره وكره الثوري وأبو حنيفة وأصحابه الطواف بعد الصبح وبعد العصر وقالوا فإن فعل فلا يركع حتى يحل وقت الصلاة النافلة بعد طلوع الشمس وبعد الغروب

وقال سعيد بن جبير ومجاهد لا يطوف بعد الصبح وبعد العصر وقال عطاء يطوف ولا يصلي وقد روي عنه يطوف ويصلي مثل قول الشافعي وهو الصحيح عنه وروى شعبة عن سعد بن إبراهيم عن نصر بن عبد الرحمن عن جده معاذ القرشي أنه طاف بالبيت مع معاذ بن عفراء بعد العصر وبعد الصبح فلم يصل فسألت فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة بعد صلاة الغداة حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس وبمثل هذا احتج من كره الطواف بعد الصبح والعصر وزاد أن من سنة الطواف أن تصلى بعده ركعتان بلا فصل ولا تؤخر الركعتان بعد الفراغ من الطواف إلا عن عذر فإذا لم تكن الصلاة جائزة لم يكن الطواف جائزا إلا أن الطواف لا يتم إلا بالركعتين ومن سنتهما أن لا يفرق بينهما ومن حجة الشافعي ومن قال بقوله حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يا بني عبد مناف أو يا بني عبد المطلب إن وليتم من هذا الأمر شيئا فلا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار رواه الشافعي وغيره عن بن عيينة قالوا فقد عم الأوقات كلها فليس لأحد أن يخص وقتا من الأوقات وممن أجاز الطواف والصلاة بعد العصر والصبح عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين وبه قال عطاء وطاوس والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير روى بن عيينة عن عمرو بن دينار قال رأيت أنا وعطاء عبد الله بن عمر طاف بالبيت بعد الصبح وصلى قال أبو عمر لا ينبغي لأحد أن يطوف ولا يركع عند طلوع الشمس ولا عند

غروبها لأن الآثار متفقة في ذلك صحاح لا تحتمل تأويلا وأما الآثار في الصلاة بعد الصبح وبعد العصر فقد عارضتها مثلها وتأويل العلماء فيها أن النهي إنما ورد دليلا يتطرق بذلك إلى الصلاة عند الطلوع والغروب وقد أوضحنا هذا المعنى في كتاب الصلاة فلم أر وجها لإعادته ها هنا باب وداع البيت مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت قال مالك في قول عمر بن الخطاب فإن آخر النسك الطواف بالبيت إن ذلك فيما نرى والله أعلم لقول الله تبارك وتعالى ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب الحج وقال ثم محلها إلى البيت العتيق الحج فمحل الشعائر كلها وانقضاؤها إلى البيت العتيق مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رد رجلا من مر الظهران لم يكن ودع البيت حتى ودع مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال من أفاض فقد قضى الله حجه فإنه إن لم يكن حبسه شيء فهو حقيق أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت وإن حبسه شيء أو عرض له فقد قضى الله حجه قال مالك ولو أن رجلا جهل أن يكون آخر عهده الطواف بالبيت حتى صدر لم أر عليه شيئا إلا أن يكون قريبا فيرجع فيطوف بالبيت ثم ينصرف إذا كان قد أفاض قال أبو عمر وداع البيت لكل حاج أو معتمر لا يكون مكيا من شعائر الحج وسننه إلا أنه رخص للحائض إذا كانت قد أفاضت والإفاضة الطواف بالبيت بعد رمي جمرة العقبة وهو الذي يسميه أهل الحجاز طواف الإفاضة ويسميه أهل العراق طواف الزيارة فمن طاف ذلك الطواف من النساء ثم حاضت فلا جناح عليها أن تصدر عن البيت وتنهض راجعه إلى بلدها دون أن تودع البيت

وردت السنة بذلك في الحائض التي قد أفاضت وسيأتي ذلك في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وسنذكر هناك من رخص للحائض في ذلك من العلماء اتباعا للسنة التي بلغته فيها ومن لم يرخص لها لما غاب عنه في ذلك قال بن وهب قال لي مالك في قول عمر بن الخطاب آخر النسك الطواف بالبيت قال ذلك الأمر المعمول به الذي لا ينبغي لأحد تركه إلا من عذر وذلك لمن كان بمنى فمن أراد الصدر فأما من رجع إلى مكة بإفاضة فإن له سعة أن يخرج وإن لم يطف بالبيت إذا أفاض قال أبو عمر هو قول عطاء ذكر بن جريج عن عطاء قال إذا أخرت طوافك إلى أن تجيء يوم الصدر أجزاك لزيارتك وصدرك يعني الوداع قال الثوري من نسي فخرج ولم يودع رجع إن ذكر في الحرم فطاف وإن كان قد خرج من الحرم لم يرجع ويمضي وأهراق دما وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وأوصى سفيان الثوري عند موته أن يهراق عنه دم لأنه خرج مرة بغير وداع واختلفوا فيمن طاف طواف الوداع ثم بدا له في شراء حوائج من السوق ونحو ذلك فقال عطاء إذا لم يبق إلا الركوب والنهوض فحينئذ يودع وإنما هو عمل يختم به وبه قال الشافعي والثوري وأحمد وأبو ثور وقال الشافعي إذا اشترى في بعض جهازه وطعامه وحوائجه في السوق بعد الوداع وقال أبو حنيفة وأصحابه أحب إلينا أن يكون طوافه حين يخرج فلو ودع البيت ثم أقام شهرا أو أكثر أجزاه ذلك ولم يكن عليه إعادة قال أبو عمر هذا خلاف قول عمر رضي الله عنه فليكن آخر عهده الطواف بالبيت واختلفوا في المعتمر الخارج إلى التنعيم هل يودع فقال مالك والشافعي ليس عليه وداع وقال الثوري إن لم يودع فعليه دم قال أبو عمر قول مالك أقيس لأنه راجع في عمرته إلى البيت وليس بناهض إلى بلده

ويقولون إن بين مر الظهران وبين مكة ثمانية عشر ميلا وهذا بعيد عند مالك وأصحابه ولا يرون على أحد طواف الوداع من مثل هذا الموضع وجملة قول مالك فيمن لم يطف للوداع أنه إذا كان قريبا رجع فطاف لوداع البيت وإن بعد فلا شيء عليه وقال أبو حنيفة وأصحابه يرجع إلى طواف الوداع ما لم يبلغ المواقيت فإن بلغها ولم يرجع فعليه دم وقالوا في أهل بستان بن عامر وأهل المواقيت إنهم بمنزلة أهل مكة في طواف الصدر وقال سفيان الثوري والشافعي من لم يطف الوداع فعليه دم إن يغدو إن أمكنه الرجوع رجع وهو قول الحسن البصري والحكم وحماد ومجاهد كلهم يقولون عليه دم وثبت عن بن عباس أنه قال من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما ولا خلاف أن طواف الوداع من النسك والحجة لمالك أن طواف الوداع ساقط عن المكي وعن الحائض فليس من السنن اللازمة وألزمه بدنة فلا يجب فيها شيء إلا بيقين باب جامع الطواف مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إنها قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة قالت فطفت راكبة بعيري ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور قال أبو عمر قولها يصلي تريد صلاة الصبح بدليل ما ذكره البخاري عن محمد بن حرب عن يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام بن عروة عن أبيه

عن زينب عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة ولم تكن طافت بالبيت وأرادت الخروج إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ففعلت ذلك ولم تصل حتى خرجت قال أبو عمر اختلف العلماء فيمن طاف بالبيت راكبا ومحمولا فقال مالك إن كان من عذر أجزاهما وإن كان من غير عذر أعادا جميعا وإن رجع المحمول إلى بلده كان عليه أن يهدي دما قال ولو طاف بصبي وسعى بين الصفا والمروة أجزاه عن نفسه وعن الصبي إذا نوى ذلك وهو قول الليث في الطواف والسعي عنده بمنزلة الطواف وقال مالك في المريض يطاف به محمولا ثم يفيق أحب إلي أن يعيد ذلك الطواف وذكر بن القاسم عنه قال يطوف لنفسه من أراد أن يطوف بالصبي ثم يطوف بالصبي ولا يركع عنه ولا شيء على الصبي في ركعتيه قال ومن طاف بالبيت محمولا من غير عذر قال بن القاسم أرى أن يعيد فإن رجع إلى بلاده عاد فطاف وأهراق دما وإن طاف راكبا أعاد وإن طال فعليه دم وإن سعى بالصبي من لم يسع بين الصفا والمروة فهو أخف من الطواف بالبيت ويجزئه ولا بأس أن يسعى لنفسه والصبي معه سعيا واحدا ويجزئهما جميعا على راحلته وقال أبو حنيفة وأصحابه إن طاف راكبا من غير عذر فعليه أن يعيد إن كان بمكة وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم وإن طاف راكبا من عذر أجزاه وكذلك المحمول عند محمد بن الحسن فقال لو طاف بأمه حاملا لها أجزاه عنه وعنها وكذلك لو استأجرت امرأة رجلا يطوف بها حاملا كان الطواف لهما جميعا والأجر له وقال الشافعي طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الصفا والمروة راكبا من غير مرض ولكنه أحب أن يشرف للناس يسألونه وليس أحد مثله وأكثر ما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا فمن طاف راكبا من غير علة فلا إعادة عليه ولا فدية ولا أحب لمن طاف ماشيا أن يركب فإن طاف راكبا أو حاملا من عذر أو غيره فلا دم عليه

وحجته ما رواه بن جريج وبن أبي ذئب عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه قال بن جريج وأخبرني أبو الزبير عن جابر قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالبيت وبين الصفا والمروة على راحلته ليراه الناس وليشرف لهم إن الناس غشوة وقال أبو ثور إذا كان الرجل مريضا فطاف محمولا أو على دابة أجزاه ذلك وإن طاف راكبا أو محمولا من غير علة ولا عذر لم يجزه ذلك وكان عليه أن يعيد وكان بمنزلة من صلى وهو صحيح قاعدا قال أبو عمر أما من صلى وهو صحيح قادر على القيام جالسا فصلاته باطلة بإجماع من العلماء إذا كان إماما أو منفردا فكيف يقاس على هذا الأصل ما فرقت السنة بينهما بما ذكرنا من حديث بن عباس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على راحلته ولم يقل إن طوافي ذلك لعذر ولا نقل ذلك من يوثق بنقله ومعلوم أن التأسي به مباح أو واجب حتى يتبين أنه له خصوص بما لا دفع فيه من الخبر اللازم إلا أنه قد روي في حديث بن عباس أن طوافه راكبا كان لشكوى حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني مسدد قال حدثني خالد بن عبد الله قال حدثني يزيد بن أبي زياد عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته كلما أتى الركن استلمه بمحجن فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى مالك عن أبي الزبير المكي أن أبا ماعز الأسلمي عبد الله بن

سفيان أخبره أنه كان جالسا مع عبد الله بن عمر فجاءته امرأة تستفتيه فقالت إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت حتى إذا كنت بباب المسجد هرقت الدماء فرجعت حتى ذهب ذلك عني ثم أقبلت حتى إذا كنت بباب المسجد هرقت الدماء فرجعت حتى ذهب ذلك عني ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء فقال عبد الله بن عمر إنما ذلك ركضة من الشيطان فاغتسلي ثم استثفري بثوب ثم طوفي قال أبو عمر أفتاها بن عمر فتوى من يرى أن ذلك ليس بحيض وقد روى هذا الخبر جماعة من رواة الموطأ فقالوا فيه إن عجوزا استفتت عبد الله بن عمر فقالت أقبلت أريد الطواف بالبيت الحديث والجواب يدل على أنها ممن لا تحيض فلذلك إنما قال هي ركضة من الشيطان يريد الاستحاضة وذلك لا يمنع من دخول المسجد ولا من الصلاة وكذلك أمرها بما أمرها من الطواف بالبيت لا يحل إلا لمن تحل له الصلاة وأما قوله اغتسلي فهو والله أعلم على مذهبه في الاغتسال لدخول مكة والطواف بالبيت وللوقوف من عشية عرفة لا أنه اغتسال من حيض ولا اغتسال لازم وقد مضى من الاغتسال للحاج والمعتمر في أول هذا الكتاب وفسرنا الاستثفار في كتاب الحيض وفي هذا دليل على أن كل من لها دين من تسأل عن معاني دينها قالت عائشة رضي الله عنها رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن مالك أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص كان إذا دخل مكة مراهقا خرج إلى عرفة قبل أن يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يطوف بعد أن يرجع قال مالك وذلك واسع إن شاء الله

قال أبو عمر معنى قوله ثم يطوف بعد أن يرجع من منى وقد رمى جمرة العقبة فيطوف يريد طواف الإفاضة فيغنيه عن طواف الدخول لا أنه يعيد طواف الدخول بعد طواف الإفاضة هذا لمن خشي أن يفوته الوقوف بعرفة قبل الفجر من ليلة النحر إن اشتغل بالطواف للدخول وهو الطواف الموصول بالسعي فأما من لم يخف ذلك فلا يجوز له ترك ذلك الطواف الموصول بالسعي والسعي وقد اتفق العلماء على أن المراهق وهو الخائف لما ذكرنا يسقط عنه طواف الدخول كما يسقط عن المكي ولا يرون في ذلك دما ولا غيره فإذا طاف المكي أو المراهق بالبيت بعد رمي الجمرة وصل طوافه ذلك بالسعي بين الصفا والمروة وقد روى جماعة من السلف أنهم كانوا يوافون مكة مراهقين خائفين لفوت عرفة فلا يطوفون ولا يسعون وينفضون إلى عرفة فإذا كان يوم النحر ورموا جمرة العقبة طافوا وسعوا ورملوا في طوافهم كما رملوا في طواف الدخول واختلف الفقهاء في الحاج القادم مكة يترك طواف الدخول حتى يخرج إلى منى من غير عذر فقال مالك إن قدم يوم التروية فلا يترك الطواف وإن قدم يوم عرفة إن شاء أخر الطواف إلى يوم النحر وإن شاء طاف وسعى كل ذلك واسع ذكره عنه بن وهب في موطئه وذلك دليل على أن لا طواف عند مالك فرضا إلا طواف الإفاضة كسائر العلماء وأن ما في المدونة أن الطوافين واجبان كلام على غير ظاهره وأن معناه أن وجوب طواف الدخول وجوب سنة من تركه عامدا غير مراهق لم يرجع إليه من بلده وعليه دم ووجوب طواف الإفاضة وجوب فرض لا يجزئ منه دم ولا غيره ولا بد من الإتيان به يوم النحر من بعد رمي الجمرة أو قبلها للصدر والوداع وما لم يكن للإفاضة أجزاه لأنه طواف بالبيت معمول في وقته ينوب عن طواف الإفاضة عند جماعة الفقهاء وقالت طائفة من أصحاب مالك إن طواف الدخول لمن عمله يجزئ عن طواف الإفاضة لمن نسيه إذا رجع إلى بلده وعليه دم كما ذكرنا عنهم في طواف الدخول أنه يجزيه بالدم من طاف للإفاضة ورجع إلى بلده وقال أهل المدينة من أصحاب مالك وهو قول سائر الفقهاء لا يجزئ طواف الدخول ولا ينوب عن طواف الإفاضة بحال من الأحوال وإنما يجزئ عندهم طواف

الإفاضة كل طواف يعمله الحاج يوم النحر أو بعده في حجته وأما كل طواف يطوفه قبل يوم النحر فلا يجزئ عن طواف الإفاضة وهو قول إسماعيل بن إسحاق وأبي الفرج وجمهور أهل العلم قال أبو عمر وذلك والله أعلم لقول الله عز وجل ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق الحج فأمر الله عز وجل بالطواف بالبيت بعد قضاء التفث وذلك طواف يوم النحر بعد الوقوف بعرفة وأما طواف الدخول فلم يأمر الله به ولا رسوله وإن كان قد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخوله في حجة والدليل على أن طواف الدخول ليس بواجب إجماع العلماء على سقوطه عن المكي وعن المراهق الخائف فوت عرفة والله عز وجل قد افترض الحج على المكي وغيره إذا استطاعه فلو كان طواف الدخول فرضا لاستوى فيه المكي وغيره كما يستوون في طواف الإفاضة وقد قال بعض أهل العلم طواف الدخول للحاج كركعتي الداخل في المسجد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طافه في حجته وقال خذوا عني مناسككم صار نسكا مسنونا ومن ترك من نسكه شيئا غير الفرض جبره بالدم وقد أجمعوا أنه يجبر بالدم لمن طاف للإفاضة ولا يرجع إليه إذا أبعد عنه وليس هذا حكم طواف العلماء الذين هم حجة على من شذ عنهم وأما طواف الدخول إلى المعتمر فهو فرض في عمرته لأن العمرة الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة قال أبو عمر قد ذكرنا قول مالك فيمن قدم يوم عرفة أنه إن شاء أخر الطواف إلى يوم النحر وإن شاء طاف وسعى ذلك واسع وهذا من قوله بيان أن طواف الدخول ليس بواجب وهو الذي عليه الفقهاء وعامة العلماء قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا ترك الحاج الدخول فطاف طواف الزيارة رمل في ثلاثة أطواف منها وسعى بين الصفا والمروة وقال الشافعي من طاف طواف الدخول على غير وضوء وفي ثياب غير طاهرة

هل يجزه فإن طاف للإفاضة وخرج من مكة وذكر ذلك كان عليه الفدية قال أبو عمر يعني الدم وبه قال أحمد وأبو ثور وقال إسماعيل بن إسحاق طواف القادم سنته لمن دخل مكة كما طواف الوداع لمن أراد الخروج عنها من حل مسافر وغيره قال والطواف الواجب الذي لا يسقط بوجه من الوجوه هو الطواف الذي يكون بعد عرفة قال الله عز وجل وليطوفوا بالبيت العتيق الحج فكان هذا هو الطواف المفترض في كتاب الله عز وجل وهو طواف الإفاضة وسئل مالك هل يقف الرجل في الطواف بالبيت الواجب عليه يتحدث مع الرجل فقال لا أحب ذلك له قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الطواف صلاة إلى الله عز وجل أحل فيه الكلام فمن يطف فلا ينطق إلا بخير وحدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثني أبو عوانة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن بن عباس قال الطواف بالبيت صلاة فأقلوا من الكلام ورواه بن جريج عن الحسن بن سالم عن طاوس عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم هكذا ذكر مرفوعا وقال طاوس وسمعنا بن عمر يقول اتقوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في صلاة ذكره الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس

قال وحدثني سعيد عن إبراهيم بن نافع قال كلمت طاوسا في الطواف فكلمني وذكر بن جريج عن عطاء أنه كان يكره الكلام في الطواف إلا الشيء اليسير وكان يستحب فيه الذكر والتلاوة للقرآن وكان مجاهد يقرأ عليه القرآن في الطواف وقال مالك لا أرى ذلك ويبقى على طوافه وقال الشافعي أنا أحب القراءة في الطواف وهو أفضل ما تتكلم به الألسن وأما قوله في آخر هذا الباب قال مالك لا يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة إلا وهو طاهر فقد مضى القول في الطواف على غير طهارة وما للعلماء في ذلك من المعاني والمذاهب في باب ركعتي الطواف عند قوله هناك قال مالك فمن أصابه شيء ينقض وضوءه وهو يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة وأوضحنا هناك أن السعي بين الصفا والمروة لمن طاف بالبيت على طهارة استحباب غير واجب عند الجميع والحمد لله إلا أنه لا يجزئ عند أهل الحجاز أخبرنا أحمد بن محمد قال أخبرنا أحمد بن الفضل قال حدثني محمد بن جرير قال أخبرنا أبو كريب قال قال أبو بكر بن عياش وسأله يحيى يعني بن آدم فقال هشام عن عطاء إذا طاف على غير وضوء أعاد قال نعم قال وقال إبراهيم لا يعيد باب البدء بالصفا في السعي مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر بن عبد الله أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرج من المسجد وهو يريد الصفا وهو يقول نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا قال أبو عمر في هذا الحديث الخروج من المسجد إلى الصفا عند انقضاء

الطواف بالبيت ثم يبتدئ السعي وهذا إجماع لا خلاف فيه لأنها السنة المعمول بها وقد مضى بيان ذلك وفيه أن السنة الواجبة أن يبدأ الساعي بين الصفا والمروة من الصفا قبل المروة فقد ذكرنا في كتاب الصلاة من هذا الديوان ما للعلماء في مثل هذا الخطاب قالوا ومن المذاهب في دخول البيت بما يسن فيها من السنن والفرائض وقد ذكرناه بما فيه كفاية فلا معنى لإعادته ها هنا وفي حديث جابر في الحج الحديث الطويل قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصفا فرقى عليها حتى رأى البيت فحمد الله ووحده وكبره فأجمعوا أنه هكذا ينبغي للحاج والمعتمر أن يفعل إن قدر فإن لم يفعل ولم يرق على الصفا وقام في أسفله فلا خلاف بينهم أنه يجزئه وأجمعوا على أن من سنة السعي بين والصفا والمروة أن ينحدر الراقي على الصفا بعد الفراغ من الدعاء فيمشي على حسب مشيته وعادته في المشي وجبلته حتى يبلغ بطن المسيل ثم يرمل بمشية حتى يقطعه فإذا قطعه إلى مائل المروة وجازه مشى على سجيته حتى يأتي إلى المروة فيرقى عليها حتى يبدو له البيت ثم يقول عليها نحو ما قاله من الدعاء والتكبير والتهليل على الصفا وإن وقف أسفل المروة أجزاه في قول جميعهم ثم ينزل عن المروة يمشي على سجيته حتى ينتهي إلى بطن المسيل فإذا انتهى إليه سعى شدا ورمل حتى يقطعه إلى الجانب الذي يلي الصفا يفعل ذلك سبع مرات يبدأ في كل ذلك بالصفا ويختم بالمروة وإن بدأ بالمروة قبل الصفا ألغى شوطا واحدا وهذا كله قول جماعة الفقهاء وقد روي عن عطاء أنه إن جهل أجزأه وروي عنه أنه لا يعتد بهذا الشوط كما قال سائر العلماء واختلفوا في السعي بين الصفا والمروة هل هو واجب فرضا من فرض الحج أو هو تطوع وسنة قال مالك من جهل فلم يسع بين الصفا والمروة أو أفتى بأن ذلك ليس عليه فذكر وطاف بالبيت ثم خرج إلى بلاده فإنه يرجع متى ما ذكر على ما بقي من إحرامه حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويهدي قال مالك ذلك أحب إلي

فإن كان أصاب النساء رجع فقضى ما عليه من الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ثم اعتمر مكان عمرته التي أفسدها بالوطء وكذلك من لم يسع بين الصفا والمروة في حجة حتى وطى ء أهله كان عليه تمام حجته وحج قابل والهدي هذا كله قوله في الموطأ وغيره وقال الثوري من نسي السعي بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى بلاده فإنه يجزئه دم يهديه وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا ترك السعي بين الصفا والمروة عامدا أو ناسيا فعليه دم ولا يرجع إليه حجا كان أو عمرة وقال الشافعي السعي بين الصفا والمروة واجب واحتج في ذلك فقال حدثني عبد الله بن المؤمل عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتني بنت أبي تجراة قالت دخلت مع نسوة من قريش دار آل بن أبي حسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي حتى أني لأقول إني لأرى ركبتيه وسمعته يقول اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي وكذلك رواه أبو نعيم الفضل بن دكين عن عبد الله بن المؤمل وقد اضطرب فيه غير هذين على عبد الله بن المؤمل وقد جود الشافعي وأبو نعيم إسناده ومعناه وقال الشافعي وهذا عندنا والله أعلم على إيجاب السعي بين الصفا والمروة من قبل أن هذا الحديث لا يحتمل إلا السعي بينهما أو السعي في بطن الوادي وهو بعض العمل وجب في كله وهو ما قلنا قال الشافعي من ترك السعي بين الصفا والمروة في الحج فالنساء عليه حرام حتى يرجع فيسعى فيما بينهما فإن وطأ فعليه العود حتى يطوف بينهما ويهدي قال أبو عمر من قوله وقول غيره تأتي واضحة إن شاء الله فيما بعد وقال أبو ثور في ذلك كله مثل قول الشافعي

وبه قال أحمد وإسحاق وهو قول عائشة رضي الله عنها أن السعي بين الصفا والمروة فرض وبه قال مالك والشافعي ومن ذكرنا معهم أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني جعفر بن محمد الفريابي قال حدثني عمرو بن علي قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني هشام بن عروة قال أخبرني أبي عن عائشة قالت والله ما أتم الله حج رجل ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة وقال بن عباس وأنس وعبد الله بن الزبير هو تطوع وبه قال الكوفيون وهو قول الحسن وبن سيرين قال أبو عمر قول سفيان والكوفيين في إيجابهم الدم يحتمل أن يكون عندهم تطوعا ويحتمل أن يكون عندهم سنة وهو الأظهر في إيجابهم الدم وقد روي أن الحسن وقتادة قالا فيمن ترك السعي عليه دم وروي عن الحسن أنه قال لا شيء عليه رواه يحيى القطان عن الأشعث عن الحسن في الرجل ينسى السعي بين الصفا والمروة قال ليس عليه شيء وروي عن طاوس أنه قال فيمن ترك السعي بين الصفا والمروة عمرة وهذا عندي كقول من أوجبه لأن كل من يوجبه يوجب على تاركه الرجوع إليه من بلده فإذا وجب عليه الرجوع من بلده حتى يسعى لم يدخل الحرم إلا محرما وأقل الإحرام عمرة ومن شأن السعي اتصاله بالطواف قبله وروي عن عطاء فيمن ترك السعي بين الصفا والمروة أو نسيه أنه ليس عليه شيء وروي عنه أن عليه دما قال أبو عمر حجة من لم يوجب السعي قوله عز وجل إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما البقرة واحتجوا بقراءة أبي وبن مسعود فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما وهذه قراءات لم تثبت في المصحف فلا حجة فيها قاطعة وقد قالت عائشة في ذلك مما سيأتي بعد ما نبين به أنها رأته واجبا

قالوا ولم تقم بوجوبه حجة يجب التسليم لها وضعفوا حديث عبد الله بن المؤمل قال أبو عمر قد رواه مع بن المؤمل غيره وقد ذكرناه في التمهيد وعبد الله بن المؤمل لم يطعن عليه أحد إلا من سوء حفظه ولم يعارضه في هذا الحديث ولا خالفه فيه غيره فيتبين فيه سوء حفظه وممن رواه كما رواه عبد الله بن المؤمل حماد بن زيد عن بديل بن ميسرة عن المغيرة بن حكيم عن صفية بنت شيبة عن امرأة قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله وإذا أثبت حديثه وجب فيه فرض السعي بين الصفا والمروة والله أعلم وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مناسك الحج ومشاعره فبين في ذلك السعي بين الصفا والمروة فصار بيانا للآية وقال خذوا عني مناسككم فما لم يجمعوا عليه أنه سنة وتطوع فهو واجب بظاهر القرآن والسنة بأنه من الحج المفترض على من استطاع السبيل إليه ذكر عبد الرزاق عن أيوب عن أبي مليكة عن عائشة قالت ما تم حج امرئ ولا عمرته حتى يطوف بين الصفا والمروة وليس في حديثها هذا حجة قاطعة لا تحتمل التأويل مالك عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثا ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك قال أبو عمر الآثار في دعائه وذكره صلى الله عليه وسلم على الصفا والمروة متقاربة المعاني وليس في ذلك عند أحد من أهل العلم حد وإنما هو الدعاء والذكر والاجتهاد في ذلك بقدر ما يقدر عليه المرء ويحضره وفي هذا الحديث من رواية الليث عن بن الهاد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فذكره وزاد فكبر الله وحمده ودعا بما شاء الله فعل هذا حتى فرغ من الطواف

مالك عن نافع أنه سمع عبد الله بن عمر وهو على الصفا يدعو ويقول اللهم إنك قلت ادعوني أستجب لكم غافر وإنك لا تخلف الميعاد وإني أسألك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم قال أبو عمر هو موضع عند جماعة العلماء ترجى فيه الإجابة والدعاء فيه اتباع للسنة وفي قول بن عمر المذكور دليل على أن الدعاء مجاب كله وقد فسرنا ذلك عن العلماء وذكرنا وجوه الاستجابة عندهم بترتيب قوله تعالى فيكشف ما تدعون إليه إن شاء الأنعام في آخر كتاب الصلاة والدعاء عبادة بل قالوا إنه أفضل العبادة لما فيه من الإخلاص واليقين والرجاء وأما دعاؤه أن لا ينزع الإسلام منه ففيه الامتثال والتأسي بإبراهيم عليه السلام في قوله واجنبني وبني أن نعبد الأصنام إبراهيم ويوسف عليه السلام في قوله وتوفني مسلما وألحقني بالصالحين يوسف وبالنبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه من قوله وإذا أردت بالناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون قال إبراهيم النخعي لا يأمن الفتنة والاستدراج إلا مفتون ولا نعمة أفضل من نعمة الإسلام فيه تزكو الأعمال ومن ابتغى دينا غيره فلن يقبل منه ولو أنفق ملء الأرض ذهبا أماتنا الله عليه وجعلنا من خير أهله آمين باب جامع السعي مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال قلت لعائشة أم المؤمنين وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله تبارك وتعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما

البقرة فما على الرجل شيء أن لا يطوف بهما فقالت عائشة كلا لو كان كما تقول لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تبارك وتعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما البقرة قال أبو عمر أما قول عروة في هذا الحديث وأنا يومئذ حديث السن ففيه دليل على أنه إذا حدث بهذا الحديث كان يقول غير ما قاله إذ كان في غير السن وفي ذلك ما يدل على أن عروة ممن يذهب مذهب عائشة في وجوب السعي بين الصفا والمروة وإن كان قد اختلف عنه في ذلك وقد تقدم ما للعلماء في إيجاب السعي من الاختلاف في الباب قبل هذا وأما ما احتجت به عائشة رضي الله عنها من قولها لو كان كما تقول لكانت فلا جناح عليه أن يطوف بهما ولو كانت قراءة صحيحة ما جهلتها عائشة ولا عابت على عروة لأنه كان يجاوبها بأنها كانت قراءة أبي وبن مسعود وأنها مما نزل القرآن عليه ويشهد لما قلناه سقوطها من المصحف المجتمع عليه وأما مناة فصنم وهو الذي ذكر الله تعالى أنه أحد الأصنام الثلاثة في قوله تعالى ومناة الثالثة الأخرى النجم وإنما تحرج المسلمون من السعي بين الصفا والمروة لأنه كان موضع ذبائحهم لأصنامهم فأخبرهم الله تعالى أن الصفا والمروة من شعائر الله لئلا يتحرج من السعي بينهما والطواف بهما ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عائشة قالت كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة في الجاهلية ومناة صنم بين مكة والمدينة

فقالوا يا نبي الله إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة فهل علينا من حرج أن نطوف بهما فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما البقرة قال عروة فقلت لعائشة ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة فإن الله عز وجل يقول إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما فقالت يا بن أختي ألا ترى أنه يقول إن الصفا والمروة من شعائر الله البقرة قال الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن فقال هذا العلم قال أبو بكر ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون لما أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة وإن الله تعالى قد ذكر الطواف بالبيت ولم يذكر بين الصفا والمروة فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما فأنزل الله عز وجل إن الصفا والمروة البقرة كلها قال أبو بكر فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما فيمن طاف وفيمن لم يطف قال أبو عمر قول أبي بكر بن عبد الرحمن فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين يعني القائلين بأن الآية نزلت فيمن قال يا نبي الله إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة يعني مناة التي كانت للأنصار لئلا يعظموا غير الله تعالى وكانت لهم آلهة يعبدونها قد نصبوها بين المسلك بين مكة والمدينة فكانوا يكرهون أن يطوفوا بين الصفا والمروة من أجل مناة التي كانت لقريش وما أدري موضع مناة الثالثة الأخرى والفريق الثاني هم القائلون بأن الآية إنما نزلت لقول من قال إنا كنا نطوف في الجاهلية بين الصفا والمروة كما كنا نطوف بالبيت فأمر الله تعالى بالطواف بالبيت ولم يأمر بالطواف بين الصفا والمروة فهل علينا من حرج ألا نطوف بهما فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله البقرة كلها قال أبو عمر فهذا تأويل قول أبي بكر بن عبد الرحمن أسمع هذه الآية أنزلت في الفريقين كليهما ممن طاف ومن لم يطف يريد أنه سمع القولين معا في سبب نزول الآية والآية محتملة لهما وكلا القولين علم وكذلك قال إن هذا لعلم وهذا العلم

ويحتمل قوله هذا العلم إشارة إلى قول عائشة واحتجاجها بقوله عز وجل إن الصفا والمروة من شعائر الله البقرة أي قد جعل الطواف بينهما من الشعائر التي أرادها من عباده في الحج والعمرة كما قال إن الدين عند الله الإسلام آل عمران وهذا القول مع العلم سبب نزول الآية على وجوب السعي بين الصفا والمروة كما قال أهل الحجاز والله أعلم أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن عثمان قال حدثني أبي عن شعيب عن الزهري عن عروة قال سألت عائشة عن قول الله عز وجل فلا جناح عليه أن يطوف بهما البقرة فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بهما فقالت عائشة بئس ما قلت يا بن أختي إنما هذه الآية لو كانت كما أولتها كانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما ولكنها إنما أنزلت في الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون عند المشلل وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك أنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما البقرة ثم قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما فليس لأحد أن يترك الطواف بهما قال أحمد بن شعيب وأخبرنا محمد بن منصور قال حدثني سفيان عن الزهري عن عروة قال قرأت على عائشة فلا جناح عليه أن يطوف بهما البقرة قلت وما أبالي أن لا يطوف بهما قالت بئس ما قلت وذكر الخبر وفيه قال الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك وقال سمعت رجالا من أهل العلم يقولون إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية وقال آخرون من الأنصار إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بين الصفا والمروة فأنزل الله عز وجل إن الصفا والمروة من شعائر الله البقرة قال أبو بكر بن عبد الرحمن فأراها قد نزلت في هؤلاء مالك عن هشام بن عروة أن سودة بنت عبد الله بن عمر كانت

عند عروة بن الزبير فخرجت تطوف بين الصفا والمروة في حج أو عمرة ماشية وكانت امرأة ثقيلة فجاءت حين انصرف الناس من العشاء فلم تقض طوافها حتى نودي بالأولى من الصبح فقضت طوافها فيما بينها وبينه وكان عروة إذا رآهم يطوفون على الدواب ينهاهم أشد النهي فيعتلون بالمرض حياء منه فيقول لنا فيما بيننا وبينه لقد خاب هؤلاء وخسروا قال أبو عمر في هذا الخبر حجة لمالك في كراهية أن يطوف أحد راكبا من غير عذر لازم وفيه إعلام بما كان عليه الصالحون من الرجال والنساء من الصبر على أعمال الطاعات وإن كان في بعضها رخصة طلبا للأجر وجزيل الثواب من الله عز وجل لم يجد رخصة من الله في الطواف بالبيت وبالصفا والمروة راكبا لدى العذر من مرض أو زمانه ألا ترى أنه لما اعتلوا له بالمرض لم ينكر عليهم ثم قال سرا كلاما معناه إن كان هؤلاء كذبوا فيما اعتلوا به فقد خابوا وخسروا وعلى كراهة الركوب بين الصفا والمروة من غير علة ولا ضرورة جمهور أهل العلم وبه قال مالك والكوفيون وإليه ذهب أحمد وإسحاق وروي ذلك عن عائشة وعروة وقال الشافعي لا بأس به وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله ولم يخبر بعلة ولا ضرورة وقال حدثني سعيد بن سالم عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف لهم لأن الناس غشوه وقال بن جرير وأخبرني عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وبين الصفا والمروة راكبا فقلت لعطاء لم قال لا أدري قال أبو عمر قد روي عن عطاء ومجاهد أنهما سعيا راكبين

ولم تقدر سودة بنت عبد الله بن عمر لثقل جسمها أن تقضي الطواف بين الصفا والمروة سبعا إلا بين العشاء والأذان للصبح ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولو ركبت كان في ذلك رخصة لها وقد يشبه أن يكون ذلك في ليالي الصيف مع التغليس بالصبح والله أعلم وأما قول مالك من نسي السعي بين الصفا والمروة في عمرة فلم يذكر حتى يستبعد من مكة أنه يرجع فيسعى وإن كان قد أصاب النساء فليرجع فليسع بين الصفا والمروة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة ثم عليه عمرة أخرى والهدي فقد وافقه الشافعي في أن العمرة من فروضها الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة وإنها لا تتم إلا بذلك وقول الشافعي في هذه المسألة قول مالك وقد ذكرنا اختلاف العلماء في وجوب السعي بين الصفا والمروة فكل من أوجبه يوجب الرجوع إليه من كل أفق في العمرة كما يوجبه في الحج لأن القرآن عمهما في قوله عز وجل فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما البقرة ومن لم يوجبه ناب عنه عنده الدم لمن أبعد عن مكة لأن هذا شأن السنن في الحج أن تجبر بالدم ولا ينصرف إليها من بعد وأما الوطء قبل السعي بين الصفا والمروة بالعمرة فسيأتي في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وقد روي عن بن عباس أنه قال العمرة الطواف بالبيت وخالفه بن عمر وجابر والناس ذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن عمرو بن دينار قال سألنا بن عمر عن رجل طاف بالبيت يعني في العمرة أيقع على أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة فقال أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت ثم أتى المقام فصلى عنده ركعتين ثم طاف بين الصفا والمروة ثم قرأ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الأحزاب قال عمرو فسألنا جابر بن عبد الله فقال لا يقربها حتى يسعى بين الصفا وأما قوله وسئل مالك عن الرجل يلقاه الرجل بين الصفا والمروة فيقف معه يحدثه فقال لا أحب له ذلك قال إن العلماء يكرهون الكلام بغير ذكر الله في الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة إلا فيما لا بد منه لأنه موضع ذكر ودعاء

والكلام بين الصفا والمروة عندهم أخف فمن تكلم وتحدث لم يفسد ذلك طوافه ولا سعيه عند الجميع عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن أبي وائل عن مسروق أن بن مسعود قال حين سعى للوادي اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم وعن محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن مجاهد أنه سمع بن عمر وهو يرمل بين الصفا والمروة وهو يقول اللهم اغفر وارحم وأنت العزيز الأرحم روى سفيان عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن وهب بن الأجدع كان عمر بن الخطاب يعلم الناس يقول إذا قدم أحدكم حاجا أو معتمرا فليطف بالبيت سبعا ويصلي خلف المقام ركعتين ثم يأتي الصفا فيصعد عليها فيكبر سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمد لله وثناء عليه وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأله لنفسه وعلى المروة مثل ذلك وعن مسعر عن قراض عن الشعبي عن وهب بن الأجدع مثله قال عبد الرزاق وأخبرنا بن أبي رواد عن نافع عن بن عمر أنه كان كثيرا ما يقول بين الصفا والمروة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله ومن رواية بن جريج وأيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان يقول إذا نزل على الصفا والمروة اللهم واستعملني لسنة نبيك وتوفني على ملته وأجرني من مضلات الفتن واعصمني بدينك وطاعتك وطاعة رسولك وجنبني معاصيك واجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ورسلك وعبادك الصالحين وحببني إلى ملائكتك وعبادك الصالحين اللهم واجعلني من أئمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم ولا تخزني يوم يبعثون قال أبو عمر هو موضع ذكر ودعاء وليس فيه شيء مؤقت فليدع المؤمن بما شاء لدين ودنيا ولا يتعدى في الدعاء إلى ما لا ينبغي وبالله التوفيق وأما قول مالك ومن نسي من طوافه شيئا أو شك فيه فلم يذكر إلا وهو يسعى بين الصفا والمروة فإنه يقطع سعيه ثم يتم طوافه بالبيت على ما يستيقن ويركع ركعتي الطواف ثم يبتدئ سعيه بين الصفا والمروة

فهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء أن من شك في طوافه يلزمه البناء فيه على الأقل في نفسه وليس عمله في السعي وإن طال ما يلزمه ابتداء الطواف ولكنه يبني على ما طاف حتى يتم الطواف ويركع ركعتين ثم يسعى بين الصفا والمروة مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل من الصفا والمروة مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى يخرج منه قال أبو عمر هكذا قال يحيى في هذا الحديث كان إذا نزل بين الصفا وسائر رواة الموطأ يقولون كان إذا نزل من الصفا وكذلك هو محفوظ في حديث جابر الطويل وقد رواه مالك وقطعه في أبواب من الموطأ قال أبو عمر وليس في هذا الحديث ما يحتاج إلى القول والعلماء كلهم على القول به والسعي المذكور فيه هو الاشتداد في المشي والهرولة ولا خلاف في السعي في المسيل وهو الوادي بين الصفا والمروة إلا أن من السلف من كان يسعى المسافة كلها بين الصفا والمروة منهم الزبير بن العوام وابنه عبد الله بن الزبير ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة أنه أدرك أباه يولي بين الصفا والمروة سعيا وكان عروة لا يصنع ذلك كان يسعى في بطن المسيل ثم يمشي قال وأخبرنا بن عيينة عن هشام بن عروة أن الزبير وابنه عبد الله بن الزبير كانا يركبان ما بين الصفا والمروة كله سعيا قال أبو عمر العمل عند جمهور الفقهاء على ما في حديث جابر قال ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصفا فلما انصبت قدماه في الوادي سعى حتى خرج منه ولا حرج على من اشتد وسعى في ذلك كله وذكر الثوري عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير قال رأيت بن عمر يمشي بين الصفا والمروة ثم قال إن مشيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي أو سعيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى

قال مالك في رجل جهل فبدأ بالسعي بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت قال ليرجع فليطف بالبيت ثم ليسع بين الصفا والمروة وإن جهل ذلك حتى يخرج من مكة ويستبعد فإنه يرجع إلى مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة وإن كان أصاب النساء رجع فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة ثم عليه عمرة أخرى والهدي قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء في أن يطوف بالبيت في الحج والعمرة قبل السعي بين الصفا والمروة وبذلك جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كذلك فعل في عمراته كلها وفي حجته قال خذوا عني مناسككم واختلف العلماء فيمن سعى بين الصفا والمروة من قبل أن يطوف بالبيت فقال مالك ما ذكرنا عنه في الموطأ وهو قول جمهور الفقهاء منهم أبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وأحمد وإسحاق ورواية عن الثوري روى ذلك بن أبي الزرقاء ومهران الرازي عن الثوري أنه قال إن سعى الحاج بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت فإنه يطوف بالبيت ويجزئه وذكر عبد الرزاق قال سألت الثوري عن رجل بدأ بالصفا والمروة قبل الطواف بالبيت فقال أخبرني بن جريج عن عطاء يطوف بالبيت وقد جزى عنه قال عبد الرزاق عن سفيان وأما نحن فنقول يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بهما قال أبو عمر فإن طاف بهما على غير طهارة ثم طاف بين الصفا والمروة ثم ذكر توضأ وطاف بالبيت ثم بالصفا والمروة ولا يجزئه غير ذلك عند مالك والشافعي لأنهما يقولان إنه لا يجزئ السعي بين الصفا والمروة إلا بعد إكمال الطواف بالبيت على طهارة والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة عندهما كالركوع والسجود وقد أجمعوا أنه لا يجزئ السجود قبل الركوع وقد تقدم القول في الطواف بالبيت على غير طهارة والاختلاف فيه ولا فرق عند مالك والشافعي بين من نسي السعي بين الصفا والمروة وبين من قدم السعي بين الصفا والمروة على الطواف بالبيت وعليه الرجوع إلى الطواف ثم السعي عند مالك والشافعي خرج من مكة أو لم يخرج أبعد أو لم يبعد فإن وطى ء

النساء قبل الطواف فعليه قضاء الحج والعمرة ومع ذلك الهدي على ما يأتي في بابه إن شاء الله وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومن خرج من مكة وقد رأى أنه كان قدم السعي بين الصفا والمروة على الطواف بالبيت فعليه دم وليس عليه أن يعود باب صيام يوم عرفة مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عمير مولى عبد الله بن عباس عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشرب مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن عائشة أم المؤمنين كانت تصوم يوم عرفة قال القاسم ولقد رأيتها عشية عرفة يدفع الإمام ثم تقف حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض ثم تدعو بشراب فتفطر قال أبو عمر حمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما حكت عنه أم الفضل عندنا أنه كان بعرفة وقد روي ذلك منصوصا وإذا كان بعرفة فالفطر أفضل تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقوة على الدعاء وقد قال صلى الله عليه وسلم أفضل الدعاء يوم عرفة ونهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وتخصيصه بعرفة دليل على أن صومه بغير عرفة ليس كذلك على أن صومه بغير عرفة لم يكن كذلك لأنه قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال صيام يوم عرفة كفارة سنة

وقد روي عنه كفارة سنتين وروى الوليد بن مسلم عن بن جابر عن أبيه عن عطاء قال صيام يوم عرفة كصيام الدهر وقد روي عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث أم الفضل هذا وذكرناه في التمهيد وأما الحديث بأن نهيه عن صوم يوم عرفة أنه كان بعرفة أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قالا حدثني سليمان بن حرب قال حدثني حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري قال حدثني عكرمة قال كنا عند أبي هريرة في بيته فحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثني علي بن حرب قال حدثني سفيان عن بن أبي نجيح عن أبيه عن بن عمر قال حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه أنا لا أصومه ولا آمر بصومه ولا أنهى عنه قال أبو عمر يعني يوم عرفة بعرفة ويوضح ذلك قوله حججت وذلك كله كان في الحج وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثني مسدد قال حدثني الحارث بن عبيد أبو قدامة الايادي قال حدثني هوذة بن الأشهب عن الحارث عن عبادة البصري عن

أبيه عن جده قال مر عمر بن الخطاب بأبيات بعرفات فقال ما هذه الأبيات قلنا لعبد القيس فقال لهم خيرا ودعا لهم ونهاهم عن صوم يوم عرفة قال هوذة وحج أبي وطليق بن محمد الخزاعي واختلفا في صوم يوم عرفة فقال أبي بيني وبينك سعيد بن المسيب فأتيناه فقلت يا أبا محمد إنا اختلفنا في صيام يوم عرفة فجعلناك بيننا فقال أنا أخبركم عن من هو خير مني عبد الله بن عمر لا يصومه وقال حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فكلهم كانوا لا يصومونه وأنا لا أصومه قال أبو عمر كان مالك والثوري والشافعي يختارون الفطر يوم عرفة بعرفة وقال الشافعي أحب صوم عرفة لغير الحاج وأما من حج فأحب إلي أن يفطر ليقوى بالفطر على الدعاء قال أبو عمر قد روي عن عائشة وعثمان بن أبي العاص أنهما كانا يصومان يوم عرفة بعرفة فأما حديث عائشة فقد ذكره مالك في هذا الباب وأما حديث عثمان بن أبي العاص فروى المعتمر بن سليمان قال سمعت حميدا يحدث عن الحسن قال لقد رأيت عثمان بن أبي العاص يرش عليه ماء في يوم عرفة وهو صائم وكان إسحاق بن راهويه يميل إلى صومه بعرفة وغير عرفة وقال قتادة ولا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء وكان عطاء يقول أصومه في الشتاء ولا أصومه في الصيف وهذا لأن لا يضعفه صومه عن الدعاء مع الحر والله أعلم باب ما جاء في صيام أيام منى مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى

عن بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة أيام منى يطوف يقول إنما هي أيام أكل وشرب وذكر الله عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين يوم الفطر ويوم الأضحى عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن أبي مرة مولى أم هانئ أخت عقيل بن أبي طالب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه أخبره أنه دخل على أبيه عمرو بن العاص فوجده يأكل قال فدعاني قال فقلت له إني صائم فقال هذه الأيام التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهن وأمرنا بفطرهن قال مالك هي أيام التشريق قال أبو عمر أما حديث أبي النضر فلم يختلف عن مالك في إرساله في الموطأ وأما حديث بن يسار هذا فقد رواه الثوري عن سالم أبي النضر وعبد الله بن أبي بكر عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن السلام قال حدثني محمد بن المثنى قال حدثني عبد الرحمن بن مهدي قال حدثني سفيان فذكره قال عبد الرحمن وقرأته على مالك عن أبي النضر عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى

قال بن مهدي ولا أراه إلا أثبت من حديث سفيان وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال سئل يحيى بن معين عن حديث عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر وسالم أبي النضر عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب فقال مرسل قال أبو عمر إنما صار مرسلا لأن سليمان بن يسار لم يسمع من عبد الله بن حذافة وهذا وإن كان مرسلا فإنه يتصل من غير ما وجه ويتصل حديث عبد الله بن حذافة من حديث بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل وقد ذكرنا هذا الحديث وما كان مثله في التمهيد قال أبو عمر أيام منى هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر ولها ثلاثة أسماء يقال لها أيام منى لإقامة الحاج بها بعد يوم النحر لرمي الجمار ويقال لها أيام التشريق قال أهل اللغة سميت بذلك لتشريق لحوم الضحايا والهدايا وهي الأيام المعدودات التي رخص للحاج أن يتعجل منها في يومين ولا خلاف بين العلماء في أيام التشريق أنها أيام منى وأنها الأيام المعدودات وإنما اختلفوا في الأيام المعلومات على قولين أحدهما أنها أيام العشر وهو قول بن عباس وبه قال الشافعي والثاني أنها يوم النحر ويومان بعده من أيام التشريق وهو قول علي وبن عمر وسنبين ذلك في كتاب الضحايا إن شاء الله ومما يدلك على أن أيام منى ثلاثة أيام قول العرجي ما نلتقي إلا ثلاث منى حتى يفرق بيننا النفر وقول عروة بن أذينة نزلوا ثلاث منى منزل غبطة وهم على سفر لعمرك ماهمو وقد ذكرنا الشواهد في هذا وفي اشتقاق منى في التمهيد ولم قيل لها منى قال بن الأنباري هو مشتق من منيت الدم إذا أصبته

وقال أبو هفان هو منى وهي منى فمن ذكره ذهب إلى المكان ومن أنثه ذهب إلى البقعة قال وتكتب في الوجهين جميعا بالياء وأجمع العلماء على أنه لا يجوز صيام أيام منى تطوعا وأنها أيام لا يتطوع أحد بصيامهن إلا شيء يروى عن الزبير وبن عمر والأسود بن يزيد وأبي طلحة أنهم كانوا يصومون أيام التشريق تطوعا وفي الأسانيد عنهم ضعف وجمهور العلماء من أهل الرأي والحديث على كراهية ذلك ذكر بن عبد الحكم عن مالك قال لا بأس بسرد الصيام إذا أفطر يوم النحر ويوم الفطر وأيام التشريق لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها وقال في موضع آخر لا يتطوع أحد بصيام أيام منى لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام أيام منى وقال بن القاسم عن مالك لا ينبغي لأحد أن يصوم أيام الذبح الثلاثة ولا يقضي فيها صياما واجبا نذرا ولا قضاء رمضان ولا يصومها إلا المتمتع وحده الذي لم يصم قبل عرفة ولم يجد الهدي قال وأما آخر أيام التشريق فيصام إن نذره رجل أو نذر صيام ذي الحجة فأما قضاء رمضان أو غيره فلا يفعل إلا أن يكون قد صام قبل ذلك صياما متتابعا قد لزمه فمرض ثم صح وقوي على الصيام في هذا اليوم يبني على الصيام الذي كان صامه في الظهار أو قتل النفس خطأ وأما قضاء رمضان فلا يصومه فيه قال أبو عمر لا اعلم أحدا من أهل العلم فرق بين اليومين الأولين من أيام التشريق في الصيام خاصة وفي اليوم الثالث منها إلا ما حكاه بن القاسم عن مالك على ما ذكرناه وجمهور العلماء من أهل الرأي والأثر لا يجيزون صوم اليوم الثالث من أيام التشريق في قضاء رمضان ولا في نذر ولا في غير ذلك من وجوه الصيام إلا المتمتع وحده فإنهم اختلفوا في ذلك على ما نذكره عنهم في بابه في آخر هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وأما قوله صلى الله عليه وسلم في أيام منى إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل فإن الأكل والشرب أنها أيام لا صيام فيها وأما الذكر فهو بمنى التكبير عند رمي الجمار وفي سائر الأمصار التكبير بإثر الصلاة وسيأتي موضع ذكره من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل

وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الفطر ويوم النحر فلا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز صيامهما لناذر ولا متطوع ولا يقضى فيهما رمضان ولا يصامان في صيام التتابع والذي يصومهما بعد علمه بالنهي المجتمع عليه عاص عند الجميع ولأصحابنا فيمن نذر صيام ذي الحجة هل يقضي يوم النحر أم لا ما قد ذكرناه في كتاب الصيام من هذا الكتاب باب ما يجوز من الهدي مالك عن نافع عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى جملا كان لأبي جهل بن هشام في حج أو عمرة قال أبو عمر وقع في رواية عبيد الله بن يحيى عن أبيه في هذا الحديث عن مالك عن نافع عن عبد الله بن أبي بكر وهو خطأ لا إشكال فيه من خطأ اليد ولم يروه بن وضاح عن يحيى إلا كما رواه سائر الرواة للموطأ عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر وهذا الحديث يستند من وجوه قد ذكرنا بعضها في التمهيد منها ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني عبيد بن عبد الواحد قال حدثني أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثني إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال وقال عبد الله بن أبي نجيح حدثني مجاهد عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هداياه جملا لأبي جهل بن هشام في أنفه برة من فضة ليغيظ به المشركين وفي هذا الحديث دليل على استسمان الهدايا واختيارها وأن الجمل يسمى بدنة كما أن الناقة تسمى بدنة وهذا الاسم مشتق من عظم البدن عندهم وفي هذا الحديث رد قول من زعم أن البدنة لا تكون إلا أنثى وفيه إجازة هدي ذكور الإبل وهو أمر مجتمع عليه عند الفقهاء وفيه ما يدل على أن الإبل في الهدايا أفضل من الغنم ولم يختلفوا في تأويل قول الله عز وجل فما استيسر من الهدي البقرة أنه شاة إلا ما روي عن بن عمر أنه قال بدنة دون بدنة وبقرة دون بقرة

وأما استسمان الهدايا والضحايا الغلو في ثمنها واختيارها فداخل تحت عموم قوله عز وجل ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب الحج وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الرقاب فقال أغلاها ثمنا وهذا كله مداره على صحة النية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات وقال الله عز وجل لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم الحج وقوله ليغيظ به المشركين في حديث بن عباس هو تفسير لهذا الحديث وقد قيل إن جمل أبي جهل بن هشام كان من الصفي الخالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن سهمه كان في خمس الغنيمة واجبا على ما ذكرناه في كتاب الجهاد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال اركبها فقال يا رسول الله إنها بدنة فقال اركبها ويلك في الثانية أو الثالثة قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد الاختلاف على أبي الزناد في إسناد هذا الحديث والاختلاف أيضا في ألفاظه عن مالك وغيره واختلف العلماء في ركوب الهدي الواجب والتطوع فمذهب أهل الظاهر إلى أن ركوبه جائز من ضرورة وغير ضرورة وبعضهم أوجب ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اركبها

وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه لا بأس بركوب الهدي على كل حال على ظاهر هذا الحديث والذي ذهب إليه مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وأكثر الفقهاء كراهية ركوب الهدي من غير ضرورة وكذلك كره مالك شرب لبن البدنة وإن كان بعد ري فصيلها قال فإن فعل ذلك فلا شيء عليه وقال أبو حنيفة والشافعي إن نقصها الركوب أو شرب لبنها فعليه قيمة ما شرب من لبنها وقيمة ما نقصها الركوب وحجة من ذهب هذا المذهب أن ما خرج لله فغير جائز الرجوع في شيء منه ولا الانتفاع فإن اضطر إلى ذلك جاز له لحديث جابر في ذلك حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أحمد بن حنبل قال حدثني يحيى بن سعيد عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير قال سألت جابر بن عبد الله عن ركوب الهدي فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا وحجة مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أذن في ركوب الهدي عند الحاجة إليه كان ذلك منه بيانا أن ذلك جائز فيما يخرج لله ولو وجب في ذلك شيء لبينه صلى الله عليه وسلم فهو يبين عن الله تعالى مراده وقد سكت عن إيجاب شيء من ذلك وما سكت عن ذلك فهو عفو منه والذمة بريئة إلا بيقين وأما قوله ويلك فمخرجه الدعاء عليه إذ أبى من ركوبها في أول مرة وقال له إنها بدنة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنها بدنة فكأنه قال له الويل لك في مراجعتك أيامي فيما لا تعرف وأعرف وكان الأصمعي يقول ويلك كلمة عذاب وويحك كلمة رحمة وذكر مالك في آخر هذا الباب عن هشام بن عروة أن أباه قال إذا اضطررت إلى بدنتك فاركبها ركوبا غير فادح وإذا اضطررت إلى لبنها فاشرب بعد ما يروى فصيلها فإذا نحرتها فانحر فصيلها معها

قال أبو عمر قول عروة حسن جدا يؤيده الأثر والنظر مالك عن عبد الله بن دينار أنه كان يرى عبد الله بن عمر يهدي في الحج بدنتين بدنتين وفي العمرة بدنة بدنة قال ورأيته في العمرة ينحر بدنة وهي قائمة في دار خالد بن أسيد وكان فيها منزله قال ولقد رأيته طعن في لبة بدنته حتى خرجت الحربة من تحت كتفها قال أبو عمر في هذا الخبر من الفقه أن للإنسان أن يتطوع من الهدي بما شاء ويسوق منه ما شاء وقد ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته مائة بدنة وجعلها بينة وبين علي رضي الله عنه وكان يضحي بكبشين وأما نحره بدنه قائمة فهي السنة تنحر البدن قياما لقول الله عز وجل فاذكروا اسم الله عليها صوآف الحج والصواف التي قد صفت قوائمها ومن قرأ صوافنا فإنه يريد قائمة على ثلاث قوائم ومن قرأ صوافي أراد خالصة لله والاختيار عند الجميع أن لا تنحر البدنة إلا قائمة إلا أن تمتنع من ذلك وما أظنهم والله أعلم استحبوا نحرها قياما إلا لقوله عز وجل فإذا وجبت جنوبها الحج أي سقطت على جنوبها إلى الأرض

وأما نحره في منزله في دار خالد بن أسيد فإن مكة كلها منحر ينحر منها حيث شاء في العمرة ومنى منحر في الحج وأما طعنه في لبه بدنه فهو موضع النحر ولا خلاف أن نحر الإنسان بيده لما ينحر من هديه وذبحه لما يذبح منه أفضل من أن يوليه غيره عند جماعة أهل العلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بعض هديه بيده وهو الأكثر وولى عليا نحر سائره وكان قد أشركه في هديه وكان مالك رحمه الله يشدد في أن لا يذبح ولا ينحر للمرء غيره ضحيته ولا بدنته إلا أن يكون من يريد كفايته ويقوم له مقام نفسه حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني حمزة بن محمد قالا حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني جعفر بن محمد قال حدثني أبي قال أتينا جابر بن عبد الله فحدثني أن جماعة الهدي التي أتى بها علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة فنحر النبي صلى الله عليه وسلم منها بيده ثلاثا وستين وأعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنه ببضعة فجعلت في قدر فأكلا من لحمها وشربا من مرقها قال أبو عمر أما خروج الحربة من تحت كتف البدنة فدال على قوة عبد الله بن عمر رضي الله عنه وكان هو وأخوه عبيد الله بن عمر يشبهان أباهما في القوة والجلد وعظم الخلق مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز أهدى جملا في حج أو عمرة قال أبو عمر هذا والله أعلم لما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى جملا كان لأبي جهل بن هشام في حجة أو عمرة تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وامتثالا لفعله وهذان الخبران يدلان على أن هدي الناس كان في النوق أكثر منه في الجمال وكذلك رأى بعض العلماء واستحب أن تكون البدنة أنثى وذلك عند الجمهور منهم لأن

اسمها عندهم مشتق من عظم البدن وقد يسمون البقرة بدنة لأنها أعظم بدنا من الشاة مالك عن أبي جعفر القارئ أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أهدى بدنتين إحداهما بختية وهذا الخبر ليس فيه للقول مدخل لأن ما مضى يوضحه ويغني عن القول فيه ولا خلاف أن البدن في الهدايا أفضل من البقر والغنم وإنما الخلاف في الضحايا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول إذا نتجت الناقة فليحمل ولدها حتى ينحر معها فإن لم يوجد له محمل حمل على أمة حتى ينحر معها قال أبو عمر لا يختلف العلماء أن الناقة إذا قلدت وهي حامل ثم ولدت أن ولدها حكمه في النحر كحكمها لأن تقليدها إخراج لها من ملك مقلدها لله تعالى وكذلك إذا نذر نحرها وهي حامل ولم يقلدها وقول بن عمر في هذه المسألة يدل على أنه لا يرى ركوب البدنة إلا من ضرورة لأنه لم يبح حمل ولدها عليها إلا إذا لم يوجد له محمل غيره ولما لزمه للهدي لزمه حمله حتى يبلغه محله فكذلك يلزمه أن يصنع بالفصيل في حمله على غير أمه إذا قدر فإن لم يقدر لم يكلف أن يحمله على رقبته وكان له أن يحمله على أمه كما يحمل نفسه عليها وبالله توفيقنا باب العمل في الهدي حين يساق مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة يقلده قبل أن يشعره وذلك في مكان

واحد وهو موجه للقبلة يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم يدفع به معهم إذا دفعوا فإذا قدم منى غداة النحر نحره قبل أن يحلق أو يقصر وكان هو ينحر هديه بيده يصفهن قياما ويوجههن إلى القبلة ثم يأكل ويطعم قال أبو عمر التقليد في الهدي إعلام بأنه هدي والنية مع التقليد تغني عن الكلام فيه وكذلك الشعار والتحليل عند مالك مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا طعن في سنام هديه وهو يشعره قال بسم الله والله أكبر قال أبو عمر أما قوله كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة فهي السنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم فإن كان الهدي من الإبل والبقر فلا خلاف أنه يقلد نعلا أو نعلين أو ما يشبه ذلك ممن يجد النعال قال مالك يجزئ النعل الواحد في التقليد وكذلك هو عند غير وقال الثوري يقلد نعلين وفم القربة يجزئ واختلفوا في تقليد الغنم فقال مالك وأبو حنيفة لا تقلد الغنم وقال الشافعي تقلد البقر والإبل النعال وتقلد الغنم الرقاع وهو قول أبي ثور وأحمد وإسحاق وداود لحديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إلى البيت مرة غنما فقلدها وقال مالك لا ينبغي أن يقلد الهدي إلا عند الإهلال يقلده ثم يشعره ثم يصلي ثم يحرم

وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يقلد إلا هدي متعة أو قران أو تطوع وجائز إشعار الهدي قبل تقليده وتقليده قبل إشعاره وكل ذلك قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما توجهه إلى القبلة في حين التقليد فإن القبلة على كل حال يستحب استقبالها بالأعمال التي يراد بها الله عز وجل تبركا بذلك واتباعا للسنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل ذبيحتنا واستقبل قبلتنا الحديث فهذا في الصلاة وتدخل فيه الذبيحة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل بذبيحته القبلة ويقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا الأنعام وكره بن عمر وبن سيرين أن يؤكل من ذبيحة من لم يستقبل بذبيحته القبلة وأباح أكلها جمهور العلماء منهم إبراهيم والقاسم وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعي ويستحبون مع ذلك أن يستقبلوا القبلة وقد روي في الحديث المرفوع خير المجالس ما استقبل به القبلة فما ظنك بما هو أولى بذلك وأما تقليده بنعلين فقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما التقليد علامة للهدي كأنه إشهار منه أنه أخرج ما قلده من ملكه لله عز وجل وجائز أن يقلد بنعل واحدة ونعلان أفضل إن شاء الله لمن وجدهما وكذلك الإشعار أيضا علامة للهدي وجائز الإشعار في الجانب الأيمن وفي الجانب الأيسر

وقد روي عن بن عمر أنه كان ربما فعل هذا وربما فعل هذا إلا أن أكثر أهل العلم يستحبون الإشعار في الجانب الأيمن لحديث بن عباس في ذلك حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو بكر محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أبو الوليد الطيالسي وحفص بن عمر قالا حدثني شعبة عن قتادة عن أبي حسان عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنه فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ثم سلت الدم عنها وقلدها بنعلين وممن استحب الإشعار في الجانب الأيمن الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبو ثور وكان مالك يقول يشعر من الجانب الأيسر على ما رواه عن نافع عن بن عمر وكذلك رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر ورواه معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر أنه كان يشعر في الشق الأيمن حين يريد أن يحرم وقال مجاهد أشعر من حيث شئت وكان أبو حنيفة ينكر الإشعار ويكرهه ويقول إنما كان ذلك قبل النهي عن المثلة وهذا الحكم لا دليل عليه إلا التوهم والظن ولا تترك السنن بالظنون وأما نحره بمنى فهو المنحر عند الجميع في الحج وأما تقديمه النحر قبل الحلق فهو الأولى عند الجميع وسيأتي في التقديم والتأخير فيما يفعل يوم النحر من عمل الحج وما للعلماء في ذلك من المذاهب في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله وأما صفة لبدنه فمأخوذ من قول الله عز وجل فاذكروا اسم الله عليها الحج وقد تقدم القول في ذلك

وأما أكله وإطعامه من الهدي فيدل على أن ذلك كان هدي تطوع قد بلغ محله امتثالا لقول الله عز وجل فكلوا منها وأطعموا الحج وهذا عند الجميع في الهدي التطوع إذا بلغ محله وفي الضحايا وسيأتي القول فيما يؤكل من الهدي وما لا يؤكل منه ومذاهب العلماء في ذلك في موضعه إن شاء الله وأما قوله عند نحره بسم الله والله أكبر فلقول الله عز وجل فاذكروا اسم الله عليها الحج ومن أهل العلم من يستحب التكبير مع التسمية كما كان يقول بن عمر وعساه أن يكون امتثل قول الله عز وجل ولتكبروا الله على ما هداكم البقرة ومنهم من كان يقول التسمية تجزي ولا يزيد على بسم الله وأحب إلي أن يقول بسم الله الله أكبر وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في ذبح ضحيته وهو قول أكثر أهل العلم مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول الهدي ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة قال أبو عمر قد تقدم في الحديث قبل هذا عنه أنه كان يسوق هديه حتى يقفه بعرفة مع الناس ثم يدفع به معهم إذا دفعوا فإذا قدم منى نحره ووقف الهدي بعرفة عند مالك وأصحابه لمن اشترى الهدي بمكة ولم يدخله من الحل واجب لا يجزئ عندهم غير ذلك على قول بن عمر الهدي ما قلد وأشعر ووقف به على عرفة قال مالك من اشترى هديه بمكة أو بمنى ونحره ولم يخرجه إلى الحل فعليه البدن فإن كان صاحب الهدي قد ساقه من الحل أستحب له أن يقفه بعرفة فإن لم يقفه فلا شيء عليه وحسبه في الهدي أن يجمع بين الحل والحرم وقد كان سعيد بن جبير يقول نحو قول بن عمر لا يصلح من الهدي إلا ما عرف وهو قول مالك وأما عائشة فكانت تقول إن شئت فعرف وإن شئت فلا تعرف وروي ذلك عن بن عباس وبه قال الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأبو ثور وقال الشافعي وقف الهدي بعرفة سنة لمن شاء إذا لم يسقه من الحل

وقال أبو حنيفة ليس بسنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ساق الهدي من الحل لأن مسكنه كان خارج الحرم وقول مالك والشافعي أولى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق هديه من الحل وقد أجمعوا أن التقليد سنة فكذلك التعريف لمن لم يأت بهديه من الحل وأما حجة مالك في إيجاب ذلك فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل هديه من الحل وقال خذوا عني مناسككم والهدي إذا وجب باتفاق فواجب أن لا يجزئ إلا بمثل ذلك أو سنة توجب غير ذلك والفعل منه صلى الله عليه وسلم عند المالكيين على الوجوب في مثل هذا وقد اجمعوا أن الحاج والمعتمر يجمعان بين الحل والحرم في عمل الحج والعمرة يكن له الهدي قالوا وإنما سمي الهدي هديا لأنه يهدى من الحل إلى الحرم كما يهدى من ملك ملكه إلى الله عز وجل قال أبو عمر أصحاب الشافعي ومن تابعه يقولون اسم الهدي مشتق من الهدية فإذا أهدي إلى مساكين الحرم فقد أجزأ من أي موضع جاء وروى معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال إنما الهدي ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة وأما ما اشتري بمنى فهو جزور وعن بن جريج عن عطاء قال عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبدن وكان بن سيرين يكره شراء البدنة إذا لم توقف بعرفة وروى الثوري وبن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت ما استطعتم فعرفوا به وما لم تستطيعوا فاحبسوه واعقلوه بمنى مالك عن نافع أن بن عمر كان يجلل بدنه القباطي والأنماط والحلل ثم يبعث بها إلى الكعبة فيكسوها إياها مالك أنه سأل عبد الله بن دينار ما كان عبد الله بن عمر يصنع بجلال بدنه حين كسيت الكعبة هذه الكسوة قال كان يتصدق بها مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يشق جلال بدنه ولا يجللها حتى يغدو من منى إلى عرفة

قال أبو عمر كانت الكعبة تكسى من زمن تبع ويقال إن أول من كسى الكعبة تبع الحميري وكسوتها من الفضائل المتقرب بها إلى الله عز وجل ومن كرائم الصدقات فلهذا كان بن عمر يكسو بدنه الجلل والقباطي والحلل فيجمل بذلك بدنه لأن ما كان لله تعالى فتعظيمه وتجميله من تعظيم شعائر الله تعالى ثم يكسوها الكعبة فيحصل على فضلين وعملين من أعمال البر رفيعين فلما كسا الأمراء الكعبة وحالوا بين الناس وكسوتها تصدق بن عمر حينئذ بجلال بدنه لأنه شيء أخرجه لله تعالى من ماله وما خرج لله تعالى فلا عودة فيه وأما تركه تجليل بدنه إلى يوم التروية في حين رواحه إلى عرفة فذلك والله أعلم لأنه شيء قصد به التزيين والجمال كما يتزين باللباس في العيدين وينحر البدن في مجتمع الناس وذلك ليقتدي به الناس مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول في الضحايا والبدن الثني فما فوقه قال أبو عمر اختلف العلماء فيما لا يجوز من أسنان الضحايا والهدايا بعد إجماعهم أنها لا تكون إلا من الأزواج الثمانية وأجمعوا أن الثني فما فوقه يجزئ منها كلها وأجمعوا أنه لا يجزئ الجزع من المعز في الهدايا ولا في الضحايا لقوله عليه السلام لأبي بردة لم يجز عن أحد بعدك واختلفوا في الجذع من الضأن فأكثر أهل العلم يقولون يجزئ الجذع من الضأن هديا وضحية وهو قول مالك والليث والثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وأبي ثور وكان بن عمر يقول لا يجزئ في الهدي إلا الثني من كل شيء وقال عطاء الجذع من الإبل يجزئ عن سبعة وروي عن أنس والحسن البصري أن الجذع يجزئ عن ثلاثة

مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول لبنيه يا بني لا يهدين أحدكم من البدن شيئا يستحي أن يهديه لكريمه فإن الله أكرم الكرماء وأحق من اختير له قال أبو عمر لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أفضل الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها كان ذلك ندبا إلى اختيار ما يهدى إلى الله عز وجل ويبتغي به مرضاته إن شاء الله وبالله التوفيق باب العمل في الهدي إذا عطب أو ضل مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن صاحب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها ثم ألق قلادتها في دمها ثم خل بينها وبين الناس يأكلونها قال أبو عمر روى هذا الحديث مسندا في غير الموطأ حدثناه محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدي قال إن عطب فانحره ثم أصبغ نعله في دمه ثم خل بينه وبين الناس وهكذا رواه جماعة عن هشام بن عروة منهم بن عيينة ووهب لم يزيدوا فيه على قوله وخل بينها وبين الناس يأكلونها وروى بن عباس هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فزاد فيه لا تأكل منها أنت ولا أهل رفقتك حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا بن زيد قال حدثنا أبو

التياج عن موسى بن سلمة قال خرجت أنا وسنان بن سلمة معتمرين قال وانطلق سنان معه ببدنة يسوقها فأزحفت عليه بالطريق فعيي بشأنها إن هي أبدعت كيف يأتي بها فقال لئن قدمت البلد لأستحفين عن ذلك قال فأضحيت لما نزلنا البطحاء قال انطلق إلى بن عباس نتحدث إليه قال فذكر له شأن بدنته فقال على الخبير سقطت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بست عشرة بدنة مع رجل وأمره فيها قال فمضى ثم رجع فقال يا رسول الله كيف أصنع بما أبدع علي منها قال انحرها ثم اصبغ نعليها في دمها ثم اجعله على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك ورواه شعبة وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سنان بن سلمة عن بن عباس أن ذؤيبا أبا قبيصة الخزاعي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول إذا عطب منها شيء وخشيت عليه موتا فانحره ثم اغمس نعله في دمه ثم اضرب به صفحته ولا تطعم منه ولا أحد من أهل رفقتك قال أبو عمر لا يوجد هذا اللفظ إلا في حديث بن عباس قوله ولا أحد من أهل رفقتك وأكثر الفقهاء على خلافه ومن جهة النظر فإن أهل رفقته وغيرهم في ذلك سواء بدليل قوله في حديث ناجية الأسلمي خل بينها وبين الناس فيأكلونها لم يخص أهل رفقته من غيرهم ولا أعلم أحدا قال بهذه الزيادة إلا أبا ثور وداود قالا لا يأكل منها هو ولا أحد من أهل رفقته قال أبو عمر من قال بهذا قال هي زيادة حافظ يجب العمل بها وكأنه جعل أهل رفقته في حكمه لما ندب إليه الرفيق من مواساة رفيقه فزاده وإلا فالقول ما قاله الجمهور لظاهر حديث ناجية خل بينها وبين الناس وهذا على عمومه ولا خلاف أنه يصنع بالهدي التطوع إذا عطب قبل محله ما في حديث ناجية وحديث بن عباس من غمس نعله في دمه وضربه به صفحته والتخلية بينه وبين الناس وإنما ذلك والله أعلم ليكون علامة أنها مباح أكلها وأنها لله فجعلها خارجة عن ملك صاحبها

وأما قوله في حديث مالك كيف أصنع بما عطب من الهدي فإن محمل هذا عند جماعة العلماء على الهدي التطوع لأنه هدي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في حديث ناجية وبن عباس فهو هدي تطوع لا يجوز لأحد ساقه أكل شيء منه أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقام نفسه بما يلتزم محله ليأكله قبل وجوب أكله قطعا للذريعة في ذلك مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال من ساق بدنة تطوعا فعطبت فنحرها ثم خلى بينها وبين الناس يأكلونها فليس عليه شيء وإن أكل منها أو أمر من يأكل منها غرمها مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس مثل ذلك مالك عن بن شهاب أنه قال من أهدى بدنة جزاء أو نذرا أو هدي تمتع فأصيبت في الطريق فعليه البدل مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال من أهدى بدنة ثم ضلت أو ماتت فإنها إن كانت نذرا أبدلها وإن كانت تطوعا فإن شاء أبدلها وإن شاء تركها مالك أنه سمع أهل العلم يقولون لا يأكل صاحب الهدي من الجزاء والنسك قال أبو عمر أما الهدي التطوع إذا بلغ محله فلا خلاف بين العلماء في أنه يأكل منه صاحبه إن شاء كسائر الناس لأنه في حكم الضحايا وإنما اختلفوا فيمن أكل من الهدي الواجب أو أكل من الهدي التطوع قبل أن يبلغ محله فكان مالك والأوزاعي والشافعي يقولون في الهدي التطوع يعطب قبل محله أن على صاحبه أن يخلي بينه وبين الناس يأكلونه ولا يأمر أحدا يأكل منه فقيرا ولا غنيا يتصدق ولا يطعم وحسبه والتخلية بينه وبين الناس وكذلك قال أبو حنيفة إلا أنه قال يتصدق به أفضل من أن يتركه للسباع فتأكله وأما ما يطمئن الآكل من الهدي الذي لا يجب له أن يأكل منه قد اختلف فيه أيضا

فكان مالك يقول إن أكل منه أبدله كله وروى بن وهب عن الليث بن سعد في الذي يأكل من هدي ليس له أن يأكل منه قال أرى أن يتصدق بقدر ما أكل طعاما يطعمه المساكين ولا أرى عليه غير بدله قال بن وهب خالفه مالك فقال إن أكل منه شيئا ولو نصفه وآخره أبدله كله وبه يأخذ بن وهب وكذلك قال بن القاسم عن مالك إن أكل منه فعليه بدله كله كان الذي أكل منه قليلا أو كثيرا قال بن القاسم إن أكل من الهدي الذي نذر للمساكين فعليه أن يطعم قيمة ما أكل للمساكين ولا يكون عليه البدل وقال بن حبيب إن أكل مما لا يجب أن يأكل منه فعليه ثمن ما أكل طعاما يتصدق به وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي وأبي ثور وأحمد وإسحاق وروي عن علي بن أبي طالب وبن مسعود وبن عباس في الهدي يعطب قبل محله أن صاحبه إن أكل منه أو أمر عزم وعن بن المسيب وجماعة من التابعين مثل ذلك إلا أنهم ليس عندهم تفسير ما يغرم ما أكل أو أتلف وقالت طائفة منهم عطاء والزهري إن عليه البدل إن فعل شيئا من ذلك ومن قال عليه البدل أوجب عليه غرم الجميع وعلى هذين القولين اختلاف الفقهاء على ما قدمنا واختلفوا في الهدي الذي يؤكل منه فقال مالك يؤكل من كل الهدي إلا جزاء الصيد ونذر المساكين وفدية الأذى وهدي التطوع الذي يعطب في الطريق قبل أن يبلغ محله وقال الثوري يؤكل من هدي المتعة والإحصار والوصية والتطوع إذا بلغ محله لا يؤكل من غيرها وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يؤكل من الهدي إلا هدي المتعة وهدي التطوع يعنون إذا بلغ محله وهدي القرآن وأما غير ذلك فلا يؤكل منه شيء

وقال الشافعي لا يؤكل من الهدي كله إلا التطوع خاصة إذا بلغ محله وكل ما كان واجبا من الهدي فلحمه كله للمساكين وجلده وكذلك جله والنعلان اللتان عليه قال وكذلك عندي هدي المتعة لأنه واجب فسبيله سبيل جزاء الصيد وهدي الإفساد وهدي القرآن فكل ما وجب عليه فلا يأكل منه شيئا وقال أبو ثور مثله ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا بن علية قال حدثنا يزيد بن زريع عن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد أنهم كانوا يقولون لا يؤكل من الفدية ولا من جزاء الصيد عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال لا يأكل من جزاء الصيد ولا من نذر المساكين ولا من الكفارات ويأكل مما سوى ذلك فإن كان الهدي واجبا وعطب قبل محله فإن صاحبه يأكله إن شاء أو ما شاء منه ويطعم منه من شاء ما شاء لأن عليه بدله وعلى هذا جمهور العلماء ومنهم من أجاز له بيع لحمه وإن يستعين به في البدل وكره ذلك مالك لأنه بيع شيء أخرجه لله عز وجل ومن أجاز بيع لحمه على جواز أكله وقد كان عطاء يبيح البيع في ذلك ثم رجع عنه وروى سفيان بن عيينة عن عبد الكريم عن عكرمة عن بن عباس قال إذا أهديت هديا واجبا فعطب فانحره فإن شئت فكل وإن شئت فأهد وإن شئت فتقول به في هدي آخر وأما قول بن عمر أنه من أهدى بدنة ثم ضلت أو ماتت فإنها أن كانت نذرا أبدلها وإن كانت تطوعا فإن شاء أبدلها وإن شاء تركها قال أبو عمر لا خلاف في هذا بين العلماء وأصلهم فيه الصلاة النافلة لا تقضى لمن غلب عليها ما يفسدها والنذر والصلاة الفريضة ما غلبه عليها من الحدث وغيره لا يسقطها قال عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال أما النذر فإن كان للمساكين فكان بمنزلة جزاء الصيد وإن قال علي بدنة أو هدي ولم يذكر فيه شيئا فهو هدي والمتعة سواء ليهد منهما لمن هو غني عنهما من صديق أو ذي رحم وليأكل هو وأهله وليتصدق ولينتفع بجلودها ولا يبع

قال وهل للمتعة لهدي المحصر فيما يؤكل منه سواء واختلفوا في هدي التطوع إذا عطب وقد دخل الحرم فقال منهم قائلون إذا دخل الحرم فقد بلغ محله والحرم كله ومكة ومنى سواء لأنه حرم كله وأجمعوا أن قوله عز وجل ثم محلها إلى البيت العتيق الحج لم يرد به الذبح ولا النحر في البيت العتيق لأن البيت ليس بموضع للدماء لأن الله تعالى قد أمر بتطهيره وإنما أراد بذكره البيت العتيق مكة ومنى وكذلك قال صلى الله عليه وسلم مكة كلها منحر يعني في العمرة ومنى كلها منحر يعني في الحج فالحرم كله مكة ومنى لأن ذلك كله حرم فإذا عطب الهدي التطوع في الحرم جاز لصاحبه أن يأكل منه وإذا كان هديا واجبا وبلغ الحرم وعطب فقد جزى عنه لأن العلة في سياقة الهدي إطعام مساكين الحرم وهذا كله قول الشافعي وعطاء وكثير من العلماء وروى بن جريج وحبيب المعلم وغيرهما عن عطاء قال كل هدي بلغ الحرم فعطب فقد أجزى وقد اتفق العلماء على أن قتل الصيد بمكة ومنى وسائر الحرم سواء في وجوب الجزاء وقال صلى الله عليه وسلم في مكة لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها وأجمعوا أن الحرم كله في ذلك حكمه حكمها وقد قال مالك من أحرم من الميقات قطع التلبية إذا دخل الحرم ومن قوله إن الحرم لا يدخل إلا بإحرام فسواء في ذلك بين الحرم ومكة إلا أن مذهبه فيما

عطب أو نحر من الهدي قبل بلوغ مكة أنه لا يجزئ قوله تعالى ثم محلها إلى البيت العتيق الحج واحتج له إسماعيل بن إسحاق القاضي بإجماعهم على أن الطواف والسعي لا يكونان إلا بمكة وأن رمي الجمار لا يكون إلا بمنى وكذلك النحر لا يكون إلا فيهما باب هدي المحرم إذا أصاب أهله مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبا هريرة سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج فقالوا ينفذان يمضيان لوجههما حتى يقضيا حجهما ثم عليهما حج قابل والهدي قال وقال علي بن أبي طالب وإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ما ترون في رجل وقع بامرأته وهو محرم فلم يقل له القوم شيئا فقال سعيد إن رجلا وقع بامرأته وهو محرم فبعث إلى المدينة يسأل عن ذلك فقال بعض الناس يفرق بينهما إلى عام قابل فقال سعيد بن المسيب لينفذا لوجههما فليتما حجهما الذي أفسداه فإذا فرغا رجعا فإن أدركهما حج قابل فعليهما الحج والهدي ويهلان من حيث أهلا بحجهما الذي أفسدا ويتفرقان حتى يقضيا حجهما قال مالك يهديان جميعا بدنة بدنة قال أبو عمر قال الله عز وجل الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج البقرة وأجمع علماء المسلمين على أن وطء النساء على الحاج حرام من حين يحرم حتى يطوف طواف الإفاضة وذلك لقوله تعالى فلا رفث البقرة والرفث في هذا الموضع الجماع عند جمهور أهل العلم بتأويل القرآن وقد قيل غير ذلك

والصواب عندهم ما ذكرت لك في تأويل الرفث في هذه الآية وأجمعوا على أن من وطى ء قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه ومن وطى ء من المعتمرين قبل أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة فقد أفسد عمرته وعليه قضاء الحج والهدي قابلا وقضاء العمرة والهدي في كل وقت يمكنه ذلك واختلفوا فيمن وطى ء أهله بعد عرفة وقبل رمي جمرة العقبة وفيمن وطى ء قبل الإفاضة أيضا وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله فأما اختلافهم فيمن وطى ء بعد عرفة وقبل أن يرمي الجمرة فقال مالك في موطئه في رجل وقع بامرأته في الحج ما بينه وبين أن يدفع من عرفة ويرمي الجمرة إنه يجب عليه الهدي وحج قابل قال فإن كانت إصابته أهله بعد رمي الجمرة فإنما عليه أن يعتمر ويهدي وليس عليه حج قابل وروى بن أبي حازم وأبو مصعب عن مالك أنه رجع عن قوله في الموطأ فيمن وطى ء بعد الوقوف بعرفة وقبل رمي الجمرة أن حجه يفسد بوطئه ذلك وقال ليس عليه إلا العمرة والهدي وحجه تام كمن وطى ء بعد رمي الجمرة سواء قال أبو مصعب إن وطى ء بعد طلوع الفجر من ليلة النحر فعليه الفدية والهدي وإن كان قبل طلوع الفجر فقد فسد حجه وفي الأسدية لابن القاسم إن يطأ بعد مغيب الشمس يوم النحر فحجه تام رمى الجمرة أو لم يرم وقد تقصينا الاختلاف في ذلك عن مالك وأصحابه في كتب اختلافهم وروى بن وهب وغيره عن مالك في الموطأ أيضا قال مالك في الموطأ من أفسد حجه أو عمرته بإصابة نساء فإنه يهل من حيث كان أهل بحجه الذي أفسد أو عمرته إلا أن يكون أهل من أبعد من الميقات فليس عليه أن يهل من الميقات وقال بن القاسم وأشهب عن مالك في الذي يفسد حجه بإصابة أهله يحجان من قابل ويفترقان إذا أحرما قال فقلت له ولا يؤخران ذلك حتى يأتي الموضع الذي أفسدا فيه حجهما فقال لا وهذا الذي سمعت قال أشهب فقلت له مما افتراقهما أيفترقان في البيوت أو في المناهل لا

يجتمعان في منهل قال لا يجتمعان في منزل ولا يتسايران ولا في الجعفة ولا بمكة ولا بمنى وقال الثوري إذا جامع المحرم امرأته أفسد حجه وحجها وعليه بدنة وعليها أخرى فإن لم تكن بدنة أخرى كل واحد منهما شاة ثم يمضيان في حجهما فإذا فرغا من حجهما حلا وعليهما الحج من قابل ولا ينزلان بذلك المكان الذي تواقعا فيه إلا وهما مهلان ثم يفترقا من ذلك المكان ولا يجتمعان حتى يفرغا من حجهما لا يكونان في محمل ولا فسطاط وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا جامع المحرم امرأة قبل الوقوف بعرفة كان على كل واحد منهما شاة يذبحها ويتصدقا بلحمها ويقضيا حجهما مع الناس وعليهما الحج من قابل ولا يفترقان فإن جامع بعد الوقوف بعرفة فعليه بدنة ويجزئه شاة ولا حج عليه وقال الشافعي الجماع يفسد الإحرام ما كان إذا جاوز الختان فإذا جامع المفرد أو القارن فعليه أن يمضي في إحرامه حتى يفرغ ثم يحج قابلا بمثل إحرامه الذي أفسد حاجا قارنا أو معتمرا ويهدي بدنة تجزئ عنهما معا وإذا أهلا بقضاء حجهما أهلا من حيث أهلا أولا وإن كان أبعد من الميقات فإن كانا أهلا بالإحرام الذي أفسداه من ميقاتهما أحرما من ميقاتهما فإن جاوزاه أهديا دما وقال أبو ثور مثل قول الشافعي إلا أنه قال على المرأة إلا إن كانت طاوعته دم مثل ما على الرجل ولا يفترقان قال أبو عمر تلخيص أقوالهم أن مالكا ذهب إلى أن من وقع بأهله بعد الوقوف بعرفة وقبل رمي جمرة العقبة فقد فسد حجه وهو قول الأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري إذا وطى ء بعد الوقوف بعرفة فعليه بدنة وحجه تام وقال مالك يجزئ الواطئ شاة كسائر الهدايا وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا يجزئ الواطئ إلا بدنة أو سبع من الغنم وقال مالك الذي يفسد الحج والعمرة التقاء الختانين وأن لم يكن ماء دافق قال ولو قبل امرأته ولم يكن من ذلك ماء دافق لم تكن عليه في القبلة إلا الهدي

هذا كله قوله في الموطأ وجملة مذهبه عند أصحابه أنه من لمس فقبل فأنزل أو تابع النظر فأنزل فقد فسد حجه وقال الأوزاعي إن لمس فأنزل أو وطى ء دون الفرج فأنزل فقد أفسد حجه وقال عبد الله بن الحسن إذا لمس فأنزل فقد أفسد حجه قال عبيد وإن نظر فأنزل لم يفسد حجه وقال الشافعي الذي يفسد الحج من الجماع ما يوجب الحد وذلك أن تغيب الحشفة ويلتقي الختانان لا يفسده شيء غير ذلك قال وإن جامع دون الفرج فأحب إلي أن ينحر بدنة ويجزئه شاة قال وكذلك كل ما تلذذ من امرأته من قبلة أو مباشرة أو غيرها أجزأه الدم قال ويكفي المرأة إذا تلذذت بالرجل كما يكفي الرجل وبذلك كله قال أبو ثور وقال أبو حنيفة لا يفسد الحج إلا أن ينزل قال أبو عمر حجة من لم ير فساد الحج إلا بالوطء في الفرج القياس على ما أجمعوا عليه من وجوب الحد وعلة من جعل الإفساد في الفرج وفي غير الفرج القياس على ما أجمعوا عليه من الغسل واتفقوا فيمن قبل وهو محرم قال مالك ليس على من جامع مرارا إلا هدي واحد وعليهما واحد إن طاوعته وقال أبو حنيفة إن كرر الوطء في مجلس واحد أجزاه هدي واحد وإن كان في مجالس مختلفة فعليه في كل مجلس هدي وقال محمد بن الحسن يجزئه هدي واحد ما لم يبعد وطؤه الأول وللشافعي في ذلك ثلاثة أقوال أحدها كقول مالك وهو الأشهر عنه والآخر عليه في كل وطء هدي والآخر إن كان قد كفر فعليه هدي آخر مثل قول محمد واختلفوا فيمن وطى ء امرأته ناسيا فقال مالك سواء وطأ ناسيا أو عامدا فعليه الحج قابل والهدي وهو قول الشافعي في القديم وقال في الجديد لا كفارة عليه إذا وطأ ناسيا ولا قضاء

من أصحاب الشافعي من قال لا يختلف قوله إنه لا قضاء عليه ولا كفارة كالصيام قال أبو عمر أحكام الحج في قتل الصيد ولبس الثياب وغير ذلك يستوي فيه الخطأ والعمد فكذلك يجب أن يكون الوطء في الحج والله أعلم وقال مالك كل نقص دخل الإحرام من وطء أو حلق شعر أو إحصار بمرض فإن صاحبه إذا لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع لا مدخل للإطعام فيه وقال أبو حنيفة كل جناية وقعت في الإحرام فلا يجزئ فيها إلا الهدي ولا يجوز فيها إلا الصيام ولا الإطعام وقال الشافعي على الحاج بدنة فإن لم يجد قومت البدنة دراهم وقومت الدراهم طعاما فإن لم يجد صام عن كل مد يوما إلا أن الطعام والهدي لا يجزيه واحد منهما إلا بمكة أو بمنى والصوم حيث شاء وقال محمد بن الحسن نحو قول الشافعي وقال مالك من أكره امرأته فعليه أن يحجها من ماله ويهدي عنها كما يهدي عن نفسه وإن طاوعته فعليها أن تحج وتهدي من مالها وهو قول أبي حنيفة إلا أنه قال وإن أكرهها فإنها تحج من مالها ولا ترجع به على من أكرهها وقال أصحابه ترجع بكل ما أنفقت على الزوج إذا أكرهها وقال أبو ثور وأحمد وإسحاق كقول مالك وقال الشافعي إن طاوعته فعليهما أن يحجا ويهديا بدنة واحدة عنه وعنها لقوله في الصوم إن كفارة واحدة تجزي عنهما ولم يختلف قوله على الرجل إذا أكرهها أن يحجها ولا شيء عليها قال أبو عمر قد قال الشافعي في حلال حلق رأس محرم لغير أمره إن على المحرم الفدية ويرجع على الحلال قال مالك من وطى ء امرأته فأفسد حجته فإنهما يحجان من قابل فإذا أهلا تفرقا من حيث أحرما وقال الثوري والشافعي يفترقا من حيث أفسدا الحجة الأولى وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يفترقان

وهو قول أبي ثور وقال زفر يفترقان قال أبو عمر الصحابة رضي الله عنهم على قولين في هذه المسألة أحدهما يفترقان من حيث أحرما والآخر يفترقان من حيث أفسدا الحج وليس على أحد منهم لا يفترقان واختلف التابعون في ذلك فبعضهم قالوا لا يفترقان باب هدي من فاته الحج مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أخبرني سليمان بن يسار أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجا حتى إذا كان بالنازية من طريق مكة أضل رواحله وإنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر فذكر ذلك له فقال عمر اصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت فإذا أدركك الحج قابلا فاحجج وأهد ما استيسر من الهدي مالك عن نافع عن سليمان بن يسار أن هبار بن الأسود جاء يوم النحر وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال يا أمير المؤمنين أخطأنا العدة كنا نرى أن هذا اليوم يوم عرفة فقال عمر اذهب إلى مكة فطف أنت ومن معك وانحروا هديا إن كان معكم ثم احلقوا أو قصروا وارجعوا فإذا كان عام قابل فحجوا وأهدوا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع قال مالك ومن قرن الحج والعمرة ثم فاته الحج فعليه أن يحج قابلا ويقرن بين الحج والعمرة ويهدي هديين هديا لقرانه الحج مع العمرة وهديا لما فاته من الحج قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين العلماء قديما ولا حديثا أن من فاته الحج بفوت عرفة لا يكون يخرج من إحرامه إلا بالطواف والسعي بين الصفا والمروة إذا لم يحل بينه وبين ذلك حائل يمنعه من عمل العمرة إلا شيء روي عن جعفر بن

محمد بن علي أنه قال من فاتته عرفة وأدرك الوقوف بجمع مع الإمام فقد جزى عنه حجه ولا أعلم أحدا قاله غيره والله أعلم وسيأتي القول في الوقوف بالمزدلفة ومن رآه من فروض الحج في موضعه إن شاء الله قال أبو عمر الخلاف بين الفقهاء فيمن فاته الحج إنما هو في الهدي خاصة ويدلك على علم مالك بالاختلاف ترجمته هذا الباب هدي من فاته الحج قال مالك من فاته الحج يحلل بعمل عمرة وعليه الحج من قابل وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وحجتهم إجماع الجميع على من حبسه المرض ومنعه حتى فاته الحج أن عليه الهدي فقال أبو حنيفة وأصحابه من فاته الحج تحلل بعمرة وعليه حج قابل ولا هدي عليه وهو قول الأوزاعي إلا أنه قال يعمل ما بقي عليه من عمل الحج ويفيض قال أبو عمر هذا ظاهره على خلاف ما ذكرنا من عمل العمرة وليس كذلك لأنه لا بد من الطواف عنده والسعي والله أعلم وحجة من أسقط الهدي عن من فاته الحج أن القضاء اللازم بذلك يسقط الهدي عنه لأن الهدي بدل من القضاء وبدل منه قالوا وإنما وجب على المحصر الهدي لأنه لا يصل إلى البيت فيحل به في وقته قال والمحرم لا يحل من إحرامه إلا بطواف وسعي أو يهدي لقوله عز وجل فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى البقرة أي لا يحل إلا بهدي إذا منع من الوصول إلى البيت قال أبو عمر هذا غير لازم عند الحجازيين لأن المحرم عندهم إذا لم يحصره عذر فلا يحله إلا الطواف بالبيت ومن أحصره العذر لم يحتج عند بعضهم إلى هدي وقد مضى القول في ذلك وأما قول مالك في القارن يفوته الحج فقد وافقه الشافعي وخالفهما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا يطوف ويسعى لعمرته ثم يطوف ويسعى لحجته ويحل وعليه الحج من قابل وليس عليه عمرة وتجزئه عمرته ويسقط عنه دم القران قال أبو عمر القول ما قال مالك والشافعي فإن كل من وجب عليه قضاء إنما

يقضيه كما فاته وهدي القران واجب بإجماع وهدي بدل ميقات الحج واجب لقول عمر في جماعة من الصحابة رضي الله عنهم من غير نكير وجمهور العلماء على أن من فاته الحج لا يقيم على إحرامه ذلك وعليه ما وصفنا من إتيان البيت للطواف به والسعي بين الصفا والمروة ثم يحل بالتقصير أو الحلق ثم يقضي حجه على ما بينا قبل وأنه إن أقام على إقرانه حتى الحج من قابل لم يجز عندهم وممن قال به أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو قول مالك في الاختيار لمن فاته الحج أن يتحلل بعمل عمرة ولا يقيم محرما إلى قابل ولكنه جائز عنده أن يقيم على إحرامه إلى قابل فإن فعل سقط عنده عنه الحج ولم يحتج إلى أن يتحلل بعمرة وعند غيره لا يجزئه إقامته على إحرامه ولا بد له من أن يتحلل بعمل عمرة ويحج من قابل ثم اختلافهم في الهدي عليه على ما ذكرنا عنهم ولما قال الله عز وجل الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق البقرة دل على أنه لا يصح إحرام أحد بالحج في غير أشهر الحج والله أعلم وقد اختلف العلماء فيمن أحرم بالحج قبل أشهر الحج فمنهم من ألزمه ذلك منهم مالك لقوله عز وجل أوفوا بالعقود المائدة على أن الاختيار عنده أن لا يفعل ومنهم من جعل إحرامه عمرة كمن أحرم بالظهر قبل الزوال باب من أصاب أهله قبل أن يفيض مالك عن أبي الزبير المكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى بن عباس قال لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس أنه قال الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي

مالك أنه سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول في ذلك مثل قول عكرمة عن بن عباس قال مالك وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر كان مالك رحمه الله قد سمع الاختلاف في ذلك وهو ثلاثة أقوال أحدها قول مالك هذا من وطى ء بعد الجمرة قبل الإفاضة فعليه عمرة وهدي وهو قول عكرمة وبه قال ربيعة وفيه رواية عن بن عباس وإليه ذهب أحمد بن حنبل فيما ذكر عنه الأثرم والثاني أنه ليس عليه إلا هدي بدنة وحجهما تام هذا هو الصحيح عن بن عباس روي عنه من وجوه وبه قال عطاء والشعبي وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وداود وقال الشافعي يجزئه ما استيسر من الهدي والثالث أن حجه فاسد وعليه حجة قابل والهدي وهو قول بن عمر روى هشيم قال أخبرنا جعفر بن إياس قال أخبرنا علي البارقي أن رجلا من أهل عمان حج مع امرأته فلما قضيا وحلق الرجل رأسه ولبس الثياب وذبح ظن أنه قد حل له كل شيء فوقع بامرأته قبل أن يطوف بالبيت فانطلقت به إلى بن عمر فذكرت ذلك له فقال اقضيا ما بقي عليكما من نسككما وعليكما الحج في قابل قال قلت يا أبا عبد الرحمن إنهما من أهل عمان بعيد الشقة فلم يزدني على ذلك وقال الحسن البصري وبن شهاب الزهري وهو معنى قول عمر بن الخطاب فيمن رمى جمرة العقبة أنه قد حل له كل ما حرم عليه إلا النساء والطيب قال أبو عمر قد اختلف في الطيب ولم يختلفوا أن النساء عليه حرام

وإلى هذا ذهب إسماعيل بن إسحاق القاضي وأبو الفرج عمرو بن محمد المالكي قالا من وطى ء قبل الإفاضة فسد حجه سواء كان قبل رمي الجمرة أو بعده لأن وطء النساء عليه حرام حتى يطوف طواف الإفاضة المفترض عليه وقد ذكرنا فيما تقدم رواية أبي حازم وأبي مصعب فيمن وطى ء بعد يوم النحر قبل رمي الجمرة وذكرنا الإجماع فيمن وطى ء قبل الوقوف بعرفة وتحصيل مذهب بن القاسم عن مالك أن من وطى ء بعد يوم النحر وإن لم يرم الجمرة فليس عليه إلا الهدي والعمرة خاصة وإنما يكون عندهم الهدي إذا وطى ء بعد رمي الجمرة يوم النحر قبل الإفاضة قال عبد الملك بن الماجشون إنما جعل مالك عليه العمرة مع الهدي ليكون طوافه بالبيت في إحرام صحيح قال إسماعيل هذا قول ضعيف لأن إحرامه لعمرة يوجب عليه طوافا لها وسعيا فكيف يكون الطواف للعمرة والإفاضة معا وأما قول مالك في هذا الباب وسئل عمن نسي الإفاضة حتى خرج من مكة ورجع إلى بلاده فقال أرى إن لم يكن أصاب النساء فليرجع فليفض وإن كان أصاب النساء فليرجع فليفض ثم ليعتمر وليهد ولا ينبغي له أن يشتري هديه من مكة وينحره بها ولكن إن لم يكن ساقه معه من حيث اعتمر فليشتره بمكة ثم ليخرجه إلى الحل فليسقه منه إلى مكة ثم ينحره بها قال أبو عمر قد تقدم القول فيمن نسي الإفاضة في بابه من هذا الكتاب وفي هذا الباب الجواب على من أصاب النساء قبل أن يفيض على مذهب العلماء في ذلك وقد تقدم أيضا التعريف بالهدي وما للسلف في ذلك من الاختيار باب ما استيسر من الهدي مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يقول ما استيسر من الهدي شاة مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما استيسر من الهدي شاة

قال مالك وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما المائدة فمما يحكم به في الهدي شاة وقد سماها الله هديا وذلك الذي لا اختلاف فيه عندنا وكيف يشك أحد في ذلك وكل شيء لا يبلغ أن يحكم فيه ببعير أو بقرة فالحكم فيه شاة وما لا يبلغ أن يحكم فيه بشاة فهو كفارة من صيام أو إطعام مساكين قال أبو عمر قد أحسن مالك في احتجاجه هذا وأتى بما لا مزيد لأحد فيه وجها حسنا في معناه وعليه جمهور أهل العلم وعليه تدور فتوى فقهاء الأمصار بالعراق والحجاز فيما استيسر من الهدي وكان بن عمر يقول فما استيسر من الهدي البقرة بدنة دون بدنة وبقرة دون بقرة وقد روي عن عائشة مثل ذلك ذكر سنيد عن هشيم قال أخبرنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة وبن عمر أنهما قالا فما استيسر من الهدي البقرة الناقة ثم الناقة والبقرة دون البقرة وكان بن عمر يقول الصيام للمتمتع أحب إلي من الشاة رواه وبرة بن عبد الرحمن وعطاء عن بن عمر وروى عنه صدقة بن يسار أنه قال الشاة أحب إلي من البدنة وعن حماد بن زيد عن أبي جمرة عن بن عباس قال فما استيسر من الهدي البقرة ناقة أو بقرة أو شرك في دم مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول فما استيسر من الهدي بدنة أو بقرة قال أبو عمر هذا قول مجمل يفسره ما ذكرنا عنه عن عائشة ومعلوم أن أعلى الهدي بدنة فكيف يكون ما استيسر من الهدي إلا أن معناه ما ذكرنا وبالله توفيقنا

مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن مولاة لعمرة بنت عبد الرحمن يقال لها رقية أخبرته أنها خرجت مع عمرة بنت عبد الرحمن إلى مكة قالت فدخلت عمرة مكة يوم التروية وأنا معها فطافت بالبيت وبين الصفا والمروة ثم دخلت صفة المسجد فقالت أمعك مقصان فقلت لا فقالت فالتمسيه لي فالتمسته حتى جئت به فأخذت من قرون رأسها فلما كان يوم النحر ذبحت شاة قال أبو عمر ليس في هذا الخبر ما يحتاج إلى القول لأن الشاة دون الحلاب لا خلاف في ذلك وإنما أدخل مالك هذا الحديث شاهدا على ما استيسر من الهدي شاة لأن المتمتع قد فرض الله عليه ما استيسر من الهدي لقوله عز وجل فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي البقرة وعمرة كانت متمتعة لا شك فيه وللمتمتع أن يؤخر الذبح إلى يوم النحر وفي أخذ عمرة من قرون رأسها في المسجد دليل على طهارة شعر الإسلام وعلى هذا جمهور العلماء في طهارة شعور بني آدم وقد كان للشافعي فيه قول رجع عنه إلى ما عليه الجمهور بدليل حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر رأسه في حجته وأنه أعطاه أبا طلحة وغيره ولو كان نجسا ما وهبه لهم ولا ملكهم إياه وأما قوله من قرون رأسها فالقرون هنا الضفائر ويستحب أن تأخذ المرأة من كل ضفيرة قدرا ممكنا فتعم بالتقصير ضفائرها وإن لم تفعل جزا عنها أقل ما يقع عليه اسم تقصير من شعرها باب جامع الهدي مالك عن صدقة بن يسار المكي أن رجلا من أهل اليمن جاء إلى عبد الله بن عمر وقد ضفر رأسه فقال يا أبا عبد الرحمن إني قدمت بعمرة

مفردة فقال له عبد الله بن عمر لو كنت معك أو سألتني لأمرتك أن تقرن فقال اليماني قد كان ذلك فقال عبد الله بن عمر خذ ما تطاير من رأسك وأهد فقالت امرأة من أهل العراق ما هديه يا أبا عبد الرحمن فقال هديه فقالت له ما هديه فقال عبد الله بن عمر لو لم أجد إلا أن أذبح شاة لكان أحب إلي من أن أصوم قال أبو عمر في هذا الحديث أن للمحرم أن يضفر رأسه إلا أن من ضفر أو لبد أو عقص فعليه الحلاق عند عمر بن الخطاب وعند جماعة من العلماء بعده لما في التضفير من وقاية الرأس لأن لا يصل الغبار إلى جلده وفي هذا الحديث دليل على أن القرآن كان عند بن عمر أولى من التمتع وقد كان في أول أمره يفضل التمتع ثم رجع إلى هذا وقال ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت مع العمرة الحج وأما قول اليماني قد كان ذلك أي قد فات القران لأنه والله أعلم سأله بعد أن طاف وسعى لعمرته ولا سبيل إلى القران بعد ذلك لأن الحج لا يدخل على العمرة إلا قبل ذلك وأما أمر بن عمر اليماني بالتقصير وقد ضفر فإنما ذلك والله أعلم لأنه رأى عليه حلق رأسه يوم النحر في حجه الذي تمتع بالعمرة إليه فأراد أن لا يحلق في العمرة ليحلق في الحج وأما قوله فأهد فإنه يريد هدي متعته ثم سئل ما الهدي فقال إن لم أجد إلا شاة لكان أحب إلي من الصوم فهذا يرد رواية من روى عنه الصيام أحب إلي من الشاة ورواية مالك عن صدقة بن يسار هذه أصح عنه لأنه معروف من مذهبه تفضيل إراقة الدماء في الحج على سائر الأعمال ويروى ما هديه وأما هديه وهو الأولى لأنه مما يهدي إلى الله عز وجل وعلى نحو هذا قول عبد الله بن مسعود الصلاة أفضل من الصدقة والصدقة أفضل من الصوم مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول المرأة المحرمة إذا

حلت لم تمتشط حتى تأخذ من قرون رأسها وإن كان لها هدي لم تأخذ من شعرها شيئا حتى تنحر هديها إنما قال هذا لأن الحلاق نسك يحل لمن رمى الجمرة إلقاء التفث كله وهو الشعث ومن لم يجعل الحلاق من النسك وجعله أول الحل فهو مذهب سنذكره في باب الحلاق إن شاء الله وأما من حلق قبل أن ينحر فقد قدم وأخر وتقديم الأفعال المفعولة يوم النحر وتأخيرها لا حرج فيه وسنذكر ما في ذلك للعلماء من المذاهب في هذا الكتاب إن شاء الله مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقول لا يشترك الرجل وامرأته في بدنة واحدة ليهد كل واحد بدنة بدنة قال أبو عمر إن كان أراد أن من وطى ء امرأته في الحج لا يجزئهما بدنة واحدة فقد مضى مذهبه ومذهب من خالفه في ذلك وإن كان أراد الاشتراك في النسك كله من ضحية أو هدي فقد اختلف قوله في هدي التطوع فمرة أجاز الاشتراك فيه ومرة لم يجزه ولم يختلف قوله إنه لا يجوز الاشتراك في الهدي الواجب وسنذكر في كتاب الضحايا مذهبه في الاشتراك في الضحايا كيف هو عنده وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما يجوز أن يشترك سبعة في بدنة ويجزيهم بعد أن يكون على كل واحد منهم شاة بوجوه مختلفة من جزاء صيد ومن إحصار أو تمتع أو من غير ذلك وقال زفر لا يجزئ حتى تكون الجهة الموجبة للهدي عليهم واحدة فإما جزاء صيد كله وإما تطوع كله فإن اختلف لم يجزه وقالوا وإن كان فيهم ذمي أو من لا يريد أن يهدي فلا يجزئهم من الهدي وقال أبو ثور إن كان أحد السبعة المشتركين في الهدي ذميا أو من يريد حصته من اللحم ولا يريد الهدي أجزأ من أراد الهدي ويأخذ الباقون حصصهم من اللحم

قال أبو عمر ذكر بن وهب عن مالك في موطئه قال إنما العمرة التي يتطوع الناس بها فإن ذلك يجوز فيها الاشتراك في الهدي وأما كل هدي واجب في عمرة أو ما أشبهها فإنه لا يجوز الاشتراك فيه قال وإنما اشتركوا يوم الحديبية لأنهم كانوا معتمرين تطوعا وقال بن القاسم لا يشترك في الهدي الواجب ولا في التطوع عند مالك قال مالك إذا قلد الهدي وأشعره ثم مات وجب إخراجه على ورثته من رأس المال ولم يرثوه وهو قول الشافعي وأبي يوسف وقال أبو حنيفة ومحمد يكون ميراثا وقال مالك من قلد الهدي لا يجوز له بيعه ولا هبته ولا بدله وكذلك الأضحية إذا أوجبها ونعلها فإن لم يفعل كان له بدلها بأحسن منها وقال أبو حنيفة جائز له بيعها لهدي وعليه بدله وقال الثوري لا بأس أن يبدل الرجل هديه الواجب ولا يبدل التطوع وقال الأوزاعي له أن يبدل هدية إذا قلده وأشعره ما لم يتكلم بفرضه وسئل مالك عمن بعث معه بهدي ينحره في حج وهو مهل بعمرة هل ينحره إذا حل أم يؤخره حتى ينحره في الحج ويحل هو من عمرته فقال بل يؤخره حتى ينحره في الحج ويحل هو من عمرته قال أبو عمر إنما قال كذلك لقول الله عز وجل ثم محلها إلى البيت العتيق الحج وقال هديا بالغ الكعبة المائدة يعني أيام النحر وسائر أيام الذبح إلا بمنى ومكة إلا أن الاختيار أن يذبح الحاج بمنى والمعتمر بمكة ومن ذبح بمكة من الحاج لم يخرج ولا يذبح بمنى إلا أيام منى وسائر السنة بمكة ولما لم يكن هذا الهدي للمعتمر وإنما بعث به معه لم يرتبط نحره بشيء من عمرته قال مالك والذي يحكم عليه بالهدي في قتل الصيد أو يجب عليه هدي في غير ذلك فإن هديه لا يكون إلا بمكة كما قال الله تبارك وتعالى هديا بالغ الكعبة وأما ما عدل به الهدي من الصيام أو الصدقة فإن ذلك يكون بغير مكة حيث أحب صاحبه أن يفعله فعلة

قال أبو عمر أجمع العلماء أن الكعبة البيت الحرام وهو البيت العتيق لا يجوز لأحد فيه ذبح ولا نحر وكذلك المسجد الحرام فدل ذلك على أن معنى قوله عز وجل هديا بالغ الكعبة أنه أراد الحرم يعني مساكين الحرم أو أراد مكة لمساكينها رفقا بجيران بيت الله وإحسانا إليهم وهم أهل الحرم على هذين القولين العلماء في قول الله عز وجل هديا بالغ الكعبة وأما قوله عز وجل ففدية من صيام أو صدقة أو نسك البقرة فليس ذلك عند اكثر العلماء وسنذكر ما لهم في ذلك كله إن شاء الله عز وجل وكان مالك يذهب إلى أن معنى قوله تعالى هديا بالغ الكعبة أنه عنى مكة ولم يرد الحرم قال أبو عمر لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحاج مكة وطرقها منحر دل على أنه أراد مكة والله أعلم قال مالك من نحر هديه في الحرم لم يجزه أن ينحره إلا بمكة وقال أبو حنيفة والشافعي إن نحره في الحرم أجزاه وهو قول عطاء وقال الطبري يجوز نحر الهدي حيث شاء المهدي إلا هدي القران وجزاء الصيد فإنه لا ينحره إلا في الحرم وقال مالك إذا نحر هدي التمتع أو الهدي التطوع قبل يوم النحر لم يجزه وقال أبو حنيفة في الهدي التمتع كقول مالك وخالفه في التطوع فجوزه قبل يوم النحر وقال الشافعي يجزئ نحر الجميع قبل يوم النحر وأما قوله وأما ما عدل به الهدي من الصيام والصدقة فإنه يكون بغير مكة حيث أحب صاحبه أن يفعله فعله فلا خلاف في الصيام أن يصوم حيث شاء لأنه لا منفعة في ذلك لأهل الحرم ولا لأهل مكة وأما الصدقة فلا تكون عند الشافعي والكوفيين إذا كانت بدلا من جزاء الصيد إلا بمكة لأهلها حيث يكون النحر

ومعلوم أن النحر في العمرة بمكة وفي الحج بمنى وهما جميعا حرم فالحرم كله منحر عندهم وفي العتبية ليحيى بن يحيى عن بن وهب مثل قول مالك في موطئه أن الإطعام كالصيام يجوز بغير مكة وفي الأسدية لابن القاسم عن مالك قال لا يطعم إلا في الموضع الذي أصاب فيه الصيد قال أبو عمر هذا خلاف الجمهور ولا وجه له مالك عن يحيى بن سعيد عن يعقوب بن خالد المخزومي عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر أنه أخبره أنه كان مع عبد الله بن جعفر فخرج معه من المدينة فمروا على حسين بن علي وهو مريض بالسقيا فأقام عليه عبد الله بن جعفر حتى إذا خاف الفوات خرج وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وهما بالمدينة فقدما عليه ثم إن حسينا أشار إلى رأسه فأمر علي برأسه فحلق ثم نسك عنه بالسقيا فنحر عنه بعيرا قال يحيى بن سعيد وكان حسين خرج مع عثمان بن عفان في سفره ذلك إلى مكة قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على صحة ما ذهب إليه مالك في أن من كان عليه من الدماء في فديه الأذى لمن اختار النسك في ذلك دون الإطعام والصيام جائز أن يذبح ذلك النسك بغير مكة وأما نحر علي عن حسين ابنه رضي الله عنهما في حلقه رأسه بعيرا فذلك أفضل ما يفعل في ذلك والشاة كانت تجزيه كما قال النبي عليه السلام لكعب بن عجرة وانسك بشاة وفي ترك عبد الله بن جعفر لحسين مريضا دليل على أنه خاف فوت الحج وكذلك تركه وأيقن أن أباه سيلحقه فلحقه أبوه مع امرأته لأن النساء ألطف بتمريض المرضى وكانت أسماء بنت عميس كأمه زوجة لأبيه فلذلك أتى بها علي أبوه رضي الله عنهما لتمرضه وفي هذا الحديث دليل على أن الأخرس وغير الأخرس في تتبع الكلام سواء إذا فهمت إشارته قامت مقام كلامه لو تكلم والله أعلم

باب الوقوف بعرفة والمزدلفة مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عرفه كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر مالك عن هشام بن عروة عن عبد الله بن الزبير أنه كان يقول اعلموا أن عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة وأن المزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر قال أبو عمر هذا الحديث يتصل من حديث جابر وبن عباس وعلي بن أبي طالب وقد ذكرنا طرقه في التمهيد وأكثرها ليس فيها ذكر بطن عرنة وإسناده صحيح عند الفقهاء وهو محفوظ من حديث أبي هريرة ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة ومزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر ومنى كلها منحر وللحاج مكة كلها منحر قال وأخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال عرفة كلها موقف إلا بطن عرنة وجمع كلها موقف إلا بطن محسر قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن بن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير قال سمعته يقول عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة وجمع كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر قال بن وهب سألت سفيان بن عيينة عن عرنة فقال موضع الممر في عرفة ثم ذلك الوادي كله قبلة المسجد إلى العلم الموضع للحرم بطريق مكة وقال الشافعي عرفة ما جاوز وادي عرنة الذي فيه المسجد ووادي عرنة من عرفة إلى الجبال المقابلة على عرفة كلها مما يلي حوائط بني عامر وطريق حضن فإذا جاوزت ذلك فليس بعرفة

وقال بن شعبان عرفة كل سهل وجبل أقبل على الموقف فيما بين التلعة إلى أن يفضوا إلى طريق نعمان وما أقبل من كبكب من عرفة واختلف العلماء فيمن وقف من عرفة بعرنة فقال مالك فيما ذكر بن المنذر عنه يهريق دما وحجة تام قال أبو عمر روى هذه الرواية عن مالك خالد بن نزار قال أبو مصعب إنه كمن لم يقف وحجة فائت وعليه الحج من قابل إذا وقف ببطن عرنة وروي عن بن عباس قال من أفاض من عرنة فلا حج له وقال القاسم وسالم من وقف بعرنة حتى دفع فلا حج له وذكر بن المنذر هذا القول عن الشافعي قال وبه أقول لأنه لا يجزئه أن يقف مكانا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقف به قال أبو عمر من أجاز الوقوف ببطن عرنة قال إن الاستثناء لبطن عرنة من عرفة لم يجيء مجيئا تلزم حجته لا من جهة النقل ولا من جهة الإجماع والذي ذكره المزني عن الشافعي قال ثم يركب فيروح إلى الموقف عند الصخرات ثم يستقبل القبلة بالدعاء قال وحيثما وقف الناس من عرفة أجزأهم لأن النبي عليه السلام قال هذا موقف وكل عرفة موقف ومن حجة من ذهب مذهب أبي المصعب أن الوقوف بعرفة فرض مجتمع عليه في موضع معين فلا يجوز أداؤه إلا بيقين ولا يقين مع الاختلاف وأما قوله عليه السلام والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر فالمزدلفة عند العلماء مما يلي عرفة إلا أن يأتي وادي محسر عن اليمين والشمال من تلك البطون والشعاب والجبال كلها وليس المأزمان من المزدلفة وأما وادي محسر فهو من المزدلفة فكل من وقف بعرفة للدعاء ارتفع عن بطن عرنة كذلك من وقف صبيحة يوم النحر للدعاء بالمشعر الحرام وهو المزدلفة وهو جمع ثلاثة أسماء لمكان واحد وارتفع عن وادي محسر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسرع السير في بطن محسر أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني أحمد بن جعفر قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان

عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضع في وادي محسر قال أبو عمر الإيضاع سرعة السير وسنذكر في الباب بعد هذا حكم من لم يقف بالمزدلفة ومن لم يبت بها وما للعلماء في ذلك من المذاهب بعد ذكر مذاهبهم فيمن فاته الوقوف بعرفة بحول الله تعالى قال مالك قال الله تبارك وتعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج البقرة قال فالرفث إصابة النساء والله أعلم قال الله تبارك وتعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم البقرة قال والفسوق الذبح للأنصاب والله أعلم قال الله تبارك وتعالى أو فسقا أهل لغير الله به الأنعام قال والجدال في الحج أن قريشا كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة بقزح وكانت العرب وغيرهم يقفون بعرفة فكانوا يتجادلون يقول هؤلاء نحن أصوب ويقول هؤلاء نحن أصوب فقال الله تعالى ولكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم الحج فهذا الجدال فيما نرى والله أعلم وقد سمعت ذلك من أهل العلم قال أبو عمر أما الرفث ها هنا فهو مجامعة النساء عند أكثر العلماء وأما الفسوق والجدال فقد اختلف فيه قرأت على أبي عبد الله محمد بن عبد الملك أن عبد الله بن مسرور حدثهم قال حدثني يحيى بن مسكين قال حدثني محمد بن عبد الله بن سنجر الجرجاني قال حدثني محمد بن يوسف الفريابي وقبيصة قالا حدثني سفيان الثوري قال حدثني خصيف عن مقسم عن بن عباس قال الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه قال وحدثني الفريابي قال حدثني بن عيينة عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس في قوله تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج قال الرفث الذي ذكرها هنا ليس بالرفث الذي ذكر في المكان الآخر ولكنه التعريض بذكر الجماع قال بن سنجر وحدثني أبو نعيم قال حدثني الأعمشي قال حدثني زيد بن الحصين عن رفيع أبي العالية قال خرجنا مع بن عباس حجاجا فأحرم واحد منا ثم نزل يسوق الإبل وهو يرتجز ويقول

وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا فقلت يا بن عباس ألست محرما قلت بلى قلت فهذا الكلام الذي تكلمت به قال إنه لا يكون الرفث إلا ما واجهت به النساء وليس معنا نساء وقال بن سنجر حدثني يعلى بن عبيد وأحمد بن خالد الذهبي قالا حدثني محمد بن إسحاق عن نافع عن بن عمر قال الرفث جماع النساء والفسوق ما أصاب من محارم الله تعالى من صيد أو غيره والجدال السباب والمشاتمة وقال مجاهد مثل ذلك في الرفث والفسوق وقال في الجدال قد استقام أمر الحاج فلا يتجادل في أمر الحج هذه رواية خصيف وبن جريج وعبد الكريم عن مجاهد وروى سالم الأفطس عن مجاهد وسعيد بن جبير قال الرفث المجامعة والفسوق جميع المعاصي والجدال أن تماري صاحبك وكذلك روى أبو يحيى القتات عن مجاهد روى الثوري عن الأعمش قال الرفث الجماع والفسوق السباب والجدال المراء ورواه بن وهب عن يزيد عن نافع عن بن عمر قال الجدال السباب والمراء والخصومات والرفث إتيان النساء والتكلم بذلك الرجال والنساء فيه سواء والفسوق المعاصي في الحرم وعن محمد بن كعب وبن شهاب مثله إلا أنهما قالا الفسوق المعاصي باب وقوف الرجل وهو غير طاهر ووقوفه على دابة سئل مالك هل يقف الرجل بعرفة أو بالمزدلفة أو يرمي الجمار

أو يسعى بين الصفا والمروة وهو غير طاهر فقال كل أمر تصنعه الحائض من أمر الحج فالرجل يصنعه وهو غير طاهر ثم لا يكون عليه شيء في ذلك والفضل أن يكون الرجل في ذلك كله طاهرا ولا ينبغي له أن يتعمد ذلك قال أبو عمر الأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للحائض والنفساء افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم قال أخبرني أبي أنه سمع عائشة تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال ما لك تبكين أحضت قلت نعم قال إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت وقد ذكرنا في أول هذا الكتاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بمثل هذا أسماء بنت عميس وهي نفساء وهو أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه والقول فيه ما قاله مالك وغيره أن كل ما يصنعه الحاج من أمر الحاج وهو عمل الحج كله إلا الطواف بالبيت يفعله كل من ليس على طهارة عند جماعة العلماء والحمد لله وسئل مالك عن الوقوف بعرفة للراكب أينزل أم يقف راكبا فقال بل يقف راكبا إلا أن يكون به أو بدابته علة فالله أعذر بالعذر قال أبو عمر إنما قال ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة راكبا ولم يزل كذلك إلى أن دفع منها بعد غروب الشمس وأردف أسامة بن زيد وهذا محفوظ في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي حديث بن عباس أيضا

وفي حديث أسامة أنه كان يسير العنف فإذا وجد فجوة أو فرجة نص وفي حديث يزيد بن سفيان قال أتانا بن مربع الأنصاري ونحن بعرفة فقال إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يقول لكم قفوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم عليه السلام ولا خلاف علمته بين العلماء في أن الوقوف بعرفة راكبا لمن قدر عليه أفضل فمن قدر على ذلك وإلا وقف على رجليه داعيا ما دام يقدر ولا حرج عليه في الجلوس إذا لم يقدر على الوقوف وفي الوقوف راكبا مباهاة وتعظيم للحج ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب الحج قال بن وهب في موطئه قال لي مالك الوقوف بعرفة على الدواب والإبل أحب إلي من أن أقف قائما قال ومن وقف قائما فلا بأس أن يستريح باب وقوف من فاته الحج بعرفة مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول من لم يقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة من قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال من أدركه الفجر من

ليلة المزدلفة ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج قال أبو عمر ليلة المزدلفة هي ليلة يوم النحر وهي الليلة التي يبيتون فيها بالمزدلفة بعد أن يأتوها من عرفة فيجمعون فيها بين المغرب والعشاء ويبيتون بها ويصلون الصبح ثم يدفعون منها إلى منى وذلك يوم النحر وهذا الذي ذكره مالك عن بن عمر وعروة هو قول جماعة أهل العلم قديما وحديثا لا يختلفون وقد روي به أثر مسند عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يروه أحد من الصحابة إلا رجلا يدعى عبد الرحمن بن يعمر الديلي أخبرنا عبد الله بن محمد بن أمية قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان يعني الثوري عن بكير عن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة وأتاه أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج عرفة من أدركها قبل أن يطلع الفجر فقد تم حجه ورواه بن عيينة عن بكير عن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحج عرفات فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك وأيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه قال أبو عمر لم تختلف الآثار ولا اختلف العلماء في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر جميعا بعرفة ثم ارتفع فوقف بجبالها داعيا إلى الله تعالى ووقف معه

كل من حضره إلى غروب الشمس وأنه لما استيقن غروبها وبان له ذلك دفع منها إلى المزدلفة وأجمعوا على أنه كذلك سنة الوقوف بعرفة والعمل بها وأجمعوا على أن من وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال ثم أفاض منها قبل الزوال أنه لا يعتد بوقوفه قبل الزوال وأنه إن لم يرجع فيقف بعد الزوال أو يقف من ليلته تلك أقل وقوف قبل الفجر فقد فاته الحج ثم اختلفوا فيما على من وقف في عرفة بعد الزوال مع الإمام ثم دفع منها قبل غروب الشمس فقال مالك إن دفع منها قبل أن تغيب الشمس فعليه الحج قابلا وإن دفع منها بعد غروب الشمس قبل الإمام فلا شيء عليه وعند مالك أن من دفع من عرفة قبل غروب الشمس ثم عاد إليها قبل الفجر أنه لا دم عليه وقال سائر العلماء من وقف بعرفة بعد الزوال فحجه تام وإن دفع قبل غروب الشمس إلا إنهم اختلفوا في وجوب الد م عليه إن رجع فوقف ليلا فقال الشافعي إن عاد إلى عرفة حتى يدفع بعد مغيب الشمس فلا شيء عليه وإن لم يرجع حتى يطلع الفجر أجزأت حجته وأهراق دما وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري إذا أفاض من عرفة قبل غروب الشمس أجزاه حجه وكان عليه لتركه الوقوف إلى غروب الشمس دم وإن دفع بعد غروب الشمس لم يسقط عنه الدم وكذلك قال أبو ثور وأحمد وإسحاق وداود مثل قول الشافعي وبه قال الطبري وهو قول عطاء وعامة العلماء في الدم وتمام الحج إلا أن الحسن البصري وبن جريج قالا لا يجزئه إلا بدنة قال أبو عمر الحجة لهم في ذلك حديث عروة بن مضرس الطائي وهو حديث ثابت صحيح رواه جماعة من أصحاب الشعبي الثقات عن الشعبي عن عروة بن مضرس منهم إسماعيل بن أبي خالد وداود بن أبي هند وزكريا بن أبي زائدة ومطرف أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثني

أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثني خالد عن شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال سمعت الشعبي يقول حدثني عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بجمع فقلت هل لي من حج فقال من صلى معنا هذه الصلاة ومن وقف معنا هذا الموقف حتى نفيض وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجة وقضى تفثه حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبو نعيم قال حدثني زكريا بن أبي زائدة عن عامر قال حدثني عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام أنه حج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يدرك الناس إلا ليلا وهو بجمع فانطلق إلى عرفات ليلا فأفاض منها ثم رجع إلى جمع فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أعملت نفسي وأنصبت راحلتي فهل لي من حج فقال من صلى معنا الغداة بجمع ووقف معنا حتى نفيض وقد أفاض من عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد عن إسماعيل قال حدثني عامر قال أخبرني عروة بن مضرس الطائي قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف يعني بجمع فقلت جئت يا رسول الله من جبلي طيء أكلت مطيتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات من قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه قال أبو عمر هذا الحديث يقضي بأن من لم يأت عرفات ولم يفض منها ليلا أو نهارا فلا حج له ومن أفاض منها ليلا أو نهارا فقد تم حجه واجمعوا على أن المراد بقوله في هذا الحديث نهارا لم يرد به ما قبل الزوال فكان ذلك بيانا شافيا

وقال إسماعيل بن إسحاق إنما في حديث عروة بن مضرس إعلام منه صلى الله عليه وسلم أن الوقوف بالنهار لا يضره إن فاته لأنه لما قيل ليلا أو نهارا والسائل يعلم أنه إذا وقف بالنهار فقد أدرك الوقوف بالليل فاعلم أنه إذا وقف بالليل وقد فاته الوقوف بالنهار أن ذلك لا يضره وأنه قد تم حجه لا أنه أراد بهذا القول أن يقف بالنهار دون الليل قال ولو حمل هذا الحديث على ظاهره كان من لم يدرك الصلاة بجمع قد فاته الحج وقال أبو الفرج معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عروة بن مضرس وقد أفاض قبل ذلك من عرفة ليلا أو نهارا أراد والله أعلم ليلا أو نهارا وليلا فسكت عن أن يقول وليلا لعلمه بما قدم من فعله لأنه وقف نهارا وأخذ من الليل فكأنه أراد بذكر النهار اتصال الليل به قال وقد يحتمل أن يكون قوله ليلا أو نهارا في معنى ليلا ونهارا فتكون أو بمعنى الواو قال أبو عمر لو كان كما ذكر لكان الوقوف واجبا ليلا ونهارا ولم يغن أحدهما عن صاحبه وهذا لا يقوله أحد وقد أجمع المسلمون أن الوقوف بعرفة ليلا يجزئ عن الوقوف بالنهار إلا أن فاعل ذلك عندهم إذا لم يكن مراهقا ولم يكن له عذر فهو مسيء ومن أهل العلم من رأى عليه دما ومنهم من لم ير شيئا عليه وجماعة العلماء يقولون إن من وقف بعرفة ليلا أو نهارا بعد زوال الشمس من يوم عرفة أنه مدرك للحج إلا مالك بن أنس فإنه انفرد بقوله الذي ذكرناه عنه ويدل على أن مذهبه والفرض عنده الوقوف بالليل دون النهار وعند سائر العلماء الليل والنهار في ذلك سواء إذا كان بعد الزوال والسنة أن يقف كما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم نهارا يتصل له بالليل ولا خلاف بين العلماء أن الوقوف بعرفة فرض على ما ذكرنا من تنازعهم في الوقت المفترض وأما قوله في حديث عروة بن مضرس من أدرك معنا هذه الصلاة يعني صلاة الصبح بجمع وكان قد أتى قبل ذلك عرفات ليلا أو نهارا فإن ظاهر هذا اللفظ يوجب أن مشاهدة المشعر الحرام وإدراك الصلاة فيه من فرض الحج وقد اختلف العلماء في ذلك

فكان علقمة بن قيس وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري وروي ذلك عن بن الزبير وهو قول الأوزاعي أنهم قالوا من لم يزل بالمزدلفة وفاته الوقوف بها فقد فاته الحج ويجعلها عمرة وروي عن الثوري مثل ذلك والأصح عنه أن الوقوف بها سنة مؤكدة وقال حماد بن أبي سليمان من فاتته الإفاضة من جمع فقد فاته الحج فليحل بعمرة ثم ليحج قابلا وحجة من قال بهذا القول ظاهر قول الله عز وجل فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام البقرة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك جمعا وكان قد أدرك قبل ذلك عرفات فقد أدرك وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق الوقوف بالمزدلفة من سنن الحج المؤكدة وليس من فروضها وتفصيل أقوالهم في ذلك أن مالكا قال من لم ينخ بالمزدلفة ولم ينزل فيها وتقدم إلى منى ورمى الجمرة فإنه يهريق دما فإن نزل بها ثم دفع منها في أول الليل أو وسطه أو آخره وترك الوقوف مع الإمام فقد أجزأ ولا دم عليه وقال الثوري من لم يقف بجمع ولم ينزل منها ليلة النحر فعليه دم وهو قول عطاء في رواية وقول الزهري وقتادة وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا ترك الوقوف بالمزدلفة فلم يقف بها ولم يمر بها ولم يبت بها فعليه دم قالوا وإن بات بها وتعجل في الليل رجع إذا كان خروجه من غير عذر حتى يقف مع الإمام أو يصبح بها فإن لم يفعل فعليه دم قالوا وإن كان مريضا أو ضعيفا أو غلاما صغيرا فتقدموا بالليل من المزدلفة فلا شيء عليهم وقال الشافعي إن نزل بالمزدلفة وخرج منها بعد نصف الليل فلا شيء عليه وإن خرج قبل نصف الليل ولم يعد إليها ليقف بها مع الإمام ولم يصبح فعليه شاه قال وإنما حددنا نصف الليل لأنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لضعفه أهله أن يرحلوا من آخر الليل ورخص لهم في أن لا يصبحوا بها ولا يقفوا مع الإمام

والفرض على الضعيف والقوي سواء ولكنه ناظر لموضع الفضل وتعليم الناس وقدم ضعفة أهله لأنه كان مباحا لهم قال وما كان من نصف الليل فهو من آخر الليل وروي عن عطاء أنه إن لم ينزل بجمع فعليه دم وإن نزل بها ثم ارتحل بليل فلا شيء عليه رواه عنه بن جريج وهو الصحيح عنه وكان عبد الله بن عمر يقول إنما جمع منزل تذبح فيه إذا جئت قال أبو عمر لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عروة بن مضرس من أدرك معنا هذه الصلاة يعني صلاة الصبح بجمع وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قدم ضعفة أهله ليلا ولم يشهدوا معه تلك الصلاة ودل على أنه موضع الاختيار وقد أجمعوا على أن من وقف بالمزدلفة ليلا ودفع منها قبل الصبح أن حجة تام وكذلك من بات بها ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الإمام حتى فاتته أن حجة تام فلو كان حضور الصلاة معه عليه السلام من صلب الحج وفرائضه ما أجزاه فلم يبق إلا أن مشاهدة الصلاة بجمع سنة حسنة وسنن الحج تجبر بالدم إذا لم يفعلها من عليه فعلها وأما احتجاجهم بقول الله عز وجل فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام البقرة وقولهم إن هذه الآية تدل على أن عرفات والمزدلفة جميعا من فروض الحج فليس بشيء لأن الإجماع منعقد على أنه لو وقف بالمزدلفة أو بات فيها بعض الليل ولم يذكر الله على أن حجة تام فدل على أن الذكر بها مندوب إليه وإذا لم يكن الذكر المنصوص عليه من أيام الحج فالمبيت والوقوف أحرى بذلك إن شاء الله واختلف الفقهاء في الذي يقف بعرفة مغمى عليه فقال مالك إذا أحرم ثم أغمى عليه ووقف به مغمى عليه فحجه تام ولا دم عليه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق من وقف بها مغمى عليه فقد فاته الحج قال الشافعي عمل الحج ثلاثة أشياء أن يحرم وهو يعقل ويدخل عرفة في

وقتها وهو يعقل ويطوف بالبيت والصفا والمروة وهو يعقل ولا يجزئ عنه هذه الثلاثة إلا وهو يعقل واختلفوا في الرجل يمر بعرفة ليلة النحر وهو لا يعلم أنها عرفة فقالت طائفة يجزئه حكى أبو ثور هذا القول عن مالك وأبي حنيفة والشافعي وقال أبو ثور وفيه قول آخر أنه لا يجزئه وذلك أنه لا يكون واقفا إلا بإرادة قال أبو عمر مستحيل أن يتأدى الفرض عن من لم يقصد إليه ولا علمه والمغمى عليه ذاهب العقل غير مخاطب والله تعالى إنما أمر عباده أن يعبدوه مخلصين له والإخلاص القصد بالنية إلى أداء ما افترض عليه ويؤكد هذا قوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات واختلفوا في جماعة أهل الموسم يخطئون العدد فيقفون بعرفة في غير يوم عرفة على ثلاثة أقوال أحدها أنه إن وقفوا قبل لم يجزهم وإن وقفوا بعد أجزاهم والثاني أنه يجزيهم الوقوف قبل وبعد على حسب اجتهادهم والثالث أنه لا يجزيهم الوقوف قبل ولا بعد وروي عن عطاء والحسن أنه يجزئهم قبل وبعد وبه قال أبو حنيفة واختلف أصحاب الشافعي فبعضهم قال يجزئهم بعد ولا يجزئهم قبل قياسا على الأسير تلتبس عليه الشهور فيصوم رمضان فيجزئة بعد ولا يجزئه قبل وهو قول مالك وقال بعض أصحاب الشافعي يجزئهم قبل وبعد قياسا على القبلة وأبو ثور وداود لا يجيزان الوقوف لا قبل ولا بعد وروى يحيى بن يحيى عن بن القاسم قال إذا أخطأ أهل الموسم فكان

وقوفهم بعرفة يوم النحر مضوا على أملهم وإن تبين ذلك لهم وثبت عندهم في بقية يومهم ذلك أو بعده وينحرون من الغد ويعملون عمل الحج ولا يتركوا الوقوف بعرفة من أجل أنه يوم النحر ولا ينفضوا من رمي الجمار الثلاثة الأيام بعد يوم النحر ويجعلون يوم النحر بالغد بعد وقوفهم ويكون حالهم في ميقاتهم كحال من لم يخطئ قال وإذا أخطؤوا بعد أن وقفوا بعرفة يوم التروية أعادوا الوقوف من الغد من يوم عرفة نفسه ولم يجزهم الوقوف يوم التروية وقال سحنون اختلف قول بن القاسم فيمن وقف يوم التروية وقال يحيى بن عمر اختلف فيه قول سحنون أيضا قال يحيى بن عمر في أهل الموسم ينزل ما نزل بالناس وهروبهم من عرفة ولم يعد الوقوف قال يجزئهم ولا دم عليهم قال أبو عمر إنما هذا في جماعة أهل الموسم وأهل البلد يغلطون في الهلال وأما المنفرد فلا مدخل له في هذا الباب وإذا أخطأ العدد في أيام العشر لزمه إذا لم يدرك الوقوف بعرفة من ليلة النحر ما يلزم من فاته الحج واجتهاده في ذلك كله اجتهاد وكذلك من أخطأ وحده من بين أهل مصره في هلال رمضان وشوال وذي الحجة وقد مضى القول في ذلك المنفرد في موضعه وأما الجماعة فاجتهادهم سائغ والحرج عنهم ساقط لقوله عليه السلام أضحاكم حين تضحون وفطركم حين تفطرون فأجاز الجميع اجتهادهم وبالله التوفيق قال مالك في العبد يعتق في الموقف بعرفة فإن ذلك لا يجزئ عنه من حج الإسلام إلا أن يكون لم يحرم فيحرم بعد أن يعتق ثم يقف بعرفة من تلك الليلة قبل أن يطلع الفجر فإن فعل أجزأ عنه وإن لم يحرم حتى طلع الفجر كان بمنزلة

من فاته الحج إذا لم يدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع الفجر من ليلة المزدلفة ويكون على العبد حجة الإسلام يقضيها قال أبو عمر لم يذكر يحيى عن مالك في الموطأ الصبي يحرم مراهقا ثم يحتلم وهو ذلك عندهم حكم العبد سواء واختلف الفقهاء في الصبي المراهق والعبد يحرمان بالحج ثم يحتلم هذا ويعتق هذا قبل الوقوف بعرفة فقال مالك وأصحابه برفض تجديد الإحرام ويتماديان على إحرامهما ولا يجزيهما حجهما ذلك عن حجة الإسلام وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا أحرم الصبي والعبد بالحج فبلغ الصبي وعتق العبد قبل الوقوف بعرفة أنهما يستأنفان الإحرام ويجزيهما عن حجة الإسلام وعلى العبد دم لتركه الميقات وليس على الصبي دم وقال الشافعي إذا أحرم الصبي ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة فوقف بها محرما أجزاه من حجة الإسلام وكذلك العبد إذا أحرم ثم عتق قبل الوقوف بعرفة فوقف بها محرما أجزاه من حجة الإسلام ولم يحتج إلى تجديد إحرام واحد منهما قال ولو أعتق العبد بمزدلفة أو بلغ الصبي بها فرجعا إلى عرفة بعد العتق والبلوغ فأدركا بها قبل طلوع الفجر جزت عنهما من حجة الإسلام ولم يكن عليهما دم ولو احتاطا فأهرقا كان أحب إلي قال وليس ذلك بالبين عندي قال أبو عمر قال بهذه الأقوال الثلاثة جماعة من التابعين وفقهاء المسلمين وحجة مالك أمر الله عز وجل كل من دخل في حج أو عمرة فإتمامه حجة تطوعا كان أو فرضا لقوله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله البقرة ومن رفض إحرامه فلم يتم حجه ولا عمرته وحجة أبي حنيفة أن الحج الذي كان فيه لما لم يكن يجزئ عنه ولم يكن الفرض لازما له حين أحرم به ثم لزمه حين بلغ استحال أن يشتغل عن فرض قد تعين عليه بنافلة ويعطل فرضه كمن دخل في نافلة فقامت عليه المكتوبة فخشي فوتها قطع النافلة ودخل في المكتوبة فأحرم لها وكذلك الحج عنده يلزمه أن يجدد الإحرام له لأنه لم يكن للفريضة وإنما وجب على العبد لأنه مكلف يلزمه العبادات ويجزيه حجه عند بعض الناس

والجمهور متفقون أن العبد لا يدخل الحرم إلا محرما والصبي غير مكلف فلا يلزمه الإحرام ولا غيره فافترقا لهذه العلة واحتج الشافعي في إسقاط النية بأنه جائز لكل من نوى بإهلاله الإحرام أن يصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه المهلين بالحج أن يفسخوه في عمرة وبقول علي وأبي موسى أهللنا بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن إهلالهما على إهلاله كائنا ما كان يدل على أن النية في الإحرام ليست كالنية في الصلاة باب تقديم النساء والصبيان مالك عن نافع عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر أن أباهما عبد الله بن عمر كان يقدم أهله وصبيانه من المزدلفة إلى منى حتى يصلوا الصبح بمنى ويرموا قبل أن يأتي الناس مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح أن مولاة لأسماء بنت أبي بكر أخبرته قالت جئنا مع أسماء ابنة أبي بكر منى بغلس قالت فقلت لها لقد جئنا منى بغلس فقالت قد كنا نصنع ذلك مع من هو خير منك مالك أنه بلغه أن طلحة بن عبيد الله كان يقدم نساءه وصبيانه من المزدلفة إلى منى مالك أنه سمع بعض أهل العلم يكره رمي الجمرة حتى يطلع الفجر من يوم النحر ومن رمى فقد حل له النحر مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أخبرته أنها

كانت ترى أسماء بنت أبي بكر بالمزدلفة تأمر الذي يصلي لها ولأصحابها الصبح يصلي لهم الصبح حين يطلع الفجر ثم تركب فتسير إلى منى ولا تقف قال أبو عمر جملة القول في هذا الباب أن حديثه عن نافع عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر الحديث الأول إنما أخذ بن عمر فعله ذلك من السنة التي رواها هو وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لضعفاء الناس من جمع بليل قال وأخبرنا معمر عن الزهري عن سالم أن بن عمر كان يقدم ضعفة أهله يقفون عند المشعر الحرام بليل فيذكرون الله ما بدا لهم ثم يدفعون منهم من يأتي منى لصلاة الصبح ومنهم من يأتي بعد ذلك وأولهم ضعفاء أهله ويقول أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن نافع قال بعثني بن عمر في ضعفة أهله فرمينا الجمرة قبل أن يأتينا الناس قال وأخبرنا بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال سمعت بن عباس يقول كنت ممن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضعفة أهله في التعجل من المزدلفة إلى منى وروي عن عطاء وعكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره في ضعفة بني هاشم وصبيانهم أن يتعجلوا من جمع بليل قال أبو عمر المبيت بجمع ليلة النحر سنة مسنونة مجتمع عليها إلا أن هذه الأحاديث وما كان مثلها يدل على أن ذلك إنما هو في أكثر الليل وأنه قد رخص أن لا يصبح البائت فيها وأن له أن يصبح بمنى على أن الفضل عند الجميع المبيت بها

حتى يصلي الصبح ثم يرفع قبل طلوع الشمس لا يختلفون في ذلك ولا في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كذلك ولم يختلفوا أنه من لم يبت بجمع ليلة النحر عليه دم وأنه لا يسقط الدم عنه وقوفه بها ولا مروره عليها وقد قالت طائفة منهم مجاهد أنه من أفاض من جمع قبل الإمام وإن بات بها أن عليه دما قال أبو عمر أظنهم لم يسمعوا بهذه الآثار والله أعلم وروى معمر عن أيوب عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت كانت سودة بنت زمعة امرأة ثقيلة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تدلج من جمع فأذن لها قالت عائشة وددت أني كنت استأذنته وكانت تقول ليس الإدلاج من المزدلفة إلا لمن أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر قال المشعر الحرام المزدلفة كلها وروى الثوري عن طلحة بن عمرو عن عطاء قال الرحيل من جمع إذا غاب القمر قال أبو عمر مغيبه ليلة النحر معلوم وبن جريج عن عطاء عن بن عباس وعن أبي العباس الأعمى عن عبد الله بن عمرو قال إنما جمع منزل تدلج منه إذا شئت قال معمر وأخبرني هشام بن عروة عن أبيه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة أن تصبح بمكة يوم النحر وكان يومها قال أبو عمر اختلف على هشام في هذا الحديث فروته طائفة عن هشام عن أبيه مرسلا كما رواه معمر ورواه آخرون عن هشام عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة بذلك مسندا

ورواه آخرون عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أيضا وكلهم ثقات من رواة هشام وهذا الحديث خلاف لسائر الأحاديث لأن في غيره من الأحاديث الإدلاج من جمع إلى منى وصلاة الصبح بها وأقصى ما في ذلك رمي الجمرة قبل طلوع الشمس وبعد الفجر ويدل حديث أم سلمة على أن رمي الجمرة بمنى قبل الفجر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تصبح بمكة يوم النحر وهذا لا يكون إلا وقد رميت الجمرة بمنى ليلا قبل الفجر والله أعلم وأجمع العلماء على أن النبي عليه السلام وقف بالمشعر الحرام بعد ما صلى الفجر ثم دفع قبل طلوع الشمس ونقل ذلك أيضا الآحاد العدول أخبرنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال قال عمر كان أهل الجاهلية لا يفيضون يعني من جمع حين يروا الشمس على ثبير قال فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فدفع قبل طلوع الشمس وروى بن عيينة عن بن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة وعن بن طاوس عن أبيه أن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس وكانوا يدفعون من المزدلفة قبل طلوع الشمس فأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وعجل هذا أخر الدفع من عرفة وعجل الدفع من المزدلفة مخالفا لهذا هدي المشركين وأجمعوا أن الشمس إذا طلعت يوم النحر فقد فات وقت الوقوف بجمع وان من أدرك الوقوف بها قبل طلوع الشمس فقد أدرك فمن قال إنها فرض ومن يقول إنها سنة وقد أوضحنا ذلك فيما مضى والحمد لله

وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى يوم النحر في حجته جمرة العقبة بمنى يوم النحر بعد طلوع الشمس وأجمعوا على أن من رماها ذلك اليوم بعد طلوع الشمس إلى زوالها فقد رماها في وقتها وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم يوم النحر من الجمرات غيرها واختلفوا فمن رماها قبل طلوع الفجر فقال لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لأحد يرمي قبل أن يطلع الفجر ولا يجوز رميها قبل الفجر فإن رماها قبل الفجر أعادها وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز رميها قبل الفجر وبه قال أحمد وإسحاق وقال الشافعي وقت رمي جمرة العقبة الذي أحبه بعد طلوع الشمس ولا أكرهه قبل الفجر وهو قول عطاء وعكرمة وقال سفيان الثوري لا يجوز لأحد أن يرمي قبل طلوع الشمس وهو قول إبراهيم النخعي وقال أبو ثور لا يجوز الرمي حتى تطلع الشمس إن كان فيه خلاف وأجمعوا أو كانت فيه سنة أجزأه قال أبو عمر أما قول الثوري ومن تابعه فحجته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بعد طلوع الشمس وقال خذوا عني مناسككم وروى الحسن العرني وعطاء ومقسم كلهم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أغيلمة بني عبد المطلب وضعفتهم وقال لهم أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس

أخبرنا سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن المسعودي عن الحكم عن مقسم عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ضعفة أهله وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ومن أجاز رميها بعد الفجر وقبل طلوع الشمس فقد تقدم في هذا الباب من الآثار ما يدل على ذلك ومن حديث بن أبي ذئب قال حدثني سعيد عن بن عباس قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأمرني أن أرمي الجمرة بعد الفجر وأما من جوز رميها قبل الفجر فحجته حديث أم سلمة المتقدم ذكره حدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني هارون بن عبد الله قال حدثني بن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني عندها وأخبرنا أحمد بن محمد قال حدثني أحمد بن الفضل قال حدثني محمد بن جرير قال حدثني أبو كريب قال حدثني أبو معاوية عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافي مكة صلاة الصبح يوم النحر قالوا فلم تكن لتوافي مكة لصلاة الصبح يوم النحر للطواف إلا وقد رمت الجمرة بليل قبل ذلك وأخبرنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن خلاد الباهلي قال حدثني يحيى عن بن جريج قال أخبرني عطاء

قال أخبرني مخبر عن أسماء أنها رمت الجمرة قلت إنا رمينا الجمرة بليل قالت إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عارض بعض أصحابنا هذا الحديث عن أسماء بحديث مالك في حديث هذا الباب عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أنها كانت ترى أسماء بالمزدلفة تأمر الذي يصلي لها الصبح ولأصحابها يصلي لهم حين يطلع الفجر ثم تركب فتسير إلى منى ولا تقف وهذا لا معارضة فيه ولا يدفع بحديث أسماء المسند لأنه مباح لأسماء ولغيرها أن يفعل ما في حديث مالك هذا بل هو الأفضل المستحب عند الجميع وأما الكلام فيمن فعل ذلك ورمى بليل فإنما يكون معارضا لو كانت الحجة لهم واحدة واختلفت الحكاية عن أسماء فيها فأما إذا جاز أن تكون حجتين وأمكن ذلك فلا معارضة هنالك وبالله التوفيق وأجمعوا على أن الاختيار في رمي جمرة العقبة من طلوع الشمس إلى زوالها وأجمعوا أنه إن رماها قبل غروب الشمس من يوم النحر فقد جزا عنه ولا شيء عليه إلا مالكا فإنه قال أستحب له إن ترك رمي الجمرة حتى أمسي أن يهريق دما يجيء به من الحل واختلفوا فيمن لم يرمها حتى غابت الشمس فرماها من الليل أو من الغد فقال مالك عليه دم وقال أبو حنيفة إن رماها من الليل فلا شيء عليه وإن أخرها إلى الغد فعليه دم وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي إن أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل أو إلى الغد رمى ولا شيء عليه وهو قول أبي ثور وحجتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في مثل ذلك وما كان ليرخص لهم فيما لا يجوز وفي حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لرمي الجمرة وقتا وهو يوم

النحر فمن رمى بعد غروب الشمس فقد رماها بعد خروجها ومن فعل شيئا في الحج بعد وقته فعليه دم باب السير في الدفعة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال سئل أسامة بن زيد وأنا جالس معه كيف كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حين دفع قال كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص قال مالك قال هشام والنص فوق العنق مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يحرك راحلته في بطن محسر قدر رمية بحجر قال أبو عمر هكذا قال يحيى فرجة وتابعه جماعة منهم أبو المصعب وبن بكير وسعيد بن عفير وقالت طائفة منهم بن وهب وبن القاسم والقعنبي فإذا وجد فجوة نص والفجوة والفرجة سواء في اللغة وليس في هذا الحديث أكثر من معرفة كيفية السير في الدفع من عرفة إلى المزدلفة وهو شيء يجب الوقوف عليه وامتثاله على أئمة الحاج فمن دونهم لأن في استعجال السير إلى المزدلفة استعجال الصلاة بها ومعلوم أن المغرب لا تصلى تلك الليلة إلا مع العشاء بالمزدلفة وتلك سنتها فيجب أن تكون على حسب ما فعله رسول

الله صلى الله عليه وسلم ومن قصر عن ذلك أو زاد فقد أساء إذا كان عالما بما في ذلك وسيأتي حكم الصلاتين بالمزدلفة في موضعه إن شاء الله والعنق مشي الدواب معروف لا يجهل وربما استعمل في غير الدواب مجازا والنص ها هنا كالخبب أو فوق ذلك وأرفع وأصل النص في اللغة الرفع يقال منه نصعت الدابة في سيرها قال الشاعر ألست الذي كلفتها نص ليلة من أهل منى نصا إلى أهل يثرب وقال اللهبي ورب بيداء وليل داج قطعته بالنص والإدلاج وقال صالح بن عبد القدوس ونص الحديث إلى أهله فإن الوثيقة في نصه أي ارفعه إلى أهله وانسبه إليهم وقال أبو عبيد النص التحريك الذي يستخرج به من الدابة أقصى سيرها وأنشد قول الراجز تقطع الخرق بسير نص وأما النص في الشريعة فللفقهاء في العبارة تنازع عنه ليس هذا موضع ذكره وأما حديث مالك عن نافع أن بن عمر كان يحرك راحلته في بطن محسر قدر رمية بحجر فإن فعله في ذلك مأخوذ من السنة وروى الثوري وغيره عن أبي الزبير عن جابر قال أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة وقال لهم أوضعوا في وادي محسر وقال لهم خذوا عني مناسككم

وروى معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر انه كان إذا فاض من عرفة سار على هيئته حتى يأتي المزدلفة فإذا أفاض منها سار أيضا على هيئته حتى يأتي محسر ثم يستحث راحلته شيئا ثم يسير على هيئته حتى يأتي الجمرة وروى الأعمش عن عمارة بن عبيد عن عبد الرحمن بن زيد أنه أوضع بن مسعود يعني في وادي محسر والإيضاع سرعة السير ولا خلاف بين العلماء في هذا الباب باب ما جاء في النحر في الحج مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بمنى هذا المنحر وكل منى منحر وقال في العمرة هذا المنحر يعني المروة وكل فجاج مكة وطرقها منحر قال أبو عمر هذا الحديث يستند عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث علي بن أبي طالب وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وقد ذكرنا طرقها في التمهيد حدثنا خلف بن قاسم قال حدثني أبو الطيب وجيه بن الحسن بن يوسف قال حدثني بكار بن قتيبة القاضي قال حدثني عبد الله بن الزبير الحميدي قال حدثني سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال هذه عرفة وهذا الموقف وعرفة كلها موقف ثم أفاض حين غربت الشمس فأردف أسامة وجعل يسير على هيئته والناس يضربون يمينا وشمالا وهو يقول يا أيها الناس عليكم السكينة ثم أتى جمعا فصلى بها الصلاتين جميعا فلما أصبح أتى قزح فقال هذا قزح وهذا الموقف وجمع كلها موقف ثم أفاضا حين غربت الشمس فلما انتهى إلى وادي محسر قرع ناقته حتى

جاز الوادي ثم أردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر بمنى فقال هذا المنحر ومنى كلها منحر فاستقبلته جارية من خثعم شابة فقالت أبي شيخ كبير وذكر الحديث وفي حديث جابر أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بدنة بمنى وقال هذا المنحر وكلها منحر قال أبو عمر المنحر في الحج بمنى إجماع من العلماء وأما العمرة فلا طريق لمنى فيها فمن أراد أن ينحر في عمرته وساق هديا تطوع به نحره بمكة حيث شاء منها وهذا إجماع أيضا لا خلاف فيه يعني عن الإسلام والاستشهاد فمن فعل ذلك فقد أصاب السنة ومن لم يفعل ونحر في غيرهما فقد اختلف العلماء في ذلك فذهب مالك إلى أن المنحر لا يكون في الحج إلا بمنى ولا في العمرة إلا بمكة ومن نحر في غيرهما لم يجزه ومن نحر في أحد الموضعين في الحج أو العمرة أجزأه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلهما موضعا للنحر وخصهما بذلك وقال الله تعالى هديا بالغ الكعبة المائدة قال أبو عمر قد تقدم معنى قوله هديا بالغ الكعبة وأن العلماء في ذلك على قولين أحدهما أنه أريد بذكر الكعبة حضرة مكة كلها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم طرق مكة وفجاجها كلها منحر والقول الثاني أنه أراد الحرم وقد أجمعوا أنه لا يجوز الذبح في المسجد الحرام ولا في الكعبة فدل على أن اللفظ ليس على ظاهره وقال الشافعي وأبو حنيفة إن نحر في غير مكة من الحرم أجزأه قال وإنما يريد بذلك مساكين الحرم ومساكين مكة وقد أجمعوا أنه من نحر في غير الحرم ولم يكن محصرا أنه لا يجزئه مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن

أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا أنه الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل قالت عائشة فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا فقالوا نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه قال يحيى بن سعيد فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد فقال أتتك والله بالحديث على وجهه قال أبو عمر أما قولها في هذا الحديث ولا نرى إلا أنه الحج فليس فيه قطع بإفراد ولا غيره وقد مضى القول في الإفراد والتمتع والإقران قبل هذا وأما قولها فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل فهذا فسخ الحج في العمرة وقد تقدم القول فيه وأوضحنا أنه مخصوص به الذين خاطبهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرنا قول من خالف في ذلك وأما قولها فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر الحديث ففيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه يوم الهدي الذي نحر عن نفسه لأنه محفوظ من وجوه صحاح متواترة أنه عليه السلام قدم عليه علي من اليمن ببدن هديا وكان عليه السلام قد ساق مع نفسه أيضا من المدينة هديا فكمل في ذلك مائة بدنة وأشركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحرها هو وعلي على ما ذكرنا في حديث علي وحديث جابر المسند الصحيح ولم يذبح البقر إلا عن أزواجه

على أن بن شهاب يقول إنما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بقرة واحدة يريد أنه أشركهن فيها ويحتمل أن يكون أراد بقوله ذلك بقرة عن كل واحدة منهن والله أعلم وفي هذا الحديث أيضا عرض العالم على من هو أعلم منه ما عنده من العلم ليعرف قوله فيه وفيه أن أهل الدنيا إذا سمعوا الصادق وصدقوه فرحوا به وفيه جواز نحر البقر ومن أهل العلم من كره ذلك لقول الله عز وجل في البقرة فذبحوها البقرة والذي عليه جمهور أهل العلم أن البقر يجوز فيها الذبح بدليل القرآن والنحر بالسنة وأما الإبل فتنحر ولا تذبح والغنم تذبح ولاتنحر وسيأتي القول بما للعلماء فيمن نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر في موضعه من كتاب الذبائح إن شاء الله عز وجل مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر وأما قول حفصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال الناس حلوا ولم تحلل أنت فالمعنى فيه أنه أمر أصحابه المحرمين بالحج أن يحلوا إذا طافوا وسعوا ويجعلوا حجهم ذلك عمرة إلا من كان هدي فان محله محل هديه وإنه لا يحل حتى ينحر هديه ولم تعرف حفصة من أمره هذا فسألته وقد مضى قولنا في أن فسخ الحج في العمرة ليس عند جمهور العلماء لأحد بعد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أمروا به ودللنا على أنهم خصوا بذلك على ما ذكرناه من الآثار في ذلك وذكرنا العلة

الموجبة عليه السلام أصحابه بفسخ الحج في العمرة وان يحل الحل كله إنما كان ليريهم أن العمرة في أشهر الحج جائزة وكانوا يرون ذلك محرما فأعلم بجواز ذلك ليدينوا به بغير ما يدينون به في الجاهلية ويدركوا في عامهم ذلك ويكونوا متمتعين لأن الله عز وجل قد أذن في التمتع بالعمرة إلى الحج وإباحته مطلقة وكذلك القرآن والإفراد كل ذلك مباح بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولم يأت في الكتاب ولا السنة أن بعضها أفضل من بعض فهذا معنى قول حفصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال الناس حلوا ولم تحلل أنت وكان أمره صلى الله عليه وسلم أصحابه بالإحلال محالهم في دخول مكة قبل أن يطوفوا وذلك موجود محفوظ في حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت أن يحل قال أبو عمر يعني بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة وهي العمرة وذلك أيضا محفوظ في حديث جابر من رواية عطاء وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يحلقوا أو يقصروا ويحلوا إلا من كان معه هدي وهذا يرفع الإشكال فيما قلنا والحمد لله وأما قول حفصة ولم تحلل أنت من عمرتك فقد ظن بعض الناس أن قولها من عمرتك لم يقله في هذا الحديث غير مالك وأظنه رأى رواية من رواه فقصر في ذلك ولم يذكر في الحديث من عمرتك فظن أنه لم يقله غير مالك لأنه لم يذكر بن جريج عن نافع في حديثه هذا وقد ذكره البخاري عن مسدد عن يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر فلم يذكر فيه من عمرتك وهي لفظة محفوظة في هذا الحديث من رواية مالك وعبيد الله وغيرهما عن نافع فأما رواية مالك فلم يختلف عنه في ذلك وأما رواية عبيد الله فقال حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن

وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو أسامة قال حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر وحدثني عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثه قال حدثني بكر بن حماد قال حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثني يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله قال حدثني نافع عن بن عمر عن حفصة قالت قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر في الحج وأخبرنا عبد الله بن محمد وعبد الرحمن بن عبد الله قالا حدثني أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال حدثني نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة ابنة عمر قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن بعمرة قلت فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا قال إني قد أهديت ولبدت فلا أحل حتى أنحر هديي ورواه سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلست محل إلا محل هديي قال أبو عمر لم يقم إسناده أيوب بن موسى والقول فيه قول مالك ومن تابعه وذكر عمرتك وتركه في هذا الحديث سواء لأنه معلوم أن المأمورين بالحل هم المحرمون بالحج ليفسخوه في عمرة كما تقدم ذكرنا له ويستحيل أن يأمر بذلك المحرمين بعمرة لأن المعتمر يحل بالطواف والسعي والخلاف ليس في ذلك شك عنهم في الجاهلية والإسلام ولا عند من بعدهم وقد اعتمروا مع رسول الله وعرفوا حكم العمرة في الشريعة فلم يكن ليعرفهم شيئا في علمهم بل عرفهم بما أحله الله لهم في عامهم ذلك من فسخ الحج في عمرة فما كانوا قد جهلوه وأنكروه من جواز العمرة في زمن الحج حتى قال بعضهم يتوجه إلى منى ولم يكونوا في الجاهلية

يتمتعون بالعمرة إلى الحج ولا يعتمرون في أشهر الحج ولا يخلطون عمرة مع حجة ولا يجمعونها فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الله في الحج بغير ما كانوا عليه في جاهليتهم وصدع بما أمر به وأوضح معالم الدين صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين فحديث حفصة هذا يدل والله أعلم على القران لأن هدي القران يمنع من الإحلال وليس كذلك ما ساقه المفرد لإن هدي المفرد هدي تطوع لا يمنع شيئا ولولا هديه المانع له من الإحلال لحل مع أصحابه ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة يعني عمرة مفردة يتمتع فيها بالحل إلى يوم التروية على ما أمر به أصحابه ومن ساق هديا لمتعته لم يمنعه من الحل وقد بينا أن قوله عليه السلام لأصحابه من لم يكن معه هدي فليحل كان قبل الطواف للقدوم بدليل حديث عائشة قولها فلما دنونا من مكة وكذلك حديث جابر على ما تقدم ذكره وهذا كله ينبغي أن يكون هديه هدي متعة لأنه لو كان هدي متعة لحل حينئذ مع أصحابه ولم يكن ليخالفهم ويعتذر إليهم فيقول لولا أني سقت الهدي لأحللت وهدي المتعة لا يمنع من الإحلال عند أهل الحجاز قال مالك والشافعي المعتمر يحل من عمرته إذا طاف وسعى ساق هديا أو لم يسق وقال أبو حنيفة إذا ساق المعتمر في أشهر الحج هديا وهو يريد المتعة لم ينحره إلا بمنى وطاف وسعى وأقام إحراما ولا يحل منه شيء ولا يحلق ولا يقصر لأنه ساق معه الهدي فمحله محل الهدي لا يحل حتى ينحر الهدي قالوا ولو لم يسق الهدي كان له أن يحل من عمرته واحتجوا بحديث حفصة أيضا ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك فلم ينكر عليها قولها وقال لها إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من الهدي وحجة مالك والشافعي ومن قال بقولهما ظاهر قول الله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج البقرة ومعلوم أنه لا يكون متمتعا بالعمرة إلى الحج إلا من حل من إحرامه وتمتع بالإحرام إلى أن يحرم لحجه يوم التروية وأما هدي القران فإنه مانع من الإحلال والفسخ عند جمهور السلف والخلف إلا بن عباس وتابعته فرقة إذا لم يسق الهدي جاز له فسخ الحج في العمرة قال على ما قدمنا من مذهبه في ذلك روى خصيف عن طاوس وعطاء عن بن عباس أنه كان يأمر القارن أن يجعلها عمرة إذا لم يسق الهدي قال أبو عمر قول بن عباس يحتمله قول النبي عليه السلام حين أمر أصحابه بفسخ الحج في العمرة لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولحللت يعني فسخت الحج من العمرة كما أمرتكم وقد أوضحنا أن فسخ الحج خصوص لهم بالآثار المروية في ذلك وعلى هذا لقول الله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله البقرة وبالله التوفيق قال أبو عمر وهدي القران يمنع من الإحلال عند جماعة فقهاء الأمصار وجمهور أهل العلم فالأولى بمن يرون الإنصاف ألا يشكوا في حديث حفصة هذا أنه دال على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنا مع ما يشهد له من حديث أنس وغيره أنه كان قارنا وقد ذكرناها في باب القران وإنما اختار مالك رحمه الله القران ومال إليه لأنه روي من وجوه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج مال إلى ما روى وهذا اللازم له ولغيره أن يقف عند ما علم وحكمه على اختيار الإفراد أيضا مع علمه باختلاف الناس في اختيار القران والتمتع والإفراد ما صح عنده عن الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما أفردا الحج وعن عثمان مثل ذلك أيضا وكان عمر ينكر ذلك وينهى عنه ويقول افصلوا بين حجكم وعمرتكم فهو أتم لحج أحدكم أن تكون عمرته في غير أشهر الحج فاختيار مالك هو اختيار أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وكان مالك

يقول إذا اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء فانظروا إلى ما عمل به الخليفتان بعده أبو بكر وعمر فهو الحق قال أبو عمر يعني الأولى والأفضل لا أن ما عداه باطل لأن الأمة مجتمعة على أن الإفراد والقران والتمتع كل ذلك جائز في القرآن والسنة والإجماع وانه ليس منها شيء باطل بل كل ذلك حق ودين وشريعة من شرائع الإسلام في الحج ومن مال منها إلى شيء فإنما مال برأيه إلى وجه تفضيل اختاره وأباح ما سواه وجائز أن يقال أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج بمعنى أمر به فأذن فيه كما قيل رجم ماعزا وقتل عقبة بن أبي معيط وقطع في مجن ويبين هذا المعنى قوله تعالى ونادى فرعون في قومه الزخرف المعنى أنه أمر بذلك ومن ذهب إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مفردا تأول في حديث حفصة ما بال الناس حلوا من إحرامهم ولم تحل أنت من إحرامك الذي ابتدأته معهم وقال بعضهم قد يأتي من بالباب كما قال الله عز وجل يحفظونه من أمر الله الرعد أي بأمر الله يريد ولم تحل أنت بعمرة من إحرامك الذي جئت به مفردا في حجتك ومن اختار القران مال فيه إلى أحاديث منها حديث شعبة قال حدثني حميد بن هلال قال سمعت مطرف بن الشخير يقول قال لي عمران بن حصين جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حج وعمرة ولم ينه عنه بعد ذلك قال رجل برأيه ما شاء الله أخبرنا عبد الله بن محمد بن أمية قال حدثني حمزة قال أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني هشيم قال أخبرنا عبد العزيز بن صهيب وحميد

الطويل ويحيى بن أبي إسحاق كلهم عن أنس أنهم سمعوه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك عمرة وحجا وأخبرنا عبد الله قال حدثني حمزة قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا أحمد بن محمد بن جعفر قال أخبرني يحيى بن معين قال حدثني حجاح وهو الأعور قال حدثني يونس بن إسحاق عن أبي إسحاق عن البراء قال كنت مع علي رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن فأصبت معه أواقي فلما قدم علي على النبي صلى الله عليه وسلم قال علي وجدت فاطمة قد نضحت البيت بنضوح قال فتخطيته فقالت لي مالك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه أن يحلوا قال قلت إني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي كيف صنعت قلت إني أهللت بما أهللت قال فإني سقت الهدي وقرنت أخبرنا خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن محمد بن ناصح قال حدثني أحمد بن علي بن سعيد القاضي قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني حجاج بن محمد قال حدثني يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن البراء قال كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال علي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي كيف صنعت فقلت أهللت بإهلالك قال فإني سقت الهدي وقرنت قال وقال لأصحابه لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعلتم ولكني سقت الهدي وقرنت قال أبو عمر فهذا أنس يخبر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالعمرة والحج معا وعلي يخبر أنه سمعه يقول سقت الهدي وقرنت وليس يوجد عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح إخبار عن نفسه أنه أفرد ولا أنه تمتع وإنما يوجد عن غيره إضافة ذلك إليه بما يحتمل التأويل وهذا لفظ يدفع الإشكال ويدفع الاحتمال وبالله التوفيق وهو المستعان ومما يدل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنا حديث مالك عن بن شهاب عن

عروة عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ومعلوم أنه كان معه هدي وأنه لم يحل حتى نحر الهدي وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل باب العمل في النحر مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بعض هديه ونحر غيره بعضه قال أبو عمر هكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن علي وتابعه القعنبي في ذلك ورواه بن القاسم وأبو مصعب وبن بكير وبن قانع والشافعي فقالوا فيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وأرسله بن وهب عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه لم يقل عن جابر ولا عن علي قال أبو عمر الصحيح فيه عن جابر وأرسله بن وهب وذلك موجود في رواية بن علي عن جابر في الحديث الطويل في الحج وإنما جاء حديث علي من رواية بن أبي ليلى عنه لا أحفظه من وجه آخر وفيه من الفقه أن يتولى الرجل نحر هديه بيده وذلك مستحب مستحسن عند أهل العلم لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بيده ولأنها قربة إلى الله عز وجل فمباشرتها أولى لمن قدر عليها وجائز أن يذبح الهدي والضحايا غير صاحبها إذا كان من خاصته ومن بفضل فعله يكون مصدر كفاية وقد ذكرنا في التمهيد الآثار المسندة بهذا الحديث ومن أحسنها ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني حمزة بن محمد قال حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني أحمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثني شعيب بن الليث قال حدثني الليث عن بن الهادي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال قدم علي رضي الله عنه من اليمن بهدي رسول

الله صلى الله عليه وسلم وكان الهدي الذي قدم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي من اليمن مائة بدنة فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ثلاثا وستين بدنة ونحر علي رضي الله عنه سبعا وثلاثين وأشرك عليا في بدنه ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلت في قدر فطبخت وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من لحمها وشرب من مرقها وأما رواية علي بن أبي طالب ف حدثنا سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني عبد الكريم الجزري قال سمعت مجاهدا يقول سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أقسم جلالها وجلودها ولا أعطي الجازر منها وقال نحن نعطيه من عندنا قال أبو عمر في حديث مالك ونحر غيره بعضه فقد بان مما ذكرنا أن غيره هو علي بن أبي طالب وقد اختلف العلماء فيمن نحرت أضحيته بغير إذنه ولا أمره فقال مالك إنها لا تجزي به عن الذبائح وسواء أن نوى ذبحها عن نفسه أو عن صاحبها وعليه ضمانها وروي عنه أن الذابح إذا كان مثل الولد وبعض العيال فأرجو أن يجزئ رواه بن عبد الحكم عنه وقال بن القاسم عنه مثل ذلك إلا أن بن القاسم قال عنه تجزي في الولد وبعض العيال وفي رواية بن عبد الحكم أرجو أن يجزئ وقال الثوري إذا ذبحها بغير إذنه لم تجز عنه ويضمن الذابح وقال الشافعي تجزي عن صاحبها ويضمن الذابح النقصان وقال محمد بن الحسن في رجل تطوع عن رجل فذبح له ضحية قد أوجبها أنه

إن ذبحها عن نفسه متعمدا لم تجز عن صاحبها وله أن يضمن الذابح فإن ضمنه إياها أجزت عن الضامن بأن ضمنها عن صاحبها ولو أن يضمن الذابح فإن ضمنه إياها جزت عن الضامن فإن ذبحها عن صاحبها بغير أمره أجزت عنه وبه قال الطبري وإن أخطأ رجلان فذبح كل واحد منهما ضحية صاحبه لم تجز عن واحد منهما في قول مالك وأصحابه ويضمن كل واحد منهما قيمة ضحية صاحبه لم يختلفوا في ذلك واختلفوا في ذلك في الهدي فالأشهر عن مالك ما حكاه بن عبد الحكم وغيره عنه أنه لو أخطأ رجلان كل واحد منهما بهدي صاحبه فذبحه عن نفسه أجزأهما ولم يكن عليهما شيء وهو المشهور عن مالك في الهدي الواجب وقال بن عبد الحكم عن مالك في المعتمرين لو ذبح أحدهما شاة صاحبه عن نفسه ضمنها ولم يجزه وذبحها شاته التي أوجبها وغرم لصاحبه قيمة الشاة واشترى صاحبه شاة وأهداها قال بن عبد الحكم والقول الأول أعجب إلينا يعني المعتمرين يذبح أحدهما شاة صاحبه وهو قد أخطأ بها أن ذلك يجزيهما وقد روي عن مالك في المعتمرين إذا أهديا شاتين فذبح كل واحد منهما شاة صاحبه خطأ إن ذلك لا يجزئ عنهما ويضمن كل واحد منهما قيمة ما ذبح واستأنفا الهدي وقال الشافعي يضمن كل واحد منهما ما بين قيمة ما ذبح حيا ومذبوحا وجزت عن كل واحد منهما أضحيته وذبحه وقال الطبري يجزئ كل واحد منهما ضحيته وذبحه ولا شيء على الذابح لأنه فعل ما لا بد منه ولا ضمان على واحد منهما إلا أن يستهلك شيئا من لحمها فيضمن ما استهلك مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر قال من نذر بدنة فإنه

يقلدها نعلين ويشعرها ثم ينحرها عند البيت أو بمنى يوم النحر ليس لها محل دون ذلك ومن نذر جزورا من الإبل أو البقر فلينحرها حيث شاء قال أبو عمر جعل بن عمر البدنة كالهدي والهدي لا خلاف بين العلماء أنه يهدى إلى البيت العتيق يراد بذلك مساكين أهل مكة والهدي سنته أن يقلد ويشعر وينحر إن سلم بمكة فمن قال لله علي بدنة فهو كمن قال لله علي هدي وأما إذا قال جزور فإنه أراد إطعام لحمه مساكين موضعه أو ما يرى من المواضع مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان ينحر بدنة قياما قال أبو عمر قد مضى الكلام في نحر البدن قياما في حديث بن عمر في هذا الكتاب وذكرنا أن معنى قوله تعالى أصوافها قياما وأظن اختيار العلماء لنحر البدن قياما لقوله تعالى فإذا وجبت جنوبها الحج والوجوب السقوط إلى الأرض عند العرب واختصار اختلافهم في هذا الباب قال مالك ينحر البدن قياما وتعقل إن خيف أن تنفر ولا تنحر باركة إلا أن يصعب نحره قال الشافعي وقال الثوري إن شاء أضجعها وإن شاء نحرها قائمة قال مالك لا يجوز لأحد أن يحلق رأسه حتى ينحر هديه ولا ينبغي لأحد أن ينحر قبل الفجر يوم النحر وإنما العمل كله يوم النحر الذبح ولبس الثياب وإلقاء التفث والحلاق لا يكون شيء من ذلك يفعل قبل يوم النحر قال أبو عمر هذا لا خلاف فيه بين العلماء أن جمرة العقبة إنما ترمى ضحى يوم النحر وتمام حلها أول الحل وإلقاء التفث كله وقد تقدم القول فيمن رماها قبل الفجر وبعد الفجر في موضعه وأعمال يوم النحر كلها جائز فيها التقديم والتأخير إلا ما نذكر الخلاف فيه في موضعه إن شاء الله

باب الحلاق مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال والمقصرين قال أبو عمر أما حديث بن عمر هذا فليس فيه ذكر الموضع الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول وهو محفوظ من حديث بن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة والمسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك يوم الحديبية روى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم الأنصاري قال حدثني أبو سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر يوم الحديبية للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة حدثني عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثني محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثني أحمد بن محمد بن زياد قال حدثني أحمد بن عبد الجبار قال حدثني يونس بن بكير قال حدثني محمد بن إسحاق بن الزهيري عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أنهما حدثاه فذكر حديثهما في الحديبية قالا فلما فرغ من الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس قوموا فانحروا وأحلوا فوالله ما قام رجل لما دخل قلوب الناس من الشر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس انحروا وأحلوا فوالله ما قام أحد من الناس ثم قالها الثالثة فما قام أحد من الناس فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة فقال يا أم سلمة أما ترين إلى الناس آمرهم بالأمر لا يفعلونه فقالت يا رسول الله لا تلمهم فإن الناس قد دخلهم أمر عظيم مما رأوك حملت على نفسك في الصلح فاخرج يا رسول الله لا تكلم أحدا من الناس حتى يأتي هديك فتنحر وتحل فإن الناس إذا رأوك فعلت ذلك فعلوا كالذي فعلت فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندها فلم يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحر وحلق فلما رأى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل

ذلك قاموا فنحر من كان معه هدي وحلق بعض وقصر بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للمحلقين فقيل يا رسول الله وللمقصرين فذكرها ثلاثة وقال في الثالثة وللمقصرين وبه عن يونس بن بكير عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم عن أبي سعيد الخدري قال حلق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية كلهم إلا رجلين قصرا ولم يحلقا وبه عن بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن بن عباس قال حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال رحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال رحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال والمقصرين قالوا فما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم قال لم يشكوا رواه عن بن إسحاق جماعة أصحابه إلا أن أبا إبراهيم الأنصاري هذا هو الأشهلي لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير وروى أبو داود الطيالسي قال حدثني هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم الأنصاري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أصحابه حلقوا رؤوسهم يوم الحديبية إلا عثمان بن عفان وأبا قتادة فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة وقد ذكرنا هذه الأحاديث بالأسانيد في التمهيد وقد أجمع العلماء على أن النساء لا يحلقن وأن سنتهن التقصير وقد ثبت أن ذلك كان عام الحديبية حين أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنع من النهوض إلى البيت وقد تقدم ذكر أحكام المحصر في موضعه واختلف الفقهاء هل الحلاق نسك يجب على الحاج والمعتمر أم لا فقال مالك الحلاق نسك يجب على الحاج المتم لحجه والمعتمر لعمرته وهو أفضل من التقصير ويجب على كل من فاته الحج أو أحصر بعدو أو مرض وهو قول جماعة الفقهاء إلا في المحصر بعدو هل هو من النسك أم لا فقد اختلفوا في ذلك

وقال أبو حنيفة المحصر ليس عليه تقصير ولا حلاق وقال أبو يوسف يقصر فإن لم يفعل فلا شيء عليه وقد روي عن أبي يوسف أن عليه الحلاق أو التقصير لا بد له منه واختلف قول الشافعي هل الحلاق من النسك أو ليس من النسك على قولين أحدهما الحلاق من النسك والآخر الحلاق من الإحلال لأنه ممنوع منه بالإحرام قال أبو عمر من جعل الحلاق نسكا أوجب على من تركه دما واختلف قول مالك فيمن أفاض قبل أن يحلق فذكر بن عبد الحكم قال ومن أفاض قبل أن يحلق فليحلق ثم ليفض فإن لم يفض فلا شيء عليه قال وقد قال ينحر ويحلق ولا شيء عليه قال والأول أحب إلينا وقال بن حبيب يعيد الإفاضة مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يدخل مكة ليلا وهو معتمر فيطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ويؤخر الحلاق حتى يصبح قال ولكنه لا يعود إلى البيت فيطوف به حتى يحلق رأسه قال وربما دخل المسجد فأوتر فيه ولا يقرب البيت قال أبو عمر ليس عليه في تأخير الحلاق حرج إذا شغله عنه ما يمنعه منه وأظن القاسم لم يجد في الليل من يحلقه وأما امتناعه من الطواف قبل الحلق فمن أجل ألا يطوف في عمرته طوافين والله أعلم لأنه خلاف السنة المجتمع عليها فإذا حل بالحلاق طاف تطوعا ما شاء وأما قوله وربما دخل المسجد فأوتر فيه ولا يقرب البيت فذلك لأن لا تدعوه نفسه إلى الطواف فينسى فيطوف في موضع ليس له أن يطوف فيه من أجل الحلاق المانع له ذلك فإذا حلق خرج من عمرته كلها فصنع ما شاء من طواف كله وهذا يدلك أن حلاق الرأس يعد من مناسك الحج والمعتمر على ما ذكرنا من مذهب مالك في ذلك

وأما قول مالك التفث حلاق الشعر ولبس الثياب وما يتبع ذلك فهو كما قال ذلك لا خلاف فيه سئل مالك عن رجل نسي الحلاق بمنى في الحج هل له رخصة في أن يحلق بمكة قال ذلك واسع والحلاق بمنى أحب إلي قال أبو عمر إنما استحب ذلك ليكون حلق رأسه في حجه حيث ينحر هديه في حجه وذلك بمنى هو منحر الحاج عند الجميع وأجازه بمكة كما يجوز النحر بمكة لم ينحر هنا لأن الهدي إذا لم يبلغ مكة فقد بلغ محله قال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن أحدا لا يحلق رأسه ولا يأخذ من شعره حتى ينحر هديا أن كان معه ولا يحل من شيء حرم عليه حتى يحل بمنى يوم النحر وذلك أن الله تبارك وتعالى قال ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله البقرة قال أبو عمر اختلف الناس فيمن حلق قبل أن ينحر أو قبل أن يرمي فقال مالك إذا حلق قبل أن يرمي فعليه دم وإن حلق قبل أن ينحر فلا شيء عليه وبه قال أبو يوسف ومحمد وقال الشافعي إن حلق قبل أن يرمي أو قبل أن ينحر فلا شيء عليه وقال أبو حنيفة والثوري إن حلق قبل أن ينحر أو قبل أن يرمي فعليه دم وإن كان قارنا فعليه دمان وقال زفر إن كان قارنا فعليه ثلاثة دماء دم للقران ودمان للحلاق قبل النحر وسنذكر هذه المسألة بأتم ذكر من ها هنا عند ذكر حديث بن شهاب عن عيسى بن طلحة في باب جامع الحج إن شاء الله عز وجل باب التقصير مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئا حتى يحج قال أبو عمر إنما كان بن عمر يفعل ذلك والله أعلم لأنه كان يتمتع بالعمرة

إلى الحج فيهدي ومن أهدى أو ضحى لم يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي عند طائفة من أهل العلم لحديث مالك عن عمرو بن مسلم بن أكيمة عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من رأى منكم هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره وممن قال بهذا الحديث الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وطائفة من التابعين قد تقدم ذكرهم في هذا الكتاب لأنا أوضحنا القول فيهم في باب ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي وكان مالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه لا يقولون بهذا الحديث وقد بينا وجوه أقوالهم في الباب المذكور وهنالك بينا مذهب الشافعي أيضا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه وهذا معناه لما كان حراما عليه أن يأخذ من لحيته وشاربه وهو محرم رأى أن ينسك بذلك عند إحلاله مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن رجلا أتى القاسم بن محمد فقال إني أفضت وأفضت معي بأهلي ثم عدلت إلى شعب فذهبت لأدنو من أهلي فقالت إني لم أقصر من شعري بعد فأخذت من شعرها بأسناني ثم وقعت بها فضحك القاسم وقال مرها فلتأخذ من شعرها بالجلمين قال مالك أستحب في مثل هذا أن يهرق دما وذلك أن عبد الله بن عباس قال من نسي من نسكه شيئا فليهرق دما قال أبو عمر هذا الحديث بين ما فيه مدخل للقول إلا أن من السنة إذا رمى

الجمرة إن كان معه هدي أن يحلق وينحر ثم يفيض وعمل يوم النحر الحلق والرمي للإفاضة قد أجاز فيه جمهور أهل العلم التقديم والتأخير ومعلوم أن من طاف للإفاضة فقد حل له النساء فلم يأت الرجل حراما في فعله ذلك إلا أنه أساء إذ وطى ء قبل الحلق وعليه أن يحلق كما قال له القاسم لا غير واستحب له مالك الدم مع ذلك ذكره عن بن عباس ولم يره عليه القاسم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم افعل ولا حرج يعني في التقديم والتأخير فيما يعمل يوم النحر من أعمال الحج روى القاسم أن التقصير بالأسنان له هذا الشأن وأجمعوا أن سنة المرأة التقصير لا الحلاق وقد روى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تحلق المرأة رأسها وقال الحسن حلق رأسها مثله فرأى القاسم الأخذ بالجلمين للمقصر لأنه المعروف بالتقصير كما أن المعروف بالحج الحلاق بالموسي في الحج وكان مالك يقول الحلق بالموسي في غير الحج مثله وقال غيره لما كان الحلق بالموسي نسكا في الحج كان في غير الحج حسنا وفي أخذ بن عمر من آخر لحيته في الحج دليل على جواز الأخذ من اللحية في غير الحج لأنه لو كان غير جائز ما جاز في الحج لأنهم أمروا أن يحلقوا أو يقصروا إذا حلوا محل حجهم ما نهوا عنه في حجهم وبن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أعفوا اللحا وهو أعلم بمعنى ما روى فكان المعنى عنده وعند جمهور العلماء الأخذ من اللحية ما تطاير والله أعلم وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان يأخذ من لحيته ما يلي وجهه

وقال إبراهيم كانوا يأخذون من عوارض لحاهم وكان إبراهيم يأخذ من عارض لحيته وعن أبي هريرة أنه كان يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة وعن بن عمر مثل ذلك وعن الحسن مثله وقال قتادة ما كانوا يأخذون من طولها إلا في حج أو عمرة كانوا يأخذون من العارضين كل ذلك من كتاب بن أبي شيبة بالأسانيد أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني محمد بن أبي عمر العدني قال حدثني سفيان قال حدثني بن أبي نجيح عن مجاهد قال رأيت بن عمر قبض على لحيته يوم النحر ثم قال للحجام خذ ما تحت القبضة مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه لقي رجلا من أهله يقال له المجبر قد أفاض ولم يحلق ولم يقصر جهل ذلك فأمره عبد الله أن يرجع فيحلق أو يقصر ثم يرجع إلى البيت فيفيض قال أبو عمر القول في معنى الحديث قبله يعني عن القول فيه مالك أنه بلغه أن سالم بن عبد الله كان إذا أراد أن يحرم دعا بالجلمين فقص شاربه وأخذ من لحيته قبل أن يركب وقبل أن يهل محرما قال أبو عمر هذا أحسن لأنه معلوم أن الشعر يطول ويسمح ويثقل فتأهب لذلك وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة من أصحابه في الطيب قبل الإحرام ما يدفع عنهم ريح عرق أبدانهم هذا واضح والقول فيه تكلف لوضوحه وفيه أنه جائز أن يأخذ الرجل من لحيته وذلك إن شاء الله كما قال مالك يؤخذ ما تطاير منها وطال وقبح

وسيأتي القول في معنى قوله عليه السلام أحفوا الشوارب وأعفوا اللحا في موضعه من كتاب الجامع إن شاء الله باب التلبيد مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال من ضفر رأسه فليحلق ولا تشبهوا بالتلبيد قال أبو عمر قد روي مثل قول بن عمر هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه حسن ويروى في هذا الحديث تشبهوا وتشبهوا بضم التاء وفتحها وهو الصحيح بمعنى تتشبه ومن روى تشبهوا أراد لا تشبهوا عليها فتفعلوا أفعالا تشبه التلبيد الذي من سنة فاعله أن يحلق مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال من عقص رأسه أو ضفر أو لبد فقد وجب عليه الحلاق روى بن جريج عن عطاء بن عمر قال من عقد أو لبد أو ضفر أو عقص فليحلق وقال بن عباس نواه وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن بن عباس قال من ضفر رأسه أو عقص أو لبد فهو ما نوى قال وقال بن عمر من عقص رأسه أو ضفر أو لبد فقد وجب عليه الحلاق وسفيان عن أيوب بن موسى عن نافع عن بن عمر مثله إلا أنه قال فليحلق وبه قال مالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق

قال أبو عمر قول بن عباس هو ما نواه يريد من حلق أو قصر في حين عقصه أو ضفره أو تلبيده وقد قالت به فرقة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن قصر الملبد لرأسه بالمقراض أو بالمقص أجزأه قال أبو عمر التلبيد سنة الحلق وذلك أنه من لبد رأسه بالخطمي وما أشبهه مما يمنع وصول التراب إلى أصول الشعر وقاية لنفسه والذي عليه العلماء أن لا تقصير دون الحلاق مع أنه سنة لقوله عليه السلام لبدت رأسي ثم حلق صلى الله عليه وسلم ولم يقصر في حجته ومعنى التلبيد أن يجعل الصمغ في الغسول ثم يلطخ به رأسه إذا أراد أن يحرم ليمنعه ذلك من الشعث ولما ذكرنا والعقص أن يجمع شعره في قفاه وهذا لا يمكن إلا في قليل الشعر فرأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيمن فعل شيئا من ذلك أن الحلاق عليه واجب وهذا عند العلماء وجوب بسنة ومعنى قوله لا تشبهوا بالتلبيد أي لا تفعلوا أفعالا حكمها حكم التلبيد من العقص والضفر ونحوه ثم تقصرون ولا تحلقون وتقولون لم نلبد يقول فمن عقص أو ضفر فهو ملبد وعليه ما على الملبد من الحلاق باب الصلاة في البيت وقصر الصلاة وتعجيل الخطبة بعرفة مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل

الكعبة هو وأسامة بن زيد وبلال بن رباح وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه ومكث فيها قال عبد الله فسألت بلالا حين خرج ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جعل عمودا عن يمينه وعمودين عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى هكذا روى هذا الحديث جماعة من رواة مالك في الموطأ انتهوا فيه إلى قوله ثم صلى وزاد فيه بن القاسم وجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع ولم يقولوا نحو ذلك وقد ذكرنا اختلاف ألفاظ أصحاب نافع في التمهيد أيضا بالأسانيد وفي هذا الحديث رواية الصاحب عن الصاحب وقد روى بن عباس عن أسامة بن زيد قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة فسبح وكبر في نواحيها ولم يصل فيها ثم خرج فصلى خلف المقام قبل الكعبة ركعتين ثم قال هذه القبلة وروى مجاهد عن بن عمر عن بلال أنه قال له أصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة قال نعم قلت أين صلى قال بين الأسطوانين ركعتين ثم خرج فصلى ركعتين في وجه القبلة هكذا حديث سيف بن سليمان عن مجاهد وروى يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الله بن صفوان قال قلت لعمر بن الخطاب كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة قال صلى ركعتين قال أبو عمر وهما حديثان وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث وغيرها في التمهيد

وفيها ما يرد قول من زعم أنه صلى في حديث بلال معناه أنه دعا ورواية بن عمر عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة ركعتين أولى من رواية بن عباس عن أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل فيها لأن من نفى شيئا وأثبته غيره لم يعد شاهدا وإنما الشاهد المثبت لا النافي وهذا أصل من أصول الفقه في الشهادات إذا تعارضت مثل هذا واختلف الفقهاء في الصلاة في الكعبة الفريضة والنافلة فقال مالك لا يصلي فيها الفرض ولا الوتر ولا ركعتي الفجر ولا ركعتي الطواف ويصلي فيها التطوع وقد ذكرنا اختلاف قوله وقول أصحابه فيمن صلى فيها أو على ظهرها الفريضة في كتاب اختلافهم والأشهر عنه أنهم يعيدون في الوقت وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري يصلى في الكعبة الفريضة والنافلة قال الشافعي إن صلى في جوفها مستقبلا حائطا من حيطانها فصلاته جائزة أو صلى عند الباب والباب مفتوح فصلاته جائزة أو صلى عند الباب والباب مفتوح فصلاته باطلة لانه لم يستقبل شيئا منها قال ومن صلى على ظهرها فصلاته باطلة لأنه لم يستقبل شيئا منها وقال أبو حنيفة من صلى على ظهر الكعبة فلا شيء عليه واختلف أهل الظاهر فيمن صلى في الكعبة فقال بعضهم صلاته جائزة لأنه قد استقبل بعضها وقال بعضهم لا صلاة له نافلة ولا فريضة لأنه قد استدبر بعضها وقد نهى عن ذلك حين أمر أن يستقبلها واحتج قائل هذه المقالة بقول بن عباس أمر الناس أن يصلوا إلى الكعبة ولم يؤمروا أن يصلوا فيها وقد أوضحنا هذه المسألة في التمهيد إن شاء الله وبالله التوفيق م باب تعجيل الصلاة بعرفة وتعجيل الوقوف بها مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه قال كتب عبد

الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف أن لا تخالف عبد الله بن عمر في شيء من أمر الحج قال فلما كان يوم عرفة جاءه عبد الله بن عمر حين زالت الشمس وأنا معه فصاح به عند سرادقه أين هذا فخرج عليه الحجاج وعليه ملحفة معصفرة فقال ما لك يا أبا عبد الرحمن فقال الرواح إن كنت تريد السنة فقال أهذه الساعة قال نعم قال فأنظرني حتى أفيض علي ماء ثم أخرج فنزل عبد الله حتى خرج الحجاج فسار بيني وبين أبي فقلت له إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فاقصر الخطبة وعجل الصلاة قال فجعل ينظر إلى عبد الله بن عمر كيما يسمع ذلك منه فلما رأى ذلك عبد الله قال صدق سالم قال أبو عمر هذا الحديث يخرج من المسند لقول عبد الله بن عمر للحجاج الرواح إن كنت تريد السنة وكذلك قول سالم له إن كنت تريد أن تصيب السنة فاقصر الخطبة وعجل الصلاة وقول بن عمر صدق وقد ذكرنا رواية معمر وغيره عن الزهري لهذا الحديث ومن قال أن الزهري شهد هذه القصة معهم وصحح سماع الزهري من بن عمر يومئذ وبينا ذلك في كتاب التمهيد وفي هذا الحديث فقه وأدب وعلم كثير من أمور الحج فمن ذلك أن إقامة الحج إلى الخلفاء ومن جعلوا ذلك إليه وأمروه عليه وفيه أيضا أنه يجب أن يضم إلى الأمير على الموسم من هو أعلم منه بالكتاب والسنة وطرق الفقه وفيه الصلاة خلف الفاجر من السلاطين ما كان إليهم إقامته من الصلوات ومثل الحج والأعياد والجمعات

ولا خلاف بين العلماء أن الحج يقيمه السلطان للناس ويستخلف عليه من يقيمه لهم على شرائعه وسننه فيصلون خلفه برا كان أو فاجرا أو مبتدعا ما لم تخرجه بدعته عن الإسلام وفيه أن الرجل الفاضل لا نقيصة عليه في مشيه مع السلطان الجائر فيما يحتاج إليه وفيه أن رواح الإمام من موضع نزوله من عرفة إلى مسجدها حين تزول الشمس للجمع بين الظهر والعصر في المسجد في أول وقت الظهر وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلزم ذلك كله من بعد عن المسجد بعرفة أو قرب أن لا يكون موضع نزوله متصلا بالصفوف فإن لم يفعل وصلى بصلاة الإمام فلا حرج وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نزل بعرفة عند الصخرات قريبا من منزل الأمراء اليوم وروي عنه أنه نزل بنمرة من عرفة وحيث ما نزل بعرفة فجائز وكذلك وقوفه منها حيث شاء ما وقف إلا بطن عرنة وقد ذكرنا ما يلزم من وقف ببطن عرنة وما للعلماء في ذلك فإذا زاغت الشمس وراح إلى المسجد بعرفة فيصلي بها الظهر والعصر جميعا مع الإمام في أول وقت الظهر أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أحمد بن حنبل قال حدثني وكيع قال حدثني نافع بن عمر عن سعيد بن حسان عن بن عمر قال لما قتل الحجاج بن الزبير أرسل إلى بن عمر أية ساعة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يروح في هذا اليوم قال إذا كان ذلك رحنا فلما أراد بن عمر أن يروح قال أزاغت الشمس قالوا لم تزغ الشمس وقال أزاغت الشمس قالوا لم تزغ ثم قال أزاغت فلما قالوا قد زاغت ارتحل وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له وأتى الوادي وخطب الناس ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم راح إلى الموقف قال أبو عمر هذا كله لا خلاف بين العلماء المسلمين فيه

واختلف الفقهاء في وقت أذان المؤذن بعرفة في الظهر والعصر وفي جلوس الإمام للخطبة قبلها فقال مالك يخطب الإمام طويلا ثم يؤذن المؤذن وهو يخطب ثم يصلي وهذا معناه أن يخطب الإمام صدرا من خطبته ثم يؤذن المؤذن فيكون فراغه مع فراغ الإمام من الخطبة ثم ينزل فيقيم وحكى عنه بن نافع أنه قال الأذان إذا قام بعرفة بعد جلوس الإمام للخطبة وقال الشافعي يأخذ المؤذن في الأذان إذا قام الإمام للخطبة الثانية فيكون فراغه من الأذان بفراغ الإمام من الخطبة ثم ينزل فيصلي الظهر ثم يقيم المؤذن الصلاة للعصر وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا صعد الإمام المنبر أخذ المؤذن في الأذان فإذا فرغ الإمام قام المؤذن فخطب ثم ينزل ويقيم المؤذن الصلاة وبه قال أبو ثور وسئل مالك عن الإمام إذا صعد المنبر يوم عرفة أيجلس قبل أن يخطب قال نعم ثم يقوم فيخطب طويلا ثم يؤذن المؤذن وهو يخطب ثم يصلي ذكره بن وهب عنه قال وقال مالك يخطب خطبتين وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ما قدمنا ما يدل على أن الإمام يجلس فإذا فرغ المؤذن قام يخطب وقال الشافعي إذا أتى الإمام المسجد خطب الخطبة الأولى ولم يذكر جلوسا عند صعود المنبر فإذا فرغ من الأولى جلس جلسة خفيفة قدر قراءة قل هو الله أحد الإخلاص ثم يقوم فيخطب خطبة أخرى وأجمع العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صلى بعرفة صلاة المسافر لا صلاة جمعة ولم يجهر بالقراءة وكذلك أجمعوا أن الجمع بين الظهر والعصر يوم عرفة مع الإمام سنة مجتمع عليها واختلفوا فيمن فاتته الصلاة يوم عرفة مع الإمام هل له أن يجمع بينهما أم لا فقال مالك يجمع بين الظهر والعصر إذا فاته ذلك مع الإمام وكذلك المغرب والعشاء يجمع بينهما بالمزدلفة إذا فاتته مع الإمام

وقال الثوري صل مع الإمام بعرفة الصلاتين إن استطعت وإن صليت في ذلك فصل كل صلاة لوقتها وكذلك قال أبو حنيفة لا يجمع بينهما إلا من صلاهما مع الإمام وأما من صلى وحده فلا يصلي كل صلاة منهما إلا لوقتها وهو قول إبراهيم وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأحمد وإسحاق جائز أن يجمع بينهما من المسافرين من صلى مع الإمام ومن صلى وحده إذا كان مسافرا وحجتهم أن جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان من أجل السفر ولكل مسافر الجمع بينهما كذلك واختلف العلماء في الأذان للجمع بين الصلاتين بعرفة فقال مالك يصليهما بأذانين وإقامتين وقال الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وأبو عبيد والطبري يجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين بإقامة لكل صلاة وقد روي عن مالك مثل ذلك والمشهور عنه وتحصيل مذهبه ما قدمنا ذكره من قوله في صلاتي المزدلفة والحجة له قد تقدمت هناك واختلف عن أحمد بن حنبل فروي عنه وعن إسحاق بن راهويه أنه يجمع بينهما بإقامة إقامة دون أذان رواه الكوسج عنهما وروى عنه أحمد الأثرم من فاتته الصلاة مع الإمام فإن شاء جمع بينهما بأذان واحد وإقامتين وإن شاء بإقامة إقامة وحجة مالك ومن قال بقوله في ذلك ما رواه إسرائيل عن سماك بن حرب عن النعمان بن حميد أبي قدامة أنه صلى مع عمر بن الخطاب الصلاتين بأذانين وإقامتين وعن بن مسعود مثل ذلك بالمزدلفة ومنهم من ذكر عنه ذلك في حديث عرفة والمزدلفة وقال فيه المحاربي لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم والحجة للشافعي ومن قال بأذان واحد وإقامتين حديث جابر الحديث الطويل في الحج

ورواه جماعة من الثقات عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وساقوا الحديث بطوله وفيه فلما أتى عرفة خطب فلما فرغ بالخطبة أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر لم يصل بينهما شيئا الحديث وفي لبس الحاج المعصفر وترك بن عمر الإنكار عليه مع أمر عبد الملك إياه أن لا يخالف عبد الله بن عمر في شيء من أمر الحج دليل على أنه مباح عنده وإن كان جماعة من أهل العلم يكرهونه وكان مالك رحمه الله يكره المصبغات للرجال والنساء وخالف في ذلك أسماء بنت أبي بكر وروي عن عائشة مثل قول مالك رواه الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن عائشة كانت تكره المثرد بالعصفر ومن كان يكره لبس المصبغات بالعصفر ثم في الإحرام الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور ورخص فيه الشافعي وجماعة لأنه ليس بطيب وفي الحديث من الفقه ما يدل على أن تأخير الصلاة بعرفة بعد الزوال قليلا لعمل يكون من أعمال الصلاة مثل الغسل والوضوء وما أشبه ذلك أنه لا بأس بذلك وفيه الغسل للوقوف بعرفة لأن قول الحجاج لعبد الله بن عمر أنظرني حتى أفيض علي ماء كذلك كان وهو مذهب عبد الله بن عمر وأهل العلم يستحبونه وفيه إباحة فتوى الصغير بين يدي الكبير ألا ترى أن سالما علم الحاج قصر الخطبة وتعجيل الصلاة وأبوه بن عمر إلى جنبه وقصر الصلاة في ذلك الموضع وفي غيره سنة وتعجيل الصلاة في ذلك الموضع سنة مجتمع عليها في أول وقت الظهر ثم يصلى العصر بإثر السلام من الظهر وأجمع العلماء على أن الإمام لو صلى بعرفة يوم عرفة بغير خطبة أن صلاته جائزة وأنه يقصر الصلاة إذا كان مسافرا وإن لم يخطب ويسر القراءة فيهما لأنهما ظهر وعصر قصرتا من اجل السفر وأجمعوا أن الخطبة قبل الصلاة يوم عرفة وأم قوله عجل الصلاة فكذلك رواه يحيى وبن القاسم وبن وهب ومطرف

وقال فيه القعنبي وأشهب إن كنت تريد أن تصيب السنة فأقصر الخطبة وعجل الوقوف مكان عجل الصلاة وهو غلط لأن أكثر الرواة عن مالك على خلافه وتعجيل الصلاة بعرفة سنة وقد يحتمل قول القعنبي أيضا لأن تعجيل الوقوف بعد تعجيل الصلاة والفراغ منها سنة أيضا ومعلوم أنه من عجل الصلاة عجل الوقوف لأنه بإثرها متصل بها باب الصلاة بمنى يوم التروية والجمعة بمنى وعرفة مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ثم يغدو إذا طلعت الشمس إلى عرفة قال أبو عمر أما صلاته يوم التروية بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح فكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي سنة معمول بها عند الجميع مستحبة ولا شيء عندهم على تاركها إذا شهد عرفة في وقتها أما غدوه منها إلى عرفة حين تطلع الشمس فحسن وليس في ذلك عند أهل العلم حد وحسب الحاج البائت بمنى ليلة عرفة ألا تزول له الشمس يوم عرفة إلا بعرفة قال مالك والأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن الإمام لا يجهر بالقرآن في الظهر يوم عرفة وإنه يخطب الناس يوم عرفة وأن الصلاة يوم عرفة إنما هي ظهر وأن وافقت الجمعة فإنما هي ظهر ولكنها قصرت من أجل السفر قال مالك في إمام الحاج إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة أو يوم النحر أو بعض أيام التشريق إنه لا يجمع في شيء من تلك الأيام قال أبو عمر أجمعوا على أنه لا يجهر الإمام بالقراءة في الصلاة بعرفة يوم عرفة وأجمعوا على أن الإمام لو صلى بعرفة يوم عرفة بغير خطبة أن صلاته جائزة واختلفوا في وجوب الجمعة بعرفة ومنى فقال مالك لا تجب الجمعة بعرفة ولا بمنى أيام الحج لا على أهل مكة ولا على غيرهم إلا أن يكون الإمام من أهل عرفة فيجمع بعرفة

وقال الشافعي لا تجب الجمعة بعرفة إلا أن يكون فيها من أهلها أربعون رجلا فيجوز حينئذ أن يصلي بهم الإمام الجمعة يعني إن كان من أهلها أو كان مكيا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا كان الإمام أمير الحاج ممن لا يقضي الصلاة بمنى ولا بعرفة فعليه أن يصلي بهم الجمعة بمنى وبعرفة في يوم الجمعة وقال محمد بن الحسن لا جمعة بمنى ولا بعرفات وقال أبو ثور إذا كان الإمام من أهل مكة جمع يوم الجمعة بعرفة وقال أحمد بن حنبل إذا كان والي مكة بمكة جمع بها وقال عطاء يجمع بمكة إمامهم ويخطب وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء قال لا يرفع الصوت بالقراءة يوم عرفة إلا أن يوافق يوم جمعة فيرفع صوته قال وأخبرنا معمر قال قيل للزهري إنه وافق يوم جمعة يوم عرفة فلم يدر هشام بن عبد الملك أيجهر بالقراءة أم لا فقال الزهري أما كان أحد يخبرهم أنه ليس ثم جمعة وإنما هم سفر قال وأخبرنا بن جريج قال حضرت يوم عرفة وذلك يوم جمعة فصلى له إبراهيم بن هشام فجهر بالقراءة فسبح سالم بن عبد الله من ورائه فنظر إليه إبراهيم فأومأ إليه سالم أن اسكت فسكت قال أبو عمر حجة من قال لا جمعة بعرفة ولا بمنى أنهما ليستا بمصر وإنما الجمعة على أهل الأمصار وحجة من قال بقول مالك أن أهل مكة لما كان عليهم أن يقصروا بمنى وعرفة عنده كانوا بمنزلة المسافرين ولا جمعة على مسافر لا في يوم النحر ولا في غيره وهذا إنما يخرج على إمام قادم مكة من غيرها مسافر فإن كان من أهلها فكما قال عطاء وبالله التوفيق باب صلاة المزدلفة مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن

عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى بن عباس عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال فتوضأ فلم يسبغ الوضوء فقلت له الصلاة يا رسول الله فقال الصلاة أمامك فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئا مالك عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت الأنصاري أن عبد الله بن يزيد الخطمي أخبره أن أبا أيوب الأنصاري أخبره أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا قال أبو عمر أجمع العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع من عرفة في حجته بعد ما غربت الشمس يوم عرفة أخر صلاة المغرب ذلك الوقت فلم يصلها حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء جمع بينهما بعد ما غاب الشفق وأجمعوا أن ذلك من سنة الحاج كلهم في ذلك الموضع

واختلفوا في كيفية الأذان والإقامة لتلك الصلاتين بها فقال مالك يجمع بينهما ويؤذن ويقيم لكل واحدة منهما وقال الثوري يصليهما بإقامة واحدة لا يفصل بينهما وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يصلي المغرب بأذان وإقامة ويصلي العشاء بإقامة وبه قال أبو ثور وقال الشافعي يصليهما بإقامة إقامة وقال بن القاسم قال لي مالك كل صلاة إلى الأئمة فلكل صلاة أذان وإقامة قال أبو عمر لا أعلم الحجة لمالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الصلاتين بالمزدلفة وقتا واحدا سن ذلك لهما وإذا كان وقتهما واحدا لم تكن واحدة منهما أولى بالأذان والإقامة من صاحبتها لأن كل واحدة منهما تصلى في وقتها وقد أجمعوا أن الصلاة إذا صليت في جماعة لوقتها أن من سنتها الأذان لها كما تقدم حدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني أحمد بن سعيد قال سمعت أحمد بن خالد يعجب من مالك في هذا الباب إذ أخذ بحديث بن مسعود ولم يروه وترك الأحاديث التي روى قال أبو عمر لا أعلم مالكا روى في ذلك حديثا فيه ذكر أذان ولا إقامة وأعجب منه ما عجب منه أحمد أن أبا حنيفة وأصحابه لا يعدلون بابن مسعود واحدا وخالفوه في هذه المسألة وأخذوا بحديث جابر وهو حديث مديني لم يرووه فقالو ا به وتركوا أحاديث أهل الكوفة في ذلك وحجة من قال بقول الثوري أنهما تصليان جميعا بإقامة واحدة ما رواه شعبة عن الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل قالا صلى بنا سعيد بن جبير بالمزدلفة المغرب ثلاثا بإقامة فلما سلم صلى ركعتين ثم حدث عن بن عمر أنه صنع في ذلك المكان بمثل ذلك وحدث بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع بهم في ذلك المكان مثل ذلك وروى الثوري عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن بن عمر قال

جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجمع فصلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة والثوري وشعبة أيضا عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مالك قال صليت مع بن عمر المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بالمزدلفة بإقامة واحدة قال فقلت ما هذه الصلاة يا أبا عبد الرحمن قال صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان بإقامة واحدة وفي هذا آثار كثيرة قد ذكرناها في التمهيد روي مثل ذلك من حديث أبي أيوب الأنصاري ومن حديث البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم وحجة من قال بقول أبي حنيفة أنهما تصليان بأذانين وإقامتين حديث جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما كذلك قالوا وإن كان قصر بعض من نقل حديث جابر هذا بالمزدلفة فلم تختلف الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصلاتين بعرفة بأذان واحد وإقامتين والقياس أن تكونا كذلك بالمزدلفة عند الاختلاف في ذلك ومن حجة من قال بقول الشافعي أنهما تصليان بالمزدلفة بإقامتين إقامة لكل واحدة منهما حديث بن شهاب عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمزدلفة المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة لكل واحدة منهما ولم يصل بينهما شيئا هكذا رواه جماعة عن بن شهاب منهم الليث بن سعد وبن أبي ذئب ولم يحفظ ذلك معمر حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد عن بن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بجمع بإقامة إقامة لم يسبح بينهما ولا على إثر واحدة منهما

قال أبو عمر هذا أصح عندي عن بن عمر في هذا الباب والله أعلم وبه قال سالم والقاسم وإليه ذهب إسحاق بن راهويه وكان أحمد يقول في ذلك بحديث جابر أذان وإقامتين ثم رجع إلى هذا وفي هذه المسألة قول حسن قالت به طائفة من أهل العلم قالوا يصلي الصلاتين بالمزدلفة بأذان واحد وإقامة واحدة واحتجوا برواية هشيم عن يونس بن عبيد عن سعيد بن جبير عن بن عمر أنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامة واحدة ولم يجعل بينهما شيئا وقال مثله مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث خزيمة بن ثابت وليس بالقوي وتحمل هؤلاء وغيرهم ممن ذهب مذهب الكوفيين في هذا الباب فيما روي عن عمر بن الخطاب أنه صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذانين وإقامتين وعن بن مسعود مثل ذلك قالوا إنما أمر عمر رضي الله عنه بالأذان في الثانية بعد أن صلى الأولى بأذان وإقامة لأن الناس كانوا قد تفرقوا لعشائهم فأذن ليجمعوهم ثم أقام قالوا وكذلك نقول إذا تفرق الناس عن الإمام لعشائهم أو غيره أمر الإمام المؤذنين فأذنوا ليجتمع الناس قالوا وهو معنى ما روي عن بن مسعود واختلفوا فيمن صلى الصلاتين المذكورتين قبل أن يصل إلى المزدلفة فقال مالك لا يصليهما أحد قبل جمع إلا من عذر فإن صلاهما من غير عذر لم يجمع بينهما حتى يغيب الشفق وقال الثوري لا يصليهما حتى يأتي جمعا وله السعة في ذلك إلى نصف الليل فإن صلاهما دون جمع عاد واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم حين قيل له الصلاة قال الصلاة أمامك يعني بالمزدلفة ومذهب أبي حنيفة في ذلك نحو قول الثوري وقال أبو حنيفة إن صلاهما قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الإعادة وسواء صلاهما قبل مغيب الشفق أو بعده عليه أن يعيدهما إذا أتى المزدلفة

وروي عن جابر بن عبد الله لا صلاة إلا بجمع واختلف عن أبي يوسف وأحمد فروي عنهما مثل ذلك وروي عنهما أن من صلاهما بعرفات أجزاه قال أبو عمر قاس من قال بهذا صلاة جمع على صلاة عرفة لأنهما تصليان في أول وقت الأولى منهما وعلى قول الشافعي لا ينبغي أن يصليهما قبل جمع فإن فعل أجزاه وبه قال أبو ثور وأحمد وإسحاق وروي ذلك عن عطاء وعروة وسالم وسعيد بن جبير وأما حديث موسى بن عقبة عن كريب في هذا الباب فقد ذكرنا الاختلاف في إسناده على مالك وعلى موسى بن عقبة وعلى إبراهيم بن عقبة أيضا في التمهيد وهو مع ذلك حديث صحيح عند جميعهم وفيه من الفقه الوقوف بعرفة على ما ذكرناه من سنته فيما تقدم من كتابنا هذا والدفع منها بعد غروب الشمس على ما وصفنا أيضا وأما قوله فيه فنزل فبال فتوضأ فلم يسبغ الوضوء فقيل إنه استنجى بالماء ولم يتوضأ للصلاة وقيل إنه توضأ وضوءا خفيفا ليس بالبالغ وقيل إنه توضأ على بعض أعضاء الوضوء كوضوء بن عمر عند النوم والذي تعضده الأصول أنه استنجى ولم يتوضأ لأنه محال أن يشتغل في ذلك الوقت بما لا معنى له في شريعته ويدع العمل في نهوضه إلى منسك من مناسكه ألا ترى أنه لما حانت الصلاة في موضعها نزل فأسبغ الوضوء لها وقد ذكرنا في التمهيد حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بال فأتبعه عمر بكوز من ماء فلم يتوضأ به للصلاة وقال لم أومر أن أتوضأ كلما بلت وذكرنا حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الغائط فقيل له ألا تتوضأ فقال ما أصلي فأتوضأ وروي سفيان عن بن أبي نجيح قال سمعت عكرمة اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مبالا واتخذتموه مصلى يعني الشعب

وفي هذا الحديث من الفقه أن الإمام إذا دفع بالحاج والناس معه لا يصلون المغرب في تلك الليلة إلا مع العشاء بعد مغيب الشفق وقد ذكرنا ما للعلماء في ذلك كله فيما تقدم من كتابنا والحمد لله باب صلاة منى قال مالك في أهل مكة إنهم يصلون بمنى إذا حجوا ركعتين ركعتين حتى ينصرفوا إلى مكة قال أبو عمر اختلف العلماء في قصر الإمام إذا كان مكيا بمنى وعرفات أو من أهل منى بعرفات أو من أهل عرفات بمنى أو بالمزدلفة فقال مالك في الموطأ وسئل عن أهل مكة كيف صلاتهم بعرفة أركعتان أم أربع وكيف بأمير الحج إن كان من أهل مكة أيصلي الظهر والعصر بعرفة أربع ركعات أو ركعتين وكيف صلاة أهل مكة بمنى في إقامتهم فقال مالك يصلي أهل مكة بعرفة ومنى ما أقاموا بهما ركعتين ركعتين يقصرون الصلاة حتى يرجعوا إلى مكة قال وأمير الحاج أيضا إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة وأيام منى وإن كان أحد ساكنا بمنى مقيما بها فإن ذلك يتم الصلاة بمنى وإن كان أحد ساكنا بعرفة مقيما بها فإن ذلك يتم الصلاة بمنى وأن كان أحد ساكنا بعرفة مقيما بها فإن ذلك يتم الصلاة بها أيضا واحتج مالك لمذهبه في هذا الباب بما رواه عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة الرباعية بمنى ركعتين وأن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين وأن عمر بن الخطاب صلاها بمنى ركعتين شطر إمارته ثم أتمها بعد وبما رواه أيضا في هذا الباب عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب لما قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم انصرف فقال

يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ثم صلى عمر بن الخطاب ركعتين بمنى ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئا وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب صلى للناس بمكة ركعتين فلما انصرف قال يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ثم صلى عمر ركعتين بمنى ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئا قال أبو عمر وبما ذهب إليه مالك في هذا الباب قال الأوزاعي ومن حجتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يصلوا في تلك المساجد كلها إلا ركعتين وسائر الأمراء يصلون هناك إلا ركعتين فعلم أن ذلك سنة الموضع لأن من الأمراء مكيا وغير مكي وأن عبد الله بن عمر كان إذا جاوز بمكة أتم فإذا خرج إلى منى قصر وبه قال القاسم وسالم وإسحاق بن راهويه واحتجوا أيضا بما رواه يزيد بن عياض عن بن أبي نجيح أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد على مكة وأمره أن يصلي بأهل مكة ركعتين وهذا خبر عند أهل العلم بالحديث منكر لا تقوم به حجة لضعفه ونكارته وقال أبو حنيفة والثوري وأصحابهما وأبو ثور وأحمد وإسحاق وداود والطبري من كان من أهل مكة صلى بمنى وعرفة أربعا لا يجوز له غير ذلك وحجتهم أن من كان مقيما لا يجوز له أن يصلي ركعتين وكذلك من لم يكن سفره سفرا تقصر في مثله الصلاة فحكمه حكم المقيم وقد ذكرنا في كتاب الصلاة في مذاهب العلماء في المسافة التي تقصر فيها الصلاة عندهم وذكرنا مذاهبهم أيضا في قصر الصلاة هل هو فرض أم سنة وذكرنا وجوه إتمام عائشة وعثمان رضي الله عنهما في كتاب الصلاة والحمد لله باب صلاة المقيم بمكة ومنى وأما قوله في آخر الباب قال مالك من قدم مكة لهلال ذي الحجة فأهل بالحج فإنه يتم الصلاة حتى يخرج من مكة لمنى فيقصر وذلك أنه قد أجمع على مقام أكثر من أربع ليال

وهذا قد تقدم القول فيه في كتاب الصلاة باب تكبير أيام التشريق مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر حين ارتفع النهار شيئا فكبر فكبر الناس بتكبيره ثم خرج الثانية من يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبر فكبر الناس بتكبيره ثم خرج الثالثة حين زاغت الشمس فكبر فكبر الناس بتكبيره حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت فيعلم أن عمر قد خرج يرمي قال مالك الأمر عندنا أن التكبير في أيام التشريق دبر الصلوات وأول ذلك تكبير الإمام والناس معه دبر صلاة الظهر من يوم النحر وآخر ذلك تكبير الإمام والناس معه دبر صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ثم يقطع التكبير قال مالك والتكبير في أيام التشريق على الرجال والنساء من كان في جماعة أو وحده بمنى أو بالآفاق كلها واجب يعني وجوب سنة وإنما يأتم الناس في ذلك بإمام الحاج وبالناس بمنى يعني أنهم يأتمون بهم في رمي الجمار والتكبير لأنهم إذا رجعوا وانقضى الإحرام ائتموا بهم حتى يكونوا مثلهم في الحل فأما من لم يكن حاجا فإنه لا يأتم بهم إلا في تكبير أيام التشريق يريد من أهل الآفاق كلهم ومن فاته الحج وأقام بمكة أيام منى قال أبو عمر تكبير عمر رضي الله عنه المذكور هو تكبيره عند رمي الجمار يوم النحر وأيام التشريق وأما التكبير دبر الصلوات فقد ذكرناه في بابه من صلاة العيدين في كتاب الصلاة وذكرنا اختلاف الفقهاء في ذلك والمأثور فيه عن عمر ما ذكره عبد الرزاق قال أخبرنا بن التيمي وهشيم عن الحجاج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عمر أنه كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق قال وأخبرنا بن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت عبيد بن عمير يقول كان عمر يكبر في قبته بمنى فكبر أهل المسجد ويكبر أهل الأسواق فيملأون منى تكبيرا

قال أبو عمر هذا عندهم من معنى قول الله تعالى ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون البقرة عبد الرزاق قال أخبرنا بن أبي رواد عن نافع عن بن عمر أنه كان يكبر ثلاثا وراء الصلوات بمنى ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير قال وأخبرنا الثوري عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي وعن أبي إسحاق عن الأسود عن بن مسعود أنهما كانا يكبران من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق وأخبرنا معمر عن الزهري وأخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير قالا التكبير من صلاة الظهر يوم عرفة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق وعن بن عباس وزيد بن ثابت مثله قال وأخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول التكبير من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر يوم النفر الأول وقد ذكرنا أقاويل الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار بالتكبير في أيام التشريق في موضعه من كتاب الصلاة في العيدين وأما كيفية التكبير فالذي صح عن عمر وبن عمر وعلي وبن مسعود أنه ثلاث ثلاث الله أكبر الله أكبر الله أكبر وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في ذلك أيضا وكل ذلك واسع ومسائل التكبير خلف الصلاة المكتوبة وغيرها للرجال والنساء والمسافر والمقيم كل ذلك مذكور في باب العيدين من كتاب الصلاة بما للعلماء فيه من المذاهب والحمد لله وأما قول مالك في آخر هذا الباب الأيام المعدودات أيام التشريق فذلك إجماع لا خلاف فيه وكذلك لا خلاف أنها ثلاثة أيام بعد يوم النحر وإنما اختلفوا في المعلومات أيام الذبح وسيأتي ذلك في موضع من كتاب الضحايا إن شاء الله وللأيام المعدودات ثلاثة أسماء هي أيام منى وهي الأيام المعدودات وهي أيام التشريق وفي المعنى الذي سميت له أيام التشريق ثلاثة أقوال أحدها أنها سميت بذلك لأن الذبح فيها يكون بعد شروق الشمس وهذا يشبه

مذهب من لم يجز الذبح بالليل منهم مالك رحمه الله وسيأتي الاختلاف في ذلك في كتاب الضحايا إن شاء الله والثاني أنها سميت بذلك لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الضحايا والهدايا المتطوع بها إذا قددت وهذا قول جماعة منهم قتادة والثالث أنها سميت كذلك لأنهم كانوا يشرقون فيها للشمس في غير بيوت ولا أبنية للحج هذا قول أبي جعفر محمد بن علي وجماعة أيضا وقد مضى القول أن لفظ التشريق مأخوذ من قولهم أشرق ثبير كيما نغير وهذا إنما يعرفه أهل العلم من السلف العالمين باللسان وليس له معنى يصح عند أهل الفهم والعلم بهذا الشأن ولا خلاف أن أيام منى ثلاثة أيام وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قالا حدثني سفيان قال حدثني الثوري وكان أجود حديث يرويه هذا قال سمعت بكير بن عطاء الليثي يقول سمعت عبد الرحمن بن يعمر الديلي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحج عرفات من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه هذا حديث أشرف ولا أحسن من هذا رواه بن عيينة عن الثوري باب صلاة المعرس والمحصب مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها

قال نافع وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك قال أبو عمر رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يتركون الأبطح وروى معمر عن الزهري عن سالم أن أبا بكر وعمر وبن عمر كانوا ينزلون الأبطح وعن الزهري عن عروة عن عائشة أنها لم تكن تفعل ذلك وقالت إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان منزلا أسمح لخروجه وروى بن عيينة عن صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار عن أبي رافع قال لم يأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح ولكن أتيته فضربت به قبة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فنزل الأبطح فنزلت قال أبو عمر هذا عند مالك وجماعة من أهل العلم مستحب إلا أنه عند مالك والحجازيين أؤكد منه عند الكوفيين والكل يجمع على أنه ليس من مناسك الحج وانه ليس على تاركه فدية ولا دم وهذه البطحة المذكورة في هذا الحديث هي المعروفة عند أهل المدينة وغيرهم بالمعرس قال مالك في الموطأ بعد ذكره حديث بن عمر المذكور في هذا الباب لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس إذا قفل حتى يصلي فيه وإن مر به في غير

وقت صلاة فليقم حتى تحل الصلاة ثم صلى ما بدا له لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس به وأن عبد الله بن عمر أناخ به واستحبه الشافعي ولم يأمر به قال وقال أبو حنيفة من مر من المعرس من ذي الحليفة راجعا من مكة فإن أحب أن يعرس به حتى يصلي فعل وليس ذلك عليه وقال محمد بن الحسن هو عندنا من المنازل التي نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة وبلغنا أن بن عمر كان يتبع آثاره وكذلك ينزل بالمعرس لأنه كان يراه واجبا ولا سنة على الناس قال ولو كان واجبا أو سنة من سنن الحج لكان سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقفون به وينزلون ويصلون ولم يكن بن عمر ينفرد بذلك دونهم وقال إسماعيل بن إسحاق ليس نزوله صلى الله عليه وسلم بالمعرس كسائر منازل طرق مكة لأنه كان يصلي الفريضة حيث أمكنه والمعرس إنما كان صلى فيه نافلة قال ولا وجه لتزهيد الناس في الخير قال ولو كان المعرس كسائر المنازل ما أنكر بن عمر على نافع تأخره عنه وذكر حديث موسى بن عقبة عن نافع أن بن عمر سبقه إلى المعرس فأبطأ عليه فقال له ما حبسك فذكر عذرا قال ظننت أنك أخرت الطريق ولو فعلت لأوجعتك ضربا وذكر حديث موسى أيضا عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المعرس من ذي الحليفة في بطن الوادي فقيل له إنك في بطحاء مباركة قال أبو عمر وأما المحصب فهو موضع بين مكة ومنى وهو أقرب إلى منى نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف بالمحصب ويعرف أيضا بالبطحاء وهو خيف بني كنانة المذكور في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أراد أن ينفذ من منى نحن نازلون غدا أن شاء الله بخيف بني كنانة يعني المحصب وذلك أن بني كنانة تقاسموا على بني هاشم وبني عبد المطلب وذكر الحديث وفي حديث أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث

تقاسمت قريش على الكفر يعني المحصب وروى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصب ثم يدخل مكة من الليل فيطوف بالبيت ورواه أيوب عن نافع عن بن عمر مرفوعا أيضا وأيوب أيضا وحميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن بن عمر مرفوعا وآثار هذا الباب كلها مذكورة في التمهيد وروى الثوري قال أخبرني واصل الأحدب قال سمعت المعرور بن سويد يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول حصبوا يعني المحصب وبن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن بن عباس أنه كان لا يرى المحصب شيئا ويقول إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معمر وعن الزهري وهشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يحصب وعن هشام عن فاطمة عن أسماء أنها كانت لا تحصب والثوري عن منصور عن إبرهيم أنه كان يستحب أن ينام بالمحصب يومه فقيل لإبراهيم إن سعيد بن جبير لا يفعله قال قد كان يفعله ثم بدا له والدليل أيضا على أن المحصب هو خيف منى والخيف الوادي في قول الشافعي رحمه الله وهو مكي عالم بمكة وأجوارها ومنى وأقطارها شعر يا راكبا قف بالمحصب من منى وانهض بباطن خيفها والباهم وقال عمر بن أبي ربيعة نظرت إليها بالمحصب من منى ولي نظر لولا التحرج عارم

وقال الفرزدق هموا اسمعوا يوم المحصب من منى ندائي إذا التفت رفاق المواسم باب البيتوتة بمكة ليالي منى مالك عن نافع أنه قال زعموا أن عمر بن الخطاب كان يبعث رجالا يدخلون الناس من وراء العقبة مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال لا يبيتن أحد من الحاج ليالي منى من وراء العقبة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في البيتوتة بمكة ليالي منى لا يبيتن أحد إلا بمنى قال أبو عمر على ما روي عن عمر في هذا الباب أكثر الناس وفيه حديث مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يبيتن أحد إلا بمنى حتى يتم حجه ولا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء والله أعلم وأحسن شيء فيه ما روي عن بن عمر أنه قد بات رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى وصلى وكان بن عباس رضي الله عنه يرخص في المبيت بمكة ليالي منى ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن عيينة عن بن دينار عن عكرمة عن بن عباس قال لا بأس أن يبيت الرجل بمكة ليالي منى ويظل إلى رمي الجمار وعن بن عيينة عن بن جريج أو غيره عن عطاء عن بن عباس مثله قال وأخبرنا معمر عن الزهري قال إذا بات بمكة ليالي منى فعليه دم قال وأخبرنا بن جريج عن عطاء قال إذا بات بمكة لغير ضرورة فليهرق دما وقال عبد الرزاق قلت للثوري ما على من بات بمكة ليلا أو ليالي منى قال لم يبلغني فيه شيء أحفظه الآن قال أبو عمر لا خلاف علمته بين العلماء أن من سنن الحج المبيت بمنى ليالي

التشريق لكل حج إلا من ولي السقاية من آل العباس بن عبد المطلب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لهم في المبيت بمكة من أجل سقايتهم وأرخص لرعاء الإبل في ذلك على ما يأتي ذكره بعد إن شاء الله أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني محمد بن بكر بن داسة قال حدثني أبو داود قال حدثني عثمان بن أبي شيبة قال حدثني بن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر قال استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقاية الحاج فأذن له وحدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عيسى قال أخبرنا عبيد الله عن نافع عن بن عمر قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته قال أبو عمر حديث بن عمر هذا ثابت عند أهل العلم بالحديث وفيه دليل على أن المبيت بمنى ليالي منى من سنن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خص بالرخصة عمه دون غيره من أجل السقاية وكانت له في الجاهلية مكرمة يسقي الناس نبيذ التمر في الموسم فأقر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر محمد بن أبي عمر العدني عن سفيان عن بن طاوس قال كان أبي يقول شرب نبيذ السقاية من تمام الحج وروى بن جريج عن نافع أن بن عمر لم يكن يشرب من النبيذ ولا من زمزم قط يعني في الحج وقال دارم بن عبد الرحمن سألت عطاء عن النبيذ فقال كل مسكر حرام فقلت يا بن أم رباح أتزعم أنهم يسقون الحرام في المسجد الحرام فقال يا بن أخي والله لقد أدركت هذا الشراب وإن الرجل ليشرب فتلتزق شفتاه من حلاوته قال فلما ذهبت النخوة وولي السفهاء تهاونوا بالشراب واستخفوا به وأما ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس سقايات زمزم فأشهر من أن تذكر وقال عطاء كان بن عباس يأتي منى كل يوم عند زوال الشمس يرمي

الجمار ثم يرجع إلى مكة فيبيت بها لأنه كان من أهل السقاية واختلف الفقهاء في حكم من بات بمكة من غير أهل السقاية فقال مالك من بات ليلة من ليالي منى فعليه دم وقال الشافعي لا رخصة في ترك المبيت بمنى إلا لرعاة الإبل وأهل سقاية العباس دون غير هؤلاء وسواء من استعملوا عليها منهم أو من غيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص لأهل السقاية من أهل بيته أن يبيتوا بمكة ليالي منى وقال الشافعي إن غفل أحد فبات بغير منى ولم يكن من أهل السقاية أحببت أن يطعم عن الليلة مسكينا فإن بات ليالي منى كلها أحببت أن يهريق دما وقال أصحاب الشافعي له في هذه المسألة قولان أحدهما أنه إن بان عنها ليلة تصدق بدرهم وإن بان عنها ليلتين تصدق بدرهمين وإن بان عنها ثلاث ليال كان عليه دم والثاني أن عليه لكل ليلة مدا من طعام إلى ثلاث ليال فإن تمت الثلاث فعليه دم وقال أبو حنيفة وأبو محمد إن كان يأتي منى فيرمي الجمار ثم يبيت بمكة فلا شيء عليه وهو قول الحسن البصري وقال أبو ثور إن بات ليالي منى بمكة فعليه دم وهو قول أحمد وإسحاق قال أبو عمر من لم ير عليه شيئا قال لو كانت سنة ما سقطت عن الناس وإنما هو استحباب وحسبه إذا رمى الجمار في وقتها وعلة من رأى الدم في ذلك أنها سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ورخص لأهل السقاية دون غيرهم باب رمي الجمار قال أبو عمر الجمار الأحجار الصغار ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من استجمر فليوتر أي من تمسح بالأحجار

ومنه الجمار التي ترمى بعرفة يوم النحر وسائر الجمار ترمى أيام التشريق وهي أيام منى قال بن الأنباري الجمار هي الأحجار الصغار يقال جمر الرجل يجمر تجميرا إذا رمى جمار مكة وأنشد قول عمر بن أبي ربيعة فلم أر كالتجمير منظر ناظر ولا كليالي الحج أفلتن ذا هوى قال أبو عمر ويروى أفلتن ذا هوى وهي أبيات لعمر بن أبي ربيعة وقد أمر بنفيه عن مكة من أجلها سليمان بن عبد الملك فقال له يا أمير المؤمنين إني أتوب إلى الله عز وجل ولا أعود إلى أن أقول في النساء شعرا أبدا وأنا أعاهد الله على ذلك فخلى سبيله ونفى الأحوص ولم يشفع فيه الذين شفعوا فيه من الأنصار وقال لا أرده إلى وطنه ما كان لي سلطان فإنه فاسق مجاهر وأبيات عمر التي منها البيت المذكور قوله وكم من قتيل لا يباء به دم ومن غلق رهنا إذا ضمه منى ومن مالى ء عينيه من شيء غيره إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى يسحبن أذيال المروط بأسوق خدال وأعجاز مآكمها روى أوانس يسلبن الحليم فؤاده فيا طول ما شوق ويا حسن مجتلى مع الليل قصرا رميها بأكفها ثلاث أسابيع تعد من الحصى فلم أر كالتجمير منظر ناظر ولا كليالي الحج أفلتن ذا هوى وقوله لا يباء به أي يسفك دم ثأرا وبدلا من دم مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كان يقف عند الجمرتين الأوليين وقوفا طويلا حتى يمل القائم

مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقف عند الجمرتين الأوليين وقوفا طويلا يكبر الله ويسبحه ويحمده ويدعو الله ولا يقف عند جمرة العقبة قال أبو عمر فعل عمر بن الخطاب هذا في بلاغ مالك عنه قد روي عنه مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي ذلك المعنى عن عمر متصلا أيضا وأما الحديث المسند في ذلك فحدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا العباس بن عبد العظيم قال حدثني عثمان بن عمر قال حدثني عثمان عن الزهري قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمرة التي تلي مسجد منى رمى بسبع حصيات يكبر كلما رمي بحصاة ثم يتقدم أمامها فيقف مستقبل البيت رافعا يديه يدعو يطيل الوقوف ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة ثم يكبر ذات الشمال فيقف مستقبل البيت رافعا يديه يدعو ثم يأتي الجمرة التي في العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة ثم ينصرف فلا يقف عندها قال الزهري سمعت سالما يحدث بهذا عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان بن عمر يفعله قال أبو عمر روى هذا الحديث معمر عن الزهري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رمى الجمرتين وقف عندهما ورفع يديه ولا يفعل ذلك في الجمرة الثانية وكان إذا رمى الثالثة انصرف مرسلا هكذا ولم يسنده وقد روت عائشة رضي الله عنها هذا المعنى عنه صلى الله عليه وسلم حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني علي بن بكر وعبد الله بن سعيد المعنى قالا حدثني أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن قاسم عن أبيه عن

عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى والثانية ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها وأما حديث عمر فذكره عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني هارون بن أبي عائشة عن عدي بن عدي عن سلمان بن ربيعة قال نظرنا عمر بن الخطاب يوم النفر الأول فخرج علينا وهو يحسها في يده حصيات وفي حجزته حصاة ماشيا يكبر في طريقه حتى رمى الجمرة ثم مضى حتى انقطع حيث لا يصيبه الحصا فدعا ساعة ثم مضى إلى الجمرة الوسطى ثم مضى حتى انقطع حيث لا يصيبه الحصا ثم للأخرى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يكبر عند رمي الجمرة كلما رمى بحصاة قال أبو عمر قوله عن بن عمر ثم يقف عند الجمرتين يعني من الثلاث التي ترمى أيام التشريق وهي ثلاث جمرات كل جمرة منها ترمى بسبع حصيات ترمى الأولى منها وهي التي عند المسجد فإذا أكمل رميها بسبع حصيات تقدم أمامها فوقف طويلا للدعاء بما تيسر ثم يرمي الثانية وهي الوسطى وينصرف عنها ذات الشمال في بطن المسيل ويطيل الوقوف عندها للدعاء ثم يرمي الثالثة عند العقبة حيث رمى يوم النحر جمرة العقبة بسبع حصيات يرميها من أسفلها ولا يقف عندها ولو رماها من فوقها أجزاه ويكبر في ذلك كله كل حصاة يرميها والوقوف عند الجمرتين دون الثالثة معمول بها عند العلماء من نحو ما فيها ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر وبن عيينة عن عمرو بن دينار قال رأيت بن عمر يرمي الجمار حين تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر فيقف عند الجمرتين وقوفا طويلا رمى الجمرة الأولى وقام أمامها قياما طويلا ثم رمى الجمرة الثانية وقام عند شمالها قياما طويلا ثم رمى الثالثة ولم يقف عندها وعن بن عباس مثل ذلك

قال وأخبرنا معمر والثوري عن عاصم الأحول عن أبي مجلز قال كان بن عمر يستر ظله ثلاثة أشبار ثم يرمي وقام عند الجمرتين قدر سورة يوسف قال أبو عمر قد روي عنه قدر سورة البقرة ولا توقيت في ذلك عند الفقهاء وإنما هو ذكر ودعاء كان بن عمر يكبر مع كل حصاة وقد روي عنه أنه كان يقول حين يرمي الجمرة اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وعن إبراهيم النخعي مثله وعن القاسم بن محمد أنه كان يقول إذا رمى اللهم لك الحمد ولك الشكر وعن علي رضي الله عنه أنه كان يقول كلما رمى حصاة اللهم اهدني بالهدى وقني بالتقوى واجعل الآخرة خيرا لي من الأولى قال أبو عمر فإن لم يقف بها ولم يدع فلا حرج إن شاء الله عند أكثر العلماء وقال بعضهم عليه دم وقال الثوري ويستحبون أن يستقبل في الدعاء عند الجمرتين مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقول الحصى التي يرمى بها الجمار مثل حصى الخذف قال مالك وأكبر من ذلك قليلا أعجب إلي قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه من حديث جابر بن عبد الله وبن عباس وحديث عمرو بن الأحوص وحديث رجل من بني تيم قرشي يختلف في اسمه أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمار بمثل حصى الخذف وأما حديث جابر فحدثناه محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن معاوية قال حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني محمد بن بشار قال حدثني يحيى القطان قال حدثني بن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار بمثل حصى الخذف وأما حديث بن عباس فحدثني محمد بن إبراهيم قال حدثني محمد بن

معاوية قال حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثني بن علية قال حدثني عوف قال حدثني زيد بن حصين قال عن أبي العالية قال قال بن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته هات القط لي فلقطت له حصيات هن حصى الخذف فلما وضعتهن في يده قال بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين وأما حديث عمرو بن الأحوص فحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني أحمد بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن يزيد بن أبي زياد قال أخبرني سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر من بطن الوادي وهو على بغلته وهو يقول يا أيها الناس عليكم السكينة لا يقتل بعضكم بعضا وإذا رميتم الجمرة بمنى فارموها بمثل حصى الخذف قال أبو عمر هذا هو المستحب عند جماعة أهل العلم وقد أنكر الشافعي على مالك رحمة الله عليهما قوله وأكبر من ذلك قليلا أعجب إلي مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول من غربت له الشمس من أوسط أيام التشريق وهو بمنى فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد قال أبو عمر إنما قال ذلك لأن من غربت له الشمس بمنى لزمه المبيت بها على سنته فإذا أصبح من اليوم الثالث لم ينتظر حتى يرمي لأنه ممن تعجل في يومين فإن أقام حتى تزول الشمس رمى الرمي على سنته في تلك الأيام وقد رخص له أن يرمي في الثالث ضحى وينفر ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن بن أبي مليكة قال رأيت بن عباس يرمي مع الظهيرة أو قبلها ثم يصدر قال وأخبرنا معمر عن أبيه قال لا بأس بالرمي يوم النفر ضحى

مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن الناس كانوا إذا رموا الجمار مشوا ذاهبين وراجعين وأول من ركب معاوية بن أبي سفيان قال أبو عمر رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام التشريق الجمار ماشيا وفعل ذلك جماعة الخلفاء بعده وعليه العمل عند العلماء وحسبك وما حكاه القاسم بن محمد عن جماعة الناس في ذلك لا يختلفون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة راكبا ورمى الجمار ماشيا وذلك أفضل عند الجميع فمن وقف راجلا بعرفة أو رمى الجمار راكبا فلا أعلم أحدا أوجب عليه شيئا ولما قال القاسم إن أول من فعل ذلك معاوية دل على أن غيره فعل ذلك بعده وإن كان ذلك لم يحمد له والله أعلم وأما جمرة العقبة فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رماها راكبا ليرى الناس كيف الرمي وذلك محفوظ في حديث جابر وكان بن عمر يرمي جمرة يوم النحر راكبا ويرمي سائر الجمار أيام التشريق ماشيا مالك أنه سأل عبد الرحمن بن القاسم من أين كان القاسم يرمي جمرة العقبة فقال من حيث تيسر قال أبو عمر يعني من حيث تيسر من العقبة من أسفلها أو من أعلاها أو وسطها كل ذلك واسع والموضع المختار منها بطن الوادي لحديث عبد الله بن مسعود أنه قيل له إن ناسا يرمون الجمرة من فوقها فاستبطن الوادي ثم قال من ها هنا والذي لا إله غيره رماها الذي أنزلت عليه سورة البقرة وقد أجمعوا أنه إن رماها من فوق الوادي أو أسفله أو ما فوقه أو أمامه فقد جزى عنه

وقالوا إذا وقعت الحصاة من العقبة أجزى وإن لم تقع فيها ولا قريبا منها أعاد الرمي ولم يجزه سئل مالك هل يرمى عن الصبي والمريض فقال نعم ويتحرى المريض حين يرمى عنه فيكبر وهو في منزله ويهريق دما فإن صح المريض في أيام التشريق رمى الذي رمي عنه وأهدى وجوبا لا يختلفون أنه من لا يستطيع الرمي لعذر رمي عنه وإن كبر كما قال مالك فحسن ولو قدر أن يحمل حتى إذا قرب من الجمار وضع الحصى من يده ثم رمى كان حسنا فإن لم يقدر رمى عنه غيره وأجزى عنه بإجماع واختلفوا فيما يلزمه إن صح في أيام الرمي وقد كان رمي عنه بعض أيام الرمي فقال مالك ما تقدم ذكره عنه في موطئه والهدي الذي يلزمه عنده لا بد أن يخرج به إلى الحل ثم يدخله الحرم فيذبحه ويطعمه المساكين أو يشتريه في الحل فيدخله وقال الشافعي إذا صح في أيام الرمي رمى عن نفسه ما رمي عنه وإن مضت أيام الرمي فلا شيء عليه قال فإن لم يرم عن الصبي حتى تمضي أيام الرمي أهريق عن كل واحد منهما دم وقال أبو ثور في ذلك كله مثل قول الشافعي وقال أبو حنيفة إن لم يرم عن الصبي حتى مضت أيام الرمي لم يكن عليه شيء وإن رمى عن المجنون والمريض والمغمى عليه جزى ذلك عنهم قال أبو عمر أجمعوا على أنه إن لم يكبر المريض إذا رمي عنه ولا كبر الصحيح أيضا عند الرمي أنه لا شيء عليه قال مالك لا أرى على الذي يرمي الجمار أو يسعى بين الصفا والمروة وهو متوضئ إعادة ولكن لا يتعمد ذلك قال أبو عمر لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة إذ حاضت افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ولم يستثن على الحائض شيئا غير الطواف

بالبيت دل على أن ما عداه جائز أن يعمل على غير طهارة لأن كل ما تصنعه الحائض كان لمن كان على غير طهارة أن يصنعه إلا أن عمل ذلك على طهارة أفضل لا يختلفون في ذلك لمن قدر على الطهارة وأما الحائض فلا تقدر على الطهارة ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء قال لا ترمى الجمار إلا على طهور فإن فعل جزى عنه قال وأخبرنا معمر عن الزهري قال لا تغسل الجمار إلا أن يصيبها قذر مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا ترمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس قال أبو عمر هذه سنة الرمي في أيام التشريق عند الجميع لا يختلفون في ذلك واختلفوا إذا رماها قبل الزوال في أيام التشريق فقال جمهور العلماء من رماها قبل الزوال أعاد رميها بعد الزوال وهو قول مالك والشافعي وأصحابهما والثوري وأحمد وأبي ثور وإسحاق وروي عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها باب الرخصة في رمي الجمار مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه أن أبا البداح بن عاصم بن عدي أخبره عن أبيه أن رسول الله أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر

مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح أنه سمعه يذكر أنه أرخص للرعاء أن يرموا بالليل يقول في الزمان الأول قال مالك تفسير الحديث الذي أرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في تأخير رمي الجمار فيما نرى والله أعلم أنهم يرمون يوم النحر فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر رموا من الغد وذلك يوم النفر الأول فيرمون لليوم الذي مضى ثم يرمون ليومهم ذلك لأنه لا يقضي أحد شيئا حتى يجب عليه فإذا وجب عليه ومضى كان القضاء بعد ذلك فإن بدا لهم النفر فقد فرغوا وإن أقاموا إلى الغد رموا مع الناس يوم النفر الآخر ونفروا قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد ما ذكره أحمد بن خالد عن يحيى بن يحيى في حديث أبي البداح أنه قال فيه عن أبي البداح عاصم بن عدي وتكلمنا في ذلك بما حضرنا والذي عندنا في رواية يحيى أنه كما رواه غيره سواء عن أبي البداح بن عاصم بن عدي وهو الصحيح وقد ذكرنا شواهده في التمهيد وقد روى هذا الحديث يحيى القطان عن مالك بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص للرعاء في البيتوتة يرمون يوم النحر واليومين بعده يجمعونهما في آخرهما لم يذكر البيتوتة عن منى ومعلوم أنه إنما رخص لهم في البيتوتة عن منى هم وكل من ولي السقاية من آل العباس وظاهر حديث يحيى بن سعيد القطان عن مالك أنه رخص للرعاء في دمج يومين في يوم واحد فرموا ذلك أو أجزوه ومالك لا يرى لهم التقديم إنما يرى لهم تأخير رمي اليوم الثاني إلى الثالث ثم يرمون في اليومين لأنه لا يقضى عليه شيء من ذلك حتى يجب فيقضى فيه ومن حجته ما رواه بن جريج عن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر ثم يدعوا يوما وليلة ثم يرمون من الغد يعني يرمون اليوم الذي غابوا

عنه من منى ثم يرمون عن يومهم الذي أتوا فيه من رعيهم قال أبو عمر وقال غير مالك لا بأس بذلك كله لأنها رخصة رخص لهم فيها كما رخص لمن نفر وتعجل في يومين في سقوط الرمي في اليوم الثالث وعند مالك إذا رموا في اليوم الثالث وهو الثاني من أيام التشريق لذلك اليوم ولليوم الذي قبله نفروا إن شاؤوا في بقية ذلك اليوم فإن لم ينفروا وبقوا إلى الليل لم ينفروا اليوم الثالث من أيام التشريق حتى يرموا في وقت الرمي بعد الزوال وإنما لم يجز مالك للرعاء في تقديم الرمي لأن غير الرعاء لا يجوز لهم أن يرموا في أيام التشريق شيئا من الجمار قبل الزوال ومن رماها قبل الزوال أعادها فكذلك الرعاء سواء وإنما رخص للرعاء في تأخير اليوم الثاني إلى اليوم الثالث فقف على ذلك فهو مذهب مالك قال أبو عمر لما رخص النبي صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل بالرمي في الليل دل ذلك على أن الرمي بالليل غيره أفضل منه لأن الليل لا يجوز فيه الرمي أصلا لإجماع العلماء أن الرمي للرعاء وغير الرعاء لا يجوز تأخيره حتى تخرج أيام التشريق فدل على أن الرمي في ليل التشريق رخصة للرعاء وأن الرمي بالنهار هو في الوقت المختار قال معمر سمعت الزهري يقول أرخص للرعاء أن يرموا ليلا وبن جريج عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص للرعاء أن يرموا بالليل وقال مجاهد لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص لغير الرعاء وقال الزهري وعطاء من نسي أن يرمي نهارا في أيام منى فليرم في الليل يرمي في أيام منى بالليل والنهار فإن مضت أيام منى أهراق دما وقال عطاء إذا غابت الشمس من أيام التشريق فقد انقطع الرمي وقد روي أن الرمي يفوت بطلوع الفجر من آخر أيام التشريق وهي رواية شاذة قال عروة من فاته الرمي في أيام التشريق بعد زوال الشمس إلى آخر غروب الشمس وأما قولهم من ترك الرمي إلى أن غربت الشمس فقال مالك من لم يرم حتى الليل رمى ساعة ذكر من ليل أو نهار

قال وهو أخف عندي من الذي يفوته الرمي يوم النحر حتى يمسي وقال أبو حنيفة من ترك رمي الجمار كلها يومه إلى الليل وهو في أيام الرمي رماها بالليل ولا شيء عليه فإن ترك الرمي حتى انشق الفجر رمى وعليه دم وقال أبو يوسف ومحمد يرمي من الغد ولا شيء عليه وقال الشافعي من أخر أو نسي شيئا من الرمي أيام منى قضى ذلك في أيام منى فإن مضت أيام منى ولم يرم أهراق دما لذلك إن كان الذي ترك ثلاث حصيات وإن كان أقل ففي كل حصاة مد يتصدق به وهو قول أبي ثور مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه أن ابنة أخ لصفية بنت أبي عبيد نفست بالمزدلفة فتخلفت هي وصفية حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر فأمرهما عبد الله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا ولم ير عليهما شيئا قال أبو عمر هذه جمرة العقبة وقد تقدم البيان في وقتها في هذا الكتاب وفيمن رماها قبل وقتها وما للعلماء في ذلك ونذكر ها هنا أقوالهم أيضا فيمن رماها ومن بعد وقتها ووقتها من عند طلوع الشمس إلى غروبها واختلفوا فيمن غربت له الشمس قبل أن يرميها فقال مالك إن رماها بعد الغروب من الليل فأحب إلي أن يهريق دما وإن أخرها إلى أيام التشريق كان عليه هدي وقول أبي حنيفة نحو قول مالك في ذلك إلا أنه قال إن رماها من الليل فلا شيء عليه وإن لم يرم حتى الغد رماها وعليه دم وقال أبو يوسف ومحمد إن أخرها إلى الليل أو من الغد رماها وعليه دم وقال أبو يوسف ومحمد إن أخرها من الغد رماها ولا شيء عليه وهو قول الشافعي وأبي ثور وإسحاق سئل مالك عمن نسي جمرة من الجمار في بعض أيام منى حتى يمسي قال ليرم أي ساعة ذكر من ليل أو نهار كما يصلي الصلاة إذا نسيها ثم ذكرها ليلا أو نهارا فإن كان ذلك بعد ما صدر وهو بمكة أو بعد ما يخرج منها فعليه الهدي

قال أبو عمر أجمع العلماء على أن من لم يرم الجمار أيام التشريق حتى تغيب الشمس من آخرها أنه لا يرميها بعد وأنه يجبر ذلك بالدم أو بالطعام على حسب اختلافهم فيها فمن ذلك أن مالكا قال لو ترك رمي الجمار كلها أو ترك جمرة منها أو ترك حصاة من جمرة حتى خرجت أيام منى فعليه وقال أبو حنيفة إن ترك الجمار كلها كان عليه دم وإن ترك جمرة واحدة فعليه لكل حصاة من الجمرة إطعام مسكين نصف صاع من حنطة إلى أن يبلغ دما إلا جمرة العقبة فمن تركها فعليه دم وكذلك قال الأوزاعي إلا أنه قال إن ترك حصاة تصدق بشيء وقال الثوري يطعم في الحصاة أو الحصاتين والثلاث فإن ترك أربعا فصاعدا فعليه دم وقال الليث عليه في الحصاة الواحدة دم وقال الشافعي في الحصاة الواحدة مد وفي حصاتان مدان وفي ثلاث حصيات دم وله قول آخر مثل قول الليث والأول أشهر عنه قال أبو عمر قد رخصت طائفة من التابعين منهم مجاهد في الحصاة الواحدة ولم يروا فيها شيئا روى بن عيينة عن بن أبي نجيح قال سئل طاوس عن رجل ترك من رمي الجمار حصاة فقال يطعم لقمة أو قال يطعم تمرة فذكر ذلك لمجاهد فقال يرحم الله أبا عبد الرحمن ألم يسمع ما قال سعد بن أبي وقاص قال سعد خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته فبعضنا يقول رميت بسبع حصيات وبعضنا يقول رميت بست فلم يعب بعضنا على بعض قال أبو عمر من أحسن ما قيل في قلة الجمار بمنى مع كثرة الرمي بها هناك ما حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن سليمان بن أبي المغيرة عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال الحصا قربان فما تقبل من الحصا رفع وسفيان عن فطر عن أبي العباس عن أبي الطفيل وسفيان عن فطر وبن أبي حسين عن أبي الطفيل قال قلت لابن عباس

رميت الجمار في الجاهلية والإسلام فكيف لا تسد الطريق فقال ما تقبل منها رفع ولولا ذلك لكان أعظم من ثبير باب الإفاضة مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب خطب الناس بعرفة وعلمهم أمر الحج وقال لهم فيما قال إذا جئتم منى فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم على الحاج إلا النساء والطيب لا يمس أحد نساء ولا طيبا حتى يطوف بالبيت مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال من رمى الجمرة ثم حلق أو قصر ونحر هديا إن كان معه فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يطوف بالبيت قال أبو عمر في هذه المسألة أربعة أقوال للسلف والخلف أحدها قول عمر هذا أنه من رمى جمرة العقبة فقد حل له كل ما حرم عليه إلا النساء والطيب وهو مذهب عمر في الطيب على ما تقدم في باب الطيب عند الإحرام في أول الكتاب والثاني إلا النساء والطيب والصيد وهو قول مالك وحجته قول الله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم المائدة ومن لم يحل له وطء النساء فهو حرام والثالث إلا النساء والصيد وهو قول عطاء وطائفة من العلماء والرابع إلا النساء خاصة وهو قول الشافعي وسائر العلماء القائلين بجواز الطيب عند الإحرام وقبل الطواف بالبيت على حديث عائشة

وروى بن عيينة ومعمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال قال عمر إذا رمى الرجل الجمر بسبع حصيات وذبح وحلق فقد حل له كل شيء إلا النساء والطيب وفي حديث معمر قال سالم وكانت عائشة تقول قد حل له كل شيء إلا النساء ثم قالت إني طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد بن عيينة لحمة ولحله قبل أن يطوف بالبيت قال سالم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع ولم يذكر هذه الزيادة معمر وروى الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني قال كان بن عباس يقول إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء أحرمتم منه إلا النساء فقلت يا أبا عباس والطيب قال لا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مضمخا بالطيب وذكر معمر أيضا عن بن المنكدر قال سمعت بن الزبير يقول إذا رميتم الجمرة وحلقتم وذبحتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء وبه قال طاوس وعلقمة وروى عبد الرزاق قال حدثنا الثوري عن بن جريج عن عطاء قال إذا رميت الجمرة فقد حل لك كل شيء إلا النساء والصيد وأن شئت أن تتطيب فتطيب ولك أن تقبل ولا يحل لك المسيس وروى مالك عن عبد الله بن أبي بكر ويحيى بن سعيد وربيعة سأل سالم بن عبد الله وخارجة بن زيد بعد أن رمى الجمرة وحلق وقيل أن يفيض عن الطيب فرخص له خارجة بن زيد ونهاه سالم

وهذا عن سالم خلاف ما رواه عنه بن شهاب في حديث بن عيينة وقد اختلف قول مالك فيمن تطيب بعد رمي الجمرة وقبل الإفاضة فمرة رأى عليه الفدية ومرة لم ير فيه شيئا لما جاء فيه عن عائشة وخارجة قال أبو عمر لم يختلف الفقهاء أن طواف الإفاضة وهو الذي يدعوه أهل العراق طواف الزيارة لا يرحل فيه ولا يوصل بالسعي بين الصفا والمروة إلا أن يكون القادم لم يطف ولم يسع أو المكي الذي ليس عليه أن يطوف طواف القدوم فإن هذين يطوفان بالبيت وبالصفا والمروة طوافا واحدا سبعا وبين الصفا والمروة على ما قد أوضحناه في غير موضع من هذا الكتاب وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا عبد الله وعبيد الله ابنا عمر عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا أفاض لا يزيد على طواف واحد ولا يرمل فيه قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر مثله وعن سعيد بن جبير وطاوس وعطاء مثل ذلك قال وأخبرنا معمر عن بن طاوس قال كان أبي إذا أفاض لا يزيد على سبع واحدا ذكر عبد الرزاق عن معمر والثوري عن عبد الكريم قال طفت مع سعيد بن جبير يوم النحر فلم يزد على سبع قال وأخبرنا معمر عن طاوس عن أبيه قال لا يرمل الرجل إذا أفاض إلا إذا لم يطف قبل ذلك قال وأخبرنا بن جريج قال عطاء أفاض النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فلم يسمع في ذلك سبع بالبيت قال أبو عمر يعني لم يرمل ولم يطف بين الصفا والمروة إلا أن عطاء كان يقول يطوف إن شاء ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا هشيم عن الحجاج عن الحكم قال كان أصحاب عبد الله لا يزيدون يوم النحر على سبع قال الحجاج فسألت عطاء فقال طف كيف شئت قال أبو عمر كان إبراهيم النخعي يستحب لمن أفاض أن يطوف ثلاثة أسابيع ويحكى عن شيوخه أنهم كانوا كذلك يفعلون وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن المغيرة عن إبراهيم قال كان

الاختلاف إلى مكة أحب إليهم من الجوار وكانوا يستحبون إذا اعتمروا أن يقيموا ثلاثا وكانوا لا يعتمرون في السنة إلا مرة وكانوا يستحبون للرجل أول ما يحج أن يحلق وأول ما يعتمر أن يحلق وأول ما يحج أن يحرم من بيته وأول ما يعتمر أن يعتمر من بيته وكانوا يستحبون لمن قدم مكة ألا يخرج منها حتى يختم القرآن وكانوا يستحبون أن يطوفوا يوم النحر ثلاثة أسابيع وكانوا يقولون إذا قصر أو لبد أن يحلق قال أبو عمر كانوا يستحبون لمن حج أو اعتمر أن يحلق في أول حجة يحجها أو عمرة يعتمرها يعني ولا يقصر باب دخول الحائض مكة مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا قالت فقدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة قالت ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق إلى التنعيم فاعتمرت فقال هذا مكان عمرتك فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا منها ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم وأما الذين كانوا أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة بمثل ذلك

قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث يحيى بن يحيى بهذين الإسنادين ولم يروه أحد من رواة الموطأ وغيرهم عن مالك كذلك وإنما الحديث عند جميعهم غير يحيى عن مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة لا عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة كما روى يحيى وليس إسناد عبد الرحمن بن القاسم عند غير يحيى من رواة الموطأ في هذا الحديث وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد وأما قول عائشة في هذا الحديث خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع ففيه حج المرأة مع زوجها وفي معنى ذلك سفرها معه حيث شاء ومما أبيح له ولها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسافر امرأة إلا مع زوجها أو أبيها أو ابنها أو أخيها أو ذي محرم منها وروي عنه مسيرة بريد ومسيرة يوم ومسيرة يوم وليلة ومسيرة يومين ومسيرة ثلاثة أيام وسيأتي القول في ذلك في موضعه عند ذكر حديث مالك في ذلك إن شاء الله تعالى واختلفوا في المرأة التي لا زوج لها ولا معها ذو محرم يطاوعها على السفر إلى الحج معها هل تحج من غير زوج ولا ذي محرم أم لا وهل الزوج والمحرم من السبيل الذي قال الله تعالى من استطاع إليه سبيلا آل عمران أم لا فقالت طائفة الزوج والمحرم من السبيل منهم إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والحسن البصري وبن سيرين وعطاء بن أبي رباح وأبو حنيفة وأصحابه وبه قال أحمد وإسحاق وقال مالك والشافعي إذا لزم المرأة الحج وأبي زوجها من الخروج معها أو لم يكن معها زوج ولا ذو محرم حجت مع النساء وليس المحرم عندهما من السبيل

وقال بن سيرين تخرج مع رجل من المسلمين ثقة وقال الأوزاعي تخرج مع قوم عدول وتتخذ سلما تصعد عليه وتنزل ولا يقربها رجل إلا أن يأخذ برأس البعير وتضع رجلها على ذراعه أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن عثمان قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال حدثني محمد بن حازم قال حدثني أبو معاوية قال حدثني الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها زوجها أو أبوها أو أخوها أو أمها أو ابنها أو ذو محرم منها وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عباس ومن حديث عبد الله بن عمر ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وروى يونس عن بن شهاب عن عمرة عن عائشة أنها أخبرت أن أبا سعيد الخدري يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر إلا مع ذي محرم فقالت عائشة ما كلهن ذوات محرم ولا كل النساء يجدن محرما وأما قولها فأهللنا بعمرة فإن عروة قد خولف في ذلك عنها قال أبو عمر لم يخالفه عندي من هو حجة عليه لأن عروة أحفظ أصحاب عائشة ومن أهل بعمرة في أشهر الحج وهو يريد الحج في عامه فهو متمتع بإجماع إذا حج ومعلوم أن خروجهم كان في ذي القعدة وهو من شهور الحج وحجوا في عامهم فدل على أنه كان منهم المتمتع بالعمرة إلى الحج ومنهم المنفرد بالحج ومنهم من قرن العمرة مع الحج وهذا ما لا خلاف فيه من أهل الآثار وعلماء الأمصار وكذلك أجمعوا أن ذلك سنة معمول بها إلا أنهم اختلفوا في الأفضل منها وفيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما به في حاجة نفسه يومئذ

وأما قولها ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليحل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منها جميعا وفيه أدل دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حجته قارنا فإنه لا خلاف أنه كان معه يومئذ الهدي ساقه مع نفسه وقلده بذي الحليفة وأشعره إلى ما أتى به علي من اليمن ويؤيد ما ذكرنا حديث حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر الهدي فهذا القول مع قوله لأصحابه من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة أوضح دليل على أنه كان قارنا صلى الله عليه وسلم والله أعلم إلى الآثار التي قدمنا ذكرها في باب القران قد صرحت وأفصحت بأنه كان قارنا فإذا كان ما ذكرنا كما وصفنا كان معنى قول عائشة رحمها الله في رواية القاسم ومن تابعه عنها بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج أي أباح الإفراد وأذن فيه وأمر به وبينه صلى الله عليه وسلم وقد أوضحنا وجوه الإفراد والتمتع والقران فيما تقدم والحمد لله وفي رواية مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج دليل على أن يحيى وهم في رواية حديث هذا الباب عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه وإنما هو حديث عن بن شهاب عن عروة عن عائشة عند الجميع وقد يمكن أن يكون الحديث عند مالك عن عبد الرحمن بن القاسم كما رواه يحيى عنه فذكره في حين كون يحيى عنده وأما قولها فقدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فهذا ما لا خلاف فيه أيضا أن الحائض لا تطوف بالبيت وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لها افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت وقد أجمعوا أن سنة الطواف بين الصفا والمروة أن يكون موصولا بالطواف بالبيت وقد أوضحنا فيما سلف من كتابنا معاني ذلك كله

وأما قولها فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال انقضي رأسك وأهلي بالحج ودعي العمرة فإن جماعة من أصحابنا وأصحاب الشافعي تأولوا في قوله ودعي العمرة أي دعي عمل العمرة يعني الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة لأنه صلى الله عليه وسلم أمرها برفض العمرة وإن شاء الحج كما زعم الكوفيون وذكر بن وهب عن مالك أنه قال في حديث عروة عن عائشة هذا ليس عليه العمل عندنا قديما ولا حديثا قال وأظنه وهما قال أبو عمر يريد مالك أنه ليس عليه العمل في رفض العمرة لأن الله عز وجل قد أمرنا بإتمام الحج والعمرة لكل من دخل فيهما والذي عليه العمل عند مالك والشافعي وجمهور أهل الحجاز في المعتمرة تأتيها حيضتها قبل أن تطوف بالبيت وتخشى فوت عرفة وهي حائض لم تطف أنها تهل بالحج وتكون كمن قرن بين الحج والعمرة ابتداء وعليها هدي القران ولا يعرفون رفض العمرة ولا رفض الحج لأحد دخل فيهما أو في أحدهما وممن قال بذلك مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وإبراهيم بن علية كلهم يقول ذلك في الحائض المعتمرة وفي المعتمر يخاف فوت عرفة قبل أن يطوف قالوا فلا يكون إهلاله رفضا للعمرة بل يكون قارنا بإدخال الحج على العمرة ودفعوا حديث عروة عن عائشة المذكور في هذا الباب بضروب من الاعتدال وعارضوه بآثار مروية عن عائشة بخلافه قد ذكرناها كلها أو أكثرها في التمهيد وذكرنا اعتلالهم هناك بما أغنى عن ذكره هنا واختصار ذلك أن القاسم وعمرة والأسود رووا عن عائشة أنها كانت محرمة بحجة لا بعمرة فكيف يصح أن يقول لها دعي العمرة وقد أوضحنا هذا وجئنا بألفاظ الأحاديث الشاهدة بذلك في التمهيد قال إسماعيل بن إسحاق لما اجتمع هؤلاء الثلاثة يعني القاسم والأسود وعمرة على أن عائشة كانت محرمة بحج لا بعمرة علمنا بذلك أن الرواية التي رويت عن عروة غلط وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه المعتمرة الحائض إذا خافت فوت عرفة

ولم تكن طافت ولا سعت رفضت عمرتها وألغتها واهلت بالحج وعليها لرفض عمرتها دم ثم تقضي عمرة بعد وحجتهم حديث بن شهاب هذا عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها إذ شكت إليه حيضتها دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج وكذلك رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كما رواه بن شهاب بمعنى واحد قالوا وفي قوله لها انقضي رأسك وامتشطي دليل على رفض العمرة لأن القارنة لا تمتشط ولا تنفض رأسها قالوا ولا وجه لمن جعل حديث عروة خطأ لأن الزهري وعروة لا يقاس بهما غيرهما في الحفظ والإتقان قالوا وكذلك روى عكرمة عن عائشة وبن أبي مليكة عن عائشة ذكر عبد الرزاق قال ذكرت للثوري ما حدثناه معمر عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال علي رضي الله عنه إذا خشي المتمتع فوتا أهل بالحج مع عمرته وكذلك الحائض المعتمرة تهل بحج مع عمرتها وعن الحسن وطاوس مثله وقال الثوري لا نقول بهذا ولا نأخذ به ونأخذ بحديث عائشة ونقول عليها لرفض عمرتها دم والله أعلم قال أبو عمر ليس في حديث عروة عن عائشة ذكر دم لا من رواية الزهري ولا من رواية غيره بل قال فيه هشام بن عروة ولم يكن في شيء من ذلك دم ذكره أنس بن عياض وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في حديثهما هذا وذكره البخاري فقال حدثني محمد قال حدثني أبو معاوية قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة فقال لنا من أحب منكم أن يهل بالحج فليهل ومن أحب منكم أن يهل بالعمرة فليهل فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة قالت فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة وكنت ممن أهل بعمرة فأظلني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ارفضي عمرتك وانقضي رأسك

وامتشطي وأهلي بالحج فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم فأهللت بعمرة مكان عمرتي قال أبو عمر هذا أقوى ما احتج به الكوفيون في رفض العمرة للحائض المعتمرة المريدة للحج وقد عارض عروة في ذلك من ليس بدونه في الحفظ وأقل الأحوال سقوط الاحتجاج بما قد صح به التعارض والتدافع والرجوع إلى ظاهر قول الله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله البقرة وقد أجمعوا أن الخائف لفوت عرفة أنه لا يحل له رفض العمرة فكذلك من خاف فوت عرفة لأنه لا يمكنه إدخال الحج على العمرة ويكون قارنا فلا وجه لرفض العمرة في شيء من النظر وأما الأثر فقد اختلفت الرواية فيه وبالله التوفيق فإن قيل لو كانت قارنة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسلها مع أخيها تعتمر ثم يقول لها هذه مكان عمرتك قيل له قد صححنا أنها لم تكن مهلة بعمرة فسقط عنها الجواب ويحتمل أن لو كانت مهلة بعمرة ثم قرنت بها حجا أن يكون معنى قولها يرجع صواحبي بحج وعمرة وأرجع أنا بالحج أي أرجع أنا ولم أطف إلا طواف الحج فأرادت أن تكون عمرتها مفردة تطوف بها وتسعى كما صنع غيرها ألا ترى إلى قولها وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا بهما طوافا واحدا وأما قولها فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا منها ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم فهكذا السنة في كل من تمتع بالعمرة إلى الحج أن يطوف من عمرته وينحر ثم يطوف طواف الإفاضة لحجه يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة وهذا ما لا خلاف فيه ولا مدخل للكلام عليه وقد مضى القول نحو ذا في إدخال الحج على العمرة وما في ذلك للعلماء من المذاهب والمعاني فيما تقدم من كتابنا هذا وأما قولها وأما الذين كانوا أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا فلا خلاف بين العلماء أن المرمل بالحج منفرد لا يطوف إلا

طوافا واحدا يوم النحر يحل به من كل شيء من النساء وغير النساء مما كان حراما عليه ويستحب له ألا يطوف يوم غير ذلك الطواف فإن طاف بعده ما شاء متطوعا ذلك اليوم لم يحرم عليه وأما من جمع الحج والعمرة فإن العلماء قد اختلفوا قديما وحديثا في طواف القارن وسعيه فقال مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد وإسحاق وأبو ثور يجزئ القارن طواف واحد وسعي واحد وهو مذهب عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله والحسن وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وطاوس وحجتهم حديث عروة عن عائشة هذا وآثار قد ذكرتها في التمهيد منها حديث الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جمع الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وهذا الحديث لم يرفعه أحد عن عبيد الله غير الدراوردي عن عبد الله وغيره أوقفه على بن عمر وكذلك رواه مالك عن نافع عن بن عمر موقوفا ومن حجتهم أيضا حديث بن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إذا رجعت إلى مكة فإن طوافك يجزئك لحجتك وعمرتك وآثار قد ذكرتها كلها بما فيها في التمهيد وقال الثوري والأوزاعي وبن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح على القارن طوافان وسعيان وروى هذا القول عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وبه قال الشعبي وجابر بن زيد قال أبو عمر الحجة بحديث عروة عن عائشة في طواف القارن أنه طواف

واحد لازمة للكوفيين لأنهم يأخذون به في رفض العمرة مع احتماله في ذلك للتأويل ويتركونه في طواف القارن ولا يحتمل التأويل مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت قدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري وفي هذا الحديث أن الحائض لا تطوف بالبيت وفي حكم ذلك كل من ليس على طهارة من جنب وغير متوضئ وأما قوله في هذا الحديث ولا بين الصفا والمروة فلم يقله من رواة الموطأ ولا غيرهم إلا يحيى بن يحيى في هذا الحديث وجمهور العلماء بالحجاز والعراق على أن الطواف بين الصفا والمروة جائز للحائض وغير الطاهر أن يفعله إذا كان قد طاف بالبيت طاهرا وقد تقدم القول عن العلماء فيمن طاف بالبيت على غير طهارة وأما السعي بين الصفا والمروة فلا أعلم أحدا اشترط فيه الطهارة إلا الحسن البصري فإنه قال من سعى بين الصفا والمروة على غير طهارة فإن ذكر ذلك قبل أن يحل فليعد وإن ذكر بعد ما حل فلا شيء عليه قال مالك في المرأة التي تهل بالعمرة ثم تدخل مكة موافية للحج وهي حائض لا تستطيع الطواف بالبيت إنها إذا خشيت الفوات أهلت بالحج وأهدت وكانت مثل من قرن الحج والعمرة وأجزأ عنها طواف واحد والمرأة الحائض إذا كانت قد طافت بالبيت وصلت فإنها تسعى بين الصفا والمروة وتقف بعرفة والمزدلفة وترمي الجمار غير أنها لا تفيض حتى تطهر من حيضتها قال أبو عمر هذا كله قد مضى القول فيما اجتمع عليه من ذلك وما اختلف فيه فلا وجه لإعادته

باب إفاضة الحائض مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن صفية بنت حيي حاضت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي فقيل إنها قد أفاضت فقال فلا إذا وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مثله سواء مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن صفية بنت حيي قد حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها تحبسنا ألم تكن طافت معكن بالبيت قلن بلى قال فاخرجن مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت إذا حجت ومعها نساء تخاف أن يحضن قدمتهن يوم النحر فأفضن فإن حضن بعد ذلك لم تنتظرهن فتنفر بهن وهن حيض إذا كن قد أفضن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن أبا سلمة بن عبد

الرحمن أخبره أن أم سليم بنت ملحان استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضت أو ولدت بعد ما أفاضت يوم النحر فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت قال مالك والمرأة تحيض بمنى تقيم حتى تطوف بالبيت لا بد لها من ذلك وإن كانت قد أفاضت فحاضت بعد الإفاضة فلتنصرف إلى بلدها فإنه قد بلغنا في ذلك رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم للحائض قال وإن حاضت المرأة بمنى قبل أن تفيض فإن كربها يحبس عليها أكثر مما يحبس النساء الدم قال أبو عمر معنى الآثار المرفوعة في هذا الباب أن طواف الإفاضة يحبس الحائض بمكة لا تبرح حتى تطوف للإفاضة لأن الطواف المفترض على كل من حج فإن كانت الحائض قد طافت قبل أن تحيض جاز لها بالسنة أن تخرج ولا تودع البيت ورخص ذلك للحائض وحدها دون غيرها وهذا كله أمر مجتمع عليه من فقهاء الأمصار وجمهور العلماء عليه لا خلاف بينهم فيه وقد كان بن عمر رضي الله عنه يفتي بأن الحائض لا تنفر حتى تودع البيت ثم رجع عنه وذكر معمر عن أيوب عن نافع عن الزهري عن سالم إن صفية بنت أبي عبيد حاضت يوم النخر بعدها طافت بالبيت فأقام بن عمر عليها سبعا حتى طهرت وطافت فكان آخر عهدها بالبيت ومعمر قال أخبرنا بن طاوس عن أبيه أنه سمع بن عمر يقول لا ينفرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فقلت ما له لم يسمع ما سمع أصحابه ثم جلست إليه من العام القابل فسمعته يقول أما النساء فقد رخص لهن قال وأخبرنا بن طاوس عن أبيه أن زيد بن ثابت وبن عباس تماريا في صدور الحائض قبل أن يكون آخر عهدها الطواف بالبيت فقال بن عباس تنفر

وقال زيد لا تنفر فدخل زيد على عائشة فسألها فقالت تنفر فخرج زيد وهو يقول ما الكلام إلا ما قلت قال أبو عمر أجمع العلماء على أن طواف الوداع من سنن الحج المسنونة كما أجمعوا أن طواف الإفاضة فريضة وروى معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقال إذا نفرتم من منى فلا يصدر أحد حتى يطوف بالبيت فإن آخر المناسك الطواف بالبيت وعن بن عباس وبن عمر مثله عن أبيه وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم للوداع وقد كان قال لهم خذوا عني مناسككم واختلف الفقهاء فيمن صدر ولم يودع فقال مالك لا أحب لأحد أن يخرج من مكة حتى يودع البيت بالطواف فإن لم يفعل فلا شيء عليه قال أبو عمر الوداع عنده مستحب وليس بسنة واجبة لسقوطه عن الحائض وعن المكي الذي لا يبرح من مكة بفرقة بعد حجه فإن خرج من مكة إلى حاجة طاف للوداع وخرج حيث شاء وهذا يدل على أنه مستحب ليس من مؤكدات الحج والدليل على ذلك أنه طواف قد حل وطء النساء قبله فأشبه طواف التطوع وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه من خرج عن مكة ولم يودع البيت بالطواف فعليه دم وحجتهم ما جاء عن عمر وبن عباس وبن عمر أنهم قالوا هو من النسك وقال بن عباس من ترك من نسكه شيئا فليهرق دما وأما قول مالك فإن حاضت المرأة بمنى قبل أن تفيض فإن كربها يحبس عليها أكثر مما يحبس النساء الدم وقال بن عبد الحكم إذا حاضت قبل الإفاضة لم تبرح حتى تطهر وتطوف

بالبيت ويحبس عليها الكري إلى انقضاء خمسة عشر يوما من حين ذات الدم ويحبس على النفساء حتى تطهر بأكثر ما يحبس النفساء الدم في النفاس قال ولا حجة للكري أن يقول لم أعلم أنها حامل قال مالك وليس عليها أن تعينه في العلف قال فإن حاضت بعد الإفاضة فلتنفر قال وإن كان بين الحائض وبين التي لم تطهر يوم أو يومان حبس عليها الكري ومن معه من أهل رفقته وإن كان بقي لها أيام لم يحبس إلا وحده وقال محمد بن المواز لست أعرف حبس الكري كيف يحبس وحده يعرضه بقطع الطريق عليه باب فدية ما أصيب من الطير والوحش مالك عن أبي الزبير أن عمر بن الخطاب قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة قال أبو عمر واليربوع دويبة لها أربعة قوائم وذنب تجتر كما تجتر الشاة وهي من ذوات الكرش روينا ذلك عن عكرمة وبه قال أهل اللغة وفي حديث عمر فوق ما نجزي به الضبع وما نجزي به الغزال وما نجزي به الأرنب واليربوع فقال في الضبع كبش وفي الغزال عنز وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة ولو كان العناق عنزا ثنية كما زعم بعض أصحابنا لقال عمر في الغزال والأرنب واليربوع عنز ولكن العنز عند أهل العلم ما قد ولد أو ولد مثله

والجفرة عند أهل العلم بالعراق وأهل اللغة والسنة من ولد المعز ما أكل واستغنى عن الرضاع والعناق قيل هو دون الجفرة وقيل هو فوق الجفرة ولا خلاف أنه من ولد المعز قال أبو عمر خالف مالك رحمه الله عمر بن الخطاب رضي الله عنه من هذا الحديث في الأرنب واليربوع فقال لا يفديان بجفرة ولا بعناق ولا يفديهما من أراد فداءهما بالمثل من النعم إلا بما يجوز هديا وضحية وولد الجذع فما فوقه من الضأن والثني وما فوقه من الإبل والبقر والمعز وإن شاء فداهما بالطعام كفارة للمساكين أو عدل ذلك صياما هو مخير في ذلك فإن اختار الإطعام قوم الصيد وينظر كم ثمنه من الطعام فيطعم لكل مسكين مدا أو يصوم مكان كل مد يوما قال وفي صغار الصيد مثل ما في كباره وفي فراخ الطير ما في الكبير إن حكم عليه بالهدي أو بالصدقة أو الصيام يحكم عليه في الفرخ بمثل دية أبويه قال وكذلك الضباع وكل شيء قال وكذلك دية الكبير والصغير من الناس سواء قال أبو عمر سيأتي بيان قوله في الحمام وغيره من الطير فيما بعد من هذا الكتاب إن شاء الله وحجة مالك فيما ذهب إليه من ذلك ظاهر قول الله تعالى ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة المائدة فلما قال هديا ولم يختلفوا أن من جعل على نفسه هديا أنه لا يجزئه أقل من الجذع من الضأن والثني مما سواه كان كذلك حق الصيد لأنه قياس على الهدي الواجب والتطوع والأضحية وقال الشافعي هدي صغار الصيد بالمثل من صغار النعم وكبار الصيد بالمثل من كبار النعم وهو معنى ما روي عن عمر وعثمان وعلي وبن مسعود رضي الله عنهم في تأويل قول الله عز وجل فجزاء مثل ما قتل من النعم المائدة قال الشافعي والطائر لا مثل له من النعم فيفدى بقيمته واحتج في ذلك بما يطول ذكره

وعنده في النعامة الكبيرة بدنة وفي الصغيرة فصيل وفي حمار الوحش الكبير بقرة وفي ولده عجل وفي الولد الصغير خروف أو جدي وقال أبو حنيفة في الصغير قيمته على أصله في القيمة وقال المثل في جزاء الصيد القيمة وقال أبو يوسف ومحمد إذا بلغ الهدي عناقا أو جملا جاز أن يهديه في زمن الصيد واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم أن الهدي في غير جزاء الصيد لا يكون إلا جذعا من الضأن أو ثنيا مما سواه من الأزواج الثمانية ما يجوز ضحية والثني أحب إليهم من كل شيء وكان الأوزاعي يجيز الجذع من البقر دون المعز واتفق مالك والشافعي ومحمد بن الحسن على أن المثل المأمور به في جزاء الصيد هو الأشبه به من النعم في البدن فقالوا في الغزالة شاة وفي النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف الواجب في قتل الصيد قيمته سواء كان مما له مثل من النعم أو لم يكن وهو بالخيار بين أن يتصدق بقيمته وبين أن يصرف القيمة في النعم فيشتريه ويهديه مالك عن عبد العزيز بن قرير عن محمد بن سيرين أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى فقال عمر لرجل إلى جنبه تعال حتى أحكم أنا وأنت قال فحكما عليه بعنز فولى الرجل وهو يقول هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلا يحكم معه فسمع عمر قول الرجل فدعاه فسأله هل تقرأ سورة المائدة قال لا قال فهل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي فقال لا فقال لو أخبرتني أنك تقرأ سورة المائدة

لأوجعتك ضربا ثم قال إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة المائدة وهذا عبد الرحمن بن عوف قال أبو عمر أمر بن وضاح بطرح عبد الملك اسم شيخ مالك في هذا الحديث فقال اجعله عن بن قرير وكذلك روايته عن يحيى عن مالك عن بن قرير عن محمد بن سيرين في هذا الحديث ورواية عبيد الله عن أبيه يحيى بن يحيى عن مالك عن عبد الملك بن قرير وهو عند أكثر العلماء خطأ لأن عبد الملك بن قرير لا يعرف قال يحيى بن معين وهم مالك في اسمه شك في اسم أبيه وإنما هو عبد الملك بن قرير وهو الأصمعي وقال آخرون إنما وهم مالك في اسمه لا في اسم أبيه وإنما هو عبد العزيز بن قرير رجل بصري يروي عن بن سيرين أحاديث هذا منها وقال أحمد بن عبد الله بن بكير لم يهم مالك في اسمه ولا في اسم أبيه وإنما هو عبد الملك بن قرير كما قال مالك أخو عبد العزيز بن قرير قال أبو عمر الرجل مجهول والحديث معروف محفوظ من رواية البصريين والكوفيين عمر رواه بن جابر ورواه عن قبيصة الشعبي ومحمد بن عبد الملك بن قارب الثقفي وعبد الملك بن عمير وهو أحسنهم سياقة له ورواه عن عبد الملك بن عمير جماعة من أهل الحديث منهم سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وجرير بن عبد الحميد وعبد الملك المسعودي ومعمر بن راشد ذكرها كلها علي بن المديني أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال وأما حديث سفيان فحدثناه يحيى بن سعيد قال حدثني سفيان قال أخبرني عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر أن محرما قتل ظبيا فقال له عمر اذبح شاة وأهرق دمها وأطعم لحمها وأعط إهابها رجلا يتخذه سقاء هكذا رواه الثوري مختصرا واختصره أيضا شعبة إلا أنه أكمل من حديث الثوري

قال علي حدثنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال حدثني شعبة عن عبد الملك بن عمير قال سمعت قبيصة بن جابر يقول خرجت حاجا أنا وصاحب لي فرأينا ظبيا فقال لي صاحبي أو قلت له تراك تبلغه فأخذ حجرا فرماه فأصاب أحشاءه فقتله فأتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال له عمر عمدا أو خطا فقال ما أدري فضحك عمر وقال اعمد إلى شاة فاذبحها ثم تصدق بلحمها واجعل إهابها سقاء قال علي وأما حديث معمر فحدثناه عبد الرزاق بن همام قال أخبرنا معمر عن عبد الملك بن عمير قال أخبرني قبيصة بن جابر الأسدي قال كنت محرما فرأيت ظبيا فرميته فأصبت خشاه يعني أصل قرنه فركب ردعه قال فوقع في نفسي من ذلك شيء فأتيت عمر بن الخطاب أسأله فوجدت إلى جنبه رجلا أبيض رقيق الوجه وإذا هو عبد الرحمن بن عوف فسألت عمر فالتفت عمر إلى الذي إلى جنبه قال أترى شاة تكفيه قال نعم قال فأمرني أن أذبح شاة فقمنا من عنده فقال لي صاحبي إن أمير المؤمنين لم يحسن أن يفتيك حتى سأل الرجل قال فسمع عمر بعض كلامه فعلاه بالدرة ضربا ثم أقبل علي ليضربني فقلت يا أمير المؤمنين لم أقل شيئا إنما هو قاله قال فتركني ثم قال أتقتل الحرام وتتعدى الفتيا ثم قال إن في الإنسان عشرة أخلاق تسعة حسنة وواحد سيئ فيفسدها ذلك السيئ ثم قال إياك وعثرات اللسان قال علي وأما حديث جرير والمسعودي فحدثناه جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر قال علي وحدثني يحيى بن سعيد عن المسعودي قال حدثني سفيان عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر قال كنا نحج على الرحال وإنا لفي عصابة كلها محرمون نتماشى بين أيدي ركابنا وقد صلينا الغداة ونحن نقودها إذ تذاكر القوم الظبي أسرع أم الفرس فما كان بأسرع من أن سنح لنا ظبي أو برح فأخذ بعض القوم حجرا فرماه فما أخطأ حشاه فركب ردعه ميتا فأقبلنا عليه فقلنا له قولا شديدا فلما كنا بمنى انطلقت أنا والقاتل إلى عمر فقص عليه قصته فقال كيف قتلته أخطأ أم عمدا قال والله ما قتلته خطأ ولا عمدا لأني تعمدت رميه وما أدري قتله فضحك عمر وقال ما أراك إلا قد أشركت الخطأ مع العمد فقال هذا حكم ويحكم به ذوا عدل منكم ثم التفت إلى رجل إلى جنبه كأنه قلب فضة وإذا هو عبد الرحمن بن عوف فقال كيف ترى قال فاتفقا على شاة فقال

عمر للقاتل خذ شاة وأهرق دمها وأطعم لحمها واسق إهابها رجلا يجعله سقاء قال وما أشد حكمها منا قال فلما خرجت أنا والقاتل قلت له أيها المستفتى بن الخطاب إن عمر ما درى ما يفتيك حتى سأل بن عوف فلم أكن قرأت المائدة ولو كنت قرأتها لم أقل ذلك واعمد إلى ناقتك فانحرها فإنها خير من شاة عمر قال المسعودي فسمعها عمر وقال جرير فبلغ ذلك عمر فما شعرنا حتى أتينا فلبب كل رجل منا يقاد إلى عمر قال فلما دخلنا عليه قام وأخذ الدرة ثم أخذ بتلابيب القاتل فجعل يصفق رأسه حتى عددت له ثلاثين ثم قال قاتلك الله أتعدى الفتيا وتقتل الحرام ثم أرسله وأخذ بتلابيبي فقلت يا أمير المؤمنين إني لا أحل لك مني شيئا حرمه الله علي فأرسل تلابيبي ورمى بالدرة ثم قال ويحك إني أراك شاب السن فصيح اللسان إن الرجل تكون عنده عشرة أخلاق تسعة صالحة وخلق سيئ فيفسد الخلق السيئ التسعة إياك وعثرات اللسان قال أبو عمر أنا جمعت حديث جرير وحديث المسعودي وأتيت بمعناهما كاملا وأما علي فذكر كل واحد منهما على حدة وأتى بالطرق المذكورة كلها قال علي سألت أبا عبيدة معمر بن المثنى عن سنح أو برح فقال السنوح ما جاء على اليسار والبروح ما جاء من قبل اليمين قال أبو عمر ظاهر حديث مالك من قوله أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا يدل على أن قتل ذلك الظبي كان خطأ وفي حديث قبيصة بن جابر ما يدل على العمد لقوله من رماه فأصاب حشاه أو خششاءه وفي بعض روايته ما أدري خطأ أم عمدا لأني تعمدت رميه وما أردت قتله وقد اختلف العلماء قديما في قتل الصيد خطأ فقال جمهور العلماء وجماعة الفقهاء أهل الفتوى بالأمصار منهم مالك والليث والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهما قتل الصيد عمدا أو خطأ سواء وبه قال أحمد وإسحاق وأبو جعفر الطبري

وقال أهل الظاهر لا يجوز الجزاء إلا على قتل الصيد عمدا ومن قتله خطأ فلا شيء عليه لظاهر قول الله عز وجل ومن قتله منكم متعمدا المائدة وروي عن مجاهد وطائفة لا تجب الكفارة إلا في قتل الصيد خطأ وأما العمد فلا كفارة فيه قال أبو عمر ظاهر قول مجاهد مخالف لظاهر القرآن إلا أن معناه أنه متعمد لقتله ناس لإحرامه وذكر معمر عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل ومن قتله منكم متعمدا المائدة فإن من قتله متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه قال أبو عمر يقول إذا كان ذاكرا لإحرامه فهو أعظم من أن يكون فيه جزاء كاليمين الغموس وأما أهل الظاهر فقالوا دليل الخطاب يقضي أن حكم من قتله خطأ بخلاف حكم من قتله متعمدا وإلا لم يكن لتخصيص التعمد معنى واستشهدوا عليه بقوله عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وروي عن بن عباس وطائفة من أصحابه هذا المعنى وبه قال أبو ثور وداود وأما وجه ما ذهب إليه الجمهور الذي لا يجوز عليهم تحريف تأويل الكتاب فإن الصحابة رضي الله عنهم منهم عمر وعثمان وعلي وبن مسعود قضوا في الضبع بكبش وفي الظبي بشاة وفي النعامة ببدنة ولم يفرقوا بين العامد والمخطئ في ذلك بل رد أحدهم على حمامة فماتت فقضوا عليه فيها بالجزاء وكذلك حكموا في من أكل مما صيد من أجله بالجزاء ومن جهة النظر أن إتلاف أموال المسلمين وأهل الذمة يستوي في ذلك العمد والخطأ وكذلك الصيد لأنه ممنوع منه محرم على المحرم كما أن أموال بعض المسلمين محرمة على بعض وكذلك الدماء لما كانت محرمة في العمد و الخطأ وجعل الله في الخطأ منها

الكفارة فكذلك الصيد لأن الله تعالى سماه كفارة طعام مساكين وقد أجمعوا على أن قوله عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ليس في إتلاف الأموال وإنما المراد به رفع المآثم وهذا كله يدل على أن العمد والخطأ سواء وإنما خرج ذكر العمد على الأغلب والله أعلم ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر الزهري قال يحكم عليه في العمد وهو في الخطأ سنة قال عبد الرزاق وهو قول الناس وبه نأخذ قال أبو عمر في هذا الباب أيضا قول شاذ لم يقل به أحد من أئمة الفتوى بالأمصار إلا داود بن علي وهو قول الله عز وجل ومن عاد فينتقم الله منه المائدة قال داود لا جزاء إلا في أول مرة فإن عاد فلا شيء عليه وهو قول مجاهد وشريح وإبراهيم وسعيد بن جبير وقتادة ورواية عن بن عباس قال في المحرم يصيب الصيد فيحكم عليه ثم يعود قال لا يحكم عليه إن شاء الله عفا عنه وإن شاء انتقم منه وقال سعيد بن جبير إن عاد لم يتركه الله حتى ينتقم منه قال أبو عمر الحجة للجمهور عموم قول الله عز وجل لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم المائدة وظاهر هذا يوجب على من قتل الصيد وهو محرم الجزاء لأنه لم يخص وقتا دون وقت وليس في انتقام الله منه ما يمنع الجزاء لأن حسن الصيد المقتول في المرة الأولى وفي الثانية سواء وقد قيل تلزمه الكفارة انتقاما منه لأنه قال في الأولى ليذوق وبال أمره المائدة والمعنى عفا الله عما سلف في الجاهلية ومن عاد فينتقم الله منه يريد من عاد في الإسلام فينتقم منه بالجزاء لأنه لم يكن في الجاهلية ولا في شريعة من قبلها من الأنبياء جزاء ألا ترى إلى قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم المائدة فكانت شريعة إبراهيم

عليه السلام تحريم الحرم ولم يكن جزاء إلا على هذه الأمة والله أعلم قال أبو عمر وأما قوله في حديث مالك في هذا الباب فقال عمر لرجل إلى جنبه تعال حتى نحكم أنا وأنت فإن قوله عز وجل يحكم به ذوا عدل منكم المائدة من المحكم المجتمع عليه إلا أن العلماء اختلفوا هل يستأنفون الحكم فيما مضت به من السلف حكومة أم لا فقال مالك يستأنف الحكم في كل ما مضت فيه حكومة وفيما لم تمض وهو قول أبي حنيفة وقد روي عن مالك أنه إذا اجتزأ بحكم من مضى في ذلك فلا بأس والأول أشهر عنه وهو تحصيل مذهبه عند أصحابه قال أبن وهب قيل لمالك أترى أن يكون ما قال عمر يعني لازما في الظبي شاة فقال لا أدري ما قال عمر كأنه أراد أن تستأنف في ذلك حكومة وقد قال إني لا أرى أن يصيب شيء من ذلك اليوم أن تكون فيه شاة مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان يقول في البقرة من الوحش بقرة وفي الشاة من الظباء شاة قال مالك لم أزل أسمع أن في النعامة إذا قتلها المحرم بدنة قال أبو عمر لا خلاف فيه إلا في قول من قال بالقيمة وقال الشافعي يكتفى بحكم من حكم في ذلك من السلف إذا قتل غزالا أهدى شاة وإذا قتل نعامة أهدى بدنة قال وهذا أحب إلي من أن يحكم عليه مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول في حمام مكة إذا قتل شاة وقال مالك في الرجل من أهل مكة يحرم بالحج أو العمرة وفي بيته فراخ

من حمام مكة فيغلق عليها فتموت فقال أرى بأن يفدي ذلك عن كل فرخ بشاة قال أبو عمر هذا على أصله في صغار الصيد مثل ما في كباره وقد اختلف العلماء في حمام مكة وغيرها فقال مالك في حمام مكة شاة وفي حمام الحل حكومة واختلف قول بن القاسم في حمام الحرم غير مكة فقال شاة كحمام مكة ومرة قال حكومة لحمام الحل وقال الشافعي في كل حمام الحرم شاة وفي حمام غير الحرم قيمته وقال أبو حنيفة في الحمام كله حمام مكة والحل والحرم قيمته وقال داود كل شيء لا مثل له من الصيد فلا جزاء فيه إلا الحمام لأن فيه شاة قال أبو عمر حكم عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس في حمام مكة بشاة ولا مخالف لهما من الصحابة وذكره عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء وعن بن عيينة قال حكم عمر وبن عباس في حمام مكة بشاة وللتابعين في هذه المسألة أقوال كأقوال الفقهاء المذكورين أئمة الفتوى روى بن جريج عن عطاء قال في كل شيء من الطير الحمامة والقمري والدبسي والقطاة واليعقوب والكروان ودجاجة الجيش وبن الماء في كل واحدة شاة قال مالك أرى أن في بيضة النعامة عشر ثمن البدنة كما يكون في جنين الحرة غرة عبد أو وليدة وقيمة الغرة خمسون دينارا وذلك عشر دية أمه قال أبو عمر اختلف الفقهاء في هذه المسألة والسلف قبلهم فقال مالك ما ذكرنا عنه في موطئه وقال الشافعي في بيض النعامة قيمته حيث يصاب لأنه لا مثل له من النعم وقياسا على الجرادة فإن فيها قيمتها وقال أبو حنيفة في كل بيضة من بيض الصيد كله قيمته فإن كان في البيضة فرخ ميت فعليه الجزاء وهو قول أبي يوسف ومحمد قالوا نأخذ بالثقة في ذلك

وقال أبو ثور في بيض النعامة مثل قول أبي حنيفة وقال إن كسر بيضة كان فيها فرخ فإن كان حيا ثم مات فإن كان من بيض النعام ففيه بدنة وإن كان من بيض الحمام ففيه شاة وإن كان من غير ذلك ففيه ثمنه إن كان له ثمن قال وفيها قول آخر إن كان من الحمام فداه بجدي صغير أو جمل صغير وذلك أنهم قالوا في الحمام شاة فلما كان فرخا كان فيه من الشاء الصغير إذا كان صغيرا وإذا كان كبيرا كان فيه شاة كبيرة وكان في فرخ النعامة فصيل صغير قال أبو عمر أما الصحابة والتابعون فجاء عنهم في هذه المسألة أقوال مختلفة فروى معمر عن بن جريج عن عبد الحميد بن جبير قال أخبرني عكرمة عن بن عباس قال قضى علي رضي الله عنه في بيض النعامة يصيبه المحرم قال ترسل الفحل على إبلك فإذا تبين لقاحها سميت عدد ما أصبت من البيض فقلت هذا هدي ثم ليس عليك ضمان ما فسد قال بن عباس فعجب معاوية من قضاء علي قال بن عباس وهل يعجب معاوية من عجب ما هو إلا ما بيع به البيض في السوق يتصدق به قال بن جريج وقال عطاء من كانت له إبل فالقول فيها ما قال علي ومن لم يكن له إبل ففي كل بيضة درهمان وعن بن عباس عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيض النعام يصيبه المحرم ثمنه من وجه ليس بالقوي وكذلك عن بن مسعود في بيض النعام يصيبه المحرم قيمته وقد روي عن بن مسعود أيضا في بيضة النعامة صيام يوم أو إطعام مسكين وعن أبي موسى الأشعري مثله وبه قال بن سيرين وقد روي فيه أثر منقطع عن النبي عليه السلام بمثل ذلك وذكر عبد الرزاق عن أبي خالد قال أخبرني أبو أمية الثقفي أن نافعا مولى بن عمر أخبره أن رجلا سأل عمر عن بيض النعام يصيبه المحرم فقال ائت عليا فاسأله فإنا قد أمرنا أن تشاوره قال أبو عمر قد تقدمت هذه المسألة في أول هذا الباب

فأما قوله في النسور والعقبان والبزاة والرخم فإن مذهب مالك أن الطير كله جائز أكله وهو صيد عنده فيه جزاؤه بقيمته لأنه لا مثل له عنده من النعم وقال الشافعي لا جزاء في قتل جميع ما لا يؤكل سواء كان طبعه الأذى أو لم يكن ولا يوجب الشافعي الجزاء إلا في قتل صيد حلال أكله وجملة مذهب أبي حنيفة أن كل ما يقتله المحرم ففيه عنده الجزاء إلا أن يبتدأه بالأذى فيدفعه عن نفسه إلا الكلب العقور والذئب فإنه لا جزاء عنده فيهما وإن لم يبتدأه بالأذى وقد تقدم عن أبي حنيفة في باب ما يقتل المحرم من الدواب في هذا الكتاب ما يوضح لك مذهبه فيه وكذلك مذهب غيره هنالك أيضا وقال الشافعي في هذه المسألة هو قول عروة وبن شهاب وعطاء وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال كل ما لا يؤكل فإن قتلته وأنت محرم فلا غرم عليك فيه مع قتله إلا أن يكون عدوا أو يؤذيك والله الموفق باب فدية من أصاب شيئا من الجراد وهو محرم مالك عن زيد بن أسلم أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين إني أصبت جرادات بسوطي وأنا محرم فقال له عمر أطعم قبضة من طعام مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فسأله عن جرادات قتلها وهو محرم فقال عمر لكعب تعال حتى نحكم فقال كعب درهم فقال عمر لكعب إنك لتجد الدراهم لتمرة خير من جرادة

باب فدية من حلق قبل أن ينحر مالك عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما فآذاه القمل في رأسه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه وقال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين مدين مدين لكل إنسان أو انسك بشاة أي ذلك فعلت أجزأ عنك هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك عن عبد الكريم عن بن أبي ليلى وتابعه بن بكير والقعنبي ومطرف والشافعي ومعن بن عيسى وسعيد بن عفير وعبد الله بن يوسف التنيسي وأبو مصعب الزبيري ومحمد بن المبارك الصوري ورواه بن وهب ومكي بن إبراهيم وبن القاسم عن مالك عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد عن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة والحديث محفوظ لمجاهد عن بن أبي ليلى ولم يلق عبد الكريم بن أبي ليلى مالك عن حميد بن قيس عن مجاهد عن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لعلك آذاك هوامك فقلت نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك بشاة وتابعه عليه القعنبي والشافعي وبن بكير وأبو مصعب وعتيق بن يعقوب وهو الصواب ورواه بن وهب وبن القاسم وبن عفير عن مالك عن حميد بن قيس عن مجاهد عن كعب بن عجرة سقط لهم بن أبي ليلى والحديث محفوظ لمجاهد عن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عند جماعة العلماء بالحديث وقد ذكرنا كثيرا من طرقه في التمهيد في باب حميد بن قيس والحمد لله مالك عن عطاء بن عبد الله الخرساني أنه قال حدثني شيخ بسوق البرم بالكوفة عن كعب بن عجرة أنه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنفخ تحت قدر لأصحابي وقد امتلأ رأسي ولحيتي قملا فأخذ بجبهتي ثم قال احلق هذا الشعر وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أنه ليس عندي ما أنسك به وليس في حديث حميد ذكر مقدار الطعام كما هو ولا في حديث عطاء وعبد الكريم والشيخ الذي روى عنه عطاء الخرساني هذا الحديث الذي لقيه بسوق البرم بالكوفة قيل هو عبد الرحمن بن أبي ليلى وقيل هو عبد الرحمن بن معقل بن مقرن وكلاهما كوفي يروي هذا الحديث ويعرف به وقد ذكرنا طرقه عنهما في باب حميد وباب عطاء الخرساني من التمهيد وذكرنا هنا اختلاف ألفاظ الناقلين لحديث كعب بن عجرة هذا مستوعبة في باب حميد بن قيس وأكثرها وردت بلفظ التخيير وهو نص القرآن في قوله تعالى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك البقرة وعليه مضى عمل العلماء وقبولهم واختلف الفقهاء في مبلغ الإطعام في فدية الأذى فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم الإطعام في ذلك مدان مدان بمد النبي عليه السلام لكل مسكين ستة مساكين وهو قول أبي ثور وإسحاق وداود وروي عن الثوري أنه قال في الفدية من البر نصف صاع ومن التمر والشعير والزبيب صاع وروي عن أبي حنيفة أيضا مثله جعل نصفا من بر يعدل صاعا من تمر وشعير وهو أصله في الكفارات وقال أحمد بن حنبل مرة كما قال مالك والشافعي ومرة قال إن أطعم برا فمد لكل مسكين وإن أطعم تمرا فنصف صاع قال أبو عمر لم يختلف الفقهاء أن الإطعام لستة مساكين وأن الصيام ثلاثة أيام وأن النسك شاة على ما في حديث كعب بن عجرة إلا شيئا روي عن الحسن وعكرمة ونافع أنهم قالوا الإطعام لعشرة مساكين والصيام عشرة أيام ولم يتابعهم أحد من العلماء على ذلك كما في السنة في حديث كعب بن عجرة من خلافة قال الله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك البقرة قال بن عباس المرض أن تكون برأسه قروح والأذى القمل وقال عطاء المرض الصداع والقمل وغيره قال أبو عمر حديث كعب بن عجرة أصل هذا الباب في معنى الآية عند العلماء حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن كامل قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال سمعت أحمد بن صالح يقول حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها عند جماعة العلماء ولم يروها أحد من الصحابة غير كعب ولا رواها عن كعب إلا رجلان ثقتان من أهل الكوفة عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن معقل وهي سنة أخذها أهل المدينة وغيرهم عن أهل الكوفة قال بن شهاب سألت عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يثبتوا كم عدة المساكين قال أبو عمر أجمعوا أن الفدية واجبة على من حلق رأسه من عذر وضرورة وأجمع العلماء على أنه إذا كان حلقه لرأسه من أجل ذلك فهو مخير في ما نص الله عليه من الصيام والصدقة والنسك واختلفوا في من حلق رأسه عامدا من غير ضرورة أو تطيب لغير ضرورة فقال مالك بئس ما فعل وعليه الفدية وهو مخير فيها إن شاء صام ثلاثة أيام وإن شاء ذبح شاة وإن شاء أطعم ستة مساكين مدين مدين من قوته أي ذلك شاء فعل ومن حجته أن السنة قد وردت في كعب بن عجرة في حلقه رأسه وقد أذاه هوامه ولو كان حكم الضرورة مخالفا لبينه عليه السلام ولما لم تسقط الفدية من غير ضرورة علم أن الضرورة وغيرها سواء وقال الشافعي وأبو حنيفة وأبو ثور ليس بمخير إلا في الضرورة لشرط الله تعالى بقوله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه البقرة فأما إذا حلق أو لبس أو تطيب عامدا من غير ضرورة فعليه دم لا غير واختلفوا في من حلق أو لبس أو تطيب عامدا من غير ضرورة فقال مالك العامد والناسي في ذلك سواء في وجوب الفدية وقال إسحاق وداود لا فدية عليهم في شيء من ذلك إن صنعه ناسيا وجمهور العلماء يوجبون الفدية على المحرم إذا حلق شعر جسده أو أطلى أو حلق موضع المحاجم وبعضهم يجعل عليه في ذلك كله دما ولا يجيز إلا في الضرورة وقال داود لا شيء عليه في حلق شعر جسده واختلفوا في موضع الفدية فقال مالك يفعل من ذلك ما شاء أين شاء بمكة أو بغيرها وإن شاء ببلده سواء عنده في ذلك ذبح النسك والإطعام والصيام وهو قول مجاهد والذبح عند مالك ها هنا سنة وليس بهدي قال الهدي لا يكون إلا بمكة والنسك يكون حيث شاء وحجته في أن النسك جائز أن يكون بغير مكة حديث عن يحيى بن سعيد عن

يعقوب بن خالد المخزومي عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر أنه أخبره أنه كان مع عبد الله بن جعفر وخرج معه من المدينة فمروا على حسين بن علي وهو مريض بالسقيا فأقام عليه عبد الله بن جعفر حتى إذا خاف الموت خرج وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وهما بالمدينة فقدما عليه ثم إن حسينا أشار إلى رأسه فأشار علي بحلق رأسه ثم نسك عنه بالسقيا فنحر عنه بعيرا فهذا أوضح في أن الدم في فدية الأذى جائز أن يهراق بغير مكة وجائز عند مالك في الهدي إذا نحر في الحرم أن يعطاه غير أهل الحرم لأن البغية فيه إطعام المساكين ولم يختلفوا أن الصوم جائز أن يؤتى به في غير الحرم وقال أبو حنيفة والشافعي الدم والإطعام لا يجزئ إلا بمكة والصوم حيث شاء لأنه لا منفعة في الصوم لجيران بيت الله من أهل مكة والحرم وهو قول طاوس وقال عطاء ما كان من دم فبمكة وما كان من إطعام أو صيام فحيث شاء وعن أبي حنيفة وأصحابه مثله ولم يختلف قول الشافعي أن الدم والإطعام لا يجزئ إلا لمساكين الحرم قال أبو عمر لا يوجب مالك الفدية إلا على من حلق قبل أن يرمي وأما من حلق قبل أن ينحر فلا شيء عليه عنده وقال أبو حنيفة من حلق قبل أن ينحر أو قبل أن يرمي فعليه الفدية وقال الشافعي إن حلق قبل أن يرمي أو قبل أن ينحر فلا شيء عليه وسنزيد هذه المسألة بيانا في باب جامع الحج إن شاء الله عز وجل باب ما يفعل من نسي من نسكه شيئا مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس قال من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما

قال أيوب لا أدري قال ترك أو نسي قال مالك ما كان من ذلك هديا فلا يكون إلا بمكة وما كان من ذلك نسكا فهو يكون حيث أحب صاحب النسك قال أبو عمر ليس في هذا الباب معنى إلا وقد تقدم مجودا والحمد لله وفيه أن من أسقط شيئا من سنن الحج خيره بالدم لا غير إلا ما أتى فيه الخبر نصا أن يكون البدل فيه من الدم طعاما أو صياما هذا حكم سنن الحج وأما فرائضه فلا بد من الإتيان بها على ما تقدم من حكمها وربما كان مع ذلك دم لتأخير العمل عن موضعه ونحو ذلك مما قد مضت وجوهه واضحة والحمد لله وقد مضى في باب طواف الحائض حكم طواف الوداع وهل على من تركه دم واختلاف العلماء في ذلك والحمد لله باب جامع الفدية مالك فيمن أراد أن يلبس شيئا من الثياب التي لا ينبغي له أن يلبسها وهو محرم أو يقصر شعره أو يمس طيبا من غير ضرورة ليسارة مؤنة الفدية عليه قال لا ينبغي لأحد أن يفعل ذلك وإنما أرخص فيه للضرورة وعلى من فعل ذلك الفدية قال أبو عمر قد تقدم من مذهبه أن العامد وإن كان مسيئا في فعله ذلك فإنه مخير مع ذلك في الفدية التي وردت فيمن حلق لضرورة وإن كان ذلك مكروها لمن فعله وتقدم قول غيره في ذلك بما لا وجه لإعادته وأهل العلم مجمعون على كراهية ما كره مالك من ذلك وسئل مالك عن الفدية من الصيام أو الصدقة أو النسك أصاحبه بالخيار في ذلك وما النسك وكم الطعام وبأي مد هو وكم الصيام وهل يؤخر شيئا من ذلك أم يفعله في فوره ذلك قال مالك كل شيء في كتاب الله في الكفارات كذا أو كذا فصاحبه مخير في ذلك أي شيء أحب أن يفعل ذلك فعل قال وأما

النسك فشاة وأما الصيام فثلاثة أيام وأما الطعام فيطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان بالمد الأول مد النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد تقدم القول في قتل الصيد خطأ أو عمدا وما للسلف والخلف في ذلك من المذاهب والتنازع في باب فدية ما أصيب من الطير والوحش فلا معنى لإعادة ذلك هنا وفي قول مالك سمعت بعض أهل العلم دليل على علمه بالخلاف في ذلك فأما قوله وكذلك الحلال يرمي في الحرم ففيه إجماع واختلاف فالإجماع أن فيه الجزاء على حسب ما تقدم من اختلافهم في العمد والخطأ وأما الاختلاف فقال مالك هو مخير في الهدي والصيام والإطعام وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قتل الحلال صيدا في الحرم فعليه الهدي والإطعام ولا يجزئه الصيام وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف أن الهدي لا يجزئه أيضا إلا أن يكون قيمته مذبوحا قيمة الصيد قال مالك في القوم يصيبون الصيد جميعا وهم محرمون أو في الحرم قال أرى أن على كل إنسان منهم جزاءه إن حكم عليهم بالهدي فعلى كل إنسان منهم هدي وإن حكم عليهم بالصيام كان على كل إنسان منهم الصيام ومثل ذلك القوم يقتلون الرجل خطأ فتكون كفارة ذلك عتق رقبة على كل إنسان منهم أو صيام شهرين متتابعين على كل إنسان منهم قال أبو عمر اختلف العلماء في الجماعة يشتركون في قتل الصيد وهم محرمون أو محلون فقال مالك ما ذكرنا وهو قول الحسن بن صالح والثوري قياسا على الكفارة في قتل الخطأ وذلك إجماع وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قتل جماعة محرمون صيدا فعلى كل واحد منهم جزاء كامل فإن قتل محلون صيدا في الحرم فعلى جماعتهم جزاء واحد وقال الشافعي عليهم جزاء واحد كانوا محرمين أو كانوا محلين في الحرم

قياسا على الدية وذلك إجماع لأن الله تعالى يقول فجزاء مثل ما قتل من النعم المائدة والمثل البدل لا الإبدال قال مالك من رمى صيدا أو صاده بعد رميه الجمرة وحلاق رأسه غير أنه لم يفض إن عليه جزاء ذلك الصيد لأن الله تبارك وتعالى قال وإذا حللتم فاصطادوا المائدة ومن لم يفض فقد بقي عليه مس الطيب والنساء قال أبو عمر هذه المسألة قد مرت ومر القول فيها في باب الإفاضة عند قول عمر بن الخطاب من رمى الجمرة فقد حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء أو الطيب وذكرنا هناك اختلاف العلماء في هذا المعنى مجودا والحمد لله قال مالك ليس على المحرم فيما قطع من الشجر في الحرم شيء ولم يبلغنا أن أحدا حكم عليه فيه بشيء وبئس ما صنع قال أبو عمر اختلف العلماء فيما على من قطع شيئا من شجر الحرم فقال مالك ما ذكرنا في الموطأ وروى بن وهب عنه أنه ذكر له ما يقول أهل مكة في الدوحة بقرة وفي كل غصن شاة فقال لم يثبت ذلك عندنا ولا نعلم في قطع الشجر شيئا معلوما غير أنه لا يجوز لمحرم ولا لحلال أن يقطع شيئا من شجر الحرم ولايكسره وقال الشافعي إن قطع شجرة فإنما هي تبع لأهلها ولا أنظر إلى فرعها فإن كان أصلها في الحل لم يجزها وإن كان في الحرم جزاها وفي الدوحة بقرة وفيما دونها شاة قال وهذا في شجر الحرم خاصة وسواء قطعه محرم أو حلال وأما إذا قطع المحرم أو غير المحرم من شجر الحرم شيئا فلا فدية عليه وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد كل شيء أنبته الناس فلا شيء على قاطعه وكل شيء لم ينبته الناس فقطعه رجل فعليه قيمته بالغة ما بلغت فإن بلغت هديا كان بمكة فإن لم تبلغ هديا فالصدقة حيث شاء ولا يجوز فيها صيام والصدقة عند أبي حنيفة نصف صاع حنطة لكل مسكين قال أبو عمر هذا لا يطرد لمالك في فتواه وأصوله ولا لمن قال بالقياس وقال مالك في الذي يجهل أو ينسى صيام ثلاثة أيام في الحج أو مرض

فيها فلا يصومها حتى يقدم بلده قال ليهد إن وجد هديا وإلا فليصم ثلاثة أيام وسبعة بعد ذلك وهو قول عطاء والحسن البصري وبه قال أبو ثور قال سعيد بن جبير وقتادة يصوم السبعة في بلده ويطعم عن الثلاثة وقال أبو حنيفة إن انقضى يوم عرفة ولم يصم الثلاثة الأيام فعليه دم ولا يجزئه غيره ولا يصوم أيام منى وقال الشافعي إن رجع إلى بلده ولم يكن صام الثلاثة الأيام صامها في بلده وتصدق عن كل يوم بمد وصام السبعة في بلده لا يجب عليه إلا بعد الرجوع فإن رجع ومات ولم يصم الثلاثة ولا السبعة تصدق عليه في الثلاثة وما أمكنه صومه من السبعة فتركه إن أمكن صومه من السبعة فتركه إن أمكنه صومه كلها فلم يصمها حتى مات تصدق عنه بمد عن كل يوم وقال أبو ثور فيها بقول مالك حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن جبير في رجل تمتع ولم يجد الهدي وفاته الصوم في العشر قال يصوم السبعة ويطعم عن الثلاثة وهو قول قتادة وحجة أبي حنيفة ما قاله بن عباس من ترك من نسكه شيئا فليهرق دما وصوم الثلاثة أيام في الحج من مناسك الحج وحجة مالك أن الصيام بكل مكان سواء وإن أهدى فحسن ورواه بن جريج عن عطاء وهشام عن الحسن في المتمتع لا يصوم الثلاثة الأيام في العشر وهو لم يهد حتى رجع إلى أهله قالا يصوم الثلاثة والسبعة بمصره والله الموفق باب جامع الحج مالك عن بن شهاب عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن

عمرو بن العاص أنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس بمنى والناس يسألونه فجاءه رجل فقال له يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انحر ولا حرج ثم جاءه آخر فقال يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج قال فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج قال أبو عمر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في حجته رمى الجمرة يوم النحر ثم نحر بدنة ثم حلق رأسه وأجمع العلماء أن هذه سنة الحاج أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر ثم ينحر هديا إن كان معه ثم يحلق رأسه فمن شاء قدم شيئا من ذلك عن رتبته فللعلماء في ذلك ما أصفه إن شاء الله قال مالك من حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة فعليه الفدية قال أبو عمر لأنه حرام عليه أن يمس من شعره شيئا أو يلبس أو يمس طيبا حتى يرمي جمرة العقبة وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على من حلق رأسه قبل محله من ضرورة بالفدية فكيف من غير ضرورة وقال بن القاسم وقال مالك من حلق قبل أن يذبح فلا شيء عليه قال وكذلك إن ذبح قبل أن يرمي يجزئه ولا شيء عليه لأن الهدي قد بلغ محله وذلك يوم النحر كما لو نحر المعتمر بمكة هديا ساقه قبل أن يطوف بعمرته وقال بن عبد الحكم عن مالك في من طاف طواف الإفاضة قبل أن يرمي الجمرة يوم النحر أنه يرمي ثم يحلق رأسه ثم يعيد الطواف قال ومن رمى ثم طاف قبل الحلاق حلق رأسه وأعاد الطواف قال أبو عمر روي عن إبراهيم وجابر بن زيد مثل قول مالك في إيجاب الفدية على من حلق قبل أن يرمي

وهو قول الكوفيين وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود والطبري لا شيء على من حلق قبل أن يرمي ولا على من قدم شيئا أو أخره من رمي أو نحر أو حلاق أو طواف ساهيا مما يفعل يوم النحر وحجتهم حديث عبد الله بن عمرو المذكور في أول هذا الباب قوله فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج وحديث عطاء عن بن عباس أن النبي عليه السلام سئل يوم النحر عن رجل حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يرمي أو أشباه هذا فأكثروا في التقديم والتأخير فما سئل عن شيء من هذا إلا قال لا حرج لا حرج وقال عطاء من قدم نسكا على نسك فلا حرج وروي ذلك عن سعيد بن جبير وطاوس ومجاهد وعكرمة وقتادة وأما اختلافهم في من حلق قبل أن يذبح فجمهور العلماء على أنه لا شيء عليه كذلك قال عطاء وطاوس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وقتادة وهو قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وداود وإسحاق والطبري وقال النخعي من حلق قبل أن ينحر أهراق دما وبه قال أبو حنيفة قال وإن كان قارنا فعليه دمان دم للقران ودم للحلاق وقال زفر عليه ثلاثة دماء للقران ودمان للحلاق قبل النحر وقال جابر بن زيد من حلق قبل أن ينحر عليه الفدية قال أبو عمر لا أعلم خلافا في من نحر قبل أن يرمي أنه لا شيء عليه وذلك والله أعلم لأن الهدي قد بلغ محله ولأنه منصوص عليه في الحديث نحرت قبل أرمي فقال رسول الله ارم ولا حرج

قال أبو عمر روى بن عيينة عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو حديث هذا الباب فلم يقل فيه لم أشعر وقد ذكره مالك وهي لفظة فيها من الفقه أن الرجل فعل ذلك ساهيا فقيل له لا حرج وقد جاء معمر بمعنى هذه اللفظة في معنى هذا الحديث فقال فيه بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال رأيت رسول الله واقفا على راحلته بمنى فأتاه رجل فقال يا رسول الله إني كنت أرى أن الذبح قبل الرمي فذبحت قال ارم ولا حرج فما سئل عن شيء قدمه رجل قبل شيء إلا قال افعل ولا حرج قال أبو عمر ولا أعلم لأهل العلم جوابا في المتعمد في ذلك ولو كان مخالفا للجاهل والساهي لفرقوا بينه في أجوبتهم وفي كتبهم والله أعلم إلا أن بن عباس روي عنه أنه قال من قدم من نسكه شيئا أو أخره فليهرق لذلك دما ولم يفرق بين ساه ولا عامد وليست الرواية عنه بذلك بالقوية وعن سعيد بن جبير وقتادة مثل ذلك وقد ذكرنا مذهبهم في من قدم الإفاضة قبل الرمي والحلق أنه تلزمه إعادة الطواف وقال الشافعي ومن تابعه لا إعادة في الطواف وقال الأوزاعي إنما طاف للإفاضة قبل أن يرمي جمرة العقبة ثم واقع أهله إهراق دما وقد ذكرنا هذه المسألة وما كان مثلها في موضعها من كتابنا هذا والحمد لله مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء

قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده روى هذا الحديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة ثم ذكر مثله سواء وليس في هذا الحديث إلا الحض على شكر الله للمسافر على أوبته ورجعته وشكر الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله واجب على كل مؤمن لازم له بدليل قوله تعالى فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون البقرة ومن الشكر الاعتراف بالنعمة فنعمة الله عظيمة ومعنى أيبون راجعون ومعنى تائبون أي من الشرك والكفر عائدون بما افترضه عليهم ورضيه منهم ساجدون لوجهه لا لغيره حامدون على ذلك كله وقوله صدق الله وعده فيما كان وعده من ظهور دينه وذلك كله اعتراف بالنعمة وشكر لها وفيه من الخبر أن غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب نصر الله فيها المؤمنين بريح وجنود لم يروها ولم يكن فيها لآدمي صنع فلذلك قال وهزم الأحزاب وحده مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى عبد الله بن عباس عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهي في محفتها فقيل لها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بضبعي صبي كان معها فقالت ألهذا حج يا رسول الله قال نعم ولك أجر هكذا روى يحيى هذا الحديث مرسلا وتابعه أكثر الرواة للموطأ ورواه بن وهب وأبو مصعب والشافعي وبن عثمة وعبد الله بن يونس

التنيسي عن مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى بن عباس عن بن عباس عن النبي عليه السلام وقد ذكرنا في التمهيد الاختلاف على إبراهيم بن عقبة وعلى محمد بن عقبة أيضا في هذا الحديث وهو حديث مسند صحيح لأنه حديث قد أسنده ثقات ليسوا بدون من قطعه والمحفة شبيهة بالهودج وقيل لا غطاء عليها والضبع باطن الساعد وفي هذا الحديث من الفقه الحج بالصبيان وأجازه جماعة العلماء بالحجاز والعراق والشام ومصر وخالفهم في ذلك أهل البدع فلم يرو الحج بهم وقولهم مهجور عند العلماء لأن النبي عليه الصلاة والسلام حج بأغيلمة بني عبد المطلب وقال في الصبي له حج وللذي يحجه أجر وحج أبو بكر بابن الزبير في خرقة قال عمر تكتب للصبي حسناته ولا تكتب عليه السيئات وحج السلف قديما وحديثا بالصبيان والأطفال يعرضونهم لرحمة الله وروى أبو داود قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشرا فاضربوه عليها فكما تكون له صلاة وليست عليه كذلك يكون له حج وليس عليه وأكثر أهل العلم يرون الزكاة في أموال اليتامى ومحال ألا يؤجروا عليها فالقلم إنما هو مرفوع عنهم فيما أساءوا في أنفسهم ألا ترى أن ما أتلفوه من الأموال ضمنوه وكذلك الدماء عمدهم فيها خطأ يؤديه عنهم من يؤديه عن الكبار في خطئهم وأجمع العلماء أن من حج صغيرا قبل البلوغ أو حج به طفلا ثم بلغ لم يجزه ذلك عن حجة الإسلام

وقد شذت فرقة فأجازوا له حجة بهذا الحديث وليس عند أهل العلم بشيء لأن الغرض لا يؤدي إلا بعد الوجوب وهذا بن عباس هو الذي روى هذا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو الذي كان يفتي بالصبي يحج ثم يحتلم قال يحج حجة الإسلام وفي المملوك يحج ثم يعتق قال عليه الحج ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي السفر عن بن عباس وعن بن عيينة عن مطرف عن بن عباس مثله وعن الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان عن بن عباس مثله وعلى هذا جماعة علماء الأمصار إلا داود بن علي فإنه خالفه في المملوك فقال يجزئه حجة الإسلام ولا يجزئ الصبي وذكر عبد الرزاق عن بن جريج أنه أخبره عن عطاء قال يقضي حجة الصغير عنه فإذا بلغ فعليه حجة واجبة قال وأخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه مثله واختلف الفقهاء في المراهق والعبد يحرمان بالحج ثم يحتلم هذا ويعتق هذا قبل الوقوف بعرفة فقال مالك لا سبيل إلى رفض الإحرامين لهذين ولا لأحد ويتماديان على إحرامهما ولا يجزئهما حجهما ذلك عن حجة الإسلام وقال الشافعي إذا أحرم الصبي ثم بلغ قبل الوقوف بعرفة فوقف بها محرما أجزأه ذلك من حجة الإسلام ولم يحتج واحد منهما إلى تجديد إحرامه وقال أبو حنيفة إذا أحرم الصبي ثم بلغ في حال إحرام فإن جدد إحراما قبل وقوفه بعرفة أجزأه وإن لم يجدد إحراما لم يجزئه قال وأما العبد فلا يجزئه من حجة الإسلام وإن جدد إحراما وقد ذكرنا وجه قول كل واحد منهم وحجته في التمهيد وقال مالك يحج بالصغير ويجرد بالإحرام ويمنع من الطيب ومن كل ما يمنع منه الكبير فإن قوي على الطواف والسعي ورمي الجمار وإلا طيف به محمولا ورمي عنه وإن أصاب صيدا فدي عنه وإن احتاج إلى ما يحتاج إليه الكبير فعل به ذلك وفدي عنه وهذا كله قول الشافعي وأبي حنيفة وجماعة الفقهاء إلا أن أبا حنيفة قال

لا جزاء عليه في صيد ولا فدية عليه في لباس ولا طيب وقال بن القاسم تجريده يغني عن التلبية عنه لا يلبي عنه أحد إلا أن يتكلم فيلبي عن نفسه قال وقال مالك لا يطوف به أحد لم يطف طوافه الواجب لأنه يدخل طوافين في طواف وقال بن القاسم عن مالك أرى أن يطوف لنفسه ثم يطوف للصبي ولا يركع عنه ولا شيء على الصبي في ركعتيه ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال كانوا يحجون إذا حج الصبي أن يجردوه وأن يجنبوه الطيب إذا أحرم وأن يلبي عنه إذا كان لا يقدر على التلبية قال وأخبرنا معمر عن الزهري قال يحج بالصبي ويرمى عنه ويجنب ما يجنبه الكبير من الطيب ولا يخمر رأسه ويهدي عنه إن تمتع مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما أري يوم بدر قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله قال أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة إبراهيم بن أبي عبلة رجل من بني عقيل وقيل تميم والأول أكثر يكنى أبا إسحاق وقيل أبا إسماعيل ثقة أدرك طائفة من الصحابة وعمر عمرا طويلا وهو معدود في الشاميين وطلحة بن عبيد الله بن كريز خزاعي تابعي شامي ثقة وكريز بفتح الكاف في خزاعة وكريز بضمها في عبد شمس بن عبد مناف من قريش وليس في هذا الحديث أكثر من الترغيب في شهود عرفة والتعريف بفضل ذلك الموقف وفي ذلك من فضل الحج مافيه

وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء إلا في الجنة كفاية وقال عليه السلام من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقد ذكرنا في التمهيد عند ذكر حديث عبد الله بن أبي عبلة هذا من فضل شهود عرفات في الحج ما فيه شفاء واكتفاء والحمد لله كذلك أتينا من الشواهد على معنى قوله يزع الملائكة في التمهيد أيضا بما لا مزيد فيه ومختصر ذلك أن الوازع هو المانع الذي يكف وهو هذا الحديث بمعنى يعبئهم ويرتبهم للقتال ويصفهم ويمنع من أن يشف بعضهم بعضا ويخرج بعضهم عن بعض قال الشاعر ولا يزع النفس اللجوج عن الهوى من الناس إلا وافر العقل كامله مالك عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له وقد ذكرنا هذا الحديث مسندا في التمهيد وفيه فضل الدعاء وفضل يوم عرفة وفي ذلك دليل على فضل الأيام على بعض وقد جاء في فضل يوم الجمعة وفضل يوم عاشوراء وعرفة أحاديث صحاح ثابتة وفيه تفضيل لا إله إلا الله على سائر الكلام

وقد اختلفت الآثار في ذلك عن النبي عليه السلام فمنها ما جاء بتفضيل الحمد لله ومنها ما جاء بتفضيل سبحان الله وقد ذكرنا ذلك كله في التمهيد وذكرنا من دعائه يوم عرفة أنواعا منها من حديث علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء يوم عرفة بعرفة فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري أعوذ بك من وساوس الصدر وفتنة القبر ومن شر ما تهب به الرياح ومن شر ما يأتي به الليل والنهار وسئل بن عيينة ما كان أكثر قول النبي عليه السلام بعرفة فقال سبحان الله والحمد لله والله أكبر قال سفيان إنما هو ذكر وليس بدعاء أما علمت أن الله تعالى يقول إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين قال قلت نعم حدثتني أنت يا أبا محمد عن منصور عن مالك بن الحارث وحدثني عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور عن مالك بن الحارث قال هذا تفسيره ثم قال أما علمت قول أمية بن أبي الصلت حين أتى بن جدعان يطلب نائلة وفضلة قلت لا قال قال أمية حين أتى بن جدعان أأطلب حاجتي أم قد كفاني إذا أثنى عليك المرء يوم حياؤك إن شيمتك الحياء كفاه من تعرضك الثناء قال سفيان رحمه الله هذا مخلوق حين ينسب إلى أن يكتفي بالثناء عليه دون مسألته فكيف بالخالق تبارك وتعالى وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا بن أبي عمر العدني حدثنا سفيان بن عيينة قال قال لي عبد العزيز بن عمر كنت أتمنى أن ألقي الزهري فرأيته في النوم بعد موته عند الحدادين فقلت يا أبا بكر هل من دعوة قال نعم لا إله إلا الله وحده لا شريك له توكلت على الحي الذي لا يموت اللهم إني أسألك أن تعيذني وذريتي من الشيطان الرجيم

قال أبو عمر فهذا كله يدل على أن الثناء دعاء ويفسر معنى حديث هذا الباب والله الموفق للصواب مالك عن بن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال له يا رسول الله بن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوه قال مالك ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرما والله أعلم قال أبو عمر حديث مالك عن بن شهاب عن أنس هذا انفرد به مالك عن بن شهاب لم يروه عن بن شهاب أحد غيره من وجه صحيح وقد روي من وجوه لا تصح والصحيح فيه انفراد مالك عن بن شهاب وقد ذكرنا بعض طرقه والاختلاف في ألفاظه في التمهيد وقال بعضهم فيه مغفر من حديد روى زيد بن الحباب وإبراهيم بن علي الغزي عن مالك عن بن شهاب عن أنس أن بن خطل كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى شبابة بن سوار عن مالك عن الزهري عن انس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من رأى منكم بن خطل فليقتله وزعم أصحابنا أن هذا أصل في قتل الذمي إذا سب النبي عليه السلام وهذا غلط لأن بن خطل كان حربيا في دار الحرب لم يدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمان أهل مكة بل استثناه من ذلك الأمان ومعلوم انهم كانوا كلهم أو أكثرهم على سب النبي عليه السلام ولم يجعل لابن خطل أمانا لأن أمره عليه السلام بقتل بن خطل خرج من الأمان لأهل مكة مخرجا واحدا في وقت واحد بذلك وردت الآثار وهو معروف عند أهل السير والوجه في قتل بن خطل أن الله تعالى أمر بقتل المشركين حيث وجدوا وقال

فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم الأنفال وجعل لهم مع ذلك إذا قدر عليهم المن إن شاء وإن شاء الفداء وليس هذا موضع ذكر وجوه ذلك ولما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم الله ذلك صنع ما أذن الله له فيه وكان سبب قتله والله أعلم ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن بن إسحاق قال وأما قتل عبد الله بن خطل فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه وهو رجل من بني تيم بن غالب قال وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه بعثه مصدقا وكان مسلما وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى له يخدمه وكان مسلما فنزل بن خطل منزلا وأمر المولى أن يذبح له شاة ويصنع له طعاما فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا قال أبو عمر فهذا القتل قود من مسلم ومثل هذا قصة مقيس بن صبابة قتل مسلما بعد أخذ الدية وهو أيضا مما هدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه في حين دخوله مكة كذا حدثنا سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثني أسباط بن نصر قال زعم السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال لما كان فتح يوم مكة أمن رسول الله أهل مكة إلا أربعة نفر وامرأتين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشد الرجلين فقتله وذكر تمام الخبر في التمهيد

قال أبو عمر كان هذا كله من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في الساعة التي خلت له من ذلك النهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة ولهذا والله أعلم لم يدخلها رسول الله محرما مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة حتى إذا كان بقديد جاءه خبر من المدينة فرجع فدخل مكة بغير إحرام ومالك عن بن شهاب بمثل ذلك وتعلق بذلك داود بن علي فقال جائز أن تدخل مكة بغير إحرام وخالفه أكثر العلماء في ذلك وذكر عن الشافعي والمشهور عن وقد روى أشعث عن الحسن مثله ذكر الساجي قال حدثنا محمد بن الحرشي قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا أشعث عن الحسن أنه كان يكره أن تدخل مكة بغير إحرام ورواه بن القاسم وغيره عن مالك قال أبو عمر الحجة لمن قال لا يدخل أحد مكة إلا محرما إلا الحطابين ومن يد من التكرر إليها لإجماعهم أن من نذر مشيا إلى بيت الله أنه لا يدخله إلا محرما بحج أو عمرة لأنه بلد حرام وقال طاوس ما دخل رسول الله قط مكة إلا محرما إلا يوم الفتح قال أبو عمر اختلف العلماء فيما يجب على من دخل مكة بغير إحرام فقال مالك والليث والشافعي لا يدخلها أحد من أهل الآفاق إلا محرما فإن لم يفعل فقد أساء ولا شيء عليه وبه قال أبو ثور وقال الشافعي لا يجب على من دخل مكة بغير إحرام حج ولا عمرة لأن الحج والعمرة لا يجبان إلا على من نواهما وأحرم بهما ولكن سنة الله في عباده أن لا يدخل الحرم إلا حراما وقال أبو يوسف وأبو حنيفة ومحمد لا يدخل أحد مكة بغير إحرام فإن دخلها أحد غير محرم فعليه حجة أو عمرة

وهو قول الثوري إلا أنه قال فإن لم يحج ولم يعتمر قيل له استغفر الله وهو قول عطاء والحسن بن حي مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن محمد بن عمران الأنصاري عن أبيه أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر وأنا نازل تحت سرحة بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها فقال هل غير ذلك فقلت لا ما أنزلني إلا ذلك فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت بين الأخشبين من منى ونفخ بيده نحو المشرق فإن هناك واديا يقال له السرر به شجرة سر تحتها سبعون نبيا قد مضى القول في محمد بن عمران وفي أبيه التمهيد والسرحة الشجرة قال الخليل السرح الشجر الطوال الذي له شعب وظل واحدته سرحة ونفح بيده أشار والسرر والأخشاب الجبلان وكذلك الأخاشب الجبال وقال بن وهب أراد بقوله الأخشبين من منى الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد وقال إسماعيل يقال إن الأخشبين اسم لجبال مكة ومنى خاصة قال أبو عمر أنشد بن هشام لأبي قيس بن الأسلت فقوموا وصلوا ربكم وتمسحوا بأركان هذا البيت بين الأخاشب وقال العامري في بيعة بن الزبير ويبايع بين الأخشبين وإنما يد الله بين الأخشبين تبايع هذا الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومساكنهم

وآثارهم وإلى هذا قصد بن عمر بحديثه هذا والله أعلم وفيه أيضا إباحة الحديث بكل ما يسمع من بني إسرائيل والأمم السالفة لأنه لا حكم فيه يجب وكذلك لا حكم في هذا الحديث من أحكام الشريعة مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن بن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب مر بامرأة مجذومة وهي تطوف بالبيت فقال لها يا أمة الله لا تؤذي الناس لو جلست في بيتك فجلست فمر بها رجل بعد ذلك فقال لها إن الذي كان قد نهاك قد مات فاخرجي فقالت ما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا وفي هذا الحديث من الفقه الحكم بأن يحال بين المجذومين وبين اختلاطهم بالناس لما في ذلك من الأذى لهم وأذى المؤمن والجار لا يحل وإذا كان آكل الثوم يؤمر باجتناب المسجد وكان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما أخرج إلى البقيع فما ظنك بالجذام وهو عند بعض الناس يعدي وعند جميعهم يؤذي وأما قول عمر للمرأة لو جلست في بيتك بعد أن أخبرها أنها تؤذي الناس فإن ذلك كان منه والله أعلم من لين القول لها والتعريض بأنه لم يكن يقدم إليها ورحمها بالبلاء الذي نزل بها فرق لها وكان أيضا من مذهبه أنه كان لا يعتقد أن شيئا يعدي وقد كان يجالس معيقيب الدوسي وكان على بيت ماله وكان يؤاكله وربما وضع فمه من الإناء على ما يضع عليه معيقيب فمه وقد ذكرنا الخبر بذلك في صدر كتاب التمهيد فلهذا والله أعلم لم يزجرها ولم ينهها وأشار إليها إشارة كانت منها مقبولة ولعله لم تخطئ فراسته فيها فأطاعته حيا وميتا مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما بين الركن والباب الملتزم

قال أبو عمر رواية عبيد الله عن أبيه ما بين الركن والمقام الملتزم خطأ لم يتابعوا عليه وأمر بن وضا ح برده ما بين الركن والباب وهوالصواب وكذلك الرواية في الموطأ وغيره وهو الركن الأسود وباب البيت كذلك فسر الخزاعي الملتزم وذكر حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلصق وجهه وصدره بالملتزم وروى عباد بن كثير عن أيوب عن عكرمة عن بن عباس قال الملتزم والمدعا والمتعوذ ما بين الحجر والباب قال أبو الزبير دعوت الله هناك بدعاء فاستجيب لي وقد روي عن النبي عليه السلام أحاديث فيما يرغب في الصلاة والذكر والدعاء بين الركن والمقام وكان بن عباس كثيرا ما يدعو بين الركن المقام وكان من دعائه فيه اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف علي كل عائبة لي بخير وروى القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز وجعفر بن محمد وأيوب السختياني وحميد الطويل أنهم كانوا يلتزمون ظهر البيت من الركن اليماني والباب المؤخر وقال إن ذلك ملتزم أيضا وهذا خلاف ما تقدم وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال ذلك الملتزم وهو المتعوذ فكأنه جعل ذلك موضع رغبة وهذا موضع استعاذة وعلى ذلك ترك ألفاظ الأخبار عن القاسم بن محمد ومن ذكرنا معه على أنه موضع استعاذة مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أنه سمعه يذكر أن رجلا مر على أبي ذر بالربذة وأن أبا ذر سأله أين تريد فقال أردت الحج فقال هل نزعك غيره فقال لا قال فأتنف العمل قال الرجل فخرجت حتى قدمت مكة فمكثت ما شاء الله ثم إذا أنا بالناس منقصفين على رجل فضاغطت عليه الناس فإذا أنا بالشيخ الذي وجدت بالربذة يعني أبا ذر قال فلما رآني عرفني

قال أبو عمر في هذا الخبر ما كان عليه أبو ذر من العلم والفقه وأما زهده وعبادته فقد ذهب فيها مثلا سئل علي عن أبي ذر فقال وعي علما عجز الناس عنه ثم أوكأ عليه فلم يخرج شيئا منه ومعلوم أن قول أبي ذر للرجل لا يكون مثله رأيا وإنما يدرك مثله بالتوقيف من النبي عليه السلام وفي هذا الحديث ما يدل أن الله قد رضي من عباده بقصد بيته مرة في عمر العبد ليحط أوزاره بذلك ويغفر ذنوبه ويخرج منها كيوم ولدته أمه كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وقال من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ذكر إسحاق الأزرق عن شريك عن أبي إسحاق عن مالك بن دينار قال حججنا فلما قضينا نسكنا مررنا بأبي ذر فقال لنا استأنفوا العمل فقد كفيتم ما مضى حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أبي ميسرة قال حدثنا بن أبي أويس قال حدثني أبي عن عم أبيه قال حدثنا قاسم بن أبي ميسرة عن ربيع بن مالك عن أبيه عن جعونة بن سعوب الليثي قال خرجت مع عمر بن الخطاب فنظر إلى ركب صادرين من الحج فقال لو يعلم الركب ما ينقلبون به من الفضل بعد المغفرة لا يكلفوا ولكن ليستأنفوا العمل وإذا كان هذا فليأتنف العمل كل من حج حجا مبرورا فطوبى لمن وقف بعد ذلك العمل الصالح روى سفيان الثوري أنه قال لمن سأله حين دفع الناس من عرفة إلى المزدلفة عن أخسر الناس صفقة وهو يعرض بأهل الفسق والظلمة فقال أخسر الناس صفقة من ظن أن الله لا يغفر لهؤلاء مالك أنه سأل بن شهاب عن الاستثناء في الحج فقال أو يصنع ذلك أحد وأنكر ذلك

قال أبو عمر يريد بقوله الاستثناء أن يشترط ويستثني فيقول عند إحرامه لبيك اللهم لبيك حجا أو عمرة إلا أن يمنعني منه ما لا أقدر على النهوض فيكون محلي حيث حبستني ولا شيء علي فإذا قال ذلك كان له شرطه وما استثناه إن نابه شيء أو عاقه عائق يقوم محله في ذلك الموضع ولا شيء عليه وهذه المسألة اختلف العلماء فيها قديما وحديثا فقال مالك الاشتراط في الحج باطل ويمضي على إحرامه حتى يتمه على سنته ولا ينفعه قوله محلي حيث حبستني وبه قال أبو حنيفة والثوري وهو قول إبراهيم النخعي وبن شهاب الزهري وهو قول بن عمر ذكر عبد الرزاق وأخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول حسبكم سنة رسول الله أنه لم يشترط فإن حبس أحدكم عن الحج حابس فطاف بالبيت فليطف بين الصفا والمروة وليحلق ويقصر وقد حل من كل شيء حتى يحج قابلا ويهدي أو يصوم إن لم يجد هديا وقال الشافعي إن ثبت حديث ضباعة لم أعده ومنهم من يقول الاشتراط باطل وروي عن سعيد بن جبير وطاوس أنهما أنكرا الاشتراط في الحج وذهبا فيه مذهب بن عمر وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود لا بأس أن يشترط وينفعه شرطه على ما روي عن النبي عليه السلام وعن غير واحد من الصحابة قال أبو عمر روي الاشتراط في الحج عند الإحرام عن علي وعمر وعثمان وبن عباس وبن مسعود وعمار وجماعة من التابعين بالمدينة منهم سعيد بن المسيب وعروة بالكوفة ومنهم علقمة وعبيدة السلماني وشريح وهو قول عطاء بن أبي رباح

كل ذلك من كتاب عبد الرزاق وبن أبي شيبة سئل مالك هل يحتش الرجل لدابته من الحرم فقال لا قال أبو عمر أجمعوا أنه لا يحتش في الحرم إلا الإذخر الذي أذن النبي عليه السلام في قطعه فإن الجميع يجيزون أخذه ويقولون أذن النبي عليه السلام في قطع الإذخر أجمعوا أنه لا يرعى إنسان في حشيش الحرم لأنه لو جاز أن يرعى جاز أن يحتش وقال الشافعي يقطع السواك من فرع الشجرة ويؤخذ منها الثمر والورق للدواء إذا كان لا يميتها ولا يضر بها لأن هذا يستخلف فيكون كما كان وليس كالذي ينزع أصله قال وأكره أن يخرج من حجارة الحرم وترابه شيء إلى غيره للحرمة التي ثبتت له فأما ماء زمزم فلا أكره الخروج به وقال أبو ثور في ذلك كله نحو قوله وهو معنى قول مجاهد وعطاء باب حج المرأة بغير ذي محرم مالك في الصرورة من النساء التي لم تحج قط إنها إن لم يكن لها ذو محرم يخرج معها أو كان لها فلم يستطع أن يخرج معها أنها لا تترك فريضة الله عليها في الحج لتخرج في جماعة النساء قال أبو عمر قال الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا آل عمران فدخل في ذلك الرجال والنساء المستطيعون إليه سبيلا

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم منها واختلفت ألفاظ هذه الأحاديث في هذه المسألة وسنبين ذلك في موضعه من حديث مالك إن شاء الله واختلف الفقهاء هل يكون المحرم من السبيل أم لا فقال مالك ما رسمه في موطأة ولم يختلف فيه عنه ولا عن أصحابه وهو قول الشافعي في أنها تخرج معه مع جملة النساء قال ولو خرجت مع امرأة واحدة مسلمة لله فلا شيء عليها وقال بن سيرين جائز أن تحج مع ثقات المسلمين من الرجال وهو قول الأوزاعي قال الأوزاعي تخرج مع قوم عدول وتتخذ سلما تصعد عليه وتنزل ولا يقربها رجل وكل هؤلاء يقول ليس المحرم للمرأة من السبيل وهو مذهب عائشة لأنها قالت ليس كل امرأة لها ذو محرم أو تجد ذا محرم ذكر عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن عمرة قال أخبرت عائشة تفتي ألا تسافر امرأة فوق ثلاث إلا مع ذي محرم فقالت عائشة تجدون ذا محرم قال وأخبرنا معمر وبن التيمي أنهما سمعا أيوب يحدث عن بن سيرين أنه سئل عن المرأة تحج مع غير ذي محرم فقال رب من ليس بذي محرم خير من محرم وقالت طائفة المحرم للمرأة من السبيل فإذا لم يكن معها زوجها ولا ذو محرم منها فليس عليها الحج لأنها لم تجد السبيل إليه وممن ذهب إلى هذا الحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأصحابه

وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور إلا أن الأثرم روى عن أحمد بن حنبل أنه قال أرجو في الفريضة أن تخرج مع النساء وكل من تأمنه قال أبو عمر حجة من رأى المحرم من السبيل ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم وقد روي لا تحج امرأة إلا مع ذي محرم ذكر عبد الرزاق قال حدثنا بن جريج عن عمرو بن دينار قال أخبرني عكرمة وأبو معبد عن بن عباس قال جاء رجل إلى المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أين نزلت فقال على فلانة فقال أغلقت عليك بابها مرتين لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج وأما بن عيينة فأخبرناه عن عكرمة عن بن عباس ليس فيه شك وعن الثوري عن ليث عن أبي هبيرة عن إبراهيم قال كتبت إليه امرأة من الري تسأله عن الحج مع ذي محرم قال هو من السبيل فإن لم تجد ذا محرم فلا سبيل باب صيام التمتع مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تقول الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج لمن لم يجد هديا ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة فإن لم يصم صام أيام منى ومالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في ذلك مثل قول عائشة رضي الله تعالى عنها قال أبو عمر قال الله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج البقرة وأجمع العلماء على أن الثلاثة الأيام إن صامها قبل يوم النحر فقد أتى بما

يلزمه من ذلك ولهذا قال من قال من أهل العلم بتأويل القرآن في قوله ثلاثة أيام في الحج قال آخرها يوم عرفة وكذلك أجمعوا أنه لا يجوز له ولا لغيره صيام يوم النحر واختلفوا في صيام أيام منى إذا كان قد فرط فلم يصمها قبل يوم النحر فقال مالك يصومها المتمتع إذا لم يجد هديا لأنها من أيام الحج وروي عن بن عمر وعائشة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وأبو ثور لا يصوم المتمتع أيام منى لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام منى ولم يخص نوعا من الصيام واختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل في ذلك فروي عنه أنه إن لم يصم الثلاثة الأيام آخرها يوم عرفة ولم يصم يوم النحر وصام أيام منى وروي عنه أنه لا يصوم أيام منى ويصم بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم وروي عن عطاء بن أبي رباح أنه يجوز للمتمتع أن يصوم في العشر وهو حلال وقال مجاهد وطاوس إذا صامهن في أشهر الحج أجزأه وهذان القولان شاذان ذكرهما الطبري عن محمد بن بشار وعن بن مهدي وعن سفيان عن بن جريج وعن عطاء عن أبي حميد عن حكام عن عنبسة عن بن أبي نجيح عن مجاهد وطاوس كمل كتاب الحج بحمد الله وعونه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الجهاد باب الترغيب في الجهاد ذكر فيه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمن الله لمن

خرج في سبيله إيمانا به وتصديقا برسوله أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى منزله نائلا ما نال من أجر أو غنيمة قال أبو عمر الحديث الأول من حديثي مالك المذكورين هذا من أجل حديث روي في فضل الجهاد لأنه مثل بالصلاة والصيام وهما أفضل الأعمال وجعل المجاهد بمنزلة من لا يفتر عن ذلك ساعة فأي شيء أفضل من شيء يكون صاحبه راكبا وماشيا وراقدا ومتلذذا بكثير ما أبيح له من حديث رفيقه وأكله وشربه وهو في ذلك كله كالمصلي التالي للقرآن في صلاته الصائم المجتهد ولذلك قلنا إن الفضائل لا تدرك بقياس وإنما هو تفضل من الله عز وجل قال الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون الصف الآيات إلى قوله تعالى وبشر المؤمنين الصف وفي هذا الحديث استعمال القياس والتشبيه والتمثيل في الأحكام لأنه شبه المجاهد بالصائم القائم وفي الحديث الثاني أيضا فضل الجهاد وأن الأعمال لا يزكو منها إلا ما خلصت فيه النية لله عز وجل ألا ترى إلى قوله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته وفي حديث سهيل إيمانا به وتصديقا برسوله وقوله فيه من أجر أو غنيمة يريد والله أعلم من أجر وغنيمة كما قال الله عز وجل ولا تطع منهم أثما أو كفورا النساء يريد ولا كفورا وكما قال جل ثناؤه مثنى وثلاث ورباع النساء فاطر أي مثنى أو ثلاث أو رباع فقد تكون أو بمعنى الواو وتكون الواو بمعنى أو وقد روي منصوصا من أجر وغنيمة بواو الجمع لا بأو حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد السلام بن عتيق قال حدثنا أبو مسهر قال أخبرنا إسماعيل بن عبد الله قال أخبرنا الأوزاعي قال سليمان بن حبيب عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل من خرج غازيا في سبيل الله فهو ضامن على الله عز وجل حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة وذكر تمام الخبر وفي هذا الحديث دليل على أن الغنيمة لا تنقص من أجر المجاهد شيئا وأنه أقر الأجر غنم أو لم يغنم وشهد لهذا ما اجتمع على تقبله أهل السير والعلم بالأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لعثمان وطلحة وسعيد بن زيد بأسهمهم يوم بدر وهم غير حاضري القتال فقال كل واحد منهم وأجري يا رسول الله قال وأجرك وأجمعوا أن تحليل الغنائم لهذه الأمة من وظائفها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم وقال عليه السلام أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي وذكر منها فأحلت لي الغنائم قال أبو عمر ولو كانت تحبط الأجر أو تنقصه ما كانت فضيلة له وقد قال قوم إن الغنيمة تنقص من أجر الغانمين لحديث رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من سرية أسرت وأخفقت إلا كتب لها أجرها مرتين

قالوا وفي هذا الحديث ما يدل على أن العسكر إذا لم يغنم كان أعظم لأجره واحتجوا أيضا بما حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال حدثنا حيوة بن شريح عن أبي هانئ حميد بن هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من غازية تغزو في سبيل الله فتصيب غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم وأما قوله عليه السلام في السرية أسرت فأخفقت أن لها أجرها مرتين فيحتمل مثل ما يحتمل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وذلك والله أعلم أن يكون الأجر مضاعفا لها بما نالها من الخوف وعلى ما فاتها من الغنيمة كما يؤجر من أصيب بماله مضاعفا فيؤجر على ما يتكلفه من الجهاد أجر المجاهد وعلى ما فاته من الغنيمة أجرا آخر كما يؤجر على ما يذهب من ماله ونحو ذلك وذكر مالك في هذا الباب عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخيل لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج

أو روضه فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كان له حسنات ولو أنها قطعت طيلها ذلك فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي به كان ذلك له حسنات فهي له أجر ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا في ظهورها فهي لذلك ستر ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره قال أبو عمر في هذا الحديث من الفقه أن الأعيان لا يؤجر الإنسان في اكتسابها لأعيانها وإنما يؤجر بالنية الحسنة في استعمال ما ورد الشرع من الفضل في عمله لأنها خيل كلها وقد اختلفت أحوال مكتسبيها لاختلاف النيات فيها وفيه أن الحسنات تكتب للمرء إذا كان له فيها سبب واصل وإن لم يقصد فضل الحسنة تفضلا من الله على عباده المؤمنين وليس كذلك حكم السيئات والحمد لله يدلك على ذلك في هذا الحديث أنه لم يذكر حركات الخيل وتقلبها ورعيها وروثها في سيئات المفتخر بها كما ذكرها في حسنات الرابط الذي ربطها ألا ترى أنها لو قطعت حبلها نهارا فأفسدت زرعا أو رمحت فقتلت أو جنت أن صاحبها بريء من الضمان عند جميع أهل العلم ويبين ذلك أيضا قوله في هذا الحديث ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك له حسنات ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم من كان منتظرا الصلاة فهو في صلاة

وقال صلى الله عليه وسلم انتظار الصلاة بعد الصلاة ذلكم الرباط وذلكم الرباط لأن انتظار الصلاة سبب شهودها وكذلك انتظار العدو في الموضع المخوف فيه إرصاد للعدو وقوة لأهل الموضع وعدة للقاء العدو وسبب لذلك كله وقد أوضحنا هذه المعاني في التمهيد بالشواهد فمن أراد الوقوف عليها قابلها هناك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا بشر بن حجر قال حدثنا حماد بن سلمة عن سهيل بن ابي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صاحب كنز فذكر الحديث على ما ذكرناه في باب الكنز قال ثم سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخيل فقال الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وهي لرجل أجر ولرجل ستر وجمال وعلى آخر وزر فأما الذي هي له أجر فهو الذي يتخذها في سبيل الله فإن مرت بمرج فأكلت منه فما غيبته في بطونها فهو له أجر وإن مرت بنهر فشربت منه فما شربت في بطونها فهو له أجر وإن استنت شرفا كان له أجر حتى ذكر أرواثها وأبوالها وأما الذي له ستر وجمال فرجل يتخذها تكرما وتجملا ولا سيما من ظهرها وبطونها في عسره ويسره وأما الذي هي عليه وزر فرجل يتخذها بذخا وأشرا ورياء أو سمعة ثم سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال ما أنزل علي فيها شيء غير الآية الفاذة الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره الزلزلة وأما قوله فما أصابت في طيلها فالطيل الحبل يطول للدابة وهو مكسور الأول ويقال فيه طول وطيل

قال طرفة لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطيل المرخا وثنياه باليد وقد أتينا من الشواهد على الطيل بكثير من الشعر في التمهيد والحمد لله وأما قوله فاستنت شرفا أو شرفين فإن الاستنان أن يلج الفرس في عدوه في إقباله وإدباره يقال منه جاءت الإبل سننا أي تستن في عدوها وتسرع ومنه المثل القائل استنت الفصال حتى القرعا تضرب للرجل الضعيف يرى الجلداء يفعلون شيئا فيفعل مثله قال عدي بن زيد فبلغنا صنعه حتى نشا فاره البال لجوجا في السنن فاره البال أي ناعم البال وقال أعشى همدان لا تأسين على شيء فكل فتى إلى منيته يسنن في عنف ومنها شواهد غيرها قد ذكرنا أكثرها في التمهيد والشرف والشرفان الكدية والكديتان والجبل الصغير المعتدل والجبلان وأما قوله تغنيا فيريد استغناء يقال فيه تغنيت تغنيا وتغانيت تغانيا واستغنيت استغناء وشواهده بالشعر في التمهيد وأما قوله ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال أحدها حسن ملكتها والإحسان إليها وركوبها غير مشقوق عليها وخص الرقاب والظهور بالذكر لأنه قد تستعار الرقاب في موضع الحقوق اللازمة والفروض

الواجبة وفي معظم الشيء كما قال الله عز وجل فتحرير رقبة النساء يريد الإنسان كله وكما قال كثير غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا غلقت لضحكته رقاب المال وقد يجعلون العنق في مثل هذا كالرقبة كما جاء في الحديث فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه قال هذا لم يوجب على مالك الخيل فيها شيئا يجب عليه إخراجه لعمره من مسكين أو فقير أو قريب أو غيرهم وهذا مذهب من لا يرى في الأموال حقا سوى الزكاة وهم جماعة من العلماء ومن حجتهم حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك وقال بن عباس من أدى زكاة ماله فلا جناح عليه ألا يتصدق وقد ذكرنا إسناد هذين الحديثين في التمهيد وذكرنا في باب الكنز من هذا الكتاب في هذا المعنى ما هو الشفاء والحمد لله وقد تأول من قال بهذا في قول الله عز وجل و وفي أموالهم حق معلوم المعارج أنه الزكاة كما قال وأتوا حقه يوم حصاده الأنعام وقال آخرون معنى قوله ولا ينسى حق الله في رقابها ولا ظهورها إطراق فحلها وإفقار ظهرها وحمل عليها في سبيل الله وإلى هذا ونحوه ذهب بن نافع فيما أحسب لأن يحيى بن يحيى سأله عن

ذلك فقال يريد أن لا ينسى يتصدق لله تعالى ببعض ما يكسبه عليها وهذا مذهب من قال في المال حقوق سوى الزكاة لقول الله عز وجل و في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم المعارج وممن قال ذلك الشعبي ومجاهد والحسن وقد ذكرنا الأسانيد عنه بذلك في التمهيد وذكر بن أبي شيبة عن بن علية عن أبي حيان قال حدثني مزاحم بن زفر قال كنت جالسا عند عطاء فجاءه أعرابي فقال إن لي إبلا فهل علي فيها حق بعد الصدقة قال نعم وحجة هؤلاء حديث قيس بن عاصم قال قلت يا رسول الله ما خير المال قال نعم المال الأربعون والأكثر الستون وويل لأصحاب المئين إلا من أدى حق الله في رسلها ونجدتها وأفقر ظهرها وأطرق فحلها ومنح غزيرتها ونحر سمينها فأطعم القانع والمعتر وذكر تمامها وقد ذكرنا تمام الخبر في التمهيد وقال آخرون ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها الزكاة الواجبة لله تعالى فيها ولا اعلم أحدا من فقهاء الأمصار أوجب الزكاة في الخيل إلا أبا حنيفة فإنه أوجب الزكاة فيها إذا كانت الخيل سائمة ذكورا وإناثا يطلب فسلها وقد ذكرنا هذه المسألة بما فيها للعلماء في كتاب الزكاة وأما قوله فرجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الإسلام فالفخر والرياء معروفان وأما النواء فمصدر ناوأت العدو مناوأة ونواء او هي المناوأة قال أهل اللغة أصله من ناء إليك ونؤت إليه أي نهض إليك ونهضت إليه قال بشر بن أبي خازم بلت قتيبة في النواء بفارس لا طائش رعش ولا وقاف

وقال أعشى باهلة أما يصبك عدو في مناوأة يوما فقد كنت تستعلي وتنتصر وقال أوس بن حجر إذا أنت ناوأت الرجال ولم تنوء بقرنين غرتك القرون الكوامل ولا يستوي قرن النطاح الذي به تنوء وقرن كلما نؤت مائل وأما قوله الآية الجامعة الفاذة فالفاذ هو الشاذ ويقال فاذة وفذة وفاذ وفذ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ ومعنى ذلك أنها منفردة في عموم الخير والشر لا آية أعم منها وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد وقوله في الحمر في هذا الحديث مثل قولة عليه السلام في كل كبد رطبة أجر وكان الحميدي رحمه الله يقول إذا نحرت حمارا فانظر كيف تنحره قال أبو عمر أما الخيل فقد جاء فيها ما جاء وسيأتي في هذا المعنى زيادة عند قوله عوتبت الليلة في الخيل وروى سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رئي صباحا وهو يمسح فرسه بردائه وقال إن جبريل عاتبني الليلة في الخيل أخبرناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار فذكره

وفي هذا الحديث دليل والله أعلم على أن كلامه ذلك في الخيل كان بوحي من الله عز وجل لأنه قال في الحمر لم ينزل علي فيها شيء إلا الآية الجامعة الفاذة فكأن قوله في الخيل كان بوحي والله أعلم ألا ترى إلى قوله إني عوتبت الليلة في الخيل وروى زيد بن الحباب قال حدثنا رجاء بن أبي سلمة قال حدثنا سليمان بن موسى قال سمعت عجلان بن سهل الباهلي يقول سمعت أبا أمامة الباهلي يقول من ارتبط فرسا في سبيل الله لم يرتبطه رياء ولا سمعة كان من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية وأما حديثه في هذا الباب عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري عن عطاء بن يسار أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بخير الناس منزلا رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله ألا أخبركم بخير الناس منزلا بعده رجل معتزل في غنيمته يقيم الصلاه ويؤتي الزكاه ويعبد الله لا يشرك به شيئا فقد ذكرنا في التمهيد من وصله وذكرنا طرقه وذكرنا في فضل العزلة هناك وما فيه شفاء في معناه والحمد لله حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة عن بن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن عطاء بن يسار عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم جلوس فقال ألا أخبركم بخير الناس منزلا قلنا بلى يا رسول الله فقال رجل ممسك برأس فرسه في سبيل الله حتى يقتل أو يموت ألا أخبركم بالذي يليه قالوا بلى يا رسول الله قال رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شر الناس

مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم قد ذكرنا الاختلاف على يحيى بن سعيد في إسناد هذا الحديث في التمهيد وأصح شيء فيه ما قاله مالك عن يحيى بن سعيد عن عبادة بن الوليد عن أبيه عن جده وهذه البيعة لم تكن بيعة العقبة وإنما كانت بالمدينة على الحرب وقد ذكرنا في التمهيد الشواهد بذلك منها ما حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثني أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثنا محمد بن جرير بن يزيد قال حدثنا محمد بن حميد قال سلمة عن بن إسحاق قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده عبادة بن الصامت وكان أحد النقباء قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوا بيعة العقبة الأولى على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم قال أبو عمر قوله في حديث مالك بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة الحديث معناه فيما استطاعوا ويبين ذلك حديثه عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعتم وأما قوله في العسر واليسر والمنشط والمكره فمعناه فيما نقدر علية شق علينا أو يسر بنا وفيما نحبه وننشط إليه وفيما نكرهه ويثقل علينا

وفي حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو أكره وهدى الله على ما يحل في دين الله وما أباحته الشريعة فهو المعروف الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لا طاعة إلا في معروف ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بالمعروف أطلق السمع والطاعة في المنشط والمكره ثم قيد ذلك لمن جاء بعده بأن قال إنما الطاعة في المعروف ولهذا يشهد المحكم من كتاب الله عز وجل قال الله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان المائدة وقد قال خضير السلمي لعبادة بن الصامت وقد حدثه بهذا الحديث أرأيت إن أطعت أميري في كل ما يأمرني به قال يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار وليجئ هذا فينقذك وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك كان حقا على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا حدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما الطاعة في المعروف في حديث ذكره قال وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب وهشام عن محمد عن عمران بن حصين والحكم الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا طاعة لبشر في معصية الله وأما قوله ألا ننازع الأمر أهله فقد اختلف الناس في ذلك فقال القائلون منهم أهله أهل العدل والإحسان والفضل والدين مع القوة على القيام بذلك فهؤلاء لا ينازعون لأنهم أهله وأما أهل الجور والفسق والظلم فليسوا بأهل له واحتجوا بقول الله عز وجل لإبراهيم إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين البقرة ذهب إلى هذا طائفة من السلف الصالح واتبعهم بذلك خلف من الفضلاء والقراء والعلماء من أهل المدينة والعراق وبهذا خرج بن الزبير والحسين على يزيد وخرج خيار أهل العراق وعلمائهم على الحجاج ولهذا أخرج أهل المدينة بني أمية عنهم وقاموا عليهم فكانت الحرة وبهذه اللفظة وما كان مثلها في معناها مذهب تعلقت به طائفة من المعتزلة وهو مذهب جماعة الخوارج وأما جماعة أهل السنة وأئمتهم فقالوا هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عالما عدلا محسنا قويا على القيام كما يلزمه في الإمامة فإن لم يكن فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء وانطلاق أيدي الدهماء وتبييت الغارات على المسلمين والفساد في الأرض وهذا أعظم من الصبر على جور الجائر روى عبد الرحمن بن هدي عن سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر قال قال بن عمر حين بويع ليزيد بن معاوية إن كان خير رضينا وإن كان بلاء صبرنا وقد ذكرنا في التمهيد آثارا كثيرة تشهد لهذا المعنى وبالله التوفيق

حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال أخبرنا أشهب بن عبد العزيز قال قال مالك لا تنبغي الإقامة في أرض يكون فيها العمل بغير الحق والسنة للسلف وروى معن بن عيسى وغيره عن مالك أنه كان يقول ليس لمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفيء حق ويقول قد قسم الله تعالى في سورة الحشر للفقراء المهاجرين الآية والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان الحشر قال ومن سب من أمره الله تعالى أن يستغفر له فلا حق له في الفيء قال أبو عمر أما قول مالك لا تنبغي الإقامة في بلد يعمل فيه بغير الحق فمعناه إذا وجد بلد يعمل فيه بالحق في الأغلب وقد قال عمر بن عبد العزيز فلان بالمدينة وفلان بمكة وفلان باليمن وفلان بالعراق وفلان بالشام امتلأت الأرض والله ظلما وجورا قال أبو عمر فأين المهرب إلا في السكوت واللزوم في البيوت بالرضا بأقل قوت وأما قوله أن نقول أو نقوم بالحق فالشك من المحدث مالك أو من فوقه وأما قولة لا نخاف في الله لومة لائم فقد أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه على حسب طاقته من قول وعمل على ما تقدم شرطنا ما لم يكن انطلاق الدهماء وإراقة الدماء ولكن على المؤمن أن يغير بلسانه إن عجز عن يده فإن لم يأمن المكروه فعليه أن يغير كما قال بن مسعود بحسب المؤمن إذا رأى منكرا لا يستطيع له تغييرا يعلم الله به من قلبه أنه له كاره رواه شعبة عن عبد الله بن عمير عن الربيع بن عميلة عن بن مسعود وروى طارق بن شهاب عن بن مسعود أن جاءه عتريس بن عرقوب فقال هلك من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقال بن مسعود بل هلك من لم يعرف المعروف بقلبه وينكر المنكر بقلبه رواه شعبة وسفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب وروى شعبة عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس أآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فقال إن خشيت أن تقتل فلا

وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث كلها وأضعافها في هذا المعنى في التمهيد وذكر مالك في هذا الباب عن زيد بن أسلم قال كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر بن الخطاب أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجا وأنه لن يغلب عسر يسرين وأن الله تعالى يقول في كتابه يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون آل عمران قال أبو عمر قد روي هذا الخبر متصلا عن عمر بأكمل من هذه الرواية حدثنا أحمد قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال جاء أبو عبيدة الشام حضر هو وأصحابه فأصابهم جهد شديد فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر سلام عليك أما بعد فإنها لم تكن شدة إلا جعل الله بعدها مخرجا ولن يغلب عسر يسرين وكتب إليه يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون آل عمران فكتب إليه أبو عبيدة سلام عليك أما بعد فإن الله عز وجل يقول أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد إلى قوله متاع الغرور الحديد فقرأه عمر على الناس وقال يا أهل المدينة إنما كتب أبو عبيدة يعرض لكم ويحض الناس على الجهاد قال زيد قال إني لقائم في السوق إذ أقبل قوم ينصون قد اطلعوا من التيه فيهم حذيفة بن اليمان يبشرون الناس قال فخرجت نشتد حتى دخلت على عمر فقلت يا أمير المؤمنين أبشر بنصر الله والفتح فقال عمر الله أكبر رب قائل لو كان خالد بن الوليد قال أبو عمر في هذا الخبر ما كانوا عليه من المشورة في أمورهم وقد أتى الله على من كان أمرهم شورى بينهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الحروب ليقتدى به وفيه أن الرئيس حق عليه الحذر على جيشه وأن لا يقدمهم على الهلكة ولذلك أوصى بعض السلف من الأمراء أمير جيشه فقال له كن كالتاجر الكيس الذي لا يطلب ربحا إلا بعد إحراز رأس ماله

فهذا معنى كتاب أبي عبيدة والله أعلم وأما جواب عمر فجواب مؤمن موقن بما وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم من ظهور دينه على الدين كله وأنه ستفتح عليه ديار كسرى وقيصر ولذلك أمره بالصبر وانتظار الفرج وهو أمر له بالبقاء لأنه أدرب وصار في بلادهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموهم فاثبتوا ويروى فاصبروا حدثني عبد الوارث بن سليمان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى قال أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن موسى بن عقبه عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله وكاتبه قال كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أيها الذين آمنوا لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ورواه بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة بإسناده وقال فيه فإذا لقيتموهم فاثبتوا فإن جلبوا وصاحوا فعليكم بالصمت أخبرنا سعيد بن يعيش وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن غالب قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية وإذا لقيتموهم فاثبتوا وحدثنا عبد الوارث ويعيش قالا حدثنا قاسم قال وحدثنا محمد بن غالب قال حدثنا عفان قال حدثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واعلموا أن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف وأما أبو عبيدة فولاه عمر بن الخطاب قيادة الجيوش بالشام في أول ولايته وعزل خالد بن الوليد عنها وذلك سنة أربع عشرة وكانت اليرموك سنة خمس

عشرة فاجتمعت الروم في جمع لم تجتمع في مثلها قبل ولا بعد قال بن إسحاق في مائة ألف وقال بن الكلبي في ثلاث مائة ألف وعليهم ما هانو رجل من البابا ومن كان تنصر ولحق بالروم وكانت الوقعة في رجب فنصر الله المسلمين وأظهرهم وحضرت أسماء بنت أبي بكر مع زوجها الزبير فحدثت قالت إن كان الرجل من العدو يمر ليسعى فتصيب قدماه عروة أطناب خبائي فيسقط على وجهه ميتا ما أصاب السلاح وروى محمد بن أبي الحسن عن إسحاق بن زائدة عن أبي واقد الليثي قال رأيت الرجل يوم اليرموك من العدو فيسقط فيموت فقلت في نفسي لو أني أضرب أحدهم بطرف ردائي ظننت أنه يموت وجعل الله للمسلمين من الغم الشديد الذي كان نزل بهم فرجا ومخرجا كما قال عمر رضي الله عنه وأما قوله لن يغلب عسر يسرين فإنه أراد معنى قول الله تعالى فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا الشرح قال أبو عبيدة وغيره من أهل العلم باللغة إن النكرة إذا ثنيت كانت اثنتين فقوله يسرا ويسرا يسران والعسر والعسر عسر واحد كأنه جاء للتأكيد لأنه معرفة هكذا قالوا أو معناه قال أبو عمر أحسن ما روي في قول الله تعالى يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون آل عمران ما قاله محمد بن كعب القرظي رواه بن وهب قال أخبرني أبو صخر المزني عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون آل عمران قال اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدتكم عليه ورابطوا عدوكم وعدوي حتى يترك دينه لدينكم واتقوا الله في ما بيني وبينكم لعلكم تفلحون إذا لقيتموني وأخبرنا أبو القاسم خلف بن قاسم بن سهل الحافظ قال أخبرنا أبو إسحاق محمد بن قاسم بن شعبان الفقيه قال حدثنا إبراهيم بن عثمان والحسين بن الضحاك واللفظ لإبراهيم قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال حدثنا محمد بن عمر الواقدي عن هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو بن العاصي

قال كتب أبو بكر الصديق إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر ما جمعت الروم من الجمع وأن الله تعالى لم ينصرنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم بكثرة عدد ولا بكثرة خيل ولا سلاح ولقد كنا ببدر وما معنا إلا فرسان وإن نحن إلا نتعاقب الإبل وكنا يوم أحد وما معنا إلا فرس واحد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبه ولقد كان الله يظهرنا ويعيننا على من خالفنا فاعلم يا عمرو أن أطوع الناس لله تعالى أشدهم بغضا للمعصية وأن من خاف الله تعالى ردعه خوفه عن كل ما لله تعالى معصية فأطع الله تعالى وسم ومر أصحابك بطاعته فإن المغبون من حرم طاعة الله واحذر على أصحابك البيات وإذا نزلت منزلا فاستعمل على أصحابك أهل الجلد والقوة ليكونوا نعم الذين يحرضونهم ويحفظونهم وقدم أمامك الطائع حتى يأتوا بالخير وشاور أهل الرأي والتجربة ولا تستبد برأيك دونهم فإن في ذلك احتقارا للناس ومعصية لهم فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب وإياك والاستهانة بأهل الفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عرفنا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار عند موته حين قال أحسنوا إلى محسنهم وجاوزوا عن مسيئهم وقربهم منك وأدنهم واستشرهم وأشركهم في أمرك ولا يغب عني خبرك كل يوم بما فيه إن قدرت على ذلك وأشبع الناس في بيوتهم ولا تشبعهم عندك وتعاير أهل الرعاية والأحداث بالعقوبة من غير تعد عليهم وليكن تقدمك إليهم في ما تنهى عنه قبل العقوبة تبرأ إلى أهل الذمة من معرتهم واعلم أنك مسؤول عما أنت فيه فالله الله يا عمرو فيما أوصيك به جعلني الله وإياك من رفقاء محمد صلى الله عليه وسلم في دار المقامة وقد كتبت إلى خالد بن الوليد يمدك بنفسه ومن معه فله مدد في الحرب وهو ممن يعرف الله تعالى فلا يخالف وشاوره والسلام عليك باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو قال مالك وإنما ذلك مخافة أن يناله العدو

قال أبو عمر هكذا قال يحيى والقعنبي وبن بكير وأكثر الرواة وقال بن وهب عن مالك في آخره خشية أن يناله العدو ولم يجعله من قول مالك وكذلك قال عبد الله بن عمر والليث وأيوب عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو وكذلك رواه إسماعيل بن أمية وليث بن أبي سليم عن نافع عن بن عمر وهو لفظ مرفوع صحيح وأجمع الفقهاء أن لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه واختلفوا في جواز ذلك في العسكر المأمون الكبير فقال مالك لا يسافر فيه بالقرآن إلى أرض العدو ولم يفرق بين العسكر الكبير والصغير وقال أبو حنيفة يكره أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو إلا بالعسكر العظيم فإنه لا بأس بذلك واختلفوا في هذا الباب في تعليم الكافر القرآن فمذهب أبي حنيفة أنه لا بأس بتعليم الحربي والذمي القرآن والفقه رجاء أن يرغبوا في الإسلام وقال مالك لا يعلم القرآن ولا الكتاب وكره رقية أهل الكتاب وعن الشافعي روايتان أحدها الكراهية والأخرى الجواز قال أبو عمر الحجة لمن كره ذلك قول الله عز وجل إنما المشركون نجس التوبة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمس القرآن إلا طاهر ومعلوم أن من تنزيه القرآن وتعظيمه إبعاده عن الأقذار والنجاسات وفي كونه عند أهل الكفر نقض له بذلك وإهانة له وكلهم أنجاس لا يغتسلون من نجاسة ولا يعافون ميتة وقد كره مالك وغيره أن يعطى الكافر دينارا أو درهما فيه سورة أو آية من كتاب

الله تعالى وما أعلم في هذا خلافا إذا كانت آية تامة أو سورة وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم إذا كان فيهما اسم من أسماء الله فأما الدراهم التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن عليها قرآن ولا اسم لله ولا ذكر له لأنها كانت من ضرب الروم وإنما ضربت دراهم الإسلام في أيام عبد الملك بن مروان فإن قيل أفيجوز أن يكتب المسلم إلى الكافر كتابا فيه آية من كتاب الله قال أما إذا دعى إلى الإسلام أو كانت ضرورة إلى ذلك فلا بأس به لما رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال أخبرني أبو سفيان بن حرب فذكر قصة هرقل وحديثه قال هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاء الإسلام أسلم تسلم وأسلم يزيد الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا الآية آل عمران باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو ذكر فيه مالك عن بن شهاب عن بن لكعب بن مالك قال حسبت أنه قال عبد الرحمن بن كعب أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا بن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان قال فكان رجل منهم يقول برحت بنا امرأة بن أبي الحقيق بالصباح فأرفع السيف عليها ثم أذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكف ولولا ذلك استرحنا منها وذكر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في

بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان قال أبو عمر أما حديثه عن بن شهاب فحديث مرسل لم يسنده أحد عن مالك إلا الوليد بن مسلم فقال فيه عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك وقد ذكرنا الإسناد عنه بذلك في التمهيد وأما رواة الموطأ عن مالك فاختلفوا فيه فقال بن القاسم وبن بكير وبشر بن عمر وأبو المصعب عن مالك عن بن شهاب عن بن كعب بن مالك حسبت أنه قال عبد الرحمن كما قال يحيى وقال القعنبي حسبت أنه قال عبد الله بن كعب أو عبد الرحمن بن كعب وقال بن وهب عن مالك عن بن شهاب عن بن لكعب بن مالك لم يقل عبد الله ولا عبد الرحمن ولا حسبت شيئا من ذلك وأما اختلاف أصحاب بن شهاب في إسناد هذا الحديث فكثير جدا وقد ذكرناه في التمهيد وأما بن أبي الحقيق فرجل من اليهود ويسمى سلاما ويكنى أبا رافع قد ذكرنا خبره في كتابه الدرر في اختصار المغازي والسير ومن الذين قتلوه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوضحنا خبره هناك وفي التمهيد أيضا والحمد لله وأما حديثه عن نافع فمرسل عند أكثر أهل الرواية كما رواه يحيى وقد أسنده عن مالك عن نافع عن بن عمر الوليد بن مسلم ومحمد بن المبارك الصوري وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن محمد الرازي وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في التمهيد وكذلك رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب بن عباس وعائشة وأبو سعيد الخدري وأنس والأسود بن سريع وغيرهم وأجمع العلماء على القول بذلك ولا يجوز عندهم قتل نساء الحربيين ولا أطفالهم لأنهم ليسوا ممن يقاتل في الأغلب والله عز وجل يقول وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم البقرة واختلفوا في النساء والصبيان إذا قاتلوا

فجمهور العلماء على أنهم إذا قاتلوا قوتلوا وممن قال ذلك الثوري ومالك والأوزاعي والليث والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور كل هؤلاء وغيرهم ينهون عن قتلهم إذا لم يقاتلوا لأنهم مال للمسلمين إذا سبوا استحيوا وقد كان حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه أن تقتل المقاتلة وتسبى الذراري والعيال والآثار بذلك متواترة وهو أمر مجتمع عليه إلا أن تقاتل المرأة وتأتي ما يوجب القتل ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن قال إذا قاتلت المرأة من المشركين أو خرجت معهم إلى دار المسلمين فلتقتل قال أبو عمر قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة والخندق و أم قرفة وقتل يوم الفتح قينتين كانتا تعينا بن خطل بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير بن زهير بن حرب قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فمر بامرأة مقتولة والناس مجتمعون عليها ففرجوا له فقال ما كانت هذه تقاتل الحق خالدا فقل له لا تقتل امرأة ولا ذرية ولا عسيفا وروى وكيع عن صدقة الدمشقي عن يحيى بن يحيى الغساني قال كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين البقرة فكتب إلي أن ذلك في النساء والذرية ومن لم ينصب لكم الحرب وروى سنيد عن أبي بكر بن عياش عن عمرو بن ميمون قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى جعونة وكان أمره على الأدراب أن لا تقتل امرأة ولا شيخا ولا صغيرا ولا راهبا وذكر أبو بكر قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان وعبد الله بن نمير عن

عبد الله بن عمر عن نافع عن أسلم مولى عمر أن عمر كتب إلى عماله ينهاهم عن قتل النساء والصبيان ويأمرهم بقتل من جرت عليه المواسي قال وحدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال كتب عمر إلى أمراء الأجناد لا تقتلوا امرأة ولا صبيا واقتلوا من جرت عليه المواسي وفي كتاب بن عباس مجاوبا لنجدة الحروري قال له ذكرت أن العالم صاحب موسى قد قتل الوليد ولو كنت تعلم من الولدان ما علم ذلك العالم من ذلك الوليد ما قتلتهم ولكنك لا تعلم وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان فاعتزلهم وهو حديث مروي عن بن عباس من وجوه كثيرة صحاح واختلف الفقهاء في رمي الحصن بالمنجنيق إذا كان فيه أسارى مسلمين وأطفال المشركين فقد قال مالك أما رمي الكفار بالمنجنيق فلا بأس بذلك قال ولا تحرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسارى من المسلمين لقول الله عز وجل لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما الفتح وقال أبو حنيفة والثوري لا بأس برمي حصون الكفار وإن كان فيهم أسارى من المسلمين وأطفال ولا بأس أن يحرق الحصن ويقصد بذلك من فيه من الكفار فإن أصابوا في ذلك مسلما فلا دية ولا كفارة وقال الأوزاعي إذا تترس الكفار بأطفال المسلمين لم يرموا لقول الله عز وجل ولولا رجال مؤمنون الآية الفتح قال ولا يحرق المركب الذي فيه أسارى المسلمين ويرمى الحصن فإن مات أحد من المسلمين فهو خطأ قال الشافعي لا بأس برمي الحصن وفيه أسارى وأطفال ومن أصيب فلا شيء فيه وإن تترسوا ففيه قولان أحدهما يرمون والأخر لا يرمون إلا أن يكونوا إذا رمى أحدهم أيقن بضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في هذه الحال مسلما وعلم أنه مسلم فالدية مع الرقبة وإن لم يعلمه مسلما فالرقبة وحدها

قال أبو عمر روى بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس عن الصعب بن جثامة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم منهم وربما قال هم من آبائهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر سراياه بالغارة على المشركين وبالتبييت ويقول إذا سمعتم أذانا فأمسكوا وإن لم تسمعوا أذانا فأغيروا وقال لأسامة بن زيد أغر على أبنا صباحا وحرق وبعث صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي في سرية قال جندب بن مكيث كنت فيهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشن الغارة على بني الملوح بالكديد وقد ذكرنا هذه الآثار كلها بأسانيدها في التمهيد وبهذا عمل الخلفاء الراشدين بعده صلى الله عليه وسلم لمن بلغته الدعوة فيمن قال بهذه الأحاديث زعم أن قوله عز وجل ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات الآية الفتح خصوص في أهل مكة وأما مالك والأوزاعي فذهبا إلى أن الآية عامة في سائر الناس وأن حديث الصعب بن جثامة وما كان مثله من التبييت والغارة فليس فيه ذكر مسلم يتترس به وقول مالك أصح ما قيل في ذلك لتحريم الله دم المسلم تحريما مطلقا لم يخص به موضعا من موضع وإنما قتل الشيوخ والرهبان والفلاحين ويأتي ذكره في حديث أبي بكر بعد هذا إن شاء الله مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر إما أن تركب وإما أن أنزل فقال أبو بكر ما أنت بنازل وما أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله ثم قال له إنك

ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف وإني موصيك بعشر لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تحرقن نحلا ولا تفرقنه ولا تغلل ولا تجبن قال أبو عمر روى هذا الحديث سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد كما رواه مالك فلما انتهى إلى قوله فدعهم وما حبسوا أنفسهم له قال سفيان يعني الرهبان قال وستجد قوما قد فحصوا عن أوساط رؤوسهم وجعلوا حولها أمثال العصائب فاضرب ما فحصوا من أوساط رؤوسهم بالسيف قال سفيان يعني القسيسين ثم ذكر تمام الخبر كما ذكره مالك سواء قال أبو عمر افتتح أبو بكر الصديق في آخر أيامه قطعه من الشام وكان له عليها أمراء منهم أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة والأخبار بذلك عند أهل السير مشهورة وكان يزيد على ربع من الأرباع المشهورة وفي ركوب يزيد ومشي أبي بكر رخصة في أن الجليل من الرجال راجلا مع من هو دونه راكبا للتواضع واحتساب الخطى في سبيل الله كما ذكر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار أو حرمه الله على النار رواه مالك بن عبد الله الخثعمي عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من سنتهم تشييع الغزاة ابتغاء الثواب وفيه ما كانوا عليه من حسن الأدب وجميل الهدي أداء ما يلزمهم من توقير أئمة العدل وإجلالهم وبرهم وأما قوله إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فإنه أراد الرهبان المنفردين عن الناس في الصوامع لا يخالطون الناس ولا يطلعون على عورة ولا فيهم شوكة ولا نكاية برأي ولا عمل ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن

حجاج بن أرطأة عن يحيى بن جدعان عن يحيى بن المطيع أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث جيشا فقال اغزوا باسم الله اللهم اجعل وفاتهم شهادة في سبيلك ثم قال إنكم تأتون قوما في صوامع لهم فدعوهم وما أعملوا أنفسهم له وتأتون قوما قد فحصوا عن أوساط رؤوسهم فاضربوا ما فحصوا عنه وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن يحيى بن سعيد هذا الحديث كما رواه مالك إلا أنه قال وستجد أقواما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر وتركوا منها أمثال العصائب فاضربوا ما فحصوا عنه بالسيف ثم ذكر تمام الحديث على حسب ما ذكره مالك قال عبد الرزاق الذين فحصوا عن رؤوسهم الشمامسة والذين حبسوا أنفسهم هم الرهبان الذين في الصوامع قال أبو عمر الشمامسة هم أصحاب الديانات والرهبان المخالطون للناس من أهل دينهم وغير دينهم وفيهم الرأي والمكيدة والعون بما أمكنهم وليسوا كالرهبان الفارين عن الناس المعتزلين لهم في الصوامع روى معمر عن الزهري قال كان أبو بكر إذا بعث جيوشه إلى الشام قال إنكم ستجدون قوما فحصوا عن رؤوسهم ففلقوا رؤوسهم بالسيوف وستجدون قوما قد حبسوا أنفسهم في الصوامع فذروهم بخطاياهم واختلف الفقهاء في قتل أصحاب الصوامع والعميان والزمنى فقال مالك لا يقتل الأعمى ولا المعتوه ولا المقعد ولا أصحاب الصوامع الذين طينوا الباب عليهم لا يخالطون الناس وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قال مالك وأرى أن يترك لهم من الأموال مقدار ما يعيشون به إلا أن يخاف من أحدهم فيقتل وقال الثوري لا يقتل الشيخ والمرأة والمقعد وقال الأوزاعي لا يقتل الحراس والزراع ولا الشيخ الكبير ولا المجنون ولا الراهب وقال الليث لا يقتل الراهب في صومعته ويترك له من ماله القوت

وعن الشافعي روايتان إحداهما أنه يقتل الشيخ والراهب واختاره المزني وقال هو أولى بأصله قال لأن كفر جميعهم واحد وإنما حلت دماؤهم بالكفر قال الشافعي قد يحتمل أن يكون نهي أبي بكر رضي الله عنه عن قتلهم لأن لا يشتغلوا بالمقام على الصوامع فيفوتهم ما هو أعود عليهم كما أنه قد نهى عن قطع الشجر المثمر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد وعدهم بفتح الشام واحتج الشافعي في قتلهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل دريد بن الصمة يوم حنين قال أبو عمر يحتج الشافعي بحديث سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا الشيوخ المشركين واستبقوا شرخهم رواه قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال البخاري سماع الحسن من سمرة صحيح وقال الطبري إن قاتل الشيخ أو المرأة أو الصبي قتلوا وهو قول سحنون واحتج الطبري بما رواه الحجاج عن الحكم عن مقسم عن بن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى امرأة فقال من قتل هذه فقال رجل أنا يا رسول الله نازعتني قائم سيفي فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر لم يختلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ أنه مباح قتله ومن قدر على القتال من الصبيان وقاتل قتل وقد روى داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال لا تقتلوا أصحاب الصوامع وأما قول أبي بكر رضي الله عنه لا تقتلوا امرأة ولا صبيا فقد تقدم حكم ذلك في صدر هذا الباب وأما قوله لا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا إلى آخر الحديث وقد

خالف مالك في ذلك فقال لا بأس بقطع نخل الكفار وثمارهم وحرق زروعهم وأما المواشي فلا تحرق والحجة له في خلافة أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرقها وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب البهائم وعن المثلة وأن يتخذ شيء فيه الروح وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري لا بأس بتخريب ديارهم وقطع الشجر وحرقها لأن الله تعالى يقول ما قطعتم من لينة الآية الحشر وأجازوا ذبح الماشية إذا لم يقدر على إخراجها وقال الأوزاعي أكره قطع شجرة مثمرة أو تخريب شيء من العامر كنيسة أو غيرها وعن الأوزاعي في رواية أخرى أنه لا بأس بأن يحرق الحصن إذا فتحه المسلمون وإن أحرق ما فيه من طعام أو كنيسة وكره كسر الرحا وإفسادها قال ولا بأس بتحريق الشجر في أرض العدو وقال الشافعي يحرق الشجر المثمر والبيوت إذا كانت لهم معاقل وأكره حرق الزرع والكلإ وكره الليث إحراق النخل والشجر المثمر وقال لا تعقر بهيمة وتأول جماعة من العلماء في حديث أبي بكر المذكور قالوا إنما ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان وعدهم أن يفتحها الله عليهم قال أبو عمر من ذهب إلى الأخذ بقول أبي بكر فمن حجته ما حدثنا سعيد بن

نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا الحسن بن صالح عن خالد بن الفزر قال حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا قال أبو بكر وحدثنا محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن زيد بن وهب قال أتاني كتاب عمر رضي الله عنه لا تغلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا واتقوا الله في الفلاحين قال وحدثنا جرير بن عبد الحميد عن ليث عن مجاهد قال لا يقتل في الحرب الفتى والمرأة ولا الشيخ الفاني ولا يحرق الطعام ولا النخل ولا تخرب البيوت ولا يقطع الشجر المثمر وحجة من قال بقول مالك والشافعي في قطع النخل حديث نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق وحديث أسامة بن زيد قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض يقال لها أبنا فقال ائتها صباحا وحرق وأما حديث مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامل من عماله أنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية يقول لهم اغزوا باسم الله في سبيل الله تقاتلون من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وقل ذلك لجيوشك وسراياك إن شاء الله والسلام عليك قال أبو عمر يتصل معنى حديث عمر بن عبد العزيز هذا من حديث بريدة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حديث أنس بن مالك حدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد

البزار قال حدثناه محبوب بن موسى قال أخبرنا الفزاري أبو إسحاق عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا باسم الله وفي سبيل الله وقاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وذكر الحديث بطوله وأما حديث أنس فرواه يحيى بن آدم قال حدثنا الحسن بن صالح قال حدثنا خالد بن الفزر قال حدثني أنس بن مالك قال كنا إذا استنفرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلنا في ظهر المدينة حتى يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول انطلقوا باسم الله وبالله وعلى سنة رسول الله تقاتلون أعداء الله في سبيل الله قتلاكم أحياء يرزقون في الجنان وقتلاهم في النار يعذبون لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنامكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين البقرة وأما قوله في حديث عمر هذا لا تغلوا وفي حديث أبي بكر قبله في وصيته ليزيد ولا تغلل ولا تجبن فالغلول محرم بالكتاب والسنة والإجماع وله باب في هذا الكتاب نذكر فيه حكمه إن شاء الله والغدر أن يؤمن ثم يقتل وهذا حرام بإجماع والغدر والقتل سواء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن وقال عليه السلام يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند إسته هذه غدرة فلان فالمثلة محرمة في السنة المجتمع عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعف الناس قتلة أهل الإيمان من حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم

ومن حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ومن حديث الحسن عن سمرة وعمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة وأما قوله فيه ولا تجبن فإنه أراد والله أعلم لا تفعل فعل الجبان امتثالا لقول الله تعالى إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين الأنفال وهذا الخطاب إلى من فيه قوة وله جنان ثابت وأما من ليس فيه شيء من ذلك فإنه لا يكلف ما ليس في وسعه والله أعلم وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت من أحس من نفسه جبنا فلا يغز باب ما جاء بالوفاء بالأمان ذكر فيه مالك عن رجل من أهل الكوفة أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه أنه بلغني أن رجالا منكم يطلبون العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع قال رجل مطرس يقول لا تخف فإذا أدركه قتله وإني والذي نفسي بيده لا أعلم مكان واحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه قال مالك وليس هذا الحديث بالمجتمع عليه وليس عليه العمل قال أبو عمر قيل إن الرجل من أهل الكوفة سفيان الثوري ولا يبعد أن يروي مالك عن سفيان الثوري وقد روى مالك عن يحيى بن مضر الأندلسي عن سفيان الثوري قال الطلح المنضود الموز

وقد روى الثوري عن مالك حديث الأيم أحق بنفسها من وليها وفي هذا الباب وسئل مالك عن الإشارة بالأمان أهي بمنزلة الكلام فقال نعم وإني أرى أن يتقدم إلى الجيوش أن لا تقتلوا أحدا أشاروا إليه بالأمان لأن الإشارة عندي بمنزلة الكلام وإنه بلغني أن عبد الله بن عباس قال ما ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو وقال أبو عمر إذا كان دم الحربي الكافر يحرم بالأمان فما ظنك بالمؤمن الذي يصبح ويمسي في ذمة الله كيف ترى في الغدر به والقتل وقد قال صلى الله عليه وسلم الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين إذا قال الرجل إلى الرجل لا تخف فقد أمنه وإذا قال مترس فقد أمنه فإن الله يعلم الألسنة قال وحدثنا مروان بن معاوية عن حميد عن أنس قال حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر منزله به أبو موسى معي فلما قدمنا على عمر سكت الهرمزان فلم يتكلم فقال عمر تكلم فقال كلام حي أم كلام ميت قال عمر تكلم فلا بأس فقال إنا وإياكم معشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نقتلكم ونعصيكم فأما إذ كان الله معكم لن يكون لنا بكم يدان فقال نقتله يا أنس قلت يا أمير المؤمنين قلت خلفي شوكة شديدة وعدوا كثيرا إن قتلته يئس القوم من الحياة وكان أشد لشوكتهم وإن استحييته طمع القوم فقال يا أنس استحي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلما خشيت أن يتسلط عليه قلت له ليس لك إلى قتله سبيل فقال أعطاك أصبته منه قلت ما فعلت ولكنك قلت له تكلم فلا بأس قال أتجيئني بمن يشهد معك وإلا بدأت بعقوبتك قال فخرجت من عنده فإذا أنا بالزبير بن العوام قد حفظ ما حفظت فشهد عنده فتركه وأسلم الهرمزان وفرض له قال وحدثنا ريحان بن سعيد قال حدثني مرزوق بن عمرو قال حدثني أبو

يزيد قال خرجنا مع أبي موسى الأشعري يوم فتحنا سوق الأهواز فسعى رجل من المشركين وسعى رجلان من المسلمين خلفه فبينما يسعى ويسعيان إذ قال أحدهما له مطرس فقام الرجل فأخذاه فجاءا به وأبو موسى يضرب أعناق الأسارى حتى انتهى الأمر إلى الرجل فقال أحد الرجلين إن هذا قد جعل له الأمان فقال أبو موسى فقد جعل له الأمان قال إنه كان يسعى ذاهبا في الأرض وقلت له مطرس فقام فقال أبو موسى وما مطرس قال لا تخف قال هذا أمان فخليا سبيله فخليا سبيل الرجل قال وحدثنا عباد بن العوام عن حصين بن أبي عطية قال كتب عمر إلى أهل الكوفة أنه ذكر لي أن مطرس بلسان العرب والفارسية لا تخف فإن قلتموها لمن لا يفهم لسانكم فهو آمن قال أبو عمر إنما قال مالك في حديث عمر ليس عليه العمل لأن فيه قتل المؤمن بالكافر وهذا أمر لم يجتمع بالمدينة عليه ولا بغيرها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يقتل مؤمن بكافر وستأتي هذه المسألة إن شاء الله في موضعها ولا خلاف علمته بين العلماء في أن من أمن حربيا بأي كلام لهم به الأمان فقد تم له الأمان وأكثرهم يجعلون الإشارة الأمان إذا كانت مفهومة بمنزلة الكلام وأمان الرفيع والوضيع جائز عند جماعة العلماء وأمان العبد والمرأة عند الجمهور جائز وكان بن الماجشون وسحنون يقولان أمان المرأة موقوف على إجازة الإمام له فإن أجازه له جاز فهو قول شاذ لا أعلم قال به غيرهما من أئمة الفتوى وقد روي معنى قولهما عن خالد بن الوليد وعمر بن العاص وقد ذكرنا هذه المسألة وما للعلماء فيها في باب صلاة الضحى من كتاب الصلاة

وأما أمان العبد فكان أبو حنيفة لا يجيزه إلا أن يقاتل واختلف عن أبي يوسف في ذلك وقال محمد بن الحسن يجوز أمانه وإن لم يقاتل وهو قول مالك والثوري والأوزاعي والليث والشافعي وعن عمر من طرق أنه أجاز أمان العبد ولا خلاف في ذلك بين السلف إلا ما خرج مخرج الشذوذ روى سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن فضيل الرقاشي قال حاصرنا حصنا فمكثنا ما شاء الله لا نقدر على شيء منه وإذا هم قد فتحوا باب الحصن يوما وخرجوا إلينا فقلنا مالكم قالوا قد أمنتمونا فقلنا ما أمناكم فقالوا بلى فأخرجوا نشابة فيها كتاب أمان لهم كتبه عبد منا فقلنا إنما هذا عبد ولا أمان له فقالوا إنا لا نعلم العبد منكم من الحر فكففنا عنهم وكتبنا إلى عمر بن الخطاب فكتب إلينا إن العبد المسلم ذمته ذمة المسلمين فأجاز له الأمان قال أبو عمر وهذا يحتمل التأويل أخبرنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن الحجاج عن الوليد بن أبي مالك عن عبد الرحمن بن سلمة أن رجلا أجار قوما وهو مع عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح فقال عمرو وخالد لا نجير من أجار فقال أبو عبيدة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يجير على المسلمين بعضهم وروى الأعمش ومنصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت إن كانت المرأة لتجير على المسلمين وعن رفيع عن شريك عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عمر قال إن كانت المرأة لتجير على المسلمين فيجوز أمانها حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم

قال وحدثنا بن نمير قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجير على المسلمين أدناهم وروى بن أبي عمر وغيره عن بن عيينة عن أيوب بن موسى عن بكير عن بن عبد الرحمن بن الأشج قال جاء رجل من أهلي إلى سعيد بن المسيب فقال ألا نخبرك بما نصنع في مغازينا قال لا ولكن إن شئت أخبرك بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في مغازيه قال نعم قال سعيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أهل قرية دعاهم إلى الإسلام فإن أجابوه خلطهم بنفسه وأصحابه وإن أبوا دعاهم إلى الجزية فإن أعطوها قبلها وكف عنهم وإن أبوا آذنهم على سواد وكان أدنى أصحابه إذا أعطاهم العهد وفوا به أجمعون قال أبو عمر وأما قول مالك إن الإشارة المفهومة بالأمان كالكلام فالدلالة على ذلك من السنة موجودة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أصحابه بعد أن كبر في الصلاة أن امكثوا ففهموا عنه وأشار إلى أبي بكر أن امكث ففهم عنه وقد رد السلام بالإشارة وهو في الصلاة ومثل هذا كثير وقال أبو مصعب من لم يحسن طلب الأمان بلسانه فأشار بطلب ذلك فأشير له به فقد وجب له الأمان ولا يقتل باب العمل فيمن أعطى شيئا في سبيل الله ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أعطى شيئا في سبيل الله يقول لصاحبه إذا بلغت وادي القرى فشأنك به وعن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فيبلغ به رأس مغزاته فهو له قال أبو عمر في سماع بن القاسم قال مالك من حمل على فرس في سبيل

الله فلا أرى له أن ينتفع بشيء من ثمنه في غير سبيل الله إلا أن يقال له شأنك به فافعل به ما شئت فإن قيل له ذلك كان مالا من ماله إذا بلغ رأس مغزاته يصنع به ما شاء كما لو أعطى ذهبا أو ورقا في سبيل الله روى بن وهب عن مالك قال إذا أعطي رجل فرسا وقيل له هو لك في سبيل الله فله أن يبيعه وإن قيل هو في سبيل الله ركبه ورده وقال الثوري إذا أعطى شيئا في سبيل الله فإن شاء وضعه في من يغزو في سبيل الله من أهل الثغر وإن شاء قسمه في فقرائهم وقال الأوزاعي فيمن أعطي شيئا في سبيل الله أنه كسائر ماله إن لم يقل هو حبس أو موقوف وقال الحسن بن حي إذا أعطي شيئا في سبيل الله من الزكاة فهو له وإن كان من غير الزكاة فمات جعله في مثله وقال الليث بن سعد إذا أعطي شيئا في سبيل الله لم يبعه حتى يبلغ مغزاه فإذا بلغ مغزاه صنع به ما شاء وكذلك الفرس إلا أن يكون جعله حبسا في سبيل الله فلا يباع قال أبو عمر الفرس الحبس في سبيل الله هو الذي قسمه صاحبه قسمة الحبس ويذكر أنه قد أخرجه لذلك من ماله ويشهد على ذلك وينفق عليه فإذا كان الغزو دفعه إلى من يقاتل عليه ويغزو به فإذا انقضى الغزو صرفه إليه وكان عنده موقوفا ينفق عليه ويعده لمثل ذلك فإذا كان كذلك لم يجز بيعه عند أحد علمته من أهل العلم إلا أن يعجز عنه لضعفه وقال عبد الله بن الحسن إذا قال هو لك في سبيل الله فرجع به رده حتى يجعله في سبيل الله وقال الشافعي الفرس المحمول عليه في سبيل الله هو لمن حمل عليه وقد زدنا هذه المسألة بيانا في كتاب الزكاة وفي هذا الباب سئل مالك عن رجل أوجب على نفسه الغزو فتجهز حتى إذا أراد أن يخرج منعه أبواه أو أحدهما فقال لا يكابرهما ولكن يؤخر ذلك إلى عام آخر فأما الجهاز فإني أرى أن يرفعه حتى يخرج به فإن خشي أن يفسد باعه وأمسك ثمنه

حتى يشتري به ما يصلحه للغزو فإن كان موسرا يجد مثل جهازه إذا خرج فليصنع بجهازه ما شاء قال أبو عمر هذا استحباب منه ومن جمهور العلماء كلهم يستحب فيما نواه المرء وهم به من الصدقة أن لا يعود فيه وأن يضمنه إذا أخرجه حتى اللقمة يخرجها للسائل فلا يجده ولم يختلفوا في الصدقة إذا قبضها المعطي فقيرا كان أو غنيا أنه لا رجوع للمتصدق في شيء منها وكذلك كل ما كان لله تعالى إذا خرج عن يد المعطي وروى الحميدي عن سفيان قال حدثنا عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبواي يبكيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما وروى زائدة عن الأعمش عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أريد أن أجاهد معك قال أحي والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد وروى بن جريج عن محمد بن طلحة عن معاوية بن جاهمة عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم استشيره في الجهاد فقال ألك والدان قلت نعم قال اذهب فأكرمهما فإن الجنة تحت رجليهما قال أبو عمر لا خلاف علمته أن الرجل لا يجوز له الغزو ووالداه كارهان أو أحدهما لأن الخلاف لهما في أداء الفرائض عقوق وهو من الكبائر ومن الغزو ما قلت وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الحسن في الوالدين إذا أذنا بالغزو قال إن كنت ترى هواهما في الجلوس فاجلس قال وسئل الحسن ما بر الوالدين قال أن تبذل لهما ما ملكت وأن تطيعهما فيما أمراك به إلا أن تكون معصية

باب جامع النفل في الغزو مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكان سهمانهم اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا هكذا رواه مالك على الشك أحد عشر بعيرا أو اثني عشر بعيرا وسائر رواة نافع أيوب وعبيد الله وإسماعيل بن أمية والليث بن سعد وشعيب بن أبي حمزة وبن إسحاق يروونه اثني عشر بعيرا بغير شك وكذلك رواه الوليد بن مسلم عن مالك بغير شك ولم يتابع عليه عن مالك والصحيح عن مالك ما في الموطأ وقد ذكرنا في التمهيد رواية الوليد وذكرنا أصحاب نافع في ألفاظ هذا الحديث مستقصاة بما فيها من المعاني والوجوه والحمد لله واختصار ذلك أن رواية مالك وغيره ممن ذكرنا حاشا محمد بن إسحاق تدل على أن السرية المذكورة في هذا الحديث لم تنفل البعير الزائد على السهمان إلا بعد القسمة وهذا يوجب أن يكون النفل من الخمس كما قال سعيد بن المسيب وفقهاء الحجاز وأما رواية محمد بن إسحاق لهذا الحديث فإنه جعل النفل من القسمة ثم جعل القسمة بعد وهذا مذهب أهل الشام وطائفة من أهل العراق وسنبين ذلك كله في ما بعد إن شاء الله وكذلك اتفق الرواة المذكورون لهذا الحديث عن نافع على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

بعث السرية المذكورة وأن سهمان أهل السرية هي السهمان المذكورة في هذا الحديث اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا حاشا شعيب بن أبي حمزة فإنه انفرد عن نافع بأن قال في هذا الحديث بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا قبل نجد فانبعثت منه هذه السرية فجعل السرية خارجة من العسكر ويبين ذلك في روايته عنه الوليد بن مسلم قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد أربعة آلاف فانبعثت منهم هذه السرية وقال شعيب أيضا إن سهمان ذلك الجيش كان اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية خاصة بعيرا بعيرا وهذا لم يقله غيره وإن كان المعنى فيه صحيحا لأن العلماء لم يختلفوا أن السرية إذا خرجت من العسكر فغنمت أن أهل العسكر شركاؤهم فيما غنموا إلا أن هذا الحكم والمعنى في السنة لم يذكره في هذا الحديث عن نافع إلا شعيب بن أبي حمزة وليس هو في نافع كعبيد الله وأيوب ومالك وغيرهم وفي رواية هؤلاء عن نافع لهذا الحديث ما يدل على أن النفل لم يكن من رأس الغنيمة وإنما كان من الخمس وفي رواية بن إسحاق أن ذلك كان من رأس الغنيمة وبن إسحاق ليس كهؤلاء في نافع قال أبو عمر النفل يكون على ثلاثة أوجه أحدها أن يريد الإمام تفضيل بعض الجيش بشيء يراه من غنائه وبأسه وبلائه أو لمكروه تحمله دون سائر الجيش فينفله من الخمس لا من رأس الغنيمة بل من خمس الخمس من سهام النبي صلى الله عليه وسلم ويجعل له سلب قتيله وسيأتي القول في سلب القتيل في موضعه من هذا الكتاب والوجه الآخر أن الإمام إذا دفع سرية من العسكر فأراد أن ينفلها مما غنمت دون أهل العسكر فحقه أن يخمس ما غنمت ثم يعطي السرية مما بقي بعد الخمس ما شاء ربعا أو ثلثا ولا يزيد على الثلث لأنه أقصى ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله ويقسم الباقي بين جميع أهل العسكر والسرية على السواء للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم والوجه الثالث أن يحرض الإمام أو أمير الجيش أهل العسكر على القتال قبل لقاء العدو وينفل من شاء منهم أو جميعهم ما عسى أن يصير بأيديهم

ويفتحه الله عليهم الربع أو الثلث قبل القسم تحريضا منه على القتال وهذا الوجه كان مالك يكرهه ولا يراه وكان يقول قتالهم على هذا الوجه إنما يكون للدنيا وكان يكره ذلك ولا يجيزه وأجازه جماعة من أهل العلم غيره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص لعلي أن أبعثك في جيش فيسلمك الله ويغنمك ويرغب إليك من المال رغبة صالحة وذهب قوم إلى أن الإمام لو نفل السرية كل ما غنمت جاز وأكثر الفقهاء على خلاف ذلك ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي عن عمران القطان عن علي بن ثابت قال سألت مكحولا وعطاء عن الإمام ينفل قوما ما أصابوا قال ذلك لهم قال حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور قال سألت إبراهيم عن الإمام يبعث السرية فتغنم قال إن شاء نفلهم إياه كله وإن شاء خمسه قال أبو عمر من ذهب إلى هذا تأول قول الله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول الأنفال أن ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء ولم ير هذه الآية منسوخة بقوله عز وجل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الأنفال وأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب فإن جملة قول مالك وأصحابه أن لا نفل إلا بعد إحراز الغنيمة ولا نفل إلا من الخمس والنفل عندهم أن يقول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه قال مالك ولم يقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن برد القتال وكره مالك أن يقاتل أحد على أن له كذا واحتج له بعض أصحابه بحديث عمرو بن شعيب عن

أبيه عن جده قال لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد قوي المسلمين على ضعيفهم وإنما جعل مالك النفل من الخمس لا من رأس الغنيمة لأن الخمس مردود قسمته إلى اجتهاد الإمام وأهله غير معنيين ولم ير النفل من رأس الغنيمة لأن أهلها معينون وهم المخوفون وهم الموجفون وقال الشافعي جائز للإمام أن ينفل قبل إحرازه الغنيمة أو بعدها على وجه الاجتهاد قال الشافعي وليس في النفل حد وقد روى بعض الشاميين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في البداءة والرجعة قال أبو عمر الحديث بهذا مشهور عن الشاميين ومن أحسن طرقه ما رواه علي بن المديني وأبو بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن رجاء بن أبي سلمة قال سمعت سليمان بن موسى يقول سمعت مكحولا يقول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في البداءة الربع وحين قفل الثلث قال أبو بكر وحدثنا حفص بن غياث عن أبي عميش عن القاسم بن عبد الرحمن قال القاسم النفل ما لم يلتق الزحفان فإذا التقى الزحفان فإنما هي الغنيمة قال الشافعي وفي رواية بن عمر ما يدل على أنه نفل نصف السدس قال فهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يتجاوزه الإمام قال وأكثر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها أنفال قال وحديث بن عمر يدل على أنهم أعطوا في سهمانهم ما يجب لهم مما أصابوا ثم نفلوا بعيرا بعيرا والنفل هو شيء زيدوه غير الذي كان لهم

وقول سعيد بن المسيب كان الناس يعطون النفل من الخمس كما قال والذي أراه أن يكون من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر كان أعدل الأقاويل عندي والله أعلم في هذا الباب أن يكون النفل من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن في حديث بن عمر هذا ما يدل على أنه لا يكون ذلك من خمس الخمس وذلك أن تنزل تلك السرية على أنهم كانوا عشرة مثالا ومعلوم أنه إذا عرفت ما للعشرة علمت ما للمائة وللألف فمثال ذلك أن تكون السرية عشرة أصابوا في غنيمتهم مائة وخمسين بعيرا خرج منها خمسها بثلاثين وصار لهم مائة وعشرين قسمت على عشرة وجب لكل واحد اثنا عشر بعيرا ثم أعطي القوم من الخمس بعيرا بعيرا فهذا صحيح على من جعل النفل من جملة الخمس لا من خمس الخمس لأن خمسة ثلاثين لا يكون فيه عشرة أبعرة وقد يحتج أن يكون محتمل أن يكون من خمس الخمس بأن يكون هناك ثياب وخرثي متاع غير الإبل فأعطى من لم يبلغه البعير قيمة البعير من غير ذلك من العروض وكان أبو عبيد القاسم بن سلام يقول في حديث بن عمر هذا النفل الذي ذكره بعد الإسهام ليس له وجه إلا أن يكون من الخمس وقال غيره النفل الذي في خبر بن عمر إنما هو نفل السرايا كان النبي عليه السلام ينفل في البداءة الثلث وفي الرجعة الربع وقال أبو ثور وذكر نفل النبي صلى الله عليه وسلم في البداءة والرجوع وذكر حديث بن عمر هذا ثم قال وهذا يدل على أن النفل قبل الخمس وقال الأوزاعي وأحمد بن حنبل جائز للإمام أن ينفل في البداءة الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعد الخمس وهو قول الحسن البصري وجماعة وقال النخعي كان الإمام ينفل السرية الثلث والربع يضريهم ويحرضهم على القتال وقال مكحول والأوزاعي لا نفل بأكثر من الثلث وهو قول جمهور العلماء وقال الأوزاعي في أمير أغار فقال من أخذ شيئا فهو له كما قال ولا بأس

أن يقول الإمام من جاء برأس فله كذا ومن جاء بأسير فله كذا يحرضهم وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لجرير بن عبد الله البجلي لما قدم عليه في قومه وهو يريد الشام هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض أو شيء ولما أ تي عمر بن الخطاب بسيف النعمان بن المنذر أعطاه جبير بن مطعم وقال جماعة فقهاء الشام منهم رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي ومكحول والقاسم بن عبد الرحمن ويزيد بن أبي مالك وسليمان بن موسى والأوزاعي وسعيد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز الخمس من جملة القيمة والنفل من بعد الخمس ثم الغنيمة بين أهل العسكر بعد ذلك وهو قول إسحاق بن راهويه واحمد بن حنبل وأبي عبيد قال أبو عبيد قال والناس اليوم على أن لا نفل من جملة الغنيمة حتى يخمس وكان سعيد بن المسيب يقول لا تكون الأنفال إلا في الخمس قال أبو عمر من حجة الشاميين ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء عن مكحول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس في البداءة ونفل الثلث بعد الخمس في الرجعة وذكر مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد انه سمع سعيد بن المسيب يقول كان الناس في الغزو إذا اقتسموا غنائمهم يعدلون البعير بعشر شياه قال أبو عمر في هذه المسألة جواز قسمة الحيوان المختلف الأجناس بعضه ببعض على اختلاف أجناسه وبه قال الشافعي ولا ربا عنه في ذلك في شيء من الحيوان بعضه ببعض نقدا ونسيئة

وهو قول أبي حنيفة إلا في النسيئة قال تقسم الإبل والبقر والغنم والثياب كيف شاء أربابها يدا بيد وقال عيسى بن دينار عن أبي القاسم ليس العمل على حديث سعيد بن المسيب هذا ولكن تقسم الإبل على حدة والغنم على حدها بالغنيمة وكذلك سائر العروض يقسم كل جنس على حدته بالغنيمة ولا يقسم شيء منها بالسهم ولا يجعل جزء من جنس جزء من غيره ذلك مكروه لأنه لا يدري أين يقع سهمه وهو عنده من باب الغرر وهذا خلاف ظاهر في حديث سعيد بن المسيب مسألة قال مالك في الأجير في الغزو إنه إن كان شهد القتال وكان مع الناس عند القتال وكان حرا فله سهمه وإن لم يفعل ذلك فلا سهم له وأرى أن لا يقسم إلا لمن شهد القتال من الأحرار قال أبو عمر اختلف العلماء في الأجير والتاجر فقول مالك في الأجير ما ذكره في موطئه وذكر في غير الموطأ لا يسهم للتاجر ولا للأجير إلا أن يقاتلوا وقال الحسن بن حي يسهم للأجير وقال الليث بن سعد من أسلم فخرج إلى العسكر فإن قاتل فله سهمه وإن لم يقاتل فلا سهم له قال والأجير إذا اشتغل بالخدمة عن حضور القتال فلا شيء له وقال أبو حنيفة وأصحابه في التاجر والأجير إن قاتلوا استحقوا وإن لم يقاتلوا فلا شيء لهم وهذا كقول مالك سواء وروى الثوري عن أشعث عن الحسن وبن سيرين قالا يسهم للأجير قال الثوري إذا قاتل الأجير أسهم له ورفع عن من استأجره بقدر ما شغل عنه وقال الأوزاعي وإسحاق لا يسهم للعبد ولا الأجير المستأجر على خدمة القوم ذكر المزني عن الشافعي قال ولو كان لرجل أجير يريد الجهاد معه فقد قيل يسهم له وقد قيل لا يسهم له إلا أن يكون قتال فيقاتل كذلك التجار إن قاتلوا قيل لا يسهم لهم وقيل يسهم لهم

قال المزني قد قال في كتاب الأسارى يسهم للتاجر إذا قاتل وهو أولى بأصله قال أبو عمر جمهور العلماء يرون أن يسهم للتاجر إذا حضر القتال وقال الأوزاعي لا يسهم للبيطار ولا للشعاب والحداد ونحوهم وقال مالك يسهم لكل من قاتل إذا كان حرا وبه قال أحمد بن حنبل قال أبو عمر من جعل الأجير كالعبد لم يسهم له حضر القتال أم لم يحضر وجعل ما أخذه من الأجرة مانعا له من السهمان ومن حجته ما رواه عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد قال أخبرني أبو سلمة الحمصي أن عبد الرحمن بن عوف قال لرجل من فقراء المهاجرين أتخرج معي يا فلان إلى الغزو قال نعم فوعده فلما حضره الخروج دعاه فأبى أن يخرج معه فقال عبد الرحمن أليس قد وعدتني أتخلفني قال ما أستطيع أن أخرج قال وما الذي يمنعك قال عيالي وأهلي قال فما الذي يرضيك حتى تخرج معي قال ثلاثة دنانير فدفع إليه عبد الرحمن ثلاثة دنانير قبل أن يخرج معه فلما هزموا العدو وأصابوا المغنم قال لعبد الرحمن أعطني نصيبي من المغنم فقال عبد الرحمن سأذكر أمرك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الثلاثة الدنانير حظه ونصيبه من غزوته في أمر دنياه وآخرته واختلفوا أيضا في العبد فقال مالك لا أعلم العبد يعطى من الغنيمة شيئا وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي لا يسهم للعبد ولكن يرضخ له قال أبو عمر روي عن الحكم بن عتيبة والحسن وبن سيرين وإبراهيم النخعي وعمرو بن شعيب أن للعبد إذا حضر القتال أسهم له وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس أنهما قالا لا يسهم للعبد وليس له في الغنيمة نصيب ذكره أبو بكر بن أبي شيبة من طرق عنهما

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال أخبرنا هشام عن محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفد عن عمير مولى آبي اللحم قال شهدت مع مولاي خيبر وأنا مملوك فلم يقسم لي من الغنيمة شيء وأعطاني من خرثي المتاع سيفا كنت أجره إذا تقلدته قال أبو عمر هذا حكم العبد في الغزو والغنيمة وأما القسم له في الفيء والعطاء فقد اختلفوا عن عمر فيه على قولين العلماء عليهما روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن مخلد الغفاري أن ثلاثة مملوكين لبني غفار شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عمر يعطيهم كل سنة ثلاثة آلاف لكل رجل منهم وسفيان عن عمرو بن دينار قال قدم عمر بن الخطاب مكة وكتب إعطاء الناس عشرة دراهم فمر به عبد فأعطاه عشرة دراهم فلما ولى قالوا له إنه عبد قال دعوه قال أبو عمر وأصح ما في هذا الباب عن عمر ما رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال وقال عمر ليس أحد إلا وله في هذا المال حق يعني الفيء إلا ما ملكت أيمانكم وروى عن بن شهاب جماعة كذلك عن مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب وهو حديث متصل صحيح والاختلاف فيه عن أبي بكر الصديق كذلك

قال أبو عمر مسألة الأجير تشبه مسألة الجعائل ولا ذكر لها في الموطأ فنذكرها ها هنا قال مالك لا بأس بالجعائل ولم يزل الناس يجاعلون بالمدينة عندنا وذلك لأهل العطاء ومن له ديوان وكره مالك أن يؤاجر وابنه أو قومه في سبيل الله وكره أن يعطيه الوالي الجعل على أن يتقدم إلى الحصن فيقاتل قال ولا نكره لأهل العطاء الجعائل لأن العطاء نفسه مأخوذ على هذا الوجه وقال الشافعي لا يجوز أن يغزو فيأخذ الجعل من رجل يجعله له وإن غزا به فعليه أن يرده ولا بأس بأن يأخذ الجعل من السلطان دون غيره لأنه يغزو بشيء من حقه وقال أبو حنيفة تكره الجعائل ما كان بالمسلمين قوة أو كان بيت المال يفي بذلك فأما إذا لم تكن فيهم قوة ولا مال فلا بأس أن يجهز بعضهم بعضا ويجعل القاعد للناهض وكره الليث والثوري الجعل وقال الأوزاعي إذا كانت نية الغازي على الغزو فلا بأس أن يعان وقال الكوفيون لا بأس لمن أحس من نفسه حينا أن يجهز الغازي ويجعل له جعلا لغزوه في سبيل الله قال أبو عمر لما كان الغازي يتخذ سهما من الغنيمة من أهل حضور القتال استحال أن يجعل له جعلا فيما فعله لنفسه وأدائه ما عليه من فرض الجهاد وسنته وسنذكر حكم النساء إذا غزون هل يسهم لهن عند ذكر أم حرام في غزوها مع زوجها عبادة في البحر إن شاء الله باب ما لا يجب فيه الخمس قال مالك فيمن وجد من العدو على ساحل البحر بأرض المسلمين فزعموا أنهم تجار وأن البحر لفظهم ولا يعرف المسلمون تصديق ذلك إلا أن مراكبهم

تكسرت أو عطشوا فنزلوا بغير إذن المسلمين أرى أن ذلك للإمام يرى فيهم راية ولا أرى لمن أخذهم فيهم خمسا قال أبو عمر يروى وعطبوا ويروى أو عطشوا وهو أولى لاختلاف معنى اللفظين لدخول أو بينهما قال أبو عمر الحكم في هؤلاء مما يظهر من أمرهم بأن لم ير معهم سلاح ولا آلة حرب وظهر متاع التجارة أو ما دل عليه فحكم الإمام فيهم أن يقتل منهم أو يردهم إلى مأمنهم وإن لم يظهر من أمرهم ما يدل على صدقهم لم يكن لأهل بلدهم صلح ولا عهد مهادنة مأمون به فهم فيء ساقه الله إلى المسلمين لا خمس فيهم لأحد لأنهم لم يوجف عليهم بخيل ولا ركاب وقد قيل إنهم لمن أخذهم وقدر عليهم وصاروا بيده وفيهم الخمس قياسا على الركاز الذي هو من مال الكفار وقد وردت السنة بإيجاب الخمس فيه فأجري مجرى الغنيمة وإن لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فإن لم يصيروا بيد أحد حتى ارتفع أمرهم إلى الإمام فلا خمس فيهم بإجماع وهم في ثلث مال المسلمين مع سائر الفيء ذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سئل عطاء عن رجل من أهل الحرب يأتي المسلم بغير عهد قال خيره إما أن تقره وإما أن تبلغه مأمنه قال بن جريج وقال غيره لا يرده إلا أن يكون له عهد ولو جاء بغير سلاح إن شاء الله باب ما يجوز للمسلمين أكله قبل الخمس قال مالك لا أرى بأسا أن يأكل المسلمون إذا دخلوا أرض العدو من طعامهم ما وجدوا من ذلك كله قبل أن يقع في المقاسم قال مالك وأنا أرى الإبل والبقر والغنم بمنزلة الطعام يأكل منه المسلمون إذا دخلوا أرض العدو كما يأكلون من الطعام ولو أن ذلك لا يؤكل حتى يحضر الناس المقاسم ويقسم بينهم أضر ذلك بالجيوش فلا أرى بأسا بما أكل من ذلك كله على وجه المعروف ولا أرى أن يدخر أحدا من ذلك شيئا يرجع به إلى أهله وسئل مالك عن الرجل يصيب الطعام من أرض العدو فيأكل منه ويتزود فيفضل منهم شيء أيصلح له أن يحسبه فيأكله في أهله أو يبيعه قبل أن يقدم بلاده فينتفع بثمنه قال مالك إن باعه وهو في الغزو فإني أرى أن يجعل ثمنه في غنائم

المسلمين وإن بلغ به بلده فلا أرى بأسا أن يأكله وينتفع به إذا كان يسيرا تافها ما لم يعتقده مالا قال أبو عمر أجمع جمهور علماء المسلمين على إباحة طعام الحربيين ما دام المسلمون في أرض الحرب يأكلون منه قدر حاجتهم وجاءت بذلك آثار مرفوعة من قبل أخبار الآحاد العدول من حديث بن عمر وحديث بن مغفل وحديث بن أبي أوفى وقد ذكرناها في التمهيد وجملة قول مالك والثوري وأبي حنيفة والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي أنه لا بأس أن يؤكل الطعام والعلف في دار الحرب بغير إذن الإمام وكذلك ذبح الأنعام للأكل وهو قول أحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وكان بن شهاب الزهري لا يرى أخذ الطعام في أرض الحرب إلا بإذن الإمام ذكره عنه معمر وغيره ولا أعلم أحدا قاله غيره وروى الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قالوا كانوا يرخصون للغزاة في الطعام والعلف وكره الجمهور من أهل العلم أن يخرج شيء من الطعام إلى أرض الإسلام إذا كان له قيمة أو كانت للناس رغبة وحكموا الذي يحكم لقسمة الغنيمة فإن أخرجه رده في المقاسم إن أمكنه وإلا باعه ونظر في ثمنه وقال الأوزاعي ما أخرجه من ذلك إلى دار الإسلام فهو له ايضا

قال أبو عمر روى بشر بن عبادة عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل أنه قال كلوا لحم الشاة وردوا بها إلى المغنم فإن له ثمنا وسنذكر في باب الغلول ما للعلماء من المذاهب في تقبل ما لا يؤكل من الغنيمة والإنتفاع بالأعيان منها في دار الحرب وبيع الناقة من فضلة الطعام وأخذ المباحات في أرضهم ما لم يكونوا يملكونه كعود النشاب والسروج وصعود الصيد وحجر السن ونحو ذلك إن شاء الله وإنما ذكرنا في هذا الباب الطعام خاصة لخلاف غيره له في الحكم ولأن ترجمة الباب تضمنت الأكل دون غيره باب ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو ذكر مالك أنه بلغه أن عبدا لعبد الله بن عمر أبق وأن فرسا له عار فأصابهما المشركون ثم غنمهما المسلمون فردا على عبد الله بن عمر وذلك قبل أن تصيبهما المقاسم قال مالك فيما يصيب العدو من أموال المسلمين إنه إن أدرك قبل أن تقع فيه المقاسم فهو رد على أهله وأما ما وقعت فيه المقاسم فلا يرد على أحد وسئل مالك عن رجل حاز المشركون غلامه ثم غنمه المسلمون قال مالك صاحبه أولى به بغير ثمن ولا قيمة ولا غرم ما لم تصبه المقاسم فإن وقعت فيه المقاسم فإني أرى أن يكون الغلام لسيده بالثمن إن شاء قال أبو عمر أما خبر بن عمر في العبد والفرس فذكر أبو إسحاق الفزاري عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر أن غلاما له أبق إلى الروم وفرسا له هرب فأخذها المشركون فردا إلى عبد الله بن عمر وعلى المسلمين يومئذ خالد بن الوليد قال موسى وذلك عام اليرموك قال أبو عمر يختلفون على نافع في هذا الحديث والصحيح إن شاء الله أن

أحدهما رده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني رده خالد بن الوليد أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي الحلواني ومحمد بن سليمان الأنباري قالا حدثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه ذهبت له فرس فأخذها العدو فغار عليهم المسلمون فرده عليه يعني خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وروى معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال أبق غلام لي يوم اليرموك ثم ظهر عليه المسلمون فردوه إلي وروى بن جريج قال سمعت نافعا يزعم أن عبد الله بن عمر ذهب العدو بفرسه فلما هزم العدو وجد خالد فرسه فرده إلى عبد الله بن عمر قال أبو عمر رواية عبيد الله بن عمر عن نافع أولى بالصواب في ذلك إن شاء الله وللعلماء في هذه المسألة أقوال أحدها أن ما صار من أموال المسلمين إلى الكفار بغلبة من الكفار أو غير غلبة ثم ظفر به المسلمون فإنه يرد إلى صاحبه وعلم وثبت ذلك قبل القسم بلا شيء وإن أراده بعد القسمة فهو أحق به بالقيمة وهو قول مالك والثوري والحسن بن حي وروي مثل هذا عن عمر بن الخطاب وسلمان بن ربيعة الباهلي وهو قول عطاء وبه قال أحمد بن حنبل وقول ثان أنهما غلبا عليه الكفار وجاوزوه ثم غنمه المسلمون فحاله ما ذكرنا وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري قالوا وأما ما صار إلى المشركين من غير غلبة فصاحبه أحق به قبل القسم وبعده بلا شيء والقول الثالث إن ما غلب عليه الكفار من أموال المسلمين وما أبق إليهم من رقيق المسلمين من غير غلبة منهم ثم غنمه المسلمون فكل ذلك سواء هو لصاحبه بلا شيء قبل القسم وبعده

وهو قول الشافعي وبه قال أبو ثور وعن الأوزاعي روايتان أحدهما مثل قول أبي حنيفة والثانية مثل قول مالك وقال الثوري في العبد يأبق إلى العدو ثم يصيبه المسلمون أن صاحبه أحق به قسم أو لم يقسم وقال الأوزاعي إن دخل العبد القسم من حصون العدو قسم مع أموال أهل الحصن ويكون فيئا وإن لم يرد الحصن رد إلى مولاه وفي المسألة قول رابع قاله الزهري وعبد الله بن دينار قال ما أحرزه العدو ثم غنمه المسلمون فهو لجماعة المسلمين يقسمه المسلمون ولا يرد إلى صاحبه وهو للجيش ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن سليمان عن سعيد عن قتادة قال قال علي رضي الله عنه هو للمسلمين عامة لأنه كان لهم مالا وروى سفيان بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال قال علي فيما قسم ما أحرزه العدو فظهر عليه صاحبه فهو أحق به بالغنيمة وهذا خلاف ما ذكره أبو بكر قال حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه أن عليا كان يقول فيما أحرزه العدو من أموال المسلمين أنه بمنزلتهم قال وكان الحسن يفتي بذلك قال أبو عمر هذه رواية لسليمان التيمي عن الحسن وقد روى هشيم عن مغيرة عن إبراهيم وعن يونس بن جبير قالا ما أحرزه العدو من مال المسلمين فغنمه المسلمون وعرفه صاحبه فهو أحق به ما لم يقسم فإذا قسم فقد مضى ذكره أبو بكر بن هشيم قال وحدثنا إدريس عن ليث عن مجاهد مثله قال أبو عمر احتج الشافعي لمذهبه بحديث عمران بن حصين قال أغار المشركون على صاحب المدينة وأحرزوا العضباء وامرأة من المسلمين فلما كان ذات ليلة قامت المرأة وقد ناموا فجعلت ما تضع يدها على بعير إلا رغا حتى تأتي العضباء فأتت على ناقة ذلول فركبتها ثم توجهت قبل المدينة ونذرت لئن الله نجاها لتنحرنها فلما قدمت المدينة عرفت الناقة فأتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته

المرأة بنذرها فقال بئسما جزيتيها لا نذر فيما لا يملك بن آدم ولا في معصية رواه حماد بن زيد وبن علية وعبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين وفي رواية بعضهم عن أيوب فأخذها النبي قال الشافعي فهذا دليل على أن أهل الحرب لا يملكون عليها بالغلبة ولا بعدها ولو ملكوا عليها لملكت المرأة الناقة كسائر أموالهم لو أخذت شيئا منها ولو صح فيها نذرها وقد فضل الله المسلمين بأن لا يملك شيء من أموالهم إلا عن طيب أنفسهم ولا يرثها عنهم إلا أهل دينهم واحتج المخالفون للشافعي عليه بما رواه الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن بن عباس أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون أصابوه فقال رسول الله إن أصبته قبل أن يقسم فهو لك وإن أصبته بعد ما قسم أخذته بالقيمة قال أبو عمر الحسن بن عمارة مجتمع على ضعفه وترك الاحتجاج بحديثه وذكر الطحاوي أن علي بن المديني روى عن يحيى بن سعيد أنه سأل سعدا عن هذا الحديث فقال له من حديث عبد الملك بن ميسرة وروى وكيع وعبد الرزاق عن الثوري عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة قال أصاب المشركون ناقة لرجل من المسلمين فاشتراها رجل من المسلمين من العدو فعرفها صاحبها فخاصمه إلى النبي فأقام البينة فقضى النبي أن يدفع له الثمن الذي اشتراها به من العدو وإلا خلى بينه وبينها وفي هذا الباب قال مالك في أم ولد رجل من المسلمين حازها المشركون ثم غنمها المسلمون فقسمت في المقاسم ثم عرفها سيدها بعد القسم إنها لا تسترق وأرى أن يفتديها الإمام لسيدها فإن لم يفعل فعلى سيدها أن يفتديها ولا يدعها ولا أرى للذي صارت له أن يسترقها ولا يستحل فرجها وإنما هي بمنزلة الحرة لأن

سيدها يكلف أن يفتديها إذا جرحت فهذا بمنزلة ذلك فليس له أن يسلم أم ولده تسترق ويستحل فرجها قال أبو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة فقول مالك فيه ما ذكر في موطئه وقد روي عنه أن على صاحبها أن يفديها إن كان موسرا فإن كان معسرا أتبع دينا به إن لم يعط ذلك من بيت المال قال وأرى على الإمام أن يفديها وقال الليث بن سعد في ذلك كقول مالك إلا أنه قال يتبع السيد بقيمتها دينا إن لم يكن عنده ما يفديها به قال أبو عمر كان الليث بن سعد لا يرى على سيد أم الولد أن يؤدي عنها جنايتها وقال يتبع به أم الولد دون السيد وهذه مسألة أخرى قد اختلف فيها العلماء وسيأتي موضعها إن شاء الله قال أبو حنيفة وأصحابه لا يملك العدو علينا بالغلبة حرا ولا أم ولد ولا مدبرا وقال الشافعي على أصله ليس في أم الولد على سيدها شيء ويدفع إليه أم ولده لأن العدو لا يملكون عنده شيئا من أموال المسلمين وأما قول مالك في الرجل يخرج إلى أرض العدو في المفازاة أو في التجارة فيشتري الحر أو العبد أو يوهبان له فقال أما الحر فإن ما اشتراه به دين عليه ولا يسترق وإن كان وهب له فهو حر وليس عليه شيء إلا أن يكون الرجل أعطى فيه شيئا مكافأة فهو دين على الحر بمنزلة ما اشتري به وأما العبد فإن سيده الأول مخير فيه إن شاء أن يأخذه ويدفع إلى الذي اشتراه ثمنه فذلك له وإن أحب أن يسلمه أسلمه وإن كان وهب له فسيده الأول أحق به ولا شيء عليه إلا أن يكون الرجل أعطى فيه شيئا مكافأة فيكون ما أعطى فيه غرما على سيده أحب أن يفتديه وهذا كله معنى قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي وبن شهاب الزهري وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وقال الليث بن سعد إن كان موسرا دفع إلى المشتري ما اشتراه به وإن كان معسرا ففي بيت المال فإن لم يكن كان دينا عليه

قال أبو عمر سواء عند مالك اشترى الحر بأمره أو بغير أمره وجوابه فيه ما ذكر في الموطأ وكذلك العبد سواء اشتراه بإذن سيده أو بغير إذنه إلا أنه إذا لزمه بأمره لزمه ما اشتراه به إلا أن يكون أكثر من قيمته ما لا يتغابن بمثله فيعود إلى التخيير وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري ليس على الأسير الحر من الثمن الذي اشتراه به إلا أن يكون أمره بالشراء قال أبو عمر الحجة لمالك أن فداء الأسير لنفسه من أرض العدو واجب عليه ومقامه مع قدرته على الفداء لا يجوز له فالذي اشتراه إنما فعل ما يلزمه فوجب عليه أن يرجع عليه بما اشتراه به ومن قال بقول الكوفيين يقول إن الضمان غير متعلق بالوجوب بدليل وجوب فداء الأسير على جماعة المسلمين وإجماعهم على أنه لو أمره بالفداء رجع به عليه دون جماعة المسلمين فإذا لم يأمره لم يكن له أن يثبت عليه دين إلا بأمره قال أبو عمر قول مالك أولى لأنه المقدم على جماعة المسلمين في فداء نفسه إذا قدر عليه وقال الأوزاعي لو أسر ذمي ففداه مسلم بغير أمره استسعاه فيه وأما العبد فليس على سيده شيء مما اشتراه أو فداه به التاجر بغير أمر السيد لأنه متطوع بفعله ويأخذ السيد عبده كما يأخذه قبل القسم وأما أبو حنيفة فقال إذا اشترى فأخذه إلى دار الإسلام كان لمولاه أخذه بالثمن فإن وهبه المشتري لرجل قبل أن يأخذه مولاه ثم جاء المولى لم يكن له فسخ الهبة ولكنه يأخذه من الموهوب له بقيمته يوم وهبه وروى أشهب عن مالك أنه قال لو أعتق المشتري بطل عتقه وأخذه مولاه بالثمن الذي اشتراه به قال أشهب فهبة المشتري أحق أن تبطل ويأخذه مما اشتراه به وهو قول أشهب وبن نافع وقال بن القاسم إن أعتقه لم يكن للمولى سبيل ولا ينقض البيع إن باعه ولا الهبة وإنما له الثمن وقال الحسن بن حي إن باعه أخذه المولى من المشتري الثاني بالثمن الذي أخذه الأول من العدو فإن كان أقل رجع بما بين الثمنين على الذي باعه منه

وقال الشافعي إن اشتراه بأمره ثم اختلفا فالقول قول الأسير وقال الأوزاعي القول قول المشتري اشتراه بأمره أو لم يشتره بغير أمره إن شاء الله تعالى باب ما جاء في السلب في النفل مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة بن ربعي أنه قال خرجنا مع رسول الله عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني قال فلقيت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس فقال أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه قال فقمت ثم قلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه قال فقمت ثم قلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال ذلك الثالثة فقمت فقال رسول الله ما لك يا أبا قتادة قال فاقتصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه عنه يا رسول الله فقال أبو بكر لا هاء الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صدق فأعطه إياه فأعطانيه فبعت الدرع فاشتريت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام

قال أبو عمر قال يحيى في هذا الحديث عمرو بن كثير بن أفلح وقد ذكرنا من تابعه على ذلك في التمهيد والأكثر يقولون عمر بن كثير وذكرنا هناك أبا محمد مولى أبي قتادة وذكرنا أبا قتادة في كتاب الصحابة والغاية التي سيق لها هذا الحديث والغرض المقصود به إليه هو حكم السلب وهو باب اختلف فيه السلف والخلف فقال مالك إنما قال رسول الله من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه بعد أن برد القتال يوم حنين ولم يحفظ عنه ذلك في غير يوم حنين قال ولا بلغني عن ذلك عن الخليفتين وليس السلب للقاتل حتى يقول ذلك والاجتهاد في ذلك إلى الإمام قال مالك والسلب من النفل ولا نفل في ذهب ولا فضة ولا نفل إلا من الخمس وكره مالك أن يقول الإمام من أصاب شيئا فهو له وكره أن يسفك أحد دمه على هذا وقال هو قتال على جعل وكره للإمام أن يقول من قاتل فله كذا ومن بلغ موضع كذا فله كذا ومن قتل قتيلا فله كذا أو نصف ما غنم قال وإنما نفل النبي عليه السلام بعد القتال هذا جملة مذهب مالك في هذا الباب ومذهب أبي حنيفة والثوري نحو ذلك واتفق مالك والثوري وأبو حنيفة على أن السلب من غنيمة الجيش حكمه حكم سائر الغنيمة إلا أن يقول الأمير من قتل قتيلا فله سلبه فيكون حينئذ له وقال الأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد السلب للقاتل على كل حال قال ذلك الأمير أو لم يقله لأنها قضية قضى بها رسول الله ولا يحتاج لذلك إلى إذن الإمام فيها إلا أن الشافعي قال إنما يكون السلب للقاتل إذا قتله مقبلا عليه وأما إذا قتله وهو مدبر فلا سلب له ومن حجته إجماع العلماء على أن لا سلب لمن قتل طفلا أو شيخا هرما أو أجهز على جريح وكذلك من ذفف على جريح أو ذفف على من قطع في الحرب من أعضائه ما لا يقدر على ذلك عن الدفع عن نفسه

وفي ذلك دليل على أن السلب إنما حكى به النبي عليه السلام لمن في قتله مؤنة وشوكة وهو المقاتل لمن أقبل عليه ودافع عن نفسه والله أعلم وقال سائر الفقهاء السلب للقاتل على كل حال مقبلا كان المقتول أو مدبرا على ظاهر الأحاديث من قتل قتيلا فله سلبه وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد الرحمن وسعيد بن عبد العزيز وسليمان بن موسى وفقهاء أهل الشام إذا كانت المعمعة والتحمت الحرب فلا شيء سلب حينئذ لقاتل وقال أبو ثور ومحمد بن جرير الطبري في السلب السلب لكل قاتل في معركة كان أو غير معركة مقبلا كان أو مدبرا أو على أي حال كان على ظاهر الحديث وقال الأوزاعي ومكحول السلب مغنم ويخمس وقال الشافعي يخمس كل شيء من الغنيمة إلا السلب فإنه لا يخمس وهو قول أحمد بن حنبل والطبري واحتجوا بقول عمر بن الخطاب كنا لا نخمس السلب على عهد رسول الله ومن حجته ما حدثناه عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور قال أخبرنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد أن رسول الله قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب وروي عن مالك يخمس السلب وروي عنه أن الإمام مخير فيه إن شاء خمسه وإن شاء لم يخمسه قال أبو عمر حجة من خمس السلب عموم قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول الأنفال ولم يستثن سلبا ولا نفلا وحجة من لم ير فيه خمسا عموم قول النبي من قتل قتيلا فله سلبه فملكه إياه ولم يستثن عليه شيئا منه ولا استثنى رسول الله شيئا من سنته من جملة الغنيمة غير سلب القاتل وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن بن سيرين قال بارز البراء بن مالك أخو أنس بن مالك مرزبان الزأرة فقتله فأخذ سلبه فبلغ سلبه ثلاثين ألفا

فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال لأبي طلحة إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ مالا كثيرا ولا أرانا إلا خامسيه وذكر بن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن بن عوف وهشام بن حسان عن بن سيرين عن أنس بن مالك أن البراء بن مالك حمل على مرزبان الزأرة فطعنه طعنة دق قربوس سرجه وقتله وأخذ سلبه فذكر ما تقدم قال بن سيرين فحدثني بن مالك أنه أول سلب خمس في الإسلام وقال إسحاق بهذا القول إذا استكثر الإمام السلب خمسه وذلك إليه وقد حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب بعث قتادة فقتل ملك فارس بيده وعليه منطقة ثمنها خمسة عشر ألف درهم فنفله عمر إياها وأما قول مالك إنه لم يبلغه أن رسول الله قال من قتل قتيلا فله سلبه إلا يوم حنين فقد بلغ غيره من ذلك ما لم يبلغه وقد نفل رسول الله ببدر وغيرها فمن ذلك حديث عبد الرحمن بن عوف وقد ذكرناه بإسناده بالتمهيد أنه دل معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح على أبي جهل فحملا عليه فصرعاه ثم أتيا النبي فذكرا ذلك له وقال كل واحد منهما أنا قتلته فنظرا إلى سيفيهما فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لهما ومن ذلك أيضا خبر بن مسعود في قتل أبي جهل أنه وجده مثخنا في قصة ذكرها فأخذ سيفه قتله به فنفله رسول الله إياه وما رواه أيضا داود بن أبي هند عن عكرمة عن بن عباس قال لما كان يوم بدر قال رسول الله من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا من النفل فتصارع الشبان ولزم المشيخة الدابة فلم يبرحوها فلما فتح الله عليهم جاء الشبان يطلبون ما جعل له وجعل له فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءا لكم وفيه لو انكشفتم فأنزل الله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا

ذات بينكم الأنفال فدل على أن هنالك أنفالا نفلها رسول الله وكان ذلك في حكم الله ورسوله وأما الحجة لمالك في أن السلب لا يكون للقاتل إلا أن ينادي به الإمام وأنه مردود إلى اجتهاده وأنها ليست قضية أمضاها حديث عوف بن مالك الأشجعي وقصتة مع خالد بن الوليد في أمر المددي وذلك أن المددي قتل الرومي وأخذ سلبه فانتزعه منه خالد بن الوليد فقال له عوف اردد عليه سلبه تاما فقال والله لأخبرن بذلك رسول الله قال عوف فاجتمعنا عند رسول الله فأقصصت عليه القصة وما فعل خالد بالمددي فقال رسول الله لخالد ما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله استكثرت نفله فقال رسول الله رد عليه ما أخذت منه فقال عوف لخالد كيف رأيت يا خالد ألم أف لك فقال رسول الله وما ذاك فأخبره فغضب رسول الله وقال يا خالد لا ترده عليه هل أنتم تاركون لي أمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره ذكره أبو داود عن أحمد بن حنبل عن الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك فقال أحمد بن حنبل عن الوليد سألت ثورا عن هذا الحديث فحدثني عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك نحوه قال أبو عمر احتج من قال بأن السلب للقاتل مدبرا بحديث سلمة بن الأكوع أنه قتل القتيل فهو إذن فقال رسول الله من قتل القتيل قالوا سلمة بن الأكوع فقال رسول الله له سلبه أجمع

وقد ذكرنا الحديث بإسناده في التمهيد وليس فيه ما يدل على أن قتله ما يراد لا مقبلا ولا هاربا بل فيه على أن قتله مخاتلا مخادعا والله أعلم واختلف الفقهاء في الرجل يدعي أنه قتل رجلا بعينه وادعى سلبه فقالت طائفة منهم يكلف على ذلك البينة فإن جاء بشاهدين أخذه وإن جاء بشاهد حلف معه وكان سلبه له واحتجوا بحديث أبي قتادة وبأنه حق يستحق مثله بشاهد ويمين وممن قال ذلك الشافعي والليث وجماعة من أصحاب الحديث وقال الأوزاعي ظاهر حديث أبي قتادة هذا يدل على أن ذلك حكم في ما مضى ولم يرد به رسول الله أن يكون أمرا لازما في المستقبل لأنه أعطاه السلب بشهادة رجل واحد بلا يمين ومخرج ذلك على اجتهاد من الخمس إذا رأى ذلك الإمام مصلحة والقضاء فيه مؤتنف قال أبو عمر بل أعطاه إياه والله أعلم لأنه قوله به من كان حازه لنفسه في القتال لأن أبا قتادة أحق بما في يديه منه فأمر بدفع ذلك إليه وكان درعا ولا يشك أنه سلب قتيل لا ما سواه من سائر المغانم وقد كان بيده مالا من ماله فقال رسول الله من قتل قتيلا فله سلبه وقد تقدم قول من قال أنها قضية ماضية من رسول الله قضى بها في مواطن شتى ألا خيار فيها لأحد وتقدم ذكر قول مالك والكوفيين في ذلك وفي هذا الباب مالك عن بن شهاب عن القاسم بن محمد أنه قال سمعت رجلا يسأل عبد الله بن عباس عن الأنفال فقال بن عباس الفرس من النفل والسلب من النفل قال ثم عاد الرجل لمسألته فقال بن عباس ذلك أيضا ثم قال الرجل الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي قال القاسم فلم يزل يسأله حتى كاد أن يحرجه ثم قال بن عباس أتدرون ما مثل هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب

هكذا هو الخبر في الموطأ عند جمهور الرواة ورواه الوليد بن مسلم عن مالك مثله فقال في آخره السلب من النفل والفرس من النفل يريد أنه للقاتل وأظن أنه يريد لنفسه أقل من قول الوليد بن مسلم فهو مذهبه ومذهب الأوزاعي شيخه والشافعي ومن ذكرنا معهم وليس ذلك في الموطأ في آخر هذا الحديث وذكر أبو عبد الله المروزي قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا بشر بن عمر ومحمد بن المبارك وهذا حديث محمد بن المبارك وهو أتمها قال حدثنا مالك عن الزهري عن القاسم بن محمد قال سمعت رجلا يسأل عبد الله بن عباس عن النفل فقال السلب من النفل والفرس من النفل فقال الرجل الأنفال التي سمى الله فأعاد عليه المسألة مرارا حتى كاد يحرجه وقال بن عباس أتدرون ما مثل هذا مثله مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب بالجريد ورواه معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد عن بن عباس أن رجلا سأله عن الأنفال فقال الرجل بنفل سلب الرجل وفرسه قال فأعاد عليه قال له مثل ذلك ثم أعاد عليه فقال بن عباس أتدرون ما مثل هذا وذكر تمام الخبر ورواه الأوزاعي عن الزهري أنه سمع القاسم بن محمد يقول سمعت عمر يقول سمعت بن عباس يقول السلب من النفل وفي النفل الخمس وهذا الحديث رواه الليث عن الزهري بإسناده وروى أبو الجويرية عن بن عباس انه يقول لا تحل الغنيمة حتى تخمس ولا يحل النفل حتى يقسم الخمس قال أبو عمر النفل الغنيمة والأنفال الغنائم هذا ما لا خلاف فيه عند العلماء ولا أهل اللغة قال صاحب العين النفل المغنم والجميع الأنفال وللإمام ينفل الجيش إذا جعل لهم ما غنموا وقال مجاهد الأنفال الغنائم وقالته الجماعة

وقد يكون النفل في اللغة أيضا العطية والأنفال العطايا من الله عز وجل ومن العباد بعضهم لبعض وأجمع العلماء على أن قول الله عز وجل واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه الأنفال نزلت عند قوله يسألونك عن الأنفال الأنفال نزلت في حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر وروي عن بن عباس ومجاهد وعكرمة والشعبي وإسماعيل السدي في قوله عز وجل يسألونك عن الأنفال الأنفال قال الأنفال لله والرسول نسختها واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه الأنفال حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا سليمان بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول الأنفال قال الأنفال المغانم كانت لرسول الله خاصة ليس لأحد فيها شيء فسألوا رسول الله فأنزل الله تعالى يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ليس لكم فيها شيء فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم الأنفال ثم نزلت واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول الأنفال فقسم القسمة وقسم الخمس لمن سمي في الآية وروى محمد بن إسحاق والثوري وعبد العزيز بن محمد الداروردي عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي قال سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا نزلت معشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا وجعل لرسول الله فقسمه رسول الله بين المسلمين على بواء يقول على السواء فكان ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين وقد ذكرنا حديث عبادة هذا بأتم ألفاظ في كتاب الدرر في اختصار المغازي والسير وفي معنى التشاجر الذي ذكرنا له

قال أبو عمر ثم نسخ الله الآية التي في أول الأنفال بقوله عز وجل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الأنفال على ما تقدم ذكرنا له عن من وصل إلينا قوله من العلماء وقد روى وكيع وغيره عن سفيان بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام الحبشي عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت أن رسول الله نفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث وهذا حديث آخر إسناده ومتنه غير إسناد الأول ومتنه وإن كانا جميعا عند سليمان بن موسى عن مكحول إلا أن مكحولا روى هذا الحديث عن أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي أمامة عن عبادة وروى الأول عن أبي أمامة عن عبادة وهما حديثان مختلفان في معنيين قد حفظهما جميعا عبادة بن الصامت عن النبي عليه السلام وقد روى مثل حديث عبادة هذا عن النبي عليه السلام حبيب بن مسلمة من رواية مكحول أيضا عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة رواه عن مكحول يزيد بن يزيد بن جابر من رواية بن عيينة وغيره عن يزيد بن يزيد ورواه أيضا سليمان بن موسى عن مكحول من رواية سعيد بن عبد العزيز وغيره عن سليمان بن موسى وقد تكلم البخاري في أحاديث سليمان بن موسى وطعن فيما انفرد به منها وأكثر أهل العلم يصححون حديثه بأنه إمام من أئمة أهل الشام وفقيه من جلة فقهائهم وأما قول بن عباس في الموطأ فيدل على أن الآية عنده منسوخة وهو قول زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن وتأويل قوله قل الأنفال لله والرسول الأنفال عندهم كقوله فأن لله خمسه وللرسول الأنفال أي له وضعها حيث وضعها الله وذلك قول بن عباس حين سئل عن الأنفال فقال السلب والفرس وفي رواية أخرى عنه في ذلك الفرس والدرع والرمح

وقول مالك في ذلك نحو قول بن عباس قال مالك السلب من النفل في الآثار الثابتة عن النبي أنه للقاتل دليل على أن الآية محكمة وقال عطاء في قوله يسئلونك عن الأنفال ما شذ عن العدو إلى المسلمين من عبد أو دابة أو متاع فهي الأنفال التي يقضي فيها الإمام ما أحب قال أبو عمر روى معمر عن الزهري أن بن عباس قال إن الرجل كان ينفل سلب الرجل وفرسه وقد عمل المسلمون من الصحابة والتابعين بإعطاء السلب للقاتل في مواطن شتى لا ينكر ذلك واحد منهم وإنما اختلف الفقهاء هل ذلك واجب للقاتل دون إعطاء الإمام وندائه لذلك أو حتى يأمر به وينادي به مناديه في العسكر قبل الغنيمة أو بعدها على حسب ما قدمنا ذكره عنه في هذا الكتاب وإنما جعل مالك حديث بن عباس بعد حديث أبي قتادة مفسرا له في معنى السلب الذي يستحقه أنه الفرس والدرع لأن في حديث أبي قتادة أن سلب قتيله كان درعا وزاد بن عباس من قوله الفرس وفي غير رواية مالك الرمح وذلك كله آلة المقاتل ولم ير مالك أن يكون من السلب ذهب ولا فضة لأنه من آلة المقاتل المعمرة الظاهرة المسلوبة وقال الشافعي السلب الذي يكون للقاتل كل ثوب يكون للقاتل على المقتول وكل سلاح عليه ومنطقة وفرسه إن كان راكبه أو ممسكه فإن كان مع غيره أو منفلتا منه فليس لقاتله قال وإن كان في سلبه أسوار ذهب أو خاتم أو تاج أو منطقة فيها ذهب فلو ذهب ذاهب إلى أن هذا من سلبه كان مذهبا ولو قال قائل ليس هذا من عدة الحرب كان وجها وقال أحمد بن حنبل المنطقة فيها الذهب والفضة من السلب والفرس ليس من السلب وقال في السيف لا أدري قال أبو عمر لو قال في المنطقة والسلب لا أدري كان أولى به من مخالفة بن عباس والناس في الفرس وأظنه ذهب في المنطقة إلى حديث أنس في قتل البراء بن مالك مرزبان الزأرة وقال مكحول هل يبادر القاتل سلب المقتول كله فرسه وسرجه ولجامه

وسيفه ومنطقته ودرعه وبيضته وساعداه وساقه وكل ما كان معه من ذهب أو جوهر قال الأوزاعي له فرسه الذي قاتل عليه وسلاحه وسرجه ومنطقته وما كان في سرجه ولجامه من حلية قال ولا يكون له الهميان فيه المال وأجاز الأوزاعي أن يترك القتلى عراة وكره الثوري أن يتركوا عراة وقال الأوزاعي في الأجير المستأجر للخدمة إن بارز فقتل صاحبه كان له سلبه قال وإن قتل قبل الفتح فله السلب وإن كان بعد الفتح فلا شيء له وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سمعت نافعا مولى بن عمر يقول لم أزل أسمع إذا التقى المسلمون والكفار فقتل رجل من المسلمين رجلا من الكفار أن له سلبه إلا أن يكون في معمعة القتال أو في زحفه لا يدري أن أحدا بعينه قتل آخر وعن عبد الله بن مسعود قال النفل ما لم يلتق الصفان فإذا التقى الزحفان فالمغنم ولا سلب ولا نفل وعن مسروق مثله وزاد إنما النفل قبل وبعد وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز السلب للقاتل ما لم تشتد الصفوف فإذا قام الزحف فلا سلب لأحد وقال عكرمة دعي رجل يوم بني قريظة إلى البراز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا زبير فقام إليه فقتله فنفله رسول الله سلبه وقال الأوزاعي ليس للقاتل سلب حتى يجرد إليه السلاح ومن استأجر فليس لقاتله سلبه قيل فرجل حمل على رجل فقتله فإذا هي امرأة قال إن كانت جردت إليه السلاح فله سلبها قال والغلام كذلك إذا قاتل فقتل كان سلبه لمن قتله وقد فسرنا المخرف ومعنى تأثلته في التمهيد وشواهده واختصار ذلك أن المخرف الحائط من النخل يخترف أي يجتنى

وقوله إنه لأول مال تأثلته لأنه أول مال اقتنيته واكتسبته في الإسلام وأما قول بن عباس للسائل الملح عليه في الأنفال ما هي وهو يتجنبه حتى كاد يحرجه إنما مثل هذا مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب فإنه رأى منه ما يدل على أنه معنت غير مصغ إلى ما يجاب به من العلم فأشار إلى ما هو حقيق أن يصنع به ما صنع عمر بصبيغ وأما خبر صبيغ فروى إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا بن أبي أويس قال حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سأل رجلا قدم من الشام فقال إن رجلا هناك يسأل عن تأويل القرآن قد كتبه يقال له صبيغ وأخبره أنه يريد قدوم المدينة فقال له عمر لئن لم تأتني به لأفعلن بك كذا وكذا فجعل الرجل يختلف كل يوم إلى الثنية وهو يسأل عن صبيغ حتى طلع وهو على بعير قال قد كان يحتج بأن يقول من يلتمس الفقه يفقهه الله قال فلما طلع قام إليه الرجل فانتزع الخطام من يده ثم قاد به حتى أتى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه فضربه عمر ضربا شديدا ثم حبسه ثم ضربه أيضا فقال له صبيغ إن كنت تريد قتلي فأخذ علي وإن كنت تريد شفائي فقد شفيتني شفاك الله قال فأرسله عمر رضي الله عنه وروى حماد بن زيد عن يزيد بن حاتم عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني تميم يقال له صبيغ بن عسل قدم المدينة وكانت عنده كتب فجعل يسأل عن متشابه القرآن فبلغ ذلك عمر فبعث إليه وقد أعد له عراجين النخل فلما دخل عليه جلس فقال من أنت قال أنا عبد الله صبيغ فقال عمر وأنا عبد الله عمر ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين فما زال يضربه حتى شجه فجعل الدم يسيل على وجهه فقال حسبك يا أمير المؤمنين فقد والله ذهب الذي كنت أجده في رأسي وقال حماد بن زيد وحدثنا قطن بن كعب قال سمعت رجلا من بني عجلان يقال له خلاد بن زرعة يحدث عن أبيه قال لقد رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجيء إلى الحلق وكلما جلس إلى حلقة قاموا وتركوه وقالوا عزمة أمير المؤمنين ألا يكلم وفي حديث أبي شهاب الحناط عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي

حازم أن عمر بن الخطاب كشف عن رأسه فإذا له شعر فقال لو وجدته محلوقا لعاقبتك أشد العقوبة قال أبو عمر إنما قال ذلك لقول النبي في الخوارج سيماهم التحليق وقد عرض للأحنف بن قيس مثل ذلك في كشف رأسه مع عمر بن الخطاب لأنه أعجبه ما سمعه منه من البلاغة والحكمة فخشي أن يكون من الذين قال فيهم النبي عليه السلام أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان فكشف عن رأس الأحنف فوجده ذا شعر وأثنى عليه قومه فسر بذلك عمر قال أبو عمر كان صبيغ من الخوارج في مذاهبهم وكان الأحنف صاحب سنة وعقل ورأي ودهاء وروى هشيم عن العوام بن حوشب قال قلت لعمرو بن مرة ما لكم لا تعاقبون أهل الأهواء وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعاقبهم فقالوا إنهم كانوا يجترئون بعلمهم وأما نحن نجترئ بجهلنا باب ما جاء في إعطاء النفل من الخمس ذكر فيه مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أنه قال كان الناس يعطون النفل من الخمس قال مالك وذلك أحسن ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر قول مالك رحمه الله وذلك أحسن ما سمعت يدل على أنه قد سمع غير ذلك وقد أوردنا في باب جامع النفل في الغزو مذاهب العلماء من السلف والخلف في هذه المسألة واستوفينا القول فيها في باب السلب من النفل قبل هذا والآثار كلها المرفوعة وغيرها تدل على صحة ما ذهب إليه من قال إن النفل لا يكون إلا من الخمس لأن الله تعالى قد ملك الغانمين أربعة أخماس الغنيمة بعد ما

استثناه على لسان رسول الله من السلب للقاتل فقال عز وجل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول الأنفال فأعطى الغانمين الأربعة الأخماس بإضافة الغنيمة إليهم ولم يخرج منها عنهم إلا الخمس فدل على تمليكهم كما قال جل وعز وورثه أبواه فلأمه الثلث النساء فدل على أن للأب الثلثين بقوله وورثه أبواه ثم جعل للأم الثلث يدل على أن الثلثين للأب كذلك الغنيمة لما أضافها إلى الغانمين وجعل الخمس لغيرهم وبالله التوفيق ويخرج أيضا من الغنيمة الأرض لما فعله عمر بن الخطاب في جماعة الصحابة رضي الله عنهم وفيهم فقهاء وتأولوا في ذلك أنه الفيء وقد اختلف في ذلك كله على حسب ما قد ذكرناه والحمد لله قال الله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول الأنفال فما كان للرسول ومن ذكر معه جرى مجرى الفيء وكان له في قسمته الاجتهاد على ما وردت في ذلك السنة عنه صلى الله عليه وسلم وقد مضى في ذلك ما فيه كفاية وفي هذا الباب سئل مالك عن النفل هل يكون في أول مغنم قال ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام وليس عندنا في ذلك أمر معروف موقوف إلا اجتهاد السلطان ولم يبلغني أن رسول الله نفل في مغازيه كلها وقد بلغني أنه نفل في بعضها يوم حنين وإنما ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام في أول مغنم وفيما بعده قال أبو عمر اختلف العلماء في النفل في أول مغنم وفي النفل في العين من الذهب والورق فذهب الشاميون إلى أن لا نفل في أول مغنم وهم رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي الكندي ومكحول وسليمان بن موسى والأوزاعي ويزيد بن يزيد بن جابر والقاسم بن عبد الرحمن ويزيد بن أبي مالك وقال الأوزاعي السنة عندنا أن لا نفل في ذهب ولا فضة ولا لؤلؤ وهو قول مالك وسليمان بن موسى وسعيد بن عبد العزيز وأنكر أحمد بن حنبل قول الشاميين لا نفل إلا في أول مغنم قال أبو عمر لما رأى مالك رحمه الله اختلاف الناس في النفل في أول مغنم وفيما بعده ولم ير في شيء من أقوالهم حجة توجب المصير إليها فجاز

النفل للوالي على حسب ما يؤديه إليه اجتهاده كان في أول مغنم أو غيره هذا ويكون ذلك من الخمس على ما ذكره سعيد بن المسيب وروى محمد بن سيرين أن أنس بن مالك كان مع عبيد الله بن أبي بكرة في غزاة فأصابوا شيئا فأراد عبيد الله أن يعطي أنسا من الشيء قبل أن يقسم قال أنس لا ولكن أعطني من الخمس فقال عبيد الله لا إلا من جميع غنائم فأبى أنس أن يقبل وأبى عبيد الله أن يعطيه من الخمس باب القسم للخيل في الغزو ذكر مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كان يقول للفرس سهمان وللرجل سهم قال مالك ولم أزل أسمع ذلك قال أبو عمر أما ما حكاه عن عمر بن عبد العزيز فهو محفوظ عن النبي عند العلماء أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله أسهم لرجل ثلاثة سهمان سهم له وسهمان لفرسه قال أبو عمر هكذا رواه جماعة عن عبيد الله عن نافع عن بن عمر كما رواه أبو معاوية منهم عبد الله بن نمير وأبو أسامة وسليم بن أخضر وروي من حديث أبي عمرة الأنصاري وبن عباس عن النبي قال أبو عمر اختلف العلماء في هذا الباب فقال مالك وسفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأبو يوسف ومحمد يسهم للفارس ثلاثة أسهم سهمان للفرس وسهم لراكبه وقال أبو حنيفة للفارس سهمان وللراجل سهم وروي مثل قول أبي حنيفة عن النبي من حديث مجمع بن جارية وعن

علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري مثله رواه شعبة عن إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي رضي الله عنه وروي مثل قول مالك ومن تابعه عن بن عباس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز والحسن وبن سيرين والحكم بن عيينة وعن عمرو بن ميمون وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود والطبري وقد روى سعيد بن داود بن أبي زبير عن مالك بن أنس عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير يوم حنين أربعة أسهم سهما له مع المسلمين وسهمين للفرس وسهما للقربى وهذا حديث أنكروه على سعيد بن الزبير لم يتابعه أحد عليه عن مالك والمعروف في هذا الحديث ما رواه سفيان بن عيينة وغيره عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير مرسلا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما قول مالك في هذا الباب لا أرى أن يسهم إلا لفرس واحد الذي يقاتل عليه وإن دخل الرجل بأفراس عدة لم أر أن يسهم منها إلا لواحد فهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وروى أبو حبان التيمي واسمه يحيى بن سعيد مثله وقال الثوري والأوزاعي وأبو يوسف والليث يسهم لفرسين قال أبو عمر وممن قال يسهم لفرسين الحسن البصري ومكحول الشامي ويحيى بن سعيد الأنصاري واختاره محمد بن الجهم المالكي وقد قال رأيت أهل الثغور يسهمون لفرسين وتأملت أئمة التابعين بالأمصار فرأيت أكثرهم يسهمون لفرسين قال أبو عمر لا أعلم أحدا أسهم لأكثر من فرسين إلا ما رواه بن جريج عن سليمان بن موسى قال إذا أدرب الرجل بأفراس قسم لكل فرس سهمان وأما قول مالك في البراذين والهجن أنها من الخيل يسهم لها فهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي البرذون والفرس عندهم سواء وقد احتج مالك في موطئه بأن البراذين خيل لقوله تعالى والخيل والبغال والحمير النحل ويقول سعيد بن المسيب أنه سئل عن البراذين هل فيها من صدقة فقال وهل في الخيل من صدقة

وقال الحسن البراذين بمنزلة الخيل رواه بن حسان عنه وقال الأوزاعي كانت أئمة المسلمين فيما سلف يسهمون للبراذين حتى هاجت الفتنة من بعد قتل الوليد بن يزيد وقال الليث للهجين والبرذون منهم مثل سهم الفرس ولا يلحقان بالعراب وقال عمر بن عبد العزيز تلحق البراذين بسهام الخيل إذا أدركت ما تدرك الخيل وروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وروي أيضا عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامله إذا كان البرذون رائع المنظر حسن الجري فأسهم له سهم العراب وقال مكحول أول من أسهم للبراذين خالد بن الوليد يوم دمشق أسهم للبراذين نصف سهمان الخيل لما رأى من جريها وقوتها وكان يعطي للبراذين سهما سهما وللفرس سهمين قال أبو عمر هذا حديث منقطع لم يسمعه مكحول من خالد ولا أدركه ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا الصباح بن ثابت البجلي قال سمعت الشعبي يقول إن المنذر بن الدهن بن أبي حميصة خرج في طلب العدو فلحقت الخيل العراب وتقطعت البراذين فأسهم للعراب سهمين وللبراذين سهما ثم كتب بذلك إلى عمر بن الخطاب فأعجبه ذلك فجرت سنة للخيل بعد قال وحدثنا سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس وإبراهيم بن محمد بن المنتشر عن علي بن الأقمر قال أغارت الخيل بالشام فأدركت العراب من يومها وأدركت البراذين ضحا الغد فقال بن أبي حميصة لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك وكتب إلى عمر فقال عمر هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال قال أبو عمر هكذا قال بن أبي شيبة عن بن عيينة عن الأسود بن قيس وإبراهيم بن المنتشر عن بن الأقمر وهو غلط منه وإنما حديث بن المنتشر عن أبيه وحديث الأسود بن قيس عن كلثوم بن الأقمر كذلك رواه الثوري وشريك عن الأسود بن قيس عن كلثوم بن الأقمر أن المنذر بن الدهن بن أبي حميصة خرج في طلب العدو رد فلحقت الخيل وذكر معناه

حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد المنتشر عن أبيه قال أغارت الخيل بالشام وعلى الناس رجل من همدان يقال له المنذر بن أبي حميصة فأدركت العراب من يومها وأدركت البراذن ضحا الغد فقال لا أجعل ما أدرك كما لم يدرك فكتب إلى عمر في ذلك فكتب عمر فضلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال وهو أول من سن في الإسلام سنة الخيل والبراذين قال سفيان بن عيينة قال الشاعر في ذلك ومنا الذي قد سن في الخيل سنة وكانت سواء قبل ذاك سهامها ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص بن غياث عن أشعث عن الحسن قال للمقرف وهو الهجين له سهم ولصاحبه سهم قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول مثله قال وحدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي قال لم يكن أحد من علمائنا يسهمون للبرذون قال وحدثنا وكيع عن سفيان قال الفرس والبرذون سواء باب ما جاء في الغلول ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدر من حنين وهو يريد الجعرانة سأله الناس حتى دنت به ناقته من شجرة فتشبكت بردائه حتى نزعته عن ظهره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا علي ردائي أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم والذي نفسي بيده لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني

بخيلا ولا جبانا ولا كذابا فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس فقال أدوا الخياط والمخيط فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة قال ثم تناول من الأرض وبرة من بعير أو شيئا ثم قال والذي نفسي بيده ما لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم قال أبو عمر فروي هذا الحديث عن عمرو بن شعيب متصلا من وجوه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحسنها ما رواه حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواة بن شهاب عن عمر بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام رواه بن وهب عن يونس عن بن شهاب وعبد الرزاق عن معمر عن بن شهاب إلا أن حديث عمرو بن شعيب يقتضي معاني حديث مالك كلها وحديث بن شهاب يقتضي بعضها وقد ذكرنا ذلك كله في التمهيد وفي هذا الحديث إباحة سؤال العسكر للخليفة حقوقهم في الغنيمة ليقسم بينهم فيصل كل واحد إلى حقه ويستعجل الانتفاع به ويحتمل أن يكونوا سألوه أن يتكلم بعد أن قسم بينهم لأنه كان ينفل في البدأة والرجعة وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا فكان صلى الله عليه وسلم أسخى خلق الله وأكثرهم جودا وسماحة وروى بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس كان أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان

وقال بن عمر ما رأيت أجود ولا أمجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي عنه من وجوه أنه كان يستعيذ بالله من البخل وكان يقول أي داء أدوأ من البخل ومن حديث بن المنكدر عن جابر قال ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قط فقال لا وأما شجاعته ونجدته فقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ما رأيت أثبت جنانا ولا أجرأ قلبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بن عمر مثله وأما الكذب فقد جعله الله صديقا نبيا وكفى بهذا وفيه جواز قسمة الغنائم في دار الحرب لأن الجعرانة كانت يومئذ من دار الحرب وفيها قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين وذلك موجود في حديث جبير بن مطعم وجابر واختلف الفقهاء في قسمة الغنائم في دار الحرب فذهب مالك والشافعي والأوزاعي وأصحابهم إلى أن الغنائم يقسمها الإمام على العسكر في دار الحرب قال مالك وهم أولى بها منه وقال أبو حنيفة لا تقسم الغنائم في دار الحرب وقال أبو يوسف أحب إلي أن لا تقسم في دار الحرب إلا أن يجد حمولة فيقسمها في دار الحرب قال أبو عمر والصحيح ما قاله مالك ومن تابعه في ذلك للأثر المذكور فيه وفيه جواز ذم الرجل الفاضل لنفسه إذا لم يرد به إلا دفع العيب عن نفسه وكان صادقا في قوله

وفيه دليل على أن الخليفة على المسلمين الناظر لهم المدبر لأمورهم لا يجوز أن يكون كذابا ولا بخيلا ولا جبانا وقد أجمع العلماء أن الإمام يجب أن لا يكون فيه هذه الخلال السوء وأن يكون أفضل أهل وقته حالا وأجملهم خصالا إن قدر على ذلك وقوله لا تجدوني بخيلا ولا كذابا لأن البخيل يحتمل أن يقول الأمر ولا يفعل يقول فلا تجدوني كذابا أبدا وقد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين البخل والجبن والكذب وأكثر الآثار على هذا وفي ذلك ما يعارض حديث صفوان بن سليم أن المؤمن يكون بخيلا وجبانا ولا يكون كذابا والكذاب عندهم المعروف منه كثرة الكذب لأن فعالا لا تكون إلا للمبالغة وهو أكثر من كاذب وأجمع الحكماء على أن الكذب في السلطان أقبح منه في غيره لأنه لا يوثق من السلطان إذا كان كذوبا بوعد ولا وعيد وفي ذلك فساد أمره قال معاوية لعمرو بن العاص إن فساد هذا الأمر أن يعطوا على الهوى لا على التقى وأن يكونوا في الوعد والوعيد وفيه إباحة الغنائم للمسلمين من أموال المشركين وسائر الكفار ولم تكن مباحة لأحد قبل هذه الأمة وهي من الخصال التي فضل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته من مال كل حربي وقد ذكرنا الآثار بذلك فيما تقدم من كتابنا هذا وأخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحل الغنائم لقوم سود

الرؤوس قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتأكلها فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم فأنزل الله تعالى لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم إلى آخر الآيتين الأنفال وأما قوله صلى الله عليه وسلم أدوا الخائط والمخيط ويروى الخياط والمخيط فالخائط واحد الخيط والمخيط الإبرة ومن رواه الخياط فقد يكون الخياط الخيوط ويكون الخياط المخيط وهي الإبرة ومنه قوله عز وجل حتى يلج الجمل في سم الخياط الأعراف ولا خلاف أن الرواية المخيط بكسر الميم وقال الفراء يقال خياط ومخيط كما يقال لحاف وملحف وقناع ومقنع وإزار ومئزر وقرام ومقرم قال أبو عمر وهذا كلام خرج على القليل ليكون ما فوقه أحرى بالدخول في معناه كما قال تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره الزلزلة وفيه أن الغلول كثيره وقليله حرام وأنه عار وشنار والشنار كلمة تجمع العار والنار ومنهم من قال تجمع الشين والنار ومعنى ذلك منقصة في الدنيا وعذاب في الآخرة والغلول من حقوق الآدميين ولا بد فيه من القصاص في الدنيا بالمال أو في الآخرة بالحسنات والسيئات وأما قوله ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم فإنه أراد إلا الخمس فإن العمل فيه برأيي واجتهادي لأن الأربعة الأخماس من الغنيمة مقسومة على أهلها ممن حضر القتال من رفيع أو وضيع وقد ذكرنا ما للعبد والأجير والمرأة والتاجر من الغنيمة في موضعه وذكرنا كيف قسمة الغنيمة للفارس والراجل في موضعه أيضا وأما الخمس فكان مالك لا يرى قسمته أخماسا وقال حكمه حكم الفيء وقسمته مردودة إلى اجتهاد الإمام

وقال الشافعي يقسم الخمس على خمسة أسهم وهو قول الثوري وقال أبو حنيفة يقسم الخمس على ثلاثة أسهم للفقراء والمساكين وبن السبيل وأسقط سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى وقال سقطا بموت النبي صلى الله عليه وسلم وخالفه أكثر الفقهاء في سهم ذي القربى وقالوا إنه لقرابة النبي عليه السلام من بني هاشم وهم الذين تحرم عليهم الصدقة وهو قول مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد وأبي ثور والحجة لهم حديث بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى لبني هاشم وبني المطلب من الخمس وقال إننا بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد الحديث وليس في هذا الباب حديث مسند غيره وقال بدخول بني المطلب مع هاشم من فقهاء الأمصار الشافعي وأبو ثور وأحمد وأما سائر الفقهاء فيقتصرون فيه على بني هاشم فقد روي عن بن عباس ومحمد بن الحنفية أن ذوي القربى الذين عنى الله في آية الخمس بنو هاشم قال بن عباس وقد خالفنا في ذلك قومنا وكان عمر بن عبد العزيز يذهب إلى أن ذوي القربى بنو هاشم خاصة وقال بقول الشافعي في إدخال بني المطلب مع بني هاشم مجاهد وقتادة وبن جريج ومسلم بن خالد والحجة لهذه الأقوال تطول وشرطنا الأختصار

وذكر سنيد قال حدثنا وكيع عن سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سهم الرسول وسهم ذي القربى ثم أجمعوا على أن يجعلوه يعني سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكراع في سبيل الله فكان كذلك خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قال وحدثنا أبو معاوية عن محمد بن إسحاق قال قلت لأبي جعفر ما صنع علي رضي الله عنه في الخمس حين ولي قال صنع به اتبع فيه أثر أبي بكر وعمر لأنه كان يكره أن يدعا عليه خلافهما قال وحدثنا وكيع عن سفيان عن خصيف عن مجاهد قال كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم سهم ذي القربى قال وحدثنا هشيم أخبرنا عبد الله بن حسن قال لما منعنا الصدقة جعل لنا سهم ذي القربى خمس الخمس قال وأخبرنا جرير عن موسى بن أبي عائشة قال سألت يحيى بن الجزار عن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خمس الخمس قال وحدثنا حجاج عن بن جريج في قول الله عز وجل فإن لله خمسه الأنفال قال أربعة أخماسه لمن حضر القتال من الناس والخمس الباقي لله وللرسول منه خمس وخمس لذي القربى وخمس لليتامى والمساكين خمس ولابن السبيل خمس وقالت طائفة ذو القربى قرابة الإمام وهو قول الحسن البصري وورد في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أطعم طعمة فهي للخليفة بعده وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وهو حديث لا تقوم بمثله حجة لضعفه وقلنا في معناه هناك إنها ولاية القسمة والعمل فيها باجتهاد الرأي وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يرى ذلك لقرابته وكان علي وبن عباس رضي الله عنهما يرون أن خمس الخمس لبني هاشم

وكتب إلى بن عباس نجدة الحروري يسأله عن ذلك فقال كنا نرى أنه لنا فأبى ذلك علينا قومنا يعني قريشا وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يولني خمس الخمس فلا أنازع في ولايته ففعل فكنت إليه إلى آخر خلافة عمر فقلت له إن للناس إليه حاجة ونحن عنه في غنى فاقسمه أنت فيهم يعني بني هاشم فلما خرجت قال لي العباس وكان داهية لقد أخرجت عنا أو عن أيدينا ولن يعود إلينا قال علي فما دعيت إليه بعد وقال بن عباس دعانا عمر أن ينكح منه أيامانا ويخدم منه عائلنا ويعطينا منه ما يكفينا فأبينا إلا أن نعطاه كله فأبى ولا يصح أن عليا دعي إلى ذلك في خلافته فأبى لئلا يؤخذ عليه خلافه الخليفتين لأنه لم تكن في مدة خلافته مغنم وقال الطبري يقسم الخمس على أربعة أسهم لأن سهم النبي صلى الله عليه وسلم مردود على من سمى معه في الآية قياسا على ما أجمعوا عليه فيمن غرم من أهل سهمان الصدقات واختلف العلماء في سهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال سهمه من الخمس خمسه والصفي أيضا مع ذلك ولم نجد للصفي ذكر في حديث مالك هذا وهو مذكور في أحاديث كثيرة صحاح وقد ذكرنا أكثرها في التمهيد منها ما رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كانت صفية من الصفي وإنما سكت والله أعلم مالك عن السبي لشهرته عندهم وكان الصفي من يصطفيه الإمام من رأس الغنيمة فرسا أو أمة أو عبدا أو بعيرا على حسب حال الغنيمة وأجمع العلماء على أن الصفي ليس لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أبا ثور حكي عنه ما يخالف هذا الإجماع

فقال الآثار في الصفي ثابتة ولا أعلم شيئا نسخها قال فيؤخذ الصفي ويجري مجرى سهم النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد قسم الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم ولم يبلغنا أنهم اصطفوا من ذلك شيئا لأنفسهم غير سهامهم والله أعلم وللعلماء في سهم النبي عليه السلام أقوال منها أنه يرد إلى من سمى في الآية وبه قال الطبري على ما قدمنا عنه وقال آخرون هو للخليفة بعده وقال آخرون يجعل في الخيل والعدة في سبيل الله وممن قال بذلك أيضا قتادة وأحمد بن حنبل وقال الشافعي يضع الإمام سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمر ينفع الإسلام وأهله من الكراع والسلاح وأعطى أهل البلاء من المسلمين منفعة وتنفل منه عند الحرب وذكر في هذا الباب عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن زيد بن خالد الجهني قال توفي رجل يوم حنين وإنهم ذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن صاحبكم قد غل في سبيل الله قال ففتحنا متاعه فوجدنا خرزات من خرز يهود ما تساوين درهمين قال أبو عمر هكذا رواه يحيى بن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان أن زيد بن خالد لم يقل عن أبي عمرة ولا عن بن أبي عمرة وهو غلط منه وسقط من كتابه ذكر أبي عمرة أو بن أبي عمرة واختلف أصحاب مالك في أبي عمرة بن أبي عمرة في هذا الحديث فقال القعنبي وبن القاسم ومعن بن عيسى وأبو مصعب وسعيد بن كثير بن

عفير وأكثر النسخ عن بن بكير قالوا كلهم في هذا الحديث عن محمد بن يحيى بن حبان عن بن أبي عمرة وقال بن وهب ومصعب الزبيري عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة ورواه حماد بن زيد وبن جريج وبن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة كما قال بن وهب وعند أكثر شيوخنا في هذا الحديث في الموطأ توفي رجل يوم حنين وهو وهم وإنما هو يوم خيبر وعلى ذلك جماعة الرواة وهو الصحيح والدليل على ذلك قوله في الحديث فوجدنا خرزات من خرز يهود ولم يكن بحنين يهود وإنما قوله عليه السلام صلوا على صاحبكم بأن ذلك كان كالتشديد لغير الميت من أجل أن الميت قد غل لينتهي الناس عن الغلول لما رأوا من ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه بنفسه وكانت صلاته على من صلى عليه رحمة فلهذا لم يصل عليه والله أعلم وفي قوله صلوا على صاحبكم دليل على أن الذنوب لا تخرج المذنب عن الإيمان لأنه لو كفر بغلوله كما زعمت الخوارج لم يكن ليأمر بالصلاة عليه لأن الكافر لا يصلي عليه المسلمون لا أهل الفضل ولا غيرهم وأما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه وأمر غيره بالصلاة عليه لأنه كان لا يصلي على من ظهرت منه كبيرة ليرتدع الناس عن المعاصي وارتكاب الكبائر ألا ترى أنه لم يصل على ماعز الأسلمي وأمر غيره بالصلاة عليه ولم يصل على الذي قتل نفسه ولا على كثير ممن أقام عليه الحدود ليكون ذلك زاجرا لمن خلفهم ونحو ذلك وهذا أصل في أن لا يصلي الإمام وأئمة الدين على المحدثين ولكنهم لا يمنعون الصلاة عليهم بل يأمر بذلك غيره كما قال صلى الله عليه وسلم صلوا على صحابكم ذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة الكناني أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الناس في قبائلهم يدعو لهم وأنه ترك

قبيلة من القبائل قال وإن القبيلة وجدوا في بردعة رجل منهم عقد جزع غلولا فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر عليهم كما يكبر على الميت هذا الحديث لا أعلمه بها اللفظ والمعنى يستند عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه وعبد الله بن المغيرة هذا مجهول غير معروف بحمل العلم منهم من يقول فيه كما قال مالك عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة الكناني وأما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء للقبيلة التي كان فيها الغلول فوجه من العقوبة والتشديد نحو تركه الصلاة على الغال بنفسه وأمر أصحابه بالصلاة عليه وليس في هذا الحديث ما يوجب حكما في الشريعة وأما تكبير النبي عليه السلام على تلك القبيلة فالله أعلم ما أراد رسوله بذلك وقد يمكن أن يكون أراد الإعلام بأن من جاهر بالمعصية كالميت الذي لا يفعل أمرا ولا نهيا قال الله عز وجل أموات غير أحياء وما يشعرون النحل وذكر مالك أيضا في هذا الباب عن ثور بن الديلي عن أبي الغيث سالم مولى بن مطيع عن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الأموال الثياب والمتاع قال فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما أسود يقال له مدعم فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى حتى إذا كنا بوادي القرى بينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر فأصابه فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا قال فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شراك أو شراكان من نار قال أبو عمر هكذا قال يحيى عام خيبر وتابعه على ذلك الشافعي وبن القاسم والقعنبي وقال جماعة من الرواة عن مالك عام حنين وقال يحيى إلا الأموال الثياب والمتاع وتابعه قوم وقال بن القاسم إلا الأموال والثياب والمتاع ففي هذا الحديث أن بعض العرب وهي دوس لا تسمي العين مالا وإنما تسمى الأموال المتاع والثياب والعروض وعند غيرهم المال الصامت من الذهب والورق والمعروف من كلام العرب أن كل ما تمول وتملك فهو مال ألا ترى إلى قول أبي قتادة فابتعت يعني بسلب القتيل الذي قتله عام حنين مخرفا فإنه لأول مال تأثلته وقال تعالى خذ من أموالهم صدقه التوبة وأجمعوا أن العين تؤخذ منها الصدقة ومن الحرث والماشية وأن الثياب المتاع لا تؤخذ منها الصدقة إلا في قول من رأى زكاة العروض للمدير التاجر نص له في عامه شيء من العين أو لم ينص وقال عليه السلام يقول بن آدم مالي مالي وإنما له من ماله ما أكل فأفنى ولبس فأبلى أو تصدق فأمضى وما سوى ذلك فهو مال الوارث وهذا يجمع الصامت وغيره

وروى أبو سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال جاء ناس من أهل الشام إلى عمر رضي الله عنه فقالوا إنا أصبنا أموالا خيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا منها زكاة الحديث وفيه إباحة قبول الخليفة للهدية وكان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويأكلها ويثيب عليها ولا يقبل الصدقة وقبوله الهدية من المسلمين والكفار أشهر وأعرف عند العلماء من أن يحتاج إلى شاهد على ذلك ها هنا إلا أن ذلك لا يجوز لغير النبي عليه السلام إذا كان قبولها على جهة الاستبداد بها دون رعيته لأنه إنما أقبل ذلك إليه من أجل أنه أمير رعيته وليس النبي عليه السلام في ذلك كغيره لأنه مخصوص بما أفاء الله علية من غير قتال من أموال الكفار من ما جلوا عنه بالرعب من غير إيجاف بخيل ولا ركاب يكون له دون سائر الناس ومن بعده من الأئمة حكمه في ذلك خلاف حكمه لا يكون له خاصة دون سائر المسلمين بإجماع من العلماء لأنه فيء لمن سمى ا لله في آيات الفيء ولهذا قال صلى الله عليه وسلم هدايا الأمراء غلول ويدلك على أن العامل لا يجوز أن يستأثر بهدية أهديت إلية بسبب ولايته وإنها له ولجماعة المسلمين حديث أبي حميد الساعدي رواه بن شهاب وهشام بن عروه وأبو الزناد عن عروة عن أبي حميد وقد ذكرته بإسناده في التمهيد وفيه أفلا قعد في بيت أبيه وأمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا والذي نفس محمد بيده لا ينال أحدكم منها شيئا يعني من الهدايا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه وذكر تمام الحديث

وفي قوله هذا الحديث إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه دليل على أنه غلول حرام قال الله عز وجل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة آل عمران وأما حديث عياض بن حمار المجاشعي قال أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة أو قال هدية قال أسلمت قلت لا قال فإني نهيت عن زبد المشركين وظاهره خلاف ما في هذا الحديث من قوله فيه فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما أسود يقال له مدعم لأن رفاعة كان يومئذ على كفره ولم يذكر في شيء من طرق هذا الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد الغلام عليه وقد قبل صلى الله عليه وسلم هدية أكيدر دومة وهدية فروة بن نفاثة الجذامي وهدية المقوقس أمير مصر والإسكندرية وغيرهم وهم في ذلك الوقت كفار واختلف العلماء في معنى حديث عياض بن حمار المذكور فقال منهم قائلون ذلك نسخ لما كان علية من هدايا الكفار وذكروا حديث عامر بن مالك ملاعب الأسنة قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم بهدية فقال إنا لا نقبل هدية كل مشرك وقد ذكرت إسناده في التمهيد وقالوا هذا نسخ لما تقدم من قبوله صلى الله عليه وسلم هدايا الكفار وقال آخرون ليس في هذين الخبرين نسخ من ذلك وإنما المعنى أنه كان لا يقبل هدية من يطمع بالظهور عليه وأخذ بلده أو دخوله في الإسلام لأن قبول هديته داعية إلى تركه على حاله وإقراره على دينه وترك لما أمر به من قتاله وهو قد أمر أن يقاتل المشركين حتى يقولوا لا إله إلا الله وقال آخرون بل كان صلى الله عليه وسلم مخيرا في قبول هدية الكفار وترك قبولها لأنه كان من خلقه عليه السلام أن يثيب على الهدية بأحسن منها وأفضل فلذلك لم يقبل هدية كل مشرك وكان يجتهد في ذلك وكان الله يوفقه في كل ما يصنعه وقد ذكرنا في التمهيد حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وقد قيل إنه إنما ترك قبول هدية عياض وملاعب الأسنة ومثلهما ونهى عن زبد المشركين وهو رفدهم وعطاياهم وهديتهم لما في التهادي والرفد من إيجاب

تليين القلوب ومن حاد الله وشانه قد حرمت على المسلمين موالاته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بخلاف غيره لأنه مأمون منه ما لا يؤمن من أكثر الأمراء بعده حدثني عبد الوارث بن سفيان قراءة مني علية أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا عبد الملك بن حبيب المصيصي وقرأت على عبد الوارث أيضا رحمه الله عن قاسم عن عبيد الله بن عبد الواحد البزار أنه حدثه قال حدثنا أبو صالح الفراء محبوب بن موسى قالا جميعا حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري قال قلت للأوزاعي أرأيت لو أن أمير الروم أهدى للأمير هدية رأيت أن يقبلها قال لا أرى بذلك بأسا قال قلت فما حالها إذا قبلها قال قلت للمسلمين قلت وما وجه ذلك قال أليس إنما أهداها له لأنه والي عهد المسلمين فلا يكون أحق بها منهم ويكافئه بمثلها من بيت مال المسلمين قال الفزاري قلت للأوزاعي فلو أن صاحب الباب أهدى له صاحب العدو هدية أو صاحب ملطية أيقبلها أحب إليك أم يردها قال يردها أحب إلي وإن قبلها فهي بين المسلمين ويكافئه بمثلها من بيت المال قلت فصاحب الصائفة إذا دخل فأهدى له صاحب الروم هديه قال يكون بين ذلك الجيش فما كان من طعام قسمه بينهم وما كان سوى ذلك جعله في غنائم المسلمين وقال الربيع عن الشافعي في كتاب الزكاة إذا أهدى رجل إلى الوالي هدية فإن كان لشيء نال منه حقا أو باطلا فحرام على الوالي أخذه لأنه حرام عليه أن يستعجل على الحق جعلا وقد ألزمه الله القيام بالحق وحرام عليه أن يقوم بالباطل والجعل فيه حرام قال وإن أهدي إليه من غير هذين الوجهين أحد من أهل ولايته فكانت تفضلا أو تشكرا لحسنى كانت منه في المعاملة فلا يقبلها فإن قبلها كانت في الصدقة ولا يسعه عندي غيره إلا أن يكافئه من ماله بقدر ما يسعه أن يتمولها به

وقد ذكرنا في التمهيد من هذا المعنى ما هو أكثر من هذا والحمد لله وأما حديثه صلى الله عليه وسلم من قوله في هذا الباب شراك أو شراكان من نار فهو شك من محدث وقوله في الحديث قبله أدوا الخائط والمخيط فيدل على أن القليل والكثير من المغنم لا يحل أخذه وأنه بخلاف الطعام المباح في دار الحرب أكله وقد روى رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يركب دابة من المغنم حتى إذا أعجفها ردها في المغانم ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من المغنم حتى إذا أخلقه رده في المغانم وروى ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من فارق الروح منه الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنه الكبر والغلول والدين وقد ذكرنا أسانيدها في التمهيد وقد رخصت طائفة من أهل العلم في اليسير من ذلك في دار الحرب سئل الحسن البصري عن رجل عريان أو من لا سلاح له أيلبس الثوب ويستمتع بالسلاح قال نعم فإذا حضر القسم قيموه وقال وكيع سمعت سفيان يقول لا بأس أن يستعينوا بالسلاح إن احتاجوا إليها في أرض العدو بغير إذن الإمام وفي قوله في حديث مالك فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم يصبها المقاسم تشتعل عليه نارا دليل على خطأ من روى هذا الحديث عن يحيى أو غيره عام حنين وإنما هو عام خيبر وكذلك رواه الأكثر ومعنى قوله كلا رد لقولهم أي ليس كما ظننتم ثم أخبر أن الشملة لتشتعل عليه نارا والشملة كساء مخمل ذو خمل كذا قال صاحب العين وفي هذا كله يرد قول من قال أن التوحيد لا يضر معه ذنب وإن الذنوب إن

لم يغفرها الله فلا بد فيها من العذاب والله يغفر لمن يشاء ومظالم العباد القصاص بينهم فيها بالحسنات والسيئات والغلول من أشدها حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل أبو إسماعيل قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثني أبو زميل قال حدثني بن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما كان يوم خيبر قالوا لمن قتل فلان شهيد فلان شهيد حتى ذكروا رجلا فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا أني رأيته في النار في عباءة غلها أو بردة غلها وقال يا بن الخطاب أذهب فناد في الناس لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال فذهبت فناديت في الناس قال أبو عمر هذه الأحاديث وما كان مثلها يحتج بها أهل الأهواء المكفرين للناس بالذنوب ومن قال بإنفاذ الوعيد وهي أحاديث قد عارضها من صحيح الأثر ما أخرجها عن ظاهرها وليس هذا موضع ذكرها منها قوله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله صادقا من قلبه دخل الجنة وقوله صلى الله عليه وسلم من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ويروى دخل الجنة والآثار مثل هذا كثيرة والحمد لله وفي هذا الحديث دليل على أن الغال لا يجب عليه حرق رحله ومتاعه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرق رحل الذي أخذ الشملة ولا أحرق متاع صاحب الخرزات ولو فعل ذلك لنقل ولو نقل لوصل إلينا كما وصل حديث صالح بن محمد بن زائدة عن سالم عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من غل فأحرقوا متاعه وهذا حديث انفرد به صالح بن زائدة وهو رجل من أهل المدينة تركه مالك وروى عنه الدراوردي وغيره وليس ممن يحتج بحديثه

وقد اختلف العلماء في عقوبة الغال فقال الأوزاعي ومحمد بن عبد العزيز وهو قول مكحول يحرق متاع الغال كله قال الأوزاعي إلا سلاحه وثيابه التي عليه وسرجه ولا تنتزع منه دابة ويحرق سائر متاعه كله إلا الشيء الذي غل فإنه لا يحرق قال ولا عقوبة عليه غير ذلك وقال أحمد وإسحاق في عقوبة الغال يحرق متاعه ورحله كقول الأوزاعي وروي عن الحسن البصري أنه قال يحرق جميع رحله إلا أن يكون حيوانا أو مصحفا وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والليث بن سعد لا يحرق رحل الغال فلا يعاقب إلا بالتعزير على اجتهاد الأمير وقال الشافعي وداود إن كان عالما بالنهي عوقب وهو قول الليث وقد زدنا هذه المسألة بيانا في التمهيد وأجمع العلماء على أن على الغال أن يرد ما غل إلى صاحب المقاسم إن وجد إلى ذلك سبيلا وأنه إذا فعل ذلك فهي توبة له واختلفوا إذا افترق أهل العسكر ولم يوصل إليه فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي فإن خاف الإمام على نفسه تصدق به كله وأحسن شيء في هذا ما رواه سنيد وغيره عن أبي فضالة عن أزهر بن عبد الله قال غزا مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم فغل رجل مائة دينار ثم أتى بها معاوية بن أبي سفيان بعد افتراق الجيش فأبى أن يأخذها وقال قد نفر الجيش وتفرقوا فأتى بها عبادة بن الصامت فذكر ذلك له فقال ارجع إليه فقل خذ خمسها أنت ثم تصدق أنت بالبقية فإن الله عالم بهم جميعا فأتى معاوية فأخبره فقال لئن كنت أنا أفتيتك بها أحب إلي من كذا وكذا وفي هذا الباب مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه قال

ما ظهر الغلول في قوم قط إلا ألقي في قلوبهم الرعب ولا فشا الزنى في قوم قط إلا كثر فيهم الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير الحق إلا فشا فيهم الدم ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو قال أبو عمر مثل هذا لا يكون إلا توقيفا لأن مثله لا يروى بالرأي وقد روينا هذا الحديث عن بن عباس متصلا فذكره سعيد بن عفير في هذا المعنى حديث مسند حدثناه خلف بن قاسم قال محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري بمصر قال حدثنا أبو الطيب عيسى بن أحمد الصرفي قال حدثنا عبيد الله بن كثير بن عفير قال حدثنا أبو سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم الأنصاري قال حدثنا مالك عن عمه سهيل بن مالك عن عطاء بن أبي رباح عن بن عمر أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أفضل قال أحسنهم خلقا قال فأي المؤمنين أكيس قال اكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا أولئك الأكياس ثم قال يا أيها المهاجرون لم تظهر الفاحشة في قوم حتى تعلن إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ولم ينقص المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ولا منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا المطر ولولا البهائم لم يمطروا ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويتحروا فيه ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم وأما حديث بن عباس المتصل فإني قرأته على أبي عبد الله محمد بن عبد الله أن محمد بن معاوية حدثه قال حدثني أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدثنا محمد بن كثير وأبو الوليد قالا حدثنا شعبة قال أخبرني الحكم عن الحسن بن مسلم عن بن عباس قال ما ظهر البغي في قوم قط إلا أظهر المواتان ولا ظهر البخس في المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنة ولا ظهر نقض العهد في قوم إلا اديل منهم عدوهم قال أبو عمر حديث مالك أتم وكلها تقضي القول بها والمشاهدة بصحتها وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا بن وضاح حدثنا بن أبي شيبة قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا بشير بن المهاجر عن بن

بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نقض قوم العهد إلا كان بأسهم بينهم ولا ظهرت فاحشة قط إلا سلط عليهم الموت ولا منع قوم زكاة أموالهم إلا حبس الله عنهم المطر وأما قوله في حديث مالك ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقي في قلوبهم الرعب فمعناه ألقي في قلوبهم الرعب من عدوهم فخافوا منهم وجبنوا عن لقائهم فظهر العدو عليهم ويحتمل أن يقصد بذلك إلى كل من غل دون ما لم يغل ولم يرض بالغلول والأظهر أن العقوبة عامة في أهل ذلك الوقت وذلك إنما يكون إذا أقروا على التغيير فلم يفعلوا وضعفوا عن ذلك فرضوا ولم تنكره قلوبهم والله أعلم قال الله عز وجل فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض هود وقال عز وجل أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس الأعراف وقالوا إن الله لا يعذب العامة بذنوب الخاصة ولكن إذا صنع المنكر فبهذا استحق الجماعة العقوبة وهذا المعنى قد استغنى القول فيه الآثار المرفوعة وعن السلف أيضا عند قول أم سلمة في هذا الكتاب وفي التمهيد أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله قال نعم إذا كثر الخبث وبالله التوفيق باب الشهداء في سبيل الله ذكر فيه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل فكان أبو هريرة يقول ثلاثا أشهد بالله قال أبو عمر في هذا الحديث إباحة اليمين بالله على كل ما يعتقده المرء مما

يحتاج فيه إلى يمين ومما لا يحتاج إلى ذلك ليس بذلك بأس على كل حال بل فيه تأس بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان كثيرا يقول في كلامه لا والذي نفس محمد بيده لا ومقلب القلوب وذلك لأن في اليمين بالله تعالى توحيدا وتعظيما وإنما يكره الحنث وتعمده وأما قول أبي هريرة ثلاثا أشهد بالله فإنما ذلك لتطمئن نفس سامعه إليه ويعلم أنه لا يشك فيما حدثه به وفيه إباحة تمني الخير والفضل من رحمة الله بما يمكن وما لا يمكن لأن فيه إظهار المحبة في الخير والرغبة فيه والآجر يقع على قدر النية فدليل قوله عليه السلام في الذي تجهز من أصحابه بالغزو ومات قبل أن يخرج أن الله عز وجل قد أوقع أجره على قدر نيته ومعنى الحديث الذي من أجله ورد فضل الجهاد وفضل القتال في سبيل الله وفضائل الشهداء والشهادة كثيرة جدا حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا علي بن المبارك عن محمد بن أبي كثير بن عامر العقيلي عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ثلاثة يدخلون الجنة الشهيد ورجل عفيف ضعيف ذو عيال وعبد أحسن عبادة ربه وأدى حق مواليه وأول ثلاثة يدخلون النار أمير تسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حقه وفقير فجور وفي هذا الباب أيضا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد قال أبو عمر معنى هذا الحديث عند العلماء أن قاتل الأول كان كافرا وتوبته المذكورة في هذا الحديث إسلامه قال الله عز وجل قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف الأنفال

وفيه دليل أن كل من قتل في سبيل الله فهو في الجنة إن شاء الله وكل من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى فهو في الجنة وأما قوله يضحك الله إليه أي يتلقاه الله عز وجل بالرحمة والرضوان والعفو والغفران ولفظ الضحك ها هنا مجازا لأن الضحك لا يكون من الله عز وجل على ما هو من البشر لأنه ليس كمثله شيء ولا تشبهه الأشياء وذكر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما اللون لون دم والريح ريح المسك قال أبو عمر في هذا الحديث فضل الغزو والثبوت عند لقاء العدو وقوله لا يكلم أحد معناه لا يجرح والكلوم الجراح عند العرب وقوله يثعب دما فمعناه يتفجر دما وقوله في سبيل الله فمعناه الجهاد وملاقاه أهل الحرب من الكفار على هذا خرج الحديث ويدخل فيه بالمعنى كل من جرح في سبيل بر وحق مما أباحه الله كقتال أهل البغي والخوارج وغيرهم واللصوص والمحاربين أو آمر بمعروف أو ناه عن منكر ألا ترى قوله عليه السلام من قتل دون ماله فهو شهيد وأما قوله عليه السلام والله أعلم بمن يكلم في سبيله فإنه يدل على أنه

ليس كل من خرج في الغزو تكون هذه حاله حتى تصح له نية ويعلم الله تعالى من قلبه أنه يريد وجهه ومرضاته ولم يخرج رياء ولا مباهاة ولا سمعة ولا فخرا ولا ابتغاء دنيا يقصدها وفي هذا الحديث دليل على أن الشهيد يبعث على حاله التي قبض عليها وهيئته بدليل هذا الحديث ومثله حديث بن عباس في المحرم الذي وقصته ناقته فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخمروا وجهه ولا رأسه ولا تقربوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة يلبي وقد زعم بعض أهل العلم قوله صلى الله عليه وسلم يبعث الميت في ثيابه التي قبض فيها أي يعاد خلق ثيابه له كما يعاد خلقه وقال غيره إنما ذلك قول خرج على المجاز فكنى بالثياب عن الأعمال والثياب كما يقال طاهر الثوب ونقي الجيب قال أبو عمر وحمل هذا الحديث على المجاز مروي من حديث بن عباس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يحشر الناس عراة غرلا وأول من يكسى إبراهيم فعلى هذا يحتمل أن يبعث على ما مات عليه من كفر وإيمان وشك وإخلاص ونحو ذلك والحقيقة في كل ما يحتملها اللفظ من الكتاب والسنة أولى من المجاز لأن الذي يعيده خلقا سويا يعيد ثيابه إن شاء

وإن كان قد روي بالوجه الآخر خبر ذكره أبو داود في باب من يغزو ويلتمس الدنيا بإسناده عن عبد الله بن عمرو أنه قال يا رسول الله أخبرني عن الجهاد والغزو فقال يا عبد الله بن عمرو إن قاتلت صابرا محتسبا بعثك الله صابرا محتسبا وإن قاتلت مكاثرا بعثك الله مرائيا مكاثرا يا عبد الله بن عمرو على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله تيك الحال وقد استدل قوم من الفقهاء الذين يذهبون إلى أن لا عمل على الشهيد المقتول في المعركة وغيرها بهذا الحديث وجائز أن يحتج به من خص قتل الكفار في المعركة وذكر مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول اللهم لا تجعل قتلي بيد رجل صلى لك سجدة واحدة يحاجني بها عندك يوم القيامة قال أبو عمر في سماع بن القاسم سئل مالك عن قول عمر هذا قال يريد بذلك أنه ليس لغير الإسلام حجة عند الله تعالى قال أبو عمر معنى قول مالك الذي فسر به قول عمر رضي الله عنه عندي والله أعلم أن عمر أراد أن لا يكون قتله بيد مؤمن لا يخلد في نار جهنم لأن المؤمن تكون له حجة بتوحيده وصلاته وسجوده يخرج بذلك من النار قاتله بعد أن يناله منها مقدار ذنبه فأراد أن يكون قاتله مخلدا في النار وهذا لا يكون إلا فيمن لم يكن يسجد لله سجدة ولم يعمل من الخير والإيمان مثقال ذرة وقد يحتمل أن يكون قوله يحاجني بها عندك يوم القيامة أن يقتله من تأول في قتله تأويلا سابقا في ظاهر القران أو السنة وإن كان فيه عند الله مبطلا أو مخطئا فيخفف عنه بذلك وأما الكافر فلا يقام له يوم القيامة وزنا ولا تسمع منه حجة لأن حجته داحضة ولا تأويل إلا لمؤمن موحد والله أعلم وذكر عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد

الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر أيكفر الله عني خطاياي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فلما أدبر الرجل ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فنودي له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قلت فأعاد عليه قوله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نعم إلا الدين كذلك قال لي جبريل هكذا روى الحديث يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد وتابعه على ذلك جمهور الرواة للموطأ ورواه معن بن عيسى والقعنبي عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد لم يذكرا يحيى بن سعيد فالله أعلم وقد رواه بن أبي ذئب والليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد ذكرناهما في التمهيد ورواية يحيى بن سعيد لهذا الحديث عن يحيى بن سعيد موجودة كما قال مالك حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله كفر الله به خطاياي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر كفر الله به خطاياك إلا الدين كذلك قال لي جبريل قال أبو عمر جعل يزيد بن هارون الصبر والاحتساب والإقبال من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم شرطا لتكفير الذنوب والخطايا وكذلك ذلك في رواية بن أبي ذئب والليث وقد يحتمل معنى رواية مالك أيضا وفي هذا الحديث أن القتل في سبيل الله على الشرط المذكور لا تكفر به تبعات الآدميين والله أعلم وإنما يكفر ما بين العبد وبين ربه من كبيرة وصغيرة لأنه لم يستثن فيه خطيئة صغيرة ولا كبيرة إلا الدين الذي هو من حقوق بني آدم ويشهد لذلك حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يدخل أحد من أهل الجنة الجنة وأحد من أهل النار يتبعه بمظلمة ولا يدخل أحد من أهل النار النار وأحد من

أهل الجنة يتبعه بمظلمة قال قلنا يا رسول الله وكيف وإنما نأتي الله عز وجل حفاة عراة غرلا قال بالحسنات والسيئات وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده في التمهيد روى مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من كانت عنده مظلمة لأحد فليتحلله فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاته وطرح عليه وروى سفيان بن عيينة عن سعد عن عمرو بن مرة قال سمعت الشعبي يقول حدثنا الربيع بن خثيم وكان من معادن الصرف قال إن أهل الدين في الآخرة أشد تقاضيا له منكم في الدنيا فيجلس لهم فيأخذونه فيقول يا رب ألست قد أتيت حافيا عاريا فيقول خذوا من حسناته بقدر الذي لهم فإن لم يكن لهم حسنات يقول زيدوا على سيئاته من سيئاتهم وقد ذكرنا في التمهيد أحاديث كثيرة صحاحا فيها التشديد في الدين منها حديث سعد بن الأطول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له إن أخاك محتبس في دينه فاقض عنه ومنها حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال نفس المؤمن معلقة بدينه أو قال ما كان عليه دين حتى يقضى عنه ومنها حديث محمد بن جحش قال كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع الجنائز مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ رفع رأسه ثم نكسه ثم وضع راحته على جبهته وقال سبحان الله ماذا نزل في التشديد في الدين

ومنها حديث البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صاحب الدين مأسور يوم القيامة في الدين وفي هذا الحديث من الفقه أن قضاء الدين عن الميت بعده في الدنيا ينفعه في آخرته ولذلك أمر وليه بالقضاء عنه ولا ميراث إلا بعد قضاء الدين وفي حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن الصلاة على رجل ترك عليه دينا دينارين لم يدع لهما وفاء فلما ضمنهما أبو قتادة صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الخبر بذلك كله عن أبي قتادة بإسناده في التمهيد وهذا كله كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين قبل أن يفتح الله عليه الفتوحات في ارض العرب وقبل أن تترادف عليه الزكوات فلما كان ذلك أنزل الله عليه سورة براءة وفيها للغارمين سهم وأنزل آية الفيء وفيها حقوق للمساكين وبن السبيل والأ نصار والمهاجرين والذين جاؤوا من بعدهم إذا كانوا لمن سبقهم بالإيمان مستغفرين فلما نزل ذلك كله في آية الفيء وآية قسم الصدقات للفقراء والغارمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو عيالا فعلي فكل من مات وقد أدان دينا في مباح ولم يقدر على أدائه فعلى الإمام أن يؤدي ذلك عنه من سهم الغارمين أو من الصدقات كلها لأن من وضعها في صنف واحد عند أكثر العلماء أجزأه على ما قد أوضحناه في كتاب الزكاة وعلى الإمام أن يؤدي دين من وصفنا حاله من الفيء الحلال للغني والفقير واجب على كل ذي دين أن يوصي به ولا يبيتن ليلتين دون أن تكون الوصية مكتوبة لأنه لا يدري متى يفجؤه الموت

وقد أجمع العلماء فيمن عليه دين أن الوصية عليه به واجبة إذا لم يؤده قبل والأفضل أن يؤدي دينه في حياته فإذا أوصى به وترك ما يؤدي منه ذلك الدين فليس بمحبوس عن الجنة إن شاء الله وكذلك إذا أوصى به ولم يكن عنده ما يؤدى منه ولا قدر على أدائه في حياته فعلى الإمام أن يؤدي عنه دينه كما وصفنا إذ الأخير المسؤول عنه أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث قال حدثنا عقيل عن بن شهاب قال أخبرني أبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المسلمين وترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته وروى المقدام بن معدي كرب عن النبي عليه السلام مثله وقد ذكرناه في التمهيد أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو المتوكل العسقلاني قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على أحد مات وعليه دين فأتي بميت فقال أعليه دين قالوا نعم ديناران فقال صلوا على صاحبكم قال أبو قتادة الأنصاري هما علي يا رسول الله فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فتح الله على رسوله قال أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دينا فعلي قضاؤه قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم من توفي من المسلمين وعليه دين فعلي قضاؤه يحتمل أن يكون أراد إذا لم يترك مالا يؤدى منه وظاهر الحديث يوجب عمومه كل دين مات عنه المسلم ولم يؤده في حياته=

6. : الاستذكار
المؤلف : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري

والمعنى في ذلك والله أعلم أن الميت المسلم كان وجبت له حقوق في بيت المال من الفيء وغيره لم تصل إليه فتوجب على الإمام أن يؤدي ذلك الدين عنه كما لو كان للميت دين على غيره من المسلمين أو الذميين جاز أن يؤخذ دينه الذي له فيؤدي منه ما عليه من الدين ويخلص ماله لورثته فإن لم يفعل الغريم ذلك أو السلطان رفع القصاص بينهم في الآخرة ولم يحبس عن الجنة بدين له مثله على غيره في بيت المال أو على غريم جحد ولم يثبت الدين عليه في القضاء أو أن غريمه لم يعلم به أو لم يصل إليه أو دين أقر به لوارث في مرضه فلم يجز القاضي إقراره وكان صادقا فيه محقا فهذا كله وما كان مثله لا يحبس به صاحب الدين عن الجنة إذا كان ممن يستحقها بثواب الله على عمله إلا أن يكون ما عليه من الدين أكثر مما له في بيت المال أن على الغريم ولم تف بذلك حسناته فالقصاص منه ومعلوم أن حق المسلم في بيت المال وإن لم يتعين عنده مال من ماله يعلمه الذي أحصى كل شيء عددا وأحاط بكل شيء علما يأخذه له ممن ظلمه فيه يوم لا دينار فيه ولا درهم إلا الحسنات والسيئات ومحال أن يحبس عن الجنة ما بقي ما عليه من الدين عند سلطان أو غيره ممن لم يقدر على الانتصاب في الدنيا منه وقول السلطان دين هذا علي وماله لورثته كقول غريم لو كان له فقال ما على هذا البيت من الدين فعلي أداءه مما له علي وما يخلفه لورثته وهذا لا مشكل على أحد إن شاء الله وفي هذا الحديث أن جبريل كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بما يتلى من القرآن وبغيره من الحكمة والعلم والسنة وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع والحمد لله قال أبو عمر وفي هذا الباب مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشهداء أحد هؤلاء أشهد عليهم فقال أبو بكر الصديق ألسنا يا رسول الله بإخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال أئنا لكائنون بعدك قال أبو عمر هذا حديث منقطع لم يختلف عن مالك في انقطاعه

وقد روي معناه مسندا متصلا من وجوه من حديث عقبة بن عامر وحديث جابر وحديث أنس وغيره منها حديث الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال أنا فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ذكره البخاري قال حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا الليث فذكره قوله صلى الله عليه وسلم لشهداء أحد هؤلاء أشهد عليهم يقول أنا شهيد لهم وقد تكون بمعنى لهم في لسان العرب ويكون لهم بما عليهم أيضا يقول أنا شهيد لهم بأنهم صدقوا بما عاهدوا الله عليه من الإيمان والجهاد في سبيله وطاعته وطاعة رسوله حتى ماتوا على ذلك ومن كانت هذه حالته فقد وعده الله الجنة والله لا يخلف الميعاد فهذه شهادة لهم قاطعة بالجنة ويعضد هذا قول الله تعالى في الشهداء أنهم أحياء عند ربهم يرزقون آل عمران وفي شهداء أحد نزلت هذه الآية والشهادة لهم بالجنة ما لا خلاف ولا شيء في معانيه لأنهم ماتوا ذابين عن دين الله وعن رسوله بهذه الحالة هي النهاية في الفصل مع السلامة من التبديل والتغيير وموبقات الذنوب التي أكثر أسبابها الإفراط في حب الدنيا والمنافسة فيها ولشهداء أحد عندنا كل من مات بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا في غزوة غزاها أو سرية بعثها وكذلك من مات على فراشه في عصارة إيمانه كعثمان بن مظعون وغيره ممن لم يتلبس من الدنيا بما يدنسه وأما قوله في حديث مالك بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي فإن الخطاب توجه إلى أبي بكر الصديق ومن كان معه والمراد به أصحابه وكل من آمن به من الكائنين بعده إلا أن أهل بدر والحديبية من شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة

فقال لن يلج النار أحد شهد بدرا والحديبية كما شهد للشهداء الذين استشهدوا بين يديه صلى الله عليه وسلم وقال أنا شهيد لهؤلاء وقد ذهب قوم من جلة العلماء إلى القطع أن من مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشهداء مثل حمزة وجعفر ومصعب بن عمير وسعد بن معاذ ومن جرى مجراهم ممن موتهم قبله وصلى عليهم وشهد بالجنة لهم أفضل ممن بقي بعده من أصحابه الذين قال فيهم ألا لا أدري ما تحدثون بعدي وخاف عليهم من الفتنة والميل إلى الدنيا ما قد وقع فيه بعضهم وقالوا معنى قول من قال أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو فلان وفلان يعني من بقي بعده صلى الله عليه وسلم وقال جماعة من أهل العلم أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أهل بدر والحديبية لم يستثنوا من مات في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن بقي بعده قال أبو عمر والذي عندي في هذا الباب مما يصح في التأمل والنظر وصحيح الاعتبار والأثر مما شهد له الكتاب والسنة والأصول المجتمع عليها أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ممن شهد العقبة ثم شهد بدرا والحديبية أفضل من كل من لم يدرك تلك المشاهد ولم يشهدها لأن هؤلاء من شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفضل وقال لن يدخل النار من شهد بدرا والحديبية وقال صلى الله عليه وسلم ما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وحسبك بقول الله عز وجل لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير الحديد

وقد مضى القول فيمن مات شهيدا في حياته ومن مات ورسول الله صلى الله عليه وسلم راض عنه وأما الباقون بعده فهذه الجملة من القول عامة فيهم مع ثناء الله عز وجل عليهم بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم وأنهم رضوا عنه ورضي عنهم وحسبك بهذا وأما التعيين فيهم وتفضيل بعضهم على بعض فهذا لا يصح في نظر ولا اعتبار ولا يحيط بذلك إلا الواحد القهار المطلع على النيات الحافظ للأعمال إلا من جاء فيه أثر صحيح بأنه في الجنة جاز أن يقال فيه ذلك اتباعا للأثر لا أنه أفضل من الذين شاركوه في مثل فضله ذلك ومن فضله رسول الله بخصلة وشهد له بها جاز أن يفضل بها في نفسه لا على غيره وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لجماعة من أصحابه بفضائل وخصائل من الخير كثيرة أثنى بها عليهم ووصف كل واحد منهم بخصلة منها أفرده بها ولم يشرك معه غيره فيها ولم يأت عنه صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح تجب الحجة بمثله أنه قال فلان أفضل من فلان إذا كانا جميعا من أهل السوابق والفضائل وذلك من أدبه ومحاسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم لئلا يومئ للمفضول بغيبة ويحطه في نفسه فيخرجه ويخزيه ولم يكن ذلك أيضا من دينه لأنه لم يعلم من غيب أمورهم وحقائق شأنهم إلا ما أطلعه الله عليه من ذلك وكان لا يتقدم بين يدي ربه ولو كان ذلك من دينه لأفشاه إن علمه ومن أخذ عليه الميثاق في تعليمه وتبليغه فلما لم يفعل علمنا أن قول القائل فلان أفضل من فلان باطل وليس بدين ولا شريعة وقد أجمع علماء المسلمين أن الله تعالى لا يسأل عباده يوم الحساب من أفضل عبادي ولا هل فلان أفضل من فلان ولا ذلك مما يسأل عنه أحد في القبر ولكن رسول الله قد مدح خصالا وحمد أوصافا من اهتدى إليها جاز الفضائل وبقدر ما فيه منها كان فضله في ظاهر أمره على من لم ينلها ومن قصر عنها لم يبلغ من الفضل منزلة من ناله هذا طريق التفضيل في الظاهر عند السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان قال أبو عمر ألا ترى الحكام إنما يقضون في التعديل والتجريح عند الشهادات بما يظهر ويغلب ولا يقطعون على غيب فيما به من ذلك يقضون ولم يكلفوا إلا العلم الظاهر والباطن إلى الله عز وجل

وفي قول الله عز وجل تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون البقرة وقوله تعالى فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي طه ما يعاضد ما ذكرنا وبالله توفيقنا وروى سحنون عن بن القاسم في كتاب الديات من المدونة قال سمعت مالكا وسئل عن علي وعثمان فقال ما أدركت أحدا اقتدي به في دين يفضل أحدهما على صاحبه وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا عبد السلام بن صالح قال حدثنا عبد الله بن وهب قال سمعت مالكا يقول لا أفضل أحدا من العشرة ولا غيرهم على صاحبه وكان يقول هذا من علم الله الذي لا يعلمه غيره قال وقال مالك أدركت شيوخنا بالمدينة وهذا رأيهم قال أبو عمر قول مالك هذا يدل على أنه لم يصح عنده حديث نافع عن بن عمر كنا نقاتل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم يسكت فلا يفضل أحدا وكان أفهم الناس لنافع وأعلمهم بحديثه وكان نافع عنده أحد الذين يقتدى بهم في دينه فلو كان هذا الحديث عنده صحيحا من حديث نافع عن بن عمر ما قال قوله هذا وهو حديث شاذ لا يعضده شيء من الأصول وكل حديث لا أصل له لا حجة فيه وقد مالت العامة بجهلها إليه وهم مجمعون على خلافه بحيث لا يعلمون وقد نقضوه مع قولهم به لأنهم لا يختلفون في أن عليا في التفضيل رابع الأربعة وفي حديثهم عن بن عمر أنهم لا يفضلون أحدا بعد عثمان وأنهم يسكتون بعد الثلاثة عن تفضيل أحد على أحد فقد نقضوا ما أبرموا والله المستعان على جهل عامة هذا الزمان أخبرنا يحيى بن عبد الرحمن ومحمد بن زكريا وعبد الرحمن بن يحيى قالوا حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا مروان بن عبد الملك قال سمعت هارون بن إسحاق يقول سمعت يحيى بن معين يقول من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة ومن قال أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وهو عارف لعثمان سابقته وفضله فهو

صاحب سنة فذكرت له هؤلاء الذين يقولون أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ وكان يحيى بن سعيد يقول أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وذكر الزبير بن بكار قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن مالك بن أنس قال ليس من أمر الناس الذين مضوا التفضيل بين الناس ذكر المغامي عن الزبير بن بكار عن إسماعيل عن مالك في كتابه فضائل مالك وقد عورض حديث بن عمر هذا بحديث عبد الله بن مسعود روى شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة عن عبد الله قال كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب وهذا عندي حيث فيه تصحيف ممن رواه عن شعبة هكذا وإنما المحفوظ فيه عن بن مسعود أنه قال كنا نتحدث أن أمضى أهل المدينة علي بن أبي طالب هكذا من القضاء لا من الفضل وقد عارضوا حديث عمر أيضا بقول حذيفة حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا نفير بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن شيبة قال حدثنا أبو معاوية الأعمش عن شقيق عن حذيفة قال لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن بن مسعود أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة وهذا إخبار من حذيفة عن جلة الصحابة أنهم يعلمون أن بن مسعود أقربهم وسيلة عند الله وهذه شهادة له بالنهاية في الفضل وذلك خلاف قول بن عمر كنا نفاضل فنقول الحديث قال أبو عمر كل من رد حديث جابر وحديث أبي سعيد الخدري كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبله لزمه أن يرد قول بن عمر كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقبله بل قول بن عمر أولى بالرد لأنه لا أصل له ولبيع أمهات الأولاد حظر من أهل السنة المجتمع عليها حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو الشعب محمد بن أحمد بن جاد الدولابي قال حدثنا الزبير بن بكار

قال حدثني إسماعيل بن أبي أويس عن مالك بن أنس قال ليس من أمر الناس الذين مضوا أن يفاضلوا بين الناس وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال سمعت مصعب بن عبد الله الوليدي يقول لم يكن أحد من مشايخنا الذين أدركت ببلدنا يفضل بين أحد من العشرة لا مالك ولا غيره وقال بن أبي خيثمة كان أحمد بن إبراهيم الدورقي يقول لا أشهد لأحد بالجنة غير الأنبياء عليهم السلام قال أبو عمر وقد روي عن مالك رحمه الله تقديم الشيخين أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من رواية بن القاسم وغيره حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو بشر الدولابي قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا أبو مصعب قال حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال سألت مالكا فيما بيني وبينه من تقدم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقدم أبا بكر وعمر قال ولم يزل على هذا قال أبو عمر جماعة أهل السنة وهم أهل الفقه والآثار على تقديم أبي بكر وعمر وتولي عثمان وعلي وجماعة أصحاب النبي عليه السلام وذكر محاسنهم ونشر فضائلهم والاستغفار لهم وهذا هو الحق الذي لا يجوز عندنا خلافه والحمد لله أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسيد قال حدثنا محمد بن مسرور قال حدثنا أحمد بن مغيث قال حدثنا الحسين بن حسن بن حرب المروزي قال أخبرنا بن المبارك قال حدثنا بن لهيعة قال حدثنا يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير اليزني حدثه أن عقبة بن عامر الجهني حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع على المنبر فقال إني بين أيديكم فرط وأنا عليكم شهيد وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها قال عقبة فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

وبهذا الإسناد عن بن المبارك قال حدثنا جرير بن حازم قال سمعت الحسن يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إلى بقيع الغرقد فقال عليه السلام السلام عليكم يا أهل القبور لو تعلمون ما نجاكم الله منه ما هو كائن بعدكم ثم أقبل على أصحابه فقال هؤلاء خير منكم قالوا يا رسول الله إخواننا أسلمنا كما أسلموا وهاجروا كما هاجرنا وجاهدوا كما جاهدنا ومضوا على آجالهم وبقينا في آجالنا فبم تجعلهم خيرا منا فقال إن هؤلاء خرجوا من الدنيا ولم يأكلوا من أجورهم شيئا وأنا عليهم شهيد أو قال فأنا الشهيد عليهم وإنكم قد أكلتم من أجوركم ولا أدري ما تحدثون بعدي قال أبو عمر من معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا أدري ما تحدثون بعدي ما ذكره البخاري قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا محمد بن مطرف قال حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم قال فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال هكذا سمعت من سهل فقلت نعم فقال أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها فأقول إنهم مني فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي قال البخاري وحدثنا سعيد بن أبي مريم عن نافع بن عمر قال حدثني بن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال هل تعرف ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم فكان بن أبي مليكة يقول اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا وروى الزبيدي وغيره عن الزهري عن محمد بن علي بن حسين عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري

وروى يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد ذكرنا أحاديث الحوض وهي متواترة وتقصيناها بألفاظها وطرقها في باب خبيب بن عبد الرحمن من كتاب التمهيد والحمد لله وفي هذا الباب مالك عن يحيى بن سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقبر يحفر بالمدينة فأطلع رجل في القبر فقال بئس مضجع المؤمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس ما قلت فقال الرجل إني لم أرد هذا يا رسول الله إنما أردت القتل في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مثل للقتل في سبيل الله ما على الأرض بقعة هي أحب إلي أن يكون قبري بها منها ثلاث مرات يعني المدينة قال أبو عمر لا أحفظ لهذا الحديث سندا لكن معناه محفوظ في الأحاديث المرفوعة وفضائل الجهاد كثيرة وفي هذا الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشارك أصحابه بنفسه في جنازتهم وحفر قبورهم ومشاهدة ذلك معهم وذلك والله أعلم لما في حضور الجنائز ومشاهدة الدفن في القبر من الموعظة والاعتبار ورقة القلوب ليتأسى به وتكون سنة بعده وفيه أن القائل إذا قال قولا إنه يظهر قوله فيحمد على المحمود منه ويلام على ضده حتى يعلم مراده مما يحتمله كلامه فيحمل قوله على ما أراد مما يحتمل معناه دون ظاهره وفيه أن القتل في سبيل الله أفضل الفضائل أو من أفضل الفضائل إذا كان على سنته وما ينبغي فيه وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال عليكم بالحج فإنه عمل صالح والجهاد أفضل منه وقال بن مسعود لأتمتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من حجة في إثر حجة وقال بن عمر غزوة في سبيل الله أفضل من حجة قال أبو عمر هذا كله لمن أدى من الحج فرضه

وأما قوله ما على الأرض بقعة هي أحب إلي أن يكون قبري بها فإنه خرج قوله على البقعة التي فيها ذلك القبر المحفور وأظنها بالبقيع ولم يرد البقيع بعينه ولكنه أراد المدينة والله أعلم فأخبر أنها أحب البقاع إليه أن يكون قبره فيها وذلك لأنها موضع مهاجره الذي افترض عليه المقام فيه مع الذين آووه حين أخرج من وطنه ونصروه حتى ظهر دينه وكان قد عقد لهم حين بايعهم أنه إذا هاجر إليهم يقيم أبدا معهم فيكون محياه محياهم ومماته مماتهم فلزمه الوفاء لهم وكان من دعائه أن يحبب الله إليه وإلى أصحابه الذين هاجروا معه المدينة كحبهم لمكة أو أشد وكان يكره لأصحابه المهاجرين أن يموتوا في الأرض التي هاجروا منها وذلك بين في قصة سعد بن خولة وأما تكريره هذا القول ثلاث مرات فكانت عادته صلى الله عليه وسلم يؤكده ويكرره ثلاثا باب ما تكون فيه الشهادة مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب كان يقول اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك ووفاة ببلد رسولك قال أبو عمر روى هذا الحديث معمر عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك ووفاة في مدينة رسولك وهذا الحديث يدل على أن المقتول ظلما شهيد في غزاة أو في غير غزاة في بلاد الحرب وغيرها وقد أجاب الله تعالى دعوة عمر إذ قتله كافر ولم يجعل الله قتله بيد مسلم كما كان يتمناه لنفسه ويدل أيضا هذا الحديث على فضل المدينة لتمني عمر أن تكون وفاته بها كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الباب قبل هذا من قوله ما على الأرض بقعة أحب إلي أن يكون قبري بها منها ولم ينكر أحد من العلماء للمدينة فضلها على سائر البقاع إلا مكة فإن الآثار والعلماء اختلفوا في ذلك ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا للمهاجرين من مكة معه

سبيل إلى استيطان مكة لما تقدم ذكرنا له فمن هنا لم نجد لمكة ذكرا في حديث عمر والله أعلم وفي هذا الباب عند أكثر رواة الموطأ حديث جابر بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله فذكر المطعون والمبطون والغريق والحريق وصاحب ذات الجنب والذي يموت تحت الهدم والمرأة تموت بجمع وقد مضى القول في هذا المعنى من رواية يحيى في الموطأ ويدخل في هذا الباب لأنه مما تكون فيه الشهادة ويدخل فيه قول عمر الشهيد من احتسب نفسه على الله ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال مر عمر بقوم وهم يذكرون سرية هلكت فقال بعضهم هم شهداؤهم في الجنة وقال بعضهم لهم ما احتسبوا فقال عمر إن من الناس من يقاتل رياء ومنهم من يقاتل حمية ومنهم من يقاتل إذا دهمه القتال ورهقه ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله فأولئك الشهداء وإن كل نفس تبعث على ما تموت عليه ولا تدري نفس ما يفعل بها إلا الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أبو العجفاء عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبة خطبها تقولون في مغازيكم قتل فلان شهيدا ولعله قد أوقر دابته غلولا لا تقولوا ذلك ولكن قولوا من قتل في سبيل الله فهو في الجنة وروى الثوري عن صالح عن أبي عاصم عن أبي هريرة قال إنما الشهيد الذي لو مات على فراشه دخل الجنة يعني الذي يموت على فراشه ولا ذنب له وذكر مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال كرم المؤمن تقواه ودينه حسبه ومروءته خلقه والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء فالجبان يفر عن أبيه وأمه والجريء يقاتل عما لا يؤوب به إلى رحله والقتل حتف من الحتوف والشهيد من احتسب نفسه على الله قال أبو عمر أما قوله كرم المؤمن تقواه فمن قول الله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم الحجرات وأما قوله ودينه حسبه فإنه أراد أن الحسب الرفيع حقيقة الدين فيمن انتسب إلى أب ذي دين فهو الحسب وهذا أولى منه على

من انتسب إلى أب كافر يفخر به كما جاء في الحديث المرفوع على ذكر الكفرة ينتسبون إلى حمم من حمم جهنم وأن من الجعل بأنفه خير منهم وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ثلاث لا تزال في أمتي النياحة علي الموتى والاستمطار بالأنواء والتفاخر بالأحساب خرج أيضا على حساب الذم ومثله ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أن أحساب أمتي التي ينتمون إليها المال هذا أيضا على وجه الذم لأنه قال صلى الله عليه وسلم لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال ومن هذا قوله تنكح المرأة على حسبها وعلى مالها وعلى جمالها وعلى دينها فعليك بذات الدين وأما قوله ومروءته خلقه فمن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق أو قال حسن الأخلاق فلا تكاد تجد حسن الخلق إلا ذا مروءة وصبر ومثله قوله وقد تذاكر المروءة عنده بعضهم فقال مروءتنا أن نعفو عمن ظلمنا ونعطي من حرمنا وهذا كله لا يتم إلا بحسن الخلق وقد روي أنه في حكمة داود المروءة الصلاح في الدين وإصلاح المعيشة وغنى النفس وصلة الرحم وأما قوله والجرأة والجبن غرائز فلا تحتاج إلى تفسير ولا شرح ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن مجاهد عن الشعبي عن مسروق قال ذكر الشهداء عند عمر بن الخطاب فقال عمر للقوم ما ترون الشهداء فقال القوم يا أمير المؤمنين هم من يقتل في هذه المغازي

فقال إن شهداءكم إذا لكثير إني أخبركم عن ذلك إن الشجاعة والجبن غرائز في الناس فالشجاع يقاتل من وراء أن لا يبالي أن لا يؤوب به إلى أهله والجبان فار عن حليلته ولكن الشهيد من احتسب نفسه والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده قال وحدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن حسان عن قائد العبيسي قال قال عمر الشجاعة والجبن غرائز في الرجال فيقاتل الشجاع عن من يعرف وعن من لا يعرف ويفر الجبان عن أبيه وأمه قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة بن جابر قال قال عمر الشجاعة والجبن شيمة وخلق في الرجال فيقاتل الشجاع عن من لا يبالي أن لا يؤوب به إلى أهله ويفر الجبان عن أبيه وأمه قال وحدثنا محمد بن بكر عن بن جريج عن عبد الكريم قال قالت عائشة من حس من نفسه جبنا فلا يغز قال وحدثنا وكيع قال حدثنا همام عن أبي عمران الجوني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجبان أجران وأما قوله الشهيد من احتسب نفسه على الله فقد جاء عنه ما يفسر قوله هذا روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن شهاب قال أصيبت سرية على عهد عمر بن الخطاب فتكلم الناس فيها فقام عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الرجل يقاتل حمية أو يقاتل رياء ويقاتل شجاعة والله تعالى أعلم بنياتهم وما قتلوا عليه وما أحد هو أعلم مما يفعل به إلا هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أبو عمر هذا أيضا يدل على ما تقدم بأن لا يقطع بفضل فاضل على مثله في ظاهر أمره وأن يسكت في مثل هذا باب العمل في غسل الشهداء ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب غسل وكفن وصلي عليه وكان شهيدا يرحمه الله

مالك أنه بلغه عن أهل العلم أنهم كانوا يقولون الشهداء في سبيل الله لا يغسلون ولا يصلى على أحد منهم وإنهم يدفنون في الثياب التي قتلوا فيها قال مالك وتلك السنة فيمن قتل في المعترك فلم يدرك حتى مات قال وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر بن الخطاب قال أبو عمر اختلف العلماء في غسل الشهداء والصلاة عليهم فذهب أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي إلى أنهم لا يغسلون إذا ماتوا في المعترك وبه قال أحمد وإسحاق والطبري وحجتهم حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قتلى أحد ادفنوهم بدمائهم وزملوهم بثيابهم وهذا حديث اختلف فيه عن بن شهاب ورواه معمر عن الزهري عن بن أبي زهير عن جابر ورواه الليث بن سعد عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن جابر بن عبد الله أخبره بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وخرج البخاري حديث الليث هذا عن بن شهاب بإسناده وخرجه أبو داود أيضا ورواه بن وهب عن أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بثيابهم وقد حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر قال رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فادرج في ثيابه كما هو قال ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال أبو عمر هذا حديث صحيح الإسناد وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا زياد بن أيوب قال حدثنا علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم فهذا معنى قول مالك فيمن قتل في المعترك وقال سعيد بن المسيب والحسن البصري يغسل الشهداء كلهم كما يغسل سائر المسلمين قال أحدهما إنما لم يغسل شهداء أحد للشغل الذي كان فيه ولكثرتهم وروي عن سعيد والحسن أنهما قالا لا يغسل الشهيد لأن كل ميت يجلب قال أبو عمر لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بقول سعيد بن المسيب والحسن البصري في غسل الشهداء إلا عبيد الله بن الحسن العنبري وليس ما قالوه من ذلك بشيء لأن الشيء الذي جعلوه علة ليس بعلة لأن كل واحد من القتلى كان له أولياء يشتغلون به دون غيره وبل العلة في ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الشهيد يأتي يوم القيامة وريح دمه كريح المسك

واحتج بعض من ذهب من المتأخرين مذهب سعيد والحسن في ترك غسل الشهداء بقوله عليه السلام في شهداء أحد أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة قال وهذا يدل على خصوصهم وأنهم لا يشركهم في ذلك غيرهم كما لا يشركهم في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر يلزمه أن يقول في المحرم الذي وقصته ناقته أن لا يفعل بغيره من المسلمين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم به لأنه قال فيه يبعث يوم القيامة ملبيا وهو لا يقول بذلك وأما الصلاة على الشهداء فإن العلماء قد اختلفوا في ذلك واختلفت الآثار في ذلك أيضا فذهب مالك والليث والشافعي وأحمد وداود إلى أن لا يصلى عليهم بحديث الليث بن سعد عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن شهداء أحد لم يغسلوا ولم يصل عليهم وبحديث أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس بن مالك أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا ولم يصل عليهم ذكره أبو داود عن أحمد بن صالح عن بن وهب عن أسامة وقال معمر عن الزهري لم يصل على شهداء أحد وقال فقهاء الكوفة بن أبي ليلى وسفيان الثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأصحابه وسليمان بن موسى والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وفقهاء أهل البصرة عبيد الله بن الحسن وغيره يصلى على الشهداء كلهم ولا تترك الصلاة عليهم ولا على غيرهم من المسلمين ورووا في ذلك آثارا كثيرة أكثرها مراسيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد وصلى على حمزة سبعين صلاة وروى بن عيينة وغيره عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال صلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة يوم أحد سبعين صلاة كلما صلى على رجل صلى عليه قال أبو عمر قد خالف الشعبي في ذلك غيره ذكر أبو داود قال حدثنا عباس العنبري قال حدثنا عثمان بن عمر قال حدثنا أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بحمزة وقد مثل به فصلى عليه ولم يصل على أحد من الشهداء غيره وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الزبير بن عدي عن عطاء بن أبي رباح قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى بدر وأجمع العلماء على أن الشهيد في معترك الكفار إذا حمل حيا ولم يمت في المعترك وعاش وأكل وشرب فإنه يغسل ويصلى عليه كما فعل بعمر وبعلي رضوان الله عليهما واختلفوا في غسل من قتل مظلوما كغسل الخوارج وقطاع السبيل وما أشبه ذلك ممن قتل مظلوما فقال مالك لا يغسل من قتله الكفار إلا أن يموت في المعترك فإن حمل من موضع مصرعه فعاش وأكل وشرب ثم مات غسل وصلي عليه وأما من غسل في فتنة أو نائرة أو قتله اللصوص أو البغاة أو كان من اللصوص أو البغاة فقتل أو قتل قودا أو قتل نفسه فإن هؤلاء كلهم يغسلون ويصلى عليهم وبه قال الشافعي قال أبو حنيفة والشافعي كل من قتل مظلوما لم يغسل ولا أنه يصلى عليه وعلى كل شهيد وهو قول سائر أهل العراق ورووا من طرق كثيرة في عمار بن ياسر وزيد بن صوحان بأن كل واحد منهما قال لا تنزعوا عني ثوبا ولا تغسلوا عني دما وادفنوني في ثيابي روي مثل ذلك عن حجر بن عدي بن الأدبر رحمه الله

قال أبو عمر قتل زيد بن صوحان يوم الجمل وقتل عمار بن ياسر بصفين وأما حجر بن عدي فقتله معاوية صبرا بعث به إليه زياد بن أبي سفيان وروى هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أن حجر بن عدي قال لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما وادفنوني في ثيابي فإني ملاق معاوية بالجادة وإني مخاصمه وروى معمر عن أيوب عن بن سيرين قال أمر معاوية بقتل حجر بن عدي الكندي فقال حجر لا تنزعوا عني قيدا أو قال حديدا وكفنوني في ثيابي ودمي وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء قال ما رأيتهم يغسلون الشهيد ولا يحنطونه ولا يكفنونه قلت كيف يصلى عليه قلت كالذي يصلي على الذي ليس بشهيد قال وأخبرنا بن جريج قال سألنا سليمان بن موسى كيف الصلاة على الشهيد عندكم قال كيف يصلى على غير الشهيد وسألناه عن دفن الشهيد قال أما إذا مات في المعركة فإنما ندفنه كما هو ولا نغسله ولا نكفنه ولا نحنطه قال وأما إذا انقلبنا به وبه رمق فإنا نغسله ونكفنه ونحنطه وجدنا الناس على ذلك وكان من مضى عليه من الناس قبلنا قال وأخبرنا معمر عن نافع عن أيوب قال كان عمر من خير الشهداء فغسل وكفن وصلي عليه لأنه عاش بعد طعنه قال وأخبرنا الحسن بن عمارة عن يحيى بن الجزار قال غسل علي رضي الله عنه وكفن وصلي عليه قال أبو عمر من حجة من ذهب إلى هذا وهو معنى قول مالك أن السنة المجتمع عليها في موتى المسلمين أنهم يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم فكذلك حكم كل ميت وقتيل من المسلمين إلا أن يجتمعوا على شيء من ذلك فيكون خصوصا من الإجماع بإجماع وقد أجمعوا إلا من شذ عنهم بأن قتيل الكفار في المعترك إذا مات من وقته قبل أن يأكل ويشرب أنه لا يغسل ولا يصلى عليه فكان مستثنى من السنة المجتمع عليها بالسنة المجتمع عليها ومن عداهم فحكمه الغسل والصلاة وبالله التوفيق ومن حجة من جعل قتيل البغاة والخوارج واللصوص وكل من قتل ظلما إذا

مات من وقته كقتيل الكفار في الحرب إذا مات في المعترك القياس على قتيل الكفار قالوا وأما عمر وعلي فإنهما غسلا وصليا عليهما لأنهما عاشا وأكلا وشربا بعد أن أصيبا وبالله التوفيق باب ما يكره من الشيء يجعل في سبيل الله هكذا وقعت ترجمة هذا الباب عند يحيى ولم يذكر فيه إلا حديث يحيى بن سعيد في حمل عمر إلى الشام وإلى العراق وترجمة الباب عند القعنبي وبن بكير باب ما يكره من الرجعة في الشيء يجعل في سبيل الله وفيه عندهما حديث عمر في الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله من طريق زيد بن أسلم ومن طريق نافع ثم حدثنا يحيى بن سعيد هذا وقد ذكرنا حديث عمر في كتاب الزكاة وحديث هذا الباب لم يقع في رواية يحيى بن يحيى في الموطأ إلا في هذا الباب مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب كان يحمل في العام الواحد على أربعين ألف بعير يحمل الرجل إلى الشام على بعير ويحمل الرجلين إلى العراق على بعير فجاءه رجل من أهل العراق فقال احملني وسحيما فقال له عمر بن الخطاب نشدتك الله أسحيم زق قال له نعم قال أبو عمر الحمل على الإبل والخيل سنة مسنونة من مال الله ومن مال من شاء أن يتطوع في سبيل الله قال الله عز وجل ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه التوبة وروى أبو مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل فقال يا رسول الله إنه أبدع بي فاحملني فقال له ائت فلانا فاستحمله فأتاه فحمله ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله

وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في صدر كتاب العلم ومن حديث أبي موسى الأشعري أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين يستحملونه فوجدوه غضبان فقال له والله لا أحملكم ثم حملهم على الإبل قال ولا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدة بن سعيد عن قتادة أن عثمان حمل في جيش العسرة على ألف بعير إلا سبعين وروى سفيان بن عيينة عن بن جرير عن عطاء عن صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه قال غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فحملت فيها على بكر فكان أوثق عملي في نفسي وأما حمل عمر رضي الله عنه الرجل من أهل الشام على بعير والرجلان من أهل العراق على بعير فذلك عندي على حسب ما أداه اجتهاده إليه عسى أن يكون ذلك في عام دون عام لما رآه من أهل العراق وأهل الشام فاجتهد في ذلك وما أحسب ذلك كان إلا من العطاء لأهل الديوان بعينهم عام غزوا وأما فراسته في الذي ألغز له وأراد التحيل عليه ليحمل على بعير وهو عراقي من بين سائر أهل العراق ففطن له فلما ناشده الله صدقه أنه عنى بقوله سحيما زقا كان في رحله فذلك معروف من ذكاء عمر وفطانته وكان يتفق ذلك كثيرا ألا ترى إلى قوله للذي قال له ما اسمك قال جمرة قال بن من قال بن شهاب قال ممن قال من الحرقة

قال أين مسكنك قال بحرة النار قال فأيها قال بذات لظى قال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا فكان كما قال عمر ذكره مالك أيضا عن يحيى بن يحيى وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق حسان أنه قال سيكون في أمتي محدثون فإن يكن فعمر وبالله التوفيق باب الترغيب في الجهاد ذكر فيه مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطعمته وجلست تفلي في رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ثم استيقظ وهو يضحك قالت فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة يشك إسحاق قالت فقلت له يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ يضحك قالت فقلت له يا رسول الله ما يضحكك قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة كما قال في الأولى قالت فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال أنت من الأولين قال فركبت البحر في زمان معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت

قال أبو عمر قال بن وهب أم حرام إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه قال أبو عمر لولا أنها كانت منه ذات محرم ما زارها ولا قام عندها والله أعلم وقد روي عنه عليه السلام من حديث عمر وبن عباس لا يخلون رجل بامرأة إلا أن تكون منه ذات محرم على أنه صلى الله عليه وسلم معصوم ليس كغيره ولا يقاس به سواه وفي هذا الحديث إباحة أكل ما قدمته المرأة إلى ضيفها في بيتها من مالها ومال زوجها لأن الأغلب أن ما في البيت من الطعام هو للرجل وفيه دليل على أن الوكيل والمؤتمن إذا علم أن صاحب المال يسر بما يفعله في ماله جاز له فعل ذلك ومعلوم أن عبادة بن الصامت كان يسره أن يبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فلذلك أذنت أم حرام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت زوجها عبادة وأطعمته وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل لامرأة أن تأذن لرجل في بيتها وزوجها غائب كاره وإسناده في التمهيد وقد اختلف العلماء في عطية المرأة من مال زوجها بغير إذنه واختلفت فيه الآثار المرفوعة منها ما رواه بن جريج عن بن أبي مليكة عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي قال ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك وروى الأعمش ومنصور عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجر بما

أنفقت ولزوجها أجر بما اكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا وأما الأثر المخالف لغيره فهذه الأحاديث أبو أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث وفيه لا تنفق امرأة من بيت زوجها إلا بإذن زوجها قيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذلك أفضل أموالنا ومن أجاز للصديق الأكل من مال صديقه بغير إذنه وتأول قول الله عز وجل أو صديقكم النور فإنما أباح منه ما لا يتشاح الناس فيه وما تسخو النفوس به للإخوان في الأغلب وأما ثبج البحر فهو ظهر البحر وكذلك روى هذا الحديث يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أنس بن مالك عن أم حرام قالت بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا في بيتي استيقظ وهو يضحك فقلت مم تضحك قال عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر البحر كالملوك على الأسرة الحديث وأما ضحكه صلى الله عليه وسلم عندما استيقظ فإنما ذلك سرورا منه مما يدخله الله على أمته من الأجر بأعمال البر وإنما رآهم على الأسرة في الجنة ورؤياه ورؤيا الأنبياء وحي ويشهد لذلك قول الله تعالى في أهل الجنة على الأرائك متكئون يس وقوله أو مثل الملوك على الأسرة شك من المحدث

وقد رواه يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أنس عن أم حرام فقال فيه مثل الملوك على الأسرة من غير شك وهذا الخبر إنما ورد تنبيها على فضل الغزو في البحر وفيه إباحة النساء للجهاد وقد قالت أم عطية كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنداوي الجرحى ونمرض المرضى وكان يرضخ لنا من الغنيمة اختلف الفقهاء في الإسهام للنساء من الغنيمة فقال بن وهب سألت مالكا عن النساء هل يحذين من المغانم في الغزو قال ما علمت ذلك وقال أبو حنيفة والثوري والليث والشافعي لا سهم لامرأة ويرضخ لها وقال الأوزاعي يسهم لها وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للنساء بخيبر قال الأوزاعي وأخذ بذلك المسلمون عندنا قال أبو عمر أحسن شيء في هذا الباب ما كتب به بن عباس إلى نجدة الخارجي أن النساء كن يحضرن فيداوين المرضى ويحذين من الغنيمة ولم يضرب فيه بسهم وفيه إباحة ركوب البحر للنساء وكان مالك يكره للمرأة الحج في البحر وهو في الجهاد كذلك أكره قال أبو عمر إنما كره ذلك مالك لأن المرأة لا تكاد تغض بصرها عن الراكبين فيه عن الملاحين وغيرهم وهم لا يستترون في كثير من الأوقات وكذلك لا تقدر كل امرأة عند حاجة الإنسان على الاستتار في المركب في الرجال ونظرها إلى عورات الرجال ونظرهم إليها حرام فلم ير استباحة فضيلة بمدافعة ما حرم الله تعالى وكانت أم حرام مع زوجها وكان الناس خلاف ما هم عليه اليوم والله أعلم وفيه دليل على جواز ركوب البحر للحج لأنه إذا ركب للجهاد فركوبه للحج أولى إذا كان في أداء فريضة الحج ذكر مالك أن عمر بن الخطاب كان يمنع الناس من ركوب البحر طول حياته

فلما مات استأذن معاوية عثمان في ركوبه فأذن له فلم يزل حتى كان زمان عمر بن عبد العزيز فمنع الناس من ركوبه في أيامه ثم ركب بعد إلى الآن هذا لما كان من العمرين رحمة الله عليهما في التجارة وطلب الدنيا والاستعداد من المال والتكاثر معرضين عن الآخرة وعن جهاد الغزو في البحر فأما ما كان في أداء فريضة الله فلا قد وردت السنة بإباحة ركوب البحر للجهاد في حديث أنس وغيره وهي الحجة وفيها الأسوة واتفق العلماء أن البحر لا يجوز لأحد ركوبه في حين ارتجاجه ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن ليث بن أبي سليم عن نافع عن بن عمر قال لا يسلني الله عن جيش ركبوا البحر أبدا يعني التغرير وفيه التحري بالإتيان بألفاظ النبي عليه السلام وقد ذهب إلى هذا جماعة ورخص آخرون في الإتيان بالمعاني وإن خالفوا في الألفاظ وفيه أن الجهاد تحت راية كل إمام عادل أو جائر ماض إلى يوم القيامة لأنه قد رأى الآخرين ملوكا على الأسرة كما رأى الأولين ولا نهاية للآخرين إلى قيام الساعة قال الله عز وجل ثلة من الأولين وثلة من الأخرين الواقعة وهذا على الآية وفيه فضل لمعاوية إذ جعل من غزا تحت رايته من الأولين وإنما قلنا في الحديث دليل على ركوب البحر للجهاد وغيره للرجال والنساء لاستيقاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فرحا بذلك فدل على جوازه وإباحته وفضله وجعلنا المباح فيما ركب فيه البحر قياسا على الغزو فيه ويحتمل بدليل هذا الحديث أن يكون الموت في سبيل الله والقتل سواء في الفضل لأن أم حرام لم تقتل وإنما ماتت من صرعة دابتها وقد ذكرنا في التمهيد الآثار الشواهد في هذا المعنى واختلافها في ذلك فمنها ما ذكره بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا المسعودي عن

عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عمرو قال قال رجل يا رسول الله أي الجهاد أفضل قال من عقر جواده وأريق دمه وذكر أبو داود قال حدثنا محمد بن بكار قال حدثنا مروان قال حدثنا هلال بن ميمون الرملي عن يعلى بن شداد عن أم حرام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد والغرق له أجر شهيدين والآثار في الوجهين جميعا كثيرة قد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد وقد سوى الله تعالى في كتابه بين المقتول والميت في سبيل الله والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا الحج فركبت أم حرام البحر في زمن معاوية ولم يختلف أهل السير أنها غزاة معاوية هذه وقد غزا معه عبادة وزوجته أم حرام كانت في خلافة عثمان لا في زمان معاوية قال الزبير بن أبي بكر ركب معاوية البحر غازيا بالمسلمين في خلافة عثمان لا في أيام معاوية قال الزبير بن أبي بكر ركب معاوية البحر غازيا بالمسلمين في خلافة عثمان إلى قبرص ومعه أم حرام زوج عبادة مع زوجها عبادة فركبت بغلتها حين خرجت من السفينة فصرعت فماتت وذكر خليفة عن بن الكلبي قال في سنة ثمان وعشرين غزا معاوية بن أبي سفيان في البحر ومعه امرأته فاختة بنت قرظة من بني عبد مناف ومعه عبادة بن الصامت وامرأته أم حرام بنت ملحان الأنصارية فأتى قبرص فتوفيت أم حرام وقبرها في هذا الباب مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن اشق على أمتي لأحببت أن لا أتخلف عن سرية تخرج في سبيل الله ولكني لا أجد ما أحملهم عليه ولا يجدون ما يتحملون عليه

فيخرجون ويشق عليهم أن يتخلفوا بعدي فوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على أن الجهاد ليس بفرض معين على كل أحد في خاصته ولو كان فرضا معينا ما تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ولا أباح لغيره التخلف عنه ولو شق على أمته إذا كانوا يطيقونه والجهاد عندنا بالغزوات والسرايا إلى أرض العدو فرض على الكفاية فإذا قام بذلك من فيه كفاية ونكاية للعدو سقط عن المتخلفين فإذا أظل العدو بلدة مقاتلا لها تعين الفرض على كل أحد حينئذ في خاصته على قدر طاقته خفيفا وثقيلا شابا وشيخا حتى يكون فيمن يكاثر العدو كفاية بمواقعتهم فإن لم يكن وجب على كل من سبقهم من المسلمين وجب عليهم عونهم والنفير إليهم ومقاتلة عدوهم معهم فإذا كان في ذلك ما يقوم بالعدو في المدافعة كان ما زاد على ذلك فرضا على الكفاية على ما قدمنا فضيلة ونافلة والدليل على ذلك قوله عز وجل وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما النساء ثم قال وكلا وعد الله الحسنى النساء وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمنى من عمل الخير والصبر عليه ما يعلم أنه لا يعطاه وذلك من حرصه عليه السلام على الوصول إلى أصل فضائل الأعمال وقد يعطى المرء بنيته وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن عتيك إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته وقال صلى الله عليه وسلم نية المؤمن خير من عمله يريد صلى الله عليه وسلم نية المؤمن خير من عمله بلا نية وفي هذا الباب مالك عن يحيى بن سعيد قال لما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتيني بخبر سعد بن الربيع الأنصاري فقال رجل أنا يا رسول الله فذهب الرجل يطوف بين القتلى فقال له سعد بن الربيع ما شأنك فقال له

الرجل بعثني إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم لآتيه بخبرك قال فاذهب إليه فاقرأه مني السلام وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة وأني قد أنفذت مقاتلي وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد منهم حي وهذا الخبر ذكره محمد بن إسحاق في السير بنحو ما ذكره مالك وقال حدثني بخبر سعد بن الربيع هذا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري المازني أحد بني النجار قال أبو عمر هذا يدل على أن الخبر مشتهر مستفيض بالمدينة عند علمائها وقد روى جابر بن عبد الله في قصة ابنتي سعد بن الربيع ما دل على أن البيان في فريضة الأنثيين أن لهما من ميراث أبيهما الثلثين كما لمن فوقهما من البنات وهو خبر حسن قد ذكرنا إسناده في التمهيد عن جابر أن امرأة من الأنصار أتت النبي عليه السلام بابنتي سعد بن الربيع فقالت يا رسول الله سعد بن الربيع قتل يوم أحد شهيدا فأخذ عمهما كل شيء من تركته ولم يدع لهما من مال أبيهما قليلا ولا كثيرا والله ما لهما مال ولا تنكحان إلا ولهما مال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيقضي الله في ذلك ما شاء فنزلت يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك النساء فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمهما فقال أعط هاتين الجاريتين مما ترك أبوهما الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك قال أبو عمر هذه سنة مجتمع عليها لا خلاف فيها والحمد لله ولا أعلم أحدا من فقهاء المسلمين من التابعين ومن بعدهم قال بما روي عن بن عباس في ذلك ولا يصح عنهم ما روي عنه في ذلك والله أعلم وكان مما في هذا الخبر سبب البيان الوارد بها وسعد بن الربيع كان من النقباء شهد بدرا استشهد يوم أحد وقد ذكرناه ونسبناه وأتينا بأطراف الأخبار عنه في كتاب الصحابة وفي هذا الباب أيضا عن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الجهاد وذكر

الجنة ورجل من الأنصار يأكل تمرات في يده فقال إني لحريص على الدنيا إن جلست حتى أفرغ منهن فرمى ما في يده فحمل بسيفه فقاتل حتى قتل قال أبو عمر هذا الحديث محفوظ معناه من حديث بن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله فذكر معناه حديث حدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن أبي عمر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو سمع جابر بن عبد الله يقول قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد يا رسول الله إن قتلت أين أنا قال أنت في الجنة فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل قال أبو عمر هذا الرجل عمير بن الحمام الأنصاري السلمي فيما ذكر بن إسحاق قال بن إسحاق ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس يعني يوم بدر فحرضهم على القتال ونقل كل امرئ ما أصاب قال والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة قال عمير بن الحمام أحد بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه وقاتل حتى قتل وهو يقول ركضا إلى الله بغير زاد إلا التقى وعمل المعاد والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضة للنفاد غير التقى والبر والرشاد قال أبو عمر ما أظن الرجل الذي في خبر جابر هو عمير بن الحمام لأن ذلك يوم أحد وحديث عمير يوم بدر وأما مالك لم يذكر في حديثه يوما قال أبو عمر ليس في حديث يحيى بن سعيد ولا حديث جابر ما يدل على أن عمير بن الحمام حمل وحده على كتيبة الكفار ولو فعل ذلك كان حسنا وكانت مع ذلك له شهادة

حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن أبي عدي عن محمد بن سيرين قال جاءت كتيبة من قبل المشرق من كتائب الكفار فلقيها رجل من الأنصار فحمل عليهم فخرق الصف حتى خرج ثم كر راجعا حتى رجع صنع ذلك مرتين أو ثلاثا فإذا سعد بن هشام فذكر ذلك لأبي هريرة فتلا ومن الناس من يشرى نفسه البقرة وقد روى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن حازم أن رجلا قتل العدو خاله فقال لعمر بن الخطاب يا أمير المؤمنين إن ناسا يزعمون أن خالي ألقى بنفسه إلى التهلكة فقال عمر بل هو من الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة وقد روى عن عمر بن الخطاب خلاف هذا ذكره بن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني قال سمعت المعرور بن سويد يقول إن عمر بن الخطاب ذكر له رجل قتل بين يدي صف فقال عمر لأن أموت على فراشي أحب إلي أن أقتل بين يدي صف يعني أن يستقبل وذكره بن عيينة أيضا عن الحسن بن عمارة عن واصل الأحدب عن المعرور عن عمر مثله وزاد وليس خروجه عن مكانه عظيم الغنى عن أصحابه قال سفيان وقد يكون خارجا من الصف وهو شاذ لمكانه وروى معمر عن الحسن قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقاتل فقال يا رسول الله أحمل عليهم فقال أتريد أن تقتلهم قال أبو عمر هذا حديث ليس إسناده بالقوي وأحسن ما قيل في معنى قول الله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة البقرة ذلك في ترك الثقة في سبيل الله والله أعلم ذكر أبو بكر قال حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن أبي صالح عن بن عباس ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة البقرة أنفق في سبيل الله ولو بمشقص قال وحدثنا وكيع عن سفيان عن عباس بن الأسود عن مجاهد قال إذا لقيت العدو فاثبت فإنما نزلت هذه الآية في النفقة

وذكر مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن جبل أنه قال الغزو غزوان فغزو تنفق فيه الكريمة ويياسر فيه الشريك ويطاع فيه ذو الأمر ويجتنب فيه الفساد فذلك الغزو خير كله وغزو لا تنفق فيه الكريمة ولا يياسر فيه الشريك ولا يطاع فيه ذو الأمر ولا يجتنب فيه الفساد ذلك الغزو لا يرجع صاحبه كفافا قال أبو عمر هذا الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حيوه بن شريح الحضرمي قال أخبرنا بقية قال حدثنا بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الغزو غزوان فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد فإن نومه ونبهه أجر كله وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لم يرجع بالكفاف قال أبو عمر قوله ينفق الكريمة فإنه أراد ما يكرم عليك من مالك مما يقيك الله فيه شح نفسك ولقد أحسن القائل وقد تخرج الحاجات بأم مالك كرائم من ذب بهن ضنين وأما مياسرة الشريك وهو هنا الرفيق فقلنا الخلاف ما يريد إنفاقه في سبيل الله ووجده إن احتاج وترك وأما طاعة الإمام فواجبة في كل ما يأمر به إلا أن تكون معصية بينة لا شك فيها ولا ينبغي أن يبارز العدو ولا يخرج في سرية عن عسكره إلا بإذنه وأما اجتناب الفساد فكلمة جامعة لكل حرام وباطل والله لا يحب الفساد

باب ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة قال أبو عمر في هذا الحديث الحض على اكتساب الخيل وفيه تفضيلها على سائر الدواب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأت عنه في غيرها مثل هذا القول وذلك تعظيم منه لشأنها وحض على اكتسابها وندب لارتباطها في سبيل الله عدة للقاء العدو إذ هي من أقوى الآلات في جهاده فالخيل المعدة للجهاد هي التي في نواصيها الخير وما كان معدا منها للفتن وسلب المسلمين فتلك كما قال بن عمر خيل الشيطان وقد استدل جماعة من العلماء بأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة تحت راية كل بر وفاجر من الأئمة بهذا الحديث وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه إلى يوم القيامة والمجاهدون تحت راياتهم يغزون وقد ذكرنا في التمهيد حديث أسماء بنت يزيد بن السكن عن النبي عليه السلام أنه قال الخيل في نواصيها الخير معقود أبدا إلى يوم القيامة فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها فإن شبعها وجوعها وريها وظمأها وأرواثها وأبوالها في موازينه يوم القيامة ومن ربطها فرحا ومزحا وسمعة ورياء فإن شبعها وريها وظمأها وأرواثها وأبوالها خسران في موازينه يوم القيامة وفي قوله عليه السلام الخيل معقود في نواصيها الخير وقوله البركة في نواصي الخيل ما يعارض رواية من روى الشؤم في المرأة والدار والفرس

ويعضد رواية من روى لا شؤم وقد يكون اليمن في الفرس والمرأة والدار وسيأتي هذا المعنى في بابه من كتاب الجامع إن شاء الله وروى شعبة عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البركة في نواصي الخيل وقد ذكرنا إسناد هذا الحديث من طرق في التمهيد وذكرنا فيه أيضا حديث عروة بن أبي الجعد البارقي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم من طرق رواه الشعبي عن عروة البارقي وقد رواه عنه شبيب بن غرقدة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن شبيب بن غرقدة سمعه من عروة البارقي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخير معقود بنواصي الخيل قال شبيب فرأيت ذلك في دار عروة بن أبي جعد سبعين فرسا رغبة منه في رباط الخيل وحديث جرير قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرس بأصبعه ويقول الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة قوله عليه السلام يمن الخيل في شقرها وقوله خير الخيل الأدهم الأقرح وروي عنه أنه كره الشكال من الخيل ومعناه أن تكون منه ثلاث قوائم

محجلة وواحدة مطلقة أو تكون الثلاثة مطلقة والواحدة محجلة وقوله عليه السلام عليكم بكل كميت أغر محجل أو أشقر أغر محجل أو أدهم أغر محجل وقد ذكر هذه الأحاديث أبو عبد الرحمن النسائي وغيره وذكرنا منها في التمهيد ما فيه كفاية مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ لم يختلفوا عنه في إسناده واختلفوا عنه في بعض ألفاظه وقال بن بكير سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى عند مسجد بني زريق وخالفه جمهور الرواة منهم بن القاسم وبن وهب والقعنبي فرووا من الثنية إلى مسجد بني زريق وفي ألفاظ نافع والرواة عنهم اختلاف كثير تراه في التمهيد إن شئت وترى هناك صحة ما رواه مالك من ذلك إن شاء الله

روى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل فأرسل ما أضمر منها من الحفياء إلى ثنية الوداع وأرسل ما لم تضمر منها من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق وأن بن عمر أجرى فرسا فاقتحم به فرسه في جرف فصرعه وفي هذا الحديث من الفقه جواز المسابقة بين الخيل وذلك مما خص وخرج من باب القمار بالسنة الواردة فيه وكذلك هو خارج من باب تعذيب البهائم لأن الحاجة إليها تدعو إلى تأديبها وتدريبها وفيه أن المسابقة بين الخيل يجب أن يكون أمدها معلوما وأن تكون الخيل متساوية الأحوال أو متقاربة وأن لا يسبق المضمر مع غير المضمر والحفياء ومسجد بني زريق وثنية الوداع مواضع معروفة بالمدينة ومعروف ما بينها من المسافة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال محبوب بن موسى قال حدثنا الفزاري عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر قال سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي قد أضمرت فأرسلها من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع قال الفزاري قلت لموسى كم بين ذلك قال ستة أميال أو سبعة وسابق بين الخيل التي لم تضمر فأرسلها من ثنية الوداع وكان أمدها مسجد بني زريق قلت فكم بين ذلك قال ميل أو نحوه قال وكان بن عمر ممن سابق فيها وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا موسى بن هارون الحمال قال حدثنا أحمد بن حنبل وأبو خيثمة قالا حدثنا عقبة بن خالد وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عقبة بن خالد قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية

قال أبو عمر روى هذا الحديث جماعة عن عبد الله بن عمر على نحو ما رواه مالك وغيره ولم يقل فيه أحد إنه فضل القرح في الغاية إلا عقبة بن خالد فإن صح ففيه دليل على أن التي أضمرت من تلك الخيل كانت قرحا والله أعلم وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى عتبة بن غزوان وكان يومئذ أمير البصرة في أبان ضمروا خيلهم لينحروها فإن ادعيته أو تأخذ في ذلك برأي عمر وكتب إليه في ذلك مجاوبة بإباحة ذلك وقال في كتابة أن أرسل القرح من رأس مائة علوة ولا يركبها أربابها وقد ذكرنا الخبر بتمامه في التمهيد وأما أقاويل الفقهاء في هذا الباب فإن مالكا قال سبق الخيل أحب إلي من سبق الرمي قال ويكون السبق على الخيل على نحو ما سبق الإمام فإن كان المسبق غير الإمام فعل كما يفعل الإمام ولا يجب أن يرجع إليه شيء مما أخرج في السبق وقال الليث بن سعد قال ربيعة في الرجل يسبق القوم بشيء إن سبقه لا يرجع فيه قال الليث ونحن نرى إن كان سبقا يجوز مثله جاز فإن لم يجز سبق أخذ ذلك منه وإن سبق أحرز سبقه وذكر بن وهب عن الليث قال وقال مالك أرى أن يخرجه على كل حال سبق أو لم يسبق على مثل السلطان قال أبو عمر قول الأوزاعي في هذا الباب نحو قول مالك وربيعة في أن الأشياء المخرجة في السبق لا تنصرف إلى مخرجها وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري الأسباق على ملك أربابها وهم فيها على شروطهم فلا يجوز أن يملك السبق إلا بالشرط المشروط فيه فإن لم يكن ذلك انصرف السبق إلى من جعله وذكر مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل فإن سبق أخذ السبق وإن سبق لم يكن عليه شيء

قال أبو عمر أنكر مالك العمل بقول سعيد ولم يعرف المحلل ولا يجوز عنده أن يجعل المتسابقان سبقين يخرج كل واحد منهما سبقا من قبل نفسه على أن من سبق منهما أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه هذا لا يجوز عنده بمحلل ولا بغير محلل إنما السباق عنده أن يجعل السبق أحدهما كالسلطان فمن سبق أخذه لا غير وقد روي عن مالك مثل قول سعيد بن المسيب والأشهر عنه ما ذكرنا وأجمع سائر العلماء على أنه لا يجوز أن يجعل كل واحد منهما سبقه إلا أن يكون سبقهما فرس ثالث لا يجعل شيئا وهو مثلهما في الأغلب وهو الذي يدعى المحلل فإن كان ذلك فهو الذي اختلف فيه العلماء قديما وحديثا فقال مالك ما وصفنا وقال الشافعي الأسباق ثلاثة سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعا به فيجعل للسابق شيئا معلوما ممن سبق أحرز ذلك السبق وإن شاء الوالي أو غيره جعل أيضا للمصلي وللثاني والثالث شيئا شيئا فذلك كله حلال لمن جعل له والثاني أن يريد الرجلان أن يتسابقا بفرسيهما ويريد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه ويخرجا سبقين فهذا لا يجوز إلا بمحلل بينهما يكون فارسا لا يأمنان أن يسبقهما فإن سبق المحلل أخذ السبقين وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه وإن سبق الاثنان الثالث كانا كمن لم يسبق واحد منهما ولا يجوز حتى يكون الأمر واحدا والغاية واحدة قال ولو كانوا مائة فأدخلوا بينهم محللا فكذلك والثالث أن يسابق أحدهما صاحبه ويخرج السبق وحده فإن سبقه صاحبه أخذ السبق وإن سبق صاحبه أحرز السبق وهذا في معنى الوالي قال ويخرج المتسابقان ما يتراضيان عليه ويتواضعونه على يدي رجل وأقل السبق يسبق بالهادي أو بعضه أو بالكفل أو بعضه والسبق على هذا النحو عنده وليس هذا موضع ذكره وقول محمد بن الحسن في هذا كقول الشافعي قال محمد بن الحسن وأصحابه إذا جعل السبق واحدة فقال إن سبقتني

فلك كذا وكذا ولم يقل إن سبقتك فعليك كذا وكذا فلا بأس ويكره أن يقول إن سبقتك فعليك كذا وإن سبقتني فعلي كذا هذا لا خير فيه وإن قال رجل غيرهما أيكما سبق فله كذا فلا بأس وإن كان بينهما محلل إن سبق فلا يغرم وإن سبق أحد فلا بأس وذلك إذا كان يسبق ويسبق وقالوا ما عدا هذه الثلاثة الأسباق فالسبق فيه قمار وأجاز العلماء في غير الرهان السبق على الأقدام وهذا مأخوذ من خبر سلمة بن الأكوع أنه سابق بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأنصاري وقد ذكرناه في التمهيد وسابق رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة فسبقها فلما أسن سابقها فسبقته فقال هذه بتلك وأما السبق في الرهان فلا يجوز إلا في ثلاثة أشياء هي الخف والحافر والنصل وفيه حديث احتاج الناس فيه إلى بن أبي ذئب رواه عنه الثوري وبن عيينه والقعنبي وغيرهم عن نافع بن أبى نافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر حديث آخر وذكر مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رئي وهو يمسح وجه فرسه بردائه فسئل عن ذلك فقال إني عوتبت الليلة في الخيل

قال أبو عمر هذا الحديث قد رواه عن مالك عبد الله بن عمر والفهري سمعه يقول حدثنا يحيى بن سعيد أنه سمع أنس بن مالك يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح وجه فرسه بردائه فسئل عن ذلك وقيل يا نبي الله رأيناك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال إني عوتبت الليلة في الخيل وقد ذكرنا إسناده إلى مالك في التمهيد ولا يصح عن مالك إلا ما في الموطأ والله أعلم وقد روى أبو داود الطيالسي قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا الزبير بن الخريت الأزدي قال حدثنا نعيم بن أبي هند الأشجعي قال رئي النبي صلى الله عليه وسلم يمسح خد فرس فقيل له في ذلك فقال إن جبريل عاتبني في الفرس هكذا رواه أبو داود الطيالسي عن جرير عن الزبير عن نعيم مرسلا ورواه أسلم بن إبراهيم عن سعيد بن زيد عن الزبير بن خريت عن نعيم بن أبي هند عن عروة البارقي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا وقد ذكرنا في التمهيد آثارا في هذا المعنى بغير هذا اللفظ كثيرة حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال أخبرنا يوسف بن يزيد قال حدثنا إسماعيل بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا أبو هلال محمد بن سليم الراسبي عن قتادة عن معقل بن يسار قال لم يكن شيء أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل ثم قال اللهم غفرا بل النساء حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزه بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال اخبرنا أحمد بن حفص قال حدثني أبي قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل وذكر مالك في هذا الباب عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر أتاها ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر حتى يصبح فخرجت يهود

بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قال أبو عمر في هذا الحديث إباحة المشي بالليل على الدواب إذا لم يكن ذلك سرمدا عليها واحتيج في ذلك إليها وفي ذلك أن الغارة على العدو تستحسن أن تكون صباحا لما في ذلك من التبيين والنجاح لأن لا يصاب طفل ولا امرأة ولا ذرية حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم قال حدثنا عبيد قال حدثنا محبوب قال حدثنا الفزاري عن حميد الطويل قال سمعت أنس بن مالك يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يسمع أذانا أغار بعد ما يصبح قال أبو عمر فإن احتيج إلى الغارة فيمن بلغته الدعوة جاز ذلك لحديث الصعب بن جثامة هم من آبائهم يريد في سقوط الدية والقود وفي الإثم لمن لم يتعمد ومن لم يقصد الطفل بعينه ولا المرأة وقد بينا ذلك فيما مضى وقد اختلف العلماء في دعاء العدو قبل القتال فكان مالك يقول الدعاء أصوب بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم إلا أن يعجلوا المسلمين أن يدعوهم وقال عنه بن القاسم لا تبييت حتى يدعوا وذكر الربيع عن الشافعي في كتاب البويطي مثل ذلك لا يقاتل العدو حتى يدعوا إلا أن يعجلوا عن ذلك فإن لم يفعل فقد بلغتهم الدعوة

وحكى المزني عنه من لم تبلغهم الدعوة لا يقاتلوا حتى تبلغهم الدعوة يدعون إلى الإيمان قال فإن قتل منهم أحد قبل ذلك فعلى قاتله الدية وقال المزني عنه في موضع آخر ومن بلغتهم الدعوة فلا بأس أن يغار عليهم بلا دعوة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن دعوهم قبل القتال فحسن ولا بأس أن يغير عليهم وقال الحسن بن صالح يعجبني كل ما حدث إمام بعد إمام أحدث دعوة لأهل الكفر قال أبو عمر هذا قول حسن والدعاء قبل القتال على كل حال حسن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر سراياه بذلك فمن ذلك حديث بريدة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميرا على سرية أو جيش فذكر الحديث وفيه فإذا لقيت العدو من المشركين فادعهم إلى أحد ثلاث خصال فأيتها أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وفيه فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم وفي الحديث غير هذا اختصرته وهو محفوظ وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر بن يحيى قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح عن أبيه عن بن عباس قال ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم وفي حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا لقتال خيبر وتفل في عينيه قال على رسلك حتى تنزل ساحتهم فإذا نزلت ساحتهم فادعهم إلى الإسلام وذكر الحديث

ولا جناح على من بيت من بلغته الدعوة لحديث الصعب بن جثامة ولحديث سلمة بن الأكوع قال أمر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فغزونا ناسا فبيتناهم فقتلناهم وكان شعارنا تلك الليلة أمت أمت وأما قوله في الحديث محمد والخميس فالخميس العسكر وقد ذكرنا شواهد ذلك من الشعر في التمهيد وأما قوله نزلنا بساحة قوم ما بساحة الساحة عرصة الدار وفي هذا الحديث إباحة الاستشهاد بالقرآن وفي هذا الباب مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله ما على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من الأبواب كلها قال نعم وأرجو أن تكون منهم تابع يحيى على توصيل هذا الحديث جماعة رواة الموطأ إلا بن بكير وعبد

الله بن يوسف التنيسي فإنهما روياه عن مالك عن بن شهاب عن حميد مرسلا والصحيح أنه مسند متصل وقد رواه عن مالك كذلك جماعة من غير رواة الموطأ منهم بن المبارك حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن علي الحربي قال حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق زوجين في سبيل الله نودي إلى الجنة يا عبد الله هذا خير وذكر الحديث كما في الموطأ سواء في هذا الحديث من المعاني الحض على الإنفاق في سبيل الله وسبل الله كثيرة تقتضي سائر أعمال البر وفيه دليل على أن أعمال البر لا تفتح في جميعها لكل إنسان في الأغلب وأنه إنما فتح فيها كلها لقليل من الناس وأبو بكر الصديق من ذلك القليل إن شاء الله وأما قوله فمن كان من أهل الصلاة فإنه يريد والله أعلم من كان الغالب من عمله الصلاة دعي من بابها لأنه من أكثر من شيء دعي به ونسب إليه فقوله فمن كان من أهل الصلاة يريد من أكثر منها فنسب إليها لأن الجميع من أهل الصلاة وكذلك من أكثر من الجهاد ومن الصيام ومن الصدقة على هذا المعنى وإن كان له في سائر أعمال البر حظ ومما يشبه هذا ما جاوب به مالك بن أنس العمري العابد وهو عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر كتب إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل وترك مجالسة الناس في العلم وغيره فكتب إليه مالك إن الله تعالى قسم بين عباده الأعمال كما قسم الأرزاق فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم وآخر فتح الله له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصيام وقد علمت أن نشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال وقد رضيت بما فتح الله لي فيه وقسم لي منه وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه من العبادة وكلانا على خير إن شاء الله وقال بن القاسم قال مالك قال أبو الدرداء إن الله تعالى يؤتي الرجل

العلم ولا يؤتيه الحلم ويؤتيه الحلم ولا يؤتيه العلم وإن شداد بن أوس ممن آتاه الله العلم والحلم وأما قوله من أنفق زوجين فمعناه عند أهل العلم من أنفق شيئين من نوع واحد نحو درهمين دينارين قميصين أو حمل على دابتين وكذلك والله أعلم من تابع من عمل البر بأقل متابعة لمن صلى ركعتين ثم ركعتين ونحو هذا وصام يومين في سبيل الله ونحو هذا يدل على ذلك قوله دعي من باب الصلاة ومن باب الصيام وإنما أراد والله أعلم أقل التكرار وأقل وجوه المداومة على العمل من أعمال البر لأن الأثنين أقل الجمع ومن أعلى من روي هذا التفسير عنه الحسن بن أبي الحسن حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري قال حدثنا عمي أبو زكريا يحيى بن زكريا قال وحدثنا محمد بن يحيى حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا هشام عن الحسن قال حدثنا صعصعة بن معاوية قال لقيت أبا ذر فقلت حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أنفق من ماله زوجين في سبيل الله ابتدرته حجبة الجنة قال وكان الحسن يقول زوجين درهمين دينارين عبدين من كل شيء اثنين وروي عن أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب قال أخبرني موسى بن عبيدة قال أخبرني عبد الله بن عبد الله بن حكيم بن حزام قال من أنفق زوجين في سبيل الله لم يأت بابا من أبواب الجنة إلا فتح له قال موسى سمعت أشياخنا يقولون زوجين دينار ودرهم أو درهم ودينار قال أبو عمر تفسير الحسن جيد حسن قوله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير يريد هذا خير نلته وأدركته لعملك ونفقتك في سبيل الله

وفي حديث مالك في هذا الباب دليل على أن للجنة أبوابا وقد قيل إن للجنة ثمانية أبواب وأبواب جهنم سبعة أجارنا الله منها فأما أبواب جهنم ففي كتاب الله ما يكفي في ذلك المعنى قال الله عز وجل لها سبعة أبواب الحجر وأما أبواب الجنة فموجودة في السنة من نقل الآحاد العدول الأئمة وقد ذكرنا في التمهيد أحاديث كثيرة تشهد بما قلنا إن أبواب الجنة ثمانية منها حديث جبير بن نفير وربيعة بن يزيد عن أبي أدريس الخولاني جميعا عن عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول حين يفرغ من وضوئه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وحديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق بن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من رجل يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول عند فراغه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء قال أبو عمر من رواة هذا الحديث من يقول فيه ثمانية أبواب من الجنة وقد ذكرنا ذلك كله بأسانيده في التمهيد وذكر علي بن المديني قال حدثني بكر بن يزيد الطويل قال حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عمير بن هانئ قال حدثنا جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وبن أمته وكلمة ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء وقد قيل في قول الله عز وجل وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها بلا واو الزمر وقال في الجنة وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت

أبوابها بالواو الزمر إن هذه الواو تدعى واو الثمانية وذكروا من الشواهد على ما ذهبوا إليه من ذلك ما لا تقوم به حجة ذكروا قول الله عز وجل التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر التوبة فأدخل الواو في الصفة الثامنة دون غيرها ومنه قوله عز وجل سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم الكهف فدخلت الواو في الصفة الثامنة وهذا قد أنكره قوم من أهل العلم باللسان ولم يروا فيما نزع أولئك إليه من البيان والله أعلم وأما قوله الريان فهو فعلان من الري وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن للجنة بابا يدعى الريان لا يدخل منه إلا الصائمون وقد ذكرنا إسناده من طرق في التمهيد وفي الحديث أيضا فضل لأبي بكر الصديق كبير وشهادة بأن له من كل عمل من أعمال البر نصيبا رضي الله عنه باب إحراز من أسلم من أهل الذمة أرضه م قال يحيى سئل مالك عن إمام قبل الجزية من قوم فكانوا يعطونها أرأيت من أسلم منهم أتكون له أرضه أو تكون للمسلمين ويكون لهم ماله فقال مالك ذلك يختلف أما أهل الصلح فإن من أسلم منهم فهو أحق بأرضه وماله وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة فمن أسلم منهم فإن أرضه وماله للمسلمين لأن أهل العنوة قد غلبوا على بلادهم وصارت فيئا للمسلمين وأما أهل الصلح فإنهم قد منعوا أموالهم وأنفسهم حتى صالحوا عليها فليس عليهم إلا ما صالحوا عليه قال أبو عمر ما ذكره مالك رحمه الله في هذا الباب عليه جماعة العلماء أن

من صالح على بلاده وما بيده من ماله عقار وغيره فهو له فإن أسلم أحرز له إسلامه أرضه وماله وأما أهل العنوة فإنهم وجميع أموالهم للمسلمين فإن أسلموا لن تكون لهم أرضهم لأنها لمن قاتل عليها وغلب أهلها فملك رقابهم وأموالهم قال الله عز وجل وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم الأحزاب وسنذكر اختلاف العلماء في قسمة الأرض المغلوبة عن عنوة في قصة خيبر في كتاب المساقاة إن شاء الله وما أعلم بلدا من البلاد التي افتتحها المسلمون بالإيجاف عليها والمقاتلة لها خرج عن هذه الجملة المذكورة إلا مكة حرسها الله فإن أهل العلم اختلفوا في قصة فتحها فقالت طائفة فتحت عنوة والفتحة الغلبة وممن قال ذلك الأوزاعي وأبو حنيفة وروي ذلك عن مالك وقال به أصحابه واحتج من ذهب إلى أنها فتحت عنوة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسله والمؤمنين وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة الحديث وذكروا أحاديث لا يثبتها أهل الحديث مثل قوله أترون أوباش قريش إذا لقيتموهم فاحصدوهم حصدا قالوا وهذا لو صح كان فيه ما يدل على أنها دخلت عنوة وقد أجمعوا على أنها لم يجز فيها من حكم العنوة ولم يقتل فيها إلا من استثناه عليه السلام وأمر بقتله ولم يسب فيها ذرية ولا عيالا ولا مالا وإن أهلها بقوا إذ أسلموا على ما كان بأيديهم من دار وعقار وليس هذا حكم العنوة بإجماع وقال أبو عبيد افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ومن على أهلها وردهم إليها ولم يقسمها ولم يجعل شيئا منها غنيمة ولا فيئا قال فرأي بعض الناس أن ذلك جائز له وللأئمة بعده قال أبو عبيد والذي أقول إن ذلك كان جائزا له في مكة وليس ذلك جائز

لغيره في غيرها ومكة لا يشبهها شيء من البلاد لأن الله تعالى خص رسوله من الأنفال بما لم يخص به غيره فقال قل الأنفال لله والرسول قال أبو عمر قول أبي عبيد ضعيف وهذه الآية لم يختلفوا أن قوله عز وجل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الأنفال نزلت بعد قوله قل الأنفال لله والرسول الأنفال وقد ذكرنا هذا المعنى مجودا في هذا الكتاب والحمد لله وقال أبو يوسف عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة وأهلها وقال من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل الكعبة فهو آمن ونهى عن القتل إلا نفرا سماهم وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد اذهبوا فأنتم الطلقاء ولم يجعل شيئا منها فيئا ولم يسب من أهلها أحدا وقال الشافعي لم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة وإنما دخلها صلحا وقال أصحابه أراد بقوله صلحا أي فعل فيها فعلة فيمن صالحه فملكه نفسه وماله وأرضه ودياره وذلك لأنه لم يدخلها إلا بعد أن أمن أهلها كلهم إلا الذين أمر بقتلهم قال أبو عمر ذكر بن إسحاق وجماعة من أهل السير معنى ما أجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ في سفره عام الفتح مر الظهران نزل بها وكان العباس قد أتاه بأهله وعياله بالجحفة مهاجرا إليه فأمر بالعيال إلى المدينة وبقي هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ركب العباس بغلته ونهض يرتقب ويستمع خبرا من مكة أو مارا إليها وذلك في الليل فسمع صوت أبي سفيان يخاطب رفيقه فقال أبو حنظلة فعرفه أبو سفيان فقال أبو الفضل ثم اجتمعا فأتى به النبي عليه السلام فأراد عمر قتله فاعترضه العباس وأمره النبي عليه السلام أن يحمله مع نفسه ويأتيه به غدوة فأتى به صبيحة تلك الليلة فأسلم وبايع النبي عليه السلام أن يلزمه بشيء فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ولم ير إفراده في ذلك فأمر مناديا فنادى ومن دخل داره فهو آمن ومن أغلق على نفسه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن

وعهد إلى أمرائه من المسلمين إذا دخلوا مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم إلا نفرا سماهم فنهض بهذا الأمان إلى مكة أبو سفيان ونادى به فهذا الأمان قد حصل لأهل مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران فأين العنوة ها هنا مع الأمان الحاقن للدم والمال لأن المال تبع للنفس ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وطاف بها ثم خطب خطبة محفوظة أسقط فيها كل دم ومأثرة ونهى عن تعظيم الآباء والتفاخر بهم وقال كلكم بنو آدم وآدم من تراب ثم قال يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم قالوا خير أخ كريم وبن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء ثم جلس حينا في المسجد فقضى أمورا مذكورة في السير أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن آدم حدثنا بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان بن حرب فأسلم بمر الظهران فقال له العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فلو جعلت له شيئا فقال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن قال أبو داود حدثنا محمد بن عمرو الرازي قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن بن عباس قال لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران فذكر الحديث في خبر إسلام أبي سفيان ومجيء العباس به للنبي صلى الله عليه وسلم على نحو ما في السير وفي آخر الحديث قلت يا رسول الله إن أبا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن قال فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد قال أبو داود وحدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا سلام بن مسكين قال حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة أن رسول الله لما دخل مكة سرح الزبير بن العوام وأبا عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد على الخيل ثم قال يا أبا هريرة اهتف بالأنصار قال اسلكوا هذا الطريق فلا يشرفن لكم أحد

إلا أمنتموه فنادى مناد لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل داره فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فعمد صناديد قريش فدخلوا الكعبة فغص بهم وطاف النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلف المقام ثم أخذ بجنبتي الباب فخرجوا فبايعوا النبي عليه السلام على الإسلام قال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل سأله رجل قال مكة عنوة هي قال إيش يضرك ما كانت قال فصلح قال لا قال أبو عمر من حديث أبي هريرة شرع الطائفتان من قال إن مكة دخلت عنوة لأمره الزبير وأبا عبيدة وخالدا بقتل قريش بعد دخول مكة ومن شرع من قال لم يدخل عنوة لأن فيه النداء بالأمان في ذلك الوقت ولم تختلف الآثار ولا اختلف العلماء في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن أهل مكة كل من دخل داره أو المسجد أو دار أبي سفيان أو ألقى السلاح وقد اختلفت الآثار في وقت الأمان فمن قال إن ذلك كان بمر الظهران كان أصح وأولى ممن قال إن ذلك كان بعد دخوله مكة لأنه معلوم أن من شهد ما في حديث بن عباس من تأمين أهل مكة في حين إسلام أبي سفيان فقد شهد بزيادة على ما في حديث أبي هريرة لأن من تقدم أمانه لا ينكر أن يعاد عليه الذكر بذلك عند دخوله مكة ومعنى إرساله الزبير وأبا عبيدة وخالدا قد ظهر في الحديث الآخر لأنه أمر أمراءه أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم إلا من استثنى لهم فهذا تهذيب الأمان في ذلك والله أعلم وعلى هذا تتفق معانيها في أن مكة بلدة مؤمنة ولم يكن فيها شيء من أقوام له لعشرة ولم يكن فيها شيء من الصلح إلا أن يحصل أمرها كان لأنها صالحت لملك أهلها أنفسهم وذراريهم وأموالهم وهذا أشبه بحكم الصلح منه بحكم العنوة أخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن الصباح قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثنا إبراهيم بن عقيل بن معقل عن ابيه عن وهب بن منبه قال سألت جابرا هل غنموا يوم الفتح شيئا قال لا واختلف الفقهاء في الحربي المستأمن يسلم وله في دار الحرب مال وعقار

فقال مالك والليث وأبو حنيفة وأصحابهم إذا أتى الحربي طالبا للأمان فأعطاه ذلك الإمام وله في دار الحرب أموال ودور وامرأة حامل وأولاد صغار وكبار فأسلم ثم ظفر المسلمون على تلك الدار أن ذلك كله إذا أسلم الحربي في بلده ثم خرج إلينا مسلما فإن أولاده الصغار أحرار ومسلمون وما أودعه مسلما أو ذميا فهو له وما أودعه حربي وسائر ماله هناك فيء فرقوا بين إسلامه قبل خروجه وبين إسلامه بعد خروجه لاختلاف حكم الدار عنده وقال الشافعي من خرج إلينا منهم مسلما أحرز ماله حيث كان وصغار ولده وهو قول الطبري ولم يفرق مالك والشافعي بين إسلامه في دار الكفر أو دار الإسلام وقال الأوزاعي يرد إليه أهله وعياله وذلك فيء ولم يفرق بين ملك في الدارين واختلف العلماء في بيع أرض مكة وكرائها ودورها فكان مالك يكره بيوت مكة وقال كان عمر ينزع أبواب مكة وكان أبو حنيفة لا يرى بأسا ببيع بناء بيوت مكة وكره بيع أرضها وكره كراء بيوتها في الموسم ومن الرجل يعتمر ثم يرجع فأما المعتمر فلا يرى بأخذ الكراء منه بأسا قال محمد وبه نأخذ قال الشافعي أرض مكة وبيوتها وديارها لأربابها ما بين بيعها وكرائها وهو قول طاوس وعمل بن الزبير واحتج الشافعي بحديث أسامة بن زيد أنه قال يا رسول الله أنزل دارك بمكة فقال وهل ترك لنا عقيل من رباع وكان قد باعها فأضاف الملك إليه وإلى من ابتاعها منه وقد أضاف الله عز وجل الديار إليهم بقوله عز وجل المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم الحشر وقال الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله الحج وكره عطاء كراء بيوت مكة وقال إسحاق بيع دور مكة وشراؤها وإجارتها مكروهة ثم قال شراؤها واستئجارها أهون من بيعها وإجارتها

قال أبو عمر هذا ضعيف من القول لأن المشتري والبائع متبايعان فما كره البائع ينبغي أن يكره المشتري وهذا نحو من كره بيع المصحف وأجاز شراءه وقد كره في هذا الباب حديث من حديث بن عمر لا يصح عند أهل العلم بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها وكان أحمد بن حنبل يعجبه أن يتوقى الكراء في الموسم ولا يرى بالشراء بأسا قال وقد اشترى عمر بن الخطاب دار السجن بأربعة آلاف قال أبو عمر تبايع أهل مكة لديارهم قديما وحديثا أشهر وأظهر من أن يحتاج فيه إلى ذكر وقد ذكر كثيرا من ذلك الهجيني والخزاعي وغيرهما في أخبار مكة والحمد لله باب الدفن في قبر واحد من ضرورة وإنفاذ أبي بكر رضي الله عنه عدة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة قال مالك لا بأس أن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد من ضرورة ويجعل الأكبر مما يلي القبلة قال أبو عمر هكذا هذا الحديث في الموطأ لم يختلف الرواة فيه وهو متصل معناه من وجوه صحاح

وأما عمرو بن الجموح فهو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام وأما عبد الله بن عمرو فهو عبد الله بن عمرو بن حرام وكلاهما من بني سلمة من الأنصار وقد ذكرت نسبها في كتاب الصحابة فلا خلاف بين أهل السير والآثار والعلم بالخبر أنهما قتلا يوم أحد وأنهما دفنا في قبر واحد وكانا صهرين وكانت السيرة باتفاق من الآثار والعلماء بالسير والأخبار في قتلى أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتد عليهم الحفر ككل إنسان وكانوا قد مسهم القرح قال لهم احفروا وأعمقوا ووسعوا وادفنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآنا وقد ذكرنا الآثار بذلك في التمهيد وفي الحديث من الفقه أن دفن الرجلين والثلاثة في قبر لا يكون إلا من ضرورة كما قال مالك وإلا فالسنة المنقولة بنقل الكافة أن يدفن كل واحد في قبر فإن كانت ضرورة كانت في أهل أحد أسوة حسنة فإن قدم في القبر إلى القبلة الأكبر فلا حرج وإن قدم الأكثر قرآنا فحسن والمعنى في ذلك من إمامته في الصلاة وقد أوضحنا ذلك في كتاب الصلاة وفيه أيضا دليل على تعليم السير والخبر والوقوف على آثار من مضى وفيه لا بأس باستخراج الموتى من قبورهم إن وجد إلى ذلك ضرورة فأريد به الخير وأن ذلك ليس في باب شيء من نبش وفيه أن الشهداء لا تأكل الأرض لحومهم وممكن أن يكون في قتلى أحد خاصة إلا أنه قد وردت آثار توجب دخول غيرهم معهم في ذلك وقد تدعى المشاهدة في مثل هذا والله أعلم وأما الأحاديث المتصلة في هذا الباب فحدثنا خلف بن قاسم بن سهل قال حدثنا بكر بن عبد الرحمن قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال حدثنا حسان بن غالب قال حدثنا بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال استصرخ

بنا إلى قتلانا يوم أحد وأجرى معاوية العين فاستخرجناهم بعد ست وأربعين سنة لينة أجسادهم تتثنى أطرافهم وحدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال لما أراد معاوية أن يجري العين بأحد نودي بالمدينة من كان له قتيل فليأت قتيله قال جابر فأتيناهم فأخرجناهم رطابا يتثنون فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فانفطرت دما قال أبو سعيد الخدري لا ننكر بعد هذا منكرا أبدا قال أبو عمر لا أدري من القائل قال أبو سعيد أجابر قاله أم أبو الزبير لأنه لم يجد لأبي سعيد في الإسناد ذكرا وقد روي أن الذي أصبت أصبعه دما كان حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن عمر بن معمر الجوهري قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا يحيى بن سليمان وحامد بن يحيى قالا حدثنا سفيان بن عيينة واللفظ ليحيى عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال لما أراد معاوية أن يجري العين التي إلى أحد أمر مناديا نادى بالمدينة من كان له قتيل فليخرج إليه وليباشر تحوله قال جابر فأتيناهم فأخرجناهم من قبورهم رطابا يتثنون يعني شهداء أحد قال فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فانفطرت دما قال أبو سعيد لا أنكر بعد هذا منكر قال يحيى بن سليمان قال لنا سفيان بلغني أنه حمزة بن عبد المطلب وقد روي عن جابر بإسناد صحيح أنه أخرج أباه من قبره بعد ستة أشهر أو سبعة وهذا لا محالة وقت غير ذلك الوقت ومدة غير هذه المدة ولم يفعل ذلك جابر إلا أراده أن يكون في قبره واحدا وذلك بين في الحديث حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا

أحمد بن زهير قال حدثنا خالد بن حراش قال حدثنا غسان بن مضر قال حدثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله قال دعاني أبي وقد حضر أحدا فقال لي يا جابر إني لا أراني إلا أول مقتول يقتل غدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لن أدع أحدا أعز منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لك أخوات فاستوص لهن خيرا وإني علي دينا فاقضه عني قال فكان أول قتيل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فدفناه هو وآخر في قبر واحد وكان في نفسي منه شيء فاستخرجته بعد ستة أشهر كيوم دفنته وروى هذا الحديث شعبة عن أبي مسلمة عن أبي نضرة عن جابر مثله سواء بمعناه إلا أنه قال بعد ستة أشهر أو سبعة وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة عن أبي نضرة عن جابر قال دفن مع أبي رجل وكان في نفسي من ذلك حاجة فأخرجته بعد ستة أشهر فما أنكرت منه شيئا إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض وفي هذا الباب مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال قدم على أبي بكر الصديق مال من البحرين فقال من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي أو عدة فليأتني فجاءه جابر بن عبد الله فحفن له ثلاث حفنات قال أبو عمر هذا الحديث لم يختلف عن مالك في انقطاعه وهو حديث متصل من وجوه صحاح عن جابر رواه عنه جماعة منهم أبو جعفر محمد بن علي ومحمد بن المنكدر وعبد الله بن محمد بن عقيل وأبو الزبير والشعبي وقد ذكرنا كثيرا من طرقه في التمهيد

من أحسنها ما حدثناه خلف بن قاسم الحافظ قال حدثنا أحمد أبو الحسين بن جعفر الزيات قال حدثنا يوسف بن يزيد القراطيسي قال حدثنا حجاج بن إبراهيم قال حدثنا سفيان بن عيينة عن بن المنكدر قال سمعت جابر بن عبد الله قال سفيان وحدثنا عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله يزيد أحدهما على الآخر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قد جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا وقال بيديه جميعا فما قدم مال من البحرين حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدم مال من البحرين قال أبو بكر من كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتنا قال جابر فأتيت أبا بكر فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدني إذا قدم مال من البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا قال فحثى لي أبو بكر حثية ثم قال لي عدها فإذا هي خمس مائة قال خذ مثلها مرتين وزاد فيه بن المنكدر ثم أتيت أبا بكر بعد ذلك فردني فسألته فردني فقلت في الثالثة سألتك مرتين فلم تعطني فقال إنك لم تأتني مرة إلا وأنا أريد أعطيك وأي داء أدوى من البخل وفي هذا من الفقه أن العدة واجب الوفاء بها وجوب سنة وذلك من أخلاق أهل الإيمان وقد جاء في الأثر أي المؤمن واجب أي واجب في أخلاق المؤمنين وإنما قلنا إن ذلك ليس بواجب فرضا لإجماع الجميع من الفقهاء على أن من وعد بمال ما كان لم يضرب به مع الغرماء كذلك قلنا إيجاب الوفاء به حسن في المروءة ولا يقضى به ولا أعلم خلافا أن ذلك مستحسن يستحق صاحبه الحمد والشكر والمدح على الوفاء به ويستحق على الخلف في ذلك الذم وقد أثنى الله عز وجل على من صدق وعده ووفى بنذره وكفى بهذا مدحا وبما خالفه ذما والوأي العدة ولما كان هذا من مكارم الأخلاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بها وأنذرهم إليها وكان أبو بكر خليفته أدى ذلك عنه وقام مقامه من الموضع الذي كان

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيمها منه ولذلك لم يسأل أبو بكر الصديق البينة على ما ادعاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم من العدة لأن تلك العدة لم تكن شيئا أداه جابر في ذمة رسول الله وإنما ادعى شيئا في بيت المال وإنما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام واختلف الفقهاء في ما يلزم من العدة وما لا يلزم منها وكذلك اختلفوا في تأخير الدين الحال هل يلزم أم لا يلزم وهو من هذا الباب فقال مالك وأصحابه من أقرض رجلا مالا دنانير أو دراهم أو شيئا مما يكال أو يوزن أو غير ذلك إلى أجل ثم طاع له فأخرجه إلى الأجل ثم أراد الانصراف في ذلك وأراده قبل الأجل لم يكن ذلك له لأن هذا مما يتقرب به إلى الله عز وجل وهو من باب الحسبة والصدقة التي لا يجوز الرجوع فيها قال أبو عمر من الحجة لمالك رحمه الله عموم قوله تعالى و أوفوا بالعقود المائدة وقوله عليه السلام كل معروف صدقة وأجمعوا أنه لا يتصرف في الصدقات فكذلك سائر الهبات قال مالك وأما العدة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له نعم ثم يبدو له أن لا يفعل فما أرى ذلك يلزمه قال مالك ولو كان ذلك في قضاء دين فسأله أن يقضيه عنه قال نعم وثم رجال يشهدون عليه فما أحراه أن يلزمه إذا شهد عليه اثنان وفي سماع عيسى قلت لابن القاسم إن باع رجل سلعة من رجل ثم قال له قبل البيع بع ولا نقصان عليك قال إذا يلزمه ذلك إن باع بنقصان وهو قول مالك قال عيسى قلت له رجل اشترى من رجل سلعة ونقده الثمن ثم جاءه يستوضعه فقال له اذهب بع ولا نقصان عليك قال لا بأس بهذا نقده أو لم ينقده إلا أن يقول له انقدني وبع ولا نقصان عليك فهو الأخير فيه قال قلت لم ذلك قال لأنه يكون فيه عيوب وخصوم حر وقال بن القاسم إذا وعد الغرماء فقال أشهدكم أني قد وهبت لهذا من أين يؤدى إليكم فإن هذا يلزمه وإما أن يقول نعم أنا أقبل ثم يبدو له فلا أرى ذلك عليه قال أبو بكر بن اللباد أخبرنا يحيى بن عمر عن أبي إسحاق البرقي قال

سمعت أشهب يقول في رجل له ابنة بكر فقال لرجل إن طلقت زوجتك ثلاثا فأنا أزوجك ابنتي فقال الرجل اشهدوا أني قد طلقت زوجتي ثلاثا فبدا لأبي الجارية أن يزوجها منه فقال أشهب فوعده ما خلفه ولا يلزمه أن يزوجه قال أشهب ولكن لو قال أبو الجارية إن طلقت امرأتك ثلاثا فقد زوجتك ابنتي فقال الرجل اشهدوا أني قد طلقت امرأتي ثلاثا فبدا لأبي الجارية أن يزوجه أن النكاح لازم له ويقال للرجل قد قيد أوجب لك النكاح إن أنت فرضت لها صداق مثلها ففرق أشهب بين قول الأب أنا أزوجك وقد زوجتك وجعل قوله أنا أزوجك عدة منه إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل وجعل قوله قد زوجتك واجبا ليس له فيه رجوع وإذا فرض للجارية صداق مثلها وقال سحنون اختلف أصحابنا في رجوع العدة وهو الذي عليه أكثرهم وهو الذي يلزمه من العدة في السلف والعارية أن يقول للرجل اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبنيها به أو أخرج إلى الحج وأنا أسلفك ما يبلغك أو اشتر سلعة كذا أو تزوج وأنا أسلفك ثمن السلعة وصداق المرأة وما أشبه ذلك مما يدخله فيه وينشبه به فهذا كله يلزمه قال وإما أن يقول أنا أسلفك وأنا أعطيك بغير شيء يلزم المأمور نفسه فإن هذا لا يلزمه منه شيء قال أصبغ العدة إذا لم تكن في نفس البيع وكانت بعد فهي موضعة عين المشتري وتلزم البائع وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي وعبيد الله بن الحسن وسائر الفقهاء أما العدة فلا يلزمه منها شيء لأنها منافع لم يقبضها في العارية لأنها طارئة وهي بغير العارية هي أشخاص وأعيان موهوبة لم تقبض فلصاحبها الرجوع فيها وأما القرض فقال أبو حنيفة وأصحابه وسواء كان القرض إلى أجل أو إلى غير أجل له أن يأخذه متى أحب وكذلك العارية وما كان مثل ذلك كله ولا يجوز تأخير القرض البتة بحال ويجوز عندهم تأخير المغصوب وقيم المستهلكات إلا زفر فإنه قال لا يجوز التأجيل في القرض ولا في الغصب واضطرب قول أبي يوسف في هذا الباب وقال الشافعي إذا أخره بدين حال فله أن يرجع فيه متى شاء سواء كان من

قرض أو غير قرض أو من أي وجه كان فكذلك العارية وغيرها لأن ذلك من باب العدة والهبة غير المقبوضة وهبة ما لم يخلق قال أبو عمر في هذا الحديث أيضا دليل على أن يقضي الإنسان عن غيره بغير إذنه فيبرأ وأن الميت يسقط ما كان عليه بقضاء من قضى عنه وذكر أهل السير أن النبي عليه السلام كان قد وعد عمرو بن العاص حين بعثه إلى المنذر بن ساوى أن يستعمله على صدقة سعد هديم فلما قدم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله عليها أبو بكر إنفاذا لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا يحيى بن يوسف الأشعري قال حدثنا أحمد بن يوسف المكي قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن محمد الترمذي قال حدثنا محمد بن عيسى بن سورة أبو عيسى الترمذي قال حدثنا واصل بن عبد الأعلى الكندي قال حدثنا محمد بن فضيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي جحيفة قال أمر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة عشر قلوصا فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئا فلما قام أبو بكر قال من كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليجئ فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها قال أبو عمر هو غريب ليس له غير هذا الإسناد تم كتاب الجهاد والحمد لله رب العالمين

كتاب النذور والأيمان بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وسلم باب ما يجب من النذور في المشي مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها نذر ولم تقضه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقضه عنها كذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته فيما علمت ورواه حماد بن خالد عن مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس أن سعدا قال يا رسول الله أينفع أمي أن أتصدق عنها وقد ماتت قال نعم قال فما تأمرني قال أسق الماء ذكره الدارقطني عن عبد العزيز بن محمد بن الواثق بالله عن البغوي الصحيح في هذا الحديث ذكر النذر

وحماد بن خالد ثقة إلا أنه كان أميا قال أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني لم يرو هذا الحديث هكذا عن حماد بن خالد إلا شجاع بن مخلد قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد كثيرا من أسانيد هذا الحديث ومن هذا الباب مع ترجمته مع حديث بن عباس هذا يخرج الحي عن الميت متطوعا عنه أو مستأجرا عليه واختلف أهل العلم في النذر الذي كان على سعد بن عبادة فقال قوم كان صياما واستدلوا على ذلك بحديث الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها صوم يوم أفأصوم عنها قال نعم قال أبو عمر لا يصح أن يجعل حديث الأعمش هذا مفسرا لحديث الزهري لأنه قد اختلف فيه عن الأعمش فقال فيه عنه قوم بإسناده أن امرأة جاءت إلى رسول الله فقالت إن أمي ماتت وعليها صيام وهذا يدل على أنه ليس السائل عن ذلك سعد بن عبادة وقد كان بن عباس يفتي بأن لا يصوم أحد عن أحد ذكره السدي عن محمد بن عبد الأعلى عن يزيد بن زريع عن حجاج الأحول عن أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن بن عباس وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء فيمن مات وعليه صيام هل يصوم عنه وليه في باب الصيام والحمد لله وذكرنا الاختلاف عن بن عباس في هذه المسألة هناك وقال بعض أهل العلم إن النذر الذي كان على أم سعد بن عبادة كان عتقا وكل ما كان في مال الإنسان واجبا فجائز أن يؤديه عنه غيره إن شاء

واستدلوا على ذلك بحديث القاسم بن محمد أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله إن أمي ماتت فهل ينفعها أن أعتق عنها قال نعم قالوا وهذا يفسر النذر المجمل الذي ذكره بن عباس في حديث بن شهاب أن أم سعد بن عبادة نذرته وقال آخرون كان النذر على أم سعد بن عبادة صدقة واستدلوا على ذلك بحديث مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده أن سعد بن عبادة خرج في بعض المغازي فحضرت أمه الوفاة فقيل لها أوصي قالت فيم أوصي وإنما المال مال سعد وتوفيت قبل أن يقدم سعد فلما قدم ذكر ذلك له فقال سعد يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال سعد حائط كذا صدقة عنها لحائط سماه قال أبو عمر ليس في هذا دليل بين على أن النذر المذكور في حديث بن عباس هو هذا بل الظاهر في هذا الحديث أنه وصية والوصية غير النذر في ظاهر الأمر ولا خلاف بين العلماء في جواز صدقة الحي عن الميت نذرا أو غير نذر وقد ذكرنا في التمهيد حديث حميد عن أنس قال قال سعد بن عبادة يا رسول الله إن أم سعد ماتت تحت الصدقة أفينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وعليها بالماء وسيأتي القول في معنى هذا الحديث في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وقال آخرون في حديث بن عباس إن سعد بن عبادة قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقضه عنها قالوا بل كان ذلك نذرا مطلقا لا ذكر فيه لصيام ولا عتق ولا صدقة قالوا ومن جعل على نفسه نذرا فكفارته كفارة يمين عند أكثر العلماء روي ذلك عن عائشة وبن عباس وجابر بن عبد الله وجماعة من التابعين وروى الثوري عن أبي معشر عن سعيد بن جبير عن بن عمر أنه سئل عن النذر فقال أغلظ الأيمان فإن لم تجد فالتي تليها فإن لم تجد فالتي تليها فإن لم تجد فعدل الرقبة ثم الكسوة ثم الإطعام

وقد روي هذا عن بن عباس ذكره بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن سعيد بن جبير عن بن عباس في الرجل يحلف بالنذر أو الحرام فقال لم يأل أن يغلظ على نفسه بعتق رقبة أو بصوم شهرين أو بإطعام ستين مسكينا وذكر عن عبدة بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن بن عباس مثله وعن بن عيينة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس مثله وعن بن عيينة قال النذر إذا لم يسمه صاحبه فهي أغلظ الأيمان ولها أغلظ الكفارات وهو قول بن مسعود على اختلاف عنه وقد روي عنه عليه عتق رقبة وقال معمر عن قتادة اليمين المغلظة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وذكر بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن جبير عن بن عمر مثله وقال الشعبي إني لأعجب ممن يقول النذر يمين مغلظة ثم قال عليه إطعام عشرة مساكين وقاله الحسن وهو قول إبراهيم ومجاهد وعطاء وطاوس وجابر بن زيد وجماعة الفقهاء أهل الفتيا بالأمصار قال أبو عمر هذا أقل ما قيل في ذلك وهو الصحيح لأن الذمة أصلها البراءة إلا بيقين وقد قيل إن الأول في مثل هذا كالإجماع وقد روي في النذر المبهم كفارته كفارة يمين حديث مسند وهو أعلى ما روي في ذلك وأجل حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن إسماعيل بن رافع عن خالد بن يزيد عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نذر نذرا فلم يسمه فعليه كفارة يمين

وقد روي عن خالد بن زيد فيمن قال علي نذر أن سمى مشيا فهو ما سمى وإن نوى فهو ما نوى وإن لم يكن صام يوما أو صلى ركعتين واختلفوا في وجوب قضاء النذر عن الميت على وارثه فقال أهل الظاهر يقضيه عنه وليه الوارث هو واجب عليه صوما أو مالا وقال جمهور الفقهاء ليس ذلك على الوارث بواجب وإن فعل فقد أحسن إن كان صدقة عتقا واختلفوا في الصوم على ما مضى في كتاب الصيام واختلفوا أيضا إذا أوصى به فقالت طائفة من العلماء هو في ثلثه وقال آخرون كل واجب عليه في ثلثه وقال آخرون كل واجب عليه في حياته أوصى به فهو رأس وقد ذكرنا القائلين بذلك كله في غير هذا الموضع وأما حديث مالك في هذا الباب عن عبد الله بن أبي بكر عن عمته أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها قال يحيى وسمعت مالكا يقول لا يمشي أحد عن أحد قال أبو عمر لا خلاف عن مالك أنه لا يمشي أحد عن أحد ولا يصوم عنه وأعمال النذر كلها عنده كذلك قياسا على الصلاة والمجتمع عليها وقال بن القاسم أنكر مالك الأحاديث في المشي إلى قباء ولم يعرف المشي إلا إلى مكة خاصة قال أبو عمر لا يعرف مالك المشي إلا إلى مكة بمعنى أنه لا يعرف إيجاب المشي وإنما هذا في الحالف والناذر عنده وأما قوله في المتطوع فقد ذكرناه في كتاب الصلاة عند ذكر حديث بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا وذكرنا هناك آثارا تدل على إتيان مسجد قباء ترغيبا فيه وأن صلاة واحدة فيه

كعمرة ولم يختلف العلماء فيمن قال علي المشي إلى بيت المقدس أو إلى مسجد المدينة ولم ينو الصلاة في واحد من المسجدين وإنما أراد قصدهما لغير الصلاة أنه لا يلزمه الذهاب إليهما فنذر المشي إلى قباء بذلك أولى لأن الصلاة في المسجد الحرام أو مسجد النبي عليه السلام أو مسجد بيت المقدس أفضل من الصلاة بقباء بإجماع من العلماء واختلفوا إذا أراد الصلاة فيهما أو في أحدهما أو ذكر المسجد منهما فقال مالك إذا قال لله المشي علي إلى المدينة أو إلى بيت المقدس فلا شيء عليه إلا أن ينوي أن يصلي هناك بل يلزمه الذهاب إليهما راكبا إن شاء ولا يلزمه المشي إليهما قال أبو عمر قول مالك فيمن قال لله علي أن أمشي إلى المدينة أو إلى بيت المقدس أنه لا شيء عليه إلا أن ينوي الصلاة في مسجدهما يدل على أن قائلا لو قال علي المشي إلى قباء لم يلزمه شيء إلا أن يقول مسجد قباء أو ينوي الصلاة في مسجد قباء فإذا قال مسجد قباء أو نوى الصلاة في مسجد قباء فإذا قال مسجد قباء علم أنه للصلاة وكذلك إذا نوى ذلك فمن جعل الصلاة في مسجد قباء لها فضل الصلاة على غيرها أحب لنا بل أوفى بما فعل على نفسه ومن لم ير أعمال المصلي ولا المشي إلا إلى الثلاثة المساجد أمر من نذر الصلاة بهما أن يصلي في مسجده أو حيث شاء ومن قال لا مشي إلا إلى مكة لم يلتفت إلى غير ذلك وهو قول مالك في المشي وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من نذر المشي إلى مسجد النبي عليه السلام أو مسجد بيت المقدس لم يلزمه شيء

وقال الأوزاعي من نذر أن يمشي إلى بيت المقدس فليركب إن شاء وإن كانت امرأة فإن شاءت ركبت وإن شاءت تصدقت بشيء وقول مالك والشافعي أنه يمضي راكبا إلى بيت المقدس فيصلي فيه واختلفوا فيمن نذر أن يصوم أو يصلي في موضع يتقرب بإتيانه إلى الله عز وجل كالثغور ونحوها فقال مالك من نذر ذلك فإنه يقصد ذلك الموضع فيصوم فيه أو يصلي وإن كان من أهل مكة أو المدينة يعني ولا يلزمه المشي قال ولو قال لله علي أن أعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فاعتكف في مسجد القسطاط لم يجزه ذلك فقال الأوزاعي إذا جعل عليه صيام شهر بمكة لم يجزه في غيرها وإذا نذر صلاة في مكة لم يجزه في غيرها وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من نذر أن يصوم بمكة فصام بالكوفة أجزأه وقال زفر لا يجزئه إلا أن يصوم بمكة وقال أبو يوسف من نذر أن يصلي في المسجد الحرام فصلى في غيره لم يجزه وإن نذر أن يصلي ببيت المقدس فصلى في المسجد الحرام أجزأه وقال الشافعي من نذر أن يصلي بمكة لم يجزه أن يصلي بالمدينة ولا ببيت المقدس وإن نذر الصلاة بالمدينة أو ببيت المقدس جاز له أن يصلي بمكة ولم يجزه أن يصلي في غيرها من البلدان إلا الفاضل من المدينة أو بيت المقدس قال وإن نذر سوى هذه البلاد صلى حيث شاء قال وإن قال لله علي أن أنحر بمكة لم يجزه في غيرها وكذلك إن نذر أن ينحر بغيرها لم يجزه إلا في الموضع الذي نذر لأنه شيء أوجبه على نفسه لمساكين ذلك البلد وقال الليث بن سعد من نذر صياما في موضع فعليه أن يصوم في ذلك الموضع ومن نذر المشي إلى مسجد من المساجد مشي إلى ذلك المسجد قال أبو جعفر الطحاوي لم يوافق الليث على إيجاب المشي إلى سائر المساجد أحد من الفقهاء

وأما فتيا بن عباس المرأة التي جعلت على نفسها مشيا إلى قباء وماتت أن تمشي ابنتها عنها فقد تقدم في كتاب الصيام الاختلاف عن بن عباس في قضاء الولي عن وليه الميت ما كان واجبا عليه من صوم أو صدقة وما للعلماء في ذلك ما غنى عن إعادته ها هنا وأما الدليل على أن الصلاة في الموضع الفاضل تجزئ عن الصلاة في الموضع المقصود إليه بالصلاة فحديث جابر حدثناه عبد الله بن حماد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد قال أخبرنا حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رجلا قال يا رسول الله إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس قال صل ها هنا فأعاد عليه مرتين كل ذلك يقول صل ها هنا وأعاد عليه الثانية فقال شأنك إذا قال أبو عمر كل من ذهب إلى أن المسجد الحرام أفضل من مسجد النبي عليه السلام فعلى هذا يخرج جوابه بدليل هذا الحديث الذي ذكرناه وكذلك قول مالك ومن تبعه في تفضيل مسجد النبي عليه السلام على المسجد الحرام يجيء أيضا على مثل هذا أن يصلي في مسجد النبي عليه السلام ولا يذهب إلى المسجد الحرام وهذا لا نعلم أن أحدا قاله فيمن نذر المشي إلى مكة ليصلي في مسجدها أنه يجزئه الصلاة في مسجد النبي عليه السلام فدل ذلك على فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره وكذلك لم يوجب أحد المشي إلى المدينة على الأقدام وأوجبوه إلى مكة وذلك بين في فضل مشيه إلى مكة علي غيره وبالله التوفيق إلا أن الرواية عن مالك في كل موضع يتقرب فيه إلى الله عز وجل بالصوم والصلاة ألا يتعدى إلى غيره وإن فات أفضل بدليل الحديث المذكور ومن هذا الأصل جوابه فيمن نذر أن يعتكف في مسجد النبي عليه السلام فاعتكف في الفسطاط أن لا يجزئه

واحتج الطحاوي للكوفيين على زفر بأن قال القزبة في الصلاة دون الموضع فلا معنى لاعتبار الموضع ورد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الصلاة في مسجده والمسجد الحرام على ما سواهما من المساجد على من قال ذلك بصلاة الفريضة لا في النافلة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم صلاة أحدكم في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة قال أبو عمر لا معنى لقوله هذا لأنه معلوم أن من قصد بيت المقدس أو المسجد الحرام أو مسجد النبي عليه السلام لا تمتنع عليه الصلاة المكتوبة فيه بل القصد إليهما إلى المكتوبات وهو الغرض في قصد القاصد ونذر الناذر ولو قال قائل إن فضل النافلة تبع لفضل الفريضة وجعل قوله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من أفضل صلاة في سائر المساجد إلا المسجد الحرام عموما في النافلة والفريضة كان مذهبا إلا أن فيه نسخ قوله صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة لأن فضائله كانت تزيد في كل يوم لا تنقص وهذا من فضائله صلى الله عليه وسلم إلا أنه خبر لا يجوز عليه النسخ فقد بينا هذا في موضعه وذكرنا اختلاف العلماء في تفضيل المسجد الحرام على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الصلاة والحمد لله وأما حديث مالك عن عبد الله بن أبي حبيبة قال قلت لرجل وأنا حديث السن ما على الرجل أن يقول علي مشي إلى بيت الله ولم يقل علي نذر مشي فقال لي رجل هل لك أن أعطيك هذا الجرو لجرو قثاء في يده وتقول علي مشي إلى بيت الله قال فقلت نعم فقلته وأنا يومئذ حديث السن ثم مكثت حتى عقلت فقيل لي إن عليك مشيا فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك فقال لي عليك مشي فمشيت قال مالك وهذا الأمر عندنا

قال أبو عمر قول مالك وهذا الأمر عندنا خرج على أن قول القائل علي مشي إلى بيت الله أو علي نذر مشي إلى بيت الله نوى وهو مذهب بن عمر وطائفة من العلماء وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر في الرجل يقول علي المشي إلى الكعبة قال هذا نذر فليمش قال أبو عمر جعل بن عمر قوله علي المشي كقوله علي نذر مشي إلى الكعبة قال وحدثنا بن يزيد عن هشام بن عروة قال جعل رجل على نفسه المشي إلى بيت الله في شيء فسأل القاسم فقال يمشي إلى البيت قال وحدثني معتمر بن سليمان عن ليث عن أبي معشر عن يزيد بن إبراهيم التيمي قال إذا قال لله علي حجة أو قال علي حجة أو قال لله علي نذر أو قال علي نذر فذلك كله سواء قال أبو عمر هذا قول مالك وجماعة من العلماء إلا أن المعروف عن سعيد بن المسيب غير ما ذكره عنه عبد الله بن أبي حبيبة ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا حماد بن أبي خالد الخياط عن محمد بن هلال سمع سعيد بن المسيب يقول من قال علي المشي إلى بيت الله فليس بشيء إلا أن يقول علي نذر مشي إلى الكعبة وروى عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب مثله وعن بن القاسم بن محمد أنه سئل عن رجل جعل على نفسه المشي إلى بيت الله فقال القاسم أنذر قال لا قال فليكفر يمينا قال أبو عمر أظن سعيد بن المسيب جعل قول القائل علي المشي من باب الإخبار بالباطل لأن الله تعالى لم يوجب عليه مشيا في كتابه ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا قال نذر مشي كان قد أوجب على نفسه المشي فإن كان في طاعة لزمه الوفاء به لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه

فهم لا يرون في قول الرجل علي المشي شيئا حتى يقول نذرت أو علي نذر مشي أو علي لله المشي وذا على وجه الشكر لله وطلب البر والحمد فيما يرجو من الله فالنذر الواجب في الشريعة إيجاب المرء فعل البر على نفسه هذا حقيقة اللفظ عند العلماء قال أبو عمر في مسألة عبد الله بن أبي حبيبة ما ينكزه ويخالف ما فيه أكثر أهل العلم وذلك أنه نذر على مخاطرة والعبادات إنما تصح بالنيات لا بالمخاطرات وهذا لم يكن له نية ولا إرادة فيما جعل على نفسه فيلزم فكيف يلزمه ما لا يقصد عن طاعة ربه وفي حديث سعيد بن المسيب خلاف ما روى عنه غيره من الثقات قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فيمن جعل على نفسه المشي إلى مكة أنه لم يرد به الحج على نفسه حجا ولا عمرة قال أبو عمر إنما أدخل مالك حديث بن أبي حبيبة هذا لأن فيه إيجاب المشي دون ذكر النظر وقد روي عن مالك أن بن أبي حبيبة كان يومئذ قد احتلم وقوله ثم مكثت حتى عقلت يريد حتى علمت ما يجب علي لا أنه كان صغيرا لا تلزمه العبادات وعلى هذا يجري قول مالك الصغير لا يلزمه حق لله تعالى في بدنه باب ما جاء فيمن نذر المشي إلى بيت الله قال أبو عمر هكذا ترجمة هذا الباب في الموطأ وفي معناه فيمن نذر المشي فمشى ثم عجز ذكر فيه مالك عن عروة بن أذينة الليثي أنه قال خرجت مع جدة لي عليها مشي إلى بيت الله حتى إذا كنا ببعض الطريق عجزت فأرسلت مولى لها يسأل عبد الله بن عمر فخرجت معه فسأل عبد الله بن عمر فقال له عبد الله بن عمر مرها فلتركب ثم لتمش من حيث عجزت

قال مالك ونرى عليها مع ذلك الهدي قال أبو عمر ليس لعروة بن أذينة في الموطأ سوى هذا الخبر وهو عروة بن أذينة وأذينة لقب واسمه يحيى بن مالك بن الحارث بن عمر الليثي من بني ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة قال كان شاعرا رقيق الشعر غزلا وكان مع ذلك صاحب فقه خيرا عندهم وروى عنه مالك وعبد الله بن عمر ولجده مالك بن الحارث رواية عن علي بن أبي طالب ويروى عروة بن أبي عامر مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن كانا يقولان مثل قول عبد الله بن عمر قال أبو عمر روى عطاء عن بن عمر خلاف رواية مالك عنه في حديث عروة بن أذينة ورواية عطاء أصح عند أهل العلم بالحديث ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء أن امرأة جاءت بن عمر فقالت له نذرت إلى الله أن أمشي إلى مكة فلم أستطع فقال فامشي ما استطعت واركبي ثم اذبحي وتصدقي إذا وصلت مكة فأمرها بالهدي ولم يأمرها بأن تمشي ما ركبت وذكر مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد أنه قال كان علي مشي فأصابتني خاصرة فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبي رباح وغيره فقالوا عليك هدي فلما قدمت المدينة سألت علماءها فأمروني أن أمشي مرة أخرى من حيث عجزت فمشيت قال أبو عمر فيما ذكره مالك ما يوضح لك أن فتوى أهل مكة بالهدي بدلا من المشي وفتوى أهل المدينة بالمشي من حيث عجز من غير هدي وأجمع مالك عليه الأمرين جميعا احتياطا لموضع تعديه المشي الذي كان يلزمه في سفر واحد وجعله في سفرين قياسا على المتمتع والقارن والله أعلم فخالف بذلك الطائفتين معا إلا أنه قد روي مثل قول مالك عن طائفة من السلف

ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن بن عباس أن رجلا نذر أن يمشي إلى مكة فإذا أعيا ركب فإذا كان عام قابل مشى ما ركب وركب ما مشى وأهدى بدنة قال أبو عمر كان نذره حجا فلذلك قال له فإذا كان عام قابل ولو كان في عمرة لم يؤخره إلى قابل لأن العمرة تقضى في كل السنة إلا في أيام عمل الحج ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أنه سئل عن رجل يمشي إلى الكعبة فمشى نصف الطريق وركب نصفا فقال عامر قال بن عباس يركب ما مشى ويمشي ما ركب من قابل ويهدي بدنة وخالف عبد الله بن الزبير في هذه المسألة عبد الله بن عباس فلم يوجب الهدي كقول سلف أهل المدينة ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا يعلى بن عبيد عن الأجلح عن عمرو بن سعيد البجلي قال كنت تحت ممشى بن الزبير وهو عليه فجاء رجل فقال يا أمير المؤمنين إني نذرت أن أحج ماشيا فمشيت حتى إذا كان موضع كذا خشيت أن يفوتني الحج فركبت فقال بن الزبير ارجع عام قابل فاركب ما مشيت وامش ما ركبت وروي عن إبراهيم النخعي والحسن البصري عن كل واحد منهما روايتان إحداهما مثل قول بن عباس والأخرى مثل قول بن عمر وبن الزبير وعن الحسن رواية ثالثة كقول عطاء ذكرها بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن هشام عن الحسن في رجل نذر أن يحج ماشيا قال يمشي فإذا انقطع ركب وأهدى فالثلاثة الأقوال مشهورة عن علماء السلف محفوظة أحدها يعود ويمشي من حيث ركب ولا هدي والثاني يهدي ولا يعود إلى المشي والثالث أن يعود فيمشي ثم يهدي روي هذا عن بن عباس من طريق ثابت وروي عن علي أيضا من وجه فيه ضعف وقد روي عن علي قول رابع فيمن نذر المشي إلى الكعبة في حج أو عمرة أنه يخير إن شاء مشى وإن شاء ركب وأهدى

رواه قتادة عن الحسن عن علي والحكم بن عيينه عن إبراهيم عن علي وروى موسى بن عبيدة عن يزيد بن قسيط مثله قال الشافعي من نذر المشي إلى بيت الله لزمه إن قدر على المشي فإن لم يقدر ركب وأهراق دما احتياطا من قبل أنه إذا لم يطق شيئا سقط عنه وهو قول مالك في الهدي الواجب عنده في هذا الباب بدنة أو بقرة فإن لم يجد أهدى شاة هذا قوله في الموطأ وغيره وقال أبو حنيفة وأصحابه من حلف بالمشي إلى بيت الله أو إلى مكة ثم حنث إنه يمشي وعليه حجة أو عمرة فإن ركب في ذلك أجزأه وعليه دم وأجازوا له الركوب وإن لم يعجز عن المشي مع الدم وفي هذا الباب سئل عن الرجل يقول للرجل أنا أحملك إلى بيت الله فقال مالك إن نوى أن يحمله على رقبته يريد بذلك المشقة وتعب نفسه فليس ذلك عليه وليمش على رجليه وليهد وإن لم يكن نوى شيئا فليحجج وليركب وليحجج بذلك الرجل معه وذلك أنه قال أنا أحملك إلى بيت الله فإن أبى أن يحج معه فليس عليه شيء وقد قضى ما عليه قال أبو عمر السنة الثابتة في هذا الباب داله على طرح المشقة فيه عن كل متقرب إلى الله بشيء منه أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مخلد بن خالد قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب أخبره أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر الجهني قال نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لتمش يعني ما قدرت ولتركب ولا شيء عليها

قال أبو عمر لم يأمرها صلى الله عليه وسلم بهدي ولم يلزمها ما عجزت عنه ولم تقدر عليه حدثنا عبد الله قال أخبرنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام عن قتادة عن عكرمة عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أخت عقبة بن عامر نذرت أن تحج ماشية قال إن الله تعالى لغني عن نذرها مرها أن تركب قال أبو داود وهكذا رواه سعيد بن أبي عروبة وخالد الحذاء عن عكرمة ورواه همام عن قتادة ولم يذكر فيه فلتركب ولتهد وليس همام بحجة فيما خالفه فيه هشام عن قتادة وأخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا شيخه قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأعور ومحمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن زحر عن أبي سعيد الرعيني عن عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر قال نذرت أختي أن تمشي حاجة إلى بيت الله غير مختمرة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال مر أختك فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام قال أبو عمر يحتمل أن يكون حلفت مع نذرها وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرها فأمرها بالصيام في كفارة يمينها وذلك بالموطأ في حديث بن عباس أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حجاج بن أبي يعقوب قال حدثنا أبو النضر قال حدثنا شريك عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كريب عن بن عباس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أختي نذرت أن تحج ماشية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا فلتحج راكبة ولتكفر عن يمينها وأخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن سعيد

وحدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون قالا حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يهادي بين ابنيه فسأل عنه فقالوا نذر أن يمشي فقال إن الله تعالى لغني عن تعذيب هذا نفسه وأمره أن يركب زاد يزيد بن هارون فركب ولم يذكر واحد منهما هديا ولا صوما وروى هذا الحديث عمران القطان عن حميد عن أنس قال نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إن الله تعالى لغني عن مشيها مرها فلتركب ولم يذكر هديا ولا صوما والقول قول يحيى القطان ويزيد بن هارون عن حميد في هذا الحديث والله أعلم وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم في الرجل يقول للرجل أنا أحملك على أشفار عينيه قال يحج ويهدي بدنة وهذا نحو قول مالك وإنما أوجب أهل العلم في هذا الباب الهدي دون الصدقة والصوم وغيرها من أفعال البر والله أعلم لأن المشي لا يكون إلا في حج أو عمرة والقربات بمكة أفضلها إراقة دماء الهدايا في ذلك الوقت بمنى وبمكة إحسانا إلى مساكين الحرم ومن حضر من فقراء المسلمين والله أعلم وأما قول مالك عن الرجل يحلف بنذور مسماة مشيا إلى بيت الله أن لا يكلم أخاه أو أباه بكذا وكذا نذرا لشيء لا يقوى عليه ولو تكلف ذلك كل عام لعرف أنه لا يبلغ عمره ما جعل على نفسه من ذلك فقيل له هل يجزيه من ذلك نذر واحد أو نذور مسماة فقال مالك ما أعلمه يجزئه من ذلك إلا الوفاء بما جعل على نفسه فليمش ما قدر

عليه من الزمان وليتقرب إلى الله تعالى بما استطاع من الخير قال أبو عمر لم يذكر هنا هديا لأنه قد سقط عنه ما لم يقدر عليه ويحتمل أن يكون قوله ويتقرب إلى الله بما استطاع من الخير الهدي فهو أصله في هذا الباب ويحتمل سائر نوافل الخير والله أعلم وبالله التوفيق باب العمل في المشي إلى الكعبة ذكر فيه مالك أن أحسن ما سمعت من أهل العلم في الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله أو المرأة فيحنث أو تحنث أنه إن مشى الحالف منهما في عمرة فإنه يمشي حتى يسعى بين الصفا والمروة فإذا سعى فقد فرغ وأنه إن جعل على نفسه مشيا في الحج فإنه يمشي حتى يأتي مكة ثم يمشي حتى يفرغ من المناسك كلها ولا يزال ماشيا حتى يفيض قال مالك ولا يكون مشي إلا في حج أو عمرة قال أبو عمر أما قوله أنه سمع أهل العلم في الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله فهذا مذهبه ومذهب من سمع منه في التسوية بين الحالف بالمشي إلى الكعبة وبين الناذر وفي قوله أحسن ما سمعت بيان أنه سمع الخلاف في ذلك وأما الناذر فقد مضى الخلاف فيه ولا خلاف بين العلماء أن النذر الطاعة يلزم صاحبة الوفاء به ولا كفارة فيه وأما الحالف إلى مكة أو إلى بيت المقدس فنذكر الخلاف هنا بعون الله وفضله إن شاء الله وأما قوله في الحالف بالمشي وهو يريد الحج أنه يمشي يعني من موضعه حتى يأتي مكة ثم يقضي المناسك كلها فعلى هذا أكثر أهل العلم في الناذر دون الحالف ويأتي القول في الحالف بالمشي إلى الكعبة فيما بعد إن شاء الله ويروى عن بن عباس وعطاء بن أبي رباح أنهما قالا من جعل على نفسه المشي إلى بيت الله ركب من بلده فإذا جاء الحرم نزل إلى أن يطوف طواف

الإفاضة إن كان حاجا وإن كان معتمرا حتى يسعى بين الصفا والمروة وقد روي عن عطاء أنه يركب حتى يأتي الميقات يعني ميقات بلده ثم يمشي إلى أن يتم حجه أو عمرته وقال الحسن يمشي من الأرض التي يكون فيها وروي عن مجاهد مثله وقاله بن جريج وجماعة فقهاء الأمصار وأما قوله في المشي لا يكون إلا بحج أو عمرة فإن مكة لا تدخل إلا بإحرام وأقل الإحرام عمرة وقد شذ بن شهاب فأجاز دخولها بغير إحرام وسنذكر هذه المسألة في موضعها من كتاب الحج إن شاء الله وأما اختلاف العلماء في الحالف في المشي إلى مكة وإلى البيت الحرام فمذهب أبي حنيفة في ذلك كالمشهور من حديث مالك قال أبو حنيفة وأصحابه من حلف بالمشي إلى بيت الله أو إلى مكة أو إلى الكعبة فإنه يمشي وعليه حجة أو عمرة فإن ركب في ذلك أجزأه وعليه دم قال ولو حلف بالخروج أو الذهاب إلى الكعبة أو حلف بالمشي إلى الحرم أو الصفا والمروة ثم حلق لم يكن عليه شيء في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد حلفه بالمشي إلى الحرم كالكعبة ولا خلاف عن مالك في الحالف كذلك والناذر سواء وأنهما يلزمهما المشي من بلدهما في حج أو عمرة على سنتهما وعلى هذا جمهور أصحابه إلا رواية جاءت عن بن القاسم أفتى بها ابنة عبد الصمد رواها الثقات العدول أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن قاسم وأحمد بن خالد قالا أخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن عبد الصمد بن عبد الرحمن بن القاسم أخبره قال حلف أخي بالمشي إلى مكة في بيتي فحنث فسألت عبد الرحمن بن القاسم عن ذلك وأخبرته بيمينه فاشتد ذلك عليه وقال ما دعاه أن يحلف بهذا قلت قد فعل قال مره أن يكفر فيمينه خبيثة ولا يعود

قال عبد الله بن محمد بن علي قال لي أحمد بن خالد فذكرتها لابن وضاح فأنكرها وقال لي المعروف عن بن القاسم غير ذلك فقلت أخبرني به ثقة فقال من هو فقال قلت قاسم بن محمد فسكت أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا محمد بن الأصبغ يعرف بابن مليح قال حدثنا مقدام بن داود عن عمه سعيد بن تليد أن عبد الرحمن بن القاسم أفتى ابنه عبد الصمد وكان حلف بالمشي إلى مكة فحنث بكفارة يمين قال وحلف مرة أخرى بصدقة ما يملك وحنث فأفتاه بكفارة يمين وقال له إني قد أفتيتك بقول الليث فإن عدت فلا أفتك إلا بقول مالك قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي إذا حلف بالمشي إلى مكة أو بثلاثين حجة أو بصيام أوجبه على نفسه باليمين أو بغير ذلك من الأيمان سوى الطلاق فإن أهل العلم اختلفوا في ذلك ففي قول أصحابنا كلهم كفارة يمين وليس عليه أكثر من ذلك وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد فإن حلف بطلاق فقد أجمعت الأمة على أن الطلاق لا كفارة له وأنه إن حنث في يمينه فالطلاق لازم له واختلفوا في العتق فقال أكثرهم الطلاق والعتق سواء لا كفارة في العتاق كما لا كفارة في الطلاق وهو لازم للحالف به كلزوم الطلاق وممن قال ذلك مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وإسحاق وقال أبو ثور من حلف بالعتق فعليه كفارة يمين ولا عتق عليه وذلك أن الله تبارك وتعالى أوجب في كتابه كفارة اليمين على كل حالف فقال ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم المائدة يعني فحنثتم فكل يمين حلف بها الإنسان فحنث فعليه الكفارة على ظاهر الكتاب إلا أن مجتمع الأمة على أنه لا كفارة عليه في شيء ما

ولم يجمعوا على ذلك إلا في الطلاق فأسقطنا عن الحالف بالطلاق الكفارة وألزمناه الطلاق للإجماع وجعلنا في العتق الكفارة لأن الأمة لم تجمع على أن لا كفارة فيه قال أبو عبد الله وقد روي عن الحسن وطاوس مثل قول أبي ثور والذي أذهب إليه ما قاله الشافعي وأحمد كفارة يمين في ما عدا الطلاق والعتق وقد روي عن عائشة كل يمين ليس فيها طلاق ولا عتق فكفارتها كفارة يمين قال أبو عمر الخلاف الذي ذكره أبو ثور في العتق هو ما رواه معتمر بن سليمان عن أبيه عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع أن مولاته حلفت بالمشي إلى مكة وكل مملوك لها حر وهي يوما يهودية ويوما نصرانية وكل شيء لها في سبيل الله إن لم يفرق بينه وبين امرأته فسألت بن عمر وبن عباس وأبا هريرة وعائشة وحفصة وأم سلمة فكلهم قال لها كفري يمينك وخلي بينها وبينه ففعلت رواه عبد الرزاق عن معتمر بن سليمان قال أبو عمر وقد روى يونس عن الحسن أنه جاءه رجل فقال إني جعلت كل مملوك لي حرا إن شاركت أخي قال شارك أخاك وكفر عن يمينك وهو قول القاسم وسالم وسليمان بن يسار وطاوس وقتادة وبه قال أبو ثور وذكر داود في الحالف بالمشي إلى مكة وبصدقة ماله أنه لا شيء عليه من كفارة ولا غيرها وهو قول الشعبي والحاكم والحارث العقيلي وبن أبي ليلى وبه قال محمد بن الحسن لأن الحالف ليس بناذر طاعة فيلزمه الوفاء بها ولا بحالف بالله فيجب عليه كفارة الحالف باليمين بالله ولا يخرج ماله عن نفسه مخرج القربة وإنما أخرجه مخرج الحنث في يمينه إن حنث وإن لم يحنث لم يخرجه وهذا لا يشبه النذر الذي يجب الوفاء به لما فيه من التقرب إلى الله وشكره وإنفاذ طاعته ولا هو في شيء من ذلك المعنى

قالوا والحالف بغير الله ليس بحالف عندنا لأن الله تعالى قد نهى على لسان رسول صلى الله عليه وسلم أن يحلف بالأباء وأن يحلف بغير الله إن شاء الله وبالله التوفيق باب ما لا يجوز من النذور في معصية الله تعالى ذكر فيه مالك عن حميد بن قيس وثور بن زيد الديلي أنهما أخبراه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدهما يزيد في الحديث على صاحبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال ما بال هذا فقالوا نذر أن لا يتكلم ولا يستظل من الشمس ولا يجلس ويصوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مروه فليتكلم وليستظل وليجلس وليتم صيامه قال مالك ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتم ما كان لله طاعة ويترك ما كان لله معصية قال أبو عمر هذا الحديث يتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه من حديث جابر ومن حديث بن عباس ومن حديث قيس بن حازم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حديث طاوس عن أبي إسرائيل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأظن والله أعلم أن حديث جابر هو هذا لأن مجاهدا رواه عن جابر وحميد بن قيس صاحب مجاهد قال حدثناه أبو عمر أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق

عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال كان أبو أسرائيل رجلا من بني فهر فنذر ليقومن في الشمس حتى يصلي النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة وليصومن ذلك اليوم فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما شأنه فأخبروه فأمره أن يجلس ويتكلم ويصوم ولم يأمره بكفارة وفيه دليل على أن السكوت عن ذكر الله ليس من طاعة الله وكذلك الجلوس للشمس وفي معناه كل ما يتأذى به الإنسان مما لا طاعة فيه بنص كتاب أو سنة وكذلك الحفاء وغيره مما لم ترد الشريعة بصنعة إذ لا طاعة لله فيه ولا قربه وإنما الطاعة ما أمر الله ورسوله يتقرب بعمله إلى الله عز وجل ويدل أيضا أن كل ما ليس له بطاعة حكمه حكم المعصية في أنه لا يلزم الوفاء به ولا الكفارة عنه وهو معنى قول مالك في الموطأ مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد بن الصديق عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه يحيى قال يحيى وسمعت مالكا يقول معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يعصي الله فلا يعصه أن ينذر الرجل أن يمشي إلى الشام أو إلى مصر أو إلى الربذة أو ما أشبه ذلك مما ليس لله بطاعة إن كلم فلانا أو ما أشبه ذلك فليس عليه في شيء من ذلك شيء إن هو كلمه أو حنث بما حلف عليه لأنه ليس لله في هذه الأشياء طاعة وإنما يوفى لله بما له فيه طاعة وهو قول من قال إن من نذر معصية كان عليه مع تركها كفارة يمين وممن قال بذلك أبو حنيفة وسفيان والكوفيون وإن احتج محتج بحديث عمران بن حصين وحديث عائشة جميعا عن النبي

صلى الله عليه وسلم أنه قال لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين قيل له هذان حديثان مضطربان لا أصل لهما عند أهل العلم بالحديث لأن حديث عائشة إنما يدور على سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث وعنه رواه بن شهاب لا يصح عنه غير ذلك وقد أوضحنا ذلك في التمهيد وحديث عمران بن حصين يدور على زهير بن محمد عن أبيه وأبوه مجهول لم يرو عنه غير ابنه زهير وزهير أيضا عنده مناكير ويدل هذا الحديث أيضا على صحة قول من ذهب إلى أن من نذر أن ينحر ابنه أنه لا شيء عليه من كفارة ولا غيرها لأنه لا معصية أعظم من إراقة دم مسلم ولا معنى للاعتبار في ذلك بكفارة الظهار في قول المنكر والزور لأن الظهار ليس بنذر والنذر في المعصية قد جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وعملا وأما العمل فهو ما في حديث جابر هذا وأما القول فحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه رواه جمهور رواة مالك عن مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يروه يحيى بن يحيى صاحبنا حدثنا خالد بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا يوسف بن يزيد قال حدثنا عبد الله بن عبد الحكم قال أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه وقد ذكرنا كثيرا من طرقه عن مالك وغيره في التمهيد وذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه سمعه يقول أتت امرأة إلى عبد الله بن عباس فقالت إني نذرت أن أنحر ابني فقال

بن عباس لا تنحري ابنك وكفري عن يمينك فقال شيخ عند بن عباس وكيف يكون في هذا كفارة فقال بن عباس إن الله تعالى قال والذين يظاهرون منكم من نسائهم المجادلة ثم جعل فيه من الكفارة ما قد رأيت قال أبو عمر روي هذا الخبر عن يحيى بن سعيد وسفيان الثوري وعبد الملك بن جريج كما رواه مالك سواء بمعنى واحد واختلفت الروايات عن بن عباس في هذه المسألة ففي رواية بن القاسم محمد عندنا قال ذكر مالك في حديثه هذا كفارة يمين تجزئه وروى عنه الشعبي في رجل نذر أن ينحر مائة من الإبل كما فدى بها عبد المطلب ابنه قال وقال مرة يجزئ كبش كما فدى به إبراهيم ابنه قال الشعبي فسألت مسروقا فقال هذا من خطوات الشيطان لا شيء عليه وروى عنه عكرمة مولاه في الرجل يقول هو ينحر ابنه قال كبش كما فدى به إبراهيم إسحاق وروى عنه الحكم قال يهدي ديته أو قال يهدي كبشا ثم تلا وفديناه بذبح عظيم الصافات وروى عنه طاوس في رجل نذر أن ينحر نفسه قال مائة بدنة وقد روى عكرمة عن بن عباس مثله في الذي ينذر أن ينحر ابنه مائة ناقة وقال مالك في المرأة التي نذرت أن تنحر ابنها قال إن نوت وجه ما ينحر من الهدي فعليها الهدي وإن لم تنو شيئا فلا شيء عليها وذكر بن عبد الحكم قال قال مالك من قال أنا أنحر ولدي عند مقام إبراهيم في يمين ثم حنث فعليه هدي قال ومن نذر أن ينحر ابنه ولم يقل عند مقام إبراهيم ولا أراده فلا شيء عليه قال ومن جعل ابنه هديا أهدى عنه قال الليث في الرجل أو المرأة يقول هو ينحر ابنه عند البيت قال يحج بابنه وينحر هديا وقد روي عن مالك مثل ذلك وغيره في مثله ذلك

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في رجل نذر أن ينحر ابنه فقال يهدي ديته وقد روي عن علي قال يهدي شاة واختلف فيه عن عطاء فروي عنه كبش وروي عنه بدنة وقال الشعبي فيمن نذر أن ينحر ابنه قال يحجه وعن عكرمة قال يذبح كبشا ويتصدق بلحمه وعن إبراهيم قال يحجه ويهدي بدنة وعن جابر بن زيد يهدي كبشا وعن إبراهيم أيضا أنه يحجه فقط رواه عنه حماد ومنصور وهذا كله من كتاب عبد الرزاق وكتاب بن أبي شيبة وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن سفيان عن إسماعيل بن أميه عن عثمان وبن عباس وبن عمر قالوا يهدي جزورا قال حدثنا وكيع عن سفيان عن سماك عن محمد بن المنتشر عن مسروق قال يهدي كبشا قال أبو عمر الرواية الأولى عن مسروق ذكرها أبو بكر عن عبد الرحمن بن سليمان عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال هذا من خطوات الشيطان لا كفارة فيه قال أبو عتبة ومن حلف بنحر ولده أو ولده من بني آدم ثم حنث فعليه في ذلك بنحر ولده شاة وليس عليه في غير حلفه بنحر غير ولده شيء وقال محمد عليه في الحلف بنحره غيره مثل الذي عليه في الحلف بنحره ولده إذا حنث وقال أبو يوسف لا شيء عليه في ذلك كله وساقه الطحاوي وذكر عبد الرزاق عن الثوري في الرجل يقول للرجل أنا أهديك فيحنث قال أخبرني معمرة عن إبراهيم وفراس عن الشعبي أنهما قالا يحجه وقال مالك إن لم يرد الرجل أن يحجه فلا شيء عليه قال أبو عمر الصحيح عندي في هذه المسألة ما قاله مسروق وغيره وذلك سقوط الكفارة عن من نذر نحر ابنه أنه لا يلزمه في ذلك شيء من الأشياء لما ترك نحره لحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه ونحر المسلم معصية لا شك فيه ومن جعل فيه كفارة يمين فللحديث لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين وهو حديث معلول وحديث عائشة أصح منه وأثبت وبالله التوفيق وروي عن علي بن المديني وغيره عن زيد بن الحباب عن حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا فنذرت امرأة سوداء إن ردة الله سالما أن تضرب عنده بالدف فرجع وقد غنم فقالت يا رسول الله إني نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب عندك بالدف فقال إن كنت فعلت فافعلي وإلا فلا قالت فإني قد فعلت قال فضربت باب اللغو في اليمين ذكر فيه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تقول لغو اليمين قول الإنسان لا والله و بلى والله هكذا رواه يحيى عن مالك وتابعه القعنبي وطائفة ورواه بن بكير وجماعة عن مالك بإسناده فقالوا فيه لا والله وبلى والله وكذلك رواه جمهور الرواة عن هشام بن عروة وقد روي هذا الحديث عن عائشة وعطاء بن أبي رباح وعبيد بن عمير بمعنى حديث هشام عن أبيه سواء وأخطأ فيه عمر بن قيس فرواه عن عطاء عن عائشة بخلاف ذلك فذكره بعد ذلك عند ذكر قول مالك ورواه عن هشام جماعة أيضا منهم الثوري وشعبة وبن جريج ورواه عن عروة بن شهاب كما رواه ابنه هشام

كما رواه ابنه هشام

قال أبو عمر روى بن المبارك وعبد الرحيم بن سليمان وعبده بن سليمان وغيرهم بمعنى واحد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت اللغو الذي ذكره لا والله وبلى والله ورواه يحيى بن سعيد القطان قال أخبرني هشام بن عروة قال أخبرني أبي عن عائشة في قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم البقرة نزلت في قول الرجل لا والله وبلى والله فذكر القطان السبب في نزول الآية ولم يذكره أحد من هؤلاء ولا غيره فمن قال لغو اليمين لا والله وبلى والله وما لا يعتقده قلب الحالف ولا يقصده عبد الله بن عمر وبن عباس في رواية عنه روى بن عيينة عن الزهري عن سالم أن بن عمر كان يسمع بعض ولده يحلف عشرة أيمان لا والله وبلى والله لا يأمره بشيء وهو قول الشعبي في رواية بن عون عنه وقول الحاكم وعطاء بن أبي رباح وأبي صالح وأبي قلابة وإبراهيم في رواية حماد عنه قال لغو اليمين ما يصل به الرجل كلامه والله لأكلن والله لأشربن وهو قول عكرمة وبن شهاب وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة في قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم البقرة قالت هم القوم يتدارؤون بقول أحدهم لا والله وبلى والله وكلا والله لا تعقد عليه قلوبهم وروى بن وهب عن يونس عن بن شهاب أن عروة حدثه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت أيمان اللغو ما كان في المراء والهزل والمزاحات والحديث الذي لا يعقد عليه القلب وروى حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال بلى والله ولا والله لغة من لغات العرب قال أبو عمر وإلى هذا ذهب الشافعي والأوزاعي بلى والله ولا والله والحسن بن حي وقال أبو حنيفة وأصحابه اللغو لا والله وبلى والله فيما أظن أنه فيه صادق على الماضي

وذكر الشافعي قول عائشة في اللغو أنه لا والله وبلى والله وقال اللغو في لسان العرب الكلام غير المعقود عليه وهو معنى ما قالت عائشة قال مالك أحسن ما سمعت في هذا أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد على غير ذلك فهو اللغو وليس فيه كفارة وهو قول الليث وأحمد بن حنبل قال أبو عمر قد روي مثل قول مالك عن عائشة من طريق لا يثبت ذكره بن وهب عن عمر بن قيس عن عطاء عن عائشة وعمر بن قيس متروك الحديث ولم يتابع أيضا على ذلك وقد خالفه بن جريج وغيره عن عطاء فرواه على حسب ما رواه أنه قول الرجل لا والله وبلى والله ويقولون إن عطاء لم يسمع من عائشة غير هذا الحديث في حين مسيره إليها مع عبيد بن عمير وذكر بن وهب أيضا عن الثقة عنده عن بن شهاب عن عروة عن عائشة مثل رواية عمر بن قيس عن عطاء عن عائشة وهذا لا يصح لأن رواية بن وهب هذه عن الثقة عنده تعارضها رواية بن وهب عن يونس عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت أيمان اللغو ما كان في المراء والهزل والحديث الذي لا يعقد عليه القول وهذا بمعنى رواية مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة دون ما ذهب إليه في معنى لغو اليمين ويروى مثل قول مالك أيضا في اللغو عن الحسن البصري وقتادة وزرارة بن أوفى ومجاهد ورواية عن الشعبي رواها عمرو بن دينار ورواية أيضا عن إبراهيم النخعي رواها عنه مغيرة ومنصور وفي اللغو قول ثالث وهو أن يحلف الرجل وهو غضبان رواه طاوس عن بن عباس وقول رابع قاله سعيد بن جبير قال هو الحلف على المعصية بتركها ولا كفارة عليه رواه عنه أبوبشر وعن بن عباس قول خامس قال هو الرجل يحلف فيقول هذا الطعام علي حرام فيأكله ولا كفارة عليه

وروي مثله عن سعيد بن جبير قال هو أن يحرم الحلال رواه عنه داود بن أبي بشر أيضا مسألة أيضا قال مالك فأما الذي يحلف على الشيء وهو يعلم أنه آثم ويحلف على الكذب وهو يعلم ليرضي به أحدا أو ليعتذر به إلى معتذر إليه أو ليقطع به مالا فهذا أعظم من أن تكون فيه كفارة قال أبوعمر هذه اليمين الغموس وهي لا تصح إلا في الماضي أيضا وقد اختلف العلماء في كفارتها فأكثر أهل العلم لا يرون في اليمين الغموس كفارة وممن قال ذلك مالك وسفيان الثوري وأبو حنيفة والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل قالوا هو أعظم من أن يكون فيه كفارة وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم من حلف على منبري إنما يتبوأ مقعده من النار وقوله صلى الله عليه وسلم من اقتطع مال امرئ بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار وفي حديث بن مسعود لقي الله وهو عليه غضبان فذكر المأثم صلى الله عليه وسلم في اليمين الغموس ولم يذكر كفارة ولو كان فيها كفارة لذكرها والله أعلم وقال الشافعي والأوزاعي والمعلى بن أسد وطائفة من التابعين فيما ذكر المروزي من تعمد فعليه الكفارة فيما بينه وبين الله فإن اقتطع بها حق امرئ مسلم أو ذمي فلا كفارة في ذلك إلا رد ما اقتطع والخروج مما أخذه ظلما لغيره فإذا فعل ذلك فهي توبة ويكفر بعد ذلك عن يمينه

قال الشافعي والكفارة في هذا أوكد على من لم يتعمد الحنث بيمينه وقد جعل الله الكفارة في قتل الصيد على المتعمد وجاءت السنة لمن حلف ثم أجبر مما حلف عليه أن يحنث نفسه ثم يكفر وهذا قد تعمد الحنث فأمر بالكفارة قال أبو عمر من التابعين القائلين بأن المتعمد للكذب في يمينه يكفر الحكم بن عيينة وعطاء بن أبي رباح قال شعبة سألت الحكم وحمادا عن ذلك فقال حماد ليس لها كفارة وقال الحكم الكفارة خير وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص بن عتاب عن الحجاج عن عطاء قال يكفر قال أبو عمر الأيمان عند جماعة العلماء على ثلاثة أوجه منها وجهان في الماضي وهما اللغو والغموس ولا يكونان إلا في الماضي وقد مضى القول فيهما والوجه الثالث هو اليمين في المستقبل والله لا فعلت والله لأفعلن لم يختلف العلماء أن على من حنث فيما حلف عليه من ذلك الكفارة التي ذكر الله في كتابه في قوله عز وجل ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم المائدة يعني فحنثتم وقد عبر جماعة من العلماء عن اليمين في المستقبل بعبارة أخرى فقالوا هي أيضا في المستقبل يمينان يكفران فجعلوا لآخذ يمينا ولأفعلن يمين أخرى وقال جماعة من المدنيين والكوفيين الأيمان أربعة يمينان لا يكفران وهما اللغو والغموس فتنعقد على ما مضى ويمينان يكفران تنعقدان في المستقبل باب ما لا يجب فيه الكفارة من الأيمان ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول من

قال والله ثم قال إن شاء الله ثم لم يفعل الذي حلف عليه لم يحنث قال مالك أحسن ما سمعت في الثنيا أنها لصاحبها ما لم يقطع كلامه وما كان من ذلك نسقا يتبع بعضه بعضا قبل أن يسكت فإذا سكت وقطع كلامه فلا ثنيا له قال أبو عمر حديث بن عمر هذا وقفه مالك عن بن عمر لم يتجاوزه به وكذلك رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر موقوفا ورواه أيوب بن موسى عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حلف فقال إن شاء الله فقد استثنى ورواه أيوب السختياني عن نافع عن بن عمر فمرة يرفعه ومرة لا يرفعه ومرة يقول لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه معمر عن بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث وأجمع العلماء على أن الحالف إذا وصل يمينه بالله بالاستثناء وقال إن لنا الله فقد ارتفع الحنث عليه ولا كفارة عليه لو حنث وأجمعوا أن الاستثناء جائز في اليمين بالله واختلفوا في غيرها كما أجمعوا أن اللغو في اليمين بالله واختلفوا فيمن لم يصل استثناؤه يمينه وقال الشافعي له الاستثناء إذا كان قوله إن شاء الله موصولا بكلامه والوصل أن يكون كلامه نسقا وإن كان بينهما سكتة كسكتة الرجل للتذكر أو النفس أو القيء أو انقطاع الصوت فهو استثناء وهو أن يأخذ في الكلام ليس من اليمين أو سكت السكوت الذي يبين به أنه قطع كلامه قال أبو عمر على نحو هذا مذهب مالك وأصحابه وجمهور الفقهاء

وهو قول الشعبي وعطاء وأكثر العلماء وكان قوم من التابعين يرون للحانث الاستثناء ما لم يقم من مجلسه منهم طاوس والحسن البصري وكان بن عباس يرى له الاستثناء أبدا متى ما ذكر ويتلو قول الله عز وجل واذكر ربك إذا نسيت الكهف وبه قال سعيد بن جبير ومجاهد قال أبو عمر يريدون ما لم يحنث الحالف يفعل ما حلف ألا يفعله ونحو هذا والحجة لمن ذهب مذهب بن عباس ما رواه مصعب وغيره عن سماك بن حرب عن عكرمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لأغزون قريشا قالها ثلاث مرات ثم سكت ثم قال إن شاء الله وقد روي هذا الحديث عن عكرمة عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما قول مالك في هذا الباب في الرجل يقول كفر بالله أو أشرك بالله ثم يحنث أنه ليس عليه كفارة وليس بكافر ولا مشرك حتى يكون قلبه مضمرا على الشرك والكفر وليستغفر الله ولا يعد إلى شيء من ذلك وبئس ما صنع قال أبو عمر اختلف العلماء في هذه المسألة فأهل الحجاز لا يرونها يمينا ولا يوجبون فيها كفارة ويكرهونها وهو قول مالك والشافعي وبه قال أبوعبيد وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح من قال أنا يهودي أو نصراني أو كفرت بالله أو أشركت بالله أو برئت من الله أو برئت من الإسلام فهو يمين وعليه الكفارة إن حنث فهو تعظيم له كاليمين بالله وهو قول أحمد بن حنبل وممن رأى الكفارة على من قال هو يهودي أو نصراني أو نحو ذلك عبد الله بن عمر وعائشة والشعبي والحسن ومجاهد وطاوس وإبراهيم والحكم وبه قال أحمد وإسحاق

وقد روي عن إبراهيم أنه قال أخاف أن يكون كما قال وروي عن أبي هريرة من وجوه أنه قال فيمن حلف بملة غير الإسلام هو يهودي هو نصراني هو بريء من الإسلام فهو كما قال وروى أبو قلابة عن ثابت بن الضحاك الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على ملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال قال أبو عمر وهو حديث صحيح من جهة النقل ولكنه ليس على ظاهره ومعناه والله أعلم النهي من موافقة ذلك اللفظ وقال أبو جعفر محمد بن علي إذا قال هو يهودي هو نصراني هو مشرك بالله فليس بشيء وبه قال قتادة وأصح ما قيل به في هذا الباب والله الموفق للصواب أخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا الحسن بن سلمة قال حدثنا عبد الله بن الجارود قال حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف منكم باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ومن قال تعال أقامرك فليتصدق قال أبو عمر هذا حديث صحيح ثابت يدل على أن من حلف بملة غير الإسلام فليس كما قال ورواه معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله باب ما تجب فيه الكفارة من الإيمان ذكر فيه مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف بيمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير قال مالك من قال علي نذر ولم يسمي شيئا إن عليه كفارة يمين قال أبو عمر قد مضت هذه المسألة في النذر المبهم في صدر هذا الكتاب مما للعلماء فيها فلا وجه لإعادتها وأما الآثار المرفوعة في هذا الباب فأكثرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وقدم الحنث قبل الكفارة في حديث عدي بن حاتم وأبي الدرداء وعائشة وعبد الله بن عمرو وأنس وعبد الرحمن بن سمرة وأبي موسى كل هؤلاء رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فقالوا فيه فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه بتبدية الحنث قبل الكفارة وفي حديث أبي هريرة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث تبدية الكفارة قبل الحنث كما رواه مالك وأما اختلاف الفقهاء في هذه المسألة فقال مالك والشافعي والليث بن سعد والأوزاعي وعبد الله بن المبارك وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق لا بأس أن يكفر قبل الحنث وقال مالك والشافعي والثوري ولو حنث ثم كفر كان أحب إلينا قال أبو عمر روي جواز الكفارة قبل الحنث عن بن عمر وسلمان ومسلمة بن مخلد وأبي الدرداء وبن سيرين وجابر بن زيد قال أبو حنيفة وأصحابه لا تجزئ الكفارة قبل الحنث روي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا يرغبا أنفسهما فيما هو خير ثم يكفران وعن بن مسعود ومسروق وعبيد بن نمير مثله قال أبو عمر احتج الطحاوي لأبي حنيفة بأن الكفارة لا تجب إلا بعد الحنث

فإن الكفارة لا تتعلق باليمين عند الجميع وإنما تتعلق بالحنث فوجب ألا تقدم قبل الحنث فهذا نقض لأصله في تقديم الزكاة فلا يحول وقال الأوزاعي في المحرم يصيبه أذى في رأسه يجزئه أن يكفر بالفدية قبل الحلق وفي هذا الباب قال مالك فأما التوكيد فهو حلف الإنسان في الشيء الواحد مرارا يردد فيه الأيمان يمينا بعد يمين كقوله والله لا أنقصه من كذا وكذا يحلف بذلك مرارا ثلاثا أو أكثر من ذلك قال فكفارة ذلك كفارة واحدة مثل كفارة اليمين فإن حلف رجل مثلا فقال والله لا آكل هذا الطعام ولا ألبس هذا الثوب ولا أدخل هذا البيت فكان هذا في يمين واحدة فإنما عليه كفارة واحدة وإنما ذلك كقول الرجل لامرأته أنت الطلاق إن كسوتك هذا الثوب وأذنت لك إلى المسجد يكون ذلك نسقا متتابعا في كلام واحد فإن حنث في شيء واحد من ذلك فقد وجب عليه الطلاق وليس عليه فيما فعل بعد ذلك حنث إنما الحنث في ذلك حنث واحد قال أبو عمر روى بن القاسم عن مالك مثل ما تقدم وزاد هي يمين واحدة وإن كانتا في مجلسين إذا كانتا على شيء واحد وقال سفيان الثوري إن حلف مرتين في شيء واحد فهي يمين واحدة إذا نوى يمينا واحدة وإن كانتا في مجلسين وإن أراد يمينا أخرى والتغليظ فيها فهي يمينان وقد روى عنه أنهما يمين واحدة وإن حلف مرارا وقال الأوزاعي إن حلف في أمر واحد بأيمان فعليه كفارة واحدة ما لم يكفر وقال عثمان البتي إن أراد اليمين الأولى فكفارة واحدة وإن أراد التغليظ فلكل واحدة كفارة وقال الحسن بن حي إذا قال والله لا أكلم فلانا والله لا أكلم فلانا في مجلس واحد فكفارة واحدة وإن قال والله لا أكلم فلانا ثم قال والله لا أكلم فلانا فكفارتان

وقال محمد بن الحسن إذا قال والله لا أفعل كذا والله لا أفعل كذا في الشيء الواحد فإن أراد التكرار فهن واحدة وإن لم يكن له نية وأراد التغليظ فهما يمينان قال وإن قال ذلك في مجلسين فهما يمينان وقال الشافعي في كل يمين كفارة إلا أن يريد التكرار وقال محمد بن الحسن والشافعي فيمن قال والله والرحمن لأفعلن كذا هما يمينان إلا أن يكون أراد الكلام الأول فيكون يمينا واحدة ولو قال والله والرحمن لأفعلن كذا هما يمينان قال مالك من قال والله الرحمن كانت يمينا واحدة وقال زفر قوله والله الرحمن يمين واحدة وقال مالك من قال والله الرحمن فعليه كفارتان وإن قال والسميع والعليم والحكيم فعليه ثلاث كفارات وكذلك لو قال علي عهد الله وميثاقه وكفالته فعليه ثلاث كفارات ومن حلف بالله مرارا كثيرة يمينا بعد يمين ثم حنث فعليه كفارة واحدة فرق بين تكرار اسم واحد وبين الأسماء المختلفة قال أبو عمر وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن مجاهد قال خرج بن عمر وبعث غلاما له في وجه من الوجوه فأبطأ فقال له بن عمر إنك تغيب عن امرأتك تخرج كذا فطلقها قال لا والله لا أطلقها قال والله لتطلقنها قال والله لا أطلقها فقال والله لتطلقنها قال والله لا أطلقها قال فذهب عنه العبد قال مجاهد فذكرت له أيمانه قال إنها يمين وقال إبراهيم النخعي في الرجل يردد اليمين في الشيء الواحد قال عليه كفارة واحدة وقاله عطاء وعكرمة وحماد بن أبي سليمان وقال الحسن إذا حلف الرجل بأيمان شتى على أمر واحد فحنث فإنما عليه كفارة يمين واحدة فإن حلف أيمانا شتى في أشياء شتى في أيام شتى فعليه عن كل يمين كفارة هذا كله من كتاب بن أبي شيبة

قال مالك الأمر عندنا في نذر المرأة إنه جائز بغير إذن زوجها يجب عليها ذلك ويثبت إذا كان ذلك في جسدها وكان ذلك لا يضر بزوجها وإن كان ذلك يضر بزوجها فله منعها منه وكان ذلك عليها حتى تقضيه قال أبو عمر هذا إذا كان على حسب ما ذكره مالك من أن نذرها لا يضر بزوجها كان عليها الوفاء به لا خلاف في ذلك بين العلماء فإن حال زوجها بينها وبين الوفاء بنذرها ذلك كان عليها قضاؤه بإجماع أيضا إذا كان غير مؤقت واختلفوا إذا كان مؤقتا بوقت فخرج الوقت على قولين أحدهما يجب والثاني لا يجب باب العمل في كفارة الأيمان ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول من حلف بيمين فوكدها ثم حنث فعليه عتق رقبة أو كسوة عشرة مساكين ومن حلف بيمين فلم يؤكدها ثم حنث فعليه إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام قال أبو عمر لم يذكر مالك عن نافع في حديثه هذا عن بن عمر ما التوكيد وقد ذكره غيره ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن نافع قال كان بن عمر إذا حلف أطعم عشرة وإذا وكد أعتق فقلت لنافع ما التوكيد قال ترداد الأيمان في الشيء الواحد وذكر عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع قال كان بن عمر إذا وكد الأيمان وتابع بينها في مجلس أعتق رقبة قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر مثله قال أبو عمر قد بان لك ذا والتوكيد عنده التكرار وعتقه في التوكيد استحباب

منه واختيار كأن يأخذ به في خاصة نفسه بدليل رواية مجاهد عنه وغيره في تكرار اليمين ولذلك لم يذكره مالك في الباب الأول والله أعلم وقد سوى الله في كل الأيمان بين العتق والإطعام والكسوة فما يفرق بين حكم اليمين المذكورة وبين غير الكفارة فقال فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة المائدة وهذا الخبر لم يختلف العلماء فيه ومن استحب من ذلك شيئا فلا حرج وقد مضى في الباب قبل هذا حكم تكرار اليمين في الشيء الواحد مرارا في مجلس أو مجالس بما في ذلك من التنازع بين العلماء بما أغنى عن إعادته هنا والدليل على أن العتق كان من بن عمر استحبابا لخاصة نفسه أنه لم يكن يفتي به غيره وما رواه معمر عن الزهري عن سالم قال ولما قال بن عمر لبعض بنيه لقد حلفت عليك في هذا المجلس أحد عشر يمينا ولا يأمره بتكفير يعني غير كفارة واحدة ولم يذكر عتقا فذكر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة وكان يعتق المرار إذا وكد اليمين وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أنه قال أدركت الناس وهم إذا أعطوا في كفارة اليمين أعطوا مدا من حنطة بالمد الأصغر ورأوا ذلك مجزئا عنهم قال أبو عمر اختلف العلماء في مقدار الإطعام في كفارة اليمين فذهب أهل المدينة إلى ما حكاه مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار والمد الأصغر عندهم مد النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول بن عمر وبن عباس وزيد بن ثابت والفقهاء السبعة وسالم بن عبد الله بن عمر وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعطاء بن أبي رباح وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه كان إذا حنث أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدا من حنطة بالمد الأول

قال وحدثنا بن فضيل وبن إدريس عن داود عن عكرمة عن بن عباس في كفارة اليمين مد من بر ومعه إدامه قال وحدثنا وكيع عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي كثير عن أبي سلمة عن زيد بن ثابت قال مد من حنطة لكل مسكين قال أبو حنيفة وأصحابه إن أعطاهم طعاما لم يجزئه إلا نصف صاع لكل مسكين من حنطة أو صاع تمر أو شعير قالوا فإن غداهم أو عشاهم أجزأه وروي نصف صاع عن عمر وعلي وعائشة رضي الله عنهم وهو قول سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وعطاء وبن سيرين وسعيد بن جبير وهو قول عامة فقهاء العراق قياسا على ما أجمعوا عليه في رواية الاوزاعي فقال مالك إن غدى عشرة مساكين وعشاهم أجزاة ولا يجوز أن يعطيهم العروض وعلى أصل مالك يجوز أن يغديهم ويعشيهم بدون إدام لأن الأصل عنده مد دون إدام وقال الثوري والأوزاعي ويجزئه غدى أو عشى وهو قول إبراهيم وقال الحكم بن عتيبة لا يجزئ الإطعام حتى يعطيهم يريد أن يغدو كل واحد منهم بما يجب له من ذلك وقوله يعطيهم أي يعطي كل واحد منهم وقال الشافعي لا يجوز أن يطعمهم جملة ولكن يعطي كل مسكين مدا وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يجزئه إطعام العشرة وجبة واحدة غداء دون عشاء أو عشاء دون غداء حتى يغديهم ويعشيهم وهو قول أئمة الفتوى بالأمصار وقول الشعبي وقتادة والنخعي وطاوس والقاسم وسالم وقال الحسن البصري إن أطعمهم خبزا ولحما أو خبزا وزيتا مرة واحدة في اليوم حتى يشبعوا أجزأه وهو قول بن سيرين وجابر بن زيد ومكحول وروي ذلك عن أنس بن مالك وقال أحمد بن حنبل يجزئه أن يعطي لكل مسكين مدا من حنطة أو دقيق أو رطلين خبز أو مدين من شعير أو تمر ولا يجوز قيمة شيء من ذلك بحال قال أبو عمر من ذهب إلى مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسكين تأول قول الله عز

وجل من أوسط ما تطعمون المائدة أنه أراد الوسط من الشبع ومن ذهب إلى مدين البر أو صاع من شعير أو تمر ذهب إلى الشبع وتأول في أوسط ما تطعمون أهليكم المائدة الخبز واللبن أو الخبز والسمن أو الخبز والزيت قالوا والأعلى الخبز واللحم فالأدنى خبز دون إدام فلا يجوز عندهم للأدنى لقول الله عز وجل من أوسط ما تطعمون المائدة وأما قول مالك أحسن ما سمعت في الذي يكفر عن يمينه بالكسوة أنه إن كسا الرجال كساهم ثوبا ثوبا وإن كسا النساء كساهن ثوبين ثوبين درعا وخمارا وذلك أدنى ما يجزئ كلا في صلاته وهو قول الليث قال ولا يجزئ ثوب واحد للمرأة ولا تجزئ العمامة للرجل وقال الثوري تجزئ العمامة وقال الشافعي تجزئ العمامة أو السراويل أو المقنعة قال أبو حنيفة وأصحابه الكسوة في كفارة اليمين لكل مسكين ثوب إزار أو رداء أو قميص أو قباء أو كساء وروى بن سماعة عن محمد إن السراويل لا تجزئ وأنه لو حلف لا يشتري ثوبا فاشترى سراويل حنث إذا كان من سراويل الرجال وروي عن هشام عن محمد أنه لا تجزئ السراويل ولا العمامة وكذلك روى بشر عن أبي يونس باب جامع الأيمان مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير في ركب وهو يحلف بأبيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت قال أبو عمر لم يختلف على مالك في هذا الباب أنه من مسند بن عمر عن النبي

صلى الله عليه وسلم ورواه العمريان عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه الزهري عن سالم عن بن عمر عن عمر قال سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلف بأبي الحديث وذكر عبد الرزاق عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن بن عباس عن عمر قال كنت في ركب أسير في غزاة فذكر الحديث بمعناه وفي رواية الزهري عن سالم عن بن عمر مثله وزاد قال عمر فوالله ما حلفت به ذاكرا ولا آثرا وفي هذا الحديث من الفقه أنه لا ينبغي اليمين بغير الله عز وجل وأن الحلف بالمخلوقات كلها في حكم الحلف بالآباء فإن قيل فإنما في القرآن من الإقسام بالمخلوقات نحو قوله تعالى والطور وكتاب مسطور الطور والتين والزيتون التين والسماء والطارق الطارق وما كان مثله في القرآن قيل المعنى فيه ورب الطور ورب النجم فعلى هذا المعنى هي إقسام بالله تعالى لا بغيره وقد قيل في جواب ذلك أيضا قد أقسم ربنا تعالى بما شاء من خلقه ثم بين النبي عليه السلام مراد الله تعالى من عباده أنه لا يجوز الحلف بغيره لقوله من كان حالفا فليحلف بالله قال أبو عمر لا ينبغي لأحد أن يحلف بغير الله لا بهذه الأقسام ولا غيرها لإجماع العلماء أن من وجبت له يمين على آخر في حق قبله أنه لا يحلف له إلا بالله ولو حلف له بالنجم والسماء والطارق وقال نويت رب ذلك لم يكن عندهم يمينا وفي غير رواية يحيى عن مالك أنه بلغه عن بن عباس أنه كان يقول لأن أحلف بالله بإثم أحب إلي من أن أظاهر فالمظاهرة أن يحلف بغير الله تعظيما للمحلوف به فشبه خلق الله به في التعظيم قال الله تعالى يضاهئون قول الذين كفروا من قبل التوبة ومعناه أن أحلف بالله فآثم أي فأحنث أحب إلي من أن أحلف بغيره فأبر وقد روي عن بن عمر وبن مسعود قالا لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا وروى بن جريج عن بن أبي مليكة أنه سمع بن الزبير يقول سمعني عمر أحلف بالكعبة فنهاني وقال لو أعلم أنك فكرت فيها قبل أن تحلف لعاقبتك وقال قتادة يكره الحلف بالمصحف وبالعتق والطلاق وأجاز بن عمر والحسن وإبراهيم اليمين بأيم الله

وأجاز عطاء وإبراهيم لعمري وكره إبراهيم لعمرها قال أبو عمر حديث هذا الباب يرد قول من أجاز اليمين بغير الله وهو الأصل وقال أهل الظاهر من حلف بغير الله وهو عالم باليمين فهو عاص لله ولا كفارة عندهم في غير اليمين بالله عز وجل والذي عليه الجمهور من سلف العلماء وخلفهم تطلب الكفارة في وجوه كثيرة من الأيمان بغير الله نذكرها في هذا الباب إن شاء الله وهم مع ذلك يستحبون اليمين بالله ويكرهون اليمين بغيره وهذا عمر وبن عمر يوجبان كفارة اليمين فيمن حلف بغير الله وهما رويا الحديث عن النبي عليه السلام أنه نهى عن الحلف بالآباء وقال من كان حالفا فليحلف بالله فدل أنه على الاختيار لا على الإلزام والإيجاب وروى يزيد بن زريع عن حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال إن تسألني القسمة لم أكلمك أبدا وكل مالي في رتاج الكعبة فقال عمر بن الخطاب إن الكعبة لغنية عن مالك كفر يمينك وكلم أخاك وهو قول بن عمر وبن عباس وزيد بن ثابت وعائشة وحفصة وسعيد بن المسيب وجماعة من علماء التابعين بالمدينة والكوفة وسترى كثيرا من ذلك في هذا الباب إن شاء الله والكفارة على من حلف بما لا إثم فيه أوكد لأن الكفارة لمحو الإثم وهي منزلة فيمن حلف وحنث نفسه فيما يرى خيرا له وأما قول مالك فيمن حلف بماله في رتاج الكعبة فخلاف للجماعة وكأنه زاد من وجه ما لا يعزو عليه أو لا يصلح وقد زدنا هذه المسألة بيانا في آخر هذا الكتاب وذكر بن حبيب عن مالك أنه كان يقول في من جعل ماله في رتاج الكعبة فقول عائشة ثم رجع عنه إلا أنه لا شيء عليه وقوله الأول عليه الجمهور من السلف والخلف وليس قوله الذي رجع إليه بقياس ولا اتباع

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبيد الله بن معاذ قال حدثنا أبي قال حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون وحديث هذا الباب ناسخ لما رواه إسماعيل بن جعفر عن إسماعيل عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الأعرابي النحوي قال فيه أفلح وأبيه إن صدق إن صحت هذه اللفظة لأن مالكا رواه عن عمه أبي سهيل بإسناده فقال فيه أفلح إن صدق ولم يقل وأبيه ومالك لا يقاس به مثل إسماعيل بن جعفر في حفظه وإتقانه وقد مضى في هذا الكتاب ما للعلماء من الاختلاف في كفارات الأيمان بغير الله فلا وجه لإعادة ذلك هنا وقد بسطنا القول في الأيمان ووجوهها وما للعلماء من التنازع فيها في مواضع في التمهيد منها حديث مالك عن سهيل بن أبي صالح ومنها حديث نافع هذا والحمد لله وذكر مالك في هذا الباب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لا ومقلب القلوب وهذا الحديث يستند وينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه من حديث بن عمر

وحديثه عبد الله بن عمر وحديث عائشة وحديث أم سلمة وحديث النواس بن سمعان وقد ذكرناها أو أكثرها بأسانيدها في التمهيد قال أبو عمر هذا يدل على صحة قول الفقهاء أن الحلف بصفات الله تعالى جائز تجب فيها الكفارة لأنها منه تعالى ذكره أخبرنا خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا علي بن معبد قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر قال كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يحلف بها كثيرا لا ومقلب القلوب وأما حديث مالك عن عثمان بن حفص بن عمر بن خلدة عن شهاب أنه بلغه أن أبا لبابة بن عبد المنذر حين تاب الله عليه قال يا رسول الله أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأجاورك وأنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزيك من ذلك الثلث قال أبو عمر اختلف في قصة أبي لبابة هذه متى وقعت فقيل كان ذلك في حين أشار إلى بني قريظة ألا ينزل على حكم سعد بن معاذ وأومأ إلى حلقه أنه الذبح ثم ندم وأتى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فربط نفسه بسارية منه وأقسم ألا يحل حتى يقبل الله توبته وقيل بل كان ذلك من أبي لبابة حين تخلفه عن غزوة تبوك هو ونفر معه قيل خمسة وقيل ستة وقيل سبعة سواه وفيه نزلت وأخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وأخر سيئا التوبة فالسيئ كان تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروجهم إلى الجهاد والعمل الصالح اعترافهم بالذنب وتوبتهم منه وهذا عندي أصح فيما جاء عن حديثهم عنه من هجرته دار قومه التي أصاب فيها الذنب وهي المدينة دون دار بني قريظة وروى عبد الرزاق وأبو يوسف ومحمد بن ثور عن معمر عن الزهري قال كان أبو لبابة ممن تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فربط نفسه بسارية وقال

والله لا أحل نفسي منها حتى أموت ولا أذق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا على ه ثم تاب الله عليه فقيل له ذلك فقال لا أحل نفسي حتى يحلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال أبو لبابة يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله قال يجزيك الثلث يا أبا لبابة وذكر مالك عن أيوب بن موسى عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها سئلت عن رجل قال مالي في رتاج الكعبة فقالت عائشة يكفره ما يكفر اليمين قال مالك في الذي يقول مالي في سبيل الله ثم يحنث قال يجعل ثلث ماله في سبيل الله وذلك للذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أبي لبابة قال أبو عمر اختلف العلماء في الحالف بصدقة ماله على المساكين أو في سبيل الله أو في كسوة الكعبة أو نحو ذلك من أعمال البر فقال مالك ما تقدم ذكره أنه يجزئه أن يتصدق بثلث ماله إن حنث وقال في غير الموطأ من حلف بصدقة من ماله بعينه لزمته الصدقة به وإن كان أكثر من الثلث ولا يقضي به عليه إلا أن يكون لرجل بعينه يطالبه به في غير يمين على اختلاف في ذلك عنه واضطراب وقال أبو حنيفة وأصحابه هذا عندنا على أموال الزكاة يريدون الحرث والعين والماشية يخرج الحال فذلك كله إذا حنث في يمينه وقال إبراهيم النخعي هو في كل شيء من ماله وهو قول زفر قالا يحبس لنفسه من ماله قوت شهر ثم يتصدق بمثله إذا أراد وقال الأوزاعي فيمن قال حالفا في غضب علي مائة بدنة قال كفارة يمين وقال الليث بن سعد فيمن جعل ماله صدقة للمساكين أو في سبيل الله إن كان حلف بذلك فحنث فإنه يكفر كفارة يمين وإن كان إنما هو شيء جعله لله على نفسه على وجه الشكر والتقرب إلى الله تعالى فإن ما عليه أن يخرج ثلث ماله

وقد روى عنه بن وهب فيمن حلف بصدقة ماله في الرضا والغضب ثم يحنث قال يكفر كفارة يمين وهو قول عطاء وقال الشافعي إذا قال مالي في سبيل الله فعليه كفارة يمين وهو قول عطاء وطاوس والحسن وعكرمة وقال ربيعة يزكي ثلث ماله قال أبو عمر قد اختلف السلف من العلماء في هذه المسألة فروي عن عمر بن الخطاب وعائشة وبن عباس في من جعل ماله في المساكين أو في رتاج الكعبة أنه يكفر كفارة اليمين بالله عز وجل وقال بن عباس يكفر ماله وينفق ماله على عياله وقد روي عن القاسم وسالم فيمن حلف بصدقة ماله أو بصدقة شيء من ماله قال يتصدق به على بناته وهذا يشبه عندي قول من قال لا يلزمه شيء لأنه لم يرد به القربة إلى الله تعالى ولا أنه على سبيل النذر وهو قول الشعبي والحكم والحارث العكلي وحماد بن أبي سليمان وبن أبي ليلى وطائفة من المتأخرين ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل عن الشعبي والحارث العكلي والحكم عن رجل جعل ماله في المساكين صدقة في يمين حلف بها قالوا ليس بشيء وقد روي عن الشعبي أنه تلزمه الصدقة بماله كله مثل قول إبراهيم وقال شعبة سألت الحكم وحمادا عن الرجل يقول إن فارقت عزيمتي فمالي عليه في المساكين صدقة قالا ليس بشيء وقال بن أبي ليلى وعن بن عمر فيمن حلف بصدقة ماله أنه يلزمه إخراج ماله كله ذكر معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر في رجل جعل ماله في سبيل الله إن لم يفعل كذا ثم حلف قال ماله في سبيل الله وقد روي عن بن عمر خلاف ذلك

ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن إسماعيل بن أمية أن عثمان بن أبي حاضر قال حلفت امرأة من أهل ذي أصبح فقالت مالي في سبيل الله وجاريتي حرة إن لم يفعل كذا وكذا لشيء كرهه زوجها أن يفعله فسئل عن ذلك بن عمر وبن عباس فقالا أما الجارية فتعتق وأما قولها مالي في سبيل الله فلتتصدق بزكاة مالها قال أبو عمر بهذا قال ربيعة وحدثنا سعيد بن عثمان النحوي قال حدثنا أحمد دحيم قال حدثنا البغوي قال حدثنا داود بن عمر قال حدثنا مسلم بن خالد عن إسماعيل بن أمية عن رجل يقال له عثمان بن حاضر قال إسماعيل وكان رجلا صالحا فاضلا أن رجلا قال لامرأة اخرجي في ظهري فأبت أن تخرج فلم يزل الكلام بينهما حتى قالت جاريتها حرة وهي تنحر نفسها وكل مال لها في سبيل الله إن خرجت ثم بدا لها فخرجت قال بن حاضر فأتتني تسألني فأخذت بيدها فذهبت بها إلى بن عباس فقصصت عليه القصة فقال بن عباس أما جاريتك فهي حرة وأما قولك تنحري نفسك فانحري بدنة وتصدقي بها على المساكين وأما قولك مالك في سبيل الله فاجمعي مالك كله فأخرجي منه كل ما يجب فيه من الصدقة قال ثم ذهبت بها إلى بن عمر فقال لها مثل ذلك ثم ذهبت بها إلى بن الزبير فقال لها مثل ذلك قال وأحسب أنه قال ثم ذهبت بها إلى جابر بن عبد الله فقال مثل قولهم وأما الثلاثة فقد أثبتهم عن الزهري في هذه المسألة ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا معن بن عيسى عن بن أبي ذئب عن الزهري قال من قال كل مالي في سبيل الله فحاد فهو جاني عليه وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال لم أسمع في هذا شاهدا أحسن مما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي لبابة يجزئك الثلث ولكعب بن مالك قال له أمسك لك بعض مالك وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن رجلا جعل ماله في رتاج الكعبة فقال

بن عمر ثم قلت قال فذهبت إلى عمر فقال أطعم عشرة مساكين فرجعت إلى بن عمر فقلت له ما قال أبوه فقال هذا علم وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أبان وسليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع أنه سمع بن عمر سألته امرأة فقالت إني حلفت فقلت هي يوما يهودية ويوما نصرانية ومالها في سبيل الله وأشباه هذا فقال بن عمر كفري يمينك وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سئل عطاء عن رجل حلف فقال علي ألف بدنة قال يمين وعن رجل قال علي ألف حجة قال يمين وعن رجل قال مالي هدي قال يمين وعن رجل قال مالي في المساكين قال يمين وعن معمر عن قتادة عن جابر بن زيد أنه سئل عن رجل جعل ماله هديا في سبيل الله فقال إن الله تعالى لم يرد أن يغتصب أجر ماله فإن كان كثير المال فليهد خمسه وإن كان وسطا فسبعة وإن كان قليلا فعشرة وقاله قتادة قال قتادة الكثير ألفان والوسط ألف والقليل خمسمائة وعن معمر عن بن طاوس عن أبيه فيمن قال ماله في رتاج الكعبة أو في سبيل الله قال هي يمين يكفرها قال معمر وقاله الحسن وعكرمة قال معمر أحب إلي إن كان موسرا أن يعتق رقبة وروى معمر عن قتادة في رجل قال علي عتق مائة رقبة قال يعتق رقبة واحدة وقال عثمان البتي يعتق مائة رقبة كما قال وعبد الرزاق عن بن التيمي عن أبيه عن بكر بن عبد الله المزني قال أخبرني أبو رافع قال قالت لي مولاتي ليلى ابنة العجماء كل مملوك لها حر وكل مال لها هدي وهي يهودية ونصرانية إن لم يطلق امرأته قال فأتينا زينب بنت أم سلمة وكان إذا ذكرت امرأة بفقه ذكرت زينب فذكرت ذلك لها فقالت خلي بين الرجل وبين امرأته وكفري يمينك قال فأتينا حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت

يا أم المؤمنين جعلني الله فداك وذكرت لها يمينها فقالت كفري عن يمينك وخلي بين الرجل وامرأته قال وأتينا عبد الله بن عمر فقلنا يا أبا عبد الرحمن وذكرت له يمينها فقال كفري يمينك وخلي بين الرجل وامرأته وروى بن وهب عن يحيى بن أيوب عن حميد الطويل عن ثابت البناني وبكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع وكان أبو رافع عبدا لليلى بنت العجماء بنت عمة لعمر بن الخطاب أن سيدته قالت مالها هدي وكل شيء لها في رتاج الكعبة وهي محرمة بحجة وهي يوما يهودية ويوما نصرانية ويوما مجوسية إن لم تطلق امرأته فانطلقت إلى حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم إلى زينب بنت أبى سلمة ثم إلى عبد الله بن عمر وكلهم يقولون لها كفري عن يمينك وخلي بين الرجل وبين امرأته قال أبو عمر ليس في رواية بن وهب هذا الخبر كل مملوك لها حر وهو في رواية سليمان التيمي وأشعث الحمراني عن بكر المزني في هذا الحديث وفي رواية أشعث في هذا الحديث بن عباس وأبو هريرة وبن عمر وحفصة وعائشة وأم سلمة وإنما هي زينب بنت أم سلمة أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثنا سلمة بن شبيب قال سمعت الحميدي يقول إذا حلف الرجل في الغضب بعتق رقبة أو جميع ماله في المساكين هدية والمشي إلى بيت الله يجزئه كفارة يمين حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا محمد بن عمر العربي قال حدثنا زيد بن أبي الزرقاء عن سفيان الثوري في الرجل يقول ماله في المساكين صدقة وكل شيء له في سبيل الله قال كفارة يمين وبهذا الإسناد قال بن وضاح أخبرنا محمد بن عمرو قال حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي في الرجل يقول ماله في المساكين صدقة ويحلف بذلك وكل شيء له في سبيل الله يحلف بذلك قال كفارة يمين وبه يقول محمد بن عمرو قال بن وضاح وحدثنا زهير بن عباد قال حدثنا هشيم بن بشير عن

مطرف عن الشعبي والحكم والحارث العكلي أنهم قالوا في رجل قال كل مال لك في المساكين صدقة فحنث قالوا ليس بشيء قال وحدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا علي بن زياد عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن فيمن حلف في كل ما يملكه في سبيل الله وفي المساكين فحنث قال يطعم عشرة مساكين قال سفيان وبه نأخذ قال بن وضاح وحدثنا أبو زيد بن أبي العمر في الرجل يحلف بماله في المساكين أو كل شيء له في سبيل الله قال أما أنا فأقول عليه كفارة يمين ويجزئه إن شاء الله قال بن وضاح وحدثنا أبوالطاهر أحمد بن عمرو بن السرح قال سألت عبد الله بن وهب عن الرجل يقول كل شيء له في سبيل الله إن فعلت كذا ثم يفعله قال يخرج ثلث ماله عند مالك قلت لابن وهب فإن أدى زكاة ماله أو أخرج كفارة يمينه أتراه مجزئا عنه لما فيه من الاختلاف فقال أرجو أن يجزئه إن شاء الله قال أبو الطاهر وسمعت بن وهب غير مرة يفتي به في هذا بعينه وكان ربما أفتى أن الحالف إن كان موسرا أخرج ثلث ماله وإن كان معسرا أخرج زكاة ماله وإن كان مقلا أخرج كفارة يمينه وكان يستحسن ذلك وفي سماع رومان عبد الملك بن الحسن من بن وهب أنه سئل عن الرجل يخلف بأشد ما أخذه أحد عن أحد ثم يحلف قال يجزئه كفارة يمين أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب فقال يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءه عن يمينه ثم جاءه عن يساره ثم من خلفه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذفه بها فلو أصابته لوجعته وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يستلف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى

قال أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا بن إدريس عن بن إسحاق بإسناده ومعناه وزاد خذ عنا مالك لا حاجة لنا به وقال حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال حدثنا سفيان عن بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد سمع أبا سعيد الخدري يقول دخل رجل المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يطرحوا ثيابا فطرحوا ثيابا فأمر له منها بثوبين ثم حث على الصدقة فجاء فطرح أحد الثوبين فصاح النبي صلى الله عليه وسلم به وقال خذ ثوبك وأما ما رواه عن عائشة فيمن قال مالي في رتاج الكعبة أنه يكفره ما يكفر اليمين فهو مذهب جمهور العلماء القائلين بكفارة اليمين في من حلف بصدقة ماله وهو قول الشافعي ومن ذكرنا معه على حسب ما تقدم في هذا الباب عنهم وأما الكوفيون فمنهم من يوجب عليه أن يتصدق بماله كله إذا قال مالي في رتاج الكعبة على حسب ما ذكرنا عنهم في هذا الباب فيمن حلف بصدقة ماله ومالك لا يراه شيئا لأنه لا يمكنه وضعه في رتاج الكعبة ولا يحتاج رتاج الكعبة إليه فكأنه عنده من معنى اللغو أو اللعب كما لو قال مالي في البحر وأصله الذي بنى عليه في الأيمان مذهبه أن كل يمين فيها بر وخير فهي عنده كالنذر تلزم حالفها الكفارة كما تلزمه الوفاء بها إن نذر وما لا بر فيه ولا طاعة فلا يفي به إن نذره ولم ير قول من قال مالي في رتاج الكعبة من البر والطاعة ولا هي عنده يمين فيكفرها ولا نذر طاعة فيفي به وهذا تحصيل مذهبه فقد روى إسماعيل بن أبي أويس عن مالك قال مالي في رتاج الكعبة قال قالت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ما يكفره اليمين وما هو عندي بالممكن إن هو كفر أن يكون ذلك مجزيا عنه وهو حقيق قال أبو عمر يعني المشهور من مذهب عائشة فيمن قال مالي في سبيل الله أنه يجزئه الثلث بلا نحر فما دونه وهو خلاف لما روى مالك وروى عنه سائر أصحابه فيمن قال مالي في رتاج الكعبة قال وقال مرة أخرى من قال مالي هدي إلى الكعبة فالثلث يجزئه قال أبو عمر الذي قالت عائشة رضي الله عنها عليه جمهور العلماء وبالله التوفيق تم كتاب النذور والأيمان والحمد لله رب العالمين

كتاب الضحايا بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما باب ما ينهى عنه من الضحايا مالك عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال أربعا وكان البراء يشير بيده ويقول يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم العرجاء البين ظلعها والعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقي هكذا روى مالك حديث البراء هذا عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز لم يختلف الرواة عن مالك في ذلك والحديث إنما رواه عمرو بن الحارث عن سليمان بن عبد الرحمن ولا يعرف هذا الحديث إلا لسليمان بن عبد الرحمن هذا لم يروه غيره عن عبيد بن فيروز ولا يعرف عبيد بن فيروز إلا بهذا الحديث وبرواية سليمان هذا عنه

ورواه عن سليمان جماعة منهم عمرو بن الحارث بن يعقوب المصري شيخ مالك هذا ومنهم الليث بن سعد وشعبة بن الحجاج ويزيد بن أبي حبيب وبن لهيعة وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في التمهيد حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بن زهير قال حدثني عفان وعاصم بن علي قالا حدثني شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن مولى بني أسد قال سمعت عبيد بن فيروز مولى بني شيبان قال سألت البراء ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأضاحي وما نهى عنه فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدي أقصر من يده العوراء البين عورها والعرجاء البين ظلعها والمريضة البين مرضها والكسير التي لا تنقي قلت للبراء إني أكره أن يكون في السن نقص أو في الأذن نقص أو في القرن نقص قال ما كرهته فدعه ولا تحرمه على أحد قال أبو عمر أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها لا أعلم خلافا بين العلماء فيها ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها فإذا كانت العلة في ذلك قائمة آلا ترى أن العوراء إذا لم تجز في الضحايا فالعمياء أحرى ألا تجوز وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أحرى ألا تجوز وكذلك ما كان مثل ذلك كله وفي هذا الحديث دليل على أن المرض الخفيف يجوز في الضحايا والعرج الخفيف الذي تلحق به الشاة في الغنم لقوله صلى الله عليه وسلم البين مرضها والبين ظلعها وكذلك النقطة في العين إذا كانت يسيرة لقوله العوراء البين عورها وكذلك المهزولة التي ليست بغاية في الهزال لقوله والعجفاء التي لا تنقي يريد بذلك التي لا شيء فيها من الشحم والنقي الشحم كذلك جاء في هذا الحديث لبعض رواته وقد ذكرناه في التمهيد ولا خلاف في ذلك أيضا ومعنى قول شعبة فيه والكسير التي لا تنقي يريد الكسير التي لا تقوم ولا تنهض من الهزال قال مالك العرجاء التي لا تلحق الغنم فلا تجوز في الضحايا وقد زعم بعض العلماء أن ما عدا الأربعة العيوب المذكورة في هذا الحديث

تجوز في الضحايا والهدايا بدليل الخطاب في أن ما عدا المذكور بخلافه وهو لعمري وجه من وجوه القول لولا أنه قد جاء عن النبي عليه السلام في الأذن والعين ما يجب أن يكون مضموما إلى الأربعة المذكورة في حديث البراء وكذلك ما كان في معناها عند جمهور العلماء حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا إسرائيل قال حدثني عن أبي إسحاق عن شريح بن النعمان عن علي رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء وبه عن أبي بكر قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان بن عيينة عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علي رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن قال أبوعمر المقابلة عند أهل الفقه وأهل اللغة ما قطع طرف أذنها والمدابرة ما قطع من جانبي الأذن والشرفاء المشقوقة الأذن والخرقاء المثقوبة الأذن و لا خلاف علمته بين العلماء أن قطع الأذن كلها أو أكثرها عيب يتقى في الضحايا واختلفوا في الصكاء وهي التي خلقت بلا أذنين فذهب مالك والشافعي أنها إذا لم تكن لها أذن خلقة لم تجز وإن كانت صغيرة الأذنين جازت

وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل ذلك وذكر محمد بن الحسن عنه وعن أصحابه أنها إذا لم يكن لها أذن خلقة أجزأت في الضحايا قال والعمياء خلقة لا تجوز في الضحايا وقال بن وهب عن مالك والليث المقطوعة الأذن أو جل الأذن لا تجوز والشق للميسم يجزئ وهو قول الشافعية وجماعة الفقهاء واختلفوا في جواز الأبتر في الضحية فروي عن بن عمر وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن وإبراهيم أنه يجزئ في الضحية وذكر بن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد أنه سمعه يقول يكره ذهاب الذنب والعور والعجف وذهاب الأذن أو نصفها قال بن وهب وكان الليث يكره الضحية بالأبتر قال أبو عمر قد روي في الأبتر حديث مرفوع من حديث شعبة عن جابر الجعفي عن محمد بن قرظة عن أبي سعيد الخدري أنه قال اشتريت كبشا لأضحي به فأكل الذئب من ذنبه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ضح به وحديث جابر الجعفي لا يحتج به وإن كان حافظا لسوء مذهبه فقد روى عنه الأئمة منهم الثوري وشعبة ويحتمل أن يكون أكل من ذنبه اليسير وإن كان كذلك فهو جائز عند العلماء وقد تكلمنا على هذا الحديث في التمهيد مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسن والتي نقص من خلقها قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبوعمر جمهور العلماء روى حديث بن عمر هذا في الموطأ وغيره وقال بعضهم أنه كان يتقي من الضحايا التي لم تسن بكسر السين

وبعضهم يرويه التي لم تسن بفتح السين فمن روى بكسر السين يجعله من السنن ويقول إن المعروف من مذهب بن عمر أنه كان لا يضحي إلا بالثني من الضأن والمعز والإبل والبقر في الهدايا والضحايا والذي روي عنه لم تسن بفتح السين يقول معناه لم تعط أسنانا وهي الهتماء لا تجوز عند أكثر أهل العلم في الضحايا وكان أبو محمد بن قتيبة يقول ليس الصواب في حديث بن عمر هنا إلا قول من رواه لم تسنن بنونين أي لم تعط أسنانا قال وهذا كلام العرب لم يقولوا تسنن من لم تخرج أسنانه فكما يقولون لم يلبن إذا لم يعط لبنا ولم يستمن إي لم يعط سمنا ولم يعسل لم يعط عسلا وهذا مثل النهي عن الهتماء في الأضاحي وقال غير بن قتيبة لم تسنن التي لم تبدل أسنانها وهذا نحو قول بن عمر في أنه لا يجوز إلا الثني فما فوقه إلا الجدع وأما حديث بن عمر أنه كان يتقي في الضحايا والبدن التي تنقص من خلقها والتي لم تسنن ففيه دليل على أن كل ما نقص من الخلق في الشاة لا تجوز في الضحية عنده إلا أن العلماء مجمعون على أن الجماء جائز أن يضحى بها فدل إجماعهم هذا على أن النقص المكروه هو ما تتأذى به البهيمة وينقص من ثمنها ومن شحمها وأجمع الجمهور على أن لا بأس أن يضحي بالخصي الأجم إذا كان سمينا وهم مع ذلك يقولون أن الأقرن الفحل أفضل من الخصي الأجم إلا أن يكون الخصي الأجم أسمن فالأصل مع تمام الخلق السمن ذكر بن وهب قال أخبرني عبد الجبار بن عمر عن ربيعة أنه كان يكره كل نقص يكون في الضحبة أن يضحي به قال فأخبرني عمرو بن الحارث وبن لهيعة عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار أنه كان يكره من الضحايا التي بها من العيب ما ينتقص من سمنها قال وسمعت مالكا يكره كل نقص يكون في الضحية إلا القرون وحدهم فإنه كان لا يرى بأسا أن يضحي بمكسورة القرن وتراه بمنزلة الشاة الجماء

قال أبو عمر جمهور العلماء على القول بجواز الضحية المكسورة القرن إذا كان لا يدمي فإن كان يدمي فقد كرهه مالك وكأنه جعله مرضا بينا وقد روى قتادة عن جرير بن كليب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الضحايا عن أعضب الأذن والقرن قال قتادة فقلت لسعيد بن المسيب ما عضب الأذن والقرنقال النصف أو أكثر قال أبو عمر لا يوجد ذكر القرن في غير هذا الحديث وبعض أصحاب أبي قتادة لا يذكر فيه القرن ويقتصر فيه على ذكر الأذن وحدها بذكره كذلك رواه هشام عن قتادة وهذا الذي عليه جماعة الفقهاء في القرن وأما الأذن فكلهم يراعون فيه ما قدمنا ذكره وفي إجماعهم على إجازة الضحية بالجماء ما يبين لك أن حديث القرن لا يثبت ولا يصح و هو منسوخ لأنه معلوم أن ذهاب القرنين معا أكثر من ذهاب بعض أحدهما وأما قول بن عمر يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسن فإن بن قتيبة قال هي التي لم تنبت أسنانها كأنها لم تعط أسنانا وهذا كما تقول لم تلبن أي لم تعط لبنا ولم تستمن أي لم تعط سمنا ولم تعسل أي لم تعط عسلا قال وهذا مثل النهي عن الهتماء في الأضاحي وقال غيره التي لم تسن التي لم تنزل أسنانها وهذا يشبه مذهب بن عمر لأنه كان يقول في الضحايا والبدن الثني فما فوقها ولا يجوز عنده الجدع من الضأن فما فوقها ولا غيره وهذا خلاف الآثار المرفوعة وخلاف الجمهور الذين هم حجة على من شذ عنهم وبالله التوفيق قال أبو عمر ورواية مالك عن نافع عن بن عمر في التي لم تسن والتي نقص من خلقها أصح من رواية من روي عنه جواز الأضحية بالأبتر والله أعلم وذكر بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب أنه قال لا تجوز في الضحايا المجذوعة ثلث الأذن ومن أسفل منها ولا تجوز المسلولة الأسنان ولا

الصرماء ولا جداء الضرع ولا العجفاء ولا الجرباء ولا المصرمة الأطماء وهي المقطوعة حلمة الثدي ولا العوراء ولا العرجاء قال أبو عمر قول بن شهاب في هذا الباب هو المعمول به والله الموفق للصواب باب ما يستحب من الضحايا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر ضحى مرة بالمدينة قال نافع فأمرني أن أشتري له كبشا فحيلا أقرن ثم أذبحه يوم الأضحى في مصلى الناس قال نافع ففعلت ثم حمل إلى عبد الله بن عمر فحلق رأسه حين ذبح الكبش وكان مريضا لم يشهد العيد مع الناس قال نافع وكان عبد الله بن عمر يقول ليس حلاق الرأس بواجب على من ضحى وقد فعله بن عمر قال أبو عمر أما الكبش الأقرن الفحل فهو أفضل الضحايا عند مالك وأكثر أهل العلم وقد ذكرنا اختلافهم في الأفضل من الإبل والبقر والغنم في الهدايا والضحايا عند قوله صلى الله عليه وسلم في كتاب الصلاة من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن بما أغنى عن إعادته ها هنا والدليل على أن الكبش أفضل ما يضحى به حدثناه عبد الملك بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن الهيثم أبو الأحوص قال حدثني أبو يعقوب الحنيني عن هشام بن ربيعة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال تجلى جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كيف رأيت نسكنا يا جبريل

فقال لقد تباهى به أهل السماء واعلم يا محمد أن الجذع من الضأن خير من السيد من الإبل ومن البقر ولو علم الله ذبحا خيرا منه لفدى به إبراهيم وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال قرة قال حدثني يحيى عن شعبة عن قتادة عن أنس قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين فرأيته ذبحهما بيده واضعا قدمه على صفاحهما وسمى وكبر وروي هذا المعنى من حديث جابر وأبي هريرة وأبي الدرداء وفي حديث أبي الدرداء وجابر خصيين موجوءين وفي حديث أبي هريرة أنه قال حين ذبحهما بسم الله والله أكبر حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر قال حدثني مسدد قال حدثني عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين قال أنس وأنا أضحي بكبشين وأما تفسير الأملحين فإن الأملح ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني يحيى بن معين قال حدثني حفص عن جعفر بن محمد عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبش أقرن فحيل ينظر في سواد ويأكل في سواد ويمشي في سواد وأخبرنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثنا سليمان قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرنا حيوة بن شريح قال أخبرنا أبو صخر عن بن قسيط عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

أمر بكبش أقرن ينظر في سواد ويطأ في سواد ويبرك في سواد فضحى به فقال يا عائشة هلم المدية ثم قال اشحذيها بحجر ففعلت فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه وذبحه وقال بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به وأما حلق بن عمر لرأسه فلم يذكر أنه من سنة الأضحى ويمكن أن يكون فعله لمرضه الذي كان يشكو أو قد أخبر أنه ليس بواجب على الناس ولا هو عند أحد من أهل العلم من سنة الأضحى فيما علمت والله أعلم باب النهي عن ذبح الضحية قبل انصراف الإمام مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن أبا بردة بن نيار ذبح ضحيته قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعود بضحية أخرى قال أبو بردة لا أجد إلا جذعا يا رسول الله قال وإن لم تجد إلا جذعا فذبح مالك عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر ذبح ضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى وأنه ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعود بضحية أخرى قال أبو عمر أما حديث يحيى بن سعيد هذا عن عباد بن تميم فظاهره في رواية مالك الانقطاع وكذلك قال يحيى بن معين هو مرسل

ذكر ذلك عنه أحمد بن زهير وليس هو عندي كذلك لأن حماد بن سلمة روى عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر ذبح قبل أن يصلي فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد ورواه الدراوردي عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر أخبره أنه ذبح قبل الصلاة وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعيد أضحيته فرفع الدراوردي الإشكال في ذلك وبين في روايته أن الحديث متصل مسند وأما لفظ حديث مالك ذبح أضحيته قبل أن يغدو إلى المصلى فلا خلاف بين العلماء أن من ذبح ضحيته قبل أن يغدو إلى المصلى بعد الصلاة فقد فعل ما لا يجب وأنه لا ضحية له وأن عليه إعادة ما أفسد من ضحيته تلك إذا ذبحها قبل وقتها وإنما اختلفوا فيمن ذبح بعد الصلاة وقبل أن يذبح الإمام على ما تراه فيما بعد من هذا الباب إن شاء الله وأما حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار في أول هذا الباب ورواه رواة الموطأ وورد كما رواه يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن أبا بردة ذبح ضحيته قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث كذلك رواه يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن أبي بردة بن نيار أنه ذبح وذكر الحديث وقصة أبي بردة بن نيار في ذلك محفوظة من حديث البراء بن عازب رواها الشعبي عن البراء ورواها عن الشعبي جماعة منهم منصور بن المعتمر وداود بن أبي هند ومطرف بن طريف وزبيد اليامي وعاصم الأحول وسيار كلهم يرونه عن الشعبي عن البراء ومن رواه عن الشعبي عن جابر فقد أخطأ وفي حديث البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بردة بن نيار تلك شاة لحم قال فإن عندي عناقا جذعة خير من شاة لحم فهل تجزئ عني قال نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده وطرقه في التمهيد وفي حديث مالك في الفقه أن الذبح لا يجوز قبل ذبح الإمام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذي ذبح قبله بالإعادة وقد أمر الله عز وجل عباده بالتأسي بنبيه صلى الله عليه وسلم وحذرهم من مخالفته

وقد أجمع العلماء على أن الأضحى مؤقت بوقت إلا أنهم اختلفوا في تعيين ذلك الوقت على ما نورده عنهم في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله وأجمعوا على أن الذبح لأهل الحضر لا يجوز قبل الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم وأما الذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام فموضع اختلف فيه العلماء واختلفت فيه الآثار أيضا فذهب مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي إلى أنه لا يجوز لأحد أن يذبح أضحيته قبل ذبح الإمام وحجتهم حديث مالك في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بردة بن نيار أن يعود بضحية أخرى وكان ذبح قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى بن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن النبي عليه السلام صلى يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر فأمر من كان نحر قبله أن يعيد بذبح آخر ولا ينحر حتى ينحر النبي عليه السلام وقال معمر عن الحسن في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله الحجرات نزلت في قوم ذبحوا قبل أن ينحر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبل أن يصلي فأمرهم أن يعيدوا وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والليث بن سعد لا يجوز ذبح الأضحية قبل الصلاة ويجوز بعدها قبل أن يذبح الإمام لأن الإمام وغيره فيما يحل من الذبح ويحرم سواء فإذا أحل الإمام الذبح حل لغيره ولا معنى لانتظاره وحجتهم حديث الشعبي عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نسك قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم وقال داود بن أبي هند وعاصم عن الشعبي عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ذبح قبل الصلاة فليعد

ومن حديث أنس وجندب البجلي عن النبي عليه السلام مثله وذكر الطحاوي حديث بن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر من نحر قبله أن يعيد ضحيته وقال لا حجة فيه لأنه قد خالفه حماد بن سلمة فرواه عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا ذبح أضحيته قبل أن يصلي فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذبح أحد قبل الصلاة قال أبو عمر معروف عند العلماء أن بن جريج أثبت في أبي الزبير من حماد بن سلمة وأعلم به وليس في حديث حماد بن سلمة ولا في الأحاديث عن البراء ولا عن أنس ولا عن جندب إلا النهي عن الذبح قبل الصلاة وهذا موضع لا خلاف فيه ولا حجة لمن نزع به في أن الذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام جائز لأنه ليس في نهيه عليه السلام عن الذبح قبل الصلاة دليل على أن الذبح بعد الصلاة قبل الإمام جائز هذا لو لم يكن نص فكيف و هذا النص الثابت من حديث جابر ومرسل بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من ذبح قبل أن يذبح بالإعادة حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني الميمون بن حمزة قال حدثني الطحاوي قال حدثني المزني قال حدثني الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن داود بن أ بي هند عن الشعبي عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم النحر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لا يذبحن أحد حتى نصلي قال فقام خالي فقال يا رسول الله هذا يوم اللحم فيه معدوم وإني ذبحت نسيكتي وأطعمت أهلي وجيراني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم متى فعلت قال قبل الصلاة قال فأعد ذبحا آخر فقال عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم فقال هي خير من نسيكتيك ولن تجزئ عن أحد بعدك قال عبد الوهاب أظن أنها ماعز قال الشافعي هي ما نحروا إنما يقال للضأنية رخل

قال الشافعي وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث خير نسيكتيك وإن كانت الواحدة هي النسك والأول شاة لحم لأنه ذبحها يتولى بها النسك فلم تجز عنه الأولى وإن كانت أراد بها النسك وجزت عنه الآخرة لأنه ذبحها في وقت النسك فكانت خيرها لأنها جزت قال وقوله ولن تجزئ عن أحد بعدك يعني العناق وكانت له خاصة ولا تجزئ الجذع لغيره إلا من الضأن خاصة دون سائر الأنعام قال أبو عمر لا خلاف علمته بين العلماء أن الجذع من المعز لا يجزئ هدية ولا ضحية والذي يجزئ في الضحية والهدي الجذع من الضأن فما فوقه والثني مما سواه فما فوقه من الأزواج الثمانية والجذع من الضأن بن سبعة أشهر قيل إذا دخل فيها وقيل إذا أكملها وعلامته أن يرقد صوف ظهره قبل قيامه فإذا كان ذلك قالت الأعراب فذا جذع وثني المعز إذا تمت له سنة ودخل في الثانية وثني البقر إذا أكمل له سنتان ودخل في الثالثة والثني من الإبل إنما كمل له خمس سنين ودخل في السادسة قال أبو عمر أجمعوا أن من ذبح قبل الصلاة وكان ساكنا بمصر من الأمصار أنه لا يجزئه ذبحه كذلك واختلفوا في وقت ذبح أهل البادية للضحية فقال مالك يذبح أهل البادية إذا نحر أقرب أئمة أهل القرى إليهم فينحرون بعده فإن لم يفعلوا وأخطؤوا ونحروا قبله أجزأهم وقال الشافعي وقت الذبح وقت صلاة النبي عليه السلام من حين حلت الصلاة وقدر خطتين وأما صلاة من بعده فليس فيها وقت وبه قال أحمد بن حنبل والطبري وقال أبو حنيفة وأصحابه من ذبح من أهل السواد قبل طلوع الفجر أجزأه لأنه ليس عليهم صلاة العيد وهو قول الثوري وإسحاق بن راهويه وقال عطاء يذبح أهل القرى بعد طلوع الشمس

وأما قوله في حديث مالك فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعود بضحية أخرى فقد احتج به من رأى أن الضحية واجبة فرضا قالوا لأن ما لم يكن واجبا لم يؤمر فيه بإعادة وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا فقال مالك على الناس كلهم ضحية المسافر والمقيم إذا قدر عليها ومن تركها من غير عذر فبئس ما صنع وقال أبو عمر تحصل مذهبه إنها من السنن التي يؤمر الناس بها ويندبون إليها ولا يرخص في تركها إلا للحاج بمنى ويضحي عنده عن اليتيم والمولود وكل واحد لها وقال الشافعي هي سنة وتطوع ولا تجب لأحد قوي عليها تركها وليست بواجبة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي الحديث قال الشافعي هي سنة على جميع المسلمين وعلى الحاج بمنى وغيرهم وبه قال أبو ثور وقال الثوري ليست الضحية بواجبة وكان ربيعة والليث بن سعد يقولان لا نرى أن يترك المسلم الموسر المالك لأمره الضحية وروي عن سعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود أنهم كانوا لا يوجبونها وهو قول أحمد بن حنبل وروي عن الشعبي الصدقة أفضل من الأضحية وروي ذلك عن مالك

وهذا تحصيل مذهبه وقال أبو ثور الضحية افضل من الصدقة لأن الضحية سنة وكيدة لصلاة العيد ومعلوم أن صلاة العيد أفضل من النوافل وكذلك صلوات السنن أفضل من التطوع قال أبو عمر في فضل الضحية آثار وقد ذكرتها في التمهيد وقال أبو حنيفة الضحية واجبة وقال أبو يوسف ليست بواجبة وقال محمد بن الحسن الأضحى واجب على كل مقيم في الأمصار إذا كان موسرا هكذا ذكره الطحاوي عنهم في كتاب الخلاف وذكر عنهم في مختصره قال قال أبو حنيفة والأضحية واجبة على المقيمين الواجدين من أهل الأمصار وغيرهم ولا تجب على المسافرين و قال يجب على الرجل من الأضحية عن ولده الصغير مثل الذي يجب عليه عن نفسه قال وخالفه أبو يوسف ومحمد فقالا ليست الأضحية بواجبة ولكنها سنة غير مرخص فيها لمن وجد السبيل إليها قال وبه نأخذ وقال إبراهيم النخعي الأضحى واجب على أهل الأمصار ما خلا الحاج قال أبو عمر حجة من ذهب إلى إيجابها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بردة بن نيار بأن يعيد ضحيته إذ ذبحها قبل الصلاة وقوله في العناق لا يجزئ عن أحد بعدك ومثل هذا إنما يقال في الفرائض الواجبة لا في التطوع وقال الطحاوي فإن قيل فإنه أوجبها ثم أتلفها فمن هناك أوجب عليه إعادتها لأنها واجبة في الأصل قيل له لو أراد هذا صلى الله عليه وسلم لتعرف قيمة المتلفة ليأمره بمثلها فلما لم يعتبر ذلك دل على أنه لم يقصد إلى ما ذكرت وبما احتج ومما لم يأمره بمثلها فلما لم يغير ذلك دل على أنه لم يقصد على ما ذكرت

ومما احتج به أيضا من أوجبها حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يجعله من قول أبي هريرة على ما بينا في كتاب التمهيد قال من كان له سعة ولم يضح فلا يشهد مصلانا قال أبو عمر ليس في اللفظ تصريح بإيجابها لو كان مرفوعا فكيف والأكثر يجعلونه من قول أبي هريرة وقد عارضه حديث أم سلمة عن النبي عليه السلام أنه قال إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره و لا من أظفاره ولا شيء يقال في الواجب من أراد فعله حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني يحيى بن أيوب قال حدثني عبيد الله بن معاذ قال حدثني معاذ بن معاذ العنبري قال حدثني محمد بن عمرو قال حدثني عمر بن مسلم بن عمار بن كيمة الليثي قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت أم سلمة تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا قال أحمد بن زهير سمعت يحيى بن معين يقول محمد بن عمرو ثقة قال وفي كتاب علي بن المديني قال سمعت يحيى بن سعيد يقول محمد بن عمرو أعلى من سهيل بن أبي صالح وقد كان سعيد بن المسيب يفتي بأنه لا بأس بالإطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة وهذا منه ترك للعمل من حديثه عن أم سلمة عن النبي عليه السلام في ذلك إلا أنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك من لم يرد أن يضحي حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني معن بن عيسى قال حدثني مالك عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا بالإطلاء في العشر وقد روى مالك حديث أم سلمة عن عمرو بن مسلم بن أكيمة كما رواه محمد بن عمرو بإسناده عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم

وحدث به شعبة ثم تركه وأبى أن يحدث به وقد زدنا هذا المعنى بيانا في التمهيد ومما يدل على أن سعيد بن المسيب كان يقول بحديثه هذا عن أم سلمة عن النبي عليه السلام ما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن شعبة وهشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عليك وهذا أخذ منه بحديثه عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي الحديث ويدل على أن حديث مالك عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب لم يفت به إلا من لم يرد أن يضحي والله أعلم وقد روى الشعبي عن أبي سريحة الغفاري واسمه حذيفة بن أسيد قال رأيت أبا بكر وعمر وما يضحيان وقال عكرمة بعثني بن عباس بدرهمين أشتري له بهما لحما وقال من لقيت فقل هذه أضحية بن عباس وهذا نحو فعل بلال فيما نقل عنه أنه ضحى بديك ومعلوم أن بن عباس إنما قصد بقوله أن الضحية ليست بواجبه وأن اللحم الذي ابتاعه بدرهمين أغناه عن الأضحى إعلاما منه بأن الضحية غير واجبة ولا لازمة وكذلك معنى الخبر عن بلال لو صح وبالله التوفيق وقال أبو مسعود الأنصاري إني لأدع الأضحى وأنا موسر مخافة أن يرى جيراني أنها حتم علي قال أبو عمر ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم طول عمره ولم يأت عنه أنه ترك الأضحى وندب إليها فلا ينبغي لمؤمن موسر تركها وبالله التوفيق حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أحمد بن محمد بن عثمان بن أبي التمام قال حدثني كثير بن معمر الجوهري قال حدثني محمد بن علي بن داود البغدادي قال حدثني سعيد بن داود بن أبي زنبر قال حدثني مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من نفقة بعد صلة الرحم أعظم عند الله من إهراق الدماء

وروي نحو ذلك بمعناه عن بن عمر مرفوعا عن طاوس قال ما أنفق الناس من نفقة أعظم أجرا من دم مهراق يوم النحر وروي أن للمضحي بكل شعرة من صوفها حسنة وروي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فضيلة قد ذكرتها في التمهيد باب ادخار لحوم الأضاحي مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام ثم قال بعد كلوا وتصدقوا وتزودوا وادخروا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن واقد أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة أيام قال عبد الله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت صدق سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي قالت فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم ويجملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذلك أو كما قال قالوا نهيت عن لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم فكلوا وتصدقوا وادخروا

يعني بالدافة قوما مساكين قدموا المدينة مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أنه قدم من سفر فقدم إليه أهله لحما فقال انظروا أن يكون هذا من لحوم الأضحى فقالوا هو منها فقال أبو سعيد ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها فقالوا إنه قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدك أمر فخرج أبو سعيد فسأل عن ذلك فأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نهيتكم عن لحوم الأضحى بعد ثلاث فكلوا وتصدقوا وادخروا ونهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا وكل مسكر حرام ونهيتكم عن زيارة القبور فزورها ولا تقولوا هجرا يعني لا تقولوا سواء قال أبو عمر أما حديث أبي الزبير في أول هذا الباب فليس فيه أكثر من بيان الناسخ والمنسوخ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمر لا خلاف بين علماء المسلمين فيه في القرآن والسنة وقد تكلمنا على أهل الزيغ والإلحاد المنكرين لذلك في التمهيد وأما حديثه عن عبد الله بن أبي بكر ففيه بيان أن النهي عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث لم يكن عبادة فنسخت وإنما كان لعلة الدافة ومعنى الدافة قوم قدموا المدينة في ذلك الوقت مساكين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحسن إليهم أهل المدينة وأن يتصدقوا عليهم وقد ذكرنا الآثار والشواهد بهذا المعنى في التمهيد وفي حديث الموطأ كفاية فيما وصفنا قال الخليل الدافة قوم يدفون أي يسيرون سيرا لينا وأما قوله ويجملون منها الودك فمعناه يذيبون منها الشحم وهو الودك يقال منه جملت الشحم وأجملته واجتملته إذا أذبته والاجتمال أيضا الإدهان بالجميل وهي الإهالة وأما حديث ربيعة عن أبي سعيد الخدري منقطع لأن ربيعة لم يلق أبا

سعيد وهو يستند إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طرق قد ذكرنا منها كثيرا في التمهيد وقد رواه القاسم بن محمد عن أبى سعيد الخدري ومعلوم أن ملازمة ربيعة القاسم حتى كان يغلب على مجلسه وحديث القاسم رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن أبا سعيد الخدري قدم من سفر ووجد عند أهله شيئا من لحم الأضحية فقال ما هذا فقالوا له أنه حدث بعدك فيه أمر فخرج فلقي أخا له من أمه يقال له قتادة بن النعمان قد شمر برداء فقال له إنه قد حدث بعدك أمر يقول إنه قد أذن في أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وهذا أصح من رواية من روى في هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحيح والله أعلم أنه روى النسخ في هذا الحديث عن أخيه لأمه قتادة بن نعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه عن النبي عليه السلام علي بن أبي طالب وبريدة الأسلمي وجابر وأنس وغيرهم وقد ذكرنا أحاديثهم في التمهيد وفيه من الفقه إشفاق العالم على دينه وتعليمه أهله ما يظن أنه يحملونه منه وترك الإقدام على ما حاك في صدره وفيه أن النهي عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخ بإباحة ذلك وهذا لا خلاف فيه بين علماء المسلمين وأما قوله فكلوا وتصدقوا وادخروا فكلام خرج بلفظ الأمر ومعناه الإباحة لأنه أمر ورد بعد نهي وهكذا شأن كل أمر يرد بعد حصر أنه إباحة لا إيجاب مثل قوله وإذا حللتم فاصطادوا المائدة فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض الجمعة وكان بعض أهل العلم يستحب أن يأكل الإنسان من ضحيته ثلثها ويتصدق

بثلثها ويدخر ثلثها لقوله صلى الله عليه وسلم كلوا وتصدقوا وادخروا وكان ممن ذهب إلى هذا الاستحباب الشافعي رحمه الله وكان غيره يستحب أن يأكل نصفا ويطعم نصفا لقول الله تعالى في الهدايا فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر الحج وكان مالك رحمه الله لا يجد في ذلك شيئا ويقول يأكل ويتصدق والدليل على أن هذا استحباب لا إيجاب حديث ثوبان قال ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحيته ثم قال يا ثوبان أصلح لحم هذه الأضحية قال فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة وفي حديث ثوبان هذا ادخار لحم الضحية وأكله وفيه الضحية في السفر وقد ذكرناه بإسناده في التمهيد وأما قوله ونهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا وكل مسكر حرام فإنه أراد الانتباذ في الأوعية المنهي عنها وهي النقير والمزفت والدباء والحنتم والجر وهو كل شيء يصنع من طين لأن هذه الأوعية إذا تكرر فيها الانتباذ أسرعت إلى ما ينبذ فيه الشدة وقد تواترت الآثار بالنهي عن الانتباذ في هذه الأوعية عن النبي عليه السلام من طرق صحاح وإنما كان النبي عليه السلام وأصحابه وسائر السلف الصالح ينتبذون في أسقية الأدم خاصة لأنها لا تسرع الشدة إلى ما ينتبذ فيها وقد كان عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر لا يجوزان الانتباذ في شيء من الأوعية غير الأسقية وذلك أنهما رويا النهي عنها ولم يرويا النسخ والله أعلم فيهما على ما علما وإلى هذا ذهب سفيان الثوري فلم يجز الانتباذ في الدبا والحنتم والنقير والمزفت وكان الشافعي يكره الانتباذ في هذه الأوعية المذكورة في الأحاديث المأثورة وقال بن القاسم كره مالك الانتباذ في الدبا والمزفت ولم يكره غير ذلك قال أبو عمر أظن هؤلاء الأئمة إنما كرهوا الانتباذ في الأوعية المسماة في

الأحاديث لأنهم علموا أن النهي عنها لعلة ما تولده من إسراع الشدة في الأنبذة مع علمهم أن كل مسكر حرام فخافوا مواقعة الحرام على الأمة وعلموا أن النسخ إنما هو لمن يحفظ فاحتاطوا وبنوا على أصل النهي ولم يقبلوا رخصة النسخ والله أعلم حدثني محمد قال حدثني علي بن عمر قال حدثني عمر قال حدثني الحسن بن إسماعيل بن أحمد بن عتاب قال حدثني الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان قال حدثني هشام بن عمار قال حماد بن عبد الرحمن الطيالسي قال حدثني حماد بن خوار الضبي عن عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبيه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة تصيب أغصانها وجهه وقال إلا إنا كنا نهيناكم عن ثلاث عن زيارة القبور فزوروها فإنها عبرة ونهيناكم عن لحمان الأضاحي أن تأكلوها بعد ثلاث فأصلحوها وكلوها ونهيناكم عن الأنبذة إلا في أسقية الأدم التي يؤكل عليها فانتبذوا فيما شئتم وكل مسكر حرام وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا لا بأس بالانتباذ في جميع الأوعية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النهي كنت نهيتكم فانتبذوا فيما شئتم أو فيما بدا لكم وقد ذكرنا الآثار بالنسخ من طرق متواترة في التمهيد وأما قوله في الحديث وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن العلماء اختلفوا في ذلك على وجهين فقال بعضهم كان النهي عن زيارة القبور عاما للرجال والنساء ثم ورد النسخ كذلك بالاباحة عاما أيضا فدخل في ذلك الرجال والنساء واحتجوا بأن عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن وكانت فاطمة تزور قبر حمزة

وقد ذكرنا الآثار عنهما بذلك في التمهيد وقال آخرون إنما ورد النسخ في زيارة القبور للنساء لا للرجال لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور ونحن على يقين من تحريم زيارة النساء للقبور بذلك ولسنا على يقين من الإباحة لهن لأنه ممكن أن تكون الزيارة أبيحت للرجال دونهن للقصد في ذلك باللعن إليهن وذكروا من الحجة على ما ذهبوا إليه في ذلك حديث شعبة عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن بن عباس قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج قال أبو عمر أبو صالح هذا هو باذام ويقال باذان بالنون وهو مولى أم هانئ وحديث أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور وقد ذكرنا أسانيدها في التمهيد الشركة في الضحايا وعن كم تذبح البقرة والبدنة مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله أنه قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة يحيى مالك عن عمارة بن يسار أن عطاء بن يسار أخبره أن أبا أيوب الأنصاري أخبره قال كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة قال مالك أحسن ما سمعت في البدنة والبقرة والشاة الواحدة أن الرجل ينحر

عنه وعن أهل بيته البدنة ويذبح البقرة والشاة الواحدة هو يملكها ويذبحها عنهم ويشركهم فيها فأما أن يشتري النفر البدنة أو البقرة أو الشاة ويشتركون فيها في النسك والضحايا فيخرج كل إنسان منهم حصة من ثمنها ويكون له حصة من لحمها فإن ذلك يكره وإنما سمعنا الحديث أنه لا يشترك في النسك وإنما يكون عن أهل البيت الواحد مالك عن بن شهاب أنه قال ما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه و عن أهل بيته إلا بدنة واحدة أو بقرة واحدة قال مالك لا أدري أيتهما قال بن شهاب قال أبو عمر أما حديث مالك عن أبي الزبير عن جابر في عام الحديبية أنهم نحروا البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صده المشركون يومئذ عن البيت حين صالحوه فلما تم الصلح نحر من كان معه هدي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ساق معه الهدي وهدي المحصر بعد وعند مالك ليس بواجب وإنما هو تطوع لأنه ليس على المحصر بعد وغيره هدي وأوجبه أشهب وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما ولما لم يكن الهدي واجبا عند مالك عام الحديبية إذ نحروا البدنة والبقرة عن سبعة لم ير الاشتراك في الهدي الواجب ولا في الضحية واختلف قوله في الاشتراك في هدي التطوع وقال مالك تفسير حديث جابر في التطوع ولا يشترك في الهدي الواجب قال وأما في العمرة متطوعا فلا بأس بذلك يعني لا باس بالاشتراك في هديها ذكر ذلك بن عبد الحكم

وكذلك ذكر بن المواز وقال بن المواز لا يشترك في هدي واجب ولا تطوع ثم قال وأرجو أن يكون خفيفا في التطوع وروى بن القاسم عن مالك أنه لا يشترك في هدي واجب ولا في هدي تطوع ولا في نذر ولا في جزاء صيد ولا فدية وهو قول بن القاسم قال وقال مالك جائز أن يذبح الرجل البدنة أو البقرة عن نفسه وعن أهل بيته وإن كانوا أكثر من سبعة يشركهم فيها ولا يجوز عنده أن يشتروها بينهم بالشركة فيذبحوها إنما تجزئ إذا تطوع بها عن أهل بيته ولا تجزئ عن الأجنبيين وقول الليث في ذلك نحو قول مالك قال لا تذبح البدنة ولا البقرة إلا عن واحد إلا أن يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته قال أبو عمر حجة من ذهب مذهب مالك والليث في هذا حديث مالك عن بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذبح عن أهل بيته إلا بقرة واحدة وقد رواه غير مالك عن بن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن نسائه بقرة واحدة ولا يصح من جهة النقل وروي من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله ذكر أبو عيسى الترمذي قال حدثني إسحاق بن منصور قال حدثني هشام بن عمار قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ذبح رسو ل الله صلى الله عليه وسلم عن من اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن قال أبو عيسى سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال إن الوليد بن مسلم لم يقل فيه حدثنا الأوزاعي واراد أخذه عن يوسف بن السفر ويوسف بن السفر ذاهب الحديث وضعف محمد هذا الحديث ومن حجة من ذهب مذهب مالك أيضا في ذلك قول أبي أيوب الأنصاري كنا نضحي بالشاة الواحدة

وقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرك عليا عام حجة الوداع في هديه وكان مفردا عندهم فكان هديه تطوعا واحتج بن خواز بنداذ بالإجماع على أنه لا يجوز أن يشترك في الكبش الواحد النفر قال فكذلك الإبل والبقر قال أبو عمر ما زاد على أن جمع بين ما فرقت السنة وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي تجزئ البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة مضحين ومهدين قد وجب عليهم الدم من متعة أو فراق أو حصر بمرض أو عدو ولا تجزئ البدنة والبقرة عن أكثر من سبعة ولا تجزئ الشاة إلا عن واحد وهي أقل ما استيسر من الهدي وبهذا كله قال أحمد وأبو ثور وإسحاق وداود والطبري وقال زفر لا تجزئ حتى تكون الجهة الموجبة للدم عليهم كلهم أما جزاء صيد لله أو تطوع لله فإن اختلف لم تجزئ وقال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل ثمانية نفر ضحوا أو أهدوا بدنة أو بقرة قال لا يجزئهم ولا يجزئ عن أكثر من سبعة قال جابر أن يشترك النفر السبعة في الهدي والضحية يشترونها فيذبحونها عنهم إذا كانت بقرة أو بدنة قال أبو عمر حجة هؤلاء كلهم حديث جابر وما كان مثله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة وضعفوا حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم الذي فيه ما يدل على أن البدنة نحرت يوم الحديبية عن عشرة أو أكثر من سبعة وقالوا هو مرسل خالفه ما هو أثبت وأصح منه والمسور لن يشهد الحديبية ومروان لم ير النبي عليه السلام وقال بهذا القول أكثر الصحابة رضوان الله عنهم وأما حديث جابر فرواه عنهم جماعة منهم أبو الزبير وعطاء بن أبي رباح والشعبي رواه بن جريج وقيس بن سعد وعبد الملك بن أبي سليمان كلهم عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة يعني يوم الحديبية

وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني مسدد قال حدثني عبد الواحد قال حدثني مجالد قال حدثني الشعبي عن جابر قال سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة وروى يحيى القطان عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سمعه يقول اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج كل سبعة في بدنة حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثني المعلي بن أسد قال حدثني عبد الواحد بن زياد قال حدثني مجالد بن سعيد قال حدثني الشعبي قال سألت بن عمر قلت الجزور والبقرة تجزئ عن سبعة فقال يا شعبي أولها سبعة أنفس فقال قلت إن أصحاب محمد يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الحزور والبقرة عن سبعة فقال بن عمر لرجل أكذلك يا فلان قال نعم قال ما سمعت فهذا وذكرنا في التمهيد من حديث قتادة عن أنس في حديث الحديبية ونحر الهدي قال قتادة كانت معهم يومئذ سبعون بدنة بين كل سبعة بدنة وهذا يدل على أنهم كانوا أربعمائة وتسعين قال أبو عمر قد روي من حديث رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم البدنة عن عشرة ومن حديث بن عباس والمسور بن مخرمة وروى الزهري عن عروة عن مروان والمسور أنهم كانوا يوم الحديبية بضع عشرة مائة وروى محمد بن إسحاق أنهم كانوا سبعمائة فنحر عنهم سبعين بدنة وروي عن جابر أنهم كانوا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة وكذلك قال معقل بن يسار وعبد الله بن أبي أوفى وكانا ممن شهدا الحديبية وقد روى سعيد بن المسيب عن جابر أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في صدر كتاب الصحابة قال أبو عمر وهذه الأعداد مجملة محتملة للتأويل لأنه ممكن أن تكون فيهم جماعة ساقوا عن أنفسهم الهدي فلم يدخلوا فيمن أريد بالنحر في الحديبية

لأن الحديث إنما قصد فيه إلى من أشرك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدنة أو بقرة وحديث نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية البدنة عن سبعة واضح لا مدخل فيه للتأويل وحسبك بقول جابر سن رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة وقال أبو جعفر الطبري أجمعت الأمة على أن البدنة والبقرة لا تجزئ عن أكثر من سبعة قال وفي ذلك دليل على أن حديث بن عباس وما كان مثله خطأ ووهم أو منسوخ وقال أبو جعفر الطحاوي قد اتفقوا على جوازها عن سبعة واختلفوا فيما زاد فلا تثبت الزيادة إلا بتوقيف لا معارض له أو اتفاق قال أبو عمر أي اتفاق يكون على جوازها عن سبعة ومالك والليث يقولان لا تجزئ البدنة إلا عن سبعة إلا أن يذبحها الرجل على أهل بيته فتجوز عن سبعة حينئذ وعن أقل وعن أكثر وسلفهما في ذلك أبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة وغيرهما فأما حديث أبي أيوب ففي الموطأ وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن رجل عن أبي هريرة قال لا بأس أن يضحي الرجل بالشاة عن أهل بيته قال وأخبرنا الثوري عن خالد عن عكرمة أن أبا هريرة كان يذبح الشاة فيقول أهله وعنا فيقول وعنكم قال وأخبرنا الأسلمي عن أبي جابر البياض عن بن المسيب عن عقبة بن عامر قال قسم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما فصار لي منها جذع فضحيت به عني وعن أهل بيتي ثم سألت النبي عليه السلام فقال قد جزى عنكم

قال أبو عمر أبو جابر البياضي متروك الحديث قال وأخبرنا الأسلمي عن يونس بن سيف عن بن المسيب قال ما كنا نعرف إلا ذاك حتى خالطنا أهل العراق فضحوا عن كل واحد بشاة وكان أهل البيت يضحون بالشاة قال أبو عمر تطوع الرجل عن أهل بيته كتطوع النبي عليه السلام إذ قال في ضحيته هذا عني وعن من لم يضح من أمتي وكأنهم أهل بيت له والله أعلم وهذا يصح على مذهب من لم يوجب الأضحية وهم أكثر العلماء ويدخل حينئذ من لم يضح ذلك العام من أمته في ثواب تلك الضحية وكذلك سائر أهل بيت الرجل يشركهم في ثوابها وإن لم يكونوا يملكون شيئا منها قال أنس ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين ذبحهما بيده فقال بسم الله والله أكبر اللهم عن محمد وأمته قال وأخبرنا عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني قتيبة بن سعيد قال أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني عن عمرو عن المطلب عن جابر قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل عن منبره وأتى بكبش فذبحه بيده وقال بسم الله والله أكبر هذا عني وعن من لم يضح من أمتي وقد احتج بعض أصحابنا في هذا الحديث عن بن عون عن أبي رملة عن مخنف بن سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة أتدرون ما العتيرة هي التي يقول الناس أنها الرجبية قال أبو عمر هذا لا حجة فيه لأن قوله أضحاة يحتمل أن يكون عن كل واحد منهم إن وجد سعة والعتيرة منسوخة بالأضحى عند الجميع وهو ذبح كانوا يذبحونه في رجب في الجاهلية وكان في أول الإسلام ثم نسخ

ويحتمل قوله على أهل كل بيت أضحى إن شاؤوا فيكون ندبا بدليل حديث أم سلمة من أراد منكم أن يضحي وقد تقدم القول في هذا المعنى وحديث أبي رملة عن مخنف بن سليم ليس بالبين أيضا وبالله التوفيق باب الضحية عما في بطن المرأة وذكر أيام الأضحى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر قال الأضحى يومان بعد يوم الأضحى مالك أنه بلغه عن علي بن أبي طالب مثل ذلك قال أبو عمر قول بن عمر يومان بعد يوم الأضحى يريد بعد يوم النحر وهو العاشر من ذي الحجة والأضحى عنده ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده وهي الأيام المعلومات عنده وهو قول علي رضي الله عنه وبه قال مالك وأصحابه وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في عدد أيام الأضحى واختلفوا في الأيام المعلومات على ما نذكره في هذا الباب إن شاء الله وأما الأيام المعدودات فلا أعلم خلافا بين العلماء في أنها أيام التشريق وأيام منى ثلاثة أيام بعد يوم النحر وليس النحر منها وما أعلم خلافا عن أحد من السلف والخلف في ذلك إلا رواية شاذة جاءت عن سعيد بن جبير أنه قال الأيام المعلومات والمعدودات هي أيام التشريق ولم يقل أحد علمناه أن يوم النحر من أيام التشريق غير سعيد بن جبير في هذه الرواية وهي رواية واهية لا أصل لها وأظنها وهما سقط منها أيام العشر لأن المعروف عنه أن المعلومات أيام العشر والمعدودات أيام التشريق والذي عليه جماعة العلماء أن أيام التشريق هي الثلاثة الأيام بعد يوم النحر ليس يوم النحر منها وهي الأيام المعدودات وهي أيام منى عند الجميع

واختلفوا في الأيام المعلومات على قولين أحدهما أنها أيام العشر آخرها يوم النحر وهو قول بن عباس وبه قال أبو حنيفة والشافعي ومحمد بن الحسن وهو قول إبراهيم وطائفة من أهل العلم بتأويل القرآن حدثني أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثني محمد بن عثمان بن ثابت الصيدلاني ببغداد قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال حدثني يحيى بن سعيد عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال الأيام المعلومات أيام النحر العشر والمعدودات أيام التشريق قال علي هذا الحديث رواه شعبة عن هشيم ولم يسمعه من أبي بشر والقول الثاني أن الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده روي ذلك عن بن عمر من وجوه وبه قال مالك وأصحابه وأبو يوسف القاضي وروينا عن مالك وعن أبي يوسف أيضا أنهما قالا الذي نذهب إليه في الأيام المعلومات أنها أيام النحر يوم النحر ويومان بعده لأن الله تعالى قال ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام الحج فعلى قول مالك ومن تابعه يوم النحر معلوم أي من المعلومات ليس بمعدود أي ليس من المعدودات واليومان بعده معدودات معلومات على ما وصفنا وأما اختلاف الفقهاء في أيام الأضحى فاختلاف متباين جدا وروي عن بن سيرين أنه قال الأضحى يوم واحد يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة وعن سعيد بن جبير وجابر بن زيد أنهما قالا النحر في الأمصار يوم واحد في منى ثلاثة أيام وقال مالك وأبو حنيفة والثوري وأصحابهما الأضحى ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده

وبه قال أحمد بن حنبل قال أحمد الأضحى ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وبن عمر وأبي هريرة وأنس بن مالك إلا أنه اختلف في ذلك عن علي وبن عباس وبن عمر فروي عنهم ما ذكر أحمد وروي عنهم الأضحى أربعة أيام يوم النحر وأيام التشريق كلها ولم يختلف عن أبي هريرة وأنس في أن الأضحى ثلاثة أيام وقال الأوزاعي والشافعي وأصحابه الأضحى أربعة أيام يوم النحر وأيام التشريق كلها ثلاثة أيام بعد يوم النحر وهو قول بن شهاب الزهري وعطاء والحسن وروي ذلك أيضا عن علي وبن عمر وبن عباس والأصح عن بن عمر الأضحى ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده واختلف عن عطاء على هذين القولين وأما الحسن البصري فروي عنه في ذلك ثلاث روايات أحدهما كما قال مالك يوم النحر ويومان بعده والثاني كما قال الأوزاعي والشافعي يوم النحر وثلاثة أيام بعده وروي عنه الأضحى إلى آخر يوم من ذي الحجة فإذا أهل هلال المحرم فلا أضحى والأشهر عن عطاء ما قاله الشافعي في الأضحى أنه يوم النحر وثلاثة أيام بعده وهو قول عمر بن عبد العزيز وهو مذهب المدنيين وروي ذلك عن أبي سعيد الخدري وروي ذلك عن محمد بن نصر المروزي قال حدثني حميد بن مسعدة قال حدثني سعيد بن ذريع عن حبيب المعلم عن عطاء قال أيام النحر أربعة أيام يوم النحر وأيام التشريق كلها

قال وحدثني يحيى بن يحيى قال حدثني هشيم عن يونس عن الحسن قال أيام النحر ثلاثة بعد يوم النحر وروي عن قتادة يوم النحر وستة أيام بعده وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري وبن جريج عن عطاء قال الذبح أيام منى كلها قال أبو عمر الحجة لمن ذهب هذا المذهب حديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق ذبح ورواه سليمان بن موسى عن بن أبي حسين عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه فروي عنه منقطعا ومتصلا واضطرب عليه أيضا في بن أبي حسين وسليمان بن موسى وإن كان أحد أئمة أهل الشام في العلم فهو عندهم سيئ الحفظ ولهذا قيل عنه عبد الرحمن بن أبي حسين وقيل عبد الرحمن بن أبي حسين وربما لم يذكر نافع بن جبير وقد أجمع العلماء على أن يوم النحر يوم الأضحى وأجمعوا أن الأضحى بعد انسلاخ ذي الحجة ولا يصح عندي في هذه المسألة إلا قولان أحدهما قول مالك والكوفيين الأضحى يوم النحر ويومان بعده والآخر قول الشافعي والشاميين يوم النحر وثلاثة أيام بعده وهذان القولان قد رويا عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واختلف عنهم فيهما وليس عن أحد من الصحابة خلاف هذين القولين فلا معنى للاشتغال بما خالفهما لأن ما خالفهما لا أصل له في السنة ولا في قول الصحابة وما خرج عن هذين فمتروك لهما وكان مالك لا يرى أن يضحي بليل قال لا يضحي أحد بليل لأن الله عز وجل قال ويذكروا اسم الله في

أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام الحج فذكر الأيام دون الليالي وكره ذلك أبو جعفر الطبري وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما لا بأس بالضحية تذبح ليلا في أيام النحر ولا يجوز ذلك ليلة يوم النحر لأن الله عز وجل ذكر الأيام والليالي تبع لها وهو قول إسحاق وأبي ثور مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر لم يكن يضحي عما في بطن المرأة قال أبو عمر الاختلاف في الضحية عن ما في بطن المرأة شذوذ وجمهور العلماء على ما روي عن بن عمر في ذلك ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يضحي عن حبل وكان يضحي عن ولده الصغار والكبار ويعق عن ولده كلهم

كتاب الذبائح بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وسلم باب ما جاء في التسمية على الذبيحة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له يا رسول الله إن ناسا من أهل البادية يأتوننا بلحمان ولا ندري هل سموا الله عليها أم لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سموا الله عليها ثم كلوها قال مالك وذلك في أول الإسلام قال أبو عمر لم يختلف عن مالك في إرسال هذا الحديث وقد أسنده جماعة ثقات رووه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وخرجه البخاري وغيره مسندا وقد ذكرنا الطرق عنهم بذلك في التمهيد ورواه مرسلا كما رواه مالك بن عيينة ويحيى القطان وسعيد بن عبد الرحمن وعمرو بن الحارث عن هشام بن عروة عن أبيه لم يتجاوزوه وفيه من الفقه أن التسمية على الذبيحة من سنن الإسلام وفيه دليل على أن هذا الحديث لم يكن إلا بعد نزول قوله تعالى ولا

تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه الأنعام لقوله فيه لا ندري هل سموا الله عليه أم لا وهذا الحديث كان بالمدينة وأهل باديتها كانوا الذين يأتون إليهم باللحمان والأمر بالتسمية في سورة الأنعام وهي مكية وقد بينا في التمهيد معنى قوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه الأنعام وما للعلماء في ذلك وما الأصل فيه وأما قوله سموا الله عليها ثم كلوها فإن العلماء مجمعون على أن التسمية على الأكل مندوب إليها لما في ذلك من البركة وليس ذلك من شروط الذكاة لأن الميتة والأطعمة لا تحتاج إلى التذكية وإنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ليعلمهم أن المسلم لا يظن به ترك التسمية على ذبيحته ولا يظن به إلا الخير وأمره محمول على ذلك ما خفي أمره حتى يستبين فيه غيره وفيما وصفنا دليل على أن التسمية على الذبيحة سنة مسنونة لا فريضة ولو كانت فرضا ما سقطت بالنسيان لأن النسيان لا يسقط ما وجب عمله من الفرائض إلا أنها عندي من مؤكدات السنن وهي آكد من التسمية على الوضوء وعلى الأكل وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة فقال سم الله وكل مالك عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أمر غلاما له أن يذبح ذبيحة فلما أراد أن يذبحها قال له سم الله فقال له الغلام قد سميت فقال له سم الله ويحك قال له قد سميت الله فقال له عبد الله بن عياش والله لا أطعمها أبدا قال أبو عمر هذا حديث واضح في أن من ترك التسمية على الذبيحة عمدا لم تؤكل ذبيحته تلك ألا ترى أن في خبره هذا أراد أن يذبحها فقال له سم الله فأمره بذلك من قبل أن يذبحها وراجعه بما لم يصدقه لأنه كان بموضع لا يخفى عنه ذلك لقربه

وعلم معاندته لأنه كان يجيبه بقوله قد سميت ولا يسمي ولو قال في موضع قوله قد سميت باسم الله اكتفي بذلك منه فاعتقد أنه عمدا ترك التسمية عليها فلم يستحل أكلها وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم فيمن ترك التسمية على الصيد أو الذبيحة عامدا وأما اختلاف العلماء فيمن ترك التسمية على الذبيحة أو على الإرسال على الصيد عامدا أو ناسيا فقال مالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي إن تركها عمدا لم تؤكل الذبيحة ولا الصيد وإن نسي التسمية في ذلك أكلت وبه قال إسحاق بن راهويه ورواية عن أحمد بن حنبل وقال بعض هؤلاء من تعمد ترك التسمية مع علمه بما أمره الله به فيها فقد استباح بغير ما أذن الله له فيه فصار في معنى قوله وإنه لفسق فلم تؤكل ذبيحته وهذا ليس بشيء لأن هذا إنما قيل في ذبيحة من ذبح لغير الله عز وجل ممن لا يؤمن بالله وللكلام في ذلك موضع غير هذا وقال الشافعي وأصحابه تؤكل الذبيحة والصيد في الوجهين جميعا تعمد في ذلك أو نسيه وهو قول بن عباس وأبي هريرة وعطاء وسعيد بن المسيب والحسن وجابر بن زيد وعكرمة وعطاء وابي رافع وطاوس وإبراهيم النخعي و عبد الرحمن بن أبي ليلى وقتادة ولا أعلم أحدا روي عنه أنه لا يؤكل ممن نسي التسمية على الصيد أو الذبيحة إلا بن عمر والشعبي وبن سيرين و قد أجمعوا في ذبيحة الكتابي أنها تؤكل وإن لم يسم الله عليها إذا لم يسم عليها غير الله وأجمعوا أن المجوسي والوثني لو سمى الله لم تؤكل ذبيحته وفي ذلك بيان أن ذبيحة المسلم حلال على كل حال لأنه ذبح بدينه وروي عن بن عباس وأبى وائل شقيق بن سلمة وبن أبي ليلى أنهم قالوا في ذلك إذا ذبحت بدينك فلا يضرك

واحتج من ذهب هذا المذهب بأن قال لما كان المجوسي لو سمى الله تعالى لم تنفع تسميته شيئا لأن المراعاة لدينه كأن المسلم إذا ترك التسمية عامدا لا يضره لأن المراعاة لدينه وهو معنى قولهم إنما ذبحت بدينك وقد روي عن الحسن مثل قول مالك وعلى هذين القولين جمهور العلماء بتأويل القرآن قال بن جريج قلت لعطاء لو أن ذابحا ذبح ذبيحته لم يذكر عليها اسم الله أيأكلها قال نعم سبحان الله أو كل من ذبح يذكر اسم الله قال عطاء كل مسلم صغير أو كبير امرأة أو صبية ذبح فكل من ذبيحته ولا تأكل من ذبيحة مجوسي وقال أبو ثور وداود بن علي من ترك التسمية عامدا أو ناسيا لم تؤكل ذبيحته ولا صيده وهذا قول لا نعلمه روي عن أحد من السلف ممن يختلف عنه فيه إلا محمد بن سيرين ونافعا مولى بن عمر وهذان يلزمهما أن يتبعا سبيل الحجة المجتمعة على خلاف قولهما وبالله التوفيق باب ما يجوز من الذكاة في حال الضرورة مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلا من الأنصار من بني حارثة كان يرعى لقحة له بأحد فأصابها الموت فذكاها بشظاظ فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ليس بها بأس فكلوها مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما لها بسلع فأصيبت شاة منها

فأدركتها فذكتها بحجر فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا بأس بها فكلوها قال أبو عمر أما حديثه الأول عن زيد بن اسلم فلم يختلف عنه في إرساله على ما في الموطأ وقد ذكره البزار مسندا فقال حدثنا محمد بن معمر قال حدثني حبان بن هلال قال حدثني جرير بن حازم عن أيوب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره السراج محمد بن إسحاق أبو العباس قال حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش قال حدثنا حبان بن هلال قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا أيوب عن زيد بن اسلم فلقيت زيد بن أسلم فحدثني عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال كانت لرجل من الأنصار ناقة ترعى في قبلي أحد فنحرها يزيد فقلت لزيد وتد من حديد أو خشب قال يلى من خشب وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأمره بأكلها قال أبو عمر اللقحة الناقة ذات اللبن والشظاظ العود الحديد الطرف كذا قال أهل اللغة وقد روى هذا الحديث يعقوب بن جعفر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار فقال فيه فأخذها الموت فلم يجد شيئا ينحرها به فأخذ وتدا فوجا في لبنها حتى أهراق دمها ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فأمره بأكلها فعلى هذا الحديث وحديث جرير بن حازم الشظاظ الوتد وتفسير أهل اللغة أبين وقال بعضهم الشظاظ هو العود الذي يجمع به بين عروتي الغرارتين على ظهر الدابة واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت بحال العروتين من الشظاظ وقال الخليل الشظاظ خشبة عقفاء محددة الطرف قال أبو عمر التذكية بالشظاظ إنما تكون فيما ينحر لا فيما يذبح لأنه كطرف السنان وفي هذا الحديث من الفقه إباحة تذكية ما نزل به الموت من الحيوان المباح أكله كانت حياته ترجى أو لا ترجى إذا كانت فيه حياة معلومة من حين الذكاة لأن في الحديث فأصابها الموت

وفيه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكلها ولم يسأله عن شيء وقد اختلف الفقهاء في ذكاة ما نزل به الموت من الأنعام مثل المتردية والنطيحة والموقوذة وأكيلة السبع والمنخنقة فقال أبو قرة موسى بن طارق سألت مالكا عن المتردية والمفروسة تدرك ذكاتها وهي تتحرك فقال لا بأس بها إذا لم يكن قطع رأسها أو نثر بطنها قال وسمعت مالكا يقول إذا غير ما بين المنحر إلى المذبح لم تؤكل وفي المستخرجة لمالك وبن القاسم أن ما فيه الحياة وإن كان لا يعيش ولا يرجى له بالعيش يذكى ويؤكل في ذلك وقال الليث بن سعد إذا كانت حية وأخرج السبع بطنها أكلنا إلا ما بان منها وهو قول بن وهب وهو الأشهر من مذهب الشافعي وبه قال إسحاق بن راهويه قال المزني وأحفظ للشافعي قولا آخر أنها لا تؤكل إذا بلغ منها السبع أو التردي إلى ما لا حياة معه قال المزني وهو قول المدنيين وقال أبو حنيفة في كل ما تدركه ذكاته وفيه حياة ما كانت الحياة بأنه ذكى إذا ذكي قبل أن يموت وروى الشعبي عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال إذا أدركت ذكاة الموقوذة أو المتردية أو النطيحة وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها وكان الشعبي وإبراهيم النخعي وعطاء وطاوس والحسن وقتادة كل هؤلاء يقول في قوله تعالى إلا ما ذكيتم المائدة إذا أطرفت بعينيها أو مضغت بذنبها يعني حركته وضربت به أو ركضت برجلها فذكيته فقد أحل الله لك ذلك وذكره عن أصحابه وهو قول أبي هريرة وبن عباس وإليه ذهب بن حبيب وذكره عن أصحاب مالك وروى بن عيينة وشريك وجرير عن الركين بن الربيع عن أبي طلحة الأسدي قال سألت بن عباس عن ذئب عدا على شاة فشق بطنها حتى انتثر

فسقط منه شيء إلى الأرض فقال كل وما انتثر من بطنها فلا تأكل وسنزيد هذا المعنى بيانا في باب ما يكره في الذبيحة من الذكاة بعد هذا أن شاء الله وقد أشبعنا هذا الباب بالآثار وأقاويل أهل التفسير وفقهاء الأمصار في معنى قول الله عز وجل إلا ما ذكيتم المائدة في التمهيد والحمد لله وأما حديثة عن نافع في هذا الباب ففيه وفي الذي قبله دليل على أن كل ما أنهر الدم وفرى الأوداج والحلقوم جازت به الذكاة حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني أبو الأحوص عن عاصم عن الشعبي عن محمد بن صيفي قال ذبحت أرنبين بمروة ثم أتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني بأكلهما قال أبو عمر المروة فوق الحجر وفي حديث مالك عن نافع فذكيتهما الحجر وفي حكم الحجر كل ما قطع وفرى وأنهر الدم ما خلى السن والعظم وقد ذكرنا في التمهيد حديث عدي بن حاتم مسندا أنه قال يا رسول الله أرأيت إن أصاب أحدنا صيدا وليس معه سكين أيذبح بالمروة وبشقة العصا فقال أنزل الدم بما شئت واذكر اسم الله تعالى وروي عن سعيد بن المسيب ما ذبح بالليطة والشطير والظرر فحل ذكي قال أبو عمر الظرر حجر له حد والليطة فلقة القصب لها حد والشطيرة فلقة العود الحادة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث رافع بن خديج قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقلت يا رسول الله إنا نلقى العدو غدا وليس معنا مدى أنذكي بالليط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة وذكر الحديث وقد تقدم ذكره في التمهيد فإذا جازت التذكية بغير الحديد جازت بكل شيء إلا أن يجتمع على شيء فيكون مخصوصا وعلى هذا مذهب مالك وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه والسن والظفر المنهي عن التذكية بهما عندهم هما غير المنزوعين لأن ذلك يصير خنقا وكذلك قال بن عباس رضي الله عنه ذلك الخنق فأما السن والظفر المنزوعان إذا فريا الأوداج فجائز الذكاة بهما عندهم وقد كره قوم السن والظفر والعظم على كل حال منزوعة وغير منزوعة منهم إبراهيم النخعي والحسن بن حي والليث بن سعد وروي ذلك أيضا عن الشافعي وحجتهم ظاهر حديث رافع بن خديج المذكور في هذا الباب وأما حديثه عن نافع فقد ذكرنا الاختلاف فيه في التمهيد وأما سلع فيروى بتسكين اللام وتحريكها وأكثر الرواة يحركونها بالفتح وأظن الشاعر في قوله إن بالشعب الذي دون السلع لقتيلا دمه ما يطل

خفف الحركة وهو جائز في اللغة وفيه أيضا من الفقه إجازة ذبح المرأة وعلى إجازة ذلك جمهور العلماء بالحجاز والعراق وقد روي عن بعضهم أن ذلك لا يجوز إلا على حال الضرورة وأكثرهم يجيزون ذلك وإن لم تكن ضرورة إذا أحسنت الذبح وكذلك الصبي إذا أطاق الذبح وهذا كله قول مالك والشافعي وأهل الحجاز وقول أبي حنيفة والثوري وأهل العراق وقول الليث بن سعد وأحمد وإسحاق وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين قد ذكرناهم في التمهيد وقال بن عباس من ذبح من صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى فكل وأما التذكية بالحجر فقد مضى القول في ذلك واستدل جماعة من أهل العلم بهذا الحديث على صحة ما ذهب إليه فقهاء الأمصار وهم مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري من جواز كل ما ذبح بغير إذن مالكه وردوا بهذا الحديث وما كان مثله على من أبى من أكل ذبيحة السارق والغاصب فممن ذهب إلى تحريم أكل ذبيحة السارق والغاصب ومن أشبههما إسحاق بن راهوية وداود بن علي وتقدمهما إلى ذلك عكرمة وهو قول شاذ عنهم وقد ذكر بن وهب في موطإه بإثر حديث مالك عن نافع هذا قال بن وهب واخبرني أسامة بن زيد الليثي عن بن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فلم ير بها بأسا ومما يؤيد هذا المذهب حديث عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشاة التي ذبحت بغير إذن ربها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعموها الأسارى وهم ممن تجوز عليهم الصدقة مثلها ولو لم تكن ذكية ما أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم

والحديث حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثني عبد الواحد بن زياد عن عاصم بن كليب قال حدثني أبي قال حدثني رجل من الأنصار قال خرجت مع أبي وأنا غلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانا رجل فقال يا رسول الله فلانة تدعوك وأصحابك إلى طعام فانطلق النبي عليه السلام ونحن معه فقعدت مقاعد الغلمان من آبائهم فجيء بالطعام قال فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وضعنا أيدينا وضعوا أيديهم فنظر القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلوك أكله فكفوا أيديهم قال فلاك رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكلة ثم لفظها ورمى بها وقال إنه لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها فقالت المرأة يا رسول الله كنت أريد أن أجمعك أنت وأصحابك على طعام فبعثت إلى العقيق اليوم قالت إلى العقيق النقيع فلم أجد شاة تباع فبعث إلي أخي عابد بن أبي وقاص وقد اشترى شاة أمس فقلت إني كنت بطالبة شاة اليوم فلم أجد فابعث لي بشاتك التي اشتريت أمس فلم يكن أخي ثم فدفع إلى أهله الشاة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فأطعموه الأسارى مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال لا باس بها وتلا هذه الآية ومن يتولهم منكم فإنه منهم المائدة قال أبو عمر هذا الحديث يرويه ثور بن زيد عن عكرمة عن بن عباس كذلك رواه الدراوردي وغيره وهو محفوظ عن بن عباس في وجوه منها ما ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن عاصم عن عكرمة عن بن عباس وتلا ومن يتولهم منكم فإنه منهم المائدة قال وأخبرني معمر عن عطاء الخرساني قال لا بأس بذبائحهم ألا تسمعوا الله عز وجل يقول ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب البقرة قال وأخبرنا معمر قال سألت الزهري عن ذبائح نصارى العرب فقال من انتحل دينا فهو من أهله ولم ير بذبائحهم بأسا وروى عطاء بن السائب عن عكرمة عن بن عباس قال كلوا من ذبائح

بني تغلب وتزوجوا نساءهم فإن الله تعالى يقول ومن يتولهم منكم فإنه منهم المائدة قال أبو عمر على هذا أكثر العلماء إلا أن يسمي النصراني من العرب المسيح على ذبيحته فإن قال بسم المسيح أو ذبح لآلهته أو لعيده فإنهم اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا نذكره في هذا الباب إن شاء الله وأما نصارى العرب فمذهب على بن أبي طالب رضي الله عنه في نصارى العرب بني تغلب وغيرهم وقد قيل إنه خص بني تغلب بأن لا تؤكل ذبائحهم روى معمر عن أيوب عن بن سيرين عن عبيدة السلماني أن عليا رضي الله عنه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب ويقولون أنهم لا يتمسكون من النصرانية إلا بشرب الخمر وقالت بهذا طائفة منهم عطاء وسعيد بن جبير وهو أحد قولي الشافعي وأما اختلاف العلماء فيما ذبح النصاري لكنائسهم وأعيادهم أو ما سموا عليه المسيح فقال مالك ما ذبحوه لكنائسهم أكره أكله وما سمي عليه باسم المسيح لا يؤكل والعرب عنده والعجم في ذلك سواء وقال الثوري إذا ذبح وأهل به لغير الله كرهته وهو قول إبراهيم قال سفيان وبلغنا عن عطاء أنه قال قد أحل الله ما أهل لغير الله لأنه قد علم أنهم سيقولون هذا القول وقد أحل ذبائحهم وروي عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت قالا لا بأس بما ذبح النصارى لكنائسهم وموتاهم قال أبو الدرداء طعامهم كله لنا حل وطعامنا لهم حل وإلى هذا ذهب فقهاء الشاميين مكحول والقاسم بن مخيمرة وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وسعيد بن عبد العزيز والأوزاعي وقالوا سواء سمى النصراني المسيح على ذبيحته أو سمى جرجس أو ذبح لعيده أو لكنيسته كل ذلك حلال لأنه كتابي ذبح بدينه وقد أحل الله ذبائحهم في كتابه

وقال المزني عن الشافعي لا تحل ذبيحة نصارى العرب وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وروى قيس بن الربيع عن عطاء بن السائب عن زاذان عن علي قال إذا سمعت النصراني يقول باسم المسيح فلا تأكل وإذا لم يسم فكل فقد أحل الله ذبائحهم وعن عائشة قالت لا تأكل ما ذبح لأعيادهم وعن بن عمر مثله وعن الحسن وميمون بن مهران أنهما كانا يكرهان ما ذبح النصارى لأعيادهم وكنائسهم وآلهتهم و قد قال إسماعيل بن إسحاق كان مالك يكرهه من غير أن يوجب فيه تحريما وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن عمرو بن ميمون بن مهران أن عمر بن عبد العزيز كان يوكل بقوم من النصارى قوما من المسلمين إذا ذبحوا أن يسموا الله ولا يتركوهم أن يهلوا لغير الله مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقول ما فرى الأوداج فكلوه مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ما ذبح به إذا بضع فلا بأس به إذا اضطررت إليه قال أبو عمر أما قول سعيد بن المسيب إذا اضطررت إليه فكلام ليس على ظاهره وإنما معناه ألا يذبح بغير المدى والسكاكين وقاطع الحديد اختيارا وقد مضى القول في معنى هذين الحديثين فأصل هذه المسألة أن كل ما خرق برقته أو قطع بحده أكل ما ذكى به لأنه يعمل عمل الحديد قال عمر بن الخطاب ليذك لكم الأسل النبل والرماح

وسيأتي القول فيما قتل المعراض في بابه بعد هذا إن شاء الله وروى الثوري عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قال قلنا يا رسول الله إنا نخاف أن نلقى العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة وهذا الحديث أصل هذا الباب مع ما قدمنا في الباب قبله وبالله توفيقنا وممن استثنى السن والظفر على كل حال الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق والحسن بن حي وقال مالك ما يضع من عظم أو غيره ذكي به وقال الكوفيون الظفر والسن المنزوعان لا بأس بالتذكية بهما إن شاء الله مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب أنه سأل أبا هريرة عن شاة ذبحت فتحرك بعضها فأمره أن يأكلها ثم سأل عن ذلك زيد بن ثابت فقال إن الميتة لتتحرك ونهاه عن ذلك وذكر بن وهب هذا الخبر في موطئه عن مالك بإسناده قال في آخره سألت مالكا عن ذلك فقال إذا كان شيئا خفيفا فقول زيد أحب إلي وإن كان جرى الروح في الجسد فلا بأس بأكلها قال بن وهب وأخبرني يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول الذكاة في العين تطرف والذنب يتحرك والرجل يركض قال وأخبرني يونس عن ربيعة قال ما أدركت مما أكل السبع حيا فكله يريد إذا أدركت ذكاته وسئل مالك عن شاة تردت فتكسرت فأدركها صاحبها فذبحها فسال الدم منها ولم تتحرك فقال مالك إذا كان ذبحها ونفسها يجري وهي تطرف فليأكلها قال أبو عمر على قول مالك هذا في الموطإ أكثر العلماء وهو قول علي وأبي هريرة وبن عباس ومن ذكرنا معهم في الباب قبل هذا من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى من الفقهاء

وقد اختلف في ذلك أصحاب مالك واختلف فيه قول الشافعي وقد ذكرنا في الباب قبل هذا كثيرا من معنى هذا الباب وذكر حماد بن سلمة عن يوسف بن سعيد عن يزيد مولى عقيل بن أبي طالب قال كانت لي عناق كريمة فكرهت أن أذبحها فلم ألبث أن تردت فأمررت الشفرة على أوداجها فركضت برجلها فسألت زيد بن ثابت فقال إن الميت يتحرك بعد موته فلا تأكلها قال أبو عمر لا أعلم أحدا من الصحابة قال بقول زيد هذا وقد قال علي وبن عباس وأبو هريرة وجماعة التابعين أنه إذا ذبحت وفيها حياة فإن ذلك منها فإن تطرف بعينها أو تحرك ذنبها أو تضرب بيديها أو رجلها فهي ذكية جائز أكلها وقد ذكرنا ذلك عنهم في الباب قبل هذا وذكرنا عن مالك ما فيه كفاية في ذلك والحمد لله وقال محمد بن مسلمة إذا قطع السبع حلقوم الشاة أو قسم صلبها أو شق بطنها فأخرج معاها أو قطع عنقها لم تزك وفي سائر ذلك تذكى إذا كان فيها حياة وذكر بن حبيب عن أصحاب مالك خلاف ذلك في الذي شق بطنها أنها تذكى وقال إسحاق بن منصور سمعت إسحاق بن راهويه يقول في الشاة يعدو عليها الذئب فيبقر بطنها ويخرج المصارين حتى يعلم أنها لا يعيش مثلها قال السنة في ذلك ما وصف بن عباس لأنه وإن خرجت مصارينها فإنها حية بعد وموضع الذكاة منها سالم قال وإنما ينظر عند الذبح أهي حية أم ميتة ولا ينظر هل تعيش مثلها وكذلك المريضة التي لا يشك في أنه مرض موت جائز ذكاتها إذا أدركت فيها حياة قال وما دامت فيها الحياة فله أن يذكيها قال ومن قال بخلاف هذا فقد خالف السنة من جمهور الصحابة وعامة العلماء قال أبو عمر هذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه في أصل مذهبهم

وقد روى أصحاب الإملاء عن أبي يوسف أنه إذا بلغ التردي أو النطح أو الضرب من الشاة حالا لا تعيش من مثله لم تؤكل وإن ذكيت قبل الموت وكذلك قول الحسن بن حي وذكر بن سماعة عن محمد إن كان يعيش مثله اليوم أو مثله أو دونه فذكاها حلت وإن كانت لا تبقى إلا كتفا المذبوح لم تؤكل واحتج بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت جراحته متلفة وصحت أوامره ونفذت عهوده ولو قتله قاتل في ذلك الوقت كان عليه القود وقال الأوزاعي إذا كان فيها حياة وذبحت أكلت وقال والمصبورة إذا ذبحت لم تؤكل وقال الليث إذا كانت حية وقد أخرج السبع جوفها أكلت إلا ما بان منها هذا قول بن عباس حدثني أحمد بن عبد الله قال حدثني إسماعيل بن محمد قال حدثني عبد الملك بن بحر الجلاب قال حدثني محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثني سنيد بن داود قال حدثني جرير بن حازم عن الركين بن الربيع بن عميلة عن أبي طلحة الأسدي قال سأل رجل بن عباس قال كنت في غنمي فعدا الذئب فبقر شاة منها فوقع قصبها بالأرض فأخذت ظررا من الأرض فضربت بعضه ببعض فصار لي منه كهيئة السكين فذبحتها به فقطعت العروق وأهرقت الدم قال انظر ما أصاب الأرض منه فاقطعه وارم به فإنه قد مات وكل سائرها وقال الشافعي إذا شق بطن الشاة واستوقن أنها تموت إن لم تذك فذكيت فلا بأس بأكلها قال المزني وأحفظ له أنها لا تؤكل إذا بلغ ذلك منها مبلغا لا بقاء لحياتها إلا كحياة المذبوح وقال البويطي إذا انخنقت الشاة أو تردت أو وقذت أو نطحت أو أكلها السبع فبلغ ذلك منها مبلغا ليس لها معه حياة إلا مدة قصيرة والروح قائم فيها ذكيت وأكلت رجيت حياتها أو لم ترج وهي كالمريضة ترجى حياتها قال أبو عمر أجمعوا في المريضة التي لا ترجى حياتها أن ذبحها ذكاة لها إذا كانت فيها الحياة في حين ذبحها وعلم ذلك منها بما ذكروا من حركة يدها أو رجلها أو ذنبها ونحو ذلك

وأجمعوا أنها إذا صارت في حال النزع ولم تحرك يدا ولا رجلا أنه لا ذكاة فيها فكذلك ينبغي في القياس أن يكون حكم المتردية وما ذكر معها في الآية والله أعلم باب ذكاة ما في بطن الذبيحة مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول إذا نحرت الناقة فذكاة ما في بطنها في ذكاتها إذا كان قد تم خلقه ونبت شعره فإذا خرج من بطن أمه ذبح حتى يخرج الدم من جوفه قال أبو عمر لم يرد بن عمر بذبح الجنين ها هنا شيئا من الذكاة لأن الميت لا يذكى وأنما أراد خروج الدم من جوفه ولو كان خرج حيا لم تكن ذكاة أمه بذكاة بإجماع من العلماء مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ذكاة ما في بطن الذبيحة في ذكاة أمه إذا كان قد تم خلقه ونبت شعره قال أبو عمر اختلف العلماء في ذكاة الجنين فقال مالك بما رواه عن بن عمر وسعيد بن المسيب في ذلك قال إذا تم خلقه وأشعر أكل وإلا لم يؤكل وقال أبو حنيفة وزفر لا يؤكل الجنين إلا أن يخرج حيا من بطن أمه فيذكى وقال أبو يوسف ومحمد والثوري والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي والحسن بن حي يؤكل وإن كان شيئا إذا ذكيت الأم وذكاة أمه ذكاته قال أبو عمر روي قول مالك في إعتبار أشعاره وتمام خلقه عن جماعة من أهل المدينة والحجاز وغيرهم منهم بن عمر و سعيد بن المسيب وبن شهاب ومجاهد وطاوس والحسن وقتادة

وروى معمر عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن عثمان قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال حدثني سفيان بن عيينة قال حفظت من الزهري عن بن كعب بن مالك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة امه قال سفيان وقال أبان بن تغلب وكان صاحب عربية إذا أشعر الجنين قال سفيان فأما الذي حفظت أنا من الزهري إذا أشعر قال أبو عمر قيل أشعر إذا تم خلقة وإن لم يشعر قال أبو عمرو الشيباني المشعر التام الخلق الطويل وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر وروي مثل قول الشافعي ومن ذكرنا معه عن إبراهيم النخعي وروى الثوري عن منصور عن إبراهيم قال ذكاته ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر إلا أن يقذره وبن عيينه عن الحسن بن عبيد الله النخعي قال سألت إبراهيم عن جنين البقرة فقال هو ركن من أركانها وبن خديج عن داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب أنه قال كله إن لم يشعر وروى بن المبارك وغيره عن مجالد بن سعيد عن أبي الوداك جبر بن نوف قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البقرة أو الناقة أو الشاة ينحرها أحدنا فيجد في بطنها جنينا أيأكله أم يلقيه قال كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه قال أبو عمر ليس في هذا الحديث المسند اشتراط أشعاره ولا غيره وروى بن المبارك عن بن أبي ليلى عن أخيه عن أبيه أو عن الحكم بن

أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى الشك من بن المبارك عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر ورواه غير بن المبارك عن بن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد الخدري وبن أبي ليلى سيئ الحفظ عندهم جدا ومن حديث زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذكاة الجنين ذكاة أمه وأما قول أبي حنيفة وزفر فليس له في حديث النبي عليه السلام ولا في قول أصحابه ولا في قول الجمهور أصل وزعم أبو حنيفة أنه لم ير ذكاة واحدة تكون لاثنين واستحال غيره أن تكون ذكاة لنفسين وهو يرى أن من أعتق حاملا فإن عتقها عتق لجنينها فإذا جاز أن يكون عتق واحد عتقا لاثنين فغير نكير أن تكون ذكاة نفس ذكاة نفسين هذا من جهة القياس فكيف والسنة مغنية عن كل رأي وبالله التوفيق وقد روي عن بن عباس في قوله أحلت لكم بهيمة الأنعام المائدة قال الجنين وعن الحسن قال بهيمة الأنعام الشاة والبقرة والبعير تم كتاب الذبائح وهو آخر الجزء السادس وذلك في العشر الآخر من ذي القعدة سنة اثنين وخمسين وخمسمائة يتلوه في الجزء السابع كتاب الصيد

كتاب الصيد بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وسلم تسليما باب ترك أكل ما قتل المعراض والحجر مالك عن نافع أنه قال رميت طائرين بحجر وأنا بالجرف فأصبتهما فأما أحدهما فمات فطرحه عبد الله بن عمر وأما الآخر فذهب عبد الله بن عمر يذكيه بقدوم فمات قبل أن يذكيه فطرحه عبد الله أيضا مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد كان يكره ما قتل المعراض والبندقة قال مالك ولا أرى بأسا بما أصاب المعراض إذا خسق وبلغ المقاتل أن يؤكل قال الله تبارك وتعالى يأيها الذين أمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم المائدة قال فكل شيء ناله الإنسان بيده أو رمحه أو بشيء من سلاحه فأنفذه وبلغ مقاتله فهو صيد كما قال الله تعالى قال أبو عمر اختلف العلماء قديما وحديثا في صيد البندقة والمعراض والحجر

فمن ذهب إلى أنه صيد لم يجز منه إلا ما أدرك ذكاته كما صنع بن عمر وفي فعل بن عمر دليل على جواز التذكية فيما أدركت ذكاتة وفيه حياة وإن خيف عليه الموت فقد تقدم هذا المعنى مجردا وقال أبي حنيفة وأصحابه والحسن بن حي والشافعي في صيد البندقة والمعراض والحجر نحو قول مالك وخالفهم الشاميون في ذلك وقال الكوفيون ومالك إن أصاب المعراض بعرضة فقتل لم يؤكل وإن خرق جلده أكل وزاد الثوري وإن رميته بحجر أو بندقة كرهته إلا أن تذكيه وقال الشافعي إن خرق برقته أو قطع بحده أكل وما خرق بثقله فهو وقيد وله فيما نالته الجوارح ولم تدمه قولان أحدهما أن لا يأكل حتى يخرق لقوله تعالى من الجوارح والآخر أنه حل قال أبو عمر اختلاف بن القاسم وأشهب في هذه المسألة على هذين القولين فذهب بن القاسم إلى أنه لا يؤكل حتى يدميه الكلب ويجرحه ولا يكون ذكيا عنده إلا بذلك وقال أشهب إن مات من صدمة الكلب أكل قال أبو عمر كره إبراهيم النخعي ومجاهد وعطاء ما قتل البندقة والمعراض إلا أن تدرك ذكاته على مذهب بن عمر ورخص فيه عمار بن ياسر وأبو الدرداء وفضاله بن عبيد وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وإلى هذا ذهب الأوزاعي ومكحول وفقهاء الشام قال الأوزاعي في المعراض كله خرق أو لم يخرق فقد كان أبو الدرداء وفضاله بن عبيد وعبد الله بن عمر ومكحول لا يرون به بأسا قال أبو عمر هكذا ذكر الأوزاعي عن عبد الله بن عمر والمعروف عن عبد الله بن عمر ما ذكره مالك عن نافع عنه

وذكر معمر عن أيوب عن نافع قال رميت صيدا بحجر فأخذه بن عمر فقال يا نافع ائتني بشيء أذبحه به قال فعجلت فأتيت بالقدوم فمات في يده قبل أن يذبحه فطرحه وعن طاوس وقتادة في المعراض إذا خزق فكله وإلا فلا تأكله قال طاوس وكذلك السهم إذا خرج فكله وإلا فلا تأكله قال أبو عمر الأصل في هذا الباب الذي عليه العمل وفيه الحجة لمن لجأ إليه على من خالفه حديث عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله إني أرمي بالمعراض قال ما خزق فكل وما أصاب بعرضه فلا تأكل فإنما هو وقيذ حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني احمد بن زهير قال حدثني أبو نعيم قال حدثني زكريا عن الشعبي عن عدي بن حاتم فذكره وروى إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم فذكره وروى إبراهيم النخعي عن همام عن عدي بن حاتم عن النبي عليه السلام مثله بمعناه وحديث عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال إنها لا تنكي العدو ولا تصيد الصيد ولكنها تكسر السن وتفقأ العين فدل على أن الحجر لا تقع به ذكاة صيد والله أعلم مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يكره أن تقتل الإنسية بما يقتل به الصيد من الرمي وأشباهه قال أبو عمر اختلف العلماء في هذه المسالة وهي البهيمة الداجن تستوحش والبعير يشرد

فقال مالك وربيعة والليث بن سعد لا يؤكل إلا أن ينحر البعير أو يذبح ما يذبح من ذلك وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي إذا لم يقدر على ذكاة البعير الشارد فإنه يقتل كالصيد ويكون بذلك مذكى قال أبو عمر هذا القول أظهر في أهل العلم لحديث رافع بن خديج قال ند لنا بعير فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا وكلوا رواه سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى الثوري عن حبيب بن أبي ثابت قال جاء رجل إلى علي رضي الله عنه فقال إن بعيرا لي ند فطعنته برمحي فقال علي اهد لي عجزه وروى إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس قال إذا ند البعير فارمه بسهمك واذكر اسم الله وعن بن مسعود معناه ومعمر عن طاوس عن أبيه في البهيمة تستوحش قال هي صيد أو قال هي بمنزلة الصيد قال أبو عمر من جهة القياس لما كان الوحشي إذا قدر عليه لم يحل إلا بما يحل به الإنسي لأنه صار مقدورا عليه فكذلك ينبغي في الإنسي إذا توحش أو صار في معنى الوحشي من الامتناع أن يحل بما يحل به الوحشي وحجة مالك أنهم قد أجمعوا أنه لو لم يند الإنسي أنه لا يذكى إلا بما يذكى به المقدور عليه ثم اختلفوا فهو على أصله حتى يتفقوا وهذا لا حجه فيه لأن إجماعهم إنما انعقد على مقدور عليه وهذا غير مقدور عليه

مالك أنه سمع أهل العلم يقولون إذا أصاب الرجل الصيد فأعانه عليه غيره من ماء أو كلب غير معلم لم يؤكل ذلك الصيد إلا أن يكون سهم الرامي قد قتله أو بلغ مقاتل الصيد حتى لا يشك أحد في أنه هو قتله وأنه لا يكون للصيد حياة بعده قال أبو عمر قول مالك قول صحيح على ما شرط لأنه شرط حتى لا يشك أحد أن السهم قتله وأن لا تكون له حياة بعد وإذا كان هكذا ارتفع معنى الخلاف لأن المخالف لم يحمله على قوله إلا خوف أن يعين الجارح غيره على ذهاب نفس الصيد والله أعلم ولا أعلمهم يختلفون فيمن فرى أوداج الطائر أو الشاة وحلقومها ومريئها ثم وثب فوقعت في ماء أو تردت بعد أنها لا يضرها ذلك ولا خلاف عن مالك أنه إذا أعان على قتل الصيد غرق أو ترد أو كلب غير معلم لم يؤكل قال وإن وقع من الهوي على الأرض فمات ووجدت سهمك لم ينفذ مقاتله لم يؤكل وأما قول الفقهاء في هذه المسألة وما كان في معناه فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إذا رمى الصيد في الهوي فوقع على جبل فتردى ومات لم يؤكل لأنه لم يؤتمن أن يكون التردي قد أعان على قتله مع إنفاذ المقاتل ولو وقع مع إنفاذ المقاتل على الجبل والأرض فمات مكانه أكل وإن وقع في ماء لم يؤكل وقال الأوزاعي وفي الوعل يكون على شرف فيضر به الطائر فيقع لا يأكله لأنه لا يؤمن أن يموت من السقطة وقال في طائر رماه رجل وهو يطير في الهواء فوقع في ماء لا يؤكل قال وإن وقع على الأرض ميتا أكل وروي عن بن مسعود أنه قال إذا رمى أحدكم طائرا وهو على جبل فخر فمات فلا يأكله فإني أخف أن يكون قتله ترديه

قال وكذلك إن وقع في ماء فإني أخاف أن يكون قتله الماء لم يذكر في ذلك كله إنفاذ المقاتل وما خافه بن مسعود قد خافه مالك في قوله حتى لا يشك أحد أنه قتله وكل ما روي عن التابعين وسائر الخلفاء فغير خارج عن هذا المعنى وبالله التوفيق إلا أن بن خديج قال قلت لعطاء إني رميت صيدا فأصبت مقتله فتردى أو وقع في ماء وأنا أنظر فمات قال لا تأكله قال وسمعت مالكا يقول لا بأس بأكل الصيد وإن غاب عنك مصرعه إذا وجدت به أثرا من كلبك أو كان به سهمك ما لم يبت فإذا بات فإنه يكره أكله وفي غير الموطأ قال مالك إذا مات الصيد ثم أصابه ميتا لم ينفذ الكلب أو البازي أو السهم لم يأكله قال أبو عمر فهذا يدل أنه إذا نفذ مقاتله كان حلالا عنده أكله وإن بات إلا إنه يكرهه إذا بات لما جاء عن بن عباس وإن غاب عنك ليلة فلا تأكل وقال اشهب وعبد الملك وأصبغ جائز أكل الصيد وإن بات إذا نفذت مقاتله قال أبو عمر هذه المسألة قد اختلفت فيها الآثار وعلماء الأمصار فقال الثوري إذا غاب عنك ليلة ويوما كرهت أكله وقال الأوزاعي إن وجده من الغد ووجد فيه سهمه أو أثرا من كلبه فليأكله وقال الشافعي القياس الا يأكله إذا غاب عنه مصرعه واحتج مع ذلك بقول بن عباس كل ما أصميت ودع ما أنميت وفي خبر آخر عنه ما غاب عنك ليلة فلا تأكله وقال أبو حنيفة إذا توارى عنه الصيد والكلب في طلبه فوجده قد قتله جاز أكله

وإن ترك الكلب الطلب واشتغل بعمل غيره ثم ذهب في طلبه فوجده مقتولا والكلب عنده كرهنا أكله قال أبو عمر في حديث أبي رزين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الصيد إذا غاب عنك مصرعه وذكر هوام الأرض فإن كان أبو رزين العقيلي فالحديث مسند وإن كان أبو رزين مولى أبي وائل فهو مرسل وقد اختلف فيهما على هذين القولين وروى معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يدرك صيده بعد ثلاث يأكله إلا أن ينتن ذكره أبو داود عن يحيى بن معين عن خالد بن خالد الخياط عن معاوية بن صالح وقال أبو داود حدثني محمد بن المنهال الضرير قال حدثني يزيد بن زريع قال حدثني حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا يقال له أبا ثعلبه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لي كلابا مكلبة فأفتنا في صيدها فقال النبي عليه السلام كل مما أمسكن عليك ذكيا وغير ذكي قال وإن أكل منه قال وإن أكل منه قال يا رسول الله أفتني في قوسي قال كل ما ردت عليك قوسك ذكيا وغير ذكي قال وإن تغيب عني قال وإن تغيب عنك ما لم يضل أو تجد فيه سهم غيرك قال أبو عمر قوله إلا أن يضل يقول إلا أن ينتن فحمله قوم على

التحريم وقالوا لا يحل أكل ما أنتن لأنه يصير خسيئا خبيثا والله قد حرم الخبائث ويدخل فيها كل ما أنتن وبيان السنة كذلك وقال آخرون الذكي حلال والنهي عن أكل ما أنتن منه نفرة وتقذر وقد جاء في صيد البحر وهو ذكي مثل ما جاء في صيد البر إذا أنتن لا يؤكل ذكر يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن أبي حمزة أنه سمع جابر بن عبد الله الأنصاري يقول أمر علينا قيس بن سعد بن عبادة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتنا مخمصة فنحرنا سبع جزائر ثم هبطنا ساحل البحر فإذا لحق بأعظم حوت فأقمنا عليه ثلاثا فحملنا ما شئنا من ثريد وودك منه في الأسقية والقدائر ثم سرنا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بذلك فقال لو أنا نعلم أنا ندركه قبل أن يروح لأحببنا أن يكون عندنا منه وفي هذا الحديث إلا أن يروح يقول إلا أن ينتن ففي هذه الأحاديث النهي عن أكل ما ينتن من اللحم الذكي وهو نص لا يضره تقصير من قعد عن ذكره وفي رواية سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله إنا أهل صيد فيرى أحدنا الصيد فيغيب عنه الليلة والليلتين ثم يبلغ أثره فنجد السهم فيه قال إذا وجدت سهمك فيه ولم تجد فيه أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل وروى معمر عن عاصم عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله فذكر معناه سواء قال أبو عمر هذا قول مالك وجمهور أهل العلم وهو أولى ما اعتمد عليه في هذا الباب والله الموفق للصواب وقد زدنا هذه المسألة بيانا في كتاب الحج عند ذكر حمار البهري لأنه غاب عنه ثم وجده وفيه سهمه والله أعلم قال أبو عمر فإن ظن ظان أن بن عباس يخالف هذا فقد غلط والآثار عنه تدل على هذا المعنى

وروى الثوري عن الأجلح عن عبد الله بن أبي الهذيل قال كنت مع أهل الكوفة إلى بن عباس فلما جئته قال الناس مسألة فجاءه رجل مملوك فقال يا أبا عباس إني أرمي الصيد فأصمي وأنمي قال ما أصميت فكل وما توارى عنك ليلة فلا تأكل ومعمر عن الأعمش عن مقسم عن بن عباس مثله إلا أنه قال وما أنميت فلا تأكل ولم يقل ليلة وهذا كله تفسير حديث إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن بن عباس أنه سئل عن الرجل يرمي الصيد فيجد سهمه فيه من الغد فقال لو علمت أن سهمك قتله لأمرتك بأكله ولكني لا أدري لعله قتله ترد أو غير ذلك باب ما جاء في صيد المعلمات مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في الكلب المعلم كل ما أمسك عليك إن قتل وإن لم يقتل مالك أنه سمع نافعا يقول قال عبد الله بن عمر وإن أكل أو لم يأكل قال أبو عمر هذه الرواية التي بلغته عن نافع خير من التي سمعها هو من نافع لأن روايته في قتل أو لم يقتل تحتاج إلى تفسير لأن الكلب إذا لم يقتل الصيد وأدركه الصائد حيا بين يدي الكلب لزمه أن يذكيه فإن لم يفعل لم يأكله إلا أن يفوته هو بنفسه من غير تفريط فيموت حينئذ كمن قتله الجارح من قبل أن يصل إليه وهذه المسألة ستأتي بعد إن شاء الله وأما الرواية أكل أو لم يأكل فمسألة أخرى اختلفت فيها الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم واختلف فيها الصحابة ومن بعدهم من العلماء فالذي ذهب إليه مالك ما رواه عن بن عمر عن سعد بن أبي وقاص

مالك أنه بلغه عن سعد بن أبي وقاص أنه سئل عن الكلب المعلم إذا قتل الصيد فقال سعد كل وإن لم تبق إلا بضعة واحدة وبلاغ مالك عن نافع عن بن عمر وعن عبد الرزاق قال أخبرنا بن خديج عن نافع عن بن عمر قال في الكلب المعلم كل ما أمسك عليك وإن أكل منه ذكره عبد الرزاق عن بن جريج وهو الصحيح عن بن جريج وكذلك رواه عبيد الله بن عمرو عن بن أبي ذئب عن نافع عن بن عمر وروى قتاده عن عكرمة عن بن عمر أنه كره أكل الصيد يأكل منه الكلب رواه همام وغيره عن قتادة ومعمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يرى بأسا بأكل الصيد يأكل منه الكلب وروى يحيى القطان قال حدثني داود الكندي عن محمد بن زيد عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال إذا أرسلت كلبك أو بازيك فأكل فكل وروى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن بن المسيب أن سلمان قال إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فأكل ثلثيه وبقي ثلثه فكل وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال في الكلب المعلم كل مما امسك عليك وأن أكل ثلثيه وبقي ثلثه فكل قال وقال سعيد كل وإن لم يبق إلا رأسه ورواية عن أبي هريرة مثله وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وبن شهاب وربيعة وإليه ذهب الأوزاعي والليث بن سعد وروى بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث وإبراهيم بن نشيط وبكر بن مخرمة وبن أبي ذئب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن حميد بن مالك أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب فقال كل وإن لم بيق منه إلا جوفه

وروى شعبة عن عبد ربه بن سعيد قال أخبرني بكير بن الأشج أن سعدا قال كل وإن أكل نصفه وحجة مالك ومن قال بقوله في ذلك ما حدثناه عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن عيسى قال حدثني هشيم قال حدثني داود بن عمرو عن بسر بن عبد الله عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل قلت وإن أكل منه يا رسول الله قال وإن أكل منه وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور إذا أكل الكلب من الصيد فهو غير معلم فلا يؤكل من صيده وهو قول بن عباس لم يختلف في ذلك عنه واختلف فيه عن أبي هريرة وروي عنه مثل قول بن عباس وروي عنه مثل قول سلمان وسعد وروى طاوس وسعيد بن جبير وعطاء عن بن عباس في الكلب قال إن أكل من صيده فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ولو كان معلما لم يأكل وبه قال الشعبي وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وإبراهيم النخعي قال أبو عمر حجتهم حديث عدي بن حاتم رواه من وجوه صحاح ما رواه شعبة عن عبد الله بن الشعر عن أبي السفر عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه

وفي رواية مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم عن النبي عليه السلام قال في الكلب وإذا قتل ولم يأكل شيئا فإنما ليس عليه أمسك على نفسه قال أبو عمر قد عارض حديث عدي هذا حديث أبي ثعلبة ناسخ لقوله فيه وإن أكل يا رسول الله قال وإن أكل و الكلب المعلم عند مالك وعند كل من أجاز أكل صيده إذا أكل منه هو أن يشلي فيستشلى ويدعى فيجيب ويزجر فيطيع وليس ترك الأكل عندهم من شرط التعليم وأما الذين أبوا من أكل صيده إذا أكل فمن شرط التعليم عندهم أن لا يأكل مع ما ذكرنا من الإجابة والإشلاء والطاعة وقال الشافعي والكوفيون إذا أشلى استشلى وإذا أخذ حبس ولم يأكل فإذا فعل ذلك مرة بعد مرة أكل صيده في الثالثة ومنهم من قال يفعل ذلك ثلاث مرات ويؤكل صيده في الرابعة وقال غيره إذا فعل ذلك مرة فهو معلم ويؤكل صيده في الثانية وأما الكلب يشرب من دم الصيد فكرهه الشعبي والثوري وشبهاه بأكله وقال عطاء وجمهور العلماء ليس شربه من دم الصيد كأكله منه ولا بأس به مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقولون في البازي والعقاب والصقر وما أشبه ذلك أنه إذا كان يفقه كما تفقه الكلاب المعلمة فلا بأس بأكل ما قتلت مما صادت إذا ذكر اسم الله على إرسالها قال أبو عمر لا أعلم في صيد سباع الطير المعلمة خلافا إنه جائز كالكلب المعلم سواء إلا مجاهد بن جبر فإنه كان يكره صيد الطير ويقول إنما قال الله تعالى وما علمتم من الجوارح مكلبين المائده فإنما هي الكلاب وخالفه عامة العلماء قديما وحديثا فأجازوا الاصطياد بالبازي والشوذنين وسائر سباع الطير المعلمة وروى معمر عن بن طاوس عن أبيه في قوله عز وجل وما علمتم من

الجوارح مكلبين المائدة قال الجوارح من الكلاب والبيزان والصقور والفهود وما أشبههما قال أبو عمر على هذا الناس واختلف الفقهاء في صيد البازي وما كان مثله من سباع الطير فأكل من صيده فقال الجمهور لا يضر ذلك صيده وهو ذكي كله إذا قتله وإن أكل منه لأن تعليمه بالأكل وللشافعي في هذه المسألة قولان أحدهما أن البازي كالكلب إن أكل من صيده فلا يأكل والقول الثاني أنه لا بأس بصيد سباع الطير أكلت أو لم تأكل قال أبو عمر احتج من كره صيد البازي إذا أكل من أصحاب الشافعي بما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني عيسى بن يونس عن مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال ما أمسك عليك فكل وهذا مثل قولك في الكلب قال أبو عمر هذا لا حجة فيه لأنه محتمل للتأويل واحتج أيضا بما رواه بن جريج عن نافع عن بن عمر قال ما يصطاد بالطير والبيزن وغيرهما فما أدركت ذكاته فكل وما لا فلا تطعمه قال وأما الكلب المعلم فكل ما أمسك عليك وإن أكل منه ففرق بين البازي والكلب قال أبو عمر ليس هذا بشيء بل هو حجة عليه لأنه إذا أجاز أكل ما أكل الكلب منه فأحرى أن يجيز أكل ما أكل البازي منه وهذا عندي غير صحيح عنه إلا أن يكون البازي لم ينفذ مقاتله وكان قادرا على تذكيته فتركه وقد روى سعيد بن جبير عن بن عباس قال إذا أكل الكلب المعلم فلا

تأكل وأما الصقر والبازي فإن أكل فكل ولا مخالف له من الصحابة من وجه يصح وقال الحسن و إبراهيم النخعي في البازي والصقر إن أكلا فكل إنما تعليمه أكله قال مالك وأحسن ما سمعت في الذي يتخلص الصيد من مخالب البازي أو من الكلب ثم يتربص به فيموت أنه لا يحل أكل قال مالك وكذلك كل ما قدر على ذبحه وهو في مخالب البازي أو في في الكلب فيتركه صاحبه وهو قادر على ذبحه حتى يقتله البازي أو الكلب فإنه لا يحل أكله قال مالك وكذلك الذي يرمي الصيد فيناله وهو حي فيفرط في ذبحه حتى يموت فإنه لا يحل أكله قال أبو عمر على قول مالك هذا جمهور الفقهاء كلهم يقول إذا مات الصيد قبل أن يمكنه ذبحه جاز أكله وإن أمكنه ذبحه فلم يفعل حتى مات لم يأكله وممن قال بهذا الليث بن سعد والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو قول الحسن وقتادة وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا حصل الصيد في يده حيا من فم الكلب أو الصيد لسهم ولم يذكه لم يؤكل سواء قدر على تذكيته أو لم يقدر و قد قال الليث إن ذهب يخرج سكينة من حقبة أو خفه فسبقه بنفسه فمات أكله وإن ذهب يخرج سكينه من خرجه فمات قبل أن يخرجه لم يأكله وقد روي عن إبراهيم النخعي والحسن البصري في هذه المسألة قول شاذ قالا إذا لم تكن معك حديدة فأرسل عليه الكلاب حتى تقتله قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن المسلم إذا أرسل كلب المجوسي الضاري فصاد أو قتل أنه إذا كان معلما فأكل ذلك الصيد حلال بأس يه وإن لم يذكه المسلم وإنما مثل ذلك مثل المسلم يذبح بشفرة المجوسي أو يرمي بقوسه أو بنبله يقتل بها فصيده ذلك وذبيحته حلال لا بأس بأكله وإذا أرسل المجوسي كلب المسلم الضاري على صيد فأخذه فإنه لا يؤكل ذلك الصيد إلا أن يذكي وإنما مثل ذلك مثل قوس المسلم ونبله يأخذها المجوسي فيرمي بها الصيد فيقتله وبمنزلة شفرة المسلم يذبح بها المجوسي فلا يحل أكل شيء من ذلك

قال أبو عمر الخلاف في ذبائح المجوسي ليس بخلاف عند أهل العلم والفقهاء أئمة الفتوى متفقون على ألا تؤكل ذبائحهم ولا صيدهم ولا تنكح نساؤهم من قال منهم أنهم كانوا أهل كتاب ومن أنكر ذلك منهم كله يقول لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم ولا صيدهم على هذا مضى جمهور العلماء من السلف وهو الصحيح عن سعيد بن المسيب روى معمر عن قتادة عن شعبة عن سعيد بن المسيب في المسلم يستعير كلب المجوسي فيرسله على الصيد قال كله فإن كلبه مثل شفرته قال قتادة وكرهه الحسن قال أبو عمر على جواز صيد المسلم بكلب المجوسي وسلاحه جماعة السلف وتابعهم الجميع من الخلف وشذ عنهم من لزمته الحجة في الرجوع إليهم فلم يعد قوله خلافا وهو أبو ثور قال في المسلم يأمر المجوسي بذبح أضحيته إنها تجزئه وقد أساء وقال في الكتابي يتمجس إنه جائز أكل ذبيحته وقال في موضع آخر من صيد المجوسي قولان أحدهما أنه يجوز كصيد الكتابي وذبيحته لأنه من أهل الكتاب والثاني أنه لا يجوز أكل صيده كقول جمهور المسلمين وأما صيد المسلم بكلب المجوسي فالاختلاف فيه قديم كرهته طائفة ولم تجزه وأجازه آخرون فمن كرهه جابر بن عبد الله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن البصري وعطاء ومجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وإليه ذهب إسحاق بن راهويه وحجة من ذهب إلى هذا ظاهر قول الله عز وجل وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله المائدة فخاطب المؤمن بهذا الخطاب فإن لم يكن المعلم للكلب مؤمنا لم يجز صيده

ومن حجتهم أيضا ما رواه وكيع عن الحجاج عن القاسم بن أبي بزة عن سليمان اليشكري عن جابر بن عبد الله قال نهينا عن صيد كلب المجوسي وخالفهم آخرون فقالوا تعليم المجوسي له وتعليم المسلم سواء وإنما الكلب كالة الذبح والذكاة وممن ذهب إلى هذا سعيد بن المسيب وبن شهاب والحكم وعطاء وهو الأصح عنه إن شاء الله وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم وكان الحسن البصري يكره الصيد بكلب المجوسي والنصراني وقال أحمد بن حنبل أما كلب اليهودي والنصراني فهو أهون وقال إسحاق لا بأس أن يصيد المسلم بكلب اليهودي والنصراني قال أبو عمر لما أجمع الجمهور الذين لا يجوز عليهم تأويل الكتاب وهم الحجة على من شذ عنهم إن ذبح المجوسي بشفرة المسلم ومديته واصطياده بكلب المسلم لا يحل علمنا أن المراعاة والاعتبار إنما هو دين الصائد والذابح لا آلته وبالله التوفيق وأما اختلاف العلماء في ذبائح الصابئين والسامرة وصيدهم فقال الكوفيون لا تؤكل ذبائح الصابئين والمجوس والسامرة فليسوا أهل كتاب وقال الشافعي لا تؤكل ذبائح الصابئين ولا المجوس قال وأما السامرة فهم من اليهود فتؤكل ذبائحهم إلا أنه يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ما يحرمون من الكتاب ويحلون فلا تؤكل ذبائحهم كالمجوس قال وإن كان الصابئون والسامرة من بني إسرائيل يدينون بدين اليهود والنصارى أنكح نساؤهم وأكلت ذبائحهم قال وأما المجوس فكانوا أهل كتاب فتؤخذ منهم الجزية لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح منهم امرأة وعلى هذا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس نجران

قال أبو عمر روي عن بن عباس أنه قال في الصابئين هم قوم بين المجوس واليهود لا تحل نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم وقال مجاهد الصابئون قوم من المشركين لا كتاب لهم وذكر عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن برد بن سنان عن عبادة بن نسي عن غطيف بن الحارث قال كتب عامل عمر إلى عمر أن ناسا يدعون السامرة يقرؤون التوراة ويسبتون السبت ولا يؤمنون بالبعث فقال يا أمير المؤمنين ما ترى في ذبائحهم فكتب إليه عمر أنهم طائفة من أهل الكتاب ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب قال أبو عمر ولا يجيء هذا الخبر عن عمر إلا بهذا الإسناد والله أعلم وجواب الشافعي في السامرة جواب حسن ولا أحفظ فيهم عن مالك قولا والذي يدل عليه ظاهر القرآن أن الصابئين غير اليهود وغير النصارى وغير المجوس قال الله تبارك وتعالى إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا الحج ففصل بينهم وقال يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والأنجيل المائدة وإنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وقال وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم المائدة وقوله يعني ذبائحهم بإجماع من أهل العلم بتأويل القرآن وصيدهم في معنى ذبائحهم وبالله التوفيق باب ما جاء في صيد البحر مالك عن نافع أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل عبد الله بن عمر عما لفظ البحر فنهاه عن أكله قال نافع ثم انقلب عبد الله بن عمر فدعا بالمصحف فقرأ أحل لكم صيد البحر وطعامه قال نافع فأرسلني عبد الله بن عمر إلى عبد الرحمن بن أبي هريرة أنه لا بأس بأكله

قال أبو عمر كان عبد الله بن عمر والله أعلم يذهب فيما لفظ البحر مذهب من كرهه ثم رجع إلى ظاهر القرآن وعمومه في قوله تبارك أسمه أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم المائدة وقد اختلف العلماء في تأويل ذلك فروى وكيع عن سفيان عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن بن عباس قال طعامه ما لفظ به أو قال ما قذف به وبن المبارك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال طعامه ما ألقى وهو قول إبراهيم فيما قذف وكان يكره الطافي وقال محمد بن كعب القرظي عن بن عباس طعامه ما لفظ به فألقاه ميتا وعن زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وبن العاص وعمر بن الخطاب وأبي هريرة مثله وبه قال محمد بن كعب و عطاء وطائفة من التابعين وروى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال صيد البحر طرية ما اصطدته طريا وطعامه ما تزودته مملوحا وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير وأبي مالك وإبراهيم النخعي وطائفة وقد روي عن بن عباس مثله قال أبو عمر من ذهب إلى أن طعامه مملوحا كره ما مات وطفا من السمك ومن قال طعامه ما ألقاه ميتا أجاز ذلك ونبين ذلك في هذا الباب إن شاء الله قال مالك عن زيد بن اسلم عن سعد الجاري مولى عمر بن الخطاب أنه قال سالت عبد الله بن عمر عن الحيتان يقتل بعضها بعضا أو تموت صردا فقال ليس بها بأس قال سعد ثم سألت عبد الله بن عمرو بن العاص فقال مثل ذلك مالك عن أبي الزناد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وزيد بن ثابت أنهما كانا لا يريان بما لفظ البحر بأسا

مالك عن أبي الزناد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسا من أهل الجار قدموا فسألوا مروان بن الحكم عما لفظ البحر فقال ليس به باس وقال اذهبوا إلى زيد بن ثابت وأبي هريرة فاسألوهما عن ذلك ثم ائتوني فأخبروني ماذا يقولان فأتوهما فسألوهما فقالا لا بأس به فأتوا مروان فأخبروه فقال مروان قد قلت لكم قال أبو عمر اختلف العلماء في أكل الطافي من السمك وفي كل ما عدا السمك من حيوان البحر فقال مالك لا بأس بأكل كل حيوان في الأكل لبحر ولا يحتاج شيء منه إلى ذكاة وهو حلال حيا وميتا إلا أنه كره خنزير الماء وقال انتم تسمونه خنزيرا وقال بن القاسم لا أرى خنزير الماء حراما وقال بن أبي ليلى نحو قول مالك في ذلك وهو قول الأوزاعي ومجاهد قال بن أبي ليلى كل شيء في البحر من الضفدع والسرطان وحية الماء وغيرها حلال حيا وميتا وقال الأوزاعي صيد البحر كله حلال وكل ما مسكنه وعيشه في الماء قيل والتمساح قال نعم واختلف عن الثوري فروي عنه مثل قول مالك وروي عنه أنه لا يؤكل من صيد البحر إلا السمك وما عداه فلا بد أن يذبح وروى عنه أبو إسحاق الفزاري أنه لا يؤكل منه غير السمك وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قالوا لا يؤكل شيء من حيوان البحر إلا السمك ولا يؤكل الطافي من السمك وكره الحسن بن حي أكل الطافي من السمك

وقال الليث بن سعد ليس بميتة البحر بأس قال ويؤكل كلب الماء وقرص الماء ولا يؤكل إنسان الماء ولا خنزير الماء وقال الشافعي ما يعيش في الماء حل أكله وأخذه ذكاته ولا بأس بخنزير الماء وقال أبو ثور السرطان والسلحفاة وما كان مثلها لا يكون بحل إلا بالذكاة لأنهما يعيشان في البر حينا قال وما لا يعيش في البر فهو مثل السمك قال أبو عمر احتج من لم يجز أكل الطافي من السمك بحديث إسماعيل بن أمية عن بن الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوا وما طفا فلا تأكلوا وهذا الحديث رواه الثوري وحماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر موقوفا وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال الجراد والحيتان ذكي كله إلا ما مات في البحر فهو ميتة وروى قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب أنهما كرها الطافي من السمك وشعبة عن مغيرة عن إبراهيم مثله وروى الثوري وشريك عن عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن بن عباس قال أشهد على أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال السمكة الطافية حلال لمن أراد أكلها وروى أبو الزبير عن عبد الرحمن مولى بني مخزوم قال قال أبو بكر رضي الله عنه ما في البحر شيء إلا قد ذكاه الله لكم قال أبو عمر الحجة في هذا الباب حديث أبي هريرة وحديث الفراسي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته

رواه الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن مسلم بن مخشي أنه حدث أن الفراسي قال كنت أصيد في البحر الأخضر على أرماث وكنت أحمل قربة لي فيها ماء فإذا لم أتوضأ من القربة رفق ذلك لي وبقيت لي فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت ذلك عليه فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته فإن قيل انهما حديثان غير ثابتين لأن سعيد بن سلمة مجهول ولأن يحيى بن سعيد يرويه عن المغيرة بن أبي بردة عن أبيه عن النبي عليه السلام قيل حديث جابر ثابت مجتمع على صحته وفيه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدوا حوتا يسمى العنبر أو دابة أكلوا منها بضعة عشر يوما ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال هل معكم من لحمها شيء وهذا يدل على جواز أكله لغير المضطر الجائع وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في التمهيد ويأتي في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله قال مالك لا بأس بأكل الحيتان يصيدها المجوسي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته قال مالك وإذا أكل ذلك ميتا فلا يضره من صاده قال أبو عمر على هذا جمهور العلماء و في ما ذكرنا في هذا الباب ما يبين لك مذاهبهم في ذلك والله الموفق للصواب باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع مالك عن بن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة

الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أكل كل ذي ناب من السباع حرام قال أبو عمر هكذا رواه يحيى عن مالك بهذا الإسناد عن بن شهاب عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كل ذي ناب من السباع حرام ولا يرويه أحد كذلك لا من أصحاب بن شهاب ولا من اصحاب مالك وإنما هذا اللفظ حديث أبي هريرة من رواية مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن أبي سفيان الحضرمي عن أبي هريرة والمحفوظ من حديث أبي ثعلبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ولم يختلف رواة الموطأ في لفظ حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أكل كل ذي ناب من السباع حرام مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أكل كل ذي ناب من السباع حرام قال أبو عمر ما ترجم به مالك رحمه الله هذا الباب وما رسم فيه من

حديث أبي هريرة وحديث أبي ثعلبة يدل على أن مذهبه في النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع أنه نهي تحريم لا نهي ندب وإرشاد كما زعم أكثر أصحابنا ويشذ ذلك قوله وعلى ذلك الأمر عندنا روى هذا يحيى عن مالك وهو آخر من سمع عليه الموطأ ويشهد له أيضا ما رواه أشهب عن مالك أنه لا تعمل الذكاة في السباع لا للحومها ولا لجلودها كما قال لا تعمل في الخنزير وإلى هذا ذهب أشهب وهو الذي يشهد له لفظ حديث أبي هريرة هذا وما ترجم عليه مالك هذا الباب وأصل النهي أن تنظر إلى ما ورد منه وطرأ على ملكك أو على ما ليس في ملكك فما كان منه واردا على ملكك فهو يمين آداب وإرشاد واختيار وما طرأ على ملكك فهو على التحريم وعلى هذا ورد النهي في القرآن والسنة لا لمن اعتبرهما ألا ترى إلى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اجتناب الأسقية والأكل من رأس الصحفة والمشي في نعل واحد وأن يقرن بين تمرتين من أكل مع غيره والاستنجاء باليمين دون الشمال والأكل بالشمال دون اليمين والتيامن في لباس النعال وفي الشراب وغير ذلك مما يطول ذكره فهذا كله وما كان مثله نهي أدب وإرشاد لأنه طرأ على ما في ملك الإنسان فمن واقع شيئا من ذلك لم يحرم عليه فعله ولا شيء من طعامه ولا لباسه وأما نهيه عن الشغار ونكاح المحرم ونكاح المرأة على عمتها وخالتها وعن قليل ما أسكر كثيره وعن بيع حبل حبلة وما أشبه ذلك من البيوع الفاسدة فهذا كله طرأ على شيء محظور استباحته إلا على سنته فمن لم يستبحه على سنته حرم ذلك عليه لأنه لم يكن قبل في ملكه فإن قيل إن الله تعالى قد نهى عن وطء الحائض ومن وطئها لم تحرم بذلك عليه امرأته ولا سريته قيل له لو تدبرت هذا لعلمت أنه من الباب الوارد على ما في ملك الإنسان مطلقا لأن عصمة النكاح وملك اليمين في معنى الوطء من العبادات التي أصلها

الحظر ثم وردت الإباحة فيها بشرط لا يجوز أن يتعدى ولا يستباح إلا به لأن الفروج محظورة إلا بنكاح أو ملك يمين ولم ترد الإباحة في نكاح ما طاب لنا من النساء أو ما ملكت إيماننا إلا مقرونة لأن الحائض لا توطأ حتى تطهر كما ورد تحريم الحيوان في أنه لا يستباح إلا بالذكاة فوطء الحائض واستباحة الحيوان من القسم الثاني لا من الأول الذي وردت فيه الإباحة في ملك الإنسان مطلقة بغير شرط وهذا بين لمن تدبره وبالله التوفيق ولما كان النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع محتملا للمعنيين جميعا افتتح مالك رحمه الله الباب بحديث أبي ثعلبه في لفظ النهي ثم أتبعه على جهة التفسير له بحديث أبي هريرة وفي بعض روايات الموطأ تقديم حديث أبي هريرة والمعنى في ذلك واحد لأن الباب جمعها فيه والنهي محتمل للتأويل فهو مجمل والتحريم إفصاح فهو تفسير للمجمل وقد قال أبو بكر الأبهري أن النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع نهي تنزيه وتعذر وهذا لا أدري ما هو فإن أراد التقذر من القذر الذي هو النجاسة فلا خلاف في تحريم ذلك بين العلماء وأنه لا يحل أكل النجاسات ولا استباحة شيء منها ويلزم التنزه عنها لزوم فرض فإن كان ما ذكرنا في الندب والإرشاد فهو على ما وصفنا وإنما احتج الأبهري لرواية بن القاسم فقوله أن الذكاة عاملة في جلود السباع وأن لحومها ليست بحرام على آكلها إذا ذكيت وإنما هي مكروهة فقد تناقض بن القاسم فيما ذهب إليه من هذا الباب ورواه عن مالك لأنه لا يرى التذكية في جلود الحمير تعمل شيئا ولا تحل جلود الحمير عنده إلا بالدباغ كجلود الميتات ومعلوم أن النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع أعم وأظهر عند العلماء لأنه قد قيل في الحمر إنما نهي منها عن الجلالة وقال لبعض من سأله عنها كل من سمين مالك فلم يلتفت العلماء إلى مثل هذه الآثار لضعف مخارجها وطرقها مع ثبوت النهي عن أكلها جملة وكذلك النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع

ومن لم ير بن عباس حجة في إباحته أكل لحوم الحمر الأهلية لأن قوله في ذلك خلاف ثابت السنة كقول من ليس في المنزلة من أهل العلم مثله أخرى أن يترك في لحوم السباع لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلها وتحريمه لها أخبرنا عبد الله قال حدثني أبو داود قال حدثني محمد بن المصفى قال حدثني محمد بن حرب عن الزبيدي عن مروان بن رؤبة عن عبد الرحمن بن أبي عوف عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا لا يحل أكل ذي ناب من السباع ولا الحمار الأهلي والذي عول عليه من أجاز أكل كل ذي ناب من السباع ظاهر قول الله تعالى قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية الأنعام وهذا لا حجة فيه لوجوه كثيرة قد تقصيناها في التمهيد منها أن سورة الأنعام مكية ومفهوم في قوله قل لا أجد في ما أوحي ألي محرما الأنعام أي شيئا محرما وقد نزل بعدها قرآن كثير فيه نهي عن أشياء محرمة ونزلت سورة المائدة بالمدينة وهي من آخر ما نزل وفيها تحريم الخمر المجتمع على تحريمها وقد حرم الله تعالى الربا وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيوع أشياء يطول ذكرها وأجمعوا أن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع إنما كان بالمدينة رواه عنه متأخرو أصحابه منهم أبو هريرة وبن عباس وأبو ثعلبة وكلهم لم يصحبوه إلا بالمدينة وأما قوله تعالى قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الأنعام فقيل معناه لا أجد فيما أنزل إلي وقتي هذا غير ذلك وقيل لا أجد فيما أوحي إلي محرما مما كنتم تأكلونه يريد العرب وقيل إنها خرجت على جواب سائل عن أشياء من المأكل كأنه قال لا أجد فيما سألتم عنه شيئا محرما إلا كذا ولم تسألوا عن ذي الناب وحمار الأهلي وقد أنزل الله تعالى بعد ذلك تحريم الموقوذة والمنخنقة وما ذكرنا معها وأشياء يطول ذكرها ولما قال الله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا الحشر

ألزم بنص التنزيل الانتهاء عن كل ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم إلا أن يجتمع من لا يجوز عليه تحريف تأويل الكتاب والسنة وهم الجمهور الذي يلزم من شذ عنهم الرجوع إليهم على أن ذلك النهي على غير التحريم فيكون خارجا بدليله مستثنى من الجملة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المرأة على عمتها أو على خالتها ولم يقل أحد من العلماء أن قوله عز وجل وأحل لكم ما وراء ذلكم النساء يعارض ذلك بل جعل نهيه عن نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها زيادة بيان على ما في الكتاب واختلف الفقهاء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم أكل كل ذي ناب من السباع حرام فقال منهم قائلون إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله هذا ما كان يعدو على الناس مثل الأسد والذئب والكلب والنمر العادي وما أشبه ذلك مما الأغلب في طبعه أن يعدو وما كان الأغلب في طبعه أنه لا يعدو فليس مما عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله هذا وإذا لم يكن فلا بأس بأكله واحتجوا بحديث الضبع في إباحة أكلها وهي سبع وهو حديث رواه عبد الرحمن بن أبي عمار قال سألت جابر بن عبد الله عن الضبع أأكلها قال نعم قلت أصيد هي قال نعم قلت أسمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قالوا وإن كان هذا الحدبث انفرد به عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار فقد وثقه جماعة من أهل الحديث واحتجوا بهذا الحديث قال علي بن المديني عبد الرحمن بن أبي عمار ثقة مكي وروي عن سعد بن أبي وقاص وعروة بن الزبير إجازة أكل الضباع قالوا والضبع سبع لا يختلف في ذلك فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكلها علمنا أن

نهيه عن أكل كل ذي ناب من السباع ليس من جنس ما أباحه وإنما هو نوع آخر والله أعلم وهو الأغلب فيه العداء على الناس هذا قول الشافعي ومن تابعه قال الشافعي ذو الناب المحرم أكله هو الذي يعدو على الناس كالأسد والنمر والذئب قال ويؤكل الضبع والثعلب وهو قول الليث وروى معمر عن بن شهاب الزهري قال الثعلب سبع لا يؤكل قال معمر وقال قتادة ليس بسبع ورخص في أكله طاوس وعطاء من أجل أنه يؤذي قال مالك وأصحابه لا يؤكل شيء من سباع الوحش كلها ولا الهر والوحشي ولا الأهلي لأنه سبع قال ولا يؤكل الضبع ولا الثعلب ولا شيء من سباع الوحش ولا بأس بأكل سباع الطير زاد بن عبد الحكم عن مالك قال وكل ما يفترس ويأكل اللحم ولا يرعى الكلأ فهو سبع لا يؤكل وهو يشبه السباع التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلها وروي عن أشهب أنه قال لا بأس بأكل الفيل إذا ذكي قال بن وهب عن مالك لم أسمع أحدا من أهل العلم قديما ولا حديثا بأرضنا ينهى عن أكل كل ذي مخلب من الطير قال بن وهب وكان الليث يقول يؤكل الهر والثعلب والحجة لمالك في النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع عموم النهي عن ذلك ولم يخصوا سبعا من سبع فكل ما وقع عليه أسم سبع فهو داخل تحت النهي على ما يوجبه الخطاب وتعرفه العرب في مخاطبتها وليس حديث الضبع مما يعارض به حديث النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع لأنه حديث انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار وليس بمشهور بنقل العلم ولا ممن يحتج به إذا خالفه من هو أثبت منه

وأما العراقيون أبو حنيفة وأصحابه فقالوا ذو الناب من السباع المنهي عن أكله الأسد والذئب والنمر والفهد والثعلب والضبع والكلب والسنور البري والأهلي والوبر قالوا وبن عرس سبع من سباع الهوام وكذلك الفيل والدب والضب واليربوع قال أبو يوسف فأما الوبر فلا أحفظ فيه شيئا عن أبي حنيفة وهو عندي مثل الأرنب لا بأس بأكله لأنه لا يعتلف إلا البقول والنبات وقال أبو يوسف في السنجاب و في الفنك والسمور كل ذلك سبع مثل الثعلب وبن عرس قال أبو عمر أما الضب فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إجازة أكله وفي ذلك ما يدل على أنه ليس بسبع يفترس والله أعلم وقال بن المسيب لا بأس بالورل قال عبد الرزاق والورل أشبه شيء بالضب وكره الحسن وغيره أكل الفيل لأنه ذو ناب وهم للأسد أشد كراهة وكره عطاء ومجاهد وعكرمة أكل الكلب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكلب أنه قال طعمة جاهلية وقد أغنى الله عنها وروي عن بن المسيب أن الضبع لا يصلح أكلها وعن عروة أنه لم ير بأكل اليربوع بأسا وعن عطاء مثله وعن طاوس أنه أجاز أكل الوبر وقال الشعبي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحم القرد وكرهه بن عمر وعطاء ومكحول والحسن ولم يجيزوا بيعه وقال مجاهد ليس القرد من بهيمة الأنعام ولا أعلم بين العلماء خلافا أن القرد لا يؤكل ولا يجوز بيعه لأنه لا منفعة فيه وذو الناب مثله عندي والحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في حجة غيره وأما جلود السباع المذكاة لجلودها فاختلف الصحابة في ذلك

فروى بن القاسم عن مالك أن السباع إذا ذكيت من أجل جلودها حل بيعها ولباسها والصلاة عليها قال أبو عمر الذكاة عنده في السباع لجلودها أكمل طهارة وفي هذه الرواية من الدباغ في جلود الميتة وهو قول بن القاسم وقال بن حبيب إنما ذلك في السباع المختلف فيها فأما المتفق عليها فلا يجوز بيعها ولا لبسها ولا الصلاة عليها ولا بأس بالانتفاع بها إذا ذكيت كجلد الميتة المدبوغ قال بن حبيب ولو أن الدواب الحمير والبغال إذا ذكيت لجلودها لما حل بيعها ولا الانتفاع بها ولا الصلاة فيها إلا الفرس فإنه لو ذكي يحل بيع جلده والانتفاع به للصلاة وغيرها لاختلاف الناس في تحريمه وقال أشهب أكره بيع جلود السباع وإن ذكيت ما لم تدبغ قال وأرى أن يفسخ البيع فيها ويفسخ ارتهانها وأرى أن يؤدب من فعل ذلك إلا أن يعذر بالجهالة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم أكل كل ذي ناب من السباع فالذكاة فيها ليست بذكاة وروى أشهب عن مالك في المستخرجة أن ما لا يؤكل لحمه فلا يطهر جلده بالدباغ قال وسئل مالك أترى ما دبغ من جلود الدواب طاهرا فقال إنما يقال هذا في جلود الأنعام فأما جلود ما لا يؤكل لحمه فكيف يكون جلده طاهرا إذا دبغ وهو مما لا ذكاة فيه ولا يؤكل لحمه قال أبو عمر لا أعلم خلافا أحدا من الفقهاء قال بما رواه أشهب عن مالك في جلد ما لا يؤكل لحمه أنه لا يطهر بالدباغ إلا أبا ثور إبراهيم بن خلد قال وذلك أن النبي عليه السلام قال في جلد شاة ماتت ألا دبغتم جلدها ونهى عن جلود السباع

قال فلما روي الخبران أخذنا بهما جميعا لأن الكلامين جميعا لو كان في مجلس واحد كان كلاما صحيحا ولم يتناقض ولا أعلم خلافا أنه لا يتوضأ في جلد خنزير وإن دبغ فلما كان الخنزير حراما لا يحل أكله وإن ذكي وكانت السباع لا يحل أكلها وإن ذكيت كان حراما أن ينتفع بجلودها وإن دبغت قياسا على ما أجمعوا عليه من الخنزير إذ كانت العلة واحدة هذا كله قول أبي ثور وذكر هشيم عن منصور عن الحسن أن عليا كره الصلاة في جلود البغال قال أبو عمر ما قاله أبو ثور صحيح في الذكاة أنها لا تعمل فيما لا يحل أكله إلا أن قوله عليه السلام كل إهاب دبغ فقد طهر وقد دخل فيه كل جلد إلا أن جمهور السلف أجمعوا أن جلد الخنزير لا يدخل في ذلك فخرج بإجماعهم وحديث أبي ثور الذي ذكره في النهي عن جلود السباع ليس فيه بيان ذبائح ويحتمل أن يكون نهي عنها قبل الدباغ وهذا أولى ما حملت الآثار عليه والحديث حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى القطان عن بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع وقال محمد بن عبد الحكم وحكاه عن أشهب لا يجوز تذكية السباع وإن ذكيت لجلودها لم يحل الانتفاع بشيء من جلودها إلا أن تدبغ قال أبو عمر قول بن عبد الحكم عن أشهب عليه جمهور الفقهاء من أهل النظر والأثر بالحجاز والعراق والشام

وهو الصحيح عندي وهو الذي يشبه قول مالك في ذلك ولا يصح أن ينقله غيره ولوضوح الدلائل عليه ولو لم يعتبر ذلك إلا بمذابحة المحرم أو ذبح في الحرم أن ذلك لا يكون ذكاة للمذبوح عند مالك وأكثر العلماء وكذلك الخنزير عند الجميع لا تعمل في جلده الذكاة وسيأتي ذكر ما يطهر بالدباغ من الأهب في الباب بعد هذا إن شاء الله باب ما يكره من أكل الدواب قال مالك إن أحسن ما سمع في الخيل والبغال والحمير أنها لا تؤكل لأن الله تبارك وتعالى قال والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة النحل وقال تبارك وتعالى في الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون غافر وقال تبارك وتعالى ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام وأطعموا القانع والمعتر الحج قال مالك وسمعت أن البائس هو الفقير وأن المعتر هو الزائر قال مالك فذكر الله الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة وذكر الأنعام للركوب والأكل قال مالك والقانع هو الفقير أيضا قال أبو عمر قد ذكر مالك رحمه الله مذهبه في هذا الباب واحتج بأحسن الاحتجاج ولا خلاف فيما ذكر من أكل البغال والحمير إلا شيء روي عن بن عباس وعائشة والشعبي وقد روي عنهم خلافه على ما قد ذكرناه في موضعه وهو مذهب طائفة من أصحاب بن عباس وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال قلت لجابر بن زيد أنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر قال وقد كان الحكم بن عمرو الغفاري يكره ذلك وينهى عنه وأبى ذلك البحر يعني بن عباس وتلا قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية الأنعام وبن عيينة عن أبي إسحاق الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى قال أصبنا

حمرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فنحرناها وطبخناها فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اكفوا القدور بما فيها قال أبو إسحاق فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال إنما نهي عنها لأنها كانت تأكل العذرة قال أبو عمر جمهور العلماء على ما ورد من السنة فيهما لأن النبي عليه السلام عام خيبر نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية وأجمع العلماء على أن البغل عندهم كالحمار لا يسهم له في الغزو ولا يؤكل لحمه وعلى هذا جماعة الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار واختلفوا في أكل الخيل فقال مالك وأصحابه وأبو حنيفة والأوزاعي لا تؤكل الخيل ومن الحجة لهم من جهة السنة الواردة بنقل الآحاد ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني بقية عن ثور بن يزيد عن صالح حدثني حيوة بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع وقال أبو يوسف ومحمد والليث بن سعد والشافعي وأصحابه تؤكل الخيل وحجتهم ما حدثناه عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود سليمان بن الأشعث قال حدثني سليمان بن حرب قال حدثني حماد عن

عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر وأذن لنا في لحوم الخيل قال أبو داود وحدثني موسى بن إسماعيل قال حدثني حماد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل وروى هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء قالت نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه قال أبو عمر أما أهل العلم بالحديث فحديث الإباحة في لحوم الخيل أصح عندهم وأثبت من النهي عن أكلها وأما القياس عندهم فإنها لا تؤكل الخيل لأنها من ذوات الحافر كالحمير وأما قوله البائس الفقير فلا أعلم فيه خلافا وربما عبروا عنه بالمسكين والمعنى واحد وهو الذي قد تباءس من ضر الفقر والله أعلم وأما قوله المعتر هو الزائر فقد قيل ما قال وقيل المعتر الذي يعتريك ويعترض ويتعرض لك لتعطيه ولا يفصح بالسؤال وقيل القانع السائل قال الشماخ لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع أي السؤال يقال منه قنع قنوعا إذا سأل وقنع قناعة إذا رضي بما أعطي

وأصل هذا كله الفقر والمسكنة وضعف الحال وقال بن وهب قال مالك لا بأس بأكل الأرنب قال أبو عمر قد ذكرنا في باب ما يقتل المحرم من الدواب في كتاب الحج ما لمالك وغيره في أكل كل ذي مخلب من الطير فأغنى عن ذكر ذلك ها هنا باب ما جاء في جلود الميتة مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة كان أعطاها مولاة لميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال أفلا انتفعتم بجلدها فقالوا يا رسول الله إنها ميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما حرم أكلها قال أبو عمر هكذا رواه يحيى مسندا وقد تابعه على ذلك بن وهب وبن القاسم والشافعي وأرسله القعنبي وبن بكير وجويرية ومحمد بن الحسن فقالوا فيه عن بن شهاب عن عبيد الله عن النبي عليه السلام والصحيح رواية من رواه مسندا وكذلك يرويه سائر أصحاب الزهري ولم يذكر مالك في هذا الحديث الدباغ وتابعه على ذلك معمر ويونس وهو الصحيح فيه عن بن شهاب وبه كان يفتي وقد روى يحيى بن أيوب عن عقيل وبقية عن الزبيدي جميعا عن الزهري في هذا الحديث ذكر الدباغ وليسا بحجة على ما ذكرنا وذكر الدباغ محفوظ في حديث بن عباس من وجوه من غير طريق بن شهاب منها حديث بن وعلة وغيره

و أما قوله في حديث بن شهاب إنما حرم أكلها قول خرج على جواب سائل عن جلدها فأجابه بأن الانتفاع بها متاح بعد دبغها ومعلوم أن تحريم الميتة قد جمع عصبها وإهابها وعظامها مع لحمها هذا ما يوجبه الظاهر وقد اختلف العلماء في الانتفاع بجلود الميتة قبل الدباغ وبعده وفي الانتفاع بعظامها في أمشاط العاج وغيرها وسنبين ذلك في هذا الباب إن شاء الله مالك عن زيد بن أسلم عن بن وعلة المصري عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دبغ الإهاب فقد طهر مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت قال أبو عمر أما حديث بن وعلة فقد ذكرنا في التمهيد أن ممن روى عن بن وعلة مع زيد بن أسلم القعقاع بن حكيم وأبو الخير اليزني وذكرنا من رواه أيضا عن زيد بن أسلم كما رواه مالك وأتينا بالأحاديث بأسانيدها في التمهيد ومعلوم أن المقصود بقوله عليه السلام أيما إهاب قد دبغ فقد طهر هو ما لم يكن طاهرا من الأهب كجلود الميتات وما لا تعمل فيه الذكاة من السباع عند من حرمها لأن الطاهر لا يحتاج إلى الدباغ ليتطهر ومحال أن يقال في الجلد الطاهر إذا دبغ فقد طهر

وهذا يكاد علمه أن يكون ضرورة وفي قوله عليه السلام أيما إهاب دبغ فقد طهر نص ودليل فالنص منه طهارة الإهاب بالدباغ والدليل منه أن إهاب كل ميتة إن لم يدبغ فليس بطاهر وإذا لم يكن طاهرا فهو نجس والنجس رجس محرم وإذا كان ذلك كذلك كان هذا الحديث معارضا لرواية بن شهاب في الشاة الميتة إنما حرم أكلها وإنما حرم لحمها وكان مبينا للمراد منه وبطل بنصه قول من قال إن الجلد من الميتة لا ينتفع به بعد الدباغ وبطل بالدليل منه قول من قال إن جلد الميتة وإن لم يدبغ يستمتع به وينتفع وهو قول بن شهاب وروي عن الليث بن سعد مثله وذكره معمر بأثر حديثه المسند المذكور قال معمر وكان الزهري ينكر الدباغ ويقول يستمتع به على كل حال قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي وما علمت أحدا قال ذلك قبل الزهري وروى الليث عن يونس عن بن شهاب الحديث المذكور ثم قال بإثره فلذلك لا نرى بالسقاء فيها بأسا ولا ببيع جلدها وابتياعه وعمل الفراء منها قال أبو عمر برواية معمر عن بن شهاب ما ذكرنا من قوله دليل على صحة نقل من لم يذكر في حديث بن شهاب الدباغ وقد ذكر الدباغ فيه بن عيينة والأوزاعي وعقيل الزبيدي وسليمان بن كثير إلا أنهم اضطرب عنهم في ذلك وذكر الدباغ في هذه القصة من حديث عطاء عن بن عباس ثابت لم يضطرب فيه ناقلوه وروى بن جريج وعمرو بن دينار عن عطاء عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاة مطروحة من الصدقة فقال أفلا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به وأما قول الليث فهي هذه المسألة فمثل قول بن شهاب رواه بن وهب وعبد الله بن صالح عنه

وقال الطحاوي لم نجد عن أحد من الفقهاء جواز بيع جلد الميتة قبل الدباغ إلا عن الليث قال أبو عمر قد ذكر بن عبد الحكم عن مالك ما يشبه مذهب بن شهاب والليث في ذلك قال من اشترى جلد ميتة فدبغه وقطعه نعالا فلا يبعها حتى يبين وهذه مسألة أغفل فيها ناقلها ولم يبن وتحصيل مذهبه المعروف أن جلد الميتة لا ينتفع في شيء من الأشياء قبل الدباغ فكيف البيع الذي لا يجزه في المشهور من مذهبه بعد الدباغ وفي المدونة مسألة تشبه ما ذكره بن عبد الحكم قال من اغتصب جلد ميتة غير مدبوغ فأتلفه فعليه قيمته وحكى بن القاسم أن ذلك قول مالك وقال أبو الفرج قال مالك من أغتصب لرجل جلد ميتة غير مدبوغ فلا شيء عليه قال إسماعيل بن إسحاق لا شيء عليه إلا أن يكون لمجوسي قال أبو عمر ليس في تقصير من قصر عن ذكر الدباغ في حديث بن عباس حجة على ما ذكره لأن من أثبت شيئا هو حجة على من سكت عنه ومعلوم أن من حفظ شيئا حجة على من لم يحفظ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من دباغ جلد الميتة آثار كثيرة منها حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دباغ جلد الميتة ذكاته وقد رواه قوم عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الأسود عن عائشة وقد جاء حديث ميمونة من غير رواية بن عباس روى بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث والليث بن سعد عن كثير بن فرقد أن عبد الله بن مالك بن حذافة حدثه عن أمه العالية بنت سبيع أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثتها أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من قريش وهم

يجرون شاة لهم مثل الحمار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اتخذتم إهابها فقالوا إنها ميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطهرها الماء والقرظ وروى قتادة وغيره عن الحسن عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق أن النبي عليه السلام في غزوة تبوك أتى أهل بيت فدعا بما عند امرأة قالت ما عندي ماء إلا قربة ميتة قال أو ليس قد دبغتها قالت بلى قال فإن ذكاتها دباغها رواه شعبة وهشام عن قتادة بمعنى واحد وذكر بن أبي شيبة قال حدثني يزيد بن هارون عن سعيد عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أخيه عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في جلد الميتة أن دباغه أذهب خبثه ونجسه أو قال رجسه والآثار بهذا كثيرة فلا وجه لمن قصر عن ذكر الدباغ قال أبو عمر والذي عليه أكثر أهل العلم من التابعين ومن بعدهم من أئمة الفتوى أن جلد الميتة دباغه طهور كامل له تجوز بذلك الصلاة عليه والوضوء والاستقاء والبيع وسائر وجوه الانتفاع وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة والكوفيين و قول الأوزاعي في جماعة أهل الشام وقول الشافعي وأصحابه وبن المبارك وإسحاق وهو قول عبيد الله بن الحسن والبصريين وقول داود والطبري وهو قول جمهور أهل المدينة إلا أن مالكا كان يرخص في الأنتفاع بها بعد الدباغ ولا يرى الصلاة فيها ويكره بيعها وشراءها وعلى ذلك أصحابه إلا بن وهب فإنه يذهب إلى أن دباغ الإهاب طهور كامل له في الصلاة والوضوء والبيع وكل شيء و قد ذكر في موطئه عن بن لهيعة وحيوة بن شريح بن خالد بن أبي عمران قال سألت القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن جلود الميتة إذا دبغت أآكل ما جعل فيها قال نعم ويحل ثمنها إذا بينت مما كانت

قال وحدثنا محمد بن عمرو عن بن جريج قال قلت لعطاء الفرو من جلود الميتة يصلى فيه قال نعم وما بأسه وقد دبغ وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال لا يختلف عندنا بالمدينة أن دباغ جلود الميتة طهورها وقال بن وهب سمعت الليث يقول لا بأس بالصلاة في جلود الميتة إذا دبغت وإلى هذا ذهب بن الحكم في طهارة جلود الميتة أنها طاهرة كاملة كالذكاة وفي المسألة قول رابع ذهب إليه أحمد بن حنبل وهو في الشذوذ قريب من الأول ذهب إلى تحريم الجلد وتحريم الانتفاع به قبل الدباغ وبعده بحديث شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض جهينة وأنا غلام شاب أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب وهذا الحديث قد خولف فيه شعبة فروي عن الحكم عن رجال من جهينة لم يذكرهم وكذلك رواه القاسم بن مخيمرة عن مشيخة له عن عبد الله بن عكيم ولو كان ثابتا لاحتمل أن لا يكون مخالفا للأحاديث التي ذكر فيها الدباغ كأنه قال لا تنتفعوا من الميتة بإهاب قبل الدباغ فإذا احتمل ذلك لم يكن ذلك به مخالفا لخبر بن عباس وما كان مثله في الدباغ فإن قيل إن في حديث عبد الله بن عكيم أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر فقد يحتمل أن يكون حديث بن عباس قبل موته بجمعة أو ما شاء الله وهذا لا حجة فيه وقد تقصينا حجج الفرق في التمهيد وحجة مالك فيما ذهب إليه من الانتفاع بجلد الميتة المدبوغ في الأشياء اليابسة

كالجلوس عليها والغربلة والامتهان وشبهه وكراهيته لبيعها والصلاة عليها حديثه بذلك عن يزيد بن قسيط عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت وقد أجاز مالك الصلاة عليها في بعض الروايات عنه وقال أما أنا فأستقي به في خاصة نفسي وأكرهه لغيري وهذا كله استحباب لا يقوم عليه دليل والدليل بمشهور الحديث عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما إهاب دبغ فقد طهر على أن البيع عندهم من باب الانتفاع وأما قوله أيما إهاب دبغ فقد طهر فإنما يقتضي جميع الأهب وهي الجلود كلها لأن اللفظ جاء في ذلك مجيء عموم ولم يخص شيئا مثلها وهذا أيضا موضع اختلاف بين العلماء فأما مالك فقد ذكرنا مذهبه في أنها طهارة غير كاملة على ما وصفنا عنه وعليه أصحابه إلا بن وهب فإنها عنده طهارة كاملة وهو قول جمهور العلماء وأئمة الفتوى الذين ذكرناهم إلا جلد الخنزير فإنه لا يدخل في عموم قوله أيما إهاب دبغ فقد طهر لأنه محرم العين حيا وميتا وجلده مثل لحمه فلما لم تعمل في لحمه ولا في جلده الذكاة لم يعمل الدباغ في إهابه شيئا وروى معن بن عيسى عن مالك أنه سئل عن جلد الخنزير إذا دبغ فقال لا ينتفع به رواه بن وضاح عن موسى بن معاوية عن معن بن عيسى قال بن وضاح قال لي سحنون لا بأس به إذا دبغ وكذلك قال داود بن علي ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وحجتهم عموم قوله صلى الله عليه وسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر وأنكر جمهور العلماء هذا القول وقال أهل اللغة منهم النضر بن شميل أن الإهاب جلد البقر والغنم والإبل وما عداه فإنما يقال له جلد لا إهاب حكى ذلك إسحاق بن منصور الكوسج عن النضر بن شميل أنه قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر إنما يقال الإهاب للإبل والبقر والغنم وأما السباع فجلود

وقال الكوسج وقال لي إسحاق بن راهويه كما قال النضر بن شميل وقال أحمد لا أعرف ما قال النضر قال أبو عمر لا يمتنع أن يكون الإهاب اسما جامعا للجلود كلها ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه لأن بن عباس روى حديث شاة ميمونة ثم روى عموم الخبر في كل إهاب وقد تقدم خلاف الناس في جلود السباع وهل تعمل فيها الذكاة في الباب قبل هذا وأما الدباغ فعامل في كل إهاب وجلد ومسك إلا أن جمهور العلماء الذين لا يجوز عليهم تحريف التأويل ويلزم من شذ عنهم الرجوع إليهم خصوا جلد الخنزير وأخرجوه من الجملة فلم يجيزوا فيه الدباغ هذا على أن أكثرهم ينكر أن يكون الخنزير جلد يتوصل إليه بالانتفاع فاختلف الفقهاء في الدباغ التي تطهر به جلود الميتة فقال مالك وأصحابه كل شيء دبغ به الجلد من ملح أو قرظ أو شب أو غير ذلك فقد جاز الانتفاع به وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه قالوا كل شيء دبغ به جلد الميتة فأزال شعره ورائحته وذهب بدسمه ونشفه فقد طهره وهو بذلك الدباغ طاهر وهو قول داود وذكر بن وهب قال قال يحيى بن سعيد الأنصاري ما دبغت به الجلود من دقيق أو قرظ أو ملح فهو لها طهور وللشافعي في ذلك قولان أحدهما هذا والآخر أنه لا يطهره إلا الشب أو القرظ لأنه الدباغ المعهود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خرج الخطاب والله الموفق للصواب باب ما جاء فيمن يضطر إلى أكل الميتة مالك أن أحسن ما سمع في الرجل يضطر إلى الميتة أنه يأكل منها حتى يشبع ويتزود منها فإن وجد عنها غنى طرحها

قال أبو عمر روى فضيل بن عياض وأبو معاوية وسفيان وشعبة عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل حتى مات دخل النار وهذا لفظ حديث فضيل بن عياض واختلف العلماء في مقدار ما يأكل المضطر من الميتة فقال مالك في موطئه ما ذكرنا وعليه جماعة أصحابه وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما لا يأكل المضطر من الميتة إلا مقدار ما يسد الرمق والنفس وقال عبد الله بن الحسن المضطر يأكل من الميتة ما يسد جوعته وحجة هؤلاء أن المضطر إنما أبيح له أكل الميتة إذا خاف على نفسه الموت فإذا أكل منها ما يزيل الخوف فقد زالت الضرورة وارتفعت الأباحة فلا يحل أكلها وحجة مالك أن المضطر ليس ممن حرمت عليه الميتة لقول الله تعالى فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه البقرة وقال إلا ما اضطررتم إليه الأنعام فإذا كانت الميتة حلالا للمضطر إليها أكل منها ما شاء حتى يجد غيرها فتحرم عليه وهو قول الحسن قال الحسن إذا اضطر إلى الميتة أكل منها قوته وقد قيل من تغدى لم يتعش منها ومن تعشى لم يتغد منها وفي الحديث المرفوع متى تحل لنا الميتة يا رسول الله قال ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا والصبوح الغداء والغبوق العشاء ونحو هذا واختلفوا في قوله تعالى غير باغ ولا عاد البقرة فقالت طائفة منهم مجاهد غير باغ على الأئمة ولا عاد قاطع سبيل

وروي عن مجاهد في قوله تعالى فمن اضطر غير باغ ولا عاد البقرة قال غير قاطع سبيل ولا مفارق الأئمة ولا خارج في معصية فإن خرج في معصية لم يرخص له في أكل الميتة وقال سعيد بن جبير في قوله غير باغ ولا عاد قال هو الذي يقطع الطريق فليس له رخصة إذا اضطر إلى شرب الخمر وإلى الميتة وقال الشافعي من خرج عاصيا لله لم يحل له شيء مما حرم الله عليه بحال لأن الله عز وجل إنما أحل ما حرم للضرورة على شرط أن يكون المضطر غير باغ ولا عاد ولا متجانف لإثم وهذا معنى قول مالك واتفق مالك والشافعي أن المضطر لا تحل له الخمر ولا يشربها ولا تزيده إلا عطشا وهو قول مكحول والحارث العكلي و بن شهاب الزهري ذكر وكيع عن سفيان عن برد عن مكحول قال لا يشرب المضطر الخمر فإنها لا تزيده إلا عطشا وروى جرير عن مغيرة عن الحارث العكلي قال إذا اضطر إلى الخمر فلا يشربها فإنها لا تزيده إلا عطشا وروى بن وهب عن يونس أنه سأل بن شهاب عن الرجل يضطر إلى شرب الخمر هل فيه رخصة قال لم يبلغني أن في ذلك رخصة لأحد وقد أرخص الله تعالى للمؤمن فيما اضطر إليه مما حرم عليه وقال آخرون منهم عكرمة غير باغ ولا عاد قال يتعدى فيزيده على ما يمسك نفسه والباغي كل ظالم في سبيل الغير مباحة وهو قول الحسن قال في قوله غير باغ ولا عاد قال غير باغ فيها يأكلها وهنو غني عنها قال أبو عمر من حجة من لم ير شرب الخمر للمضطر أن الله عز وجل ذكر الرخصة للمضطر مع تحريم الخمور والميتة ولحم الخنزير وذكر تحريم الخمر ولم يذكر مع ذلك رخصة للمضطر فالواجب أن لا يتعدى الظاهر إلى غيره وبالله التوفيق وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى الميتة أيأكل منها وهو يجد ثمر القوم أو

زرعا أو غنما بمكانه ذلك قال مالك إن ظن أن أهل ذلك الثمر أو الزرع أو الغنم يصدقونه بضرورته حتى لا يعد سارقا فتقطع يده رأيت أن يأكل من أي ذلك وجد ما يرد جوعه ولا يحمل منه شيئا وذلك أحب إلي من أن يأكل الميتة وإن هو خشي أن لا يصدقوه وأن يعد سارقا بما أصاب من ذلك فإن أكل الميتة خير له عندي وله في أكل الميتة على هذا الوجه سعة مع أني أخاف أن يعدو عاد ممن لم يضطر إلى الميتة يريد استجازة أخذ أموال الناس وزروعهم وثمارهم بذلك بدون اضطرار قال مالك وهذا أحسن ما سمعت قال أبو عمر قوله أحسن ما سمعت يدل على أنه سمع الاختلاف في ذلك ورأى للمضطر أن يأكل من الميتة حتى يشبع ولم ير له أن يأكل من مال غيره إلا ما يرد جوعه ولا يحمل منه شيئا كأنه رأى الميتة أطلق أكلها للمضطر وجعل قوله عليه السلام أموالكم عليكم حرام يعني أموال بعضكم على بعض أعم وأشد وهذا يخالفه فيه غيره لعموم قوله إلا ما اضطررتم إليه ولأن المواساة في العسرة وترميق المهجة من الجائع واجب على الكفاية بإجماع فكلاهما حلال في الحال أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكير قال حدثني أبو داود قال حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري قال حدثني أبي قال حدثني شعبة عن أبي بشر عن عباد بن شرحبيل قال أصابتني سنة فدخلت حائطا من حيطان المدينة فعركت سنبلا فأكلت وحملت في ثوبي فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما علمت إذ كان جاهلا ولا أطعمت إذ كان جائعا أو قال ساغبا وأمره فرد علي ثوبي وأعطاني وسقا أو نصف وسق من طعام

رواه غندر عن شعبة عن أبي بشر قال سمعت عباد بن شرحبيل ولم يلق أبو بشر صاحبا غير هذا الرجل وفي حديث قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذا المعنى فليحتلب فليشرب ولا يحمل وأما قوله في التمر والزرع والغنم أنه يقطع إذا عد سارقا فهذا لا يكون في زرع قائم ولا ثمر في شجر ولا غنم في سرحها لأنه لا قطع في شيء من ذلك وإنما القطع في الزرع إذا صار في الأندر و صار التمر في الجريس والغنم في الدار والمراح وسيأتي ما للعلماء في معنى الحرز في كتاب الحدود والذي قاله مالك في هذا الباب اختيار واستحباب واحتياط على السائل وأما الميتة فحلال للمضطر على كل حال ما دام في حال الأضطرار بإجماع وكذلك أكله زرع غيره أوإطعام غيره في تلك الحال له حلال ولا يحل لمن عرف حاله تلك أن يتركه يموت وعنده ما يمسك به رمقه فإن كان واحدا تعين ذلك عليه وإن كانوا جماعة كان قيامه به تلك الليلة أو اليوم والليلة فرضا على جماعتهم فإن قام به من قام منهم سقط ذلك الغرض عنهم ولا يحل لمن اضطر أن يكف عما يمسك رمقه فيموت وفي مثل هذا قال مسروق إن اضطر إلى الميتة ولم يأكلها ومات دخل النار فهو فرض عليه وعلى غيره فيه وهذا الذي وصفت لك عليه جماعة العلماء من السلف والخلف وبالله التوفيق إلا أنهم اختلفوا فيمن أكل شيئا له بال وقيمة من مال غيره وهو مضطر هل عليه ثمن ذلك أم لا فقال قوم يضمن ما أحيا به نفسه وقال الأكثر لا ضمان عليه إذا اضطر إلى ذلك قال أبن وهب سمعت مالكا يقول في الرجل يدخل الحائط فيأكل من التمر أو يجده ساقطا قال لا يأكل إلا أن يعلم أن نفس صاحبه تطيب بذلك أو يكون محتاجا فلا يكون عليه شيء

وفي التمهيد بالإسناد عن أبي برزة الأسلمي وعبد الرحمن بن سمرة وأنس بن مالك أنهم كانوا يصيبون من الثمار في أسفارهم يعني بغير إذن أهلها وعن الحسن قال لا يأكل ولا يفسد ولا يحمل وسنزيد هذا المعنى بيانا عند قوله صلى الله عليه وسلم لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه في باب الغنم من الجامع إن شاء الله تعالى

كتاب العقيقة بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم باب ما جاء في العقيقة مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال لا أحب العقوق وكأنه إنما كره الأسم وقال من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل روى هذا الحديث بن عيينة عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أو عن عمه على الشك والقول في ذلك قول مالك والله أعلم ولا أعلمه يروي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده واختلف فيه على عمرو بن شعيب ومن أحسن أسانيد حديثه ما رواه عبد الرزاق قال أخبرنا داود بن قيس

قال سمعت عمرو بن شعيب يحدث عن أبيه عن جده قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال لا أحب العقوق وكأنه كره الأسم قالوا يا رسول الله ينسك أحدنا عن ولد له فقال من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في العقيقة أحاديث منها حديث سمرة وحديث سليمان بن عامر وقد ذكرناهما بالأسانيد في التمهيد وفي هذا الحديث كراهة ما يقبح من الأسماء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الأسم الحسن لأنه كان يعجبه الفأل الحسن ويأتي هذا المعنى في الجامع إن شاء الله وكان الواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال للذبيحة عن المولود في سابعه نسيكة ولا يقال عقيقة إلا أني لا أعلم خلافا بين العلماء في تسمية ذلك عقيقا فدل على أن ذلك منسوخ واستحباب واختيار فأما النسخ فإن في حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الغلام مرتهن بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ويسمى وفي حديث سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة فدل ذلك على الإباحة لا على الكراهة في الأسم وعلى هذا كتب الفقهاء في كل الأمصار ليس فيها إلا العقيقة لا النسيكة على أن حديث مالك هذا ليس فيه التصريح بالكراهة وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم

وإنما فيهما فكأنه كره الاسم وقال من أحب أن ينسك عن ولده وأما العقيقة في اللغة فذكر أبو عبيد عن الأصمعي وغيره أن أصلها الشعر الذي يكون على رأس الصبي قال وإنما سميت الشاة التي تذبح عنه عقيقة لأنه يحلق رأس الصبي عند الذبح ولهذا قيل أميطوا عنه الأذى يعني بذلك الأذى الشعر وذكر شواهد من الشعر على هذا قد ذكرناها في التمهيد وأنكر أحمد بن حنبل تفسير أبي عبيد هذا وما ذكره في ذلك عن الأصمعي وغيره وقال إنما العقيقة الذبح نفسه وهو قطع الأوداج والحلقوم قال ومنه قيل للقاطع رحمه في أبيه وأمه عاق وأما حديث مالك في هذا الباب عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن علي بن الحسين أنه قال وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين فتصدقت بزنته فضة وهذا الحديث قد روي عن ربيعة عن أنس وهو خطأ والصواب عن ربيعة ما في الموطأ رواه يحيى بن بكير قال حدثني لهيعة بن عمارة بن غزية عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برأس الحسن والحسين يوم سابعهما فحلق وتصدق بوزنه فضة وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال سمعت محمد بن علي يقول كانت فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم لا يولد لها ولد إلا أمرت برأسه فحلق وتصدقت بوزن شعره ورقا وروى بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي مثله وهذا كان من فاطمة رضي الله عنها مع العقيقة عن ابنيها حسن وحسين

لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن كل واحد منهما بكبش كبش وسنذكر الحديث في الباب بعد هذا إن شاء الله وأهل العلم يستحبون ما جاء عن فاطمة في ذلك مع العقيقة أو دونها ويرون ذلك على من لم يعق لقلة ذات يده أوكد على حسب اختلافهم في وجوب العقيقة وقال عطاء يبدأ بالحلق قبل الذبح وأما اختلاف العلماء في وجوب العقيقة فمذهب أهل الظاهر أن العقيقة واجبة فرضا منهم داود وغيره قالوا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بها وعملها وقال الغلام مرتهن بعقيقة ومع الغلام عقيقته وقال عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان ونحو هذا من الأحاديث وكان أبو برزة الأسلمي يوجبها وشبهها بالصلاة وقال الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس وكان الحسن البصري يذهب إلى أنها واجبة عن الغلام يوم سابعه قال وإن لم يعق عنه عق عن نفسه إذا ملك وعقل وحجته ما رواه عن سمرة حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني عفان قال حدثني أبان قال حدثني قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويماط عنه الأذى ويسمى قال قاسم وأملى علي بن عبد العزيز قال حدثني يعلى بن أسد قال حدثني سلام بن أبي مطيع قال حدثني قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى قال أبو عمر الحلق معنى أميطوا عنه الأذى

وذهب الليث بن سعد إلى أنها واجبة عن المولود في سابعه وغير واجبة بعد سابعه وقال مالك في الباب بعد هذا من الموطأ وليست العقيقة بواجبة ولكنها يستحب العمل بها وهي من الأمر الذي لم يزل عليه الناس عندنا قال وفي غير الموطأ لا يعق عن المولود إلا يوم سابعه ضحوة فإن جاوز السابع لم يعق عنه ولا يعق عن كبير وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري العقيقة سنة يجب العمل بها ولا ينبغي تركها لمن قدر عليها وقال أبو الزناد العقيقة من أمر المسلمين الذين كانوا يكرهون تركها وقال الثوري ليست العقيقة بواجبة وإن صنعت فحسن وقال محمد بن الحسن هي تطوع كان المسلمون يصنعونها فنسخها عيد الأضحى فمن شاء فعل ومن شاء ترك قال أبو عمر ليس ذبح الأضحى بناسخ للعقيقة عند جمهور العلماء ولا جاء في الآثار المرفوعة ولا عن السلف ما يدل على ما قال محمد بن الحسن ولا أصل لقولهم في ذلك وتحصيل مذهب أبي حنيفة وأصحابه أن العقيقة تطوع فمن شاء فعلها ومن شاء تركها وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث هذا الباب من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل دليل على أن العقيقة ليست بواجبة لأن الواجب لا يقال فيه من أحب أن يفعله فعله بل هذا لفظ التخيير والإباحة وقال مالك يعق عن اليتيم ويعق العبد المأذون له في التجارة عن ولده إلا أن يمنعه سيده وقال الشافعي لا يعق العبد المأذون له في التجارة عن ولده ولا يعق عن اليتيم كما لا يضحى عنه وقال مالك ولا يعد اليوم الذي ولد فيه المولود إلا أن يولد قبل الفجر من ليلة ذلك اليوم

وقال عطاء بن أبي رباح إن أخطأهم أمر العقيقة يوم السابع أحببت أن يؤخروه إلى يوم السابع الثاني وروي عن عائشة أنها قالت إن لم يعق عنه يوم السابع ففي أربع عشرة فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين وبه قال إسحاق بن راهويه وهو مذهب بن وهب صاحب مالك وروى بن وهب عن مالك أنه قال إن لم يعق عنه في اليوم السابع عق عنه في السابع الثاني قال بن وهب ولا بأس أن يعق عنه في السابع الثالث وقال الليث يعق عن المولود في أيام سابعه كلها في أيها شاء منها فإن لم تتهيأ لهم العقيقة في سابعه فلا بأس أن يعق عنه بعد ذلك وليس بواجب أن يعق عنه بعد سبعة أيام وقال أحمد يذبح يوم السابع وقال مالك إن مات قبل يوم السابع لم يعق عنه وروي عن الحسن مثل ذلك وقال الليث في المرأة تلد ولدين في بطن واحد أنه يعق عن كل واحد منهما قال أبو عمر لا أعلم في ذلك خلافا وبالله التوفيق باب العمل في العقيقة مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر لم يكن يسأله أحد من أهله عقيقة إلا أعطاه إياها وكان يعق عن ولده بشاة شاة عن الذكور والإناث قال أبو عمر عمل قوم خبر بن عمر هذا على أنه كان يجيز أن يعق عن الكبير والصغير وليس في الحديث عنه ما يدل على ذلك لأنه يحتمل أن يكون السائل له من أهله سأله العقيقة عن ولده وعن نفسه وروى هذا الحديث عبيد الله وأيوب عن نافع عن بن عمر أنه كان لا يسأله أحد من أهله عقيقة إلا أعطاه إياه

قال وكان يقول عن الغلام شاة وعن الجارية شاة قال أبو عمر أجاز بعض من شذ أن يعق الكبير عن نفسه بالحديث الذي يرويه عبد الله بن محرر عن قتادة عن أنس قال عق النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه بعد ما بعث بالنبوة وعبد الله بن محرر ليس حديثه بحجة وقد قيل عن قتادة أنه كان يفتي به وروى عنه معمر قال من لم يعق عنه أجزأته ضحيته قال أبو عمر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه وقوله صلى الله عليه وسلم مع الغلام عقيقة والغلام مرتهن بعقيقته وروي المولود مرتهن بعقيقته وذلك كله سواء دليل على أن العقيقة عن الغلام لا عن الكبير على ذلك مذاهب الفقهاء في مراعاة السابع الأول والثاني وفي الثالث على ما ذكرنا عنهم في الباب قبل هذا وأما قوله كان يعق عن ولده شاة شاة عن الذكور والإناث فهذا موضع اختلفت فيه الآثار وعلماء الأمصار وقول مالك في هذا الباب من الموطأ عن هشام بن عروة أن أباه عروة بن الزبير كان يعق عن بنيه الذكور والإناث بشاة شاة قال مالك الأمر عندنا في العقيقة أن من عق فإنما يعق عن ولده بشاة شاة الذكور والإناث قال أبو عمر الحجة لمالك ومن قال بقوله في ذلك حديث أيوب عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا ذكره أبو داود عن أبي معمر عن عبد الوارث عن أيوب وروى جعفر بن محمد عن أبيه أن فاطمة ذبحت عن حسن وحسين كبشا كبشا

وهو قول بن عمر وعروة بن الزبير وأبي جعفر محمد بن علي وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة وهو قول عائشة وروي ذلك عن بن عباس أيضا والحجة لهم حديث عطاء بن أبي رباح عن حبيبة بنت ميسرة بن أبي خيثم الفهرية مولاته أنها أخبرته عن أم كرز الكعبية سمعتها تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في العقيقة عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة رواه عمرو بن دينار وبن جريج عن عطاء وقال بن جريج فيه عن أم بني كرز الكعبيين أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة قالت قلت ما المكافئتان قال المثلان وإن الضأن أحب إليه من المعز وذكر أنها أحب إليه من إناثها قال بن جريج كان هذا رأيان من عطاء قال أبو عمر قد روى حديث أم كرز هذا عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت أن أم كرز أخبرته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال نعم عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا وهذا يرد قول عطاء في أن الذكر أحب إليه في ذلك من الأنثى وهذا الحديث رواه بن جريج وبن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد إلا أن بن عيينة قال فيه حدثني عبيد الله بن أبي يزيد قال أخبرني أبي أنه سمع سباع بن ثابت يحدث أنه سمع أم كرز الكعبية تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه أخبره فذكر ما أثبتنا في الإسناد قبل هذا عنه

وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في أحاديث هذا الباب كلها في التمهيد قال أبو عمر وانفرد الحسن بقوله لا يعق عن الجارية وإنما يعق عن الغلام وقد روي أن قتادة تابعه على ذلك وأظنهما ذهبا إلى حديث سلمان الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم مع الغلام عقيقته وإلى حديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم الغلام مرتهن بعقيقته وكذلك انفرد الحسن وقتادة أيضا بأن الصبي يمس رأسه بقطنة قد غمست في دم وأنكر جمهور العلماء ذلك وقالوا هذا كان في الجاهلية فنسخ بالإسلام واحتجوا بحديث سلمان بن عامر الضبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى قالوا فكيف يأمر بإماطة الأذى عنه ويحمل على رأسه الأذى وأنكروا حديث همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع أو تحلق رأسه ويدمى وقالوا هذا وهم من همام لأنه لم يقل أحد في ذلك الحديث ويدمي غيره وإنما قالوا ويحلق رأسه ويسمى وذكروا حديث بن بردة الأسلمي قال كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران قال أبو عمر قد ذكرنا الأسانيد بهذه الأخبار كلها في التمهيد مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أنه قال سمعت أبي يستحب العقيقة ولو بعصفور هكذا رواه عبيد الله بن يحيى عن أبيه يحيى بن يحيى ورواه بن وضاح عن يحيى فقال فيه سمعت أبي يقول تستحب العقيقة ولو بعصفور وكذلك رواه أكثر الرواة عن مالك في الموطأ

ورواه مطرف بن القاسم وعلي بن زياد وغيرهم فقالوا فيه عن محمد بن إبراهيم أنه قال تستحب العقيقة ولو بعصفور ولم يقولوا عن أبيه وليس في هذا الخبر أكثر من استحباب العقيقة وقد تقدم القول في وجوبها واستحبابها وأما قوله ولو بعصفور فإنه كلام خرج على التقليل والمبالغة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر في الفرس ولو أعطاكه بدرهم وكما قال في الأمة إذا زنت بعها ولو بضفير وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية إلا من شذ ممن لا يعد خلافا مالك أنه بلغه أنه عق عن حسن وحسين ابني علي بن أبي طالب وهذا قد تقدم متصلا مسندا في هذا الباب قال مالك من عق عن ولده فإنما هي بمنزلة النسك والضحايا لا يجوز فيها عوراء ولا عجفاء ولا مكسورة ولا مريضة ولا يباع من لحمها شيء ولا جلدها ويكسر عظامها ويأكل أهلها من لحمها ويتصدقون منها ولا يمس الصبي بشيء من دمها قال أبو عمر على هذا جمهور الفقهاء أنه يجتنب في العقيقة من العيوب ما يجتنب في الأضحية ويؤكل منها ويتصدق ويهدى إلى الجيران وهو قول الشافعي قال الشافعي العقيقة سنة واجبة ويتقى فيها من العيوب ما يتقى في الضحايا ولا يباع لحمها ولا إهابها وتكسر عظامها ويأكل أهلها منها ويتصدقون ولا يمس الصبي بشيء من دمها ونحو هذا كله قال أحمد وأبو ثور وجماعة العلماء وقول مالك مثل قول الشافعي أنه تكسر عظامها ويطعم منها الجيران ولا يدعى الرجال كما يفعل بالوليمة ويسمى الصبي يوم سابعه إذا عق عنه قال عطاء تطبخ وتقطع قطعا ولا يكسر لها عظم

وعن عائشة مثله وقال بن شهاب لا بأس أن تكسر عظامها وهو قول مالك وقال بن جريج تطبخ أعضاء ويؤكل منها ويهدى ولا يتصدق بشيء منها تم كتاب العقيقة بحمد الله وعونه

كتاب الفرائض باب ميراث الصلب قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا في فرائض المواريث أن ميراث الولد من والدهم أو والدتهم أنه إذا توفي الأب أو الأم وتركا ولدا رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف فإن شركهم أحد بفريضة مسماة وكان فيهم ذكر بدى ء بفريضة من شركهم وكان ما بقي بعد ذلك بينهم على قدر مواريثهم قال أبو عمر ما ذكره مالك رحمه الله في ميراث البنين ذكرانا كانوا أو إناثا من آبائهم أو أمهاتهم فكما ذكر لا خلاف في شيء من ذلك بين العلماء إذا كانوا أحرارا مسلمين ولم يقتل واحدا منهم أباه وأمه عمدا وأما قوله عز وجل فإن كن نساء فوق اثنتين النساء فالمعنى في ذلك عند جمهور العلماء وجماعة الفقهاء الذين تدور عليهم في الأمصار الفتوى إن كن نساء فوق اثنتين فما فوقها وما أعلم في هذا خلافا بين علماء المسلمين إلا رواية شاذة لم تصح عن بن عباس انه قال للأنثيين النصف كما للبنت الواحدة حتى تكون البنات أكثر من اثنتين فيكون لهن الثلثان وهذه الرواية منكرة عند أهل العلم قاطبة كلهم ينكرها ويدفعها بما رواه بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن بن عباس أنه جعل للبنتين الثلثين وعلى هذا جماعة الناس وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الأحاد العدول مثل ما عليه الجماعة في ذلك

حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي اسامة قال حدثني عيسى بن إسماعيل الطباغ قال حدثني عمرو بن ثابت عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله أن امرأة من الأنصار أتت النبي صلى الله عليه وسلم بابنتي سعد بن الربيع فقالت يا رسول الله إن سعد بن الربيع قتل يوم أحد شهيدا فأخذ عمهما كل شيء من تركته ولم يدع من مال أبيهما شيئا والله ما لهما مال ولا تنكحان إلا ولهما مال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيقضي الله في ذلك ما شاء فنزلت يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك النساء فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمهما فقال أعط هاتين الجاريتين الثلثين مما ترك أبوهما وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك روى هذا الحديث جماعة من الأئمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وعبد الله بن محمد بن عقيل قد قبل جماعة من أهل العلم بالحديث حديثه واحتجوا به وخالفهم في ذلك آخرون فكان هذا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا لمعنى قول الله عز وجل فإن كن نساء فوق اثنتين النساء أي اثنتين فما فوقهما ونسخا لما كان عليه أهل الجاهلية من تركهم توريث الإناث من أولادهم وإنما كانوا يورثون الذكور حتى نزلت يوصيكم الله في أولادكم الآية النساء كذلك روي عن بن مسعود وبن عباس وقد استدل من العلماء قوم ممن لم يثبت عندهم هذا الحديث بدلائل على أن الابنتين حكمهما في الميراث حكم البنات منها أن الابنة لما أخذت مع أخيها السدس كان ذلك أحرى أن تأخذ ذلك مع أختها ومنها أن البنت لما كان لها النصف وكان للأخت النصف وجعل الله للأختين الثلثين كانت الابنتان أولى بذلك قياسا ونظرا صحيحا وفي حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى في بنت وبنت بن وأخت فجعل للابنة النصف ولابنة الابن السدس وجعل الباقي للأخت

فلما جعل للابنة ولابنة الابن الثلثين كانت الابنتان أولى بذلك لأن الابنة أقرب من ابنة الابن قال مالك ومنزلة ولد الأبناء الذكور إذا لم يكن دونهم ولد كمنزلة الولد سواء ذكورهم كذكورهم وإناثهم كإناثهم يرثون كما يرثون ويحجبون كما يحجبون قال أبو عمر قوله ولد الأبناء الذكور يريد البنتين والبنات من الأبناء الذكور فابن الابن كالابن عند عدم الابن وبنت الابن كالبنت عند عدم البنت وليس أولاد البنات من ذلك في شيء وسيأتي ذكر ذوي الأرحام في موضعه إن شاء الله تعالى قال الشاعر بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد وما ذكره مالك أيضا في هذا الفصل إجماع أيضا من علماء المسلمين في أن بني البنين يقومون مقام ولد الصلب عند عدم ولد الصلب يرثون كما يرثون ويحجبون كما يحجبون الأنثى روي عن مجاهد أنه قال ولد الابن لا يحجبون الزوج ولا الزوجة ولا الأم ولا أعلم أحدا تابعه على ذلك ومن شذ عن الجماعة فهو محجوج بها يلزمه الرجوع إليها قال مالك فإن اجتمع الولد للصلب وولد الابن وكان في الولد للصلب ذكر فإنه لا ميراث معه لأحد من ولد الابن فإن لم يكن في الولد للصلب ذكر وكانتا ابنتين فأكثر من ذلك من البنات للصلب فإنه لا ميراث لبنات الابن معهن إلا أن يكون مع بنت الابن ذكر هو من المتوفى بمنزلتهن أو هو أطرف منهن فإنه يرد على من هو بمنزلته ومن هو فوقه من بنات الأبناء فضلا إن فضل فيقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم

قال أبو عمر قد تقدم أنه لا ميراث لولد الأبناء مع ولد الصلب إلا أن يكون من ولد الصلب ذو فرض فلا يزاد على فرضه ويدخل ولد الابن فيما زاد على ذلك الفرض إلا أن في هذا اختلافا قديما وحديثا فالذي ذكره مالك هو مذهب علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وعليه جمهور العلماء من العراقيين والحجازيين والشاميين وأهل المغرب أن بن الابن يعصب من بإزائه وأعلى منه من بنات الابن في الفاضل عن الابنة والابنتين ويكون ذلك بينه وبينهن للذكر مثل حظ الأنثيين وخالف في ذلك بن مسعود فقال إذا استكمل البنات الثلثين فالباقي لابن الابن أو لبني الابن دون أخواتهم ودون من فوقهم من بنات الابن ومن تحتهم وإلى هذا ذهب أبو ثور وداود بن علي وروي مثله عن علقمة وحجة من ذهب إلى ذلك حديث بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله عز وجل فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر هذا اللفظ حديث معمر عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحقوا المال بالفرائض وبعضهم يرويه ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي أو فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر وقد ذكرنا طرق هذه الأحاديث ومن أرسله في كتاب الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الاجتماع والاختلاف قال أبو عمر من الحجة لمذهب علي وزيد وسائر العلماء عموم قول الله عز وجل يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين النساء لأن ولد الولد ولد ومن جهة النظر والقياس أن كل من يعصب من في درجته في جملة المال

فواجب أن يعطيه في الفاضل من المال كأولاد الصلب فوجب بذلك أن يشرك بن الابن أخته كما يشرك الابن للصلب أخته وإن احتج محتج لأبي ثور وداود أن بنت الابن ما لم ترث شيئا من الفاضل من الثلثين منفردة ولم يعصبها أخوها فالواجب أنها إذا كانت معها أخوها قويت به وصارت عصبة معه بظاهر قوله ويوصيكم الله في أولادكم النساء وهي من الولد قال مالك وإن لم يكن الولد للصلب إلا ابنة واحدة فلها النصف ولابنة ابنه واحدة كانت أو أكثر من ذلك من بنات الأبناء ممن هو من المتوفى بمنزلة واحدة السدس قال أبو عمر هذا أيضا لا خلاف فيه إلا شيء روي عن أبي موسى وسلمان بن ربيعة لم يتابعهما أحد عليه وأظنهما انصرفا عنه بحديث بن مسعود حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن سفيان عن أبي قيس الأودي وعن هزيل بن شرحبيل قال جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنة وابنة بن وأخت فقالا للبنت النصف وللأخت النصف الباقي وائت بن مسعود فإنه سيتابعنا فأتى الرجل بن مسعود فسأله وأخبره بما قالا فقال بن مسعود لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ولكن أقضي فيها كما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت قال أبو عمر على هذا استقر مذهب الفقهاء وجماعة العلماء على أن لابنة الابن مع الابنة للصلب السدس تكملة الثلثين على ما في حديث بن مسعود هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وللشيعة في هذا المذهب مسألة على أصولهم في أن لا ترث ابنة الابن شيئا مع الابنة كما لا يرث بن الابن مع الابن شيئا ورأينا أن ننزه كتابنا هذا عن ذكر مذاهبهم في الفرائض وقد ذكرنا مذاهبهم ومذاهب سائر فرق الأمة في أصول الفرائض في كتاب الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الإجماع والاختلاف قال مالك فإن كان مع بنات الابن ذكر هو من المتوفى بمنزلتهن فلا فريضة ولا سدس لهن ولكن إن فضل بعد فرائض أهل الفرائض فضل كان ذلك الفضل لذلك الذكر ولمن هو بمنزلته ومن فوقه من بنات الأبناء للذكر مثل حظ الأنثيين

وليس لمن هو أطرف منهم شيء فإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف النساء قال مالك الأطرف هو الأبعد قال أبو عمر على ما حكاه مالك في هذا جمهور العلماء وهو مذهب عمر وعلي وزيد وبن عباس وجماعة فقهاء الأمصار كلهم يجعلون الباقي بين الذكور والإناث من بنات الابن للذكر مثل حظ الأنثيين بالغا ما بلغت المقاسمة زادت بنات الابن على السدس أو لم تزد إلا أبا ثور فإنه ذهب في ذلك مذهب بن مسعود فشذ عن العلماء في ذلك كما شذ بن مسعود فيها عن الصحابة وذلك أن بن مسعود كان يقول في بنت وبنات بن وبني بن للبنت النصف والباقي بين ولد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أن تزيد المقاسمة بنات الابن على السدس فيفرض لهن السدس ويجعل الباقي لبني الابن وبه قال أبو ثور وقد شذ أيضا بعض المتأخرين من الفرضيين فقال الذكر من بني البنين يعصب من بإزائه دون من عداه من بنات الابن والجماعة على ما ذكره مالك وبالله التوفيق باب ميراث الرجل من امرأته والمرأة من زوجها مالك وميراث الرجل من امرأته إذا لم تترك ولدا ولا ولد بن منه أو من غيره النصف فإن تركت ولدا أو ولد بن ذكرا كان أو أنثى فلزوجها الربع من بعد وصية توصي بها أو دين وميراث المرأة من زوجها إذا لم يترك ولدا ولا ولد بن الربع فإن ترك ولدا أو ولد بن ذكرا كان أو أنثى فلامرأته الثمن من بعد وصية يوصي بها أو دين وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين النساء قال أبو عمر هذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم فيه وهو من

الحكم الذي ثبتت حجته ووجب العمل به والتسليم له وما فيه التنازع والاختلاف وجب العمل منه بما قام الدليل عليه لكل مجتهد وقام العذر فيه لمن مال إلى وجه منه لأنه هو الأولى عنده ووجب على العامة تقليد علمائها فيما اجتهدوا فيه ووسعهم العمل به وبالله التوفيق باب ميراث الأب والأم من ولدهما قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن ميراث الأب من ابنه أو ابنته أنه إن ترك المتوفى ولدا أو ولد بن ذكرا فإنه يفرض للأب السدس فريضة فإن لم يترك المتوفى ولدا ولا ولد بن ذكرا فإنه يبدأ بمن شرك الأب من أهل الفرائض فيعطون فرائضهم فإن فضل من المال السدس فما فوقه كان للأب وإن لم يفضل عنهم السدس فما فوقه فرض للأب السدس فريضة قال أبو عمر الأب عاصب وذو فرض إذا انفرد أخذ المال كله وإن شركه ذو فرض كالابنة والزوج والزوجة أخذ ما فضل عن ذوي الفروض فإن كان معه من ذوي الفروض من يجب لهم أكثر من خمسة أسداس المال فرض له السدس وصار ذا فرض وسهم مسمى معهم ودخل العول على جميعهم أن ضاق المال عن سهامهم فإن لم يترك المتوفى غير أبويه فلأمه الثلث وباقي ماله لأبيه لأن الله عز وجل لما جعل ورثة المتوفى أبويه وأخبر أن للأم من ماله الثلث علم أن للأب ما بقي بدليل قوله عز وجل وورثه أبواه النساء وهذا كله إجماع من العلماء واتفاق من أصحاب الفرائض والفقهاء قال مالك وميراث الأم من ولدها إذا توفي ابنها أو ابنتها فترك المتوفى ولدا أو ولد بن ذكرا كان أو أنثى أو ترك من الإخوة اثنين فصاعدا ذكورا كانوا أو إناثا من أب وأم أو من أب أو من أم فالسدس لها وإن لم يترك المتوفى ولدا ولا ولد بن ولا اثنين من الإخوة فصاعدا فإن للأم الثلث كاملا إلا في فريضتين فقط وإحدى الفريضتين أن يتوفى رجل ويترك امرأته وأبويه فلامرأته الربع ولأمه الثلث مما بقي وهو الربع من رأس المال

والأخرى أن تتوفى امرأة وتترك زوجها وأبويها فيكون لزوجها النصف ولأمها الثلث مما بقي وهو السدس من رأس المال وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس النساء فمضت السنة أن الإخوة اثنان فصاعدا قال أبو عمر أجمع جمهور العلماء على أن الأم لها من ميراث ولدها الثلث إن لم يكن له ولد والولد عندهم في قوله تعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد النساء وهو الابن دون الابنة وخالفهم في ذلك من هو محجوج بهم ممن ذكرناه في كتاب الإشراف على ما في أصول الفرائض من الإجماع والاختلاف والحمد لله وقالت طائفة في أبوين وابنة للابنة النصف وللأبوين السدسان وما بقي فللأب لأنه عصبة هذه عبارة عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت ومنهم من قال للابنة النصف وللأم السدس وللأب ما بقي وهذه عبارة علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت أيضا والمعنى واحد وأما قول مالك فإن لم يترك المتوفى ولدا ولا ولد بن يعني عند عدم الولد ولا اثنين من الإخوة فصاعدا فإن للأم الثلث كاملا إلا في فريضتين وقوله في آخر الباب فمضت السنة أن الإخوة اثنان فصاعدا فقد اختلف العلماء في قوله عز وجل فإن كان له إخوة فلأمه السدس النساء فذهب بن عباس إلى أن الأم لا ينقلها عن الثلث إلى السدس إلا ثلاثة من الأخوة فصاعدا لقوله عز وجل فإن كان له إخوة فلأمه السدس النساء لأنه أقل ما يقع عليه اسم إخوة ثلاثة فصاعدا وقالت بقوله فرقة وقاموا صيغة التثنية غير صيغة الجمع وقد أجمعوا أن الواحد غير الاثنين فكذلك الاثنان عند الجميع قالوا ولو كانت التثنية جمعا لاستغنى بها عن الجمع كما استغنى عن الجمع مرة أخرى ولهم حجج من نحو هذا

وقال علي و عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم الاثنان من الإخوة يحجبان الأم عن الثلث وينقلانها إلى السدس كما يفعل جماعة الإخوة وهو قول جمهور العلماء بالحجاز والعراق لا خلاف بينهم في ذلك ومن الحجة لهم إجماع المسلمين على أن البنتين ميراثهما كميراث البنات وكذلك ميراث الأخوين للأم وقد اجمعوا وبن عباس معهم في زوج وأم وأخت لأم أو أخوة لأم أن للزوج النصف ولكل واحد من الأخ أو الأخت السدس وللأم السدس فدل على أنهما قد حجبا الأم عن الثلث إلى السدس ولو لم يحجباها لعالت الفريضة وهي غير عائلة بإجماع وقد أجمعوا أيضا على أن حجبوا الأم عن الثلث إلى السدس بثلاث أخوات ولسن في لسان العرب بإخوة وإنما هن أخوات فحجبها باثنين من الإخوة أولى وقد ذكرنا وجوها من حجج الطائفتين المختلفتين في هذه المسألة في كتاب الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الإجماع والاختلاف وقال بعض المتأخرين ممن لا يعد خلافا على المتقدمين لا أنقل الأم من الثلث إلى السدس بأختين ولا بأخوات منفردات حتى يكون معهما أو مع إحداهما أخ لأن الأختين والأخوات لا يتناولهما اسم الإخوة منفردات وهذا شذوذ لا يعرج عليه ولا يلتفت إليه لأن الصحابة رضوان الله عليهم قد صرفوا اسم الإخوة عن ظاهره إلى اثنين وذلك لا يكون منهم رأيا وإنما هو توقيف عن من يجب التسليم له والله أعلم واختلفوا فيمن يرث السدس الذي تحجب عنه الأم بالإخوة فيمن ترك أبوين وإخوة فروي عن بن عباس أن ذلك السدس للإخوة الذين حجبوا الأم عنه وللأب الثلثان والإسناد عن بن عباس بذلك غير ثابت وقال جماعة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم للأم مع الإخوة السدس والخمسة الأسداس للأب لا يرث الإخوة شيئا مع الأب وفي المسألة قول ثالث قد ذكرناه في الإشراف وأما قول مالك إلا في فريضتين فقط وإحدى الفريضتين أن يتوفى رجل

ويترك امرأته وأبويه فلامرأته الربع ولأمه الثلث مما بقي وهو الربع من راس المال والأخرى أن تتوفى امرأة وتترك زوجها وأبويها فيكون لزوجها النصف ولأمها الثلث مما بقي وهو السدس من رأس المال فالاختلاف أيضا في هذه المسألة قديما إلا أن الجمهور على ما قاله مالك وهو قول جماعة فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى بالحجاز والعراق وأتباعهم من سائر البلاد وقال عبد الله بن عباس في زوج وأبوين للزوج النصف وللأم الثلث من جميع المال وللأب ما بقي وقال في امرأة وأبوين للمرأة الربع وللأم ثلث جميع المال والباقي للأب وبهذا قال شريح القاضي ومحمد بن سيرين وداود بن علي وفرقة منهم أبو الحسن محمد بن عبد الله القرضي المصري المعروف بابن اللبان في المسألتين جميعا وزعم أنه قياس قول علي في المشتركة وقال في موضع آخر إنه قد روي ذلك عن علي نصا قال أبو عمر المشهور والمعروف عن علي وزيد وعبد الله وسائر الصحابة رضوان الله عليهم وعامة العلماء ما رسمه مالك رحمه الله ومن الحجة لهم عن بن عباس أن الأبوين إذا اشتركا في الوراثة ليس معهما غيرهما كان للأم الثلث وللأب الثلثان فكذلك إذا اشتركا في النصف الذي يفضل عن الزوج كانا فيه كذلك على ثلث وثلثين وهذا صحيح في النظر والقياس وقد ذكرنا حجة القائلين بقول بن عباس في كتاب الإشراف باب ميراث الإخوة للأم قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن الإخوة للأم لا يرثون مع الولد ولا مع ولد الأبناء ذكرانا كانوا أو إناثا شيئا ولا يرثون مع الأب ولا مع الجد أبي الأب شيئا وأنهم يرثون فيما سوى ذلك يفرض للواحد منهم السدس ذكرا كان أو أنثى فإن كانا اثنين فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث يقتسمونه بينهم بالسواء الذكر والأنثى فيه سواء وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل

واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث النساء فكان الذكر والأنثى في هذا بمنزلة واحدة قال أبو عمر ميراث الإخوة للأم نص مجتمع عليه لا خلاف فيه للواحد منهم السدس وللاثنين فما زاد الثلث وقد قرئ وله أخ أو أخت من أمه فلكل واحد منهما السدس روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقرأ به والإجماع يشهد له ويسقط ميراث الإخوة للأم بأربعة يحجبونهم عن الميراث وهم الأب والجد أبو الأب وإن علا والبنون ذكرانهم وإناثهم وبنو البنين وإن سفلوا أو بنات البنين وإن سفلن لا يرث الإخوة للأم مع واحد من هؤلاء شيئا باب ميراث الإخوة للأب والأم قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن الإخوة للأب والأم لا يرثون مع الولد الذكر شيئا ولا مع ولد الابن الذكر شيئا ولا مع الأب دنيا شيئا وهم يرثون مع البنات وبنات الأبناء ما لم يترك المتوفى جدا أبا أب ما فضل من المال يكونون فيه عصبة يبدأ بمن كان له أصل فريضة مسماة فيعطون فرائضهم فإن فضل بعد ذلك فضل كان للإخوة للأب والأم يقتسمونه بينهم على كتاب الله عز وجل ذكرانا كانوا أو إناثا للذكر مثل حظ الأنثيين النساء فإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم قال أبو عمر لا خلاف علمته بين علماء السلف والخلف من المسلمين أن الإخوة للأب والأم يحجبون الإخوة للأب عن الميراث وقد روي بذلك حديث حسن في رواية الآحاد العدول حدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام قال حدثني محمد بن أبي عمير قال حدثني هشام بن حسان عن بن سيرين عن عبد الله بن عتبة قال قضى عمر رضي الله عنه أن العصبة إذا كانوا مستويين فبنوا الأم أحق وبه عن سفيان عن الأعمش عن سنين قال أتانا كتاب عمر رضي الله عنه إذا كانت العصبة سواء فانظروا أقربهم بأم فأعطوه قال أبو عمر وما ذكره مالك في ميراث الإخوة الأشقاء ها هنا هو الذي عليه جمهور العلماء وهو قول علي وزيد وسائر الصحابة وكلهم يجعل الأخوات وإن لم يكن معهم أخ عصبة للبنات غير بن عباس فإنه كان لا يجعل الأخوات عصبة للبنات وإليه ذهب داود بن علي وطائفة وحجتهم ظاهر قوله تعالى إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك النساء ولم يورث الأخت إلا إذا لم يكن للميت ولد قالوا ومعلوم أن الابنة من الولد فوجب أن لا ترث الأخت مع وجودها قالوا والنظر يمنع من توريث الأخوات مع البنات كما يمنع من توريثهن مع البنين لأن الأصل في الفرائض تقديم الأقرب فالأقرب قال ومعلوم أن البنت أقرب من الأخت لأن ولد الميت أقرب إليه من ولد أبيه وولد أبيه أقرب إليه من ولد جده وهم يقولون بالرد على ذوي الفروض وسيأتي ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله وكان بن الزبير يقول بقول بن عباس في هذه المسألة حتى أخبره الأسود بن يزيد أن معاذا قضى باليمن في بنت وأخت فجعل المال بينهما نصفين وفي بعض الروايات في هذا الحديث ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حي فرجع بن الزبير عن قوله إلى قول معاذ

وحديث معاذ من أثبت الأحاديث ذكره بن أبي شيبة من طرق وذكره غيره أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن عمر بن سعيد قال حدثني الأشعث بن سليم عن الأسود بن يزيد قال أخبرت بن الزبير فقلت إن معاذ بن جبل قضى فيها باليمن في ابنة وأخت بالنصف والنصف فقال بن الزبير أنت رسولي إلى عبد الله بن عتبة وكان قاضي بن الزبير على الكوفة فليقض به وبه عن سفيان قال حدثني أيوب عن محمد بن سيرين عن الأسود بن يزيد قال قضى فينا معاذ باليمن في ابنه وأخت بالنصف والنصف قال أبو عمر وهو قول عمر وعلي وزيد بن ثابت وبن مسعود وعائشة وأبي موسى وسلمان بن ربيعة وعليه جمهور العلماء بالحجاز والعراق وأتباعهم كلهم يقولون في الأخوات إذا اجتمعن في الميراث مع البنات فهن عصبة لهن يأخذن ما فضل للبنات والحجة لهم والسنة الثابتة من حديث بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في ابنة وبن بن وأخت للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت رواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي قيس الأودي وهو عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل بن شرحبيل عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جهة القياس والنظر أن جمهور العلماء الذين هم الحجة على من شذ عنهم قد أجمعوا على توريث الإخوة مع البنات ولم يرعوا قرب البنات فكذلك الأخوات ومن الإسناد عن بن عباس فيما ذكرناه عنه ما رواه بن عيينة عن مصعب بن عبد الله بن الزبرقان أنه حدثه قال سمعت بن أبي مليكة يقول سمعت بن عباس يقول أمر ليس في كتاب الله عز وجل ولا في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وستجدونه في الناس كلهم ميراث الأخت مع البنت النصف وقد قال الله عز وجل إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك الآية النساء قال أبو عمر قول بن عباس وستجدونه في الناس كلهم حجة عليه وفي هذه المسألة مثله لابن مسعود وقوله فيها أقرب من الشذوذ وما أعلم أحدا

تابعه عليه ولا قال بقوله إلا علقمة بن قيس وأبا ثور وهو قوله في الأخوات للأب والأم يجتمعن في فريضة مع الإخوة والأخوات للأب أنهن إذا استكملن الثلثين فالباقي للإخوة للأب دون الأخوات للأب واحتج أبو ثور لاختيار قول بن مسعود هذا بحديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألحقوا المال بأهل الفرائض فما فضل فهو لأولى رجل ذكر وقد ذكرنا هذا الخبر فيما تقدم من ذكر بنات البنين مع بني البنين أن قول بن مسعود فيها على ما قدمنا وذهب داود بن علي إلى قول بن مسعود في ولد الابن مع بنات الابن وخالفه في الأختين الشقيقتين مع الإخوة والأخوات لأب فقال في هذا بقول علي وزيد وقال أبو ثور بقول بن مسعود فيهما جميعا وكان علي وزيد يجعلان الباقي على الفرائض في المسألتين جميعا بين بني البنين وبنات البنين وهن الإخوة والأخوات للذكر مثل حظ الأنثيين وهو قول عمر وبن عباس والناس لقول الله عز وجل يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين النساء وولد الولد ولد وقوله وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين النساء وروى وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن زيد بن ثابت أنه قال في قضاء بن مسعود هذا قضاء الجاهلية أيرث الرجال دون النساء قال مالك وإن لم يترك المتوفى أبا ولا جدا أبا أب ولا ولدا ولا ولد بن ذكرا كان أو أنثى فإنه يفرض للأخت الواحدة للأب والأم النصف فإن كانتا اثنتين فما فوق ذلك من الأخوات للأب والأم فرض لهما الثلثان فإن كان معهما أخ ذكر فلا فريضة لأحد من الأخوات واحدة كانت أو أكثر من ذلك ويبدأ بمن شركهم بفريضة مسماة فيعطون فرائضهم فما فضل بعد ذلك من شيء كان بين الأخوة للأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين إلا في فريضة واحدة فقط لم يكن لهم فيها شيء فاشتركوا فيها مع بني الأم في ثلثهم وتلك الفريضة المعروفة المشتركة هي امرأة توفيت وتركت زوجها

وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأمها وأبيها فكان لزوجها النصف ولأمها السدس ولإخوتها لأمها الثلث فلم يفضل شيء بعد ذلك فيشترك بنو الأب والأم في هذه الفريضة مع بني الأم في ثلثهم فيكون للذكر مثل حظ الأنثى من أجل أنهم كلهم إخوة المتوفى لأمه وإنما ورثوا بالأم وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث النساء فلذلك شركوا في هذه الفريضة لأنهم كلهم إخوة المتوفى لأمه قال أبو عمر المشتركة عند العلماء بالفقه والفرائض هي زوج وأم وإخوان لأم وأخ أو إخوة لأب وأم ومتى اجتمع في المسألة أربعة شروط فهي المشتركة وذلك أن يكون فيها زوج وأم أو جدة مكان الأم واثنان من الإخوة للأم فصاعدا وأخ أو إخوة لأب وأم وقد اختلف الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم فيها وكان عمر وعثمان يعطيان الزوج النصف والأم السدس والأخوة للأم الثلث يشركهم فيه ولد الأب والأم ذكرهم فيه وأنثاهم سواء وهي رواية أهل المدينة عن زيد بن ثابت وبه قال شريح ومسروق وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وطاوس وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم النخعي ومالك والشافعي والثوري وشريك والنخعي وإسحاق بن راهويه وكان علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري لا يدخلون ولد الأب والأم مع ولد الأم لأنهم عصبة وقد اغترفت الفرائض المال فلم يبق لهم شيء وبه قال عامر الشعبي وأبو حنيفة وأصحابه وبن أبي ليلى ويحيى بن آدم وأحمد بن حنبل ونعيم بن حماد وأبو ثور وداود والطبري وجماعة من أهل العلم والفرائض وروي عن زيد بن ثابت وبن مسعود وبن عباس القولان جميعا والمشهور عن بن عباس أنه لم يشرك والمشهور عن زيد أنه يشرك وقال وكيع بن الجراح اختلف فيها عن جميع الصحابة إلا عن علي رضي الله عنهم فإنه لم يختلف عليه عنه أنه لم يشرك

وروي عن عمر أنه قضى فيها فلم يشرك ثم قضى في العام الثاني فشرك وقال مالك على ما قضينا وهذا على ما قضينا وقد ذكرنا الخبر بذلك في كتاب بيان العلم والحمد لله وحجة من شرك واضحة لاشتراك الإخوة للأب والأم مع الإخوة للأم في أنهم كلهم بنو أم واحدة وحجة من لم يشرك أن الإخوة للأب والأم عصبة ليسوا ذوي فروض والإخوة للأم فرضهم في الكتاب مذكور والعصبة إنما يرثون ما فضل عن ذوي الفروض ولم يفضل لهم في مسألة المشتركة شيء عن ذوي الفروض ومما يبين لك الحجة لهم في ذلك قول الجميع في زوج وأم وأخ لأم وعشرة إخوة أو نحوهم لأب وأم أن الأخ للأم يستحق السدس كاملا والسدس الباقي بين الأخوة من الأب والأم فنصيب كل واحد منهم أقل من نصيب الأخ للأم ولم يستحقوا بمساواتهم الأخ للأم في قرابة الأم أن يساووه في الميراث وكذلك لا ينبغي أن يكون الحكم في مسألة مشتركة وبالله التوفيق باب ميراث الإخوة للأب قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن ميراث الإخوة للأب إذا لم يكن معهم أحد من بني الأب والأم كمنزلة الإخوة للأب والأم سواء ذكرهم كذكرهم وأنثاهم كأنثاهم إلا أنهم لا يشركون مع بني الأم في الفريضة التي شركهم فيها بنو الأب والأم لأنهم خرجوا من ولادة الأم التي جمعت أولئك قال مالك فإن اجتمع الإخوة للأب والأم والإخوة للأب فكان في بني الأب والأم ذكر فلا ميراث لأحد من بني الأب وإن لم يكن بنو الأب والأم إلا امرأة واحدة أو أكثر من ذلك من الإناث لا ذكر معهن فإنه يفرض للأخت الواحدة للأب والأم النصف ويفرض للأخوات للأب السدس تتمة الثلثين فإن كان مع الأخوات للأب ذكر فلا فريضة لهن ويبدأ بأهل الفرائض المسماة فيعطون فرائضهم فإن فضل بعد ذلك فضل كان بين الأخوة للأب للذكر مثل حظ الأنثيين وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم فإن كان الإخوة للأب والأم امرأتين أو أكثر من ذلك من الإناث فرض لهن الثلثان ولا ميراث معهن للأخوات للأب إلا أن يكون معهن أخ لأب فإن كان معهن أخ لأب بدى ء بمن شركهم بفريضة

مسماة فأعطوا فرائضهم فإن فضل بعد ذلك فضل كان بين الإحوة للأب للذكر مثل حظ الأنثيين وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم قال مالك ولبني الأم مع بني الأب والأم ومع بني الأب للواحد السدس وللأثنين فصاعدا الثلث للذكر مثل حظ الأنثى هم فيه بمنزلة واحدة سواء قال أبو عمر ما رسم مالك في هذا الباب من حجبة الإخوة للأب بالإخوة للأب والأم إجماع من العلماء كلهم يحجب الأخ للأب عن الميراث بالأخ الشقيق وقد تقدم القول في ذلك والحديث المرفوع فيه وكذلك أجمعوا أن لا يشرك بين بني الأب وبني الأم لأنه لا قرابة بينهم ولا نسب يجمعهم من جهة الأم التي ورث بها بنو الأم واختلفوا فيما يفضل عن الأخت الشقيقة أو الأختين أو الأخوات هل يدخل فيه الأخوة للأب مع أختهن أو مع أخواتهن أم لا وقد مضى في باب ولد البنين هذا المعنى وذلك أن جمهور الصحابة رضوان الله عليهم عليا وزيدا وغيرهما قالوا بمعنى ما ذكره مالك وعلى هذا جمهور العلماء وقال بن مسعود أيضا في أخت لأب وأم وإخوة وأخوات لأب للأخوات لأب الأقل من المقاسمة أو السدس وبه قال أبو ثور وقال بن مسعود أيضا في الأخوات للأب والأم إذا استكملوا الثلثين فالباقي للأخ أو الإخوة دون الأخوات وبه قال أبو ثور وما أعلم أحدا تابع بن مسعود من أصحابه وغيرهم على قوله هذا إلا علقمة والله اعلم باب ميراث الجد مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى زيد بن ثابت يسأله عن الجد فكتب إليه زيد بن ثابت إنك كتبت إلي تسألني

عن الجد والله أعلم وذلك مما لم يكن يقضي فيه إلا الأمراء يعني الخلفاء وقد حضرت الخليفتين قبلك يعطيانه النصف مع الأخ الواحد والثلث مع الاثنين فإن كثرة الأخوة لم ينقصوه من الثلث قال أبو عمر في هذا الخبر من العلم فضل زيد بن ثابت وإمامته في علم الفرائض وأنه كان المسؤول عما أشكل منها والمكتوب إليه من الآفاق فيها لعلمه بها وأن المدينة كان يفزع إلى أهلها من الآفاق في العلم وعلى مذهب زيد بن ثابت في الفرائض رسم مالك رحمه الله كتابه هذا وإليه ذهب وعليه اعتمد وكان القائم بمذهب زيد في ذلك ابنه خارجة ثم أبو الزناد ثم ابنه عبد الرحمن ومالك وجماعة علماء المدينة على مذهب زيد بن ثابت في ذلك وهو مذهب أهل الحجاز وكثير من علماء البلدان في سائر الأزمان وبه قال الشافعي لم يعد شيء منه وأما جمهور أهل العراق فيذهبون إلى قول علي في فرائض المواريث لا يعدونه إلا باليسير النادر كما صنع أهل الحجاز بمذهب زيد في ذلك ومن خالف زيدا من الحجازيين أو خالف عليا من العراقيين فقليل وذلك لما يرويه مما يلزم الانقياد إليه والجملة ما وصفت لك مالك عن بن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب فرض للجد الذي يفرض الناس له اليوم مالك أنه بلغة عن سليمان بن يسار أنه قال فرض عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت للجد مع الأخوة الثلث قال مالك و الأمر المجتمع عليه عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن الجد أبا الأب لا يرث مع الأب دنيا شيئا وهو يفرض له مع الولد الذكر ومع بن الابن الذكر السدس فريضة وهو فيما سوى ذلك ما لم يترك المتوفى أما أو

أختا لأبيه يبدأ بأحد إن شركه بفريضة مسماه فيعطون فرائضهم فإن فضل من المال السدس فما فوقه فرض للجد السدس فريضة قال مالك والجد والإخوة للأب والأم إذا شركهم أحد بفريضة مسماه يبدأ بمن شركهم من أهل الفرائض فيعطون فرائضهم فما بقي بعد ذلك للجد والإخوة من شيء فإنه ينظر أي ذلك أفضل لحظ الجد أعطيه الثلث مما بقي له وللأخوة أو يكون بمنزلة رجل من الإخوة فيما يحصل له ولهم يقاسمهم بمثل حصة أحدهم أو السدس من رأس المال كله أي ذلك كان أفضل لحظ الجد أعطيه الجد وكان ما بقي بعد ذلك للإخوة للأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين إلا في فريضة واحدة تكون قسمتهم فيها على غير ذلك وتلك الفريضة امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وأختها لأمها وأبيها وجدها فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت للأم والأب النصف ثم يجمع سدس الجد ونصف الأخت فيقسم أثلاثا للذكر مثل حظ الأنثيين فيكون للجد ثلثاه وللأخت ثلثه قال مالك وميراث الإخوة للأب مع الجد إذا لم يكن معهم إخوة لأب وأم كميراث الإخوة للأب والأم سواء ذكرهم كذكرهم وأنثاهم كأنثاهم فإذا اجتمع الإخوة للأب والأم والإخوة للأب فإن الإخوة للأب والأم يعادون الجد بأخوتهم لأبيهم فيمنعونه بهم كثرة الميراث بعددهم ولا يعادونه بالإخوة للأم لأنه لو لم يكن مع الجد غيرهم لم يرثوا معه شيئا وكان المال كله للجد فما حصل للإخوة من بعد حظ الجد فإنه يكون للإخوة من الأب والأم دون الإخوة للأب ولا يكون للإخوة للأب معهم شيء إلا أن يكون الإخوة للأب والأم امرأة واحدة فإن كانت امرأة واحدة فإنها تعاد الجد بإخوتها لأبيها ما كانوا فما حصل لهم ولها من شيء كان لها دونهم ما بينها وبين أن تستكمل فريضتها وفريضتها النصف من رأس المال كله فإن كان فيما يحاز لها ولإخوتها لأبيها فضل عن نصف رأس المال كله فهو لإخوتها لأبيها للذكر مثل حظ الأنثيين فإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم قال أبو عمر أما اختلاف العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في ميراث الجد بأن أبا بكر الصديق وعبد الله بن عباس وعائشة أم المؤمنين ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبا الدرداء وأبا هريرة وبن الزبير وأبا موسى كانوا يذهبون إلى أن الجد عند عدم الأب كالأب سواء ويحجبون به الإخوة كلهم ولا يورثون أحدا سوى الإخوة شيئا مع الجد

وبه قال طاوس وعطاء وعبد الله بن عتبة وبن مسعود والحسن وجابر بن زيد وقتادة وعثمان البتي وأبو حنيفة والمزني صاحب الشافعي وأبو ثور وإسحاق ونعيم بن حماد وداود بن علي ومحمد بن جرير الطبري وروي عن عمر وعثمان أنهما قالا بذلك ثم رجعا عنه روى بن عيينة وغيره عن بن جريج عن بن أبي مليكة قال كتب أبن الزبير إلى أهل العراق أما أبو بكر فكان يجعل الجد أبا وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت أتخذ خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا وحجة من جعل الجد أبا لأنه يقع عليه اسم أب واجمعوا أنه كالأب في الشهادة لابن ابنه وكالأب فيمن يعتق عليه وأنه لا يقتص له من جده كما لا يقتص له من أبيه ولأن له السدس مع الأب الذكر وهو عاصب وذو فرض وليس ذلك لأحد غيره وغير الأب ولما كان بن الابن كالابن عند عدم الابن كان كذلك أبو الأب عند عدم الأب كذلك واتفق علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وبن مسعود على توريث الإخوة مع الجد إلا أنهم اختلفوا في كيفية ذلك فمذهب زيد ما ذكره مالك في هذا الباب وقال إنه الأمر المجتمع عليه عندهم وأما علي فكان يشرك بين الإخوة والجد إلا السدس يجعله كأحدهم وإذا كان السدس خيرا له من المقاسمة أعطاه السدس وإذا كان المقاسمة خيرا له من السدس أعطاه السدس بعد أخذ كل ذي فرض فرضه وكذلك إن لم يكن في الفريضة ذو فرض غير الإخوة والجد لا ينقص أبدا من السدس شيئا ويكون بذلك السدس مع ذوي الفروض ذا فرض وعاصبا ومع الإخوة أخا إلا أن تنقصه المقاسمة من السدس فلا ينقصه منه شيئا ولا يزيده مع الوالد الذكر شيئا على السدس ولا ينقصه منه شيئا مع غيرهم

وإذا كانت أخت لأب وأم وأخ لأب وجد أعطى الأخت للأب والأم النصف فريضتها وقسم ما بقي بين الأخ والجد فإن كان أخ لأم وأخ لأب أو إخوة لأم وأب أو إخوة لأب لم يلتفت إلى الإخوة ولم يعاديهم الجد وقاسم بهم الإخوة للأب والأم دون الإخوة للأب قال أبو عمر روي عن بن عباس أنه سأل زيد بن ثابت عن قوله في الجد وفي معاداته الإخوة للأب والأم للإخوة للأب فقال إنما أقول برأيي كما تقول برأيك قال أبو عمر انفرد زيد بن ثابت من بين الصحابة رضوان الله عليهم بقوله في معاداته الجد بالإخوة للأب مع الإخوة للأب والأم ثم يصير ما وقع لهم في المقاسمة إلى الإخوة للأب والأم لم يقله أحد غيرة إلا من اتبعه فيه قد خالفه فيه طائفة من الفقهاء القائلين بقوله في الفرائض لإجماع المسلمين أن الإخوة للأب لا يرثون شيئا مع الإخوة للأب والأم فلا معنى لإدخالهم معهم وهم لا يرثون لأنه خيف على الجد في المقاسمة وذهب إلى قول زيد بن ثابت في الجد خاصة مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي وبن سيرين ومحمد بن إدريس الشافعي وأبو يوسف ومحمد وعبيد الله بن الحسن والحسن بن زياد اللؤلؤي وأحمد بن حنبل وأبوعبيد ولم يذهب إلى قول زيد في منعه من توريث ذوي الأرحام وفي الرد على ذوي السهام وفي قوله ثلث المال بعد ذوي الفروض والعصبات والموالي أحد من الفقهاء الذين ذكرنا إلا مالكا والشافعي وسيأتي القول في ذلك كله في أبوابه بعد إن شاء الله عز وجل وذهب إلى قول علي في الجد المغيرة بن مقسم الضبي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وجماعة من أهل العلم بالفرائض والفقه ومن حجة من ورث الأخ مع الجد أن الأخ أقرب إلى الميت من الجد لأن الجد أبو أبي الميت والأخ بن أبي الميت ومعلوم أن الابن أقرب من الأب فكيف يكون من يدلي بالأبعد أحق وأولى فكيف من يدلي بالأقرب هذا محال وقد أجمعوا أن بن الأخ يقدم على العم وهو يدلي بالأخ والعم يدلي بالجد فدل هذا كله على أن الجد ليس بأولى من الأخ والله أعلم

وقول بن مسعود في مقاسمة الجد الإخوة مختلف عنه فيه وروي عنه مثل قول زيد أنه قاسم الجد بالإخوة إلى الثلث فإن نقصته المقاسمة من الثلث فرض له الثلث على حسب قول زيد وروي عنه مثل قول علي وقد ذكرنا عنه الروايات في الإشراف وذكرنا هناك أقوالا للصحابة شاذة لم يقل بها أحد من الفقهاء فلم أر لذكرها وجها ها هنا وأما الفريضة التي ذكرها مالك في هذا الباب فهي المعروفة عند الفرضيين بالأكدرية وهي زوج وأم وأخت لأب وأم أو لأب وجد وقد اختلف العلماء من الصحابة ومن بعدهم فيها فكان عمر وعبد الله بن مسعود يقولان للزوج النصف وللأم السدس وللأخت النصف وللجد السدس وروي عنهما أيضا للزوج النصف وللأم الثلث مما بقي وللأخت النصف عالت الفريضة إلى ثمانية وكان علي وزيد يقولان للزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف وللجد السدس الفريضة من ستة عالت إلى تسعة إلا أن زيدا يجمع سهم الأخت والجد وهي سبعة فيجعلها بينهما على ثلاثة أسهم سهمان للجد وسهم للأخت عملها أن تضرب ثلاثة في تسعة بسبعة وعشرين للزوج ثلاثة في ثلاثة تسعة وللأم سهمان في ثلاثة ستة وتبقى اثنا عشر للأخت ثلثها أربع للجد ثلثاها ثمانية وقال الشعبي سألت قبيصة بن ذؤيب وكان من أعلمهم بقول زيد فيها يعني الأكدرية فقال والله ما فعل زيد هذا قط يعني أن أصحابه قاسوا ذلك على قوله وقال أبو الحسين بن اللبان الفارض لم يصح عن زيد ما ذكروا يعني في الأكدرية وقياس قوله أن يكون للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وتسقط الأخت كما يسقط الأخ لو كان مكانها لأن الأخ والأخت سبيلهما واحد في قول زيد لأنهما عنده عصبة مع الجد يقاسمانه واختلف في السبب الموجب لتسمية هذه الفريضة بالأكدرية

فقيل سميت بذلك لتكدر قول زيد فيها لأنه لم يفرض للأخت مع الجد وفرض لها في هذه المسألة وقيل سميت بذلك لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا يقال له الأكدر فأخطأ فيها فنسبت إليه حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع عن سفيان قال قلت للأعمش لم سميت الأكدرية قال طرحها عبد الملك بن مروان على رجل يقال له الأكدر كان ينظر في الفرائض فأخطأ فيها فسماها الأكدرية وقال وكيع وكنا نسمع قبل هذا أنها سميت الأكدرية لأن قول زيد تكدر فيها لم يقس قوله وأما قول مالك في معاداة الإخوة للأب وللأم مع الجد بالإخوة للأب ثم انفرادهم بالميراث دونهم فقد ذكرنا أن ذلك قول زيد وحده من بين جميع الصحابة وأما قوله في الإخوة للأم في ذلك فإجماع أنهم لا يرثون عند الجميع مع الجد وقد ذكرنا ذلك في باب ميراث الإخوة للأم وأما قوله في الأخت الشقيقة أنها تعاد الجد بإخوتها لأبيها فإن حصل لها ولهم في ذلك النصف فهو لها دونهم وإن كان أكثر فالفضل على النصف لهم على حسب ما وصف فهو مذهب زيد وكان علي رضي الله عنه يفرض للأخوات للأب والأم ثم يقسم الباقي للإخوة للأب والجد ما لم تنقصه المقاسمة من السدس فإن نقصته فرض له السدس وفضل الباقي للإخوة للأب وأما بن مسعود فأسقط الإخوة للأب مع الإخوة للأب والأم والجد فعلى قول بن مسعود في أخت لأب وأم وأخت لأم وجد المال بين الأخت والجد نصفين ولا شيء للإخوة للأب وذهب إلى قول بن مسعود في الجد مع الإخوة مسروق وشريح وطائفة من متقدمي أهل الكوفة ومن هذا الباب أم وأخت وجد واختلف فيها الصحابة رضوان الله عليهم على خمسة أقوال

أحدها من جعل الجد أبا أبو بكر وبن عباس وبن الزبير ومن ذكرنا معهم أعطوا الأم الثلث والباقي للجد وحجبوا الأخت بالجد كما تحجب بالأب والثاني قول علي قال للأم الثلث وللأخت النصف وما بقي فللجد والثالث قول عثمان جعلها أثلاثا للأم الثلث وللأخت الثلث وللجد الثلث والرابع قول بن مسعود قال للأخت النصف والجد الثلث وللأم السدس وكان يقول معاذ الله أن أفضل أما على جد والخامس قول زيد بن ثابت قال للأم الثلث وما بقي للجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وهذه الفريضة تدعى الخرقاء باب ميراث الجدة مالك عن بن شهاب عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال لها أبو بكر مالك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال أبو بكر هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر الصديق ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب تسأله ميراثها فقال لها مالك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ولكنه ذلك السدس فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال أتت الجدتان إلى أبي بكر الصديق فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم فقال له رجل من الأنصار أما إنك تترك التي لو ماتت وهو حي كان إياها يرث فجعل أبو بكر السدس بينهما

قال أبو عمر أما الحديث الأول فقد خولف مالك في عثمان بن إسحاق بن خرشة فقالت فيه طائفة من أهل الحديث والرواية إنما هو عثمان بن إسحاق بن أبي خرشة بن عمرو بن ربيعة من بني عامر بن لؤي وما أعلم روى عنه غير بن شهاب وهو معروف النسب إلا أنه ليس مشتهرا بالرواية للعلم وقد ذكرنا طرفا من أخباره في التمهيد وذكرنا هناك الاختلاف في سماع قبيصة بن ذؤيب من أبي بكر وقبيصة أحد فقهاء المدينة وقد ذكرنا خبره في التمهيد ولد في أول عام الهجرة ومات سنة ست وثمانين وذكرنا أباه ذؤيبا في كتاب الصحابة وقد تابع مالكا على روايته في هذا الباب عن بن شهاب عن عثمان بن إسحاق بن خرشة أبو أويس وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر ورواه معمر عن الزهري عن قبيصة لم يدخل بين بن شهاب وبين قبيصة أحدا ورواه كما رواه معمر يونس وأسامة بن زيد والقول عندي قول مالك ومن تابعة والله أعلم لأنهم زادوا ما قصر عنه غيرهم وأما بن عيينة فرواه عن الزهري وجوده قال حدثني الزهري فقال مرة حدثني قبيصة وقالا مرة حدثني رجل عن قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة أم الأم أو أم الأب إلى أبي بكر الصديق فقالت إن بن ابني أو بن ابنتي مات وقد أخبرت أن لي في كتاب الله حقا فقال أبو بكر ما أجد لك في كتاب الله من حق وما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بشيء وسأسأل الناس قال فسأل فشهد المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس قال ومن سمع ذلك معك قال بن مسلمة قال فأعطاها السدس قال فلما كانت خلافة عمر جاءت التي تخالفها إلى عمر قال سفيان وزادني فيه معمر عن الزهري ولم أحفظه من الزهري ولكن حفظته عن عمر أن عمر قال إذا اجتمعتما فإنه لكما أو أيتكما انفردت به فهو لها وأما حديثه عن يحيى بن سعيد عن القاسم أنه قال أتت الجدتان إلى أبي بكر

الصديق فإنه عني أم الأم وأم الأب وهما اللتان أجمع العلماء على توريثهما رواه بن عيينة عن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد يقول جاءت إلى أبي بكر جدتان فأعطى الجدة أم الأم السدس دون أم الأب فقال له عبد الرحمن بن سهل رجل من الأنصار ومن بني حارثة قد شهد بدرا يا خليفة رسول الله أعطيت التي لو أنها ماتت لم يرثها وتركت التي لو ماتت ورثها فجعله أبو بكر بينهما واختلف العلماء في توريث الجدات على ما نورده ها هنا إن شاء الله عز وجل ذكر مالك عن عبد ربه بن سعيد أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كان لا يفرض إلا للجدتين قال أبو عمر وهو قول سليمان بن يسار وبن شهاب وطلحة بن عبد الله بن عوف وبن هرمز وربيعة وبن أبي ذؤيب ومالك بن أنس وهو معنى قول سعد بن أبي وقاص وذلك أنه كان يوتر بركعة فعابه بن مسعود فقال أتعيبني أن أوتر بركعة وأنت تورث ثلاث جدات قال بن أبي أويس سألت مالكا عن الجدتين اللتين ترثان والثالثة التي تطرح وأمهاتها فقال اللتان ترثان أم الأم وأم الأب وأمهاتهما إذا لم يكونا والثالثة التي تطرح أم الجد أبي الأب وأمهاتها قال بن أبي أويس فأما أم أب الأم فلا ترث شيئا قال أبو عمر أهل المدينة يذهبون إلى قول زيد بن ثابت في توريث الجدات وكان زيد يقول ترث الجدة أم الأب و الجدة أم الأم أيتهما كانت أخذت السدس فإن اجتمعتا فالسدس بينهما ولا شيء للجدات غير السدس إذا استوين في العقود قال فإن قربت التي من قبل الأم كان السدس لها دون غيرها وإن قربت التي من قبل الأب كان السدس بينهما وبين التي من قبل الأم وإن قعددت هذه رواية خارجة بن زيد وأهل المدينة عن زيد بن ثابت وروى الشعبي عن زيد بن ثابت أنه قال أيتهما كانت أقرب فالسدس لها

وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الجدات كقول زيد بن ثابت إلا أنه كان يورث التي كانت من قبل الأب أو من قبل الأم ولا يشرك معها أحدا ليس في قعددها وبه يقول الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وكان الأوزاعي يورث ثلاث جدات ولا يورث أكثر منهن واحدة من قبل الأم واثنتين من قبل الأب وهو قول أحمد بن حنبل وحجته حديث سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات اثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم حدثناه محمد بن إبراهيم قال حدثني أحمد بن مطرف قال حدثني سعيد بن عثمان قال حدثني يونس بن عبد الأعلى قال حدثني سفيان فذكره وأما بن مسعود فكان يورث الجدات الأربع أم الأم وأمها وإن علت وأم الأب وأمها وإن علت وأم أبي الأم وأمها وأم أبي الأب وأمها وهو قول بن عباس وبه قال الحسن وبن سيرين وجابر بن زيد وروى حماد بن سلمة عن سليمان الأعمش عن إبراهيم بن عبد الله بن مسعود قال ترث الجدات الأربع قربن أو بعدن وحماد بن سلمة عن ليث عن طاوس عن بن عباس قال ترث الجدات الأربع وحماد بن زيد عن أيوب عن الحسن ومحمد أنهما كانا يورثان أربع جدات وكان بن مسعود يشرك بين الجدات في السدس دنياهن وقصواهن ما لم تكن جدة أم جدة أو جدتها فإن كان كذلك ورث بينهما مع سائر الجدات وأسقط أمها أو جدتها وروي عنه أنه كان يسقط القصوى بالدنيا إذا كانت من جدة واحدة مثل أن تكون أم أب وأم أب فيورث أم الأب أب ويسقط أم أبي الأب فكان يحيى بن آدم يختار هذه الرواية عن بن مسعود ويقويها وأما بن عباس فكان يورث الجدة أم أبي الأب مع من يحاذيها من الجدات وتابعه على ذلك الحسن وبن سيرين وجابر بن زيد

وروي عن بن عباس قول شاذ أن الجدة كالأم إذا لم تكن أم وهذا باطل عند العلماء لأنهم أجمعوا أن لا ترث جدة ثلثا ولو كانت كالأم ورثت الثلث وأظن الذي روى هذا الحديث عن بن عباس قاسه على قوله في الجد لما جعله أبا ظن أنه يجعل الجدة أما والله أعلم وأما قول زيد بن ثابت أنه لا يرث من قبل الأم إلا جدة واحدة ولا ترث الجدة أم أبي الأم على حال ولا يرث مع الأب أحد من جداته ولا ترث جدة وابنها حي يعني الابن الذي يدلي به إلى الميراث فإما أن تكون جدة أم عم لأب فلا يحجبها هذا الابن عن الميراث ولا يرث أحد من الجدات مع الأم وهذا كله قول زيد بن ثابت وبه يقول مالك والشافعي وأصحابهما إلا أن مالكا لا يورث إلا جدتين أم أم وأم أب وأمهاتهما وكذلك روى أبو ثور عن الشافعي وهو قول من ذكرنا من فقهاء المدينة سليمان بن يسار ومن تقدم ذكرنا له معهم ومذهب زيد قد جوده مالك وذكر أنه الأمر المجتمع عليه بالمدينة قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن الجدة أم الأم لا ترث مع الأم دنيا شيئا وهي فيما سوى ذلك يفرض لها السدس فريضة وأن الجدة أم الأب لا ترث مع الأم ولا مع الأب شيئا وهي فيما سوى ذلك يفرض لها السدس فريضة فإذا اجتمعت الجدتان أم الأب وأم الأم وليس للمتوفى دونهما أب ولا أم قال مالك فإني سمعت أن أم الأم إن كانت أقعدهما كان لها السدس دون أم الأب وإن كانت أم الأب أقعدهما أو كانتا في القعدد من المتوفى بمنزلة سواء فإن السدس بينهما نصفان قال مالك ولا ميراث لأحد من الجدات إلا للجدتين لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث الجدة ثم سأل أبو بكر عن ذلك حتى أتاه الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ورث الجدة فأنفذه لها ثم أتت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب فقال لها ما أنا بزائد في الفرائض شيئا فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيتكما خلت به فهو لها قال مالك ثم لم نعلم أحدا ورث غير جدتين منذ كان الإسلام إلى اليوم قال أبو عمر قد أشبعنا القول في هذا الباب في كتاب التمهيد وفي كتاب

الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الاختلاف أيضا وفيما ذكرنا ها هنا كفاية إن شاء الله تعالى وأما قول زيد لا ترث جدة وابنها حي فحدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال حدثني أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الخداش قال حدثني أبو عتبان مالك بن يحيى قال حدثني يزيد بن هارون قال حدثني سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت لم يجعل للجدة شيئا مع ابنها قال أبو عمر وروى خارجة بن زيد وعطاء عن زيد مثله سواء والعلماء مختلفون في توريث الجدة مع ابنها فكان علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت يقولون لا ترث الجدة مع ابنها يعنون أنها لا ترث أم الأب مع الأب وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وإليه ذهب داود بن علي ومن حجة من ذهب إلى ذلك أن الجد لما كان محجوبا بالأب وجب أن تكون الجدة أولى بذلك لأنهما أحد أبوي الميت فوجب أن يحجبها الأب كما حجب الجد ووجب أنها إذا كانت أم أم لم ترث مع الأم فكذلك إذا كانت أم أب لا ترث مع الأب ووجه آخر لما كان بن الأخ لا يرث مع الأخ لأنه به يدلى ولا يرث بن العم مع العم لأنه به يدلى وجب أن لا ترث الجدة أم الأب مع الأب لأنها به تدلى وأما داود فحجته أنهم لما اختلفوا في ميراثها لم ترث لأنه لا يجب عنده ميراث إلا بنص آية أو نص سنة أو إجماع وهذا لا خلاف فيه لأنه يعارضه ما هو في باب المنازعة مثله وذلك أن كل قريب ذي نسب يجب أن لا يمتنع من الميراث إلا بنص كتاب أو سنة ثابتة لا مطعن فيها أو إجماع من الأمة لأن الله تعالى يقول للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا النساء فوجب أن لا يمنع قريب من الرجال والنساء من ميراث قريبه إلا بنص كتاب أو سنة ثابتة أو إجماع

وقد أجمعوا أن الميراث بالدين لا يكون إلا عند عدم النسب وقال آخرون ترث الجدة مع ابنها روي ذلك عن عمر بن الخطاب و عبد الله بن مسعود وأبي موسى وعمران بن حصين وأبي الطفيل عامر بن واثلة وبه قال شريح والحسن وعطاء وبن سيرين وسليمان بن يسار وجابر بن زيد أبو الشعثاء وهو قول فقهاء البصريين وشريك القاضي وأحمد بن حنبل وإسحاق والطبري واختلف فيها عن الثوري وروي عنه أنه كان يورثها مع ابنها وروي عنه أنه كان لا يورثها وروى الشعبي عن مسروق عن عبد الله قال أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسا جدة مع ابنها وابنها حي قال أبو عمر هذا لا حجة فيه لأنه يحتمل أن تكون الجدة أراد أم الأم وهو خال الميت فإن قيل روي بن جريج والثوري وبن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ورث عمر بن الخطاب جدة مع ابنها قيل له وهذا محتمل أيضا لمثل ذلك من التأويل فإن صح أنها أم أب فقد خالفه علي وزيد وهي مسألة خلاف والقياس على ما وصفنا إلا أن لهم قياسا وذلك أن الإخوة للأم يدلون بالأم وهم يرثون معها وكذلك الجدة تدلي بالأب وترث معه ووجه آخر أن الأم وأم الأم لا يحجبان بالذكور وكذلك أم الأب لا تحجب بابنها وإنما تحجب الجدات الأمهات ولما كان عدم ابنها لا يزيد في فرضها لم يحجبها قال أبو عمر ما روي عن عمر وغيره من توريث الجدة مع ابنها فقد روي عنه خلافه إلا أن الأول عنهم أثبت

ذكر بن أبي شيبة عن وكيع عن شريك عن جابر عن عمر أنه قال لم أجد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من يورث الجدة مع ابنها إلا بن مسعود وعن إبراهيم بن فضيل عن بسام عن فضيل بن مرزوق قال قال إبراهيم لا ترث الجدة مع ابنها في قول علي وزيد وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن عثمان لم يورث الجدة إذا كان ابنها حيا والناس عليه باب ميراث الكلالة مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يكفيك من ذلك الآية التي أنزلت في الصيف آخر سورة النساء هكذا رواه يحيى مرسلا وتابعه أكثر الرواة على إرساله منهم بن وهب ومطرف وبن بكير وأبو مصعب الزبيري وأبو عفير ومعن بن عيسى كلهم رواه كما رواه يحيى لم يقل فيه عن أبيه ووصله القعنبي وبن القاسم على اختلاف عنه فقالا فيه عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر وروى هذا الحديث سفيان بن عيينة فقال حدثني عمرو بن دينار قال سمعت طاوسا يقول إن عمر سأل حفصة أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فأمهلته حتى إذا لبس ثيابه سألته فأملاها عليها في كتف يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة النساء وقال من أمرك بهذا أعمر ما أظن أنه يفهمها أو لم تكفيه آية الصيف فأتت حفصة عمر بالكتف فقرأه فلما بلغ يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم النساء رمى بالكتف وقال اللهم من بينت له فلم تبين لي قال سفيان وآية الصيف قوله تعالى وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة النساء

وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأن أكون سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة أحب إلي من حمر النعم قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على أن العالم إذا سئل عن شيء من العلم فيه خبر في الكتاب أو عن الرسول كان له أن يحمل السائل عليه ويكل فهم ذلك إليه إذا كان السائل ممن يصلح لذلك وفيه دليل على استعمال عموم اللفظ وظاهره واختلف العلماء في معنى الكلالة في قوله عز وجل يورث كلالة النساء فقال منهم قائلون الكلالة صفة للوراثة إذا لم يكن فيها ولد ولا والد سميت تلك الوراثة كلالة ومن قال بهذا جعل كلالة نصبا على المصدر كأنه قال يورث وراثة أي يورث بالوراثة التي يقال لها كلالة كما تقول قتل غيلة كأنه قال وإن كان رجل يورث كلالة وقال أهل اللغة هو مصدر مأخوذ من تكلله النسب أي أحاط به وقال آخرون الكلالة صفة للورثة إذا لم يكن فيهم ولد ولا والد سميت الورثة كلالة واحتجوا بحديث جابر أنه قال يا رسول الله إنما يرثني كلالة وكان لا ولد له يومئذ وكان أبوه قتل يوم أحد واحتجوا أيضا بقراءة من قرأ يورث كلالة بكسر الراء قال أبو عبيدة من قرأ يورث كلالة فهم العصبة الرجال الورثة وفيها قول ثالث وهو أن الكلالة صفة للميت إذا لم يكن له ولد ولا والد سمي الميت كلالة إن كان رجل أو امرأة كما يقال رجل صرورة وامرأة صرورة فيمن لم يحج ومثله رجل عقيم وامرأة عقيم

وحجة من قال هذا الآثار المروية عن الصحابة والتابعين أنهم قالوا في تفسير الكلالة الكلالة من لا ولد له ولا والد روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعلي وزيد وبن مسعود وبن عباس وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في التمهيد وقد روي عن بن عباس أنه قال من لا ولد له خاصة والأول أكثر وأشهر عنه وعن غيره وعليه جماعة التابعين بالحجاز والعراق وجماعة الفقهاء وروى أبو إسحاق السبيعي عن سليمان بن عبد السلولي قال أجمع الناس أن الكلالة من لا ولد له ولا والد ومما يدل على فساد رواية من روى عن بن عباس في الكلالة أنه من لا ولد له فقط وأنه ورث الإخوة للأب من كانوا مع الأب إذا لم يكن ولد وإنه لم يختلف عنه في أن الجدات تحجب بها الإخوة وأن الأم لا يحجبها عن الثلث إلى السدس إلا ثلاثة من الإخوة فصاعدا فجيء على قوله هذا في امرأة خلفت من الورثة زوجا وأبوين وأخوين أن للزوج النصف وللأم الثلث وللأب السدس ويسقط الإخوة لأن الأب لا يحجبه البنون عن السدس فكيف يحجبه عنه الإخوة هذا لا يصح عن بن عباس من جهة الرواية ولا من جهة القياس على أصله الذي لم يختلف عليه فيه قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن الكلالة على وجهين فأما الآية التي أنزلت في أول سورة النساء التي قال الله تبارك وتعالى فيها وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث النساء قال مالك فهذه الكلالة التي لا يرث فيها الإخوة للأم حتى لا يكون ولد ولا والد قال مالك فأما الآية التي في آخر سورة النساء التي قال الله تبارك وتعالى فيها يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم النساء قال مالك فهذه الكلالة التي تكون فيها الإخوة عصبة إذا لم يكن ولد فيرثون مع الجد في الكلالة قال أبو عمر هكذا قال مالك هنا إذا لم يكن ولد فيرثون مع الجد ولم

يقل ولد ولا والد وكان الوجه أن يقول إذا لم يكن ولد ولا والد فيرثون مع الجد لأنه وغيره وكل من تكلم في الفرائض من الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين لا يختلفون في أنه لا يرث أخ من إي وجه كان مع الوالد كما لا يرثون مع الابن وهذا أصل مجتمع عليه وإنما اختلفوا في ميراث الإخوة مع الجد لا مع الأب على حسب ما قد أوضحناه في باب ميراث الجد وقد قال مالك في باب ميراث الإخوة للأب والأم من موطئه أنهم لا يرثون مع الابن ولا مع ولد الابن شيئا ولا مع الأب دينا شيئا وبهذا استغنى والله أعلم أن يذكر الوالد هنا لأنه كان عنده أنه أمر لا يشكل على أحد لاتفاق العلماء على أن الإخوة للأب والأم لا يرثون إلا من يورث كلالة ولا يورث كلالة إلا من لا ولد له ولا والد ألا ترى إلى ما ذكرنا من إجماع السلف أن الكلالة من لا ولد له ولا والد قال أبو عمر ذكر الله عز وجل الكلالة في كتابه في موضعين ولم يذكر فيهما وارثا غير الإخوة فأما الآية التي في صدر سورة النساء قوله عز وجل وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث النساء فقد أجمع العلماء على أن الإخوة في هذه المسألة عني بهم الإخوة للأم وأجمعوا أن الإخوة للأب والأم أو للأب ليس ميراثهم هكذا وأما الآية التي في آخر سورة النساء قوله عز وجل يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد إلى قوله وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين النساء فلم يختلف الفقهاء المسلمون قديما وحديثا أن ميراث الإخوة للأم ليس هكذا لأن الله عز وجل جعل جماعة الإخوة للأم شركاء في الثلث الذكر والأنثى فيه سواء وعلم الجميع بذلك أن الإخوة في هذه الآية هم إخوة المتوفى لأبيه وأمه أو لأبيه ودلت الآيتان جميعا أن الإخوة كلهم كلالة وإذا كان الإخوة كلالة فمعلوم أن من كان أبد منهم كان أحرى أن يكون كلالة وكل من لا يرثه ولد ولا والد فقد يورث كلالة

قال يحيى بن آدم قد اختلفوا في الكلالة وصار المجتمع عليه ما خلا الولد والوالد قال مالك فالجد يرث مع الإخوة لأنه أولى بالميراث منهم وذلك أنه يرث مع ذكور ولد المتوفى السدس والإخوة لا يرثون مع ذكور ولد المتوفى شيئا وكيف لا يكون كأحدهم وهو يأخذ السدس مع ولد المتوفى فكيف لا يأخذ الثلث مع الإخوة وبنو الأم يأخذون معهم الثلث فالجد هو الذي حجب الإخوة للأم ومنعهم مكانة الميراث فهو أولى بالذي كان لهم لأنهم سقطوا من أجله ولو أن الجد لم يأخذ ذلك الثلث أخذه بنو الأم فإنما أخذ ما لم يكن يرجع إلى الإخوة للأب وكان الإخوة للأم هم أولى بذلك الثلث من الإخوة للأب وكان الجد هو أولى بذلك من الإخوة للأم قال أبو عمر لم يرد مالك بقوله هذا الإخوة للأب والأم خاصة مع الجد بل أراد بذلك جميع الإخوة الذين يكونون عصبة للأب كانوا أو للأب والأم إلا أن قوله هذا ليس على مذهب زيد بن ثابت عندهم في امرأة هلكت وتركت زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وجدها فقال للزوج النصف وللأم السدس وجعل للجد ما بقي وهو الثلث قال لأن الجد يقول لو لم أكن أنا كان للإخوة ما بقي ولم يأخذ الإخوة للأب شيئا فلما حجبت الإخوة للأم عنهم كنت أنا أحق به منهم وروى بن وهب عن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه في امرأة هلكت وتركت زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وجدها قال للزوج النصف وللأم السدس وللجد السدس وما بقي فللإخوة للأب ويحيى على قول مالك في ستة إخوة معترفين اثنان لأب واثنان لأم واثنان لأب وأم وزوج وجد يكون للزوج النصف وللجد الثلث ويشترك الإخوة للأم والإخوة للأب والأم في السدس ويسقط الإخوة للأب وعلى قول زيد بن ثابت المعروف أن السدس الباقي للأخوين للأب والأم لأن الجد حجب الأخوين للأم فكأنهما لم يكونا في الفريضة قال أبو عمر أما قوله في الجد أنه أولى بالميراث من الإخوة وما احتج به فعليه الجماعة الكثيرة

وقد ذكرنا في باب الجد قول من حجب به الإخوة وقول من قاسمهم به إلى الثلث وبه احتج مالك لأنه قول زيد بن ثابت وذكرنا قول علي في مقاسمته للجد بهم إلى السدس فلا معنى لإعادة ذلك ها هنا وما أعلم أحدا من علماء المسلمين جعل الأخ أولى من الجد وحجب الجد بالإخوة بل هم على أن الجد أولى منهم مجتمعون على حسب ما وصفنا من أصولهم وذكرنا من مذاهبهم إلا فرقة من المعتزلة منهم ثمامة بن أشرس فإنهم حجبوا الجد بالأخ ورووا فيه عن عمر شيئا لا يصح وشذوا عن جماعة المسلمين وخالفوا سبيلهم فلم ينشغل بهم وأما احتجاج مالك رحمه الله عند أهل العلم فيدل على خلاف ما يروى عن زيد في ذلك باب ما جاء في العمة مالك عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الرحمن بن حنظلة الزرقي أنه أخبره عن مولى لقريش كان قديما يقال له بن مرسى أنه قال كنت جالسا عند عمر بن الخطاب فلما صلى الظهر قال يا يرفأ هلم ذلك الكتاب لكتاب كتبه في شأن العمة فنسأل عنها ونستخبر فيها فأتاه به يرفأ فدعا بتور أو قدح فيه ماء فمحا ذلك الكتاب فيه ثم قال لو رضيك الله وارثة أقرك لو رضيك الله أقرك مالك عن محمد بن أبي بكر بن حزم أنه سمع أباه كثيرا يقول كان عمر بن الخطاب يقول عجبا للعمة تورث ولا ترث قال أبو عمر اختلف السلف ثم الخلف بعدهم من العلماء في توريث ذوي الأرحام وهم من لا سهم له في الكتاب والسنة من قرابة الميت وليس بعصبة فذهب قوم إلى توريث العمة والخال والخالة وبنت الأخت وبنت الابنة

وغيرهم من ذوي الأرحام الذين لا فرض لهم في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا هم عصبة وأبى ذلك آخرون ونذكر ها هنا ما لهم في العمة خاصة من الاختلاف لأن الباب لم يتضمن غيرها ونؤخر القول في سائر ذوي الأرحام إلى باب من لا ميراث له إن شاء الله تعالى أما أهل المدينة فرووا عن عمر بن الخطاب في العمة ما أرسله مالك في هذا الباب وهو قول زيد بن ثابت وعليه جمهور أهل الحجاز ومن غير رواية مالك مما رواه أهل المدينة ما حدثناه عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني محمد بن محمد الخياش قال حدثني مالك بن يحيى قال حدثني يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال جاء رجل من أهل العارية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن رجلا هلك وترك عمة وخالة انطلق تقسم ميراثهم فتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار فقال يا رب رجل ترك عمة وخالة ثم سار هنيهة ثم قال يا رب رجل ترك عمة وخالة ثم قال لا أرى لهما شيئا قال يزيد وحدثناه محمد بن عبد الرحمن بن المحبر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى العراقيون عن عمر خلاف ما روى عنه أهل المدينة وكذلك روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك أيضا فمن ذلك ما حدثناه عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني محمد بن أحمد بن محمد الخياش بمصر قال حدثني مالك بن يحيى بن مالك أبو غسان قال حدثني يزيد بن هارون قال حدثني حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني أن عمر بن الخطاب قضى للعمة بثلثي الميراث وللخالة بالثلث قال وحدثني يزيد بن هارون قال أخبرنا حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد أن عمر قضى للعمة الثلثين وللخالة الثلث قال وحدثني يزيد بن هارون وعلي بن عاصم قال حدثني داود بن أبي هند عن الشعبي قال أتى زياد في رجل مات وترك عمة وخالة فقال هل تدرون كيف قضى عمر بن الخطاب فيها فقالوا لا قال زيد والله إني لأعلم

الناس بقضاء عمر بن الخطاب فيها جعل العمة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم فأعطى العمة الثلثين والخالة الثلث ورووا فيه حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ليس بقوي ذكره يزيد عن الحجاج بن أرطأة عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب والخالة بمنزلة الأم إذا لم يكن بينهما أم وروى سفيان بن عيينة وغيره عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زياد عن عمر أنه قال في العمة والخالة الثلثان للعمة والثلث للخالة وروى سفيان عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن عمر مثله وعن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود ومسروق والحكم وإبراهيم مثله وهو قول جماعة أهل الكوفة وأهل البصرة من أهل الرأي والحديث وقد روى العراقيون عن عمر أيضا أنه قسم المال بين العمة والخالة بنصفين وعن عمر بن عبد العزيز أنه أعطى العمة المال كله بالفرض والرد وقال هكذا فعل عمر بن الخطاب وروى الحسن وجابر بن زيد عن عمر أنه أعطى العمة والخالة الثلث والرواية الأولى أصح الروايات عنه ولم يختلف أهل العراق عن عمر أنه ورث العمة والخالة واختلفوا فيما قسمه لهما باب ميراث ولاية العصبة قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا في ولاية العصبة أن الأخ للأب والأم أولى بالميراث من الأخ للأب والأخ للأب أولى بالميراث من بني الأخ للأب والأم وبنو الأخ للأب والأم أولى من بني الأخ للأب وبنو الأخ للأب أولى من بني بن الأخ للأب والأم وبنو بن الأخ للأب أولى من العم أخي الأب للأب والأم والعم أخو الأب للأب والأم أولى من العم أخي الأب للأب والعم أخو الأب للأب أولى من بني العم أخي الأب للأب والأم وبن العم للأب أولى من عم الأب أخي أبي الأب للأب والأم قال مالك وكل شيء سئلت عنه من ميراث العصبة فإنه على نحو هذا أنسب المتوفى ومن ينازع في ولايته من عصبته فإن وجدت أحد منهم يلقي المتوفى إلى أب

لا يلقاه أحد منهم إلى أب دونه فاجعل ميراثه للذي يلقاه إلى الأب الأدنى دون من يلقاه إلى فوق ذلك فإن وجدتهم كلهم يلقونه إلى أب واحد يجمعهم جميعا فانظر أقعدهم في النسب فإن كان بن أب فقط فاجعل الميراث له دون الأطراف وإن كان بن أب وأم وإن وجدتهم مستوين ينتسبون من عدد الأباء إلى عدد واحد حتى يلقوا نسب المتوفى جميعا وكانوا كلهم جميعا بني أب أو بني أب وأم فاجعل الميراث بينهم سواء وإن كان والد بعضهم أخا والد المتوفى للأب والأم وكان من سواه منهم إنما هو أخو أبي المتوفى لأبيه فقط فإن الميراث لبني أخي المتوفى لأبيه وأمه دون بني الأخ للأب وذلك أن الله تبارك وتعالى قال وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم الأنفال قال مالك والجد أبو الأب أولى من بني الأخ للأب والأم وأولى من العم أخي الأب للأب والأم بالميراث وبن الأخ للأب والأم أولى من الجد بولاء المولى قال أبو عمر أما ما رسمه مالك في هذا الباب فكذلك القول فيه عند جماعة العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء وأهل الفرائض لا يختلفون أن الأخ للأب والأم يحجب الأخ للأب إذا اجتمعا فكذلك كل من كان أقرب للمتوفى إذا أدلى بأم مع أب يحجب الذي في منزلته من القرابة إذا لم يدل إلا بأب دون أم وهذا الباب عند أهل الفرائض يسمى باب الحجب قالوا الأخ للأب والأم يحجب الأخ للأب والأخ للأب يحجب بن الأخ للأب والأم وبن الأخ للأب والأم يحجب بن الأخ للأب وبن الأخ للأب يحجب بن ابن الأخ للأب والأم وهكذا سبيل العصبات من الإخوة وبينهم وكذلك الأعمام وبنوهم الأقرب يحجب الأبعد فإذا استووا حجب الشقيق من كان لأب خاصة لأنه قد أدلى بأم زاد بها قربى في القرابة وهذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم في ذلك وإن كان أحد ابني العم أخا لأم فإن العلماء قد اختلفوا في ذلك على قولين أحدهما أن لابن العم الذي هو أخ الأم المال كله سدس منه بالفريضة والباقي بالتعصيب لأنه أدلى بقرابتين وممن قال بهذا بن مسعود وشريح وعطاء والحسن وبن سيرين والنخعي

وإليه ذهب أبو ثور وداود والطبري والقول الآخر أن للأخ السدس فريضة وما بقي بينه وبين بن العم الذي ليس بأخ لأم لأنه أخذ فرضه بالقرآن وساوى بن عمه بالتعصيب وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري وهو قول علي وزيد وبن عباس رضي الله عنهم ذكر سفيان بن عيينة قال سمعت أبا إسحاق الهمداني يقول أفتى بن مسعود من بني عمر ثلاثة أحدهم أخ لأم فأعطى المال للأخ للأم فذكروا ذلك لعلي بن أبي طالب فقال رحم الله أبا عبد الرحمن ما كان إلا عالما ولو أعطى الأخ من الأم السدس ثم قسم ما بقي بينهم قال سفيان لا يؤخذ بقول بن مسعود ولا خلاف أيضا بين العلماء أن الأخوة الأشقاء والذين للأب يحجبون الأعمام من كانوا لأن الإخوة بنو أب المتوفى والأعمام بنو جده فهم أقرب من الأعمام إلى الميت ومعنى قولهم يحجب إي يمنعه الميراث وينفرد به دونه فالأب يحجب أبويه لأنه أقرب منهما للمتوفى ويحجب الإخوة كلهم ذكورهم وإناثهم لأنهم به يدلون إلى الميت فهو أولى منهم وإذا حجب الإخوة فهو أحرى أن يحجب الأعمام كلهم وبنيهم والابن يحجب من تحته من البنين ذكورهم وإناثهم ويحجب الإخوة كلهم ذكورهم وإناثهم ويحجب الأعمام بنوهم وقد مضى ذكر الجد وحكمه مع البنين وبني البنين ومع الإخوة وما للعلماء في ذلك من التنازع ولا معنى لإعادة ذلك ها هنا والأب يحجب من فوقه من الأجداد بإجماع كما يحجب الأب الأعمام وبنيهم بإجماع لأنهم به يدلون إلى الميت ويحجب الإخوة للأم ذكورهم وإناثهم بإجماع ويحجب بني الإخوة للأب والأم وبني الإخوة للأب وبني الأخوة للأم بإجماع والبنات وبنات البنين يحجبن الإخوة من الأم وقد مضى في بابهم ذكر كل من يحجبهم أيضا والأم تحجب الجدات كلهن من قبلها ومن قبل الأب

وقد ذكرنا الاختلاف في الجدة هل ترث مع ابنها ومذهب زيد والقائلين بقوله أن الأب لا يحجب من الجدات إلا من كان بسببه وقد ذكرنا في باب الجدة الاختلاف في ذلك والحمد لله وأما قول مالك في آخر هذا الباب أن بني الأخ للأب والأم أولى من الجد بولاء الموالي فأكثر العلماء يخالفونه في ذلك والجد عندهم أولى بالولاء كما هو أولى منهم عند الجميع بالميراث ويأتي باب الولاء في آخر كتاب العتق إن شاء الله عز وجل باب من لا ميراث له قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن بن الأخ للأم والجد أبا الأم والعم أخا الأب للأم والخال والجدة أم أبي الأم وابنة الأخ للأب والأم والعمة والخالة لا يرثون بأرحامهم شيئا قال وإنه لا ترث امرأة هي أبعد نسبا من المتوفى ممن سمي في هذا الكتاب برحمها شيئا وإنه لا يرث أحد من النساء شيئا إلا حيث سمين وإنما ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه ميراث الأم من ولدها وميراث البنات من أبيهن وميراث الزوجة من زوجها وميراث الأخوات للأب والأم وميراث الأخوات للأب وميراث الأخوات للأم وورثت الجدة بالذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها والمرأة ترث من أعتقت هي نفسها لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه فإخوانكم في الدين ومواليكم الأحزاب قال أبو عمر هذا كله كما ذكره في هذا الباب مذهب زيد بن ثابت وإليه ذهب مالك والشافعي وفقهاء الحجاز أكثرهم من التابعين ومن بعدهم منهم الفقهاء السبعة المدنيون وأبو سلمة وسالم وبن شهاب وربيعة وأبو الزناد وعطاء وعمرو بن دينار وبن جريج وسيأتي ذكر ميراث الولاء إن شاء الله تعالى في موضعه وترتيب مذهب زيد في هذا الباب أنه لا يرث بنو البنات ولا بنو الأخوات من قبل من كن ولا ترث عنده بنات الأخوة بحال أيضا ولا بنات الأعمام بحال من الأحوال ولا يرث العم أخو الأب لأمه ولا بنو الإخوة للأم ولا العمات ولا

الأخوال ولا الخالات فهؤلاء كلهم وأولادهم ومن علا منهم مثل عمة الأب وخالة الجد لا يرثون ولا يحجبون عند زيد وكذلك الجد أبو الأم والجدة أم أبي الأم وبهذا كله قال مالك والشافعي وجماعة وأما سائر الصحابة فإنهم يورثون ذوي الأرحام كلهم من كانوا وبهذا قال فقهاء أهل العراق والكوفة والبصرة وجماعة العلماء في سائر الآفاق إلا أن بينهم في ذلك اختلافا نذكره فأما علي رضي الله عنه فقال إبراهيم النخعي كان عمر وعبد الله وعلي يورثون ذوي الأرحام دون الموالي قال وكان علي أشدهم في ذلك وروى الحكم بن عيينة عن علي توريث ذوي الأرحام العمات والخالات والخال وبنت البنت وبنت الأخ ونحو ذلك من ذوي الأرحام وهو قول بن مسعود وبه قال الكوفيون شريح القاضي ومسروق وعلقمة والأسود بن يزيد وعبيدة السلماني وطاوس والشعبي وإبراهيم النخعي وحماد بن أبي سليمان والأعمش ومغيرة الضبي وبن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وشريك والحسن بن صالح ومحمد بن سالم وحمزة الزيات ونوح بن دراج ويحيى بن آدم وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد ونعيم بن حماد وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه قال البصريون الحسن وبن سيرين وحماد وجابر بن زيد وروي عن بن عباس القولان جميعا قول زيد والحجازيين وقول علي وعبد الله والعراقيين واختلف المورثون لذوي الأرحام في كيفية توريثهم فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى توريثهم على ترتيب العصبات فإن لم تكن عصبة فولي النعمة هو العصبة ثم وكذلك عصبة المعتق ثم ذوي الأرحام وقد تقدم قول علي ومن تابعه في توريث ذوي الأرحام دون الموالي وروي ذلك عن عبد الله

ذكر سفيان عن الأعمش قال ماتت مولاة إبراهيم فأتته امرأة ذات قرابة لها بميراثها فلم يقبله وقال هو لك فجعلت تدعو له فقال لها أما أنه لو كان لي ما أعطيتكه وكان يرى أن ذوي الأرحام أولى من الموالي قال سفيان كان إبراهيم يقول في ذلك بقول عبد الله الرحم أولى من المولى وذهب سائر من ورث ذوي الأرحام من العلماء إلى التنزيل وهو أن ينزل كل واحد وينزل من أدلى بذي سهم أو عصبة بمنزلة الذي يدلي به وهو ظاهر ما روي عن علي وعبد الله وعمر في العمة والخالة وقال عبد الله بن مسعود الأم عصبة من لا عصبة له والأخت عصبة من لا عصبة له رواه الأعمش عن إبراهيم عنه ومن حجة من ورث ذوي الأرحام قول الله عز وجل وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله الأنفال وقوله للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر النساء ومعلوم أن ذوي الأرحام من الأقربين فوجب لهم نصيبهم لا يحجبهم عنه ألا من هو أولى منهم واحتجوا بآثار كثيرة كلها ضعيفة ومحتملة للتأويل لا تلزم بها حجة قد ذكرنا كثيرا منها في كتاب الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الإجماع والاختلاف والحمد لله ومن حجتهم أن ذوي الأرحام قد اجتمع فيهم سببان القرابة والإسلام فكانوا أولى من جماعة المسلمين الذين لهم سبب واحد وهو الإسلام وهذا أصل المواريث عند الجميع صاحب السببين فالمدلى بالأب والأم أولى من الذين لا يدلى إلا بالأب وحده فكذلك الرحم والإسلام أولى من بيت المال لأنه سبب واحد وقاسوا ابنة الابنة على الجدة أم الأم التي وردت السنة بتوريثها ومن حجة من لم يورث ذوي الأرحام أنهم قالوا في قول الله عز وجل وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله الأنفال إنما عنى الله بهذه الآية

ذوي الأرحام الذين ذكرهم في كتابه ونسخ بهم الموارثة بالهجرة والحلف ونسخت قوله تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا الأنفال فالآية عندهم على الخصوص فيمن ذكر الله من ذوي الأرحام وهم أصحاب الفروض في كتاب الله تعالى والعصبات الذين نسخ بهم الميراث بالمعاقدة والحلف والهجرة ولما قال رسول الله إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث دل على أن ذوي الأرحام المذكورين في الكتاب هم الذين ذكر الله ميراثهم في كتابه ومما قال أبو بكر وعمر للجدة ما لك في كتاب الله عز وجل على أن الذين يرثون هم الذين ذكر الله في كتابه ونسخ بهم الموارثة بالهجرة ولما لم ترث ابنة الأخ مع أخيها لم ترث وحدها ولما لم يرث ذوو الأرحام مع الموالي لم يرثوا إذا انفردوا قياسا على المماليك قال أبو عمر هذا ما احتج أصحاب مالك والشافعي وكثير منه لا يلزم لأن أكثر من ورث ذوي الأرحام ورثهم دون الموالي وحجب الموالي بهم وقياسهم على المماليك والكفار عين المحال وقد تقصينا احتجاج الفريقين في كتاب الإشراف على ما في أصول فرائض المواريث من الإجماع والاختلاف والحمد لله وأما اختلاف العلماء من السلف والخلف في الرد فإن زيد بن ثابت وحده من بين الصحابة رضي الله عنهم كان يجعل الفاضل عن ذوي الفروض إذا لم تكن عصبة لبيت مال المسلمين وبه قال مالك والشافعي وروي عن عمر وبن عباس وبن عمر مثل قول زيد في المال الفائض عن ذوي الفروض ولا يثبت ذلك عن واحد منهم وسائر الصحابة يقولون بالرد إلا أنهم اختلفوا في كيفية ذلك وأجمعوا أن لا

يرد على زوج ولا زوجة إلا شيء روي عن عثمان لا يصح ولعل ذلك الزوج أن يكون عصبة وقد ذكرنا اختلاف الصحابة فيمن لا يرد عليه من ذوي السهام والعصبات ومن يرد عليه منهم عند من يذهب إلى الرد على ذوي الفروض دون بيت المال عند عدم العصبة في كتاب الإشراف وفقهاء العراقيين من الكوفيين والبصريين كلهم يقولون بالرد على ذوي الفروض على قدر سهامهم لأن قرابة الدين والنسب أولى من قرابة الدين وحده وبالله التوفيق باب ميراث أهل الملل مالك عن بن شهاب عن علي بن حسين بن علي عن عمر بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يرث المسلم الكافر مالك عن بن شهاب عن علي بن أبي طالب أنه أخبره إنما ورث أبا طالب عقيل وطالب ولم يرثه علي قال فلذلك تركنا نصيبنا من الشعب قال أبو عمر لم يتابع أحد من أصحاب بن شهاب مالكا على قوله في الحديث الأول المسند عن عمر بن عثمان فكل من رواه عن بن شهاب قال فيه عمر بن عثمان إلا مالكا فإنه قال فيه عمر بن عثمان وقد وقفه على ذلك يحيى القطان والشافعي وبن مهدي وأبى إلا عمر بن عثمان وذكر بن معين عن عبد الرحمن بن مهدي قال قال لي مالك تراني لا أعرف عمر من عمرو وهذه دار عمر وهذه دار عمرو قال أبو عمر لا يختلف أهل النسب أنه كان لعثمان بن يسمى عمر وبن يسمى عمروا إلا أن هذا الحديث لعمرو عند جماعة أهل الحديث لا لعمر وله أيضا من البنين أبان والوليد وسعيد ولكن صليبة أهل بيته في ذلك عمرو بن عثمان

وممن قال في هذا الباب عن بن شهاب عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد معمر وبن عيينة وبن جريج وعقيل ويونس وشعيب والأوزاعي وهؤلاء جماعة أئمة حفاظ وهم أولى أن يسلم لهم ويصوب قولهم ومالك حافظ الدنيا ولكن الغلظ لا يسلم منه أحد وقالت الجماعة في هذا الحديث بإسناده المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فاقتصر مالك رحمه الله على موضع الفقه الذي فيه التنازع وعزف عن غيره فلم يقل ولا الكافر المسلم لأن الكافر لا يرث المسلم بإجماع المسلمين على ذلك فلم يحتج إلى هذه اللفظة مالك وجاء من الحديث بما فيه الحجة على من خالفه في توريث المسلم من الكافر وهي مسألة اختلف فيها السلف وذلك أن معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان كانا يورثان المسلم من الكافر وروي ذلك عن عمر بن الخطاب ولا يصح ورواه الثوري عن حماد بن إبراهيم عن عمر أنه قال أهل الشرك نرثهم ولا يرثونا والصحيح عنه أنه قال في أهل الكفر لا نرثهم ولا يرثونا ذكره مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر وروى مالك وبن جريج وبن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن محمد بن الأشعث عن عمر أنه قال له في عمته وماتت نصرانية يرثها أهل دينها ورواه بن جريج أيضا عن عمرو بن ميمون عن العرس بن قيس عن عمر بن الخطاب في عمه الأشعث بن قيس يرثها أهل دينها وممن قال بقول معاذ ومعاوية أن المسلمين يرثون قراباتهم من الكفار ولا يرثهم الكفار محمد بن علي بن الحنفية ومحمد بن علي بن حسين وسعيد بن المسيب ومسروق ويحيى بن يعمر ورواية عن إسحاق بن راهويه وقال بعضهم نرثهم ولا يرثونا كما ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا ورووا فيه حديثا ليس بالقوي مسندا قد ذكرته في الإشراف

وقال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وزيد وبن مسعود و بن عباس وجمهور التابعين بالحجاز والعراق لا يرث المسلم الكافر كما لا يرث الكافر المسلم وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأبو عبيد وأحمد بن حنبل وداود بن علي و أبو جعفر الطبري وعامة العلماء وحجتهم حديث بن شهاب هذا عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر واختلفوا في معنى هذا الحديث في ميراث المرتد على قولين أحدهما أن ماله إذا قتل على ردته في بيت المال لجماعة المسلمين وهو قول زيد بن ثابت وجمهور فقهاء الحجاز وبه قال مالك والشافعي وحجتهم أن ظاهر القرآن في قطع ولاية المؤمنين من الكفار وعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرث المسلم الكافر ولم يخص مرتدا من غيره وقال أبو حنيفة والثوري وجمهور الكوفيين وكثير من البصريين إذا قتل المرتد على ردته ورثه ورثته من المسلمين قال يحيى بن آدم وهو قول جماعتنا قال ولا يرث المرتد أحدا من مسلم ولا كافر وروى الأعمش عن أبي عمرو الشيباني قال أتى علي رضي الله عنه بالمستورد العجلي وقد ارتد فعرض عليه الإسلام فأبى فضرب عنقه وجعل ميراثه لورثته من المسلمين وهو قول بن مسعود وتأول من ذهب إلى هذا في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يرث المسلم الكافر أي الكافر الذي يقر على دينه وأما المرتد فلا دين له ولا ملة يقر عليها ومن حجتهم أيضا أن قرابة المسلم المرتد مسلمون

فقد جمعوا القرابة والإسلام وتأول أصحاب مالك والشافعي في حديث علي أنه جعل ميراث المرتد لقرابته المسلمين لما رأى فيهم من الحاجة وكانوا ممن يستحقون ذلك في جماعة المسلمين من بيت مالهم ولا يمكن عموم جماعة المسلمين بميراثه ذلك فجعله لورثته على هذا الوجه لا على أنه ورثهم منه على طريق الميراث والله أعلم واختلفوا في توريث أهل الملل بعضهم من بعض فذهب مالك إلى أن الكفر ملل مختلفة فلا يرث عنده يهودي نصرانيا ولا يرثه النصراني وكذلك المجوسي لا يرث نصرانيا ولا يهوديا ولا يرثانه وهو قول بن شهاب وربيعة والحسن البصري وبه قال شريك القاضي وأحمد وإسحاق وحجتهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتوارث أهل ملتين رواه جماعة من الثقات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال هشيم عن الزهري في حديثه عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وأبو ثور وداود وهو قول الثوري وحماد الكفار كلهم يتوارثون والكافر يرث الكافر على أي كفر كان لأن الكفر كله عندهم ملة واحدة واحتجوا بقول الله عز وجل قل يا أيها الكافرون الكافرون ثم قال لكم دينكم ولي دين الكافرون فلم يقل أديانكم فدل على أن الكفر كله ملة والإسلام ملة ومن ذلك قوله عز وجل ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم البقرة ولم يقل مللهم فجعلهم على ملة واحدة قالوا ويوضح لك ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوارث أهل ملتين وقوله لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فجعلوا الكفر كله ملة واحدة والإسلام ملة

وقال شريح القاضي ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وشريك بن عبد الله النخعي القاضي يجعلون الكفر ثلاث ملل اليهود والسامرة ملة والنصارى والصابئون ملة والمجوس ومن لا دين له ملة والإسلام ملة على اختلاف عن شريك وبن أبي ليلى في ذلك أيضا لأنهما قد روي عنهما مثل قول مالك أيضا في ذلك وأما تقدم إسلام علي رضي الله عنه في حياة أبيه وتأخر إسلام عقيل فمذكور خبرهما بذلك في كتاب الصحابة والحمد لله وأما الشعب فشعب بني هاشم معروف وإليه أخرجتهم قريش مع بني عبد المطلب بن عبد مناف حين تقاسموا عليهم في أن لا يبايعوا ولا يدخلوا في شيء من أمور دنياهم والشعب في لسان العرب ما انفرج بين جبلين ونحوهما ومن شعاب مكة أزقتها وأبطانها لأنها بين آطام وجبال وأودية وأما حديث مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن محمد بن الأشعث أخبره أن عمة له يهودية أو نصرانية توفيت وأن محمد بن الأشعث ذكر ذلك لعمر بن الخطاب وقال له من يرثها فقال له عمر بن الخطاب يرثها أهل دينها ثم أتى عثمان بن عفان فسأله عن ذلك فقال له عثمان أتراني نسيت ما قال لك عمر بن الخطاب يرثها أهل دينها مالك عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي حكيم أن نصرانيا أعتقه عمر بن عبد العزيز هلك قال إسماعيل فأمرني عمر بن عبد العزيز أن أجعل ماله في بيت المال فمعناه أنه لم يكن له وارث من نسب فصار ماله فيئا فجعله في بيت المال وذلك أن ولاء المسلم يمنعه الكفر من الميراث ولو أسلم ورثه كما لو كان ابنه نصرانيا لم يرثه فلو أسلم ورثه والولاء كالنسب وسنذكر اختلاف العلماء في النصراني يعتقه المسلم وفي عبد نصراني يسلم فيعتقه قبل أن يباع عليه في كتاب الولاء إن شاء الله تعالى

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال أخبرنا محمد بن محمد بن أحمد الخياش بمصر سنة أربع وأربعين وثلاثمائة قال حدثني أبو غسان مالك بن يحيى الهمداني قال حدثني يزيد بن هارون قال حدثني الحسن بن عمارة عن الحكم عن إبراهيم في الرجل يعتق اليهودي والنصراني قال ميراثه لقرابته من أهل دينه فإن لم يكن له وارث ففي بيت مال المسلمين وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال أخبرني من سمع عكرمة وسئل عن رجل أعتق عبدا له نصرانيا فمات العبد وترك مالا قال ميراثه لأهل دينه قال أبو عمر هذا يعضده الحديث لا يرث المسلم الكافر ولا يتوارث أهل ملتين وقول عمر بن الخطاب لا نرثهم ولا يرثونا وقوله لمحمد بن الأشعث في عمته يرثها أهل دينها وروى بن جريج عن أبي الزبير أنه أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله يقول لا يرث المسلم يهوديا ولا نصرانيا إلا أن يكون عبده أو أمته وهذا عندي أنه مات عبدا لا معتقا لأن الولاء والنسب مالك عن الثقة عنده أنه سمع سعيد بن المسيب يقول أبى عمر بن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم إلا أحدا ولد في العرب قال مالك وإن جاءت امرأة حامل من أرض العدو فوضعته في أرض العرب فهو ولدها يرثها إن ماتت وترثه إن مات ميراثها في كتاب الله قال أبو عمر لا أعلم الثقة ها هنا من هو والخبر عن عمر مستفيض من رواية أهل المدينة وأهل العراق إلا أنها مختلفة المعنى فمنهم من يروي عن عمر أنه لم يورث الحملاء حملة لا ببينة ولا بغير بينة والحملاء جمع حميل والحميل المتحمل من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام وقيل الحميل الذي يحمل نسبه على غيره ولا يعرف ذلك إلا بقوله منهم ومنهم من يروي عنه أنه ورث الحميل إذا كانت له بينة وحرمه الميراث إذا لم يكن له بينة

وقد روي عن عمر أيضا أنه كان يورثهم على حسب ما يحتملون ويصلون من أرحامهم وعلى هذه الثلاثة الأوجه والمعاني اختلاف العلماء في توريث الحملاء ذكر بن أبي شيبة قال حدثني جرير عن الليث عن حماد بن إبراهيم قال لم يكن أبو بكر وعمر وعثمان يورثون الحميل قال وحدثني وكيع قال حدثني علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن عمر كتب أن لا يورث أحد بولادة الشرك وهذا الحديث رواه معتمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن عثمان كان لا يورث بولاية الشرك وذكر بن أبي شيبة قال حدثني حفص بن غياث عن أبي طلق عن أبيه قال أدركت الحملاء في زمن علي وعثمان لا يورثون وقد ذكر عبد الله بن أبي بكر أن عثمان كان يورث بولادة الأعاجم ومعمر عن عاصم بن سليمان قال كتب عمر بن عبد العزيز أن لا يورثوا الحميل بولادة الكفر وأما الرواية عن عمر بن الخطاب أنه كان يورثهم بالبينة فذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن جابر عن الشعبي عن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه أن لا يورث الحميل إلا ببينة وذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن نمير قال حدثني مجالد عن الشعبي قال كتب عمر إلى شريح ألا يورث الحميل إلا ببينة وهو قول شريح وعطاء والشعبي والحسن وبن سيرين والحكم وحماد واختلف قول مالك وأصحابه في معنى حديث عمر هذا وما كان مثله من توريث الحميل فقال بن القاسم إنما تفسير قول عمر بن الخطاب لا يتوارث بولادة الأعاجم في الدعوى خاصة وأما إن يثبت ذلك بعدول مسلمين كانوا عندهم فهم كولادة الإسلام وقال ربيعة وبن هرمز وعبد الملك بن الماجشون ولو ثبت بالعدول ما توارثوا

وقال يحيى بن سعيد السنة في أولاد الأعاجم إذا ولدوا بأرضهم ثم يحملوا إلينا أن لا يتوارثوا قال عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون كان أبي ومالك والمغيرة وبن دينار يقولون بقول بن هرمز وربيعة ثم رجع مالك عن ذلك قبل موته بيسير فقال بقول بن شهاب أنهم يتوارثون إذا كانت لهم بينة وقال الشافعي إذا جاؤونا مسلمين لا ولاء لأحد عليهم قبلنا دعواهم وإن كانوا قد أدركهم السباء والرق وثبت عليهم الولاء والملك لم تقبل دعواهم إلا ببينة وهو قول الكوفيين وأحمد وأبي ثور قال أبو عمر والرواية الثالثة عن عمر وذكرها أبو بكر عن وكيع عن سفيان عن حماد عن إبراهيم قال قال عمر كل نسب يتواصل عليه بالإسلام فهو وارث موروث وهو قول إبراهيم وطائفة من التابعين وإليه ذهب إسحاق وروي ذلك عن الشعبي قال أبو بكر حدثني جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال كانوا يتوارثون بالأرحام التي يتواصلون بها قال وحدثني بن إدريس عن أشعث عن الشعبي قال إذا كان نسبا معروفا موصولا ورث يعني الحميل وقال مسروق إذا اشتهرت البينة أنه كان يحرم منه ومن بينه ما يحرم الأخ من أخيه ورثناه منه قال وحدثني محمد بن أبي عدي عن بن عون قال ذكر لمحمد بن سيرين أن عمر بن عبد العزيز كتب في الحملاء لا يتوارثوا إلا بشهادة الشهود فقال محمد قد توارثت المهاجرون والأنصار بنسبهم الذي كان في الجاهلية فأنا أنكر أن يكون عمر كتب بهذا وروى بن وهب في موطئه عن مالك في أهل مدينة أو حصن من أهل الحرب أسلموا فشهد بعضهم لبعض أن هذا بن هذا وهذا أخو هذا أو أبو هذا فإنهم يتوارثون بذلك

قال وأما الذين يسبون فيسلمون ويشهد بعضهم لبعض فإنهم لا يقبلون ولا يتوارثون بذلك وروى بن القاسم عن مالك في أهل حصن تحملوا ونزلوا بأرض الإسلام وأسلموا أنهم يتوارثون بشهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عددا كثيرا وأرى العشرين كثيرا وقال سحنون لا أسمع بأن العشرين كثيرا وهم في حيز اليسير الحملاء الذين لا يتوارثون بقولهم قال أبو عمر اضطرب أصحابنا في هذا الباب اضطرابا كثيرا وقد ذكرنا كثيرا من ذلك في باب ميراث الحملاء من كتاب الأقضية من اختلاف قول مالك وأصحابه قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا والسنة التي لا اختلاف فيها والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أنه لا يرث المسلم الكافر بقرابة ولا ولاء ولا رحم ولا يحجب أحدا عن ميراثه وكذلك كل من لا يرث إذا لم يكن دونه وارث فإنه لا يحجب أحدا عن ميراثه قال أبو عمر قد مضى ما للعلماء في ميراث المسلم من الكافر في هذا الباب والولاء والنسب في ذلك سواء ومن لا يرث بالنسب فما لولاء أحد إلا أن يرث وهذا ما لا خلاف فيه وأما الحجب فمن لا يرث من كافر أو عبد أو قاتل عمد فذهب بن مسعود وحده من بين الصحابة رضوان الله عليهم إلى أن الكافر والعبد والقاتل يحجبون وإن كانوا لا يرثون و قال بقوله أبو ثور وداود على أن أصحاب داود اختلفوا في ذلك واختلف عن بن مسعود في حجب الإخوة للأم بالكفار والعبيد ولم يختلف عنه في حجب الزوجين والأم بهم وقال علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت لا يحجب من لا يرث بحال من الأحوال وبه قال جماعة فقهاء الحجاز والعراق واليمن والشام والمغرب

وذكر أبو بكر قال حدثني حسين بن علي عن زائدة عن مغيرة عن إبراهيم عن علي وزيد في المملوكين المشركين قال لا يحجبون ولا يرثون قال وحدثني وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي قال لا يحجبون ولا يرثون قال وحدثني وكيع عن حماد بن زيد عن أنس بن سيرين قال عمر لا يحجب من لا يرث قال وحدثني وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن بن أبي ليلى عن الشعبي قال كان بن مسعود يحجب بالمملوكين وأهل الكتاب ولا يورثهم وبالله التوفيق باب من جهل أمره بالقتل أو غير ذلك مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أنه لم يتوارث من قتل يوم الجمل ويوم صفين ويوم الحرة ثم كان يوم قديد فلم يورث أحد منهم من صاحبه شيئا إلا من علم أنه قتل قبل صاحبه قال مالك وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه ولا شك عند أحد من أهل العلم ببلدنا وكذلك العمل في كل متوارثين هلكا بغرق أو قتل أو غير ذلك من الموت إذا لم يعلم أيهما مات قبل صاحبه لم يرث أحد منهما من صاحبه شيئا وكان ميراثهما لمن بقي من ورثتيهما يرث كل واحد منهما ورثته من الأحياء إلى سائر قوله في الباب من مسائله التي فسر بها أصل مذهبه هذا وهو مذهب زيد بن ثابت وجمهور أهل المدينة وهو قول بن شهاب وبه قال الأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه فيما ذكر الطحاوي عنه وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وإياس بن عبد الله المزني رضي الله عنهم أنه يورث كل واحد من الغرقى والقتلى ومن مات تحت الهدم ومن أشبههم ممن أشكل أمرهم فلا يدرى أيهم مات أولا من صاحبه روي ذلك عن عمر و علي من وجوه ذكرها بن أبي شيبة وغيره وحديث إياس بن عبد ويقال بن عبد الله المزني رواه بن عيينة عن

عمرو بن دينار عن أبي المنهال عن إياس المزني وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن بيت وقع على قوم فماتوا فقال يورث بعضهم من بعض وبه قال شريح وعبيدة السلماني والشعبي و إبراهيم النخعي وأبو يوسف فيما ذكره الفراض وغيرهم عنهم وسفيان الثوري وسائر الكوفيين وجمهور البصريين والمعنى الذي ذهبوا إليه في ذلك أن يورثوا كل واحد منهما من صاحبه ولا يرد على واحد منهما مما ورث عن صاحبه شيئا مثال ذلك كان زوجا وزوجة غرقا جميعا ومع كل واحد منهما ألف درهم فتميت الزوجة أولا فنصيب الزوج خمسمائة درهم ثم يميت الزوج فنصيب الزوجة من الألف التي هي أصل ماله مئتان و خمسون درهم ولا تورثها عن الخمسمائة التي ورثها عنها ولا تورثه من المائتين والخمسين التي ورثتها منه فلا يرث واحد منهما من المقدار الذي يورثه من صاحبه ويرث مما سوى ذلك وقد روي عن عائشة أم المؤمنين أنها شهدت بأن طلحة مات قبل أبيه محمد يوم الجمل وشهد بذلك معها غيرها فورث طلحة ابنه محمدا وورث محمد ابنه إبراهيم باب ميراث ولد الملاعنة وولد الزنى مالك أنه بلغه أن عروة بن الزبير كان يقول في ولد الملاعنة وولد الزنى إنه إذا مات ورثته أمه حقها في كتاب الله عز وجل وإخوته لأمه حقوقهم ويرث البقية موالي أمه إن كانت مولاة وإن كانت عربية ورثت حقها وورث إخوته لأمه حقوقهم وكان ما بقي للمسلمين قال مالك وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك قال مالك وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر هذا مذهب زيد بن ثابت كان يورث من بن الملاعنة كما يورث من غيره ولا يجعل عصبة أمه عصبة له ويجعل ما فضل عن أمه لبيت مال

المسلمين إلا أن يكون له إخوة لأم فيعطون حقوقهم منه كما لو كان غير بن الملاعنة والباقي في بيت المال فإن كانت أمه مولاة جعل الباقي من فرض ذوي السهام لموالي أمه فإن لم يكن لها مولى حي جعله في بيت مال المسلمين وعن بن عباس في ذلك مثل قول زيد بن ثابت وبه قال جمهور أهل المدينة سعيد بن المسيب وعروة وسليمان وعمر بن عبد العزيز وبن شهاب وربيعة وأبو الزناد ومالك والشافعي وأصحابهما وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وأهل البصرة إلا أن أبا حنيفة وأصحابه وأهل البصرة يجعلون ذوي الأرحام أولى من بيت المال فيجعلون ما فضل عن فرض أمه وإخوته ردا على أمه و على إخوته إلا أن تكون الأم مولاة فيكون الفاضل لمواليها وأما علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود و عبد الله بن عمر فإنهم جعلوا عصبته عصبة ولده ذكر أبو بكر قال حدثني وكيع قال حدثني بن أبي ليلى عن الشعبي عن علي وعبد الله أنهما قالا في بن الملاعنة عصبته عصبة أمه قال وحدثني وكيع قال حدثني موسى بن عبيدة عن نافع عن بن عمر قال بن الملاعنة عصبته عصبة أمه يرثهم ويرثونه وهو قول إبراهيم والشعبي وروي عن علي أيضا وبن مسعود أنهما كانا يجعلان أمه عصبته فتعطى المال كله فإن لم يكن له أم فماله لعصبتها وبه قال الحسن ومكحول ومثل ذلك أيضا عن الشعبي وقتادة وبن سيرين وجابر بن زيد وعطاء والحكم وحماد وسفيان الثوري والحسن بن صالح بن حي وشريك ويحيى بن آدم وأحمد بن حنبل وكان علي رضي الله عنه يجعل ذا السهم من ذوي الأرحام أولى ممن لا سهم له فيرد عليه وقال به جماعة من العراقيين في هذه المسألة وقد أوضحناها في التمهيد

وحجة من ذهب إلى خلاف قول زيد في حديث بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألحق ولد الملاعنة بأمه وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراث الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها وحديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لا عنت عليه ومكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك مثله ذكر أبو داود وغيره ذكر أحمد بن حنبل قال حدثني يحيى بن زكريا قال حدثني داود بن أبي هند قال أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير قال كتبت إلى صديق لي من أهل المدينة من بني زريق أسأله عن ولد الملاعنة لمن قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلي إني سألت فأخبرت أنه قضى به لأمه وهي بمنزلة أبيه وأمه قال أبو عمر قيل معنى هذا الحديث أي هي في ابنها بمنزلة الأب تكون عصبة له وعصبتها عصبة لولدها وصار حكم التعصيب الذي من جهة الأب يكون من جهة الأم وصارت هي بمنزلة الأب فعلى هذا تحجب الإخوة وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه وعن الشعبي قال سألت بالمدينة كيف صنع النبي صلى الله عليه وسلم بولد الملاعنة قال ألحقه بعصبة أمه وعن الشعبي أيضا قال بعث أهل الكوفة رجلا إلى الحجاز في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه يسأل عن ميراث بن الملاعنة فجاءهم الرسول أنه لأمه وعصبتها

وعن بن عباس قال اختصم إلى علي رضي الله عنه في ميراث ولد الملاعنة فأعطى أمه الميراث وجعلها عصبته والرواية الأولى أشهر عن علي رضي الله عنه عند أهل الفرائض وقد روى خلاس عن علي في بن الملاعنة مثل قول زيد بن ثابت ما فضل عن إخوته فلبيت المال وأنكروها على خلاس ولخلاس عن علي أخبار يصر كثير من أنها نكارة عند العلماء وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل تم كتاب الفرائض والحمد لله رب العالمين

كتاب النكاح باب ما جاء في الخطبة مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه قال مالك وتفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله أعلم لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقان على صداق واحد معلوم وقد تراضيا فهي تشترط عليه لنفسها فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد فهذا باب فساد يدخل على الناس قال أبو عمر بنحو ما فسر مالك هذا الحديث فسره الشافعي وابو عبيد

وهو مذهب جماعة الفقهاء كلهم يتفقون في ذلك المعنى وهو المعمول به عند السلف والخلف وذلك والله أعلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح الخطبة لأسامة بن زيد على خطبة معاوية بن أبي سفيان وأبي جهم بن حذيفة حين خطبا فاطمة بنت قيس فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاورة له فخطبها لأسامة بن زيد على خطبتها ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعل ما ينهى عنه ولا أعلم أحدا ادعى نسخا في أحاديث هذا الباب فدل ذلك على أن المعنى ما قاله الفقهاء من الركون والرضا والله أعلم وسيأتي القول في قول أسامة في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وقد روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد والمعنى فيه ما تقدم عن مالك وغيره من العلماء فإذا ركنت المرأة أو وليها ووقع الرضا لم يجز لأحد حينئذ الخطبة على من ركن أليه ورضي به وأتفق عليه ومن فعل ذلك كان عاصيا إذا كان بالنهي عالما واختلفوا في فسخ نكاحه وسنذكر بعد ذلك في هذا الباب إن شاء الله تعالى وقد روى بن وهب عن الليث وبن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن

عبد الرحمن بن شماسة المهري أنه سمع عقبة بن عامر على المنبر يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المؤمن أخو المؤمن لا يحل لمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه حتى يذر ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر ومن الدليل على ما وصفنا ما جاء عن السلف ما رواه بن وهب في موطئه قال أخبرنا مخرمة بن بكير عن أبيه عن عبيد الله بن سعد عن الحارث بن أبي ذباب أن جريرا البجلي أمره عمر بن الخطاب أن يخطب عليه امرأة من دوس ثم أمره مروان بن الحكم من بعده أن يخطبها عليه ثم أمره عبد الله بن عمر بعد ذلك فدخل عليها فأخبرها بهم الأول فالأول ثم خطبها معهم لنفسه فقالت والله ما أدري أتلعب أم أنت جاد قال بل جاد فنكحته فولدت له ولدين وفي سماع إسماعيل بن أبي أويس قال سمعت مالكا يقول أكره إذا بعث الرجل رجلا يخطب له امرأة أن يخطبها الرجل لنفسه وأراها خيانة ولم أسمع أحدا رخص في ذلك قال وسئل مالك عن رجل خطب امرأة وركنت إليه واتفقا على صداق معلوم حتى صارت من اللائي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطب الرجل على خطبة أخيه قال مالك إذا كان هكذا فملكها زوج آخر ولم يدخل بها فإنه يفرق بينهما وإن دخل بها مضى النكاح وبئس ما صنع حين خطب امرأة في حال نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطب عليها قال أبو عمر هذا هو المشهور عن مالك وتحصيل مذهبه فيمن خطب بعد الركون على خطبة أخيه أنه يفسخ نكاحه إن لم يدخل فإن نكح لم يفسخ وقد روي عنه أنه يفسخ على كل حال وقد روي عنه أنه لا يفسخ أصلا وإن كان عاصيا يفعله وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما وقد قال الشافعي ليس بعاص إلا أن يكون بالنهي عالما وغير متأول وقال داود يفسخ نكاحه على كل حال

وقال بن القاسم إذا تزوج الرجل المرأة بعد أن ركنت إلى غيره فدخل بها فإنه يتحلل الذي خطبها عليه ويعرفه بما صنع فإن حلله وإلا فليستغفر الله من ذلك وليس يلزمه طلاقها وقد أثم فيما فعل قال بن وهب إن لم يجعله الأول في حل مما صنع فليطلقها فإن رغب فيها الأول وتزوجها فقد بريء هذا من الأثم وإن كره تزويجها فليراجعها الذي فارقها بنكاح جديد وليس يقضي عليه بالفراق وقال بن القاسم إنما معنى النهي في أن يخطب الرجل على خطبة إخيه في رجلين صالحين وأما إذا كان الذي خطبها أولا فركنت إليه رجل سوء فإنه ينبغي للولي أن يحضها على تزويج الرجل الصالح الذي يعلمها الخير ويعينها عليه قال أبو عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع الرجل على بيع أخيه أو يخطب على خطبة أخيه والبيع عندهم مكروه غير مفسوخ فكذلك النكاح لأنه لم يملك بضعها بالركون دون العقد ولا كانت له بذلك زوجة يجب بينهما الميراث ويقع الطلاق ولو كان كذلك لقضى مالك بفسخه قبل الدخول وبعده وفسخ النكاح عنده قبل الدخول من باب إعادة الصلاة في الوقت ليدرك العمل على سنته وكمال حسنه والركون عند أهل اللغة السكون إلى الشيء بالمحبة له والأنصات إليه ونقيضه النفور عنه ومن ذلك قوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار هود وقد روي في هذا المعنى عن عقبة بن عامر تشديد وتغليظ رواه بن السرح عن حيوة بن شريح أن زياد بن عيينة حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول على المنبر لئن يجمع الرجل حطبا حتى يصير مثل الجبل ثم يوقده بالنار فإذا احترق اقتحم فيه حتى يصير رميما خير له من أن يفعل إحدى ثلاث يخطب على خطبة أخيه أو يسوم على سوم أخيه أو يصر لقحة قال أبو عمر ما صح العقد فيه وكمل النكاح له ارتفع الوعيد فيه أن يكون كبيرة فمغفور مع اجتناب الكبائر مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في

قول الله تبارك وتعالى ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا البقرة أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها إنك علي لكريمة وإني فيك لراغب وإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول قال أبو عمر حرم الله عقد النكاح في العدة بقوله ولا تعزموا عقده النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله البقرة وأباح التعريض بالنكاح في العدة ولم يختلف العلماء من السلف والخلف في ذلك فهو من المحكم المجتمع على تأويله إلا أنهم اختلفوا في ألفاظ التعريض فقال القاسم بن محمد ما ذكره مالك في هذا الباب عنه وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه في ذلك قال يقول إني بك لمعجب وأني فيك راغب وإني عليك لحريص وأشباه ذلك وروى شعبة عن منصور عن مجاهد عن بن عباس في قوله تعالى ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء البقرة قال التعريض ما لم ينصب للخطبة ورواه بن جرير بإسناده عن منصور وزاد يقول إني فيك راغب وإني أريد امرأة أمرها كذا يعرض لها وشعبة عن سهيل بن كهيل عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير قال هو قول الرجل إني أريد أن أتزوج وروى وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي ووكيع عن أبيه عن منصور عن مجاهد قال يقول إنك لجميلة وإنك لنافقة وإن قضى الله أمرا كان وبن جريج عن مجاهد مثله وقال الحسن لا يقول لها إذا انقضت عدتك تزوجتك ويقول لها ما شاء وقال عبيدة يذكرها لوليها ولا يشعرها

وروي عن مجاهد أنه قال يكره أن يقول لا تفوتيني بنفسك وإني عليك لحريص وكان إبراهيم لا يرى بذلك كله بأسا قال أبو عمر قد روى محمد بن عمر بن علقمة عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة ابنة قيس انتقلي إلى بيت أم شريك ولا تفوتيني بنفسك ذكره أبو بكر عن بن إدريس ومحمد عن بشر عن محمد بن عمر باب استئذان البكر والأيم في أنفسهما مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها قال أبو عمر هذا حديث رفيع صحيح أصل من أصول الأحكام ورواته ثقات أثبات أشراف فرواه عن عبد الله بن الفضل طائفة منهم مالك وزياد بن سعد ورواه عن مالك جماعة من الأئمة الجلة منهم شعبة وسفيان الثوري وبن عيينة ويحيى بن سعيد الأنصاري وجماعة من أصحابه يطول ذكرهم وقد قيل إنه رواه أبو حنيفة عن مالك واختلف رواته في لفظه فالأكثر يقولون فيه الأيم أحق بنفسها وقال منهم جماعة الثيب أحق بنفسها وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في التمهيد وممن قال بذلك بن عيينة عن زياد بن سعد أخبرنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن عبد السلام

قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني بن عيينة عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها في نفسها وإذنها صماتها وربما قال سفيان صمتها إقرارها قال أبو عمر قد يمكن أن يكون من قال فيه الثيب أحق بنفسها جاء به على المعنى عنده وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء فقال منهم قائلون الإيم في هذا الحديث هي التي آمت من زوجها بموته أو طلاقه وهي الثيب واحتجوا بقول الشاعر يوم القادسية فأبنا وقد آمت نساء كثيرة ونسوة سعد ليس منهن أيم يقول ليس منهن من قتل زوجها واحتجوا أيضا بحديث بن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر حين تأيمت ابنته حفصة من خنيس بن حذافة السهمي الحديث وبحديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال آمت حفصة من زوجها وأم عثمان من رقية الحديث قالوا فالأيم هنا الثيب وإن كانت العرب قد تسمي كل من لا زوج لها أيما فإنما ذلك على الاتساع وأما أهل اللغة عدم الزوج بعد أن كان قالوا ورواية من روى في هذا الحديث الثيب أحق بنفسها من وليها رواية مفسرة وهي أولى من رواية من روى الأيم لأنه قول مجمل والمصير إلى الرواية المفسرة أشهر في الحجة وذكروا ما حدثناه عبد الوارث وسعيد قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني حفص بن غياث عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب قال حدثني نافع بن جبير بن مطعم عن بن

عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثيب أولى بأمرها من وليها والبكر تستأمر وصمتها إقرارها قالوا ومن الدليل أيضا على أن الأيم المذكورة في هذا الحديث هي الثيب كما رواه من رواه وكذلك قوله والبكر تستأذن فذكر البكر بعد ذكره الأيم فدل على أنها الثيب قالوا ولو كانت الأيم في هذا الحديث كل من لا زوج لها من النساء لبطل قوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي ولكانت كل امرأة أحق بنفسها من وليها وكان هذا التأويل رد السنة الثابتة في أن لا نكاح إلا بولي وردا لقوله تعالى فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن البقرة يخاطب الأولياء بذلك ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها دل على أن لوليها حقا لكنها أحق منه ودل على أن حق الولي على البكر فوق ذلك لأن الولي لا ينكح الثيب إلا بأمرها وينكح البكر بغير أمرها ويستحب له إستئذانها واستئمارها وهذا كله قول من قال إن الولي المذكور في هذا الحديث هو الأب دون غيره من الأولياء لأن الأب لا ينكح الثيب من بناته إلا بأمرها وله أن ينكح البكر منهن بغير أمرها وممن قال بهذا الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه واحتجوا بضروب من الحجج معناها ما وصفنا قال أبو عمر في قوله صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها دلائل ومعان وفوائد أحدها أن الأيم إذا كانت أحق بنفسها فغير الأيم وليها أحق بها من نفسها ولو كانتا جميعا أحق بأنفسهما من وليهما لما كان لتخصيص الأيم معنى ومثل هذا من الدلائل قول الله عز وجل وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن الطلاق دليل على أنه لا نفقه لهن إذا لم يكمن أولات حمل

وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع فيه دليل على أن الثمرة للمشتري إذا بيعت قبل أن تؤبر وكذلك قوله عليه السلام الأيم أحق بنفسها من وليها دليل على أن التي يخالفها وليها أحق بها وذكر المزني وغيره عن الشافعي قال وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها وتستأمر البكر في نفسها وإذنها صماتها دلاله على الفرق بين الثيب والبكر في أمرين أحدهما أن إذن البكر الصمت والتي تخالفها الكلام والآخر أن أمرهما في ولاية أنفسهما مختلف فولاية الثيب أنها أحق من الولي قال والولي ها هنا الأب والله أعلم دون سائر الأولياء ألا ترى أن سائر الأولياء غير الأب ليس له أن يزوج الصغيرة ولا له أن يزوج البكر الكبيرة إلا بإذنها وذلك للأب في بناته الأبكار بوالغ أو غير بوالغ وهو المطلق الكامل الولاية لأن من سواه من الأولياء لا يستحقون الولاة إلا به وقد يشتركون فيها وهو ينفرد بها فلذلك وجب له اسم الولي مطلقا وذكر حديث خنساء بنت خدام أن رسول الله رد نكاحها وكانت ثيبا إذ أنكحها أبوها بغير رضاها قال وأما الاستئمار للبكر فعلى استطابة النفس ورجاء الموافقة وخوف موافقة الكراهة وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وشاورهم في الأمر آل عمران ومعلوم أنه ليس لأحد منهم رد ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ليفتدي به وفي هذا المعنى آثار ذكرناها في التمهيد قال أبو عمر وحديث خنساء بنت خدام ذكره مالك في باب جامع ما لا يجوز من النكاح وكان هذا الباب أولى به وسيأتي القول فيه في موضعه إن شاء الله

وقال آخرون الأيم كل امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا واستشهدوا بقول الشاعر فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي وإن كنت أفتى منكم أتأيم أي تبقين بلا زوج ومن هذا قول الشماخ يقر بعيني أن أنبأ أنها وإن لم أنلها أيم لم تزوج وأبين من هذا قول أمية بن ابي الصلت لله در بني علي أيم منهم وناكح إن لم يغيروا غارة شعواء تحجر كل نائح وفي هذا الحديث أعوذ بالله من بوار الأيم وهذا كله يدل على أن الأيم من لا زوج لها ثيبا كانت أو بكرا وقال إسماعيل بن إسحاق الأيم هي التي لا زوج لها بالغا كانت أو غير بالغ بكرا كانت أو ثيبا قال ولم يدخل الأب في جملة الأولياء لأن أمره في ولده أجل من أن يدخل في الأولياء الذين لا يشبهونه وليست لهم أحكامه قال والدليل على أن الأيم كل من لا زوج لها قوله تعالى وأنكحوا الأيامى منكم الآية النور يعني كل من لا زوج لها قال وإنما في الحديث معنيان أحدهما أن الأيامى كلهن أحق بأنفسهن من أوليائهن وهم من عدا الأب من الأولياء والمعنى الآخر تعليم الناس كيف يستأذنون البكر وأن إذنها صماتها لأنها تستحي أن تجيب بلسانها قال والدليل على ذلك أن الأب له أن يزوج الصغيرة إذا بلغت وإنما جاز له

بإجماع من المسلمين ثم يلزمها ذلك ولا يكون لها في نفسها خيار إذا بلغت وإنما جاز له أن يزوج الصغيرة لدخولها في جملة الأيامى ولو كانت أحق بنفسها لم يكن له أن يزوجها حتى تبلغ وتستأذن قال أبو عمر من تأمل المعنيين واحتجاج الفريقين لم يخف عليه القوي فيهما وبالله التوفيق مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان قال أبو عمر قول عمر هذا اختلف فيه أصحابنا على قولين فمنهم من قال أن قوله وليها أو ذوي الرأي من أهلها أو السلطان أن كل واحد من هؤلاء جائز إنكاحه ونافذ فعله إذا أصاب وجه الصواب من الكفاءة والصلاح وقال آخرون أراد بقوله وليها أقرب الأولياء وأقعدهم بها وأراد بقوله ذوي الرأي من أهلها عصبتها أولو الرأي وإن بعدوا منها في النسب إذا لم يكن الولي الأقرب وكذلك السلطان إذا لم يكن ولي قريب ولا بعيد وجعلوا قول عمر هذا على الترتيب لا على التخيير كنحو اختلاف العلماء في معنى قول الله عز وجل في المحاربين إن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض المائدة وهذا كله من قولهم تصريح أنه لا نكاح إلا بولي واختلفوا في حكم الولي ومعناه على ما نوضحه عنهم وعن غيرهم من العلماء إن شاء الله قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه حديث وصله جماعة عن أبي إسحاق عن أبي بردة

عن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو عوانة ويونس بن أبي إسحاق وإسرائيل بن يونس وقد ذكرنا الطرق عنهم في التمهيد وأرسله شعبة والثوري فروياه عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم روى بن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاث مرات فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له روى هذا الحديث عن بن جريج جماعة لم يذكروا فيه علة ورواه بن عيينة عن بن جريج بإسناده مثله وزاد قال بن جريج فسألت عنه الزهري فلم يعرفه ولم ير واحد هذا الكلام عن بن جريج في هذا الحديث غير بن علية فتعلق به من أجاز النكاح بغير ولي وقال هو حديث واه إذ قد أنكره الزهري الذي عنه روي وطعنوا بذلك على سليمان بن موسى في حفظه قالوا لم يتابعه عليه أحد من الحفاظ أصحاب الزهري وقال به من لم يجز النكاح إلا بإذن ولي وهو حديث صحيح لأنه نقله عن الزهري ثقات قالوا وسليمان بن موسى إمام أهل الشام وفقيههم عن الزهري وقد رواه عن الزهري كما رواه سليمان بن موسى جعفر بن ربيعة والحجاج بن أرطأة ولا يضر إنكار الزهري له لأنه من نسي شيئا بعد أن حفظه لم يضر ذلك من حفظه عنه قال أبو عمر حديث جعفر بن ربيعة عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل الحديث أحفظه إلا من حديث بن لهيعة عن جعفر بن ربيعة ورواه عن بن لهيعة بن وهب و القعنبي وعبد الغفار بن داود الحراني والمعلى بن منصور وغيرهم واحتجوا أيضا بما حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا

حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني إسماعيل بن موسى قال حدثني إسحاق بن عيسى قال حدثني هشيم عن الحجاج عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له فإن قيل إن الحجاج بن أرطأة ليس في الزهري بحجة وأجمعوا على أنه كان يدلس ويحدث عن الثقات بما لم يسمع عنهم إذا سمعه منهم قيل له قد رواه بن أبي مليكة عن أبي عمر ومولى عائشة عن عائشة بإسناد كلهم ثقات وعدول حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبد الله بن إدريس عن جريج عن بن ابي مليكة عن أبي عمر ومولى عائشة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأمر النساء في أبضاعهن قلت يا رسول الله إنهن يستحيين قال الأيم أحق بنفسها والبكر تستأمر وسكوتها إقرارها وقد تكلمنا على علل أحاديث هذا الباب وتصحيحها في التمهيد بما يطول ذكره وأجمع العلماء على أن الولي المذكور بالإشارة إليه في هذا الحديث هو الولي من النسب والعصبة واختلفوا في غير العصبة مثل وصي الأب وذي الرأي من السلطان إلا أنهم أجمعوا أن السلطان ولي من لا ولي له لأن الولاية بعد عدم التعصيب تنصرف إلى الذي يقف على هذا الأصل قال أبو عمر كان الزهري يقول وهو رواية هذا الحديث إذا تزوجت المرأة بغير إذن وليها كفؤا جاز وهو قول الشعبي وبه قال أبو حنيفة وزفر وقال أبو يوسف ومحمد لا يجوز النكاح إلا بولي فإن سلم الولي جاز وإن أبى أن يسلم والزوج كفؤا أجازه القاضي

ونحو هذا مذهب الأوزاعي وأما مالك فتحصيل مذهبه أنه لا نكاح إلا بولي هذه جملته وروى أشهب عن مالك أن الشريفة والدنية والسوداء والمسالمة ومن لا خطب لها في ذلك سواء هذا معنى رواية أشهب عن مالك وقال بن القاسم عنه إذا كانت المرأة معتقة أو مسكينة دنية أو تكون في قرية لا سلطان فيها فلا بأس أن تستخلف رجلا يزوجها ويجوز ذلك وإن كانت ذات حسب لها حال وشرف فلا ينبغي لها أن يزوجها إلا وليها أو السلطان وقال مالك في الولي الأبعد يزوج وليته بإذنها وهناك من هو أقرب إليها إن النكاح جائز إذا كان للناكح صلاح وفضل هذا قوله في المدونة وقال سحنون أكثر الرواة يقولون لا يزوجها ولي وثم أقرب منه فإن فعل نظر السلطان في ذلك قال وروى آخرون أن للأقرب أن يرد أو يجيز إلا أن يطول مكثها عند الزوج وتلد أولادا قال وهذا في ذات المنصب والقدر وذكر بن حبيب عن الماجشون قال النكاح بيد الأقعد فإن شاء فسخه وإن شاء أجازه إلا أن يدخل بها الزوج وقال المغيرة لا يجوز أن يزوجها ولي وثم من هو أولى منه ويفسخ نكاحه والمسائل في هذا الباب عن مالك وأصحابه كثيرة الاضطراب وقال مالك وجمهور أصحابه الأخ وبن الأخ أولى من الجد بالإنكاح وقال المغيرة الجد أولى من الأخ وروى بن القاسم عن مالك الابن أولى من الأب وهو تحصيل المذهب عند المصريين من أصحابه وروى المدنيون عن مالك أن الأب أولى وقال إسماعيل بن إسحاق قال مالك في هذا الباب أقاويل يظن من سمعها أن بعضها يخالف بعضا

قال وجملة هذا الباب أن الله تبارك وتعالى أمر بالنكاح وحض علية الرسول صلى الله عليه وسلم وجعل الله المؤمنين بعضهم أولياء بعض وبذلك يتوارثون ثم تكون ولاية أقرب من ولاية كما قرابة أقرب من قرابة فمن كان أولى بالمرأة كان أولى بإنكاحها فإن تشاجروا نظر الحاكم في ذلك إذا ارتفعوا إليه ثم أتى بكلام قد ذكرناه عنه في التمهيد أكثره لا حجة فيه ثم قال فإن نكحت المرأة بغير ولي فسخ النكاح فإن دخل وفات الأمر بالدخول وطول الزمن والولادة لم يفسخ لأنه لا يفسخ من الأحكام إلا الحرام البين أو يكون خطأ لا شك فيه فأما ما يجتهد فيه الرأي وفيه الاختلاف فلا يفسخ قال ويشبه على مذهب مالك أن يكون الدخول فوتا وإن لم يتطاول ولكنه احتاط في ذلك قال والذي يشبه عندي على مذهب مالك في المرأة إذا تزوجت بغير ولي ثم مات أحدهما أنهما يتوارثان وإن كان مالك يستحب ألا يقام على ذلك النكاح قال وقد ذكر بن القاسم عن مالك أنه كان يرى بينهما الميراث قال أبو عمر مذهب الليث بن سعد في هذا الباب نحو قول مالك وأما الشافعي فالنكاح عنده بغير ولي مفسوخ قبل الدخول وبعده طال الأمد أو لم يطل ولا يتوارثان إن مات أحدهما والولي عنده من فرائض النكاح ولي القرابة لأولي الديانة وحدها دون القرابة ثم الولاية عنده على الأقرب فالأقرب والأقعد في الأقعد ولا مدخل عنده للأبعد مع الأقرب في إنكاح المرأة إلا أن يكون الأقرب سفيها أو غائبا غيبة يضر بالمرأة انتظاره لطولها ولا ولاية عنده لأحد من الأب مع الأولياء فإن مات الأب فالجد ثم أبو الجد ثم أبوه أبدا هكذا والبكر والثيب في ذلك سواء لا تنكح واحدة منهما بغير ولي إلا أن الثيب لا ينكحها أب ولا غيره إلا بإذنها وتنكح البكر من بناته بغير أمرها واحتج بقول الله عز وجل وأنكحوا الأيامى منكم النور وقوله تعالى في الأيامى فانكحوهن بإذن أهلهن النساء وقال تعالى مخاطبا للأولياء فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن البقرة

نزلت هذه الآية في عضل معقل بن يسار أخته وكان زوجها طلقها ثم أراد رجعتها فخطبها فأبى معقل أن يردها إلى زوجها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي قال فإن لم يكن ولي القرابة من العصبة فليس بولي والسلطان ليس بولي إلا لمن لا ولي له من العصبة لقوله صلى الله عليه وسلم السلطان ولي من لا ولي له وقال الثوري الأولياء العصبة كقول الشافعي وقال أبو ثور كل من وقع عليه أسم ولي فله أن ينكح وهو قول محمد بن الحسن وقال أحمد بن حنبل وإسحاق في النكاح بغير ولي نحو قول الشافعي وقال إسحاق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل إذا تزوجها بغير ولي ثم طلقها قال احتاط لها وأجيز طلاقه قال إسحاق كلما طلقها وقد عقد النكاح بغير ولي لم يقع عليها طلاق ولا يقع بينهما ميراث لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فنكاحها باطل ثلاثا والباطل مفسوخ فلا يحتاج إلى فسخ حاكم ولا غيره وأما أبو حنيفة وأصحابه فليس الولي عندهم من أركان النكاح ولا من فرائضه وإنما هو من تمام النكاح وجماله لأن لا يلحقه عارها فإذا تزوجت كفؤا جاز بكرا كانت أو ثيبا

وقالوا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها دليل على أن لها أن تزوج نفسها لأنه لم يقل إنه أحق بها في الإذن دون العقد قالوا ومن ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد الإذن دون العقد فعليه الدليل قالوا والأيم كل امرأة لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا قالوا والمرأة إذا كانت رشيدة جاز لها أن تلي عقدة نكاحها لأنه عقد أكسبها مالا فجاز أن تليه بنفسها كالبيع والإجارة قالوا وقد أضاف الله عز وجل النكاح إليها بقوله حتى تنكح زوجا غيره وبقوله أن ينكحن أزواجهن البقرة وقوله فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ورووا عن علي انه كان يجيز النكاح بغير ولي ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن فضيل عن أبيه عن الحكم قال كان علي رضي الله عنه إذا رفع إليه رجل تزوج امرأة بغير ولي دخل بها أمضاه قال وحدثني يحيى بن آدم قال حدثني سفيان عن أبي قيس عن هذيل إذا رفعت إلى علي امرأة قد زوجها خالها وأمها فأجاز علي النكاح قال يحيى وقال سفيان لا يجوز لأنه غير ولي وقال الحسن بن صالح هو جائز لأن عليا حين أجازه كان بمنزلة الولي قال أبو عمر لهذه المسألة في إنكاح المرأة نفسها وعقدها في ذلك موضع في كتابنا غير هذا نذكره هناك أبلغ من الذكر ها هنا إن شاء الله عز وجل ومن الحجة على الكوفيين في جواز إنكاح المرأة نفسها ما رواه هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تنكح المرأة المرأة ولا تنكح المرأة نفسها فإن الزانية التي تنكح نفسها ولما لم تل عقدة النكاح غيرها لم تل عقد نكاح نفسها ألا ترى إلى حديث القاسم عن عائشة أنها كانت إذا خطب إليها بعض قرابتها وبلغت التزويج تقول للولي زوج فإن النساء لا يعقدن النكاح والدليل على صحة ذلك قول الله عز وجل وأنكحوا الأيامى منكم النور

وقال فانكحوهن بإذن أهلهن النساء وقال ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن البقرة وهذا كله يدل على أن أمرهن إلى الرجال ولولا ذلك ما خوطبوا بإنكاحهن وكذلك قيل لهم فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن البقرة وليس في قوله صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها حجة لمن ذهب إلى أن المرأة تزوج نفسها لقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل ولم يخص ثيبا من بكر وفي هذين الحديثين ما دل على أن الثيب أحق بنفسها من البكر وأن للولي فيها حقا ليس يبلغ مبلغ حقه في البكر لأن الأب يزوج البكر بغير إذنها ولا يزوج الثيب إلا بإذنها ومن الدليل على أنه أراد الإذن دون العقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء وكانت ثيبا وزوجها وأبوها بغير إذنها وقيل كانت بكرا والاختلاف في ذلك ووجوهه تأتي في موضعها من كتابنا هذا إن شاء الله عز وجل وأما المرأة تجعل عقد نكاحها إلى رجل ليس بولي لها فيعقد نكاحها فقد اختلف مالك وأصحابه في ذلك ففي المدونة قال بن القاسم وقف فيها مالك ولم يجبني عنها وقال بن القاسم إن أجازه الولي جاز وإن أراد الفسخ فسخ دخل أو لم يدخل إذا كان بالقرب فإن تطاول الأمد وولدت الأولاد جاز إذا ذلك صوابا قال وكذلك قال مالك قال سحنون وقال غير بن القاسم لا يجوز وإن أجازه الولي فإنه نكاح عقده غير الولي وذكر بن حبيب عن بن الماجشون أنه لا يجوز وإن أجازه الولي وقال والفسخ فيه بغير طلاق وذكر بن شعبان عن بن الماجشون عن مالك قال إذا زوجها أجنبي لم

يكن للولي أن يجيزه وإن ولدت منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل قال بن شعبان وقد قال مالك إذا زوج المرأة غير وليها يفسخ قبل الدخول بتطليقة فلا شيء لها من الصداق قال وقال مالك فيمن تزوجت بغير ولي ودخل بها والزوج كفء ووليها قريب فلا نرى أن نتكلم في هذا قال أبو عمر ما رواه بن الماجشون عن مالك في ما ذكره بن حبيب وبن شعبان هو القول بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل وهو قول المغيرة وجمهور أهل المدينة وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث وأما رواية بن القاسم وما كان مثلها عن مالك فهو نحو قول أبي حنيفة والكوفيين و قول أبي ثور على ما وصفنا من مذاهبهم فيما مضى من هذا الباب إلا أن بن القاسم ومن قال بقوله من المالكيين مع قولهم لا نكاح إلا بولي يجيزون النكاح بغير ولي إذا وقع وفات بالدخول أو بالطول ولا أعلم أحدا فرق بين الشريفة ذات الحسب والحال وبين الدنية التي لا حسب لها ولا مال إلا مالكا في رواية بن القاسم وغيره عنه وكذلك لا أعلم أحدا من العلماء فرق بين الثيب والبكر في الولي فقال جائز أن تنكح الثيب بغير ولي وإنه جائز لها أن تزوج نفسها والبكر لا يجوز نكاحها إلا بإذن وليها إلا داود بن علي فإنه جاء بقول خالف فيه من سلف قبله من العلماء فقال لا أمر للولي مع الثيب وجائز نكاحها بغير ولي وأما البكر فلا يجوز نكاحها إلا بإذن ولي من العصبة واحتج بما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني الحسن بن علي قال حدثني عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير بن مطعم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس للولي مع الثيب أمرا واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها

قال أبو عمر ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر خالف داود أصله في هذه المسألة وقال فيها بالمجمل والمفسر وهو لا يقول بذلك فجعل قوله لا نكاح إلا بولي مجملا وقوله الأيم أحق بنفسها من وليها مفسرا وهما في الظاهر متضادان وأصله في الخبرين المتضادين أن يسقطا جميعا كأنهما لم يجبا ويرجعا ويرجع إلى الأصل فيهما ولو كان الناس عليه كقوله في استقبال القبلة بالبول والغائط أسقط فيهما الحدثين ولم يجعلهما مجملا مفسرا وقال بحديث الإباحة مع ضعفه عنده لشهادة أصله له فخالف اصله في هذه المسألة وخالفه أصلا له آخر وذلك أنه كان يقول إذا اجتمع في مسألة على قولين فليس لأحد أن يخترع قولا ثالثا والناس في هذه المسألة مع اختلافهم لم يفرقوا بين البكر والثيب من قال إنه لا نكاح للأول ومن أجاز النكاح بغير ولي كلهم لم يفرق بين البكر والثيب في مذهبه وجاء داود يقول بفرق بينهما بقول لم يتقدم إليهم قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها يحتمل أنه يكون أحق بنفسها ولا حق لغيرها معها كما زعم داود ومحتمل أن يكون أراد أنها أحق بأن لا تنكح إلا برضاها خلاف البكر التي للأب أن ينكحها بغير رضاها وإن وليها أحق بإنكاحها فلما قال صلى الله عليه وسلم أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل دل على أن المراد بهذا الأيم أحق بنفسها أن فيها إنما هو الرضى وحق الولي أنه أحق بالتزويج لقوله أيما امرأة نكحت بغير ولي ولا نكاح إلا بولي قول عام في كل متواجد وكل نكاح وقوله الأيم أولى بنفسها من وليها ويميل أن لوليها في إنكاحها حقا ولكن حقها في نفسها أكثر وهو أن لا تزوج إلا بإذنها وقد أخبر أنه وليها ولا فائدة في ولايته إلا في تولي العقد عليها إذا رضيت وإذا كان لها العقد على نفسها لم يكن وليا وهذا واضح عال وفيما تقدم من قول الله تعالى فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن البقرة وأنها نزلت في عضل معقل بن يسار أخته عن ردها إلى زوجها كفاية وحجة بالغة وبالله التوفيق قال أبو عمر أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا

يشاورها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة بنت ست سنين أو سبع سنين أنكحه إياها أبوها وقال العراقيون إذا أنكح الأب أو غيره من الأولياء الصغيرة فلها الخيار إذا بلغت وقال فقهاء أهل الحجاز لا خيار لها في الأب ولا يزوجها صغيرة غير الأب قال أبو قرة سألت مالكا عن قوله صلى الله عليه وسلم والبكر تستأذن في نفسها أيصيب هذا القول الأب قال لا لم يعن الأب بهذا إنما عنى به غير الأب قال ونكاح الأب جائز على الصغار من ولده ذكرا كان أو أنثى ولا خيار لواحد منهم قبل البلوغ قال ولا ينكح الصغيرة أحد من الأولياء غير الأب قال أبو عمر اختلفوا في الأب هل يجبر ابنته الكبيرة البكر على النكاح أم لا فقال مالك والشافعي وبن أبي ليلى إذا كانت المرأة بكرا كان لأبيها أن يجبرها على النكاح ما لم يكن ضررا بينا وسواء كانت صغيرة أو كبيرة وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة وحجتهم أنه لما كان له أن يزوجها صغيرة وكان له أن يزوجها كبيرة إذا كانت بكرا لأن العلة البكورة لأن الأب ليس كسائر الأولياء بدليل تصرفه في مالها ونظره لها وأنه غير متهم عليها ولو لم يجز له أن يزوجها بكرا بالغا إلا بإذنها لم يكن له أن يزوجها صغيرة كما أن غير الأب لم يكن له أن يزوجها بكرا بالغا إلا بإذنها لم يكن له أن يزوجها صغيرة ولو احتيج إلى إذنها في الأب ما زوجها حتى تكون ممن لها الإذن بالبلوغ فلما أجمعوا على أن للأب أن يزوجها صغيرة وهي لا إذن لها صح لها بذلك أن له أن يزوجها بغير إذنها ما كانت بكرا لأن الفرق إنما ورد بين البكر والثيب على ما في الحديث ومن حجتهم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لا تنكح اليتيمة إلا بإذنها فدل على أن ذات الأب تنكح لغير إذنها إذا كانت بكرا بإجماعهم أيضا على أن الثيب لا تزوج إلا بإذنها وأنها أحق بنفسها بالعقد عليها ولما قال صلى الله عليه وسلم الثيب أحق بنفسها دل على أن البكر وليها أحق بالعقد عليها

وهو الأب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم اليتيمة لا تنكح حتى تستأمر وروى محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو رضاها رواه جماعة من الحفاظ عن محمد بن عمرو وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد ولا أعلم أحدا روى هذا الحديث بهذا اللفظ في هذا الحديث غير محمد بن عمرو والله أعلم وقد روي من حديث أبي موسى وهو ثابت أيضا حدثناه عبد الوارث قال حدثني إسحاق بن الحسن الحربي قال حدثني أبو نعيم قال حدثني يونس بن أبي إسحاق قال حدثني أبو بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أنكرت لم تكره قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو ثور وأبو عبيد لا يجوز للأب أن يزوج البالغ من بناته بكرا كانت أو ثيبا إلا بإذنها ومن حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها قالوا والأيم التي لا بعل لها وقد تكون بكرا وثيبا قالوا وكل أيم على هذا إلا ما خصته السنة ولم تخص بذلك إلا الصغيرة وحدها يزوجها أبوها بغير إذنها لأنه لا إذن لمثلها وقد ثبت أن أبا بكر زوج عائشة ابنته من النبي صلى الله عليه وسلم صغيرة ولا أمر لها في نفسها فخرج النساء من الصغار بهذا الدليل وقالوا الولي ها هنا كل ولي أب وغير أب أخذا بظاهر العموم ما لم يرده نص يخرجه عن ذلك ولا نص ولا دليل يخص ذلك إلا في الصغيرة ذات الأب

واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم لا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا فهذا على عمومه في كل بكر إلا الصغيرة ذات الأب بدليل الإجماع على معنى حديث تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم لا تنكح البكر حتى تستأمر رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد ولا أعلم أحدا روى هذا الحديث بهذا اللفظ إلا يحيى بن أبي كثير رواه عنه جماعة من أصحابه منهم أبان وهشام وشيبان والأوزاعي هكذا لم يختلفوا فيه حدثني محمد بن عبد الملك قال حدثني أحمد بن محمد بن زياد قال حدثني الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال حدثني عبد الوهاب عن هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت هكذا في حديث هشام الأيم وقال أبان الأيم لا تنكح حتى تستأمر قال حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني مسلم بن إبراهيم قال حدثني أبان قال حدثني يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت هكذا في حديث هشام الأيم وقال أبان الأيم لا تنكح حتى تستأمر قال حدثني عبد الله قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني مسلم بن إبراهيم قال حدثني أبان قال حدثني يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن

قالوا يا رسول الله وكيف إذنهاقال إذا سكتت فهو رضاها قالوا فظاهر هذا الحديث يقتضي أن البكر لا ينكحها وليها أبا كان أو غيره حتى يستأمرها ويستأذنها وذلك لا يكون إلا في البوالغ واحتجوا أيضا بحديث بن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن اباها زوجها وهي كارهة فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر حديث بن عباس هذا انفرد به جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن أبن عباس لم يروه غيره من أصحاب أيوب فيما علمت وقد ذكرته بإسناده في التمهيد ويحتمل أن يكون زوجها من غير كفء أو ممن يضر بها ولا يؤمن عليها لو صح حديث جرير هذا وقد روي أن هذه القصة كانت في خنساء بنت خذام وهي ثيب وسيأتي ذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله قال أبو عمر يحتمل أن تكون البكر المذكورة في حديث يحيى بن أبي كثير هي اليتيمة المذكورة في حديث محمد بن عمرو فيكون حديث محمد بن عمرو مفسرا لحديث يحيى وإذا حمل على هذا لم يتعارض الحديثان وهو عندي حديث واحد عن أبي سلمة عن أبي هريرة أجمله يحيى بن أبي كثير وفسره محمد بن عمرو والله أعلم واختلفوا في غير الأب من الأولياء هل له أن يزوج الصغيرة فقال مالك والشافعي لا يجوز لأحد من الأولياء غير الأب أن يزوج الصغيرة قبل البلوغ أخا كان أو غيره هذا هو تحصيل مذهب مالك عند البغداديين من المالكيين وعليه يناظرون وهو قول بن القاسم وأكثر أصحاب مالك وهو قول الشافعي وأصحابه وقول بن أبي ليلى والثوري وبه قال أحمد بن حنبل في رواية وأبو ثور وأبو عبيد

وحجة من قال بهذا القول حديث النبي صلى الله عليه وسلم تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فقد أذنت قالوا والصغيرة ممن لا إذن لها فلم يجز العقد عليها إلا بعد بلوغها ولأن من عدا الأب من أوليائها أخا كان أو غيره ليس له أن يتصرف في مالها فكذلك في بضعها واختلف أصحاب مالك في اليتيمة تنكح قبل البلوغ وهي في غير فاقة شديدة هل يفرق بينهما وهل يفسخ نكاحها بعد الدخول على ما قد ذكرناه في كتاب اختلاف أقوال مالك وأصحابه والذي رواه عيسى عن بن القاسم قال إن زوجها وليها قبل البلوغ نزلت المواريث في ذلك النكاح ولا أعلم أن مالكا كان يبلغ به إلى قطع المواريث فيه وهو أمر قد أجازه جل الناس وقد زوج عروة بن الزبير ابنة أخيه وهي صبية من ابنه والناس يومئذ متوافرون وعروة من هو وقال أحمد بن حنبل لا أرى للقاضي ولا للوالي أن ينكح اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين قال فإن زوجها صغيرة دون تسع سنين فلا أرى أن يدخل بها حتى تبلغ تسع سنين قال أبو عمر هذا أخذه من نكاح عائشة والله أعلم ولا معنى للجد في ذلك وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن يجوز أن يزوج الصغيرة وليها من كان أبا أو غيره غير أن لها الخيار إذا بلغت وهو قول الحسن وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز وقتادة وبن شبرمة والأوزاعي وقال أبو يوسف لا خيار للصغيرة إذا بلغت زوجها أبوها أو غيره من أوليائها وكل هؤلاء يقولون من أجاز أن يزوجها كبيرة جاز أن يزوجها صغيرة والله أعلم قال أبو عمر في هذا الباب نوازل ليس هذا موضع ذكرها الذي تزوج بغير

ولي ثم يجيزه الولي قبل الدخول وبعده وكنكاح العبد أو الأمة بغير إذن سيدها هل هو موقوف على إجازة الولي أو السيد أم لا ومثل ذلك من نوازل هذا الباب ليس كتابنا موضعا لها والله الموفق للصواب واختلفوا في سكوت اليتيمة البكر هل يكون رضى منها قبل إذنها في ذلك وتفويضها فعند مالك وأصحابه إن البكر اليتيمة إذا لم تؤذن في النكاح فليس السكوت منها رضى فإن أذنت وفوضت أمرها وجعلت عقد نكاحها إلى وليها فأنكحها ممن شاء ثم جاء يستأمرها فإن إذنها حينئذ الصمت عندهم إذا كانت بكرا بالغا كما ذكرنا وفي مذهب أبي حنيفة والشافعي وغيرهما إن سكوت البكر اليتيمة إذا استؤمرت وذكر لها الرجل وصفا وأخبرت بأنها تنكح منه وذكر لها الصداق وأخبرت بأن سكوتها يعد رضى منها فسكتت بعد ذلك فقد لزمها النكاح قال أبو عمر ذكر مالك في آخر هذا الباب عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله أنهما كان ينكحان بناتهما الأبكار ولا يستأمرانهن قال على ذلك الأمر عندنا في نكاح الأبكار ذكر مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار كانوا يقولون في البكر يزوجها أبوها بغير إذنها إن ذلك لازم لها وقد تقدم القول في معنى هذه الأخبار في درج هذا الباب ومعلوم أن من جاز له أن يزوج الصغيرة وهي ممن لا يعد إذنها إذنا جاز له أن يزوجها بالغا دون إذنها إذا كانت بكرا ولكن العلماء يستحبون مشاورتهن وذكر ذلك لهن لتطيب أنفسهن بما سبق من ذلك وهو أحرى إن يؤدم بينهما وأما قول مالك في هذا الباب وليس للبكر جواز في مالها حتى تدخل بيتها ويعرف من حالها

فإنه يذهب إلى أن البكر على السفه أبدا حتى تنكح ويدخل بها زوجها ويعرف رشدها وحسن نظرها فإذا كان ذلك جاز فعلها في مالها إلا أن يعترضها زوجها في أكثر من ثلثها على ما يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى وقال الشافعي والكوفي البكر البالغ وغيرها سواء فيما تملكه حتى يثبت سفهها ويحجر الحاكم عليها كالرجل واحتجوا بظاهر قول الله عز وجل فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا النساء ولم يخص بكرا من ثيب وعند مالك أن ذلك فيمن تجوز هبته منهن والله أعلم باب ما جاء في الصداق والحباء مالك عن آبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك من شيء تصدقها إياه فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئا فقال ما أجد شيئا قال التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل معك من القرآن شيئ فقال نعم معي سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انكحتكها بما معك من القرآن قال أبو عمر هذا الحديث يدخل في التفسير المسند في قوله عز وجل وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي الأحزاب

والموهوبة بلا صداق خص بها النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم الأحزاب يعني من الصداق فلا بد لكل مسلم من صداق قل أو كثر على حسب ما للعلماء في ذلك من التحديد في قليله دون كثيره فإنهم لم يختلفوا في الكثير منه لقول الله عز وجل وآتيتم إحداهن قنطارا النساء وفي القياس أن كل ما يجوز بيعه والبدل منه والمعارضة عليه جازت هبته إلا أن الله عز وجل خص النساء بالمهور المعلومات ثمنا لأبضاعهن قال الله عز وجل وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة النساء قال أبو عبيدة عن طيب نفس بها دون جبر وحكومة قال وما أخذ بالحكام فلا يقال له نحلة وقد قيل أن المخاطبين بهذه الآية هم الآباء لأنهم كانوا يستأثرون بمهور بناتهم وقال سعيد بن المسيب ومكحول وبن شهاب لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وروى بن عيينة عن أيوب بن موسى عن يزيد بن قسيط عن سعيد بن المسيب قال لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولو أصدقها سوطا حلت له ذكره بن أبي شيبة والشافعي وغيرهما عن بن عيينة وروى وكيع عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن المسيب قال لو رضيت بسوط كان مهرها قال أبو عمر قال الله عز وجل والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا ءاتيتموهن أجورهن المائدة يعني مهورهن وقال في الإماء فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف النساء يعني صدقاتهن وأجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجا وهب له دون رقبته وأنه لا يجوز له وطء في نكاح بغير صداق مسمى دينا أو نقدا وأن المفوض إليه لا يدخل حتى يسمي صداقا فإن وقع الدخول في ذلك لزم فيه صداق المثل واختلفوا في عقد النكاح بلفظ الهبة مثل أن يقول الرجل قد وهبت لك ابنتي أو وليتي وسمى صداقا أو لم يسم وهو يريد بذلك النكاح

فقال الشافعي لا يحل الصداق بهبته بلفظ الهبة ولا ينعقد النكاح حتى يقول قد أنكحتك أو زوجتك وهو قول سعيد بن المسيب وربيعة قالا لا يجوز النكاح بلفظ الهبة وهو قول المغيرة وبن دينار وبن أبي سلمة وبه قال أبو ثور وداود وغيرهم واختلف في ذلك أصحاب مالك واختلفت الرواية عنه في ذلك على قولين أحدهما أن النكاح ينعقد بلفظ الهبة إذا أرادوا النكاح وفرضوا الصداق والثاني كقول الشافعي وربيعة وقال بن القاسم عن مالك لا تحل الهبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال وإن كانت هبته إياها ليست على نكاح وإنما وهبها له ليحضنها أو ليكلفها فلا أرى بذلك بأسا قال بن القاسم وإن وهب ابنته وهو يريد إنكاحها فلا أحفظه عن مالك وهو عندي جائز كالبيع وقال مالك من قال أهب لك هذه السلعة على أن تعطيني كذا وكذا فهو بيع وإلى هذا ذهب أكثر المتأخرين من المالكيين البغداديين قالوا إذا قال الرجل قد وهبت لك ابنتي على دينار جاز وكان نكاحا صحيحا وكان قياسا على البيع وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي ينعقد النكاح بلفظ الهبة إذا شهد عليه ولها المهر المسمى إن كان سمى وإن لم يسم لها مهر مثلها ومما احتج به أيضا أصحاب أبي حنيفة في هذا أن الطلاق يقع بالتصريح وبالكناية قالوا فكذلك النكاح قالوا والذي خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم تعري البضع من العوض لا النكاح بلفظ الهبة قال أبو عمر لما أجمعوا أنه لا تنعقد هبة بلفظ النكاح وجب ألا ينعقد النكاح بلفظ الهبة وبالله التوفيق ومن جهة النظر النكاح مفتقر إلى التصريح ليقع الإشهاد عليه وهو ضد الطلاق فكيف يقاس عليه

وقد أجمعوا أنه لا ينعقد نكاح بقوله قد أحللت وقد أبحت لك فكذلك لفظ الهبة وفي هذا الحديث دليل على أن مبلغ الصداق غير مقدر وأنه يجوز بالقليل والكثير مما تصلح به الإجازات والبياعات وأنه يجوز بالإجارة والخدمة وهذا كله مختلف فيه كما أنهم قد اختلفوا في النكاح على تعليم القرآن ونذكر ذلك كله ها هنا أن شاء الله فأما اختلافهم في مقدار مبلغ الصداق الذي لا يجوز عقد النكاح بدونه فقال مالك في آخر هذا الباب لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار وذلك أدنى ما يجب فيه القطع قال أبو عمر هذا قول مالك وأصحابه حاشا بن وهب لا يجوز عندهم أن يكون صداق أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم كيلا من الورق أو قيمة ذلك من العروض التي يجوز ملكها وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز أقل من عشرة دراهم كيلا قياسا على ما تقطع فيه اليد وكذلك قاسه مالك على ما تقطع اليد عنده فيه وقال له الدراوردي تعرفت فيها يا أبا عبد الله يقول ذهبت فيها مذهب أهل العراق ولا أعلم أحدا قال ذلك بالمدينة قبل مالك واحتجوا لما ذهبوا إليه من ذلك بأن البضع عضو مستباح ببدل من المال فلا بد أن يكون مقدرا قياسا على قطع اليد واحتجوا أيضا بأن الله عز وجل لما شرط عدم الطول في نكاح الإماء وأباحه لمن لم يجد طولا دل على أن الطول لا يجده كل الناس ولو كان الفلس والدانق والقبضة من الشعير ونحو ذلك طولا لما عدمه أحد ومعلوم أن الطول في معنى هذه الآية المال ولا يقع اسم مال عندهم على أقل من ثلاثة دراهم فوجب أن يمنع من استباحة الفروج باليسير الذي لا يكون طولا قال أبو عمر هذا كله ليس بشيء لأنهم لا يفرقون في مبلغ أقل الصداق بين صداق الحرة والأمة والله أعلم

وإنما شرط الطول في نكاح الحرائر دون الإماء وهم لا يجيزون نكاح الأمة بأقل من ربع دينار كما لا يجيزون نكاح الحرة بأقل من ربع دينار وأما القياس على قطع اليد فقد عارضهم مخالفوهم بقياس مثله أذكره بعد إن شاء الله عز وجل وأما حجة الكوفيين بحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا صداق بأقل من عشرة دراهم فلا معنى لها لأنه حديث لا يثبته أحد من أهل العلم بالحديث وما رووه عن علي رضي الله عنه أنه قال لا صداق أقل من عشرة دراهم فإنما يرويه جابر الجعفي عن الشعبي عن علي وهو منقطع عندهم ضعيف وقال بن شبرمة أقل المهر خمسة دراهم وفي ذلك تقطع اليد عنده وعن النخعي ثلاثة أقاويل أحدها أنه كره أن يتزوج أحد بأقل من أربعين درهما وروي عنه أنه قال أكره أن يكون مثل مهر البغي ولكن العشرة والعشرون والثالث كقول أبي حنيفة عشرة دراهم ويحتمل أن تكون أقوال النخعي في ذلك على سبيل الاختيار لأنه لا يجوز عنده أقل مما اختاره وكذلك مما روي عن سعيد بن جبير أنه كان يستحب أن يكون المهر خمسين درهما وقال سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد وسائر فقهاء التابعين بالمدينة لا حد في مبلغ الصداق ويجوز بما تراضوا عليه من المال وهو قول ربيعة وأبي الزناد ويحيى بن سعيد الأنصاري وعثمان البتي والحسن البصري وعبيد الله بن الحسن وعمرو بن دينار وبن جريج والشافعي وأصحابه ومسلم بن خالد الزنجي والليث بن سعد والثوري والحسن بن صالح بن حي وبن أبي ليلى وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وداود و محمد بن جرير الطبري كلهم يجيز النكاح بقليل المال وكثيره إلا أن الحسن بن حي يعجبه أن لا يكون الصداق أقل من دينار أو عشرة دراهم ويجيزه بدرهم

وقال الأوزاعي كل نكاح وقع بدرهم فما فوقه لا ينقضه قاض قال والصداق ما تراضى عليه الزوجان من قليل أو كثير وقال الشافعي كل ما كان ثمنا لشيء أو أجرة جاز أن يكون صداقا وقال سعيد بن المسيب لو أصدقها سوطا حلت وأنكح ابنته بصداق درهمين من عبد الله بن وداعة السهمي وقال عبيد الله بن الحسن الفلس صداق يجب به النكاح ولكني أستقبح صداق درهمين وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعثمان البتي يجوز النكاح على درهم وقال أبو الزناد وبن أبي ذئب المهر ما تراضى عليه الأهلون وهو قول القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وقال يحيى بن سعيد الأنصاري الثوب والسوط والنعلان صداق إذا رضيت وكان عبد الله بن وهب صاحب مالك يستحب ألا ينقص الصداق من ربع دينار ويجيزه بدرهم وبنصف درهم وقد قال بن القاسم لو أصدقها درهمين ثم طلقها قبل الدخول لم يرجع إلا بدرهم واحد حدثني أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثني بن أبي دكيم قال حدثني بن وضاح قال سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول كان وكيع بن الجراح يرى التزويج بدرهم أخبرنا خلف بن قاسم قال أخبرنا أحمد بن قاسم بن شعبان قال حدثني سليمان بن زكريا قال حدثني حشيش بن أصرم قال حدثني عبد الوارث قال حدثني عمر أن بن موسى زكريا قال حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عكرمة عن بن عباس قال النكاح جائز على موزة إذا هي رضيت حدثني خلف بن قاسم قال حدثني أبو الورد قال حدثني أحمد بن محمد بن عبد الله اليسري قال جاءنا علي بن خشرم قال حدثني وكيع قال سمعت الثوري يقول إن تراضوا على درهم في المهر فجائز قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم التمس ولو خاتما من حديد يدل على أن لا تحديد في مبلغ الصداق

وقد أجمعوا أن لا حد ولا توقيت في أكثره فكذلك لا حد في أقله ولا توقيت وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك دليل على أن الرجل إذا أصدق امرأته خادما قبضتها أنه لا يحل له وطؤها لأنها ليست له بملك وقد قال الله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون المؤمنون وهذا يشهد بصحة قول من قال إن من وطى ء جارية امرأته فهو زان وعليه الحد وسيأتي القول فيها بما للعلماء من التنازع في إيجاب الحد على الزوج إذا وقع عليها في موضعه إن شاء الله عز وجل وقد اختلف الفقهاء فيما تملكه المرأة من صداقها قبل الدخول فالظاهر من مذهب مالك أنها لا تملك منه قبل الدخول بها إلا نصفه وأن الصداق إذا كان شيئا بعينه فهلك ثم طلق قبل الدخول لم يكن لها عليه شيء ولا له عليها ولو سلم الصداق وطلق قبل الدخول أخذ نصفه ناقصا أو ناميا والتمام والنقصان بينهما وقال بهذا طائفة من أصحاب مالك وقد روي عن مالك وقالت به أيضا طائفة من أصحابه تستحق المرأة المهر كله بالعقد واستدل القائلون بذلك بالموت قبل الدخول وأنه لا يستحق به الصداق كله وكذلك وجوب الزكاة في الماشية إذا كانت بعينها ولا يقال للزوج أد الزكاة عنها وكذلك تدخل بامرأتك ولو كانت بينهما لم يجب عليها في أربعين شاة أو خمس ذود إلا نصف شاة فلما أوجب عليها شاة علم أنها كلها على ملكها وبهذا القول قال الشافعي وأصحابه واعتلوا بالإجماع على أن الصداق إذا قبضته المرأة أو كان معينا في غير ذمة الزوج وهكذا قبل الدخول كان منها وكان له أن يدخل بها بغير شيء واعتلوا أيضا بأن الصداق لو كان أبوها عتق عليها عقيب العقد ولم ينظر الدخول

وقد زدنا هذه المسألة بيانا واعتلالا في التمهيد وفي هذا الحديث دليل على جواز اتخاذ الخاتم من الحديد وقد اختلف العلماء في جواز لباس خاتم الحديد فكرهه قوم منهم عبد الله بن مسعود وبن عمر وقال أبو عمر ما ظهرت كف فيها خاتم من حديد وروى بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب والحديد ومن حديث بريدة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على رجل خاتما من حديد فقال له مالي أرى عليك حلية أهل النار ومن لم يصح هذه الآثار فقال الأشياء على الإباحة حتى يصح الحظر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمس ولو خاتما من حديد فدل على جواز استعماله والانتفاع به والله أعلم وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن تعليم القرآن جائز أن يكون مهرا لأنه قال للرجل التمس ولو خاتما من حديد فلما لم يقدر عليه قال له هل معك من القرآن شيء فذكر له سورا فقال قد زوجتكها على ما معك من القرآن وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما لا يكون تعليم القرآن مهرا وهو قول الليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي وحجة من ذهب هذا المذهب أن الفروج لا تستباح إلا بالأموال لذكر الله تعالى الطول في النكاح والطول المال والقرآن ليس بمال لأن التعليم يختلف ولا يكاد يضبط فأشبه الشيء المجهول قالوا ومعنى قوله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد أنكحتك على ما معك

من القرآن إنما هو على جهة التعظيم للقرآن وأهله لا على أنه مهر وإنما زوجه إياها لكونه من أهل القرآن كما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج أبا طلحة أم سليم على إسلامه لأنه اسلم فتزوجها وقد ذكرنا الخبر بذلك في التمهيد وكان المهر مسكوتا عنه في الحديثين معا لأنه معهود معلوم أنه لا بد منه وقال الشافعي وأصحابه جائز أن يكون تعليم القرآن أو سورة منه مهرا وقال إسحاق هو نكاح جائز وكان أحمد يكرهه وقال الشافعي فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أجر التعليم هذه رواية المزني عنه وروى عنه الربيع في الموطإ أنه أن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف مهر مثلها لأن تعليم النصف لا يوقف على حد ومن الحجة للشافعي ومن قال بقوله أن تعليم القرآن يصح أخذ الأجرة عليه فجاز أن يكون صداقا قالوا ولا معنى لما اعترضوا عليه من دفع ظاهر الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم قد زوجتكها بما معك من القرآن لأن ظاهر الحديث وساقته يبطل تأويله لأنه التمس فيه الصداق بالإزار وخاتم الحديد ثم تعليم القرآن ولا فائدة لذكر القرآن في الصداق غير ذلك وقد أخبرني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن عمر بن لبابة قال أخبرني مالك بن علي القرشي عن يحيى بن يحيى بن مضر حدثه عن مالك بن أنس في الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح بما معه من القرآن إن ذلك في أجرته على تعليمها ما معه من القرآن وقال بن القاسم عن مالك لا خير في هذا النكاح ويفسخ قبل الدخول ويكون لها بعد الدخول صداق المثل قال بن القاسم وكذلك من تزوج بقصاص وجب له عليها وقال سحنون النكاح جائز دخل أو لم يدخل وقال أبو حنيفة و أبو يوسف فيمن تزوج على خدمة سنة إن كان عبدا فلها خدمته سنة وإن كان حرا فلها مهر مثلها

وقال محمد لها قيمة خدمته إن كان حرا وقال الأوزاعي إن تزوجها على أن يحجبها ثم طلقها قبل الدخول بها فهو ضامن لنصف حجبها من الحملان والكسوة وقال الشافعي والحسن بن حي النكاح جائز على الخدمة إذا كان وقتا معلوما قال الشافعي وكذلك كل عمل مسمى معلوم مثل أن يعلمها قرآنا أو يعلم لها عبدا عملا وقال بن حبيب في الذي يتزوج المرأة على أن يؤاجرها نفسه سنة إن ذلك جائز ولا يدخل بها حتى يقدم من الأجرة شيئا يكون قدر ربع دينار قال أبو عمر قال بعض المتأخرين من أصحابنا المالكيين في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث هذا الباب ألتمس شيئا وهل عندك من شيء أنه أراد هل عندك من شيء تقدمه إليها من صداقها لأن عادتهم جرت أن يقدموا من الصداق بعضه لا أن خاتم الحديد الصداق كله قال أبو عمر المستحب عند مالك أن يكون ما يقدمه قبل الدخول ربع دينار وهذا خلاف ما تأول عليه هذا القائل الحديث وأما أصحاب الشافعي فيقولون في قوله ألتمس شيئا وهل عندك من شيء تصدقها إياه قالوا ويقتضي أن كل شيء وجده يكون ثمنا لشيء جاز أن يكون صداقا والله أعلم وفي هذا الحديث جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وأخذ البدل على الوفاء به ونحو ذلك لأنه إذا جاز أن يكون مهرا جاز أن يؤخذ عليه العوض في كل ما ينتفع به منه وإلى هذا المعنى ذهب مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد وداود ومن حجتهم في ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فنزلوا بحي فسألوهم الكراء أو الشراء فلم يفعلوا فلدغ سيد الحي فقال لهم هل فيكم من راق فقالوا لا حتى تجعل لنا على ذلك جعلا فجعلوا لهم قطيعا من غنم فأتاهم رجل منهم فقرأ عليه فاتحة الكتاب فبرأ فذبحوا وشووا وأكلوا فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال ومن أين علمتم أنها

رقية من أخذ برقية باطل فقد أخذتم برقية حق اضربوا لي معكم بسهم ورواه أبو المتوكل الناجي وسليمان بن قتة وأبو نضرة كلهم عن أبي سعيد الخدري وروى الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز أن يؤخذ على تعليم القرآن أجر على كل من يسأل منه شيئا يقرأه وأن يعلمه لمن سأله إلا أن يضر ذلك به ويشغله عن معيشته واعتلوا بأحاديث مرفوعة كلها ضعيفة منها حديث علي بن عاصم عن حماد بن سلمة عن أبي جرهم عن أبي هريرة قال هكذا علي بن عاصم عن حماد عن أبي جرهم وغيره يرويه عن حماد عن أبي المهزم عن أبي هريرة وأبو جرهم لا يعرفه أحد وأبو المهزم مجتمع على ضعفه قال قلت يا رسول الله ما تقول في المعلمين قال درهمهم حرام وقولهم سحت وكلامهم ربا وهذا حديث منكر وحديث المغيرة بن زياد عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت أنه علم رجلا من أهل الصفة سورة من القرآن فأهدى إليه

قوسا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سرك أن يطوقك الله به طوقا من نار فاقبله ومن حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ورواه موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن أبي بن كعب وهو منقطع ومن حديث بن شبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به وبحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بلغوا عني ولو آية فاستدلوا بهذا على أن تعليم القرآن فرض وبأحاديث مثل هذه كلها ضعيفة لا حجة في شيء منها ومن هذا المعنى اختلف الفقهاء في المصلي بالناس مكتوبة بأجرة فروى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة خلف من يستأجر في رمضان يقوم بالناس فقال أرجو ألا يكون به بأس وإن كان به بأس فعليه لا على من صلى خلفه وروى عنه بن القاسم أنه كرهه قال وهو أشد كراهة له في الفريضة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وحجتهم حديث عثمان بن أبي العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا قال أبو عمر قد ذكرنا في كتاب الصلاة قول من جعل الأذان فرضا على الكفاية وفرضا متعينا وفرضا على الدار ومن جعله نافلة وجعل الأمر به ندبا ومن جعله سنة مؤكدة في الجماعة

وقال الشافعي لا بأس بأخذ الأجرة على الإمامة في الصلاة النافلة والمكتوبة ولا بأس بالصلاة خلفه وقال أصحاب الشافعي أولى ما تؤخذ عليه الأجرة أعمال البر وعمل الخير إذا لم يلزم المرء القيام بها لنفسه كمراقبة شهود الجماعة والتزام الإمامة والأذان للصلاة وتعليم القرآن وما كان مثل ذلك وذكر الوليد بن يزيد عن الأوزاعي أنه سئل عن رجل أم قوما وأخذ على ذلك أجرا قال لا صلاة له قال أبو عمر كأنه قال من أدى الفرض عن نفسه استحال أن يأخذ عليه عوضا ولذلك أبطل صلاته وفي المسألة اعتلال يطول ذكره مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها كاملا وذلك لزوجها غرم على وليها قال مالك وإنما يكون ذلك غرما على وليها لزوجها إذا كان وليها الذي أنكحها هو أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها فأما إذا كان وليها الذي أنكحها بن عم أو مولى أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم وترد تلك المرأة ما أخذته من صداقها ويترك لها قدر ما تستحل به قال أبو عمر روي هذا الحديث عن بن عيينة وغيره عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص أو قرن فلم يعلم بها حتى أصابها فلها مهرها بما استحل منها وذلك لزوجها غرم على وليها فذكر في القرآن ولم يذكره مالك وهو محفوظ معمول به عند من يذهب في ذلك مذهب عمر بل القرآن عندهم أوكد لأنه يمنع من المعنى المبتغى في النكاح وهو الجماع في الأغلب وبن عيينة عن عمرو عن جابر بن زيد قال أربع لا تجوز في بيع ولا نكاح إلا أن يمس فإن مس جاز الجنون والجذام والبرص والقرن قال أبو عمر هذه مسألة اختلف فيها السلف والخلف

فروي عن عمر ما ذكره مالك وقد رواه جماعة غيره عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر وسعيد قد روى ما لا يختلفون في ذلك واختلفوا في سماعه منه وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذه المسألة إنه إن مسها لم يكن له صرفها وهي امرأته إن شاء طلق أو أمسك وإن علم قبل أن يمس كان له الفسخ ولا شيء عليه فخالف عمر رضي الله عنهما في غرم الصداق لأن الزوج قد لزمه الصداق بالمسيس وهو قياس السنة في قوله صلى الله عليه وسلم في النكاح بغير ولي وقد نهى عنه فإن دخل بها فلها مهرها بما استحل منها ذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن إدريس عن أبيه عن الحكم قال كان علي يقول في المجنونة والبرصاء إن دخل بها فهي امرأته وإن لم يدخل فرق بينهما وعبد الرزاق عن الثوري عن إسماعيل عن الشعبي عن علي قال ترد من القرن والجنون والجذام والبرص فإن دخل بها فعليه المهر إن شاء طلق وإن شاء أمسك وإن لم يدخل فرق بينهما وأما اختلاف الفقهاء في ذلك فقال مالك وغيره عنه ترد المرأة في الجنون والجذام والبرص وداء النساء الذي في الفرج إذا تزوجها وهو لا يعلم بذلك فإن دخل بها فلها الصداق بما استحل منها ويرجع الزوج على وليها الأب أو الأخ لما دلس عليه إلا أن يكون وليها بن عم أو مولى أو رجلا من العشيرة ممن لا علم له بشيء من أمرها فلا غرم عليه قال وأرى ذلك عليها خاصة لأنها غرت ويترك لها عوضا عن مسيسه إياها قدر ما يستحل به مثلها قال وللمرأة مثل ذلك إذا تزوجها الرجل وبه هذه العيوب قال وإن كانت المرأة التي بها هذه العيوب لم يدخل الزوج بها فهو بالخيار إن شاء خلى سبيلها ولا شيء لها عليه من المهر وإن شاء أمسك قال بن القاسم وإن وجدها عمياء أو مقعدة أو شلاء وشرط الولي عنها

صحتها فهو مثل ذلك ولا شيء عليه من صداقها إن لم يدخل بها وإن دخل بها فعليه المهر ويرجع على الذي أنكحها لأن مالكا قال في امرأة تزوجت فإذا هي بغية يزوجوه على نسب وإن زوجوه فلا شيء لهم عليه قال مالك لا ترد الزوجة إلا من العيوب الأربعة ولا ترد من العمى والسواد وقال بن وهب المجذوم البين جذامه ترد منه قال وبلغني عن مالك في البرص أنه لا يفرق بينه وبين امرأته وهو رأي قال أبو عمر تحصيل مذهب مالك أنه لا ترد الزوجة بغير العيوب الثلاثة التي جاءت منصوصة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وترد من كل داء يمنع من الجماع لأنه الغرض المقصود للنكاح ولأن العيوب الثلاثة المنصوصة عن عمر تمنع من طلب التناسل وهو معنى النكاح وزاد بن القاسم أنه إذا اشترط الناكح السلامة ردت من كل عيب قياسا على قول مالك فيمن اشترط النسب فخرجت بغية وأما قول مالك في الموطوءة وبها العيب من هذه العيوب أنها ترد ما أخذت حاشا ربع دينار فإنه قاسه على المدلس بالعيب في السلع إذا استهلكت واستدلالا بقول عمر ذلك لها غرم على وليها وقال بن سحنون في الجنون والجذام والبرص وداء النساء الذي يكون في الفرج وقال الليث وأرى الآكلة كالجذام قال وكان بن شهاب يقول من كل داء عضال وقال الشافعي ترد المرأة من الجنون والجذام والبرص والقرن فإن كان قبل الدخول فلا شيء لها وإن كان بعد الدخول فلها مهر مثلها بالمسيس ولا يرجع به عليها ولا على وليها وهو قول الحسن بن صالح بن حي إلا أنه قال لها مهرها المسمى قال وكذلك إن وجدت المرأة بالزوج برصا أو جنونا أو جذاما ما كان لها فسخ النكاح قال أبو عمر حجة الشافعي ومن قال بقوله أنه لا يرجع عليها بعد المسيس

بشيء من مهرها ولا لوليها علم أو لم يعلم قوله صلى الله عليه وسلم أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل ثم قال فإن دخل بها فلها المهر مما استحل بها فإذا كان المسيس في النكاح الباطل يوجب لها المهر كله كان أحرى أن يجب لها ذلك بالنكاح الصحيح الذي لو شاء أن يقيم عليه ويرضى بالعيب كان ذلك له وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي لا يفسخ النكاح بعيب المرأة وكذلك إن كان عيب الرجل لم يفسخ أيضا وهو قول بن أبي ليلى وأبي الزناد قال بن أبي ليلى وأبو الزناد لا ترد المرأة بجنون ولا بجذام وقال الثوري لا ترد من برص ولا عيب وقال الأوزاعي في البرصاء والعفلاء واطلع عليها لها المهر بالمسيس ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك وقال محمد بن الحسن عنه وعن أصحابه إذا وجدت المرأة عن حال لا تطيق المقام معه من جذام أو نحوه فلها الخيار في الفسخ كالغبن قال أبو عمر حجة هؤلاء الذين لا يرون رد زوجة بعيب القياس على الإجماع لأنهم لما اجمعوا على أن النكاح لا ترد فيه المرأة بعيب صغير خلاف البيوع كان كذلك العيب الكبير وقد قال بقول المدنيين جماعة من التابعين و كذلك قال بقول الكوفيين جماعة من التابعين كتب عبد الرزاق وبن أبي شيبة أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن معمر عن الزهري في الرجل تزوج امرأة فدخل بها فرأى بها جنونا أو جذاما أو برصا أو عفلا أنها ترد من هذا ولها الصداق الذي استحل به فرجها العاجل والآجل وصداقها على من غره قال وإذا تزوج الرجل المرأة وبالرجل عيب لم تعلم به جنون أو جذام أو برص خيرت وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال إن كان الولي علم غرم وإلا استحلف بالله ما علم ثم هو على الزوج قال أبو عمر من علم من الزوجين بأحد هذه العيوب من صاحبه ورضيه

ولم يطلب الفراق حين علم وأمكنه الطلب فقد لزمه ولو رضيت بالمقام مع المجذوم ثم زادت حاله كان لها الخيار أيضا وأما الجنون إذا كان لا يؤمن عليها فقد قال بن القاسم وغيره من أصحاب مالك يؤجل سنة يتعالج فيها إن كان ممن يرجى برؤه وكذلك المجذوم عندهم وذكر بن عبد الحكم عن مالك في المجنون أنه يحبس في الحديد فإن راجعه عقله وإلا فرق بينه وبين امرأته ولم يذكر تأجيل سنة ولم أعلم أحدا من العلماء قال إن المجنون يؤجل سنة كالعنين والمعترض إلا ما في كتاب أصحاب مالك رحمهم الله قال أبو عمر إن استحقت المرأة المهر بالمسيس فالقياس ألا يكون على الولي شيء علم أو لم يعلم لأن الزوج قد اعتاض من مهره المسيس فكيف يكون له عوض آخر قال أبو عمر لم يختلف الفقهاء في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد منه إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها والفقهاء كلهم على خلاف ذلك لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح وفي الإجماع هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ولو كان موضع وطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج وفي إجماعهم أيضا على العقيم التي لا تلد لا ترد فالصحيح ما قلناه وبالله توفيقنا مسألة التفويض والموت فيه قبل الدخول مالك عن نافع أن ابنة عبيد الله بن عمر وأمها بنت زيد بن الخطاب كانت تحت بن لعبد الله بن عمر فمات ولم يدخل بها ولم يسم لها صداقا فابتغت أمها صداقها فقال عبد الله بن عمر ليس لها صداق ولو كان لها صداق لم نمسكه ولم نظلمها فأبت أمها أن تقبل ذلك فجعلوا بينهم زيد بن ثابت فقضى أن لا صداق لها ولها ميراث

قال أبو عمر اختلف في هذه المسألة الصحابة ومن بعدهم إلا أن أكثر الصحابة على ما قاله بن عمر وزيد بن ثابت وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وبن عباس أيضا وحديث بن عمر وزيد بن ثابت رواه أيوب وبن جريج وعبيد الله وعبد الله ابنا عمر كلهم عن نافع عن بن عمر بمعنى حديث مالك سواء وروى الثوري وغيره عن عطاء بن السائب عن عبد خير عن علي أنه كان يجعل لها الميراث وعليها العدة ولا يجعل لها صداقا وبن جريج وعمرو بن دينار عن عطاء عن بن عباس مثله وبه قال عطاء وجابر بن زيد أبو الشعثاء وأما بن مسعود فكان يقول لها صداق مثلها ولها الميراث وعليها العدة عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال أتى عبد الله بن مسعود فسئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها ولم يمسها حتى مات فرددهم ثم قال أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني أرى لها صداق امرأة من نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة من بني رؤاس وبنو رؤاس حي من بني عامر بن صعصعة وبه يأخذ سفيان الثوري هكذا قال فيه عبد الرزاق معقل بن سنان وقال فيه بن مهدي عن الثوري عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فقال معقل بن يسار شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بمثل ذلك وذكر إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال معقل بن سنان أشهد لقضيت فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها بروع بنت واشق الأشجعية رواه بن عيينة عن إسماعيل قال أبو عمر الصواب عندي في هذا الخبر قول من قال معقل بن سنان

لأن معقل بن سنان رجل من أشجع مشهور في الصحابة وأما معقل بن يسار فإنه وإن كان مشهورا أيضا في الصحابة فإنه رجل من بني مزينة وهذا الحديث إنما جاء في امرأة من أشجع لا من مزينة ومعقل بن سنان قتل يوم الحرة فقال الشاعر في يوم الحرة ألا تلكم الأنصار تبكي سراتها وأشجع تبكي معقل بن سنان وقال مسروق لا يكون ميراث حتى يكون مهر وذكر أبو بكر قال حدثني بن أبي زائدة عن داود عن الشعبي عن علقمة قال جاء رجل إلى بن مسعود فقال إن رجلا منا تزوج امرأة ولم يفرض لها ولم يجمع لها حتى مات فقال بن مسعود ما سئلت عن شيء منذ فارقت النبي صلى الله عليه وسلم أشد علي من هذا اسألوا غيري فترددوا فيها شهرا وقالوا من نسأل وأنتم جلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بهذا البلد فقال سأقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان أرى لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها عدة المتوفى عنها زوجها فقال ناس من أشجع نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في امرأة مثل الذي قضي منا يقال لها بروع بن واشق قال فما رأيت بن مسعود فرح بشيء مثلما فرح يومئذ به قال أبو عمر اختلف عن الشعبي في هذا الحديث كما ترى مرة يرويه عن علقمة ومرة يرويه عن مسروق وكذلك اختلفوا فقالوا معقل بن سنان وقالوا معقل بن يسار وقالوا ناس من أشجع وأصحها عندي حديث منصور عن علقمة عن إبراهيم والله أعلم ذكر عبد الرزاق عن معمر عن جعفر بن برقان عن الحكم بن عيينة أن عليا رضي الله عنه كان يجعل لها الميراث وعليها العدة ولا يجعل لها صداقا قال الحكم وقد أخبر بقول بن مسعود فقال لا تصدق الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبو بكر قال حدثني أبو معاوية عن الشيباني عن عمرو بن مرة عمن أخبره عن علي قال لها الميراث ولا صداق لها

قال أبو عمر اختلف التابعون على هذين القولين وأهل الحجاز على قول علي وزيد وبن عمر وأما اختلاف الفقهاء أئمة الفتوى فقال مالك والأوزاعي والليث والشافعي في رواية المزني لا مهر لها ولا متعة ولها الميراث وعليها العدة وهو قول بن شهاب وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي والشافعي في رواية البويطي لها مهر مثلها والميراث وعليها عدة الوفاة وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وداود والطبري وذكر المزني عن الشافعي في المفوض إليه إن مات قبل أن يسمي مهرا إن ثبت حديث بروع ولا حجة في قول أحد مع السنة وإن لم يثبت فلا مهر لها ولها الميراث قال والتفويض إن لم يقل أزوجك بلا مهر فإن قال أتزوجك على ما يثبت فهذا مهر فاسد لها فيه مهر مثلها فإن طلقها في التفويض قبل الدخول فالمتعة وقال بن القاسم من تزوج ولم يسم مهرا جاز ويفرض قبل الدخول فإن لم يفرض حتى طلق فالمتعة فإن مات فلا متعة ولا مهر مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته إلى بعض عماله إن كل ما اشترط المنكح من كان أبا أو غيره من حباء أو كرامة فهو للمرأة إن ابتغته قال مالك في المرأة ينكحها أبوها ويشترط في صداقها الحباء يحبى به إن ما كان من شرط يقع به النكاح فهو لابنته إن ابتغته وإن فارقها زوجها قبل أن يدخل بها فلزوجها شطر الحباء الذي وقع به النكاح قال أبو عمر هكذا قال يحيى فلها شرط الحباء في الموطإ يقول فلها شطر الحباء وهو الصداق

وكذا رده بن وضاح وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فقال بن القاسم عن مالك ما في الموطإ وزاد إن كان الأب اشترط في حين عقد نكاحه حباء يحبى به فهو لابنته وإن أعطاه بعد ما زوجه فإنها تكرمة أكرمه بها فلا شيء لابنته فيه وقال الشافعي في كتاب المزني إذا عقد النكاح بألف على أن لأبيها ألفا فالمهر فاسد ولو قال على ألف وعلى أن تعطي أباها جاز وله منعه لأنها هبة لم تقبض وقال في كتاب البويطي إذا زوجها على أن لأبيها ألفا سوى الألف الذي فرض لها فسواء قبض الألف أو لم يقبض المهر فاسد ولها مهر مثلها وعند أبي حنيفة هي هبة لا مرجع فيها إلا كما يرجع في الهبة ولم يفرقوا بين الألفاظ ترى أنه جعل ذلك له على غير وجه الهبة فله أن يرجع بها على الأب وأما الأوزاعي فحدثني خلف بن قاسم قال حدثني عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثني أحمد بن محمد البشري قال حدثني علي بن شرخم قال سمعت عمر بن يونس يقول سمعت الأوزاعي يقول ما كان من شرط في النكاح وقبل النكاح فهو للمرأة وما كان بعد النكاح فهو للولي قال أبو عمر حديث عمر بن عبد العزيز الذي ذكر مالك أنه بلغه قد روي عن عمر من وجوه منها ما ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أو غيره أن عمر بن عبد العزيز قال أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة إذا كانت عقدة النكاح على ذلك فهو لها من صداقها قال وما كان بعد ذلك من حباء فهو لمن أعطيه وهو قول عروة وسعيد فإن طلقها فلها نصف ما وجب لها عليه غير عقدة النكاح من صداق أو حباء وعن الثوري عن أبي شبرمة أن عمر بن عبد العزيز قضى في ولي امرأة واشترط على زوجها شيئا لتلبسه فقضى عمر أنه من صداقها

وعن بن جريج عن عطاء قال ما اشترط في نكاح امرأة من الحباء فهو من صداقها وهي أحق به إن تكلمت فيه من وليها من كان قال وقضى به عمر بن عبد العزيز في امرأة من بني جمح قال أبو عمر قد روي عن عمر من وجه منقطع ضعيف مثل قضية عمر بن عبد العزيز رواه بن سمعان عن سليمان بن حبيب المجادلي أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى أن ما اشترط في نكاح امرأة من الحباء فهو من صداقها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما هو أولى لمن ذهب إليه واعتمد عليه ذكره عبد الرزاق عن بن جريج عن محمد وبن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق من أكرم الرجل عليه ابنته وأخته وذكر بن أبي شيبة قال حدثني شريك عن أبي إسحاق أن مسروقا زوج ابنته فاشترط على زوج ابنته عشرة آلاف درهم سوى المهر قال وحدثني بن علي عن أيوب عن عكرمة قال إن جاز الذي ينكح فهو له قال أيوب وسمعت الزهري يقول للمرأة ما استحل به فرجها قال مالك في الرجل يزوج ابنه صغيرا لا مال له أن الصداق على أبيه إذا كان الغلام يوم تزوج لا مال له وإن كان للغلام مال فالصداق في مال الغلام إلا أن يسمي الأب أن الصداق عليه وذلك النكاح ثابت على الابن إذا كان صغيرا وكان في ولاية أبيه قال أبو عمر لم يختلف مالك وأصحابه في الأب يزوج أبنه الصغير وله مال أن الصداق الذي يسميه أبوه في مال الغلام لا في مال الأب وسواء سكت عن ذلك أو ذكره إلا أن يضمنه الأب وبين ذلك بأن ضمنه وبين ذلك لزمه إذا حمل عن ابنه و جعله على نفسه

واختلفوا إذا لم يكن للابن مال فقال بن القاسم إذا لم يكن للابن مال فالصداق على الأب ولا ينفعه أن يجعله على الابن وقال أصبغ أراه على الابن كما جعله وقال بن المواز هو على الأب إلا أن يوضح ذلك ويبينه أنه على الابن فلا يلزم الأب ويكون الابن بالخيار إذا بلغ فإذا دخل لم يكن عليه إلا صداق المثل وقال عيسى بل الصداق المسمى قال أبو عمر لا معنى لصداق المثل ها هنا لأن المسمى معلوم جائز ملكه والصواب ما قاله عيسى رحمه الله على اصل مالك فقال سفيان الصداق المسمى وقال الليث إذا زوج ابنه الصغير وضمن عنه المهر فالصداق على الأب دينا في ماله وليس على الابن شيء منه وقال الحسن بن حي إذا زوج ابنه الصغير ولا مال للصغير فالمهر على الأب وقال الشافعي في البويطي إذا زوج ابنه الصغير وضمن عنه الصداق وغرمه لم يرجع به عليه وليس على الابن منه شيء وإذا جعله الأب على نفسه قال وإن ضمن عن ابنه الكبير المهر رجع به عليه إن كان أمره الكبير بالضمان عنه وإلا لم يرجع عليه بشيء لأنه متطوع وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا زوج ابنه الصغير وضمن عنه المهر جاز وللمرأة المهر عليه وعلى الابن فإن أداه الأب لم يرجع على الابن بشيء إلا أن يشهد أنه إنما يرديه ليرجع به فيرجع فإن لم يؤده الأب حتى مات فللمرأة أن تأخذه من مال الأب إن شاءت وإن شاءت اتبعت الابن وإن أخذته من مال الأب رجع ورثة الأب على الابن يخصصهم وقال الثوري نحو ذلك إلا أنه لم يذكر إشهاد الأب عند الدفع أنه يرجع وذكر عبد الرزاق عن الثوري قال لا يؤخذ الأب بصداق ابنه إذا زوجه فمات صغيرا إلا أن يكون الأب كفل بشيء قال مالك في طلاق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وهي بكر فيعفو أبوها عن نصف الصداق إن ذلك جائز لزوجها من أبيها فيما وضع عنه

قال مالك وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه إلا أن يعفون البقرة فهن النساء اللاتي قد دخل بهن أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فهو الأب في ابنته البكر والسيد في أمته قال مالك وهذا الذي سمعت في ذلك والذي عليه الأمر عندنا وقال في بعض روايات الموطإ لا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من الصداق إلا الأب وحده لا وصي ولا غيره وقال مالك مباراته عليها جائزة وقال الليث بن سعد لأبي البكر أن يضع من صداقها عند عقد نكاحها وإن كان تزوجها بأقل من مهر مثلها وإن كرهت ويجوز ذلك عليها وأما بعد عقد النكاح فليس له أن يضع شيئا من الصداق قال ولا يجوز له أن يعفو عن شيء من صداقها قبل الدخول ويجوز له مباراة زوجها وهي كارهة إذا كان ذلك نظرا منه لها قال وكما لم يجز أن يضع لزوجها شيئا من صداقها بعد النكاح كذلك ليس له أن يعفو عن نصف صداقها بعد الطلاق وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وبن شبرمة والأوزاعي الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج وعفوه أن يتم لها كمال المهر بعد الطلاق قبل الدخول قالوا وقوله تعالى إلا أن يعفون البقرة للبكر والثيب وهو قول الطبري والبكر البالغ عندهم يجوز تصرفها في مالها ما لم يحجر الحاكم عليها كالرجل البالغ سواء ومن حجتهم عموم الآية في قوله تعالى إلا أن يعفون البقرة فلم يخص بكرا من ثيب في نسق قوله وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون البقرة يعم الأبكار والثيب وقد أجمع المسلمون أن الثيب والبكر في استحقاق نصف المهر بالطلاق قبل الدخول سواء ثم قال تعالى إلا أن يعفون البقرة فكذلك هو في البكر وغير البكر إلا ما أجمعوا عليه من رفع القلم عنه للصغيرة منهن وأما قول مالك فقد قال به الزهري قبله

ذكره أبو بكر قال حدثني بن علية عن بن جريج وعبد الأعلى عن معمر كلاهما عن الزهري قال الذي بيده عقدة النكاح الأب في ابنته البكر قال أبو عمر أما السيد في أمته فلا خلاف في ذلك لأنه يجتمع فيه من قال العبد يملك و منهم من قال لا يملك لأنهم لا يختلفون أنه لا يجوز للعبد هبة شيء مما بيده وممن قال أن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي بن عباس على اختلاف عنه ذكر أبو بكر قال حدثني بن علية عن بن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس قال رضي الله بالعفو وأمر به فإن عفت جاز وإن أبت وعفا وليها جاز وعبد الرزاق عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس مثله وقال عطاء والحسن وطاوس وعلقمة وعكرمة وإبراهيم وبن شهاب الزهري الذي بيده عقدة النكاح الولي وأما الذين قالوا من السلف أيضا أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج علي بن أبي طالب وجبير بن مطعم لم يختلف عنهما في ذلك واختلف عنه بن عباس فروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمرو بن أبي عمار عن بن عباس قال الذي بيده عقدة النكاح الزوج وقال سعيد بن جبير ونافع بن جبير بن مطعم والشعبي ومحمد بن كعب القرظي ومجاهد وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وشريح القاضي وبن سيرين والضحاك بن مزاحم وإياس بن معاوية ونافع مولى بن عمر الذي بيده عقدة النكاح الزوج وهو قول طاوس على اختلاف عنه وقد كان يقول الشافعي بالعراق في هذه المسألة بقول مالك أنه الولي الأب في ابنته البكر والسيد في أمته ثم رجع عنه بمصر ومن حجة من ذهب إلى قول مالك في ذلك أن النصف الأول المذكور لما كان نصف المرأة كان الثاني على ذلك أيضا لأنه قد يشق عليه ولأنه ملك اكتسبه إياها أبوها بالعقد عليها فله التصرف فيه خاصة وليس كذلك سائر مالها ومن حجة من ذهب إلى أنه الزوج لأن عقدة النكاح في الحقيقة إليه على كل حال كان هناك ولي أو لم يكن

واستدلوا بالإجماع على أنه ليس للأب أن يهب من مال ابنته البكر أو الثيب وأن مالها كمال غيرها في ذلك سواء ما احتسبته لها ببضعها أو بغير بضعها هو مال من مالها حرام على أبيها أتلافه عليها وأن يأكل شيئا منه إن لم يكن محتاجا إليه إذا لم تطب نفسها به ولم يختلفوا أنه إذا أنكح أمة ابنته واكتسب لها الصداق بذلك أنه ليس له أن يعفو عنه دون إذن سيدتها ابنته فكذلك صداق ابنته البكر وكذلك عند الجميع لو خالع علي ابنه الصغير امرأته بشيء يأخذه له منها لم يكن له أن يهبه فكذلك مهر البكر من بناته وقد اختلفوا أيضا في مسألة من معنى هذا الباب فقال مالك جائز أن يزوج الرجل ابنته الصغيرة على أقل من صداق مثلها إذا كان ذلك نظرا وبه قال أبو حنيفة والليث وزفر وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي لا يجوز أن يزوج ابنته البكر على أقل من صداق مثلها وقال مالك جائز أن يزوج الرجل ابنه الصغير على أكثر من مهر المثل وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجوز ذلك له قال مالك في اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني فتسلم قبل أن يدخل بها أنه لا صداق لها قال أبو عمر قوله هذا هو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري وبه قال أحمد وجماعة وإنما لم يجب لها شيء من الصداق لأن الفسخ جاء من قبلها ولم يدخل بها ولو كان هو المسلم بقي على نكاحه معها بإجماع لا خلاف فيه وقد قال قوم من التابعين لها نصف الصداق وإن أسلمت دونه قبل الدخول لأنها فعلت ما لها فعله وهو لما أبى من الإسلام جاء الفسخ من قبله وقد روي عن الثوري مثل ذلك والأول أشهر عنه وهو الأصح إن شاء الله تعالى لأنهما تناكحا على دينهما ثم أتى منهما ما يوجب الفراق فلما لم يكن منه مسيس لم يكن لها من الصداق شيء

وإن كانت مدخولا بها فلها صداقها بإجماع أيضا فهذا حكم الذميين الكتابيين إذا أسلم أحدهما قبل صاحبه وسيأتي حكم الوثنيين يسلم أحدهما قبل صاحبه في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل باب إرخاء الستور مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في المرأة إذا تزوجها الرجل أنه إذا ارخيت الستور فقد وجب الصداق مالك عن بن شهاب أن زيد بن ثابت كان يقول إذا دخل الرجل بامرأته فارخيت عليهما الستور فقد وجب الصداق مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول إذا دخل الرجل بالمرأة في بيتها صدق الرجل عليها وإذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه قال مالك أرى ذلك في المسيس إذا دخل عليها في بيتها فقالت قد مسني وقال لم أمسها صدق عليها فإن دخلت عليه في بيته فقال لم أمسها صدقت عليه وروى يونس بن عبد الأعلى عن بن وهب عن مالك أنه رجع عن هذا القول وقال إذا خلا بها حيث كان فالقول قول المرأة قال أبو عمر روي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وبن عمر ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت أنهم قالوا إذا أغلق بابا وأرخى سترا وخلا بها فقد وجب الصداق رواه عن عمر المدنيون والكوفيون ورواه منصور وحماد وإبراهيم عن عمر

وأما المدنيون فحدث سعيد عن عمر من رواية مالك وغيره عن يحيى بن سعيد عن سعيد عن عمر ورواه وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن رجلا اختلى امراته في طريق فجعل لها عمر الصداق كاملا وأما حديث علي فروي من وجوه أحسنها ما رواه قتادة عن الحسن عن الأحنف بن قيس أن عمر وعليا قالا إذا أغلق بابا وأرخى سترا فلها الصداق وعليها العدة رواه سعيد ومعمر وشعبة وهشام عن قتادة وحديث زيد بن ثابت رواه وكيع عن سفيان عن أبي الزناد عن سليمان بن يسار أن رجلا تزوج امرأة فقال عندها فأرسل لها مروان إلى زيد فقال لها الصداق كاملا فقال مروان أنه ممن لا يتهم فقال له زيد لو جاءت بولد أو ظهر بها حمل أكنت تقيم عليها الحد وأما بن عمر فذكر أبو بكر قال حدثني ابو خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر قال إذا أجيفت الأبواب وأرخيت الستور وجب الصداق وقال مكحول اتفق عمر ومعاذ في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أغلق الباب وأرخي الستر وجب الصداق وعن بن علية عن عوف عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب المهر و وجبت العدة وروى بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال دخلت مع أبي مكة فخطبت امرأة فأتيت أبي وهو مع سعيد بن جبير فقال لا تذهب هذه الساعة فإنها ساعة حارة نصف النهار قال فذهبت وخالفته وتزوجتها فقالوا لو دخلت على أهلك فدخلت فأرخيت الستور وأغلقت الباب فنظرت إليها فإذا امرأة قد علتها كبرة فندمت فأتيت أبي فأخبرته فقال لقد خدعك القوم لزمك الصداق قال سفيان وهي من آل الأخنس بن شريق واختلف الفقهاء في الخلوة المذكورة هل توجب المهر أم لا فالذي ذهب إليه مالك وأصحابه أنها توجب المهر إن ادعته المرأة وقالت أنه قد مسني إذا كانت الخلوة خلوة بناء

وهو عندهم معنى قول سعيد بن المسيب إذا دخلت عليه في بيته صدقت عليه وكان القول قولها فيما ادعت من مسيسها لأن البيت في البناء بيت الرجل وعليه الإسكان فمعنى قول سعيد في بيته أي دخول ابتنى في بيت مقامها وسكناها ومعنى قوله في بيتها يقول إذا زارها في بيتها عند أهلها أو وجدها ولم يدخل بها دخول بناء ولا اهتداء فادعت أنه مسها وأنكر فالقول قوله لأنه مدعى عليه ومثل هذا من مذهب مالك في الرهن يختلف الراهن والمرتهن فيما عليه من الدين فالقول عنده قول المرتهن لأن الرهن بيده فيصدق فيما بينه وبين قيمته وهو فيما زاد مدع وهذا أصله في المتداعيين أن القول قول من له شبهة قوية كاليد وشبهها وقد روى بن وهب عن مالك على ما تقدم أن القول قولها فيما ادعته من المسيس إذا خلا بها في بيته أو بيتها أو غير ذلك من المواضع وأقر بذلك وجحد المسيس قال مالك فإن اتفق على أن لا مسيس لم توجب الخلوة مع إغلاق الباب وإرخاء الستر شيئا من المهر قال مالك إذا خلا بها فقبلها أو كشفها أو اجتمعا على أنه لم يمسها فلا أرى لها إلا نصف المهر إن كان قريبا وإن تطاول ثم طلقها فلها المهر كاملا إلا أن تحب أن تضع له ما شاءت وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه أنه سئل عن الرجل ينكح المرأة فتمكث عنده الأشهر والسنة يصيب منها ما دون الجماع ثم يطلقها قبل أن يمسها قال لها الصداق كاملا وعليها العدة كاملة وقال أبو حنيفة وأصحابه الخلوة الصحيحة تمنع سقوط شيء من المهر وتوجب المهر كله بعد الطلاق وطى ء أو لم يطأ ادعته أو لم تدعه إلا أن يكون أحدهما محرما أو مريضا أو صائما في رمضان أو كانت المرأة حائضا فإن كانت الخلوة في هذه الحال ثم طلق لم يجب لها إلا نصف المهر ولم يفرقوا بين بينه وبينها ولا دخول بناء ولا غيره إذا صحت الخلوة بإقرارهما أو ببينة وعليها العدة عندهم في جميع هذه الوجوه

وقال بن أبي ليلى يجب بالخلوة كمال المهر والعدة حائضا كانت أو صائمة أو محرمة على ظاهر الأحاديث عن الصحابة في إغلاق الباب وإرخاء الستور وهو قول عطاء قال بن جريج عن عطاء إذا أغلق عليها فقد وجب الصداق وإن أصبحت عوراء أو كانت حائضا كذلك بالسنة وقد قال بن شبرمة إن اجتمع على أنه لم يمسها فنصف المهر وقال الثوري لها المهر كاملا إذا خلا بها فإن لم يدخل بها إذا جاء العجز من قبله أو كانت رتقاء فلها نصف الصداق قال سفيان أخبرنا حماد عن إبراهيم قال قال عمر ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلك لها الصداق كاملا وعليها العدة قال أبو عمر هذا عندهم قياس على تسليم السلعة المبيعة إلى المشتري أنه يلزمها ثمنها فنصفها أو لم يقبضها وقال الأوزاعي إذا تزوج فدخل عليها عند أهلها فقبلها أو لمسها ثم طلقها قبل أن يجامعها أنه إن أرخى عليها سترا أو أغلق بابا فقد وجب الصداق وقال إبراهيم إذا اطلع على ما لا يحل لغيره وجب لها الصداق وقال الحسن بن حي إذا دخل بها ولم يجامعها ثم طلقها فلها نصف المهر إذا لم يدخل بها وإن ادعت مع ذلك الدخول فالقول قولها بعد الخلوة وقال الليث إذا أرخى عليها ستارة فقد وجب الصداق وقال النخعي إذا اطلع منها على ما لا يحل لغيره وجب لها الصداق وعليها العدة قال أبو عمر حجة هؤلاء كلهم الآثار عن الصحابة فيمن أغلق بابا أو أرخى سترا أنه قد وجب عليه الصداق وقال الشافعي إذا خلا بها ولم يجامعها ثم طلق فليس لها إلا نصف الصداق ولا عدة عليها وهو قول أبي ثور وداود وروي ذلك عن بن مسعود وبن عباس

ذكر أبو بكر عن بن أبي شيبة قال حدثني وكيع عن حسن بن صالح عن فراس عن الشعبي عن بن مسعود قال لها نصف الصداق وإن جلس بيت رجليها قال وحدثني فضيل عن ليث عن طاوس عن بن عباس مثله وهو قول شريح والشعبي وطاوس رواه بن جريج ومعمر عن بن طاوس عن أبيه قال إذا لم يجامعها فليس لها إلا نصف الصداق وإن خلا بها وعن جعفر بن سليمان الضبعي عن عطاء بن السائب أنه شهد شريحا قضى في رجل دخل بامرأته فقال لم أصب منها وصدقته بنصف الصداق فعاب الناس ذلك عليه فقال قضيت بكتاب الله عز وجل قال أبو عمر قال الله عز وجل وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم البقرة وقال تعالى فما لكم عليهن من عدة تعتدونها الأحزاب فأين المذهب عن كتاب الله تعالى ولم يجتمعوا على أن مراد الله عز وجل من خطابه هذا غير ظاهر ولا تعرف العرب الخلوة دون وطء مسببا والله أعلم باب المقام عند البكر والأيم مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وبن شئت ثلثت عندك ودرت فقالت ثلث

قال أبو عمر هذا الحديث ظاهرة الانقطاع وهو مسند متصل صحيح قد سمعه أبو بكر من عبد الرحمن من أم سلمة وقد ذكرنا الطرق بذلك في التمهيد وأحسنها ما رواه أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرزاق ويحيى بن سعيد وروح بن عبادة قالوا حدثنا بن جريج قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت أن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو والقاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخبراه أنهما سمعا أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أم سلمة زوج النبي عليه السلام أخبرته في حديث طويل ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها إن شئت سبعت لك وإن أسبع لك سبعت لنسائي قال أبو عمر أما قوله في هذا الحديث إن سبعت لك سبعت لنسائي فإنه لا يقول به مالك ولا أصحابه وهذا مما تركوه من رواية أهل المدينة لحديث بصري مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه كان يقول للبكر سبع وللثيب ثلاث قال مالك وذلك الأمر عندنا قال مالك فإن كانت له امرأة غير التي تزوج فإنه يقسم بينهما بعد أن تمضي أيام التي تزوج بالسواء ولا يحسب على التي تزوج ما أقام عندها قال أبو عمر من قال بحديث هذا الباب يقول إن أقام عند البكر أو الثيب سبعا أقام عند سائر نسائه سبعا سبعا وإن أقام عندها ثلاثا أقام عند كل واحدة ثلاثا ثلاثا فتأولوا في قوله صلى الله عليه وسلم وإن شئت ثلثت ودرت أي درت ثلاثا ثلاثا وهو قول الكوفيين وفي هذا الباب عجب لأنه صار فيه أهل الكوفة إلى ما رواه أهل المدينة وصار فيما رواه أهل المدينة إلى ما رواه أهل البصرة

وأما اختلاف الفقهاء وذكر أقوالهم في هذا الباب فقال مالك والشافعي وأصحابهما والطبري يقيم عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا فإن كانت له امرأة أخرى غير الذي تزوج فإنه يقسم بينهما بعد أن تمضي أيام التي تزوج ولا يقيم عندها ثلاثا وقال بن القاسم عن مالك مقامه عند البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا إذا كان له امرأة أخرى واجب وقال بن عبد الحكم عن مالك ذلك مستحب وليس بواجب وقال الأوزاعي مضت السنة أن يجلس في بيت البكر سبعا وعند الثيب ثلاثا وإن تزوج بكرا وله امرأة أخرى فإن للبكر ثلاثا ثم يقسم وإن تزوج الثيب وله امرأة كان لها ليلتان وقال سفيان الثوري إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها ليلتين ثم قسم بينهما قال وقد سمعنا حديثا آخر قال يقيم مع البكر سبعا ومع الثيب ثلاثا وقال أبو حنيفة وأصحابه القسم بينهما سواء البكر والثيب ولا يقيم عند الواحدة إلا كما يقيم عند الأخرى وقال محمد بن الحسن لأن الحرمة لهما سواء ولم يكن رسول الله يؤثر واحدة عن الأخرى واحتج بحديث هذا الباب إن سبعت لك سبعت لنسائي وإن شئت ثلثت ودرت يعني بمثل ذلك واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم من كانت له زوجتان ومال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل قال أبو عمر عن التابعين في هذا الباب من الاختلاف كالذي بين أئمة الفتوى فقهاء الأمصار وما ذهب إليه مالك والشافعي فهو الذي وردت به الآثار المرفوعة وهو الصواب إن شاء الله عز وجل

فمنها ما حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أبو قلابة الرقاشي قال حدثني أبو عاصم قال حدثني سفيان الثوري عن أيوب وخالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا قال أبو عمر لم يرفع حديث خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس في هذا غير أبي عاصم فيما زعموا وأخطأ فيه وأما حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس فمرفوع لم يختلفوا في رفعه وقد رواه هشيم عن خالد عن أبي قلابة عن أنس فقال فيه السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ذكره أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة وقوله فيه السنة دليل على رفعه قال أبو داود وحدثني عثمان قال حدثني هشيم عن حميد عن أنس قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية أقام عندها ثلاثا وكانت ثيبا قال أبو عمر لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للبكر سبع وللثيب ثلاث دل على أن ذلك حق من حقوقها فمحال أن يحاسبا بذلك وعند أكثر العلماء ذلك واجب لهما كان عند الرجل زوجة أم لا لقوله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ولم يخص من له زوجة ممن لا زوجة له وقد اختلفوا في المقام المذكور هل هو من حقوق الزوجة على الزوج أو من حقوق الزوج على سائر نسائه فقالت طائفة هو حق للمرأة إن شاءت طالبت به وإن شاءت تركته وقال آخرون هو من حق الزوج إن شاء أقام عندها وإن شاء لم يقم فإن أقام عندها ففيه من الاختلاف ما ذكرنا وإن لم يقم عندها إلا ليلة دار وكذلك إن أقام ثلاثا دار على ما ذكرنا من اختلاف الفقهاء فالقول عندي أولى باختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك حق لقوله للبكر سبع

وللثيب ثلاث وقوله من تزوج بكرا أقام عندها سبعا وعند الثيب ثلاثا وبالله تعالى التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب سئل عن المرأة تشترط على زوجها أنه لا يخرج بها من بلدها فقال سعيد بن المسيب يخرج بها إن شاء قال مالك فالأمر عندنا أنه إذا شرط الرجل للمرأة وإن كان ذلك عند عقدة النكاح أن لا أنكح عليك ولا أتسرى إن ذلك ليس بشيء إلا أن يكون في ذلك يمين بطلاق أو عتاقة فيجب ذلك عليه ويلزمه قال أبو عمر قد روي بلاغ مالك هذا متصلا عن سعيد ذكره أبو بكر قال حدثني بن المبارك عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن مسلم بن يسار عن سعيد بن المسيب في الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها دارها قال يخرجها إن شاء وروي مثل قول سعيد بن المسيب أن ذلك شرط لا يلزم عن جماعة من السلف فأعلى من روى ذلك عنه علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ذكره بن أبي شيبة وعبد الرزاق قال حدثني بن عيينة عن بن أبي ليلى عن المنهال عن عباد بن عبد الله عن علي قال رفع إليه رجل تزوج امرأة وشرط لها دارها فقال علي شرط الله قبل شرطهم أو قال قبل شرطها ولم ير لها شيئا قال أبو عمر معنى قوله شرط لها دارها أي شرط لها ألا يخرجها من دارها ولا يرحلها عنها ومعنى قول علي رضي الله عنه شرط الله قبل شرطها يريد قول الله عز وجل أسكنوهن من حيث سكنتم الطلاق وقال عبد الرزاق أخبرنا محمد بن راشد قال أخبرني عبد الكريم أبو أمية قال سألت أربعة الحسن وعبد الرحمن بن أذينة وإياس بن معاوية وهشام بن هبيرة عن رجل تزوج امرأة وشرط لها دارها فقالوا ليس شرطها بشيء ويخرج بها إن شاء

وذكر أبو بكر قال حدثني هشيم عن يونس عن الحسن وعن مغيرة عن إبراهيم قالا يخرجها إن شاء وقال الشعبي يذهب بها حيث شاء والشرط باطل وقال محمد بن سيرين لا شرط لها وقال طاوس ليس الشرط بشيء ذكره أبو بكر قال حدثني أبو أسامة عن حبيب بن حوي سمع طاوسا يقوله وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سأل طاوسا قال قلت المرأة تشترط عند عقد النكاح إني عند أهلي لا يخرجني من عندهم قال كل امرأة مسلمة اشترطت شرطا على رجل استحل به فرجها فلا يحل له إلا أن يفي به قال أبو عمر هذا أصح عن طاوس وروي مثل ذلك عن جماعة من السلف أعلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورواه إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن غنم سمع عمر يسأل عن رجل تزوج امرأة وشرط لها دارها فقال عمر لها شرطها والمسلمون عند شروطهم ومقاطع الحقوق عند الشروط ورواه بن عيينة عن يزيد بن جابر ورواه وكيع عن سعيد بن عبد العزيز كلاهما عن إسماعيل وروى كثير بن فرقد عن عبيد بن السباق عن عمر بمعناه قال أبو بكر وحدثني بن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء قال إذا شرط لها دارها فهو بما استحل من فرجها قال وحدثني بن علية عن أبي حيان قال حدثني أبو زناد أن امرأة خاصمت زوجها إلى عمر بن عبد العزيز وكان قد شرط لها دارها حين تزوجها ألا يخرجها منها فقضى عمر أن لها دارها لا يخرجها منها وقال والذي نفس عمر بيده لو استحللت فرجها بزنة أحد ذهبا لأخذتك به لها وذكر وكيع عن شريك عن عاصم عن سعيد بن حطان عن مجاهد وسعيد بن جبير قالا يخرجها

فقال يحيى بن الجزار فبأي شيء يستحل فرجها فبأي كذا فبأي كذا فرجعا قال أبو عمر ذكر بن القاسم وبن وهب وغيرهما عن مالك إذا اشترط لها ألا يخرج بها فليس بشيء وله أن يخرج بها وكذلك إذا شرط ألا ينكح عليها ولا يتسرى لا يلزمه شيء من ذلك إلا أن يحلف أن يقل ذلك بيمين طلاق أو عتق أو تمليك فتلزمه يمينه تلك وهو قول إبراهيم وروى معمر والثوري عن منصور عن إبراهيم النخعي قال إن شرط في النكاح أن لا ينكح ولا يتسرى فالشرط باطل إلا أن يقول إن فعلت كذا فهي طالق فكذلك يلزمه قال وكل شرط في نكاح فالنكاح يهدمه الطلاق وهو قول عطاء وقال الثوري الأحسن أن يفي لها بشرطها ولا يخرجها وله أن يخرجها إن شاء وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إذا تزوجها على شرط ألا يخرجها من بيتها فالنكاح جائز والشرط باطل وكذلك سائر الشروط عندهم في النكاح عليها والتسري فإن كان سمى لها أقل من مهر مثلها ثم لم يف لها أكمل لها مهر مثلها عند الكوفيين وأما الشافعي فالمهر عنده مع هذه الشروط فاسد ولها مهر مثلها وعند مالك الشرط باطل وليس لها إلا ما سمى لها وقال الأوزاعي وبن شبرمة لها شرطها وعليه أن يفي لها زاد بن شبرمة لأنه شرط لها حلالا وهو قول شريح في رواية وقد روي عن شريح أنه قضى في امرأة شرط لها دارها قال شرط الله قبل شرطها قال أبو عمر احتج من ألزمه الوفاء بما شرط لها في عقد نكاحها ألا يخرجها من دارها ولا يتسرى عليها ولا ينكح ونحو ذلك من الشروط لحديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج

ورواه الليث بن سعد وعبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن النبي عليه السلام واحتج من لم ير الشروط شيئا بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل ومعنى قوله هنا في كتاب الله أي في حكم الله وحكم رسوله أوفي ما دل عليه الكتاب والسنة فهو باطل والله قد أباح نكاح أربع نسوة من الحرائر وما شاء مما ملكت أيمانكم وأباح له أن يخرج بامرأته حيث شاء وينتقل بها من حيث انتقل وكل شرط يخرج المباح باطل وإن حلف بطلاق ما لم ينكح فقد اختلف السلف والخلف في ذلك وسيأتي القول فيه في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل باب نكاح المحلل وما أشبهه مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي كان طلقها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزويجها وقال لا تحل لك حتى تذوق العسيلة مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سئلت عن رجل طلق امرأته البتة فتزوجها بعده رجل آخر فطلقها

قبل أن يمسها هل يصلح لزوجها الأول أن يتزوجها فقالت عائشة لا حتى يذوق عسيلتها قال أبو عمر حديث المسور بن رفاعة في رواية يحيى وجمهور رواة الموطأ مرسل ورواه بن وهب عن مالك عن المسور عن الزبير بن عبد الرحمن عن أبيه فوصله وأسنده وتابعه على ذلك عن مالك إبراهيم بن طهمان وهو مسند متصل عن النبي عليه السلام من وجوه قد ذكرتها في التمهيد وحديث يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة موقوفا قد رفعة جماعة عن عائشة منهم عروة وسليمان بن يسار وقد ذكرناهما في التمهيد ومن أحسنها ما حدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني سفيان بن عيينة قال حدثني الزهري قال أخبرني عروة عن عائشة سمعها تقول جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أو تريدي أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك قالت وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد بالباب فنادى فقال يا أبا بكر ألا تسمع إلى ما تجهر به هذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر حديث عروة عن عائشة عن النبي عليه السلام في هذا الباب من رواية هشام بن عروة ورواية بن شهاب حديث ثابت إلا أنه سقط منه ذكر طلاق عبد الرحمن بن الزبير لامرأته تميمة المذكورة فتعلق به قوم شذوا عن سبيل السلف والخلف من العلماء في تأجيل العنين فأبطلوه منهم بن علية وداود وقالوا قد شكت تميمة بنت وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن زوجها عبد الرحمن بن الزبير ليس معه إلا مثل هدبة الثوب فلم يؤجله ولا حال بينها وبينه قالوا وهو مرض من الأمراض لا قيام للمرأة به فخالفوا جماعة الفقهاء والصحابة برأي متوهم وتركوا النظر المؤدي إلى المعرفة بأن البغية من النكاح

الوطء وابتغاء النسل وأن حكمها في ذلك كحكمه لو وجدها رتقاء ولم يقفوا على ما في حديث مالك هذا وغيره بأن المرأة لم تذكر قصة زوجها عبد الرحمن بن الزبير إلا بعد طلاقه و بعد فراقه لها فأي تأجيل يكون ها هنا وفي حديث مالك فلم يستطع أن يمسها ففارقها وقد ذكرنا في التمهيد من حديث شعبة عن يحيى بن إسحاق عن سليمان بن يسار عن عائشة مرفوعا مثل معنى حديث مالك وإذا صح طلاق عبد الرحمن لزوجه هذه بطلت النكتة التي بها نزع من أبطل تأجيل العنين من هذا الحديث وقد قضى بتأجيل العنين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والمغيرة بن شعبة وسيأتي ذكر هذه المسألة في بابها من كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى والزبير بن عبد الرحمن بن الزبير بالفتح كذلك رواه يحيى وجمهور الرواية للموطأ بالفتح فيهما وقد قيل عن بن بكير الأول منهما بالضم وليس بشيء وهم زبيريون من ولد الزبير بن باطا اليهودي القرظي قتل يوم قريظة وله قصة عجيبة محفوظة مذكورة في السير مالك أنه بلغة أن القاسم بن محمد سئل عن رجل طلق امرأته البتة ثم تزوجها بعده رجل آخر فمات عنها قبل أن يمسها هل يحل لزوجها الأول أن يراجعها فقال القاسم بن محمد لا يحل لزوجها الأول أن يراجعها وأما قول مالك في آخر هذا الباب في المحلل إنه لا يقيم على نكاحه ذلك حتى يستقبل نكاحا جديدا فإن أصابها في ذلك فله مهرها فهذا منه حكم بأن نكاح المحلل فاسد لا يقيم عليه ويفسخ قبل الدخول وبعده وكذلك ما كان فيه مهر المثل إلا المهر المسمى عنده وفي قوله صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة القرظي أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة دليل على

ان إرادة المرأة الرجوع إلى زوجها لا يضر العاقد عليها وأنها ليست بذلك في معنى التحليل الموجب لصاحبه اللعنة المذكورة في الحديث وقد اختلف الفقهاء في هذا المعنى على ما نذكره عنهم إن شاء الله عز وجل وفيه أن المطلقة ثلاثا لا يحللها لزوجها إلا طلاق زوج قد وطئها وأنه إن لم يطأها لم تحل للأول ومعنى ذوق العسيلة هو الوطء وعلى هذا جماعة العلماء إلا سعيد بن المسيب فإنه قال جائز أن ترجع إلى الأول إذا طلقها الثاني وإن لم يمسها وأظنه لم يبلغه حديث العسيلة وأخذ بظاهر القرآن فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره البقرة فإن طلقها أعني الثاني فلا جناح عليهما أن يتراجعا وقد طلقها وليس في القرآن ذكر مسيس في هذا الموضع وغابت عنه السنة في ذلك ولذلك لم يعرج على قوله أحد من العلماء بعده وانفرد أيضا الحسن البصري فقال لا تحل للأول حتى يطأها الثاني وطأ فيه إنزال وقال معنى العسيلة الإنزال وخالفه سائر الفقهاء وقالوا التقاء الختانين يحللها لزوجها قال أبو عمر ما يوجب الحد ويفسد الصوم والحج يحل المطلقة ويحصن الزوجين ويوجب كمال الصداق وعلى هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء وقال مالك وبن القاسم لا يحل المطلقة إلا الوطء المباح فإن وقع الوطء في صوم أو اعتكاف أو حج أو في حيض أو نفاس لم يحل المطلقة ولا يحل الذمية عندهم وطء زوج ذمي لمسلم ولا وطء من لم يكن بالغا وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري والأوزاعي والحسن بن حي يحلها التقاء الختانين ووطء كل زوج بعد وطئه وطأ وإن لم يحتلم إذا كان مراهقا وليس وطء الطفل عند الجميع بشيء قال الشافعي إذا أصابها بنكاح صحيح وغيب الحشفة في فرجها فقد ذاق العسيلة وسواء في ذلك قوي النكاح وضعيفه

قال والصبي الذي يطأ مثله والمراهق والمجنون والخصي الذي قد بقي معه ما يغيبه في الفرج يحلون المطلقة لزوجها قال وتحل الذمية للمسلم بوطء زوج ذمي لها بنكاح صحيح قال وكذلك لو أصابها محرما أو أصابها حائضا أو محرمة أو صائمة كان عاصيا وأحلها وطؤه قال أبو عمر مذهب الكوفيين والثوري والأوزاعي في هذا كله نحو مذهب الشافعي ونحو مذهب بن الماجشون وطائفة من أهل المدينة من أصحاب مالك وغيرهم واختلفوا في عقدة نكاح المحلل فقال مالك في الموطأ وغيره إنه لا يحلها إلا نكاح رغبة وأنه إن قصد التحريم لم تحل له وسواء علما أو لم يعلما لا تحل ويفسخ نكاح من قصد إلى التحليل ولا يقر على نكاحه قبل الدخول وبعده وقال الثوري والأوزاعي والليث في ذلك نحو قول مالك وقد روي عن الثوري في نكاح المحلل ونكاح الخيار أنه قال النكاح جائز والشرط باطل وهو قول بن أبي ليلى في نكاح المحلل ونكاح المتعة أبطل الشرط في ذلك وأجاز النكاح وهو قول الأوزاعي أيضا أنه قال في نكاح المحلل بئس ما صنع والنكاح جائز وقال أبو حنيفة وأبو يوسف النكاح جائز وله أن يقيم على نكاحه ذلك واختلفوا هل تحل للزوج الأول إذا تزوجها ليحلها فمرة قالوا لا تحل له بهذا النكاح فمرة قالوا تحل له بذلك العقد إذا كان معه وطء أو طلاق وروى الحسن بن زياد عن زيد إذا شرط تحليلها للأول فالنكاح جائز والشرط باطل ويكونان محصنين بهذا التزويج إذا وطى ء وقال أبو يوسف النكاح على هذا الشرط فاسد ولها مهر المثل لا يحصنها قال أبو عمر سنذكر ما يقع به الإحصان وما شروطه عند الفقهاء واختلافهم في ذلك في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى

وقال الشافعي إذا تزوجها ليحلها وأظهر ذلك فقال أتزوجك لأحلك ثم لا نكاح بيننا بعد ذلك فهذا ضرب من نكاح المتعة وهو فاسد لا يقر عليه ولا يحل له الوطء على هذا وإن وطى ء لم يكن وطؤه تحليلا قال وإن تزوجها تزويجا مطلقا لم يشترط ولا اشترط عليه التحليل إلا أنه نواه وقصده فللشافعي في كتابه القديم العراقي في ذلك قولان أحدهما مثل قول مالك والآخر مثل قول أبي حنيفة ولم يختلف قوله في كتابه الجديد المصري أن النكاح صحيح إذا لم يشترط التحليل في قوله وهو قول داود وقال إبراهيم النخعي والحسن البصري إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فسد النكاح وقال سالم والقاسم لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان قال وهو مأجور بذلك وكذلك قال ربيعة ويحيى بن سعيد هو مأجور وقال أبو الزناد إن لم يعلم واحد منهما فلا بأس بالنكاح وترجع إلى زوجها الأول وقال عطاء لا بأس أن يقيم المحلل على نكاحه وقال داود بن علي لا يبعد أن يكون مريد نكاح المطلقة ليحلها لزوجها مأجورا وإذا لم يظهر ذلك في اشتراطه في حين العقد لأنه قصد إرفاق أخيه المسلم وإدخال السرور عليه قال أبو عمر روي عن النبي عليه السلام أنه لعن المحلل والمحلل له من حديث علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وعقبة بن عامر

وفي حديث عقبة ألا أدلكم على التيس المستعار هو المحلل قال أبو عمر معلوم أن إرادة المرأة المطلقة للتحليل لا معنى لها إذا لم يجامعها الرجل على ذلك لأن الطلاق ليس بيدها فوجب إلا تقدح إرادتها في عقد النكاح وكذلك المطلق أحرى إلا يراعى لأنه لا مدخل له في إمساك الزوج الثاني ولا في طلاقه إذا خالفه في ذلك فلم تبق الا إرادة الزوج الناكح فإن ظهر ذلك بالشرط علم أنه محلل دخل تحت اللعنة المنصوص عليها في الحديث ولا فائدة للعنة إلا إفساد النكاح والتحذير منه والمنع يكون حينئذ في حكم نكاح المتعة كما قال الشافعي ويكون محللا فيفسد نكاحه وها هنا يكون إجماعا من المشدد والمرخص وهو اليقين إن شاء الله تعالى وقد روي عن عمر بن الخطاب في نكاح المحلل أنه قال لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما قال الطحاوي ويحتمل أن يكون تشديدا و تغليظا وتحذيرا لئلا يواقع ذلك أحد كنحو ما هم به النبي عليه السلام أن يحرق على من تخلف عن صلاة الجماعة بيوتهم وإنما تأولنا هذا على عمر رضي الله عنه لأنه قد صح عنه أنه درأ الحد عن رجل وطى ء غير امرأته وهو يظن أنها امرأته وإذا بطل الحد بالجهالة بطل بالتأويل لأن المتأول عند نفسه مصيب وهو في معنى الجاهل إن شاء الله عز وجل وكذلك القول في قول بن عمر إذ سئل عن نكاح المحلل فقال لا أعلم ذلك إلا السفاح قال أبو عمر ليس الحدود كالنكاح في هذا لأن الحد ربما درى ء بالشبهة والنكاح إذا وقع على غير سنة وطابق النهي فسد لأن الأصل أن الفروج محظورة فلا تستباح إلا على الوجه المباح لا المحظور المنهي عنه ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له كلعنة آكل الربا وموكله ولا ينعقد بشيء من ذلك ويفسخ أبدا وبالله التوفيق

باب ما لا يجمع بينه من النساء مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها قال أبو عمر زعم بعض الناس أن هذا الحديث لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث أبي هريرة وقد روي من حديث جابر وأبي سعيد الخدري حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن نمير عن بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن سليمان بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي عليه السلام قال لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها وحدثني سعيد وعبد الوارث قالا حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني بن المبارك عن عاصم عن الشعبي عن جابر عن النبي عليه السلام مثله وأما طرق حديث أبي هريرة فمتوافرة رواه عنه سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن الأعرج وأبو صالح السمان والشعبي وغيرهم وروي أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث مجتمع على صحته وعلى القول بظاهره وبما في معناه فلا يجوز عند الجميع الجمع بين المرأة وعمتها وإن علت ولا بين المرأة وخالتها وإن علت ولا يجوز نكاح المرأة على بنت أختها ولا على بنت أخيها وإن سفلت

وهذا في معنى تفسير حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم النساء أنها الأم وإن علت والابنة وإن سفلت وكما لا يجوز نكاح المرأة على عمتها كذلك لا يجوز نكاح عمتها عليها وكذلك حكم الخالة مع بنت أختها لأن المعنى الجمع بينهما وهذا كله مجتمع عليه لا خلاف فيه وقد روي مرفوعا من أخبار الأحاد العدول هذا المعنى مكشوفا بما حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن فضيل عن داود عن الشعبي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا تنكح العمة على بنت أخيها ولا الخالة على بنت أختها ولا تتزوج الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى قال أبو عمر عند الشعبي في هذا الباب حديثان أحدهما عن جابر والآخر عن أبي هريرة ومن الناس من تعسف فجعله من الاختلاف وفي هذا الحديث زيادة بيان على ما نص عليه القرآن وذلك أن الله عز وجل لما قال حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم إلى قوله وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف النساء بأن بذلك ما عدا النساء المذكورات داخلات في التحليل ثم أكد ذلك بقوله عز وجل وأحل لكم ما وراء ذلكم النساء فكان هذا من الزمن ما كان ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجمع المرأة مع عمتها وخالتها في عصمة واحدة فكان هذا زيادة بيان على نص القرآن كما ورد المسح على الخفين وليس في القرآن إلا غسل الرجلين أو مسحهما وماسح الخفين ليس بماسح عليهما ولا غاسل لهما وأجمعت الأمة كلها على أن القول بحديث هذا الباب على حسب ما وصفنا فيه فارتفع عن ذلك توهم نسخ القرآن له وأن يكون قوله وأحل لكم ما وراء ذلكم نزل بعده فلم يبق إلا أن يكون زيادة بيان كما لو نزل بذلك قرآن قال الله عز وجل واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة الأحزاب يعني القرآن والسنة

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أوتيت الكتاب ومثله معه وأمر الله عز وجل عباده بطاعته والانتهاء إلى ما أمرهم به ونهاهم عنه أمرا مطلقا وأنه أخبرهم أنه يهدي إلى صراط مستقيم صراط الله وحذرهم من مخالفته بالعذاب الأليم فقال عز وجل فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم النور وقد تنطعت فرقة فقالوا لم يجمع العلماء على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها لحديث أبي هريرة وإنما أجمعوا على ذلك بمعنى نص القرآن في النهي عن الجمع بين الأختين والمعنى في ذلك إلى الله عز وجل نكاح الأخوات فلا يحل لأحد نكاح أخته من أي وجه كانت وحرم الجمع بين الأختين فكان المعنى في ذلك أن كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاح الأخرى لم يحل له الجمع بينهما قال أبو عمر هذه فرقة تنطعت وتكلفت في استخراج علة بمعنى الإجماع وهذا لا معنى له لأن الله عز وجل لما حرم على عبادة من أمة نبيه محمد عليه السلام اتباع غير سبيل المؤمنين واستحال أن يكون ذلك في غير الاجماع لأن مع الاختلاف كل يتبع سبيل المؤمنين بأن من اتبع غير ما أجمع المؤمنون عليه فقد فارق جماعتهم وخلع الإسلام من عنقه وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا فوضح بهذا كله أن متى صح الإجماع وجب الإتباع ولم يحتج إلى حجة تستخرج برأي لا يجتمع عليه وقد اختلف العلماء في المعنى المراد بقوله عليه السلام لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها فقالت طائفة معناه كراهية القطيعة فلا يجوز لأحد أن يجمع بين امرأتين بينهما قرابة رحم محرمة أو غير محرمة فلم يجيزوا الجمع بين ابنتي عم أو عمة ولا بين ابنتي خال أو خالة روي ذلك عمن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله والحسن بن أبي الحسن وجابر بن زيد وعكرمة وقتادة وعطاء على اختلاف عنه

وروى بن عيينة عن بن أبي نجيح عن عطاء أنه كره أن يجمع بين ابنتي العم وعن بن عيينة وبن جريج عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي أنه أخبره أن حسن بن حسين بن علي نكح ابنة محمد بن علي وابنة عمر بن علي جمع بين ابنتي عم فأصبح نساؤهم لا يدرين إلى أيتهما يذهبن قال بن جريج فقلت لعطاء الجمع بين المرأة وابنة عمها قال لا بأس بذلك قال أبو عمر بن جريج اثبت الناس في عطاء لا يقاس به فيه بن أبي نجيح ولا غيره وروى معمر عن قتادة قال لا بأس أن يجمع الرجل بين ابنتي العم قال أبو عمر على هذا القول جمهور العلماء و جماعة الفقهاء أئمة الفتوى مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق والأوزاعي وغيرهم وقال جماعة منهم إنما يكره الجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يجز له نكاح الأخرى اعتبارا بالأختين وليس ابنة العم من هذا المعنى وروى معتمر بن سليمان عن فضيل بن ميسرة عن أبي حريز عن الشعبي قال كل امرأتين إذا جعلت موضع إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج الأخرى فالجمع بينهما حرام قلت له عمن هذا فقال عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وروى الثوري عن بن أبي ليلى عن الشعبي قال لا ينبغي لرجل أن يجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاحها قال سفيان تفسير هذا عندنا أن يكون من النسب ولا تكون بمنزلة امرأة رجل وابنة زوجها فإنه يجمع بينهما إن شاء قال أبو عمر قد اختلف العلماء في جمع الرجل في النكاح بين امرأة رجل وابنته من غيرها فالجمهور على أن ذلك جائز وعليه جماعة الفقهاء بالمدينة ومكة والعراق ومصر والشام إلا بن أبى ليلى من أهل الكوفة وقد تقدمه إلى ذلك الحسن وعلي وعكرمة وخالفهم أكثر الفقهاء لأنه لا نسب بينهما

وروي جواز ذلك عن رجلين وقيل لأنه من الصحابة لا مخالف لهم منهم أنهم فعلوا ذلك وروي ذلك عن عبد الله بن جعفر وعن عبد الله بن صفوان مثل ذلك ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو بكر بن عياش عن مغيرة عن قثم أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب جمع بين امرأة علي وابنته من غيرها قال وحدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب أن سعد بن فرحاء رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها قال وحدثني بن علية عن أيوب عن عكرمة بن خالد أن عبد الله بن صفوان بن أمية تزوج امرأة رجل وابنته من غيرها وعن سليمان بن يسار وبن سيرين وربيعة مثله في جواز جمع المرأة وزوجة أبيها وقالت طائفة منهم الحسن وعكرمة لا يجوز لأحد أن يجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها ذكره بن أبي شيبة عن بن علية عن أيوب عن الحسن ورواه منصور عن هشام عن الحسن وروى شعبة عن فضيل عن بن جريج عن عكرمة مثله واعتلوا بالعلة التي ذكرنا بأن إحداهما لو كان رجلا لم يحل له نكاح الأخرى وقد أبعد من هذا بعض المتأخرين فإن قال الفرق بينهما أنه لو جعل موضع المرأة ذكرا لحل له الأنثى لأنه رجل تزوج ابنة رجل أجنبي وإذا كان موضع البنت بن لم يحل له امرأة أبيه مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ينهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها وأن يطأ الرجل وليدة وفي بطنها جنين لغيره قال أبو عمر أما نكاح المرأة على عمتها أو على خالتها فقد مضى القول فيه والحمد لله وأما قوله وإن وطى ء الرجل وليدة وفي بطنها جنين لغيره

ومروي عن النبي عليه السلام من حديث رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره ومن حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى امرأة حاملا من سبي خيبر قال لعل صاحب هذه أن يلم بها لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره أيورثه وليس منه أو يستعبده وهو قد غذاه في سمعه وبصره وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غزوة أوطاس ونادى مناديه بذلك لا توطئوا حاملا حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء قديما ولا حديثا أنه لا يجوز لأحد أن يطأ امرأة حاملا من غيره بملك يمين ولا نكاح ولا غير حامل حتى يعلم براءة رحمها من ماء غيره واختلفوا فيمن وطى ء حاملا من غيره ما حكم ذلك الجنين فذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن لا يعتق ذلك الجنين وقال الأوزاعي والليث يعتق ولكل قول من هذين القولين سلف من التابعين والقول بأن لا يعتق أولى في النظر لأن العقوبات ليست هذه طريقها ولا أصل يوجب عتقه فيسلم له وألزمه يديه حتى يجب فيها الواجب بدليل لا معارض له ولا أصل وبالله التوفيق باب ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سئل زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة ثم فارقها قبل أن يصيبها هل تحل له أمها فقال زيد بن ثابت لا الأم مبهمة ليس فيها شرط وإنما الشرط في الربائب مالك عن غير واحد أن عبد الله بن مسعود استفتي وهو بالكوفة

عن نكاح الأم بعد الابنة إذا لم تكن الابنة مست فأرخص في ذلك ثم إن بن مسعود قدم المدينة فسأل عن ذلك فأخبر أنه ليس كما قال وإنما الشرط في الربائب فرجع بن مسعود إلى الكوفة فلم يصل إلى منزله حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك فأمره أن يفارق امرأته قال أبو عمر قال الله عز وجل حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم إلى قوله وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن النساء فأجمعت الأمة أن الرجل إذا تزوج امرأة ولها ابنة أنه لا تحل له الابنة بعد موت الأم أو فراقها إن كان دخل بها وإن كان لم يدخل بالأم حتى فارقها حل له نكاح الربيبة وأن قوله عز وجل من نسائكم اللاتي دخلتم بهن النساء شرط صحيح في الربائب اللاتي في حجورهم واختلفوا إذا لم تكن الربيبة في حجره بما سنورده بعد في موضعه إن شاء الله تعالى واختلفوا في أمهات النساء هل دخلن في شرط الدخول أم لا فقالت طائفة الأم والربيبة سواء لا تحرم واحدة منهما إلا بالدخول بالأخرى وتأولوا على القران ما في ظاهره فقالوا المعنى وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن وزعموا أن قوله عز وجل من نسائكم اللاتي دخلتم بهن راجع إلى الأمهات والربائب وإلى هذا كان بن مسعود يذهب فيما أفتى به في الكوفة ثم لما دخل المدينة نبه على غفلته في ذلك فرجع عنه وقيل إن عمر رده عن ذلك ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي فروة عن أبي عمرو الشيباني عن بن مسعود أن رجلا من بني شمخ بن فزارة تزوج امرأة ثم رأى أمها فأعجبته فاستفتى بن مسعود فأمره أن يفارقها ويتزوج أمها إن كان لم يمسها فتزوجها وولدت له أولادا ثم أتى بن مسعود المدينة فسأل عن ذلك فأخبر أنها لا تحل له فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل إنها عليك حرام ففارقها

وأخبرني معمر عن يزيد بن أبي زياد أن عمر بن الخطاب فيما أحسب هو الذي رد بن مسعود عن قوله ذلك قال أبو عمر هذا القول الذي كان بن مسعود أفتى به ثم رجع عنه يروى عن علي بن أبي طالب واختلف فيه عن بن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري ولم يختلف عن بن الزبير و عن مجاهد فيها روى سماك بن الفضل أن بن الزبير قال الربيبة والأم سواء لا بأس بهما إذا لم يدخل بالمرأة وذكر عبد الرزاق عن بن جريج و ذكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن بن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد عن مجاهد أنه قال وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فقال أريد بهما جميعا الدخول قال بن جريج وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في الرجل ينكح المرأة ثم تموت قبل أن يمسها أنه ينكح أمها إن شاء قال بن جريج وأخبرني أبو بكر بن حفص عن مسلم بن عويمر بن الأجدع عن أبيه عن بن عباس مثله وذكر أبو بكر قال حدثني بن علية عن بن أبي عروبة عن قتادة في الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يدخل بها أيتزوج أمها قال قال هي بمنزلة الربيبة وروى حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس أن عليا رضي الله عنه سئل عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها أله أن يتزوج أمها قال علي هي بمنزلة واحدة يجريان مجرى واحدا إن طلق الابنة قبل أن يدخل بها تزوج أمها وإن تزوج أمها ثم طلقها قبل أن يدخل بها تزوج ابنتها قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال بهذا من فقهاء الأمصار أهل الرأي والحديث الذين تدور عليهم وعلى أصحابهم الفتوى والحديث فيه عن علي رضي الله عنه ضعيف لا يصح لأن خلاسا يروي عن علي مناكير ولا يصحح روايته أهل العلم بالحديث ومرسل قتادة عنه أضعف

وجابر بن عبد الله وبن عباس مختلف عنهما في ذلك فلا يصح فيه عن من لم يختلف عليه إلا بن الزبير ومجاهد وفرقة قالت بذلك ليس لها حجة ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني سعيد عن قتادة عن عكرمة عن بن عباس في قوله تعالى وأمهات نسائكم النساء قال هي مبهمة فهذا خلاف ما تقدم عنه وقد قال بن جريج قلت لعطاء أكان بن عباس يقرأ وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن فلم يعرف ذلك قال بن جريج قلت لعطاء الرجل ينكح المرأة ثم لا يراها ولا يجامعها أتحل له أمها قال لا هي مرسلة وروى هشيم ويزيد بن هارون قالا أخبرنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق أنه سئل عن قوله عز وجل وأمهات نسائكم النساء قال هي مبهمة فأرسلوا ما أرسل الله وما بين فاتبعوه فكان يكره الأم على كل حال ويرخص في الربيبة إذا لم يدخل بأمها ويقول أرسل الله هذه وبين هذه وقال أبو بكر حدثني علي بن مسهر عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين في أمهات نسائكم قال هي مبهمة وبه قال الحسن وهو قول بن عمر وبن مسعود وبه قالت طائفة من التابعين منهم طاوس وبن شهاب الزهري وإليه ذهب مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود والطبري وقد روى المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل بها فلا تحل له أمها وأما زيد بن ثابت فروى قتادة عن سعيد بن المسيب عنه خلاف ما ذكره مالك عن يحيى بن سعيد عنه روى سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد أنه كان يقول إن طلق الابنة طلاقا قبل أن يدخل بها تزوج أمها إن شاء وإن ماتت فأصاب ميراثها فليس له أن يتزوج أمها

وقول زيد بن ثابت هذا قول ثالث ويحتمل أن يكون ما ذكرناه عن بن جريج عن أبي الزبير عن جابر مثل قول زيد بن ثابت لأنه ذكر الموت فيه ولم يذكر الطلاق وهو عندي قول لا حظ له من النظر لأن إصابته الميراث ليس بدخول ولا مسيس والله عز وجل قد شرط الدخول وبالله التوفيق وأجمع العلماء على أن من وطى ء امرأته فقد حرمت عليه ابنتها وأمها وأنه قد استوفى معنى قول الله تعالى اللاتي دخلتم بهن النساء واختلفوا فيما دون الوطء مثل اللمس والتجريد والنظر إلى الفرج لشهوة أو غير شهوة هل ذلك كالوطء الذي هو الدخول المجتمع عليه أم لا فقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة والثوري والليث والشافعي إذا لمسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها واختلفوا في النظر إلى فرجها وإلى محاسنها لشهوة هل يحرم ذلك الابنة والأم أم لا وسنذكر ذلك في باب النهي عن أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه إن شاء الله تعالى قال مالك في الرجل تكون تحته المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها أنها تحرم عليه امرأته ويفارقهما جميعا ويحرمان عليه أبدا إذا كان قد أصاب الأم فإن لم يصب الأم لم تحرم عليه امرأته وفارق الأم قال أبو عمر إنما قال ذلك للأصل الذي قدمنا وهو قول الله عز وجل في تحريم من حرم من النساء وأمهات نسائكم النساء فمن كان تحته امرأة قد دخل بها حرمت الأم عليه بإجماع من المسلمين لأنها من أمهات النساء المدخول بهن ولو لم يدخل بها حرمت عليه أمها بالسنة عند الجمهور على ما ذكرنا في هذا الباب عنهم في أن الآية مبهمة في أمهات النساء دخل بهن أو لم يدخل فإذا أصاب الأم بذلك النكاح حرمت عليه الابنة بشبهة النكاح وإن كان العقد فاسدا لأن غيرنا يحرمه بالزنى فتحريمه بشبهة النكاح الذي يلزم فيه مهر المثل أولى وقد كانت الأم محرمة بالعقد على الابنة فمن هذا وجب عليه مفارقتهما جميعا وحرمتا عليه أبدا فإن لم يصب الأم إلا بشبهة ذلك النكاح فسخ نكاحها لأنه نكاح فاسد غير منعقد وقر مع امرأته

وهذا كله قول الكوفيين والشافعي وجمهور الفقهاء قال أبو عمر قد مضى القول في الربيبة بما فيه شفاء إن شاء الله وأما بنت الربيبة فقد اختلف في تحريمها فقال الجمهور إنها محرمة تحريما مطلقا كبنات البنات وكالأمهات وأمهات الأمهات وإن علون وعلى هذا القول مذاهب جمهور الفقهاء منهم مالك والشافعي وأصحابهما روي ذلك عن الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والقاسم بن محمد ويحيى بن سعيد وأبي الزناد وأهل المدينة وقالت طائفة من الكوفيين تزوج ابنة الربيبة حلال إذا لم يدخل بأمها وجعلوها كابنة العم وابنة الخالة فإن الله حرمها كتحريم الربيبة إذا بين وأحل بناتهما واحتجوا بقول الله عز وجل حين حرم ما ذكره في كتابه ثم قال وأحل لكم ما وراء ذالكم النساء وقد اجمع العلماء على أن ما لم يحرمه الله فهو مباح والقول في بنت الربيبة أعم وأكثر وبه أقول وبالله التوفيق وأما قول مالك في هذا الباب في الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها أنه لا تحل له أمها أبدا ولا تحل لأبنه ولا تحل له ابنتها وتحرم عليه امرأته فالقول في هذه المسألة قبلها يغني عن الكلام فيها إلا في قوله لا تحل لأبنه ولا لأبيه فإن معنى قوله في ذلك ظاهر قول الله عز وجل ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء النساء ولم يخص نكاحا فاسدا من صحيح فكل نكاح يدرأ به الحد ويلزم فيه الصداق يحرم من الأم والابنة على الأب والابن ما يحرم النكاح الصحيح وكذلك حلائل الأبناء سواء وأما قوله في هذا الباب قال مالك فأما الزنى فإنه لا يحرم شيئا من ذلك لأن الله تبارك وتعالى قال وأمهات نسائكم النساء فإنما حرم ما كان تزويجا ولم يذكر تحريم الزنى فكل تزويج كان على وجه الحلال يصيب صاحبه امرأته فهو بمنزلة التزويج الحلال

فهذا الذي سمعت والذي عليه أمر الناس عندنا قال أبو عمر قد جود مالك فيما احتج به من ذلك وسنذكر اختلاف العلماء في التحريم بالزنى وهل يحرم الحرام حلالا أم لا في الباب بعد هذا إن شاء الله عز وجل وقد اختلف أصحاب مالك فيمن تزوج امرأة وابنتها في عقدة واحدة ففرق بينهما قبل المسيس هل تحل له الأم أم لا فقال بن القاسم في المدونة إذا تزوج الأم والابنة معا في عقدة واحدة ولم يمسها حتى فرق بينهما تزوج الأم إن شاء وقال سحنون لا يتزوجها للشبهة التي فيها قال أبو عمر فإن مس واحدة منهما ففي المدونة لابن القاسم يفرق بينهما وقد حرمت عليه التي لم يدخل بها أبدا ويتزوج التي دخل بها إن شاء كانت الأم أو الابنة وفي العتبية روى أصبغ عن بن القاسم أنه إن كان دخل بالأم حرمتا عليه جميعا أبدا وإن كان دخل بالابنة تزوجها إن شاء الله وهذا أصح إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل باب نكاح الرجل أم امرأة أصابها على وجه ما يكره قال مالك في الرجل يزني بالمرأة فيقام عليه الحد فيها إنه ينكح ابنتها وينكحها ابنه إن شاء وذلك أنه أصابها حراما وإنما الذي حرم الله ما أصيب بالحلال أو على وجه الشبهة بالنكاح قال الله تبارك وتعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء النساء قال مالك فلو أن رجلا نكح امرأة في عدتها نكاحا حلالا فأصابها حرمت على ابنه أن يتزوجها وذلك أن أباه نكحها على وجه الحلال لا يقام عليه فيه الحد ويلحق به الولد الذي يولد فيه بأبيه وكما حرمت على ابنه أن يتزوجها حين تزوجها أبوه في عدتها وأصابها فكذلك يحرم على الأب ابنتها إذا هو أصاب أمها قال أبو عمر قال الله عز وجل حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم الآية إلى قوله وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم

بهن النساء ثم قال وحلائل أبنائكم النساء ثم قال ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء النساء وأجمع العلماء على أن النكاح الحلال الصحيح يحرم أم المرأة أو ابنتها إذا دخل بها وكذلك كل نكاح يلحق فيه الولد ويدرأ به الحد يحرم أم المرأة على أمها ويحرم ربيبتها إذا دخل بها ويحرم زوجة الابن وزوجة الأب بكتاب الله عز وجل والسنة المجتمع عليها واختلفوا في الرجل يزني بالمرأة هل يحل له نكاح ابنتها وأمها وكذلك لو زنا بالمرأة هل ينكحها ابنه أو ينكحها أبوه وهل الزنى في ذلك كله يحرم ما يحرم النكاح الصحيح أو النكاح الفاسد أم لا فقال مالك في موطئه إن الزنى بالمرأة لا يحرم على من زنا بها نكاح ابنتها ولا نكاح أمها ومن زنا بأم امرأته لم تحرم عليه امرأته بل يقتل ولا يحرم الزنى شيئا بحرمة النكاح الحلال وهو قول بن شهاب الزهري وربيعة وإليه ذهب الليث بن سعد والشافعي وأبو ثور وداود وروي ذلك عن بن عباس وعقال في ذلك لا يحرم الحرام الحلال وقاله بن شهاب وربيعة واختلف فيه عن سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وذكر بن القاسم عن مالك خلاف ما في الموطإ فقال من زنا بأم امرأته فارق امرأته وهو عنده في حكم من نكح أم امرأته ودخل بها وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي كلهم يقولون من زنا بأم امرأته حرمت عليه امرأته قال سحنون أصحاب مالك كلهم يخالفون بن القاسم فيها ويذهبون إلى ما في الموطإ وقال الأوزاعي عن الزهري في الرجل يزني بالمرأة إن شاء تزوج ابنتها قال الأوزاعي لا نأخذ به

وقال الأوزاعي عن عطاء أنه كان يفسر قول بن عباس لا يحرم حرام حلالا أنه الرجل يزني بالمرأة فلا يحرم عليه نكاحها زناه بها وقال الليث إن وطئها وهو يتوهم جاريته لم يحرمها ذلك على ابنه قال الطحاوي وهذا خلاف قول الجميع إلا شيئا روي عن قتادة وروي عن عمران بن حصين في رجل زنا بأم امرأته قال قد حرمت عليه امرأته قال أبو عمر قد خالفه بن عباس في ذلك فقال لا تحرم عليه والله عز وجل إنما حرم على المسلم تزويج أم امرأته وابنتها وكذلك إذا ملكت يمينه امرأة فوطئها بملك اليمين حرمت عليه أمها وابنتها وكذلك ما وطى ء أبوه بالنكاح وملك اليمين وما وطى ء ابنه بذلك فدل على المعنى في ذلك الوطء الحلال والله المستعان وقد أجمع هؤلاء الفقهاء أهل الفتوى بالأمصار المسلمين أنه لا يحرم على الزاني نكاح المرأة التي زنا بها إذا استبرأها فنكاح أمها وابنتها أحرى وبالله التوفيق وسنذكر اختلاف السلف في تحريم نكاح الزانية على من زنا بها في موضعه إن شاء الله عز وجل باب جامع ما لا يجوز من النكاح مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق

هكذا رواه جمهور أصحاب مالك وقال فيه بن وهب عن مالك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار وكلهم ذكر عن مالك في تفسير الشغار معنى ما رواه عنه يحيى في الموطإ وللشغار في اللغة معنى لا مدخل له ها هنا وذلك أنه مأخوذ عندهم من شغار الكلب إذا رفع رجله للبول وزعموا أن ذلك لا يكون منه إلا بعد مفارقته حال الصغر إلى حال يمكن فيها الوثوب على الأنثى للنسل وهو عندهم للكلب علامة بلوغه إلى حال الاحتلام من الرجال ولا يرفع رجله للبول إلا وهو قد بلغ ذلك المبلغ يقال منه شغر الكلب يشغر إذا رفع رجله فبال أو لم يبل ويقال شغرت المرأة شغرا إذا رفعت رجلها للنكاح فهذا معنى الشغار في اللغة وأما معناه في الشريعة فهو أن ينكح الرجل وليته رجلا على أن ينكحه الآخر وليته ولا صداق بينهما إلا بضع هذه ببضع هذه على ما فسره مالك وجماعة الفقهاء وكذلك ذكر الخليل أيضا في العين وأجمع العلماء على أن نكاح الشغار مكروه ولا يجوز واختلفوا فيه إذا وقع هل يصح بمهر المثل أم لا فقال مالك لا يصح نكاح الشغار دخل بها أو لم يدخل ويفسخ أبدا قال وكذلك لو قال أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك بمائة دينار فلا خير في ذلك قال بن القاسم لا يفسخ النكاح في هذا إن دخل ويثبت بمهر المثل ويفسخ في الأول دخل أو لم يدخل على ما قاله مالك وقال الشافعي إذا لم يسم لواحدة منهما مهرا ويشرط أن يزوجه ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وهما يليان أمرهما على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ولم يسم واحد منهما صداقا فهذا الشغار ولا يصح عقد هذا النكاح ويفسخ قبل البناء وبعده قال ولو سمى لإحداهما صداقا أو لهما جميعا فالنكاح ثابت بمهر المثل

والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثله إن كان دخل بها أو نصف مهر مثله إن كان طلقها قبل الدخول وقال أبو حنيفة إذا قال أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك وتكون لكل واحدة بالأخرى فهو الشغار ويصح النكاح بمهر المثل وهو قول الليث وأحمد وإسحاق وأبي ثور وبه قال الطبري قال أبو عمر قوله فيمن نكح على خمر أو خنزير كقولهم في الشغار على ما ذكرنا عنه وقال أبو عبيد لا يكتب النكاح في شيء من ذلك ذكره في الخمر والخنزير قال أبو عمر حجة من أبطل النكاح في الشغار وسائر المهور المحرمة نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار فهو فعل طابق النهي ففسد لقول الله عز وجل وما نهاكم عنه فانتهوا الحشر ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه وإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم ولقوله عليه السلام كل عمل ليس عليه أمرنا يعني سنتنا فهو رد يعني مردودا وحجة من قال أن العقد في الشغار صحيح والمهر فاسد ويصح بمهر المثل إجماع العلماء على أن الخمر والخنزير لا يكون شيء منهما مهرا لمسلم وكذلك الغرر والمجهول وسائر ما نهى عن ملكه أو ملك على غير وجهه وسنته وأجمعوا مع ذلك أن النكاح على المهر الفاسد إذا فات بالدخول فلا يفسخ

لفساد صداقه ويكون فيه مهر المثل بخلاف سائر المعاوضات من البيوع والإجارات وغيرها المضمونات بأثمانها قالوا وإذا لم يفسخ لذلك بعد الدخول فكذلك لا يفسخ قبل الدخول لأنه لو لم يكن نكاحا منعقدا حلالا ما صار حلالا بالدخول والأصل في ذلك أن التزويج يضمن بنفسه لا بالعوض بدليل تجويز الله تعالى النكاح بغير صداق وذلك قوله لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة البقرة يريد ما لم تمسوهن وما لم تفرضوا لهن فريضة فلما أوقع الطلاق دل على صحة النكاح دون تسمية صداق لأن الطلاق غير واقع إلا على الزوجات وكونهن زوجات دليل على صحة النكاح بغير تسمية صداق والله أعلم مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع أبني يزيد بن جارية الأنصاري عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها هكذا روى مالك هذا الحديث فقال فيه وهي ثيب في درج الحديث ورواه غيره فجعله من بلاغ يحيى بن سعيد ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أخبره أن عبد الرحمن بن يزيد ومجمع بن يزيد الأنصاريين أخبراه أن رجلا منهم يدعى خداما أنكح ابنة له فكرهت نكاح أبيها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فرد نكاح أبيها فخطبت فنكحت أبا لبابة بن عبد المنذر وذكر يحيى بن سعيد أنه بلغه أنها كانت ثيبا وروى بن عيينة هذا الحديث فلم يذكر فيه وكانت ثيبا ذكره الحميدي وغيره عنه قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي عليه السلام فرد نكاحها

هكذا رواه بن عيينة لم يقم إسناده وقال فيه بعض أصحاب عبد الرحمن أنها كانت ثيبا قال بن عيينة وحدثني يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن امرأة من آل جعفر بن أبي طالب تخوفت أن ينكحها وليها فأرسلت إلى شيخين من الأنصار عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد تشهدهما أنه ليس لأحد من أمري شيء فأرسلا إليها ألا تخافي فإن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها قال أبو عمر لم يذكر بن عيينة أيضا في هذا الحديث ثيبا ولا بكرا وروى حديث خنساء هذا محمد بن إسحاق عن حجاج بن السائب عن أبيه عن جدته خنساء بنت خدام بن خالد قال وكانت أيما من رجل فزوجها أبوها رجلا من بني عمرو بن عوف فخطبت إلى أبي لبابة بن عبد المنذر فارتفع شأنها إلى النبي عليه السلام فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أباها أن يلحقها بهواها فتزوجت أبا لبابة بن عبد المنذر فذكر بن إسحاق في حديث خنساء أنها كانت ثيبا فدل على صحة رواية مالك وإذا كانت ثيبا كان حديثا مجتمعا على صحته والقول به لأن القائلين لا نكاح إلا بولي يقولون أن الثيب لا يزوجها أبوها ولا غيره من أهلها إلا بإذنها ورضاها ومن قال ليس للولي مع الثيب أمر فهو أحرى باستعمال هذا الحديث وكذلك الذين أجازوا عقد النكاح بغير ولي وقد تقدم ذكر القائلين بهذه الأقوال في هذا الكتاب ولا اعلم مخالفا في أن الثيب لا يجوز لأبيها ولا لغيره من الأولياء إكراهها على النكاح إلا الحسن البصري فإن أبا بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن علية عن يونس عن الحسن أنه كان يقول نكاح الأب جائز على ابنته بكرا كانت أو ثيبا اكرهها أو لم يكرهها ولا أعلم أحدا تابعه والله أعلم قال بن القاسم قال لي مالك في الأخ يزوج أخته الثيب برضاها والأب ينكر إن ذلك جائز على الأب قال مالك ما له ولها وهي مالكة أمرها وقال أبو حنيفة وأصحابه في الثيب لا ينبغي لأبيها أن يزوجها إلا برضاها

فإن استأمرها أمرته يزوجها وإن لم تأمره لم يزوجها بغير أمرها فإن زوجها بغير أمرها ثم بلغها كان لها أن تجيزه فإن أجازته جاز وإن أبطلته بطل قال إسماعيل أصل قول مالك في هذه المسألة أنه لا يجوز أن أجازته إلا أن يكون بالقرب استحسن أجازته بالقرب كأنه في وقت واحد ونور واحد وأبطله إذا بعد لأنه عقده عليها بغير أمرها ليس بعقد ولا يقع فيه طلاق وقال بن نافع سألت مالكا عن رجل زوج أخته ثم بلغها فقالت ما أرضى ولا أمرته بشيء ثم كلمت في ذلك فرضيت قال مالك لا أراه نكاحا جائزا ولا يقام عليه حتى يستأنفا جديدا أن شاءت وقال الشافعي وأحمد بن حنبل من زوج ابنته الثيب بغير إذنها فالنكاح باطل وإن رضيت وقال الشافعي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاح خنساء بنت خدام ولم يقل إلا أن تخبرني قال أبو عمر كانت خنساء بنت خدام هذه تحت أنيس بن قتادة الأنصاري فقتل عنها يوم أحد فزوجها أبوها رجلا من بني عمرو بن عوف فكرهته وشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ونكحت أبا لبابة بن عبد المنذر وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد مالك عن أبي الزبير المكي أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت قال بن وضاح يقول هذا تغليظ من عمر قال أبو عمر معلوم أن الرجم إنما يجب على الزاني والزاني من وطى ء فرجا لا شبهة له في وطئه وقد ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني هشيم عن يونس عن الحسن أن رجلا تزوج امرأة فأسر ذلك فكان يختلف إليها في منزلها فرآه جار لها يدخل عليها فقذفه بها فخاصمه إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين هذا كان يدخل على جارتي ولا أعلمه تزوجها فقال له قد تزوجت امرأة على شيء

دون فأخفيت ذلك قال فمن شهدكم قال أشهدنا بعض أهلها قال فدرأ الحد عن قاذفه وقال أعلنوا هذا النكاح وحصنوا هذه الفروج قال وحدثني بن فضيل عن ليث عن طاووس قال أتي عمر بامرأة قد حملت من رجل فقالت تزوجني فلان فقال إني تزوجتها بشهادة من أمي وأختي ففرق بينهما ودرأ عنهما الحد وقال لا نكاح إلا بولي وروى حماد بن زيد عن هشام بن عروة قال كان أبي يقول لا يصلح نكاح السر وقال داود بن قيس سمعت نافعا مولى بن عمر يقول ليس في الإسلام نكاح سر قال عبد الله بن عتبة شر النكاح نكاح السر وروى معمر عن بن طاوس عن أبيه قال الفرق ما بين السفاح والنكاح الشهود والثوري عن منصور عن إبراهيم قال في رجل تزوج بغير شهود قال يفرق بينهما ويعاقب قال أبو عمر نكاح السر عند مالك وأصحابه أن يستكتم الشهود أو يكون عليه من الشهود رجل وامرأتان ونحو ذلك مما يقصد به إلى التستر وترك الإعلان وروى بن القاسم عن مالك قال لو تزوج ببينة وأمرهم أن يكتموا ذلك لم يجز النكاح وإن تزوج بغير بينة على غير استسرار جاز واستشهدا فيما يستقبلان وروى بن وهب عن مالك في الرجل يتزوج المرأة بشهادة رجلين ويستكتمها قال يفرق بينهما بتطليقة ولا يجوز النكاح ولها صداقها أن كان أصابها ولا يعاقب الشاهدان أن كانا جهلا ذلك وإن كانا أتيا ذلك بمعرفة أن ذلك لا يصلح عوقبا وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إذا تزوجها بشاهدين وقال لهما اكتما جاز النكاح وهو قول يحيى بن يحيى صاحبنا قال كل نكاح شهد عليه رجلان فقد خرج من حد السر وأظنه حكاه عن الليث بن سعد والسر عند الشافعي والكوفيين ومن تابعهم كل نكاح لم يشهد عليه رجلان فصاعدا ويفسخ على كل حال

قال أبو عمر مالك رحمه الله يرى أن النكاح منعقد برضا الزوجين المالكين لأنفسهما وولي المرأة أو رضا الوليين في الصغار ومن جرى مجراهم من البوالغ الكبار على ما ذكرنا من مذهبه في باب الأولياء وليس الشهود في النكاح عنده من فرائض عقد النكاح ويجوز عقده بغير شهود وهو قول الليث والحجة لمذهبه أن البيوع التي ذكر الله فيها الإشهاد عند العقد قد قامت الدلالة بأن ذلك ليس من فرائض البيوع فالنكاح الذي لم يذكر الله فيه الإشهاد أحرى بأن لا يكون الإشهاد فيه من شروط فرائضه وإنما الفرض الإعلان والظهور لحفظ الأنساب والإشهاد يصلح بعد العقد للتداعي والاختلاف فيما ينعقد بين المتناكحين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أعلنوا النكاح وقول مالك هذا هو قول بن شهاب وأكثر أهل المدينة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والحسن بن صالح لا نكاح إلا بشهود وقال الشافعي والحسن والثوري أقل ذلك شاهدا عدل إلا أن الشافعي قال شهود النكاح على العدالة حتى تتبين الجرحة في حين العقد وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز أن ينعقد النكاح بشهادة أعميين ومحدودين في قذف وفاسقين قال أبو عمر ذهب هؤلاء إلى أن الإعلان المأمور به في النكاح هو الإشهاد في حين العقد ولم يشترطوا في الإعلان العدالة وروي عن بن عباس أنه قال لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد ولا مخالف له من الصحابة علمته وعن بن عباس أيضا أنه قال البغاء اللواتي يزوجن أنفسهن بغير بينة قال أبو عمر قد علم أن البغي لو أعلنت ببغيها حدت ولم يدخل إعلانها زناها في باب إعلان كما أن مهر البغي لو كان أكثر من مهر الصداق لم يكن ذلك

حلالا كقول بن عباس إنما هو تحريض على الإشهاد ومدح له ونهي عن تركه وذم له ليوقف عند السنة فيه ولا يتعدى كما قيل كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا ومعلوم أنه لا قول ولا دية في كسر عظم الميت وإنما اشتبهن في الإثم كما أشبه ترك الإشهاد والإعلان بما يستر من الفواحش في غير الإثم قال أبو عمر الحديث في هذا الباب عن عمر إنما ورد في نكاح لم يحضره إلا رجل وامرأة فجعله سرا إذ لم تتم فيه الشهادة وقد اختلف الفقهاء في النكاح بشهادة رجل وامرأتين فأجاز ذلك الكوفيون وهو قول الشعبي وقال الشافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل لا يجوز إلا بشهادة رجلين وهو قول النخعي ولا مدخل عندهم لشهادة النساء في النكاح والطلاق كما لا مدخل لها عند الجميع في الحدود وإنما تجوز في الأموال وأما مالك فحكم شهادة النساء عنده أنها لا تجوز في النكاح والطلاق ولا في غير الأموال إلا أنه جائز عنده عقد النكاح بغير بينة إذا أعلنوه ويشهدون بعد متى شاؤوا وقال مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار أن طليحة الأسدية كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما ثم قال عمر بن الخطاب أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم كان الآخر خاطبا من الخطاب وأن كان دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر ثم لا يجتمعان أبدا قال مالك وقال سعيد بن المسيب ولها مهرها بما استحل منها

قال أبو عمر الخبر بهذا عن عمر روي من وجوه من رواية أهل الحجاز وأهل العراق وقال به جماعة من أهل المدينة وروي عن علي بن أبي طالب وبن مسعود خلافه ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن صالح عن الشعبي عن علي رضي الله عنه قال يتزوجها أن شاء إذا انقضت عدتها وعن الثوري عن حماد عن إبراهيم قال يتزوجها أن شاء إذا انقضت عدتها وعن بن جريج قال أخبرني عطاء أن عليا أتي بامرأة نكحت في عدتها ودخل بها ففرق بينهما وأمرها أن تعتد ما بقي من عدتها الأولى ثم تعتد من هذه عدة مستقبلة فإذا انقضت عدتها فهي بالخيار إن شاءت نكحته وإن شاءت فلا قال أبو عمر اختلف الفقهاء في هذه المسألة على هذين القولين فقال مالك والأوزاعي والليث من تزوج امرأة في عدة من غيره ودخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا وزاد مالك ولا بملك يمين وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري إذا انقضت عدتها من الأول فلا بأس أن يتزوجها الآخر فهؤلاء ومن تابعهم قالوا بقول علي وقال مالك ومن تابعه بقول عمر قال أبو عمر وقد اتفق هؤلاء الفقهاء كلهم على أنه لو زنا بها جاز له تزويجها ولم تحرم عليه فالنكاح في العدة أحرى بذلك وأما طليحة هذه فهي طليحة بنت عبيد الله أخت طلحة بن عبيد الله التيمي وفي بعض نسخ الموطإ من رواية يحيى طليحة الأسدية وذلك خطأ وجهل ولا أعلم أحدا قاله وإنما هي تيمية أخت طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة وروى معمر عن الزهري عن بن المسيب أن طليحة بنت عبيد الله نكحت رشيد الثقفي في عدتها فجلدها عمر بالدرة وقضى أيما رجل نكح امرأة في

عدتها فأصابها فإنهما يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا وتستقبل بقية عدتها من الأول ثم تستقبل عدتها من الآخر وأن كان لم يمسها فإنه يفرق بينهما حتى تستكمل بقية عدتها من الأول ثم يخطبها مع الخطاب قال الزهري ولا أدري كم بلغ ذلك الجلد قال وجلد عبد الملك في ذلك كل واحده منهما أربعين جلدة قال فسئل عن ذلك قبيصة بن ذؤيب فقال لو كنتم خففتم فجلدتم عشرين ورواه بن جريج عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب فذكر حديث معمر وحديث معمر أتم ولم يذكر بن جريج جلد عبد الملك وقول قبيصة وروى معمر عن الزهري أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار اختلفا فقال بن المسيب لها صداقها وقال بن يسار صداقها في بيت المال وقال بن جريج أخبرني عبد الكريم وعمرو يزيد أحدهما على صاحبه أن رشيد بن عثمان بن عامر من بني معتب الثقفي نكح طليحة ابنة عبيد الله أخت طليحة بن عبيد الله في بقية عدتها من آخر وأن عمر بن الخطاب قال إذا دخل بها فرق بينهما ولا ينكحها أبدا ولها الصداق بما أصاب منها ثم تعتد بقية عدتها ثم تعتد من هذا وأن كان لم يدخل بها اعتدت بقية عدتها ثم ينكحها أن شاءت قلت ذكروا جلدا قال لا قال أبو عمر قد روى الشعبي عن مسروق عن عمر أن الصداق في بيت المال كما قال سليمان بن يسار ولم يذكر مالك قول سليمان بن يسار في حديثه عن بن شهاب كما ذكره معمر لوجوه منها رجوع عمر عنه ومنها أن السنة الثابتة قضت بأن للمرأة في النكاح الباطل مهرها بما استحل منها وقد ذكرنا الخبر بذلك فيما تقدم وهذا يدل على فقه مالك رحمه الله وعلمه بالأثر وحسن اختياره وروى الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق عن عمر قال مهرها في بيت المال ولا يجتمعان

قال الثوري وأخبرني أشعث عن الشعبي عن مسروق أن عمر رجع عن ذلك وجعل لها مهرها وجعلهما يجتمعان قال عبد الرزاق عن الثوري بذلك كله وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني معتمر بن سليمان عن برد عن مكحول قال فرق عمر بينهما وجعل صداقها في بيت المال قال وقال الزهري لم يكن صداقها في بيت المال هو بما أصابها من فرجها قال وحدثني بن علية عن صالح بن مسلم عن الشعبي قال قال عمر يفرق بينهما ويجعل صداقها في بيت المال وقال علي يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها قال وحدثني عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مثل قول علي سواء وهو قول إبراهيم والحكم وجمهور العلماء قال وحدثني بن نمير عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق قال قضى عمر في امرأة تزوجت في عدتها أن يفرق بينهما ما عاشا ويجعل صداقها في بيت المال وقال كان نكاحها حراما وصداقها حراما وقضى فيها علي أن يفرقهما وتوفي ما بقي من عدة الزوج الأول ثم تعتد ثلاثة قروء ولها الصداق بما استحل من فرجها ثم أن شاء خطبها بعد ذلك قال أبو عمر روى إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي في هذا الخبر قصة عمر وقصة علي ولم يرو عن الشعبي رجوع عمر إلى قول علي لأن الصداق لها بإصابته لها وأنهما يتناكحان بعد تمام العدة أن شاء ورواه غيره عن الشعبي وكان وجه منع عمر أن يتناكحا بعد تمام بعد أن مسها عقوبة وجعل مهرها في بيت المال عقوبة إلا أنه قد روي عنه أنه رجع عن ذلك إلى قول علي على ما ذكرنا وهي السنة في كل من وطئت بشبهة وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني نعيم بن حماد قال أخبرنا بن المبارك قال حدثني أشعث عن الشعبي عن مسروق قال بلغ عمر أن امرأة من قريش تزوجها

رجل من ثقيف في عدتها فأرسل إليهما يفرق بينهما وعاقبهما وقال لا ينكحها أبدا وجعل صداقها في بيت المال وفشا ذلك في الناس فبلغ عليا فقال يرحم الله أمير المؤمنين ما قال الصداق وبيت المال إنما جهلا فينبغي للإمام أن يردهما إلى السنة قيل فما تقول أنت فيهماقال لها الصداق بما استحل من فرجها ويفرق بينهما ولا جلد عليهما وتكمل عدتها من الأول ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثلاثة قروء ثم يخطبها أن شاء فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فخطب الناس فقال أيها الناس ردوا الجهالات إلى السنة قال أبو عمر قد اختلف العلماء في العدة من اثنين على حسب هذه القضية فقال مالك في رواية بن القاسم والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبي يوسف ومحمد إذا وجبت عليها العدة من رجلين فإن عدة واحدة تكون لهما جميعا سواء كانت العدة بالحمل أو بالحيض أو بالشهور وقال الشافعي والحسن بن حي والليث بن سعد وأحمد وإسحاق تتم بقية عدتها من الأول وتستأنف عدة أخرى من الآخر على ما روي عن علي وعمر رضي الله عنهما وهي رواية أهل المدينة عن مالك والحجة لما رواه بن القاسم عن مالك ومن قال من الفقهاء بذلك إجماعهم على أن الأول ينكحها في بقية العدة منه فدل ذلك على أنها في عدة من الآخر ولولا ذلك لنكحها في عدتها منه وهذا غير لازم لأن منع الأول من أن ينكحها في بقية عدتها إنما وجب لما يتلوها من عدة الثاني وهما حقان قد وجبا عليها للزوجين كسائر حقوق الآدميين لا يدخل أحدهما في صاحبه قال أبو عمر وقد اختلف قول مالك فيمن نكح في العدة عالما بالتحريم فمرة قال العالم بالتحريم والجاهل في ذلك سواء لا حد عليه على ظاهر خبر عمر وغيره في ذلك والصداق فيه لازم والولد لاحق ولا يعاقبان ولا يتناكحان أبدا ومرة قال العالم بالتحريم كالزاني يحد ولا يلحق به الولد وينكحها بعد الأستبراء والأول عنه أشهر قال مالك الأمر عندنا في المرأة الحرة يتوفى عنها زوجها فتعتد أربعة أشهر

وعشرا إنها لا تنكح إن ارتابت من حيضتها حتى تستبرئ نفسها من تلك الريبة إذا خافت الحمل قال أبو عمر هذا يدل من قولهم على أن الأربعة الأشهر والعشرة لا تبرى ء المتوفى عنها زوجها إلا أن تحيض فيهن أقل شيء حيضة وإنها إن لم تحض مرتابة إلا أن يكون أمر حيضتها بين الحيضتين أكثر من أربعة أشهر وعشر فلا ريبة حينئذ بها إلا أن تتهم نفسها بحمل وقول الليث في ذلك كقول مالك وقال أبو حنيفة والثوري والحسن بن حي والشافعي إذا انقضت أربعة أشهر وعشر بغير مخافة منها على نفسها حملا جاز لها النكاح وإن لم تحض قال أبو عمر من قال بأن الحامل تحيض ينكسر قوله في هذه المسألة إن شرط الحمل والله أعلم باب نكاح الأمة على الحرة مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر سئلا عن رجل كانت تحته امرأة حرة فأراد أن ينكح عليها أمة فكرها أن يجمع بينهما مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول لا تنكح الأمة على الحرة إلا أن تشاء الحرة فإن طاعت الحرة فلها الثلثان من القسم قال مالك ولا ينبغي لحر أن يتزوج أمة وهو يجد طولا لحرة ولا يتزوج أمة إذا لم يجد طولا لحرة إلا أن يخشى العنت وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات النساء وقال ذلك لمن خشي العنت منكم النساء قال مالك والعنت هو الزنى قال أبو عمر أما نكاح الأمة لمن عنده حرة فقد اختلف العلماء في ذلك واختلف فيه أيضا قول مالك

فقال مالك في رواية بن وهب وغيره عنه لا بأس أن يتزوج الرجل الأمة على الحرة والحرة بالخيار قال وإن تزوج الحرة على الأمة والحرة تعلم فلا خيار لها وإن لم تعلم ثبت الخيار وقال بن القاسم عنه في الأمة تنكح على الحرة أرى أن يفرق بينهما ثم رجع فقال تخير الحرة إن شاءت أقامت وإن شاءت فارقت قال وسئل مالك عن رجل تزوج أمة وهو ممن يجد الطول قال أرى أن يفرق بينهما فقيل له إنه يخاف العنت قال والشرط يضر به ثم خففه بعد ذلك قلت فإن كان لا يخشى العنت قال كان يقول مرة ليس له أن يتزوجها وقال عثمان البتي لا بأس أن يتزوج الرجل الأمة على الحرة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي لا يجوز لأحد أن يتزوج أمة وعنده حرة ولا يصح عندهم نكاح الأمة على الحرة ولا فرق بينهم على إذن الحرة وغير إذنها وهو قول سعيد بن المسيب في رواية والحسن والزهري قال عطاء جاز أن ينكح الأمة على الحرة إذا رضيت الحرة بذلك ويكون للأمة الثلث من القسمة والثلثان للحرة وأجاز ذلك مالك كما تقدم عنه إلا أن الحرة بالخيار وأما اختلافهم في نكاح الحرة على الأمة فقد تقدم مالك في ذلك أيضا وهو قول بن شهاب وأجازه علي رضي الله عنه وهو قول سعيد بن المسيب وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما وأبو ثور كل هؤلاء يجيزون نكاح الحرة على الأمة ولا يجيز نكاح الأمة على الحرة ذكر أبو بكر قال حدثني عبدة بن سليمان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال يتزوج الحرة على الأمة ولا يتزوج الأمة على الحرة ولم يذكر إذن الحرة وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه تزويج الحرة على الأمة طلاق للأمة

وهو قول بن عباس وإبراهيم النخعي إلا أن إبراهيم قال يفارق الأمة إلا أن يكون له منها ولد فإن كان لم يفرق بينهما وقال مسروق من كانت تحته أمة فوجد سعة و نكح حرة طلقت الأمة وحرمت عليه كالميتة تكون عند المضطر ثم يجد ما يأكل قال أبو عمر قال الله عز وجل ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات النساء يعني الحرائر والمؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم النساء يعني ملك اليمين من بعضكم لبعض فإنه لا يحل لأحد أن يتزوج أمة عند الجميع من فتياتكم المؤمنات النساء يقول من إمائكم المؤمنات وهذا التفسير مما لم يختلف فيه واختلفوا في الطول المذكور في هذه الآية فقال أكثر أهل العلم الطول المال ومعناه ها هنا وجود صداق الحرة في ملكه وممن قال بهذا مالك في بعض أقاويله والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وقال أحمد بن المعذل قال عبد الملك الطول كلما يقدر به على النكاح من نقد أو عرض أو دين على ما قال وكل ما يمكن بيعه أو إجارته فهو طول قال وليست الزوجة ولا الزوجتان ولا الثلاث طولا قال وقد سمعت ذلك من مالك قال عبد الملك لأن الزوجة لا ينكح بها ولا يصل بها إلى غيرها قال أبو عمر روي عن بن عباس وجابر وجماعة من السلف أنهم قالوا الطول المال فمن وجد صداق حرة فهو طول واحد أخبرنا سعيد بن نصر وأحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالوا وحدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن طلحة عن بن عباس في قوله ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات النساء يقول هذا لمن لم تكن له سعة أن ينكح الحرائر فلينكح من إماء المؤمنين ذلك لمن خشي العنت وهو الفجور وليس لأحد من الأحرار أن ينكح أمة إلا أن لا يقدر على حرة ويخشى العنت

قال وإن تصبروا عن نكاح الإماء خير لكم وذكر عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة وروى سعيد بن عروبة عن خالد بن ميمون عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة أن عبد الله بن مسعود قال إنما أحل الله نكاح الإماء لمن لم يستطع طولا وخشي العنت على نفسه وعن عامر الشعبي والحسن البصري وسعيد بن جبير مثله وقال سعيد بن جبير ما ارتجف نكاح الأمة عن الزنى إلا قليلا قال الله عز وجل وأن تصبروا النساء يعني عن نكاح الإماء خير لكم قال أبو عمر لا يجوز عند الشافعي ومن ذكرنا من السلف وأهل الفتيا بالأمصار لأحد من الأحرار أن يتزوج الأمة الا باجتماع الشرطين اللذين ذكر الله تعالى في هذه الآية وهما عدم الطول وخوف العنت فإن تزوجها على غير هذين الشرطين فنكاحها باطل وقالت طائفة جائز لمن خشي العنت أن يتزوج الأمة وإن كان موسرا وقال بعضهم يتزوج التي يخاف على نفسه منها الزنى بها دون غيرها وإن كان موسرا وروى بن المبارك وعبد الرزاق وبن جرير عن عطاء قال لا بأس بنكاح الأمة إن خشي على نفسه وإن كان موسرا وروى حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر قال إن خشي العنت فليتزوجها يعني الحر وإن كان ذا طول قال أبو عمر لا أدري من قول من هو يعني الحر وإن كان ذا طول لأنه قد تقدم عن جابر قول مجمل من وجد صداق حرة أنه يحرم عليه الأمة ولم يذكر العنت وروى شعبة قال سألت الحكم وحمادا عن الرجل يتزوج الأمة قال إذا خشي العنت فلا بأس وهو قول قتادة وإبراهيم والثوري في رواية وقال آخرون جائز أن ينكح الأمة من له طول وحده وإن لم يخف العنت إلا أن تكون عنده حرة

فمن كان في عصمته حرة فلا يحل له نكاح أمة هذا قول أبي حنيفة وأصحابه وطائفة من السلف والطول عندهم وجود حرة في عصمته فإن كانت تحته حرة حرم عليه نكاح الإماء وإن لم تكن عنده حرة لم يحرم عليه نكاح الإماء وإن كان غنيا وقال آخرون جائز نكاح الإماء على كل حال لقوله عز وجل فانكحوا ما طاب لكم من النساء النساء يعني ما حل وقد أحل الله نكاح الإماء والكتابيات وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن مجاهد في الذي ينكح الأمة قال هو مما وسع الله به على هذه الأمة نكاح الأمة والنصرانية وإن كان موسرا قال وبه يأخذ سفيان ويقول لا بأس بنكاح الأمة وذلك أني سألته عن نكاح الأمة فحدثني عن بن ابي ليلى عن المنهال عن عباد بن عبد الله عن علي رضي الله عنه قال إذا نكحت الحرة على الأمة كان للحرة يومان وللأمة يوم قال ولم ير به علي بأسا قال أبو عمر من أجاز نكاح الأمة لواجد الطول على حرة قال شرط الله تعالى في نكاح الإماء عدم الطول وخوف العنت وهو كشرطه عدم الخوف من الجور في إباحة الأربع من الحرائر وقوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا النساء إلى قوله لمن خشى العنت منكم النساء كقوله عز وجل فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة النساء وقد اتفق الجميع على أن للحر أن يتزوج أربعا وإن خاف ألا يعدل قالوا فكذلك له تزوج الأمة وإن كان واجدا للطول غير خائف للعنت قال أبو عمر ليس هذا بصحيح لأن الله عز وجل قد شرط عدم الاستطاعة في مواضع من كتابه فلم يختلفوا أن ذلك لا يجوز إلا على شرط الله تعالى مثل قوله في آية الظهار فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا المجادلة فلم يختلفوا أن الإطعام لا يجوز لمستطيع الصيام وكذلك قوله فمن لم يجد فصيام شهرين النساء في القتل وفي كفارة

اليمين فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام المائدة ولم يختلف علماء المسلمين أن ذلك لا يجوز إلا لمن لم يجد ما ذكر الله وجوده في الآيتين وأما شرط الخوف في نكاح الأربع فهو أشبه الأشياء بشرط الخوف في القصر بالسفر وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم القصر للآمن وكذلك بين نكاح الأربع للحر مع الخوف ألا يعدل لأن خوفه ليس بيقين والقول في هذا يطول وفيما لوحنا به كفاية إن شاء الله تعالى واختلف العلماء فيما يجوز للحر الذي لا يجد الطول ويخشى العنت من نكاح الإماء فقال مالك إذا كان ذلك جاز له أن ينكح من الإماء أربعا وهو قول أبي حنيفة وبن شهاب والزهري والحارث العكلي وقال حماد بن أبي سليمان ليس له أن ينكح من الإماء أكثر من اثنتين وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق ليس له أن ينكح من الإماء إلا واحدة وهو قول بن عباس ومسروق وجماعة وبالله التوفيق باب ما جاء في الرجل يملك امرأته وقد كانت تحته ففارقها مالك عن بن شهاب عن أبي عبد الرحمن عن زيد بن ثابت أنه كان يقول في الرجل يطلق الأمة ثلاثا ثم يشتريها إنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره قال أبو عمر اختلف العلماء في أسم أبي عبد الرحمن شيخ بن شهاب في هذا الخبر فقيل سليمان بن يسار وهو عندي بعيد لأن سليمان بن يسار ليس عند بن شهاب ممن يستر اسمه ويكنى عنه لجلالته عنده ويدلك على ذلك أنه قد صرح باسمه في أحاديث كثيرة حدث بها عنه

وممن قال أنه سليمان بن يسار وكيع بن الجراح وروي هذا الحديث عن مالك عن بن شهاب عن أبي عبد الرحمن عن زيد بن ثابت ثم قال وكيع أبو عبد الرحمن هو سليمان بن يسار وقيل هو أبو الزناد وهذا أبعد أيضا لأن أبا الزناد لم يرو عن زيد بن ثابت ولا رآه وإنما يروي الفرائض وغيرها عن خارجة ابنه وما يروي بن شهاب عن كبار الموالي إلا قليلا عن الجلة منهم فكيف يروي عن أبي الزناد وهو من صغارهم عنده وقيل هو طاوس وهذا عندي قريب وأولى بالحق وإنما كتم أسمه مع فضله وجلالته لأن طاوس كان يطعن على بني أمية وربما دعا عليهم في بعض مجالسه فكان يذهب فيهم مذهب بن عباس شيخه وكان بن شهاب يدخل عليهم ويقبل جوائزهم وقد سئل بن شهاب في مجلس هشام أتروي عن طاوس فقال لسائله أما إنك لو رأيت طاوس لعلمت أنه لا يكذب ولا يجد ولم يجبه بأنه يروي عنه أو لا يروي عنه فهذا كله دليل على أن أبا عبد الرحمن المذكور في هذا الحديث طاوس والله تعالى أعلم مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا عن رجل زوج عبدا له جارية فطلقها العبد البتة ثم وهبها سيدها له هل تحل له بملك اليمين فقالا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره مالك أنه سأل بن شهاب عن رجل كانت تحته أمة مملوكة فاشتراها وقد كان طلقها واحدة فقال تحل له بملك يمينه ما لم يبت طلاقها فإن بت طلاقها فلا تحل له بملك يمينه حتى تنكح زوجا غيره قال أبو عمر قال الله عز وجل فإن طلقها يعني الثالثة فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره البقرة فلم يجعلها حلالا إلا بنكاح الزوج لها لا بملك يمينه

وعلى هذا جماعة العلماء وأئمة الفتوى مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وكان بن عباس وعطاء والحسن يقولون إذا اشتراها الذي بت طلاقها حلت له بملك اليمين على عموم قوله عز وجل أو ما ملكت أيمانكم النساء قال أبو عمر هذا خطأ من القول لأن قوله تعالى أو ما ملكت أيمانكم النساء لا يبيح الأمهات ولا الأخوات ولا البنات فكذلك سائر المحرمات وقال عطاء لو اشتراها الزوج فأصابها ثم أعتقها جاز له نكاحها ولو لم يصبها بعد ما اشتراها حتى أعتقها لم تحل له وروي مثل ذلك ومثل هذا عن زيد بن ثابت وروي عن زيد من وجوه أنها لا تحل بحال حتى تنكح زوجا غيره وهو الصحيح عنه وأما وطء السيد لأمته التي قد بت طلاقها زوجها فقد اختلف الصحابة ومن بعدهم هل يحلها ذلك الوطء لزوجها أم لا فروي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن الأمة يبتها زوجها ثم يطأها سيدها هل يحل لزوجها أن يراجعها فقال ليس بزوج ذكر بن أبي شيبة وعبد الرزاق قالا حدثني هشيم عن خالد الحذاء عن مروان الأصفر عن أبي رافع ان عثمان بن عفان سئل عن ذلك وعنده علي وزيد قال فرخص في ذلك عثمان وزيد قالا هو زوج فقام علي مغضبا كرها لما قالا وقال ليس بزوج ليس بزوج قال وحدثني هشيم عن خالد عن أبي معشر عن إبراهيم أن عليا قال ليس بزوج يعني السيد وهو قول عبيدة ومسروق والشعبي وإبراهيم وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وأبي الزناد وعليه جماعة فقهاء الأمصار وروي عن عثمان وزيد بن ثابت والزبير خلاف ذلك وقد تقدم حديث عثمان وزيد

روى هشيم أيضا عن يونس عن الحسن عن زيد بن ثابت قال هو زوج إذا لم يرد الإحلال قال بن أبي شيبة وحدثني عبدة عن سعيد عن قتادة عن الحسن أن زيد بن ثابت والزبير بن العوام كانا لا يريان بأسا إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين وهي أمه ثم غشيها سيدها غشيانا لا يريد بذلك مخالفة ولا إحلالا أن ترجع إلى زوجها بخطبة وصداق قال أبو عمر هذا يحتمل أن يكون الزوج عبدا فيكونا ممن يرى الطلاق بالرجال أو يكون حرا فيكون على مذهب من قال الطلاق بالنساء قال مالك في الرجل ينكح الأمة فتلد منه ثم يبتاعها إنها لا تكون أم ولد له بذلك الولد الذي ولدت منه وهي لغيره حتى تلد منه وهي في ملكه بعد ابتياعه إياها قال مالك وإن اشتراها وهي حامل منه ثم وضعت عنده كانت أم ولده بذلك الحمل فيما نرى والله أعلم قال أبو عمر لأئمة الفتوى في هذه المسألة ثلاثة أقوال أحدها قول مالك تلخيصه إن ملكها وهي حامل منه صارت أم ولد له وإن ملكها بعد ما ولدت لم تكن أم ولد وهو قول الليث وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا تزوج أمه فولدت منه ثم ملكها صارت أم ولد وقال الشافعي لا تكون أم ولد وإن ملكها حاملا حتى تحمل منه في ملكه ونحوه قول الثوري وأبي ثور وأحمد وإسحاق قال أبو عمر إنما تكون الأمة أم ولد إذا ولدت من يكون تبعا لأبيه وذلك لا يكون إذا كانت ملكا لغيره موطوءة بنكاح فإذا وطئت بملك يمين كان ولدها تبعا لأبيه وصارت بذلك أم ولد وأما إذا ولدت وهي أمة فولدها غير تبع لها فكيف تكون له أم ولد وهذا واضح إن شاء الله تعالى

باب ما جاء في كراهية إصابة الأختين بملك اليمين والمرأة وابنتها مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين توطأ إحداهما بعد الأخرى فقال عمر ما أحب أن أخبرهما جميعا ونهى عن ذلك قال أبو عمر معنى قوله إن أخبرهما يريد أطأهما جميعا بملك يمين ومنه قيل للحراث الخبير ومنه قيل للمزارعة مخابرة وقال الله عز وجل نساؤكم حرث لكم البقرة وقد روي عن بن عباس نحو قول عمر ذكره سنيد قال حدثني أبو الأحوص عن طارق بن عبد الرحمن عن قيس قال قلت لابن عباس أيقع الرجل على المرأة وابنتها مملوكتين له قال أحلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء أنه لا يحل لأحد أن يطأ امرأة وابنتها من ملك اليمين لأن الله تبارك وتعالى حرم ذلك في النكاح لقوله تعالى وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم النساء وملك اليمين عندهم تبع النكاح إلا ما روي عن عمر وبن عباس في ذلك وليس عليه أحد من أئمة الفتوى ولا من تبعهم مالك عن بن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما فقال عثمان أحلتهما آية وحرمتهما آية فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك قال فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن

ذلك فقال لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا قال بن شهاب أراه علي بن أبي طالب مالك أنه بلغه عن الزبير بن العوام مثل ذلك قال أبو عمر وأما قوله أحلتهما آية وحرمتهما آية فإنه يريد تحليل الوطء بملك اليمين مطلقا في غير ما آية من كتابه وأما قوله وحرمتهما آية فإنه أراد عموم قوله عز وجل وأمهات نسائكم وربائبكم النساء وقوله وإن تجمعوا بين الأختين النساء ولم يخص وطئا بنكاح ولا ملك يمين فلا يحل الجمع بين المرأة وابنتها ولا بين الأختين بملك اليمين وقد روي مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم بن عباس ولكن اختلف عليهم ولا يلتفت إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز ولا بالعراق وما وراءهما من المشرق ولا بالشام ولا المغرب إلا من شذ عن جماعتهم لاتباع الظاهر وبقي القياس وقد ترك من تعمد ذلك ظاهرا مجتمعا عليه وجماعة الفقهاء متفقون أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما لا يحل ذلك في النكاح وقد أجمع المسلمون على أن معنى قول الله عز وجل حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة النساء إن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء فكذلك يجب أن يكون قياسا ونظرا الجمع بين الأختين والأمهات والربائب فكذلك هو عند الجمهور وهم الحجة المحجوج بها على من خالفهم وشذ عنهم والحمد لله وأما كناية قبيصة بن ذؤيب عن علي برجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلصحبته عبد الملك بن مروان واشتغال بني أمية للسماع بذكره ولا سيما فيما خالف فيه عثمان رضوان الله عليهما

وأما قول علي لو أن الأمر إلي لجعلته نكالا ولم يقل لحددته حد الزاني فلان من تأول آية أو سنة ولم يطأ عند نفسه حراما فليس بزان بإجماع وإن كان مخطئا إلا أن يدعي في ذلك ما لا يعذر بجهله وقول بعض السلف في الجمع بين الأختين بملك اليمين أحلتهما آية وحرمتهما آية معلوم محفوظ فكيف يحد حد الزاني من فعل ما فيه مثل هذا من الشبهة القوية وبالله التوفيق حدثني خلف بن أحمد أن أحمد بن مطرف حدثهم قال حدثني أيوب بن سليمان ومحمد بن عمر بن لبابة قالا حدثني أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم قال حدثني أبو عبد الرحمن المقرئ عن موسى بن أيوب الغافقي قال حدثني عمي إياس بن عامر قال سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت له إن لي أختين مما ملكت يميني أتخذت إحداهما سرية فولدت لي أولادا ثم رغبت في الأخرى فما أصنع فقال علي تعتق التي كنت تطأها ثم تطأ الأخرى قلت فإن ناسا يقولون ثم تزوجها ثم تطأ الأخرى فقال علي أرأيت إن طلقها زوجها أو مات عنها أليست ترجع إليك لأن تعتقها اسلم لك ثم أخذ علي بيدي فقال لي إنه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله من الحرائر إلا العدد أو قال الأربع ويحرم عليك من الرضاعة مثل ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب قال أبو عمر في هذا الحديث رحلة لو لم يصب الراجل من أقصى المغرب إلى المشرق إلى مكة غيره لما خابت رحلته وروى أحمد بن حنبل قال حدثني محمد بن مسلمة عن هشام عن بن سيرين عن بن مسعود قال يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد وعن بن سيرين والشعبي مثل ذلك قال مالك في الأمة تكون عند الرجل فيصيبها ثم يريد أن يصيب أختها إنها لا تحل له حتى يحرم عليه فرج أختها بنكاح أو عتاقة أو كتابة أو ما أشبه ذلك يزوجها عبده أو غير عبده قال أبو عمر أما إذا حرم فرجها ببيع أو عتق فلا خلاف أنه يطأ الأخرى لأن العتق لا يتصرف فيه بحال والبيع لا يرجع إليه إلا بفعله وأما الكتابة فقد تعجز فترجع إليه بغير فعله

وكذلك في التزويج ترجع إليه بفعل غيره وهو الطلاق لا بفعله وقول مالك حسن لأنه تحريم صحيح في الحال ولا تلزم مراعاة المال وحسبه إذا حرم فرجها عليه ببيع أو بتزويج لأنه في التزويج قد ملك فرجها غيره وحرمت عليه في الحال وأما قول الثوري والكوفيين في ذلك فقال الثوري إن وطى ء إحدى أمتيه لم يطأ الأخرى فإن باع الأولى أو زوجها ثم رجعت إليه أمسك عن الأخرى وهو قول أبي حنيفة وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز أن يتزوج أخت أم ولده ولا يطأ التي يتزوج حتى يحرم فرج أم ولده ويملكه غيره فإن زوجها ثم عادت إليه بفرقة زوجها لها وطى ء الزوجة ما دامت أختها في العدة فأما بعد انقضاء العدة فلا يطأ امرأته حتى يملك فرج أم الولد وغيره وقال مالك من كانت عنده جارية يطأها فاشترى أختها فله أن يقيم على وطء الأولى ولا يطأ الثانية حتى تحرم الأولى وكذلك لو ملك الأختين معا وطى ء إحداهما ثم لم يطأ الأخرى حتى يحرم فرج التي كان يطأ وقال مالك إن تزوج أخت أم ولده لم يعجبني ولم أفرق بينهما ولكنه لا يطأ واحدة منهما حتى يحرم أيتهما شاء قال مالك لو كانت له أمة يطأها فباعها ثم تزوج أختها فلم يدخل بها حتى اشترى أختها التي كان يطأها فباعها فإن له أن يطأ امرأته لأن هذا ملك ثان قال أبو عمر لا يطأها في قول الكوفيين وهو معنى ما روي عن علي رضي الله عنه قالوا لأن الملك الذي منع وطء الزوجة في الابتداء موجود فلا فرق بين عودتها إليه وبين بقائها بدءا في ملكه قال مالك إذا زوج أم ولده ثم اشترى أختها فإن له أن يطأها فإن رجعت إليه أم ولده فله أن يطأ الأمة التي عنده ويمسك عن أم ولده وقال الأوزاعي إذا وطى ء جارية له بملك اليمين لم يجز له أن يتزوج أختها وقال الشافعي ملك اليمين لا يمنع نكاح الأخت

قال أبو عمر لم يختلفوا فيمن كانت له أمة له يطأها بملك يمينه أن له أن يشتري أختها فيطأها حتى تحرم التي كان يطأ واختلفوا في عقدة النكاح على أخت الجارية التي توطأ بملك اليمين فمن جعل عقد النكاح كالشراء أجازه ومن جعله كالوطء لم يجزه وقد أجمعوا أنه لا يجوز العقد على أخت الزوجة لقول الله عز وجل وأن تجمعوا بين الأختين النساء يعني الزوجتين بعقد النكاح فقف على ما أجمعوا عليه واختلفوا فيه من هذا الباب بين لك الصواب إن شاء الله باب النهي عن أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب وهب لابنه جارية فقال لا تمسها فإني قد كاشفتها مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه قال وهب سالم بن عبد الله لابنه جارية فقال لا تقربها فإني قد أردتها فلم أنشط إليها وعن يحيى بن سعيد أن أبا نهشل بن الأسود قال للقاسم بن محمد إنتي رأيت جارية لي منكشفا عنها وهي في القمر فجلست منها مجلس الرجل من امرأته فقالت إني حائض فقمت فلم أقربها بعد أفأهبها لابني يطؤها فنهاه القاسم عن ذلك مالك عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبد الملك بن مروان أنه وهب لصاحب له جارية ثم سأله عنها فقال قد هممت أن أهبها لابني فيفعل بها كذا وكذا فقال عبد الملك لمروان كان أورع منك وهب لأبنه جارية ثم قال لاتقربها فإني قد رأيت ساقها منكشفة قال أبو عمر أعلى ما في هذا المعنى ما أخبرنا به أبو محمد عبد الله بن

محمد بن عبد المؤمن قال حدثني عبد المؤمن بن محمد بن عثمان بن ثابت قال حدثني إسماعيل بن إسحاق قال حدثني علي بن المديني قال حدثني بن عيينة قال حدثني يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول أن عمر جرد جارية فنظر إليها ثم نهى ولده أن يقربها وذكر عبد الرزاق عن بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عبد الله وعبد الرحمن ابني عامر بن ربيعة ان عامر بن ربيعة وكان بدريا نهاهما عن جارية له أن يقرباها قالا وما علمناه كان منه إليها شيء إلا أن يكون أطلع منها مطلعا كره أن يطلعه أحدهما وعن الثوري عن بن أبي ليلى عن الحكم أن مسروقا قال في جارية له إني لم أصب منها إلا ما حرم علي ولدي من اللمس والنظر وعن الثوري عن معمر عن عاصم بن سليمان عن الشعبي عن مسروق أنه قال لبنيه في أمة له قد نظرت منها منظرا وقعدت منها مقعدا لا أحب أن تقعدوا منها مقعدي ولا تنظروا منظري وعن مجاهد وإبراهيم والقاسم التحريم باللمس والقبل ووضع اليد على الفرج والنظر إليه وعن معمر عن قتادة والحسن قالا لا يحرمها إلا الوطء قال أبو عمر قد اختلف عن قتادة في ذلك ولم يختلف عن الحسن فيما علمت والله أعلم ذكر بن أبي شيبة قال حدثني محمد بن يزيد عن أبي العلاء وقتادة وأبي هاشم قالا في الرجل يقبل أم امرأته أو ابنتها حرمت عليه امرأته قال وحدثني عبد الأعلى عن هشام عن الحسن في الرجل يقبل المرأة أو يلمسها أو يأتيها في غير فرجها إن شاء تزوجها وتزوج أمها إن شاء وإن شاء ابنتها واتفق مالك والثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والليث أن اللمس لشهوة يحرم الأم والابنة فيحرمها على الأب والابن وهو أحد قولي الشافعي وهو الأكثر عنه وله قول آخر أنه لا يحرمها إلا الوطء

وبه قال داود واختاره المزني من قولي الشافعي واختلفوا في النظر فقال مالك إذا نظر إلى شعر جاريته أو صدرها أو ساقها أو شيء من محاسنها تلذذا حرمت عليه أمها وقال بن أبي ليلى والشافعي لا تحرم بالنظر حتى يلمس وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا نظر في الفرج بشهوة كان بمنزلة اللمس بشهوة وقال الثوري إذا نظر إلى فرجها متعمدا ولم يذكر الشهوة قال أبو عمر حرم الله عز وجل على الأباء حلائل أبنائهم وحرم على الابناء ما نكح آباؤهم من النساء وحرم أمهات النساء والربائب المدخول بأمهاتهن وأجمعوا أن ذلك كله أريد به الوطأ مع العقد في الزوجات واختلفوا في العقد دون الوطء وفي الوطء دون العقد على ما قد ذكرناه والحمد لله وملك اليمين في ذلك كله تبع للنكاح وجاء عن جمهور السلف انهم كرهوا من اللمس والقبل والكشف ونحو ذلك ما كرهوا من الوطء ورعا ودينا ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه ومن رعى حول الحمى لم يؤمن عليه أن يرتع فيه باب النهي عن نكاح إماء أهل الكتاب قال مالك لا يحل نكاح أمة يهودية ولا نصرانية لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم المائدة فهن الحرائر من اليهوديات والنصرانيات وقال الله تبارك وتعالى ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم النساء فهن المؤمنات قال مالك فإنما أحل الله فيما نرى نكاح الإماء المؤمنات ولم يحلل نكاح إماء أهل الكتاب اليهودية والنصرانية قال مالك والأمة اليهودية والنصرانية تحل لسيدها بملك اليمين

ولا يحل وطء أمة مجوسية بملك اليمين قال أبو عمر قد أوضح به مالك رحمه الله في هذا الكتاب بما احتج به نصوص الكتاب وعلى ما ذهب إليه من ذلك جمهور أهل العلم وقد ذكرنا أنه تفسير بن عباس من رواية علي بن أبي طلحة وغيره عنه قال بن عباس من لم يكن له سعة أن ينكح الحرائر فلينكح من إماء المؤمنين وكذلك قال بن أبي نجيح عن مجاهد من لم يستطع أن ينكح المرأة المؤمنة فلينكح الأمة المؤمنة وقال لا ينبغي للحر المسلم أن ينكح المملوكة من إماء أهل الكتاب لأن الله تعالى يقول من فتياتكم المؤمنات النساء وقال يزيد بن ذريع عن يونس عن الحسن إنما رخص الله في الأمة المؤمنة قال الله عز وجل من فتياتكم المؤمنات لمن لم يجد طولا وهذا قول بن شهاب الزهري ومكحول وسفيان الثوري والأوزاعي ومالك والليث وأحمد وإسحاق إلا أن الثوري قال لا أكره الأمة الكتابية ولا أحرمه وأما مالك والشافعي والليث والأوزاعي فقالوا لا يجوز لحر ولا لعبد مسلم نكاح أمة كتابية وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس بنكاح إماء أهل الكتاب لأن الله تعالى قد أحل الحرائر منهن والإماء تبع لهن وروي عن أبي يوسف أنه قال أكره نكاح الأمة الكتابية إذا كان مولاها كافرا والنكاح جائز وقال محمد بن الحسن يجوز نكاحها للعبد قال أبو عمر لا أعلم لهم سلفا في قولهم هذا إلا أبا ميسرة عمرو بن شرحبيل فإنه قال إماء أهل الكتاب بمنزلة الحرائر منهن ولهم في ذلك أحتجاجات من المقايسات عليهم مثلها سوى ظاهر النص وبالله التوفيق وأما قوله الأمة اليهودية والنصرانية تحل لسيدها بملك اليمين فعلى هذا جمهور أهل العلم على عموم قول الله عز وجل أو ما ملكت أيمانكم النساء

وجاء عن الحسن البصري أنه كره وطء الأمة اليهودية والنصرانية بملك اليمين وهذا شذوذ عن الجماعة التي هي الحجة على من خالفها وأما قوله ولا يحل وطء أمة مجوسية بملك اليمين فهذا أيضا قول جمهور أهل العلم ولم يختلف فيه فقهاء أهل الأمصار من أهل الرأي والآثار وروي عن مجاهد وطاوس في ذلك رخصة وهو قول شاذ مهجور وقد روى وكيع وغيره عن الثوري عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن علي قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم قبل منه ومن أبى ضربت عليه الجزية على أن لا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة وروى سفيان الثوري عن حماد قال سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال لا بأس به فقلت فإن الله تعالى يقول ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن البقرة قال أهل الأوثان والمجوس وذكر سنيد قال حدثني جرير عن موسى بن أبي عائشة قال سألت سعيد بن جبير ومرة الهمداني قلت أناس يشترون المجوسيات فيقع أحدهم عليها قبل أن تسلم فقال مرة ما يصلح هذا وقال سعيد ما يجوز منهن إذا فعلوا ذلك فكان سعيد أشدهما قولا قال وحدثني جرير عن مغيرة عن حماد عن إبراهيم قال إذا سبيت اليهوديات والنصرانيات أجبرن على الإسلام فإن أسلمن وطئن واستخدمن إن لم يسلمن استخدمن وإذا سبيت المجوسيات وعبدة الأوثان يجبرن على الإسلام فإن أسلمن وطئن واستخدمن وإن لم يسلمن استخدمن و إن لم يوطأن وقال هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال إذا سبيت المجوسية والوثنية فلا توطأ حتى تسلم وإن أبين أكرهن وقال الأوزاعي سألت الزهري عن الرجل يشتري المجوسية أيطأها فقال إذا شهدت أن لا إله إلا الله وطئها

وروى شريك عن سماك بن حرب عن أبي سلمة بن أبي عبد الرحمن قال لا يطأها حتى تسلم وقال الليث بن يونس عن بن شهاب قال لا يحل له أن يطأها حتى تسلم قال أبو عمر قد أجمعوا أنه لا يجوز لمسلم نكاح مجوسية ولا وثنية ولا خلاف بين العلماء في ذلك وإذا كان حراما بإجماع نكاحها فكذلك وطؤها بملك اليمين قياسا ونظرا فإن قيل إنكم تجيزون وطء الأمة الكتابية بملك اليمين ولا تجيزون نكاحها قيل إن الله تعالى نص على الفتيات المؤمنات عند عدم الطول إلى المحصنات فماذا بعد قول الله تعالى قال أبو عمر قول بن شهاب وهو أعلم الناس بالمغازي والسير دليل على فساد قول من زعم أن سبي أوطاس وطئن ولم يسلمن وروي ذلك عن طائفة منهم عطاء وعمرو بن دينار قال لا بأس بوطء الأمة المجوسية وهذا لم يلتفت إليه أحد من الفقهاء بالأمصار وقد جاء عن الحسن البصري وهو ممن لم يكن غزوه ولا غزو أهل ناحيته إلا الفرس وما ورائهم من خرسان ولم يكن أحد منهم أهل كتاب ما يبين لك كيف كانت السيرة في نسائهم إذا سبين أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثني إبراهيم بن أحمد بن فراس قال حدثني علي بن عبد العزيز قال حدثني أبو عبيد قال حدثني هشيم عن يونس عن الحسن قال قال له رجل يا أبا سعيد كيف كنتم تصنعون إذا سبيتموهن قال كنا نوجهها إلى القبلة ونأمرها أن تسلم وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم نأمرها أن تغتسل فإذا أراد صاحبها أن يصيبها لم يصبها حتى يستبرئها وعلى هذا تأويل جماعة العلماء في قول الله عز وجل ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن البقرة إنهن الوثنيات والمجوسيات لأن الله تعالى قد أحل الكتابيات بقوله تعالى والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم المائدة يعني العفائف لا من شهر زناها من المسلمات ومنهم من كره نكاحها ووطئها بملك

اليمين ما لم يكن منهن توبة لما في ذلك من إفساد النسب وسيأتي ذكر نكاح الزانية في موضعه إن شاء الله عز وجل وقد كان بن عمر يكره نكاح الكتابيات ويحمل قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن البقرة على كل كافرة ويقول لا أعلم شركا أكبر من قولهن المسيح بن الله وعزير بن الله وهذا قول شذ فيه بن عمر عن جماعة الصحابة رضوان الله عليهم وخالف ظاهر قول الله عز وجل اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم المائدة ولم يلتفت أحد من علماء الأمصار قديما وحديثا إلى قوله ذلك لأن إحدى الآيتين ليست بأولى بالاستعمال من الأخرى ولا سبيل إلى نسخ إحداهما بالأخرى ما كان إلى استعمالهما سبيل فآية سورة البقرة عند العلماء في الوثنيات والمجوسيات وآية المائدة في الكتابيات وقد تزوج عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة الكلبية نصرانية وتزوج طلحة بن عبد الله يهودية وتزوج حذيفة يهودية وعنده حرتان مسلمتان عربيتان ولا أعلم خلافا في نكاح الكتابيات الحرائر بعد ما ذكرنا إذا لم تكن من نساء أهل الحرب فإن كن حربيات فأكثر أهل العلم على كراهية نكاحهن لأن المقام له ولذريته بدار الحرب حرام عليه ومن تزوج بدار الحرب فقد رضي المقام بها أخبرنا أحمد بن قاسم وأحمد بن محمد قالا حدثنا محمد بن نصر قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج عن المسعودي عن الحكم بن عتبة قال قلت لإبراهيم أتعلم شيئا من نساء أهل الكتاب حراما قال لا قال الحكم وقد كنت سمعت من أبي عياض أن نساء أهل الكتاب محرم نكاحهن في بلادهن فذكرت ذلك لإبراهيم فصدق به وأعجبه قال أبو عمر أبو عياض هذا من كبار التابعين وفقهائهم أدرك عمر بن الخطاب فكان يروي عن أبي هريرة وبن عباس ويفتي في حياتهما ويستفتى في خلافة معاوية

قيل أسمه قيس بن ثعلبة واتفق مالك وأبو حنيفة والشافعي إن نكاح الحربيات في دار الحرب حلال إلا أنهم يكرهون ذلك من أجل الولد والنساء وقال سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعروة بن الزبير في المرأة من أهل الكتاب حربية تدخل أرض العرب لا تنكح إلا أن تظهر السكنى بأرض العرب قبل أن تخطب وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل باب ما جاء في الإحصان قال أبو عمر هكذا ترجمة هذا الباب في جميع الموطآت فيما علمت ونذكر هنا من الإحصان ما فيه كفاية ونزيده بيانا في الحدود إن شاء الله تعالى مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال المحصنات من النساء هن أولات الأزواج ويرجع ذلك إلى أن الله حرم الزنى قال أبو عمر للعلماء في تأويل هذه الآية ثلاثة أقوال أحدها أن المحصنات في الآية ذوات الأزواج من السبايا خاصة وإن هذه الآية نزلت في السبايا اللاتي لهن أزواج في بلادهن سبين معهم أو دونهم وأكثر العلماء على أن السبي يقطع العصمة بينهم روي ذلك عن علي وبن عباس وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وبن مسعود وأبي سعيد الخدري رضوان الله عليهم وروي ذلك عن أبي سعيد الخدري سندا ذكره بن أبي شيبة قال حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة أن أبا علقمة الهاشمي حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية فأصابوا حيا من العرب يوم أوطاس فهزموهم وقتلوهم وأصابوا لهم نساء لهن أزواج وكان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تأثموا من غشيانهن من أجل أزواجهن فأنزل الله تعالى والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم النساء يعني

منهن فحلال لكم فاقتصرت طائفة من السلف والخلف في تأويل هذه الآية على السبايا ذوات الأزواج خاصة اللائي فيهن نزلت الآية وقالوا ليس بيع الأمة طلاقها لأن الآية في السبايا خاصة وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو الصواب والحق إن شاء الله تعالى وفي الحديث قول أول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرها ولو كان بيع الأمة طلاقها ما خبرت والقول الثاني أن المحصنات في الآية كل أمة ذات زوج وسبيها طلاق لها وتحل فليشتريها بملك اليمين على ظاهر قول الله عز وجل والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم النساء قالوا فكل من ملك أمة فهي له حلال على ظاهر الكتاب ذات زوج كانت أو غير ذات زوج وإن كان ذلك كذلك فلا بد وأن يكون بيع الأمة طلاقا لها لأن الفرج يحرم على اثنين في حال واحدة على اتفاق من علماء المسلمين ويجتمع في هذا القول من قال بالقول الأول ومن قال إن بيع الأمة طلاقها وممن قال بذلك بن مسعود ومالك وبن عباس وإسحاق وأبي بن كعب رضي الله عنهم ذكر أبو بكر قال حدثني أبو معاوية وأبو أسامة عن الأعمش عن إبراهيم قال عبد الله بيع الأمة طلاقها قال وحدثني أبو أسامة عن الأشعث عن الحسن وعن سعيد عن قتادة عن بن عباس وجابر وأنس قالوا بيع الأمة طلاقها وهو قول سعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن ومجاهد وعكرمة وستأتي هذه المسألة في كتاب البيوع إن شاء الله عز وجل وروى الثوري عن حماد عن إبراهيم قال قال بن مسعود في قوله تعالى والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم النساء قال ذوات الأزواج من المسلمين والمشركين وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذوات الأزواج من المشركين والقول الثالث أن المحصنات في الآية وإن كن ذوات الأزواج فإنه يدخل في ذلك كل محصنة عفيفة ذات زوج وغير ذات زوج

وهو معنى قول سعيد بن المسيب ويرجع ذلك إلى أن الله تعالى حرم الزنى وكان هؤلاء قد جعلوا النكاح وملك اليمين سواء ومعنى قوله تعالى في الآية عندهم إلا ما ملكت أيمانكم النساء يعني تملكون عصمتهن بالنكاح وتملكون الرقبة بالشراء فكأنهن كلهن ملك يمين وما عدا ذلك فزنا وروى معمر عن أيوب عن بن سيرين عن عبيدة قال أحل الله تعالى أربعا في أول السورة وحرم نكاح المحصنة بعد الأربع إلا ما ملكت يمينك بالنكاح وبالشراء وروى معمر عن بن طاوس عن أبيه في قوله تعالى والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم النساء قال زوجتك مما ملكت يمينك ويقول حرم الله الزنى فلا يحل لك أن تطأ امرأة إلا ما ملكت يمينك وروي مثله عن جابر بن زيد وعكرمة ومجاهد وعطاء والشعبي مالك عن بن شهاب وبلغه عن القاسم بن محمد أنهما كانا يقولان إذا نكح الحر الأمة فمسها فقد أحصنت قال مالك وكل من أدركت كان يقول ذلك تحصن الأمة الحر إذا نكحها فمسها فقد أحصنته قال مالك يحصن العبد الحرة إذا مسها بنكاح ولا تحصن الحرة العبد إلا أن يعتق وهو زوجها فيمسها بعد عتقه فإن فارقها قبل أن يعتق فليس بمحصن حتى يتزوج بعد عتقه ويمس امرأته قال مالك والأمة إذا كانت تحت الحر ثم فارقها قبل أن تعتق فإنه لا يحصنها نكاحه إياها وهي أمة حتى تنكح بعد عتقها ويصيبها زوجها فذلك إحصانها والأمة إذا كانت تحت الحر فتعتق وهي تحته قبل أن يفارقها فإنه يحصنها إذا عتقت وهي عنده إذا هو أصابها بعد أن تعتق وقال مالك والحرة النصرانية واليهودية والأمة المسلمة يحصن الحر المسلم إذا نكح إحداهن فأصابها

قال أبو عمر مذهب مالك وأصله في هذا الباب أن كل حر جامع جماعا مباحا بنكاح وكان بالغا فهو يحصن وسواء كانت زوجته مسلمة أو ذمية حرة أو أمة وكذلك كل حرة مسلمة بالغ جومعت بنكاح صحيح نكاحا مباحا فهي تحصنه وزوجها كان زوجها حرا أو عبدا ولا يقع الإحصان ولا يثبت لكافر ولا لعبد ذكر ولا أنثى وليس نكاح الحر للأمة إحصانا للأمة ولا نكاح الذمي للذمية إحصانا عنده وسيأتي ذكر مذهبه ومذهب غيره في رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى والوطء المحظور والنكاح الفاسد لا يقع به إحصان والصغيرة تحصن الكبير عنده والأمة تحصن الحر والذمية تحصن المسلم ولا يحصن الكبير الصغيرة ولا الحر الأمة ولا المسلم الكافرة ولا يقع الإحصان إلا بتمام الإيلاج في الفرج أقله مجاوزة الختان الختان فهذا مذهب مالك وأصحابه وحد الحصانة التي توجب الرجم في مذهبه أن يكون الزاني حرا مسلما بالغا عاقلا قد وطى ء وطئا مباحا في عقد صحيح ولا خلاف بين العلماء أن عقد النكاح لا يثبت به إحصان حتى يجامعهم الوطء الموجب الغسل والحد وقال مالك إذا تزوجت المرأة خصيا ولم يعلم بوطئها ثم علمت أنه خصي فلها أن تختار فراقه ولا يكون ذلك الوطء إحصانها وقال الثوري لا يحصن الحر المسلم بأمة ولا بكافرة وقال الشافعي إذا دخل بامرأته وهما حران بالغان فهما يحصنان وسواء كانوا مسلمين أو كافرين وقال أبو حنيفة وأصحابه الإحصان أن يكونا مسلمين حرين بالغين قد جامعها جماعا يوجب الحد والغسل هذا تحصيل مذهبهم وقد روي عن أبي يوسف في الإملاء أن المسلم يحصن النصرانية ولا تحصنه

وروي عنه أيضا أن النصراني إذا دخل بامرأته النصرانية وهما حران بالغان ثم أسلما أنهما محصنان وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال بن أبي ليلى إذا زنى اليهودي والنصراني بعد ما أحصن فعليهم الرجم قال أبو يوسف وبه نأخذ وقال الحسن بن حي لا يكون الحر المسلم محصنا بالكافرة ولا بالأمة ولا يحصن إلا بالأمة المسلمة قال ويحصن المسلم الكافر ويحصن الكافران كل واحد منهما صاحبة وقال الليث في الزوجين المملوكين يكونان محصنين حتى يدخل بها بعد إسلامهما قال فإن تزوج امرأة في عدتها فوطئها ثم فرق بينهما فهذا إحصان وقال الأوزاعي في العبد تحته حره إذا زنى فعليه الرجم قال ولو كانت تحته أمة فأعتق ثم زنى لم يكن عليه رجم حتى ينكح غيرها وقال في الجارية التي لم تحصن أنها تحصن الرجل والغلام الذي لم يحتلم لا يحصن المرأة قال ولو تزوج امرأة فإذا هي أخته من الرضاعة فهذا إحصان قال أبو عمر قول الأوزاعي أن المملوك يكون محصنا بالحرة والمملوكة تكون محصنة بالحر وليس بشيء إن الله عز وجل يقول فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب النساء وبيان هذه المسألة في كتاب الحدود عند ذكر حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في الأمة إذا زنت إن شاء الله تعالى قال أبو عمر روي مثل قول مالك في أن الأمة تحصن الحر وإن العبد يحصن الحرة وإن الكافرة تحصن الحر عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وبن شهاب وروى معمر عن الزهري قال سأل عبد الملك بن مروان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أتحصن الأمة الحر قال نعم قال عمن قال أدركنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة ابن الصلاح تقي الدين عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح

     مقدمة ابن الصلاح  تقي الدين عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح  يعد هذا الكتاب أشهر كتاب في علم مصطلح الحديث على الإطلاق ذكر في...