الدعاء

اللهم فكما ألهمت بإنشائه وأعنت على إنهائه فاجعله نافعاً في الدنيا وذخيرة صالحة في الأخرى واختم بالسعادة آجالنا وحقق بالزيادة آمالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا واجعل إلى حصنك مصيرنا ومآلنا وتقبل بفضلك أعمالنا إنك مجيب الدعوات ومفيض الخيرات والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين اللهم لنا جميعا يا رب العالمين .وسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته  } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب . والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم إلى يوم الدين آمين.

الأحد، 28 أغسطس 2022

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 101 سطر 1 الى ص 110 سطر 12.

 

تابع ـ101ـ

الذى أتاه رئيه بظهور النبى صلى الله عليه وسلم قال فأرسل اليه عمر رضى الله عنه فقال له أنت ...................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 101 سطر 1 الى ص 110 سطر 12

الذى أتاه رئيه بظهور النبى صلى الله عليه وسلم قال فأرسل اليه عمر رضى الله عنه فقال له أنت

سواد بن قارب قال نعم قال أنت الذى أتاك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

نعم قال فأنت على ما كنت عليه من كهانتك قال فغضب وقال ما استقبلنى بهذا

أحد منذ أسلمت يا أمير المؤمنين فقال عمر سبحان الله ما كنا عليه من الشرك

أعظم مما كنت عليه من كهانتك فأخبرنى باتيانك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان اذ أتانى رئيى فضربنى

برجله قال قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتى واعقل ان كنت تعقل انه قد بعث

رسول من لؤى بن غالب يدعو إلى الله عزوجل والى عبادته ثم أنشأ يقول

عجبت للجن وتطلابها * وشدها العيس بأقتابها

تهوى إلى مكة تبغى الهدى * ما صادق الجن ككذابها

فارحل إلى الصفوة من هاشم * ليس قداماها كأذنابها

قال قلت دعنى أنام فانى امسيت ناعسا فلما كانت الليلة الثانية أتانى فضربنى

برجله وقال قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتى واعقل ان كنت تعقل انه قد بعث

رسول من لؤى بن غالب يدعو إلى الله عزوجل والى عبادته ثم أنشأ يقول

عجبت للجن وتخبارها * وشدها العيس بأكوارها

تهوى إلى مكة تبغى الهدى * ما مؤمن الجن ككفارها

فارحل إلى الصفوة من هاشم * بين روابيها وأحجارها

قال قلت دعنى أنام فانى أمسيت ناعسا فلما كانت الليلة الثالثة أتانى فضربنى

برجله وقال قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتى واعقل ان كنت تعقل انه قد بعث

رسول من لؤى بن غالب يدعو إلى الله عزوجل والى عبادته ثم أنشأ يقول

عجبت للجن وتجساسها * وشدها العيس بأحلاسها

تهوى إلى مكة تبغى الهدى * ما خير الجن كأنجاسها

ـ102ـ

فارحل إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينك إلى راسها

فقمت فقلت قد إمتحن الله قلبى فرحلت ناقتى ثم أتيت المدينة فاذا رسول الله

وصحبه حوله فدنوت فقلت اسمع مقالتى يا رسول الله قال هات فأنشأت أقول :

أتانى نجيبى بعد هدء ورقدة * ولم يك فيما قد بلوت بكاذب

ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتاك رسول من لؤى بن غالب

فشمرت من ذيلى الازار ووسطت * بى الذعلب ( 1 ) الوجناء بين السباسب

فأشهد أن الله لا رب غيره * وأنك مأمون على كل غائب

وأنك أدنى المرسلين وسيلة * إلى الله يابن الاكرمين الاطايب

فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل * وان كان فيما جاء شيب الذوائب

وكن لى شفيعا يوم لا ذو شفاعة * سواك بمغن عن سواد بن قارب

قال ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمقالتى فرحا شديدا حتى رؤى الفرح في

وجوههم . قال فوثب اليه عمر بن الخطاب رضى الله عنه فالتزمه وقال قد كنت

اشتهى أن أسمع هذا الحديث منك فهل يأتيك رئيك اليوم قال اما منذ قرأت

القرآن فلا ونعم العوض كتاب الله من الجن ثم أنشأ عمر يقول كنا يوما في حى

من قريش يقال لهم آل ذريح وقد ذبحوا عجلا لهم والجزار يعالجه اذ سمعنا صوتا

من جوف العجل ولا نرى شيئا يا آل ذريح أمر نجيح صائح يصيح بلسان فصيح

يشهد أن لا إله إلا الله . وقد روينا خبر سواد هذا من طريق البخارى ثنا يحيى

ابن سليمان قال حدثنى ابن وهيب قال حدثنى عمر أن سالما حدثه عن عبدالله

ابن عمر فذكر الخبر أخصر مما سقناه وفى الالفاظ إختلاف . قال السهيلى ولسواد

ابن قارب هذا مقام حميد في دوس حين بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما . قال

* ( هامش ) * ( 1 ) الذعلب بكسر الدال المشددة وسكون العين وكسر اللام الناقة

السريعة . ( * )

ـ103ـ

ومن هذا الباب خبر سوداء بنت زهرة بن كلاب وذلك انها حين ولدت ورآها

أبوها زرقاء سيماء أمر بوأدها وكانوا يئدون من البنات ما كانت على هذه الصفة

فأرسلها إلى الحجون لتدفن هناك فلما حفر لها الحافر وأراد دفنها سمع هاتفا يقول

لا تئد الصبية وخلها في البرية فالتفت فلم ير شيئا فعاد لدفنها فسمع الهاتف يسجع

بسجع آخر في المعنى فرجع إلى أبيها وأخبره بما سمع فقال إن لها لشأنا وتركها

فكانت كاهنة قريش فقالت يوما لبنى زهرة ان فيكم نذيرة أو تلد نذيرا فاعرضوا

على بناتكم فعرضن عليها فقالت في كل واحدة منهن قولا ظهر بعد حين حتى

عرضت عليها آمنة بنت وهب فقالت هذه النذيرة أو ستلد نذيرا . وهو خبر طويل

ذكر الزبير يسيرا منه . وذكره بطوله أبوبكر النقاش .

( خبر مازن بن الغضوبة )

أخبرنا على بن محمد التغلبى قال أنا محمد بن غسان بن غافل وغيره قالا أنا على بن

الحسن الدمشقى قال أنا الشيخان أبوالقاسم زاهر وأبوبكر وجيه ابنا طاهر بن محمد

الشحاميان بنيسابور قالا أنا أبوحامد أحمد بن الحسن الازهرى قال أنا أبومحمد الحسن

ابن أحمد المخلدى قال أنا أبوعمران موسى بن العباس الجوينى ثنا على بن حرب

ثنا المنذر هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن عبدالله العمانى عن مازن بن

الغضوبة قال كنت أسدن صنما بسمال قرية بعمان فعترنا ذات يوم عنده عتيرة

وهى الذبيحة فسمعنا صوتا من الصنم يقول :

يا مازن إسمع تسر * ظهر خير وبطن شر * بعث نبى من مضر

بدين الله الكبر * فدع نحيتا من حجر * تسلم من حر سقر

ـ104ـ

قال ففزعت لذلك فقلت إن في هذا لعجبا . قال ثم عترت بعد أيام عتيرة فسمعت

صوتا من الصنم يقول .

اقبل إلى أقبل * تسمع مالا يجهل * هذا نبى مرسل * جاء بحق منزل

فآمن به كى تعدل * عن حر نار تشعل * وقودها بالجندل

فقلت إن في هذا لعجبا ( 1 ) وانه لخير يراد بى فبينا نحن كذلك إذ قدم رجل من أهل

الحجاز قلنا ما الخبر وراءك قال ظهر رجل يقال له أحمد يقول لمن أتاه أجيبوا

داعى الله فقلت هذا نبأ ما سمعته فثرت إلى الصنم فكسرته جذاذا وركبت

راحلتى فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرح لى الاسلام فأسلمت وقلت

كسرت بادر أجذاذا وكان لنا * ربا نطيف به ضلا بتضلال

بالهاشمى هدانا من ضلالتنا * ولم يكن دينه منى على بال

يا راكبا بلغن عمرا واخوتها * أنى لمن قال ربى بادر قالى

يعنى بعمرو بنى الصامت واخوتها بنى الخظامة . قال مازن فقلت يا رسول الله انى مولع

بالطرب وبشرب الخمر وبالهلوك من النساء وألحت علينا السنون فذهبن بالاموال وهزلن

الذرارى والعيال وليس لى ولد فادع الله أن يذهب عنى ما أجد ويأتينى بالحيا ( 2 )

ويهب لى ولدا فقال النبى صلى الله عليه وسلم اللهم ابدله بالطرب قراءة القرآن وبالحرام الحلال

وبالخمر ريا لا إثم فيه وبالعهر عفة الفرج وائته بالحيا وهب له ولدا قال مازن

فأذهب الله عنى ما كنت أجد وتعلمت شطر القرآن وحججت حججا وأخصبت

عمان ووهب الله لى حيان بن مازن وأنشدت أقول :

إليك رسول الله خبت مطيتى * تجوب الفيافى من عمان إلى العرج

 

لتشفع لى يا خير من وطئ الحصى * فيغفر لى ربى وأرجع بالفلج

إلى معشر خالفت في الله دينهم * فلا رأيهم رأيى ولا شرجهم شرجى

* ( هامش ) * ( 1 ) في النسخ " ان هذا لعجبا " ( 2 ) أى : المطر ( * )

ـ105ـ

وكنت امرأ بالرعب والخمر مولعا * شبابى حتى آذن الجسم بالنهج

فبدلنى بالخمر خوفا وخشية ( 1 ) * وبالعهر إحصانا فحصن لى فرجى

فأصبحت همى في الجهاد ونيتى * فلله ما صومى ولله ما حجى

وروينا عن زمل بن عمرو العذرى قال كان لبنى عذرة صنم يقال له خمام فكانوا

يعظمونه وكان في بنى هند بن حرام بن ضبة بن عبد بن كثير بن عذرة وكان

سادنه رجلا يقال له طارق وكانوا يعترون عنده فلما ظهر النبى صلى الله عليه وسلم سمعنا صوتا

يقول يا بنى هند بن حرام ظهر الحق وأودى خمام ودفع الشرك الاسلام . قال ففزعنا

لذلك وهالنا فمكثنا أياما ثم سمعنا صوتا وهو يقول يا طارق يا طارق بعث النبى

الصادق بوحى ناطق صدع صادعة بأرض تهامة لناصريه السلامة ولخاذليه الندامة

هذا الوداع منى إلى يوم القيامة . قال زمل فوضع الصنم لوجهه . قال زمل فابتعت راحلة

ورحلت حتى أتيت النبى صلى الله عليه وسلم مع نفر من قومى وأنشدته شعرا قلته :

إليك رسول الله أعملت نصها * أكلفها حزنا وقوزا من الرمل

لانصر خير الناس نصرا مؤزرا * وأعقد حبلا من حبالك في حبلى

وأشهد أن الله لا شئ غيره * أدين له ما أثقلت قدمى نعلى . في خبر ذكره

وروينا عن ابن هشام ابن بعض أهل العلم حدثه أنه كان لمرداس أبى عباس

ابن مرداس السلمى وثن يعبده وهو حجر يقال له ضمار فلما حضر مرداس قال

لعباس أى بنى أعبد ضمار فانه ينفعك ويضرك فبينما عباس يوما عند ضمار إذ سمع

من جوف ضمار مناديا يقول :

قل للقبائل من سليم كلها * أودى ضمار وعاش أهل المسجد

ان الذى ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتد

أودى ضمار وكان يعبد مرة * قبل الكتاب إلى النبى محمد

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " وعفة " ولعله غلط . ( * )

ـ106ـ

فحرق العباس ضمار ولحق بالنبى صلى الله عليه وسلم . وروى أبوجعفر العقيلى عن رجل من

بنى لهب يقال له لهيب أو لهيب بن مالك قال حضرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت

عنده الكهانة فقلت بأبى وأمى نحن أول من عرف حراسة السماء وزجر الشياطين

ومنعهم من إستراق السمع عند قذف النجوم وذلك أنا إجتمعنا إلى كاهن لنا يقال

له خطر بن مالك وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه مائتا سنة وثمانون سنة وكان

من أعلم كهاننا فقلنا له يا خطر هل عندك علم من هذه النجوم التى يرمى بها فانا قد

فزعنا لذلك وخفنا سوء عاقبتها فقال إئتونى بسحر أخبركم الخبر ألخير أم ضرر

أو لامن أو حذر قال فانصرفنا عنه يومنا فلما كان من غد في وجه السحر أتيناه

فاذا هو قائم على قدميه شاخص في السماء بعينيه فناديناه يا خطر يا خطر فأومأ الينا

أمسكوا فأمسكنا فانقض نجم عظيم من السماء وصرخ الكاهن رافعا صوته

أصابه أصابه خامره عقابه عاجله عذابه أحرقه شهابه زايله جوابه يا ويله ما حاله

بلبله بلباله عاوده خباله تقطعت حباله وغيرت أحواله . ثم أمسك طويلا يقول

يا معشر بنى قحطان :

أخبركم بالحق والبيان * أقسمت بالكعبة والاركان

والبلد المؤتمن السدان * قد منع السمع عتاة الجان

بثاقب بكف ذى سلطان * من أجل مبعوث عظيم الشان

يبعث بالتنزيل والفرقان * وبالهدى وفاضل القرآن

تبطل به عبادة الاوثان

قال فقلت ويحك يا خطر إنك لتذكر أمرا عظيما فماذا ترى لقومك فقال

أرى لقومى ما أرى لنفسى * أن يتبعوا خير نبى الانس

برهانه مثل شعاع الشمس * يبعث في مكة دار الحمس

بمحكم التنزيل غير اللبس

ـ107ـ

فقلنا له يا خطر وممن هو فقال والحياة والعيش انه لمن قريش ما في حكمه

طيش ولا في خلقه هيش ( 1 ) يكون في جيش وأى جيش من آل قحطان

وآل أيش . فقلنا بين لنا من أى قريش هو فقال والبيت ذى الدعائم انه

لمن نجل هاشم من معشر أكارم يبعث بالملاحم وقتل كل ذى ظالم ثم قال هذا

هو البيان أخبرنى به رئيس الجان . ثم قال الله أكبر جاء الحق وظهر وانقطع

عن الجن الخبر . ثم سكت وأغمى عليه فما أفاق إلا بعد ثلاثة فقال لا إله

إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله لقد نطق عن مثل نبوة وانه ليبعث

يوم القيامة أمة وحده . قال السهيلى المعنى وصابه مثل وشاح وأشاح وتكون الهمزة

بدلا من واو مكسورة . وروينا من طريق ابن ماجه ثنا محمد بن يحيى ثنا اسرائيل

ثنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس ان قريشا أتوا إمرأة كاهنة فقالوا

لها أخبرينا أشبهنا أثرا بصاحب المقام فقال إن أنتم جررتم كساء على هذه السهلة ثم

مشيتم عليها أنبأتكم فجروا كساء ثم مشى الناس عليها فأبصرت اثر رسول الله

صلى الله عليه وسلم فقالت هذا أقربكم اليه شبها ثم مكثوا بعد ذلك عشرين سنة

أو ما شاء الله ثم بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم . وذكر ابن أبى خيثمة ثنا موسى ثنا حماد

عن حميد عن عكرمة ان نفرا من قريش مروا بجزيرة من جزائر البحر فاذا هم

بشيخ من جرهم فقال ممن أنتم قلنا نحن من أهل مكة من قريش فقال الشيخ ذات

يوم لقد طلع الليلة نجم لقد بعث فيكم نبى قال فنظروا فاذا النبى صلى الله عليه

وسلم قد بعث تلك الليلة . قرئ على أبى عبدالله محمد بن عبدالمؤمن المقدسى وأنا

أسمع بغوطة دمشق أخبرتكم أم النور عين الشمس بنت أحمد بن أبى الفرج

الثقفى إجازة قالت أنا أبوالفتح إسمعيل بن الفضل بن أحمد بن الاخشيد قراءة

عليه ثنا الشيخ الزكى أبوالقاسم الفضل بن أحمد بن أحمد بن محمود الثقفى ثنا ابو

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : ليس عنده حدة وسرعة غضب . ( * )

ـ108ـ

بكر أحمد بن يوسف بن ابراهيم الثقفى ثنا أبوعلى الحسن ابن محمد بن إله المعدل

ثنا عمرو بن على ثنا عبيد الله بن عبدالمجيد ثنا القاسم بن الفصل ثنا أبونضرة عن

أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال بينما راع يرعى بالجزيرة إذ عرض الذئب

 

لشاة من شائه فحال الراعى بين الذئب وبين الشاة فأقعى الذئب على ذنبه فقال

ألا تتقى الله تحول بينى وبين رزق ساقه الله إلى . فقال الراعى هل أعجب من ذئب

مقع على ذنبه يكلمنى بكلام الانس . فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب منى رسول

الله صلى الله عليه وسلم بين الحرتين ( 1 ) يحدث الناس بأنباء ما قد سبق فساق الراعى شاءه فأتى

المدينة فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثه بما قال الذئب فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم صدق الراعى إن من أشراط الساعة كلام السباع الانس والذى

نفسى بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم الرجل شراك نعله وعذبة صوته ويخبره بما

صنع أهله . وذكر الواقدى باسناد له قال كان ابوهريرة يحدث ان قوما من خثعم

كانوا عند صنم لهم جلوسا وكانوا يتحاكمون إلى أصنامهم . وفيه قال ابوهريرة رضى

الله عنه فبينا الخثعمون عند صنمهم اذ سمعوا هاتفا يهتف :

يأيها الناس ذوو الاجسام * ومسندو الحكم إلى الاصنام

أكلكم أوره كالكهام * أما ترون ما أرى امامى

من ساطع يجلو دجى الظلام * ذاك نبى سيد الانام

من هاشم في ذروة السنام * مستعلن بالبلد الحرام

جاء بهد الكفر بالاسلام * أكرمه الرحمن من إمام

قال أبوهريرة فأمسكوا عنه ساعة حتى حفظوا ذلك ثم تفرقوا فلم تمض بهم ثالثة حتى

فجئهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قد ظهر بمكة فما أسلم الخثعميون حتى إستأخر

إسلامهم ورأوا عبرا عند صنمهم . قال ابن إسحق وحدثنى على بن نافع الجرشى أن

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : المدينة لانها بين حرتين عظيمتين : والحرة هى الارض ذات الحجارة السود . ( * )

ـ109ـ

جنبا بطنا من اليمن كان لهم كاهن في الجاهلية فلما ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه

وسلم وانتشر في العرب قالت له جنب أنظر لنا في أمر هذا الرجل واجتمعوا اليه

في أسفل جبل فنزل عليهم حين طلعت الشمس فوقف لهم قائما متكئا على قوس

له فرفع رأسه إلى السماء طويلا ثم جعل ينزو ثم قال أيها الناس إن الله أكرم محمدا

واصطفاه وطهر قلبه وحشاه ومكثه فيكم أيها الناس قليل ثم اشتد في جبله راجعا

من حيث جاء . والاخبار في هذا كثيرة .

( ذكر المبعث ، متى وجبت له صلى الله عليه وسلم النبوة )

قرئ على أبى عبدالله محمد بن عبدالمؤمن بن أبى الفتح الصورى وأنا أسمع

أخبركم أبوالقاسم عبد الصمد بن محمد بن أبى الفضل بن الحرستانى قراءة عليه

وأنتم تسمعون فأقر به قال أنا أبومحمد عبدالكريم بن حمزة بن أبى الخضر السلمى

سماعا عليه قال أنا أبومحمد عبدالعزيز بن أحمد الكنانى قال أنا تمام بن محمد

الرازى قال أنا أحمد بن سليمان ثنا يزيد بن محمد ثنا أ بوالجماهر ثنا سعيد بن بشير

ثنا قتادة عن الحسن عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت أول النبيين

في الخلق وآخرهم في البعث . أخبرنا محمد بن اسمعيل بن عبدالله بن الانماطى

بقراءة والدى عليه وأنا أسمع قال أنا ابن الحرستانى سماعا وأبوالحسن المؤيد

ابن محمد بن على الطوسى إجازة قال أنا وقال ابن الحرستانى أنبأنا الامام أبوعبد

الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوى قال أنا أبوحفص بن مسرور قال أنا أبو

عمرو بن نجيد ثنا محمد بن أيوب الرازى قال أنا محمد بن سنان العوقى ثنا ابراهيم

ـ110ـ

ابن طهمان عن بديل عن عبدالله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال قلت يا رسول

الله متى كنت نبيا قال كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد .

( كم كانت سنه صلى الله عليه وسلم حين بعث )

أخبرنا أبوحفص عمر بن عبد المنعم بن القواس بقراءتى عليه بعربيل بغوطة

دمشق قلت له أخبركم القاضى الامام ابوالقاسم عبدالصمد بن محمد بن أبى الفضل

الانصارى قراءة عليه بحضورك في الرابعة فأقر به قال أنا جمال الاسلام أبوالحسن

السلمى قال أنا أبونصر الحسين بن محمد بن طلاب قال أنا أبوالحسين بن جميع

ثنا خالد بن محمد بدمياط ثنا محمد بن على الصائغ ثنا محمد بن بشر التنيسى ثنا

الاوزاعى قال حدثنى ربيعة بن أبى عبدالرحمن قال حدثنى أنس بن مالك أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس الاربعين وقبض على رأس الستين وما في رأسه

ولحيته عشرون شعرة بيضاء .

ـ111ـ

( خبر بعثه عليه السلام إلى الاسود والاحمر )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 111 سطر 1 الى ص 120 سطر 23

( خبر بعثه عليه السلام إلى الاسود والاحمر )

أخبرنا أبومحمد عبدالعزيز بن عبد المنعم الحرانى بقراءة والدى عليه أخبركم

أبوعلى ضياء بن أبى القاسم عن الخريف قال أنا أبوبكر محمد بن عبدالباقي بن

محمد الانصارى قال أنا ابوالحسن على بن عيسى الباقلانى قال أنا أحمد بن جعفر

ثنا الحسن بن الطيب البلخى ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بكر بن مضر عن ابن الهاد

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عام

تبوك قام من الليل يصلى فاجتمع رجال من أصحابه يحرسونه حتى اذا صلى وانصرف

اليهم قال لهم لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلى اما أولهن فأرسلت

إلى الناس كلهم عامة وكان من قبلى إنما يرسل إلى قومه . ونصرت بالرعب على العدو

ولو كان بينى وبينه مسيرة شهر لملئ منى رعبا . وأحلت لى الغنائم كلها وكان من قبلى

يعظمونها كانوا يحرمونها . وجعلت لى الارض مسجدا وطهورا أينما أدركتنى الصلاة

تمسحت وصليت وكان من قبلى يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم .

والخامسة قيل لى سل فان كل نبى قد سأل فأخرت مسألتى إلى يوم القيامة فهى

لكم ولمن شهد أن لا إله إلى الله . قرئ على عبدالرحيم بن يوسف الموصلى وأنا اسمع

اخبركم ابن طبرزد قال أنا ابن الحصين أنا ابن غيلان عن أبى بكر الشافعى ثنا ابراهيم

ابن عبدالله بن مسلم ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير

عن أبى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع بى من يهودى أو نصرانى ثم

لم يسلم دخل النار . قال ابن إسحق فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة

بعثه الله رحمة للعالمين وكافة للناس وكان الله قد أخذ له الميثاق على كل نبى بعثه قبله

ـ112ـ

بالايمان به والتصديق له والنصر على من خالفه وأخذ عليهم أن يؤدوا ذلك إلى كل

من آمن بهم وصدقهم فأدوا من ذلك ما كان عليهم من الحق فيه بقول الله تعالى

لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم

رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى -

اى ثقل ما حملتكم من عهدى - قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين )

فأخذ الله الميثاق عليهم جميعا بالتصديق له والنصر وأدوا ذلك إلى من آمن بهم

وصدقهم من اهل هذين الكتابين . وعن عائشة رضى الله عنها ان أول ما ابتدئ

به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله به كرامته ورحمة العباد

به الرؤيا الصادقة لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح وحبب الله اليه الخلوة فلم يكن

شئ أحب اليه من أن يخلو وحده . وروينا عن ابى بشر الدولابى قال حدثنى

محمد بن حميد أبوقرة ثنا سعيد بن عيسى بن تليد قال حدثنى المفضل بن فضلة عن

أبى الطاهر عبدالملك بن محمد بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمه عبدالله بن ابى

بكر بن محمد بن عمرو بن حزم انه كان من بدء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم انه رأى في المنام

رؤيا فشق ذلك عليه فذكر ذلك لصاحبته خديجة بنت خويلد فقالت له أبشر

فان الله لا يصنع بك إلا خيرا فذكر لها أنه رأى ان بطنه أخرج فطهر وغسل ثم

أعيد كما كان قالت هذا خير فأبشر ثم استعلن به جبريل فأجلسه على ما شاء الله أن

يجلسه عليه وبشره برسالة ربه حتى اطمأن ثم قال اقرأ قال كيف أقرأ قال ( اقرأ

باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذى علم

بالقلم ) فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه واتبع الذى جاء به جبريل

من عند الله وانصرف إلى أهله فلما دخل على خديجة قال أرأيتك الذى كنت

أحدثك ورأيته في المنام فانه جبريل استعلن فأخبرها بالذى جاءه من الله عزوجل

وسمع فقالت أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلا خيرا فاقبل الذى أتاك الله وأبشر

ـ113ـ

فانك رسول الله حقا . وروينا من طريق الدولابى عن محمد بن عايذ ثنا محمد بن

شعيب عن عثمان بن عطاء الخراسانى عن أبيه عطاء بن أبى مسلم عن عكرمة عن

ابن عباس قال بعث الله عز وجل محمدا على رأس خمس سنين من بنيان الكعبة

وكان أول شئ أراه إياه من النبوة رؤيا في النوم فذكر نحو ما تقدم وفى آخره فلما

قضى اليه الذى أمر به انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم منقلبا إلى أهله لا يأتى

على حجر ولا شجر إلا سلم عليه سلام عليك يا رسول الله فرجع إلى بيته وهو موقن

قد فاز فوزا عظيما الحديث . وروينا من طريق مسلم ثنا ابوبكر بن ابى شيبة ثنا

يحيى بن أبى كثير عن ابراهيم بن طهمان قال حدثنى سماك بن حرب عن جابر

ابن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنى لاعرف حجرا بمكة كان يسلم على قبل

أن أبعث إنى لاعرفه الآن . وفى رواية يونس عن ابن إسحق بسنده إلى أبى ميسرة

عمرو بن شرحبيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة انى اذا خلوت وحدى سمعت

نداء وقد خشيت والله أن يكون لهذا أمر قالت معاذ الله ما كان الله ليفعل ذلك بك

فوالله انك لتؤدى الامانة وتصل الرحم وتصدق الحديث فلما دخل أبوبكر وليس

رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت خديجة له فقالت يا عتيق اذهب مع محمد إلى ورقة فلما

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ أبوبكر بيده وقال انطلق بنا إلى ورقة فقال ومن

أخبرك قال خديجة فانطلقا اليه فقصا عليه فقال انى اذا خلوت وحدى سمعت

نداء من خلفى يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الارض فقال له لا تفعل اذا أتاك فاثبت

حتى تسمع ما يقول لك ثم إئتنى فأخبرنى فلما خلا ناداه يا محمد يا محمد قل بسم الله

الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حتى بلغ ولا الضالين قل لا إله إلا الله فأتى

ورقة فذكر له ذلك فقال له ورقة أثبت ( 1 ) فأنا أشهد أنك الذى بشر به ابن مريم

وأنك على مثل ناموس موسى وانك نبى مرسل وانك ستؤمر بالجهاد بعد يومك

هذا ولئن أدركنى ذلك لاجاهدن معك فلما توفى ورقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " أبشر " في مكان " أثبت " . ( * )

ـ114ـ

رأيت القس في الجنة وعليه ثياب الحرير لانه آمن بى وصدقنى يعنى ورقة .

وروينا عن أبى بكر الشافعى ثنا محمد بن يونس بن موسى ثنا عثمان بن عمر بن

فارس قال أنا على بن المبارك الهنائى عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة قال سألت

جابر بن عبدالله فقال لا أحدثك الا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

جاورت بحراء فلما قضيت جوارى هبطت فنوديت فنظرت عن يمينى فلم أر شيئا

فنظرت عن يسارى فلم أر شيئا فنظرت من خلفى فلم أر شيئا فرفعت رأسى فرأيت

شيئا بين السماء والارض فأتيت خديجة فقلت دثرونى وصبوا على ماء باردا فدثرونى

وصبوا على ماء باردا فنزلت هذه الآية ( يأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر ) رواه مسلم

عن ابن مثنى عن عثمان بن عمر بن فارس . وروينا من حديث الزهرى قال أخبرنى

عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة في النوم

فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء فكان يخلو

بغار حراء يتحنث فيه - وهو التعبد - الليالى ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله

ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء

فجاءه الملك فقال إقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد

ثم أرسلنى فقال إقرأ قلت ما أنا بقارئ قال فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى

الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ قلت ما انا بقارئ فأخذنى فغطنى الثالثة حتى بلغ منى

الجهد ثم ارسلنى فقال ( اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق اقرأ

وربك الاكرم الذى علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم ) فرجع بها رسول الله صلى الله

عليه وسلم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال زملونى زملونى فزملوه حتى

ذهب عنه الروع ثم قال لخديجة أى خديجة مالى وأخبرها الخبر قال لقد خشيت

على نفسى قالت له خديجة كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم

ـ115ـ

تصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب

الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى وهو

ابن عم خديجة أخى أبيها وكان أمرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب

العربى ويكتب من الانجيل بالعربية ما شاء الله ان يكتب وكان شيخا كبيرا قد

عمى فقالت له خديجة أى عم اسمع من ابن أخيك قال ورقة بن نوفل يا ابن أخى ماذا

ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا هو الناموس

الذى أنزل على موسى ياليتنى فيها جذعا ياليتنى اكون حيا حين يخرجك قومك

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجى هم قال ورقة نعم لم يأت رجل قط

بما جئت به إلا عودى وان يدركنى يومك انصرك نصرا مؤزرا . رويناه من حديث

مسلم عن أبى الطاهر عن ابن وهب عن يونس عنه وهذا لفظه . ورويناه من طريق

البخارى وغيره ولفظهم متقارب . وروينا من طريق الدولابى ثنا يونس بن عبد

الاعلى ثنا عبدالله بن وهب قال اخبرنى يونس بن يزيد عن الزهرى عن عروة

عن عائشة رضى الله عنها فذكر نحو ما تقدم وفى آخره ثم لم ينشب ورقة ان توفى

وفتر الوحى فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه

مرارا كى يتردى من رءوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة كى يلقى نفسه

منها تبدى له جبريل عليه السلام فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك

جأشه وتقر نفسه فيرجع فاذا طال عليه فترة الوحى غدا لمثل ذلك فاذا أوفى ذروة

تبدى له جبريل فقال مثل ذلك . وعن عبيد بن عمير كان رسول الله صلى الله

عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا وكان ذلك مما تحنث به قريش في

الجاهلية والتحنث التبرر فكان يجاور ذلك الشهر من كل سنة يطعم من جاءه

من المساكين فاذا قضى جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به اذا انصرف

قبل ان يدخل بيته الكعبة فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله ثم يرجع إلى بيته حتى

ـ116ـ

اذا كان الشهر الذى اراد الله به فيه ما اراد من كرامته وذلك الشهر رمضان خرج

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله حتى اذا

كانت الليلة التى اكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها جاءه جبريل بأمر الله

تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءنى وأنا نائم بنمط من ديباج فيه

كتاب فقال اقرأ قلت ما اقرأ فغتنى به حتى ظننت انه الموت ثم ارسلنى فقال اقرأ فقلت

ما اقرأ فغتنى به حتى ظننت انه الموت ثم ارسلنى فقال اقرأ قلت ماذا أقرأ ما اقول ذلك

إلا افتداء منه ان يعود لى بمثل ما صنع قال ( اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من

علق اقرأ وربك الاكرم الذى علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم ) فقرأتها ثم انتهى فانصرف

عنى وهببت من نومى فكأنما كتب في قلبى كتابا فخرجت حتى اذا كنت في وسط

من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وانا جبريل رفعت رأسى

إلى السماء أنظر فاذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول يا محمد أنت

رسول الله وانا جبريل فوقفت أنظر اليه فما اتقدم وما اتأخر وجعلت اصرف وجهى عنه

في آفاق السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا ما اتقدم أمامى

وما ارجع ورائى حتى بعثت خديجة رسلها في طلبى فبلغوا مكة ورجعوا اليها وأنا

واقف في مكانى ذلك ثم انصرف عنى وانصرفت راجعا إلى أهلى حتى أتيت

خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا اليها فقالت يا أبا القاسم أين كنت فوالله لقد

بعثت رسلى في طلبك فبلغوا مكة ورجعوا إلى ثم حدثتها بالذى رأيت فقالت

ابشر يا ابن عمى واثبت فوالذى نفسى بيده إنى لارجوا أن تكون نبى هذه الامة

ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل وهو ابن عمها وكان

قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من اهل التوراة والانجيل فأخبرته بما اخبرها به

رسول الله صلى الله عليه وسلم انه رأى وسمع فقال ورقة قدوس قدوس والذى

نفسى بيده لئن كنت صدقتنى يا خديجة لقد جاءه الناموس الاكبر الذى كان

ـ117ـ

يأتى موسى وانه لنبى هذه الامة فقولى له فليثبت فرجعت خديجة إلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم

جواره وانصرف صنع ما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها فلقيه ورقة بن نوفل

وهو يطوف بالكعبة فقال له يا ابن اخى اخبرنى بما رأيت وسمعت فأخبره رسول

الله صلى الله عليه وسلم فقال له ورقة والذى نفسى بيده انك لنبى هذ الامة ولقد

جاءك الناموس الاكبر الذى جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتقاتلنه ولئن انا

ادركت ذلك اليوم لانصرن الله نصرا يعلمه ثم ادنى رأسه منه فقبل يأفوخه ثم

انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله . وروينا عن ابى بشر ثنا عبد

الله بن عبد الرحيم ثنا عبدالملك بن هشام عن زياد قال قال محمد بن اسحق حدثنى

اسماعيل بن ابى حكيم مولى آل الزبير انه حدث عن خديجة انها قالت لرسول الله

صلى الله عليه وسلم اى ابن عم أتستطيع ان تخبرنى بصاحبك هذا الذى يأتيك

اذا جاءك قال نعم قالت فاذا جاء فأخبرنى به فجاءه جبريل عليه السلام فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خديجة هذا جبريل قد جاءنى قالت قم يا ابن عم

فاجلس على فخذى اليسرى قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها

قالت هل تراه قال نعم قالت فتحول فاقعد على فخذى اليمنى قال فتحول رسول

الله صلى الله عليه وسلم فقعد على فخذها اليمنى فقالت هل تراه قال نعم قالت

فتحول فاجلس في حجرى فتحول فجلس في حجرها ثم قالت هل تراه قال نعم

قال فتحسرت فألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها

ثم قالت هل تراه قال لا قالت يا ابن عم اثبت وأبشر فوالله انه لملك ما هذا

بشيطان . وفى رواية يونس وروى عطاء بن السائب وابوبشر وابن اسحق كلهم

عن سعيد بن جبير دخل حديث بعضهم في بعض عن ابن عباس قال كان لكل

قبيل من الجن مقعد من السماء يستمعون فيه فلما رموا بالشهب وحيل بينهم وبين

ـ118ـ

خبر السماء قالوا : ما هذا الا لشئ حدث في الارض وشكوا ذلك إلى ابليس لعنه

الله فقال : ما هذا الا لامر حدث فائتونى من تربة كل ارض فانطلقوا يضربون

مشارق الارض ومغاربها يبتغون علم ذلك فأتوه من تربة كل ارض فكان

يشمها ويرمى بها حتى اتاه الذين توجهوا إلى تهامة بتربة من تربة مكة فشمها وقال

من ها هنا يحدث الحدث فنظروا فاذا النبى صلى الله عليه وسلم قد بعث ثم انطلقوا

فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة معه من اصحابه بنخلة عامدين إلى سوق

عكاظ وهو يصلى بهم صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا : هذا والله

الذى حال بيننا وبين خبر السماء فولوا إلى قومهم منذرين فقالوا : يا قومنا انا سمعنا

قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد وذكر تمام الخبر . وقال شعبة عن مغيرة عن ابراهيم

النخعى نزلت عليه ( يأيها المدثر ) وهو في قطيفة . وقال شيبان عن الاعمش عن ابراهيم

اول سورة أنزلت عليه ( اقرأ باسم ربك الذى خلق ) وهو قول عائشة وعبيد بن

عمير ومحمد بن عباد بن جعفر والحسن البصرى وعكرمة ومجاهد والزهرى . روينا

عن ابى على بن الصواف ثنا جعفر بن احمد ثنا محمد بن خالد بن عبدالرحمن ثنا

ابراهيم بن عثمان وهو ابن ابى شيبة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس

عن النبى صلى الله عليه وسلم قال كان من الانبياء من يسمع الصوت فيكون نبيا

بذلك وان جبريل يأتينى فيكلمنى كما يأتى احدكم صاحبه فيكلمه . أخبرنا عبدالله

ابن احمد بن فارس التميمى وغيره سماعا وقراءة قالوا انا ابواليمن الكندى قراءة

عليه ونحن نسمع قال انا ابوالقاسم الحريرى قال انا ابوطالب العشارى قال

انا ابوالحسين الواعظ ثنا ابوالحسن على بن محمد بن احمد المصرى ثنا بكر بن

سهيل ثنا شعيب بن يحيى ثنا الليث بن سعد قال حدثنى سعيد بن ابى سعيد عن

ابيه عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من الانبياء من نبى

الا وقد اعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وانما الذى اوتيت وحيا اوحاه الله

ـ119ـ

عزوجل إلى فأرجو ان اكون اكثرهم تابعا يوم القيامة . وكان نزول جبريل له عليه

السلام فيما ذكر يوم الاثنين لسبع في رمضان وقيل لسبع عشرة مضت منه .

رواه البراء بن عازب وغيره . وعن ابى هريرة انه كان في السابع والعشرين من

رجب وقال ابوعمر يوم الاثنين لثمان من ربيع الاول سنة احدى واربعين من

عام الفيل وقد قيل غير ذلك .

( ذكر فوائد تتعلق بهذه الاخبار )

حديث أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين المتفق

عليه بين أهل النقل مما فيه إقامته عليه السلام بالمدينة عشرا وأما إقامته بمكة

فمختلف في مقدارها . وسيأتى ذلك في آخر الكتاب عند ذكر وفاته عليه السلام .

وأما سنه عليه السلام حين نبئ فالمروى عن ابن عباس وجبير بن مطعم

وقباث بن اشيم وعطاء وسعيد بن المسيب كالمروى عن أنس وهو الصحيح عند

أهل السير وغيرهم : قال أبوالقاسم السهيلى وقد روى أنه نبئ لاربعين وشهرين

وفى حديث عمرو بن شعيب فاجتمع رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى والمراد

والله أعلم ينتظرون فراغه من الصلاة وأما حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم

من المشركين فقد كان انقطع منذ نزلت ( والله يعصمك من الناس ) وذلك قبل

تبوك والله أعلم . وحديث جابر بن سمرة إنى لاعرف حجرا بمكة كان يسلم على ،

هذا هو المعروف بغير زيادة . وقد روى أن ذلك الحجر هو الحجر الاسود . يحتمل

أن يكون هذا التسليم حقيقة وان يكون الله انطقه بذلك كما خلق الحنين في الجذع

ويحتمل ان يكون مضافا إلى ملائكة يسكنون هناك من باب ( واسأل القرية )

ـ120ـ

فيكون من مجاز الحذف وهو علم ظاهر من أعلام النبوة على كلا التقديرين . وفى

حديث عبيد بن عمير في خبر نزول جبريل عليه السلام قال رسول الله صلى الله

عليه وسلم فجاءنى وانا نائم فهذه حالة . وحديث عائشة وغيرها انه كان في اليقظة

فهذه حالة ثانية ولا تعارض لجواز الجمع بينهما بوقوعهما معا ويكون الاتيان في النوم

توطئة للاتيان في اليقظة . وقد قالت عائشة : أول ما بدئ به عليه السلام

من الوحى الرؤيا الصادقة . وعن الشعبى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وكل به اسرافيل فكان يتراءى له ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة من الوحى ثم

وكل به جبريل فجاءه بالقرآن والوحى فهذه حالة ثالثة لمجئ الوحى . ورابعة وهى

أن ينفث في روعه الكلام نفثا كما قال عليه السلام إن روح القدس نفث في

روعى ان نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ورزقها فاتقوا الله واجملوا في الطلب .

وخامسة وهى أن يأتيه الوحى في مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليه وقيل ان

ذلك يستجمع قلبه عندءلك الصلصلة فيكون أوعى لما يسمع . وسادسة وهى أن

يكلمه الله من وراء حجاب إما في اليقظة كما في ليلة الاسراء وإما في النوم كما في

حديث معاذ أتانى ربى في أحسن صورة فقال فيم يختصم الملا الاعلى وكان الملك

يأتيه عليه السلام تارة في صورته له ستمائة جناح كما روى وتارة في صورة دحية

الكلبى . فهذه حالات متعددة ذكر معناه السهيلى . وقوله فغطنى ويروى فسأبنى

ويروى سأتثنى ويروى فزعتنى وكلها واحد وهو الخنق والغم . والناموس صاحب سر

الملك . وقال بعضهم الناموس صاحب سر الخير والجاسوس صاحب سر الشر .

ومؤزرا من الازر وهو القوة والعون . واليأفوخ مهموز ولا يقال في رأس الطفل يأفوخ

حتى يشتد وإنما يقال له الغاذية . وفترة الوحى لم يذكر لها ابن اسحق مدة معينة

قال أبوالقاسم السهيلى وقد جاء في بعض الاحاديث المسندة أنها كانت سنتين

ونصف سنة والله أعلم .

ـ121ـ

( ذكر صلاته عليه السلام أول البعثة )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 121 سطر 1 الى ص 130 سطر 24

( ذكر صلاته عليه السلام أول البعثة )

قال ابن اسحق حدثنى بعض أهل العلم أن الصلاة حين افترضت على رسول

الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادى فانفجرت منه

عين فتوضأ جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ليريه كيف الطهور للصلاة ثم توضأ

رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل يتوضأ ثم قام به جبريل فصلى به وصلى رسول

الله صلى الله عليه وسلم بصلاته ثم انصرف جبريل فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة فتوضأ لها

ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل فتوضأت كما توضأ لها رسول الله

صلى الله عليه وسلم ثم صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صلى به جبريل فصلت بصلاته كذا

ذكره ابن اسحق مقطوعا وقد وصله الحارث بن أبى أسامة : ثنا الحسن بن موسى

عن ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن الزهرى عن عروة عن أسامة بن زيد قال

حدثنى أبى زيد بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحى اليه

أتاه جبريل عليه السلام فعلمه الوضوء فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح ( 1 )

بها فرجه قال السهيلى . وقد رويناه من طريق ابن ماجه عن ابراهيم بن محمد الفريابى

عن حسان بن عبدالله عن ابن لهيعة عن عقيل عن الزهرى بسنده بمعناه . وقد

روى نحوه عن البراء بن عازب وابن عباس رضى الله عنهم . وفى حديث ابن عباس

وكان ذلك أول من الفريضة . وعن مقاتل بن سليمان فرض الله في أول الاسلام

الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشى ثم فرض الخمس ليلة المعراج . وأما إمامة

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : رش . ( * )

ـ122ـ

جبريل بالنبى صلى الله عليه وسلم عند البيت ليريه أوقات الصلوات الخمس فليس

هذا موضع الحديث وإن كان ابن إسحق وضعه هنا من طريق ابن عباس لاتفاق

أصحاب الحديث الصحيح على أن هذه الواقعة كانت صبيحة الاسراء وهو بعد هذا

بأعوام كما سيأتى مبينا عند ذكر أحاديث المعراج والاسراء إن شاء الله تعالى .

ـ123ـ

( ذكر أول الناس إيمانا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم )

وأول الناس إيمانا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصى بن كلاب

فيما أتت به الآثار وذكره أهل السير والاخبار منهم ابن شهاب وقتادة وغيرهما .

وروينا عن الدولابى ثنا ابوأسامة الحلبى ثنا حجاج بن أبى منيع ثنا جدى عن

الزهرى قال كانت خديجة أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم . وروينا

عن الدولابى أيضا ثنا احمد بن المقدام أبوالاشعث ثنا زهير بن العلاء ثنا سعيد

ابن أبى عروبة عن قتادة قال كانت خديجة أول من آمن بالنبى صلى الله عليه

وسلم من النساء والرجال وهو قول موسى بن عقبة وابن إسحق والواقدى والاموى

وغيرهم . قال ابن إسحق كانت خديجة أول من آمنت بالله ورسوله وصدقت ما جاء

من عند الله عزوجل ووازرته على أمره فخفف الله بذلك عن رسوله فكان لا يسمع

شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع

اليها تثبته وتخفف عليه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس حتى ماتت رضى الله عنها .

أخبرنا عبدالرحيم بن يوسف المزى بقراءة والدى عليه قال انا ابوحفص بن

طبرزد قال أنا محمد بن عبدالباقي قال أنا الحسن بن على الجوهرى قال أنا ابن

الشخير قال أنا اسحق يعنى ابن موسى الرملى ثنا سهل بن بحر ثنا عبيد يعنى ابن

يعيش ثنا أبوبكر بن عياش عن الشيبانى عن عبدالله بن أبى أوفى رضى الله

عنه قال بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة ببيت في الجنة من ذهب لا صخب فيه

ولا نصب . أخبرنا أحمد بن عبدالرحمن الحارثى ويحيى بن أحمد الجرامى في آخرين

قالوا أنا أبو عبدالله بن أبى المعالى قال أنا أبومحمد السعدى قال أنا على بن الحسين

ـ124ـ

المصرى قال أنا أ بوالعباس احمد بن الحسين بن جعفر العطار قراءة عليه وأنا أسمع

أنا أبومحمد الحسن بن رشيق العسكرى ثنا ابو عبدالله محمد بن رزيق بن جامع

المدينى سنة سبع وتسعين ومائتين قال ثنا أبوالحسين سفيان بن بشر الاسدى

الكوفى ثنا على بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبيد الله بن أبى رافع عن أبيه

عن جده أبى رافع قال صلى النبى صلى الله عليه وسلم أول يوم الاثنين وصلت خديجة رضى الله

عنها آخر يوم الاثنين وصلى على يوم الثلاثاء من الغد الحديث . ثم على بن أبى

طالب رضى الله عنه واسم أبى طالب عبد مناف بن ع بدالمطلب بن هاشم بن

عبد مناف بن قصى بن كلاب وكان على أصغر من جعفر بعشر سنين وجعفر أصغر

من عقيل بعشر سنين وعقيل أصغر من طالب بعشر سنين . قال أبوعمر وروى

عن سلمان وأبى ذر والمقداد وخباب وجابر وأبى سعيد الخدرى وزيد بن أرقم أن

على بن أبى طالب أول من أسلم وكذلك قال ابن إسحق وهو قول ابن شهاب إلا

أنه قال من الرجال بعد خديجة وهو قول الجميع في خديجة وأسلم أخواه جعفر وعقيل

بعد ذلك وكان يومئذ ابن ثمان سنين وقيل عشرة وقيل اثنتى عشرة وقيل خمس

عشرة . قال ابن اسحق وكان مما أنعم الله عليه أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم

قبل الاسلام وذلك أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبوطالب ذا عيال

كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه وكان من أيسر بنى هاشم

يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الازمة

فانطلق بنا اليه فلنخفف من عياله آخذ من بنيه رجلا وتأخذ أنت رجلا فنكفهما

عنه قال العباس نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا إنا نريد ان نخفف عنك

من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه وقال لهما أبوطالب إذا تركتما لى

عقيلا فاصنعا ما شئتما ويقال عقيلا وطالبا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم

عليا فضمه اليه وأخذ العباس جعفرا فضمه اليه فلم يزل على مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

ـ125ـ

حتى بعثه الله نبيا فاتبعه على وآمن به وصدقه ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم

واستغنى عنه . روينا من طريق أبى بكر الشافعى بالاسناد المتقدم ثنا محمد بن بشر

ابن مطر ثنا محمد بن حميد ثنا سلمة بن الفضل قال حدثنى محمد بن إسحق عن يحيى

ابن أبى الاشعث عن اسمعيل بن اياس بن عفيف الكندى وكان عفيف أخا

الاشعث بن قيس لامه وكان ابن عمه عن أبيه عن جده عفيف الكندى قال

كان العباس بن ع بدالمطلب لى صديقا وكان يختلف إلى اليمن يشترى العطر ويبيعه

أيام الموسم فبينما أنا عند العباس بمنى فأتاه رجل مجتمع فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم قام

يصلى فخرجت امرأة فتوضأت ثم قامت تصلى ثم خرج غلام قد راهق فتوضأ ثم

قام إلى جنبه يصلى فقلت ويحك يا عباس ما هذا الدين قال هذا دين محمد بن عبد

الله ابن أخى يزعم أن الله بعثه رسولا هذا ابن أخى على بن أبى طالب قد تابعه

على دينه وهذه امرأته خديجة قد تابعته على دينه فقال عفيف بعد ان أسلم ورسخ

في الاسلام ياليتنى كنت رابعا .

وذكر ابن اسحق عن بعض أهل العلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم

كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه على بن أبى طالب مستخفيا

من أبى طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه فيصليان الصلوات فيها فاذا امسيا

رجعا كذلك فمكثا ما شاء الله ان يمكثا ثم ان أبا طالب عثر عليهما يوما وهما

يصليان فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن أخى ما هذا الدين الذى أراك

تدين به قال أى عم هذا دين الله ودين ملائكته ورسله ودين أبينا ابراهيم أو كما

قال صلى الله عليه وسلم بعثنى الله به رسولا إلى العباد وأنت أى عم احق من

بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى وأحق من أجابنى اليه وأعاننى عليه أو كما

قال فقال ابوطالب أى ابن أخى إنى لا استطيع ان افارق دين آبائى وما كانوا

عليه ولكن والله لا يخلص اليك بشئ تكرهه ما بقيت . وذكروا انه قال لعلى

ـ126ـ

أى بنى ما هذا الدين الذى انت عليه فقال يا ابت آمنت برسول الله وصدقت بما

جاء به وصليت معه لله واتبعته فزعموا انه قال له اما انه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه .

قال ابن إسحق : ثم اسلم زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد

العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن

كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب بن

وبرة كذا عند ابن هشام الكلبى مولى رسول الله فكان اول ذكر أسلم وصلى

بعد على بن ابى طالب وكان زيد اصابه سباء في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام

لعمته خديجة بن خويلد بأربعمائة درهم ثم وهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك

وتتبع اهله خبره حتى دلوا عليه فأتوا في طلبه فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم

بين المكث عنده أو الرجوع مع اهله فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام

عنده وخبره بذلك مشهور . ثم اسلم ابوبكر بن ابى قحافة رضى الله عنه واسمه

عتيق وقيل عبدالله وعتيق لقب لحسن وجهه وعتقه وقيل غير ذلك واسم ابى

قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤى

فلما اسلم اظهر إسلامه ودعا إلى الله والى رسوله وكان ابوبكر مألفا لقومه محببا

سهلا وكان انسب قريش لقريش واعلمهم بها وبما كان فيها من خير وشر وكان

تاجرا ذا خلق ومعروف فكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لتجارته وحسن مجالسته

وغير ذلك فجعل يدعو إلى الاسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس اليه

فأسلم بدعائه فيما بلغنى عثمان بن عفان بن ابى العاص بن أمية بن عبد شمس بن

عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة . والزبير بن العوام بن خويلد بن اسد بن عبد

العزى بن قصى . و عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب

ابن مرة . وسعد بن أبى وقاص واسم أبى وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف

ابن زهرة بن كلاب . وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد

ـ127ـ

ابن تيم بن مرة فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له

فأسلموا وصلوا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما بلغنى ما دعوت

أحدا إلى الاسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبى بكر

ابن أبى قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه . قال فكان هؤلاء النفر

الثمانية الذين سبقوا الناس بالاسلام فصلوا وصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم

وصدقوا ما جاءه من عند الله . ثم أسلم ابوعبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح

ابن هلال بن اهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر . وأبوسلمة عبد الله بن عبد

الاسد بن هلالى بن عبدالله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤى .

والارقم بن أبى الارقم عبد مناف بن أسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم . وعثمان

 

ابن مظعون بن حبيب بن وهيب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن

لؤى وأخواه قدامة و عبدالله . وعبيدة بن الحرث بن المطلب بن عبد مناف بن

قصى بن كلاب . وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبدالعزى بن رياح بن

عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤى . وعند ابن هشام تقديم

عبدالله بن قرط بن رياح . وامرأته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل المذكور . وأسماء

ابنة أبى بكر وعائشة أختها وهى صغيرة . وخباب بن الارت بن جندلة بن سعد

ابن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيدة مناة بن تميم الخزاعى ولاء الزهرى حلفا

وعمير بن أبى وقاص أخو سعد . و عبدالله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن

شمخ بن فار بن مخزوم بن هالة بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هذيل بن

مدركة وعند ابن هشام فيه خلاف ما ذكرناه حليف بنى زهرة . ومسعود بن ربيعة

القارئ بن عمرو بن سعد بن عبدالعزى بن جمالة بن غالب بن محلم بن عايذة

ابن سبيع بن الهون بن خزيمة بن القارة . وسليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود

ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى . وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة

ـ128ـ

ابن عبدالله بن عمر بن مخزوم . وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخربة بن جندل

ابن أبير بن نهشل بن دارم الدارمية التميمية . وخنيس بن حذافة بن قيس بن

عدى بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى . وعامر بن

ربيعة العنزى باسكان النون وهو فيما ذكر ابن الكلبى عامر بن ربيعة الاصغر

ابن حجير بن سلامان بن مالك بن ربيعة الاكبر بن رفيدة بن عبدالله وهو

عنز بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة

ابن نزار حكاه الرشاطى . قال وذكر أبوعمر في نسبه اختلافا كثيرا لا يتحصل

منه شئ وهو حليف آل الخطاب . و عبدالله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن

صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة وأخوه أبوأحمد

حليفا بنى أمية . وجعفر بن أبى طالب . وامرأته أسماء بنت عميس بن النعمان بن

كعب بن مالك بن قحافة من خثعم كذا هو عند ابن إسحق وعند أبى عمر

أسماء بنت عميس بن معد بن الحرث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن

عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الله بن

شهران بن عفرس بن حلف بن أفتل وهو جماعة خثعم بن انمار على اختلاف في

انمار . وقيل أسماء بنت عميس بن مالك بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة

ابن عامر بن زيد بن نسر بن وهب الله . وحاطب بن الحرث بن معمر بن حبيب

ابن وهب بن حذافة بن جمح . وامرأته فاطمة بنت المجلل بن عبدالله بن أبى قيس

ابن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى وأخوه خطاب وامرأته

فكيهة بنت يسار . ومعمر بن الحرث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة

ابن جمح . والسائب بن عثمان بن مظعون . والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن

عبد بن الحرث بن زهرة . وامرأته رملة بنت أبى عوف بن صبيرة بن سعيد بن سعد

ابن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى . والنحام نعيم بن عبدالله بن

ـ129ـ

أسد بن عبدالله بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدى بن كعب . وعامر بن

فهيرة مولى أبى بكر . وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس . وامرأته

أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن

مليح بن عمرو بن خزاعة . وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر

ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤى . وأبوحذيفة مهشم بن عتبة بن ربيعة بن

عبد شمس بن عبد مناف . وواقد بن عبدالله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة

ابن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم حليف بنى عدى . وخالد

وعامر وعاقل وإياس بنو البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة من بنى سعد

ابن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة حلفاء بنى عدى . وعمار بن ياسر بن

عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوديم بن ثعلبة بن عوف بن

حارثة بن عامر الاكبر بن يام بن عنس وهو زيد بن مالك بن أدد ومالك جماع

مذحج حليف بنى مخزوم وصهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل

ابن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أوس مناة بن أسلم

ابن النمر بن قاسط كذا هو عند ابن الكلبى . وعند أبى عمر سنان بن خالد بن

عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد

قال إلى هنا نسب ابن إسحق ونسبه الواقدى وخليفة وابن الكلبى وغيرهم فقالوا

صهيب بن سنان بن خالد بن عبد عمرو بن طفيل بن كعب بن سعد ومنهم من

يقول ابن سفيان بن جندلة بن مسلم بن أوس بن زيد مناة من النمر بن قاسط

يقال له الرومى وكان مولى لعبد الله بن جدعان . وذكر أبوعمر في السابقين أبا ذر

جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن خمرة بن

بكر بن عبد مناة بن كنانة . وأبا نجيح السلمى عمرو بن عبسة بن منقد بن خالد

ابن حذيفة بن عمر بن خلف بن مازن بن مالك بن ثعلبة بن بهثة بن سليم ومازن

ـ130ـ

ابن مالك أمة بجلة بنت هناءة بن مالك بن فهم واليها ينسب البجلى بسكون الجيم

ذكره كذلك الرشاطى وحكى عن أبى عمر في نسبه غير ذلك وصحح ما ذكرناه .

وحكى عن أبى عمر في نسبه غاضرة بن عتاب وزعم أنه خطأ وأن الصواب في ذلك النسب

ناضرة بن خفاف قال ابوعمر ولكنهما يعنى أبا ذر وأبا نجيح رجعا إلى بلاد قومهما

وذكر فيهم عتبة بن مسعود أخا عبدالله بن مسعود . وكان سبب اسلام عبدالله بن

مسعود رضى الله عنه ما رويناه من طريق أبى على بن الصواف بالسند المتقدم حدثنا

عبدالله بن احمد بن حنبل ورويناه من طريق الطبرانى في معجمه الصغير ثنا عمرو

ابن عبدالرحمن السلمى قالا ثنا ابراهيم بن الحجاج الشامى واللفظ للاول قال ثنا

سلام أبوالمنذر ثنا عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبدالله بن مسعود

قال كنت في غنم لآل عقبة بن أبى معيط فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبوبكر

ابن أبى قحافة فقال النبى صلى الله عليه وسلم هل عندك لبن قلت نعم ولكنى مؤتمن قال فهل

عندك من شاة لم ينز عليها الفحل قلت نعم فأتيته بشاة شصوص قال سلام وهى

التى ليس لها ضرع فمسح النبى صلى الله عليه وسلم مكان الضرع ومالها ضرع فاذا ضرع حافل

مملوء لبنا قال فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم بصخرة منقعرة فاحتلب النبى صلى الله عليه وسلم فسقى أبا بكر

وسقانى ثم شرب ثم قال للضرع اقلص فرجع كما كان قال فلما رأيت هذا من

رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله علمنى فمسح رأسى وقال بارك الله فيك فانك

غلام معلم قال فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فبينا نحن عنده على حراء إذ نزلت عليه سورة

المرسلات فأخذتها وإنها لرطبة بفيه أو إن فاه لرطب بها فلا أدرى بأى الآيتين

ختم ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) أو ( فبأى حديث بعده يؤمنون ) وأخذت

من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وأخذت بقية القرآن من

أصحابه فبينا نحن نيام على حراء أو على الجبل فما نبهنا إلا صوت النبى صلى الله

عليه وسلم منعها منكم الذى منعكم منها قال قلت يا رسول الله وما ذاك قال

حية خرجت من ناحية الجبل .

ـ131ـ

( ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وغيرهم إلى الاسلام )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 131 سطر 1 الى ص 140 سطر 24

( ذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وغيرهم إلى الاسلام )

قال ابن اسحق ثم دخل الناس في الاسلام أرسالا من الرجال والنساء حتى

فشا ذكر الاسلام بمكة وتحدث به ثم إن الله عزوجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن

يصدع بما جاءه منه وأن ينادى في الناس بأمره ويدعو إليه وكان مدة ما أخفى

رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستسر به إلى أن أمره الله باظهاره ثلاث سنين فيما بلغنى

من بعثه ثم قال الله له ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) ثم قال ( وأنذر

عشيرتك الاقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وقل إنى أنا النذير

المبين ) فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالاسلام وصدع به كما أمره

الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم وعابها فلما فعل ذلك أعظموه

وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته صلى الله عليه وسلم إلا من عصم الله منهم بالاسلام وهم قليل

مستخفون وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبوطالب ومنعه وقام

دونه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مظهرا له لا يرده عنه شئ فلما رأت

قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شئ أنكروه عليه من

فراقهم وعيب آلهتهم ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه ولم يسلمه

لهم مشى رجال من أشرافهم إلى أبى طالب فقالوا يا أبا طالب ان أبن أخيك قد

سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فاما أن تكفه عنا وإما أن

تخلى بيننا وبينه فانك على مثل ما نحن عليه من خلافه فقال لهم أبوطالب قولا

رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو

ـ132ـ

عليه يظهر دين الله ويدعو اليه ثم شرى ( 1 ) الامر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال

وتضاغنوا واكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها فتذامروا عليه ( 2 ) وحض

بعضهم بعضا عليه ثم انهم مشوا إلى أبى طالب مرة أخرى فقالوا يا أبا طالب إن

لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد إ ستنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا

والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه

عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يملك أحد الفريقين أو كما قال ثم انصرفوا عنه

فعظم على أبى طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا باسلام رسول الله صلى الله

عليه وسلم ولا خذلانه . وذكر أن أبا طالب لما قالت له قريش هذه المقالة بعث

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا ابن أخى إن قومك قد جاءونى فقالوا

لى كذا وكذا للذى قالوا له فابق على وعلى نفسك ولا تحملنى من الامر ما لا أطيق

فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء وأنه خاذله ومسلمه

وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه فقال له يا عم والله لو وضعوا الشمس في يمينى

والقمر في يسارى على أن أترك هذا الامر حتى يظهره الله وأهلك فيه ما تركته ثم

استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبوطالب فقال أقبل يا ابن

أخى فأقبل عليه فقال إذهب يا ابن أخى فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشئ

أبدا ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله

عليه وسلم وإسلامه ( 3 ) وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا اليه بعمارة بن

الوليد بن المغيرة فقالوا له يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش

وأجمله فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدا وأسلم الينا ابن أخيك هذا الذى

خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم فنقتله فانما هو رجل

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : عظم وتفاقم . ( 2 ) اى حث بعضهم بعضا عليه

( 3 ) من هنا إلى قوله " وعداوتهم " زيادة من النسخة الظاهرية . ( * )

ـ133ـ

كرجل قال والله لبئس ما تسوموننى أتعطونى ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابنى

تقتلونه هذا والله مالا يكون أبدا فقال المطعم بن عدى والله يا أبا طالب لقد أنصفك

قومك وجهدوا على التخلص مما تكرهه فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا فقال

له أبوطالب والله ما أنصفونى ولكنك قد أجمعت خذلانى ومظاهرة القوم على

فاصنع ما بدا لك فحقب الامر وتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضا قال ثم إن قريشا

تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

الذين أسلموا معه فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم

عن دينهم ومنع الله تعالى منهم رسوله بعمه أبى طالب وقد قام أبوطالب حين

رأى قريشا يصنعون ما يصنعون في بنى هاشم وبنى المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه

من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه فاجتمعوا اليه وأقاموا معه

وأجابوه إلى ما دعاهم اليه إلا ما كان من أبى لهب : روينا عن أبى بكر الشافعى

ثنا إسحق بن الحسن بن ميمون الحربى ثنا عبد الله بن رجاء ثنا سعيد بن سلمة

ابن أبى الحسام ثنا محمد بن المنكدر أنه سمع ربيعة بن عباد أو عياد الدؤلى يقول

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على الناس في منازلهم قبل أن يهاجر

إلى المدينة يقول يأيها الناس إن الله يأمركم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا قال

ووراءه رجل يقول يأيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم فسألت من

هذا الرجل فقيل أبولهب . قال ابن إسحق ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع اليه

نفر من قريش وكان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال لهم يا معشر قريش إنه قد

حضر هذا الموسم وان وفود العرب ستقدم عليكم وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا

فأجمعوا فيه رأيا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا قالوا فأنت يا أبا عبد شمس فقل

وأقم لنا رأيا نقول فيه قال بل أنتم فقولوا أسمع قالوا نقول كاهن قال والله ما هو

بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه قالوا فنقول مجنون

ـ134ـ

قال والله ما هو بمجنون ولقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بحنقه ولا تخالجه ولا وسوسته

قالوا فنقول شاعر قال ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهجزه وقريضه

ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر قالوا فنقول ساحر قال ما هو بساحر قد رأينا

السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده قالوا فما تقول يا ابا عبد شمس قال والله ان

لقوله لحلاوة وان اصله لعذق وان فرعه لجناة وما انتم بقائلين من هذا شيئا الا

اعرف انه باطل وان اقرب القول فيه لان تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق

به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته فتفرقوا

عنه بذلك فجعلوا يجلسون لسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا

حذروه إياه وذكروا له أمره وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى

الله عليه وسلم فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها . قوله لعذق بفتح العين المهملة

وسكون الذال إستعارة من النخلة التى ثبت أصلها وهو العذق . ورواية ابن هشام

لغدق بغين معجمة وكسر الدال المهملة من الغدق وهو الماء الكثير . قال السهيلى

ورواية ابن إسحق أفصح لانها إستعارة تامة يشبه آخر الكلام لاوله .

* * *

ـ135ـ

( ذكر ما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم )

من أذى قومه وصبره وما من الله به من حمايته له

أخبرنا الامام أبو عبدالله محمد بن ابراهيم المقدسى وأبومحمد بن عبدالعزيز بن

عبد المنعم الحرانى قراءة عليهما وأنا حاضر فالاول قال أنا أبواليمن الكندى والثانى

قال أنا أبوعلى بن أبى القاسم البغدادى قالا أنا محمد بن عبدالباقي قال أنا ابن

حسنون قال أنا أبوالقاسم السراج هو موسى بن عيسى بن عبدالله ثنا محمد بن

محمد بن سليمان ثنا ابوطاهر احمد بن عمر بن السرح ثنا عبدالله بن وهب قال

أخبرنى الليث بن سعد عن إسحق بن عبدالله عن أبان بن صالح عن على بن عبد

الله بن عباس عن أبيه عن العباس بن ع بدالمطلب قال كنت يوما في المسجد

فأقبل أبوجهل فقال إن لله على إن رأيت محمدا أن أطأ على عنقه فخرجت إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه فاخبرته بقول أبى جهل فخرج

غضبان حتى دخل المسجد فعجل أن يدخل من الباب فاقتحم من الحائط فقلت

هذا يوم شر نبشته فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ ( اقرأ باسم ربك

الذى خلق ) حتى بلغ شأن أبى جهل ( كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى )

قال فقال إنسان لابى جهل يا أبا الحكم هذا محمد فقال أبوجهل ألا ترون ما أرى

والله لقد سد أفق السماء على فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة

سجد . قرأت على الامام الزاهد أبى اسحق ابراهيم بن على بن أحمد بسفح

قاسيون أخبركم أب والبركات داود بن أحمد بن محمد البغدادى قراءة عليه وانت

تسمع فأقر به قال أنا أبوالفضل محمد بن عمر بن يوسف قال أنا أ بوالغنائم عبد

ـ136ـ

الصمد بن على بن محمد بن المأمون قال أنا الشيخ أبوالحسن على بن عمر بن أحمد

الدارقطنى ثنا أبو عبدالله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز ومحمد بن هارون الحضرمى

قالا ثنا محمد بن منصور الطوسى ثنا أبوأحمد الزبيرى ثنا عبدالسلام هو ابن حرب

عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزل ( تبت يدا

أبى لهب ) جاءت إمرأة أبى لهب إلى النبى صلى الله عليه وسلم ومعه أبوبكر رضى

الله عنه فلما رآها قال يا رسول الله إنها إمرأة بذية فلو قمت لا تؤذيك قال إنها لن

ترانى فجاءت فقالت يا أبا بكر صاحبك هجانى قال لا وما يقول الشعر قالت أنت

عندى تصدق وانصرفت قلت يا رسول الله لم ترك قال لا لم يزل ملك يسترنى منها

بجناحه . قرأت على أبى عبدالله محمد بن عثمان بن سلامة بدمشق أخبركم أبوالقاسم

الحسن بن على بن الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الاسدى قراءة عليه وأنت

تسمع فأقر به قال أنا جدى قال أنا القاسم بن أبى العلاء قال أنا أبومحمد بن أبى

نصر قال أنا خيثمة ثنا هلال يعنى ابن العلاء الرقى ثنا سعيد بن عبدالملك ثنا محمد

ابن سلمة عن أبى عبدالرحيم عن زيد هو ابن أبى أنيسة عن أبى إسحق عن عمرو

ابن ميمون الاودى ثنا عبدالله بن مسعود قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه

وسلم في المسجد الحرام ورفقة من المشركين من قريش ونبى الله صلى الله عليه وسلم يصلى وقد

نحر قبل ذلك جزور وقد بقى فرثه ( 1 ) وقذره فقال أبوجهل ألا رجل يقوم إلى هذا

القذر يلقيه على محمد ونبى الله صلى الله عليه وسلم ساجد إذ انبعث أشقاها فقام فألقاها عليه

قال عبد الله فهبنا أن نلقيه عنه حتى جاءت فاطمة رضى الله عنها فألقته عنه فقام

فسمعته يقول وهو قائم يصلى اللهم اشدد وطأتك على مضر سنين كسنى يوسف

عليك بأبى الحكم بن هشام - وهو أبوجهل - وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد

ابن عتبة وعقبة بن أبى معيط وأمية بن خلف ورجل آخر ثم قال : رأيتهم من العام

* ( هامش ) * ( 1 ) أى ما في كرشه ( * )

ـ137ـ

المقبل صرعى بالطوى طوى بدر صرعى بالقليب ( 1 ) . وأخبرنا ابن الواسطى فيما قرأت

عليه قال أنا ابن ملاعب قال أنا الارموى قال أنا ابن المأمون ثنا الدارقطنى ثنا

أبوبكر محمد بن احمد بن صالح الازدى ثنا الزبير بن بكار قال حدثنى أبويحيى

هارون بن بكر بن عبد الله الزهرى عن عبدالله بن سلمة عن عبدالله بن عروة بن

الزبير عن أبيه عن جده عن عروة ( 2 ) بن الزبير قال حدثنى عمرو بن عثمان بن عفان

عن أبيه عثمان بن عفان قال أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم انى رأيت

يوما قال عمرو فرأيت عينى عثمان بن عفان زرفتا من تذكر ذلك قال عثمان بن عفان

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويده في يد أبى بكر وفى الحجر ثلاثة نفر جلوس

عقبة بن أبى معيط وأبوجهل بن هشام وأمية بن خلف فمر رسول الله صلى الله

عليه وسلم فلما حاذاهم أسمعوه بعض ما يكره فعرف ذلك في وجه النبى صلى الله

عليه وسلم فدنوت منه حتى وسطته فكان بينى وبين أبى بكر وأدخل اصابعه في

اصابعى حتى طفنا جميعا فلما حاذاهم قالابو جهل والله لا نصالحك ما بل بحر صوفة

وأنت تنهى أن نعبد ما يعبد آباؤنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى ذلك

ثم مضى عنهم فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك حتى اذا كان في الشوط الرابع

ناهضوه ووثب أبوجهل يريد ان يأخذ بمجامع ثوبه فدفعت في صدره فوقع على

استه ودفع أبوبكر أمية بن خلف ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن

أبى معيط ثم انفرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف ثم قال أما والله

لا تنتهون حتى يحل بكم عقابه عاجلا قال عثمان فوالله ما منهم رجل إلا أخذه أفكل ( 3 )

وهو يرتعد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بئس القوم أنتم لنبيكم ثم

انصرف إلى بيته وتبعناه خلفه حتى انتهى إلى باب بيته ووقف على السدة ثم أقبل

* ( هامش ) * ( 1 ) أى البئر ( 2 ) هذا خطأ صريح ، والصواب " عن جده عروة "

( 3 ) بسكون الفاء وفتح الكاف اى الرعدة . ( * )

ـ138ـ

علينا بوجهه فقال أبشروا فان الله عزوجل مظهر دينه ومتم كلمته وناصر نبيه ان

هؤلاء الدين ترون مما يذبح الله بأيديكم عاجلا ثم انصرفنا إلى بيوتنا فوالله لقد

رأيتم قد ذبحهم الله بأيدينا . ومن ذلك خبر إسلام حمزة بن عبد المطلبب رضى الله

عنه : روينا عن ابن إسحق قال حدثنى رجل من أسلم وكان واعية ان أبا جهل مر

برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره

من العيب لدينه والتضعيف لامره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاة

لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف عنه فعمد إلى نادى

قريش فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن ع بدالمطلب أن أقبل متوشحا سيفه راجعا

من قنص ( 1 ) له وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له وكان اذا رجع من قنصه لم يصل

إلى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على نادى قريش إلا وقف .

وتحدث معهم وكان أعز فتى في قريش وأشده شكيمة فلما مر بالمولاة وقد رجع

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته قالت له يا أبا عمارة لو رأيت ما لقى ابن أخيك

محمد آنفا من أبى الحكم بن هشام وجده هاهنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره

ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله بن من كرامته

فخرج يسعى ولم يقف على أحد معدا لابى جهل إذا لقيه أن يقع به فلما دخل المسجد

نظر اليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها

فشجه شجة منكرة ثم قال أتشتمه فأنا على دينه أقول ما يقول فرد على ذلك إن

استطعت فقامت رجال بنى مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبوجهل دعوا

أبا عمارة فانى والله قد سببت ابن أخيك سبا قبيحا . وتم حمزة على إسلامه وعلى

ما تبايع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله فلما أسلم حمزة علمت قريش

ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع وأن حمزة سيمنعه فكفوا

* ( هامش ) * ( 1 ) اى صيد . ( * )

ـ139ـ

عن بعض ما كانوا ينالون منه . وروينا عن ابن إسحق قال حدثنى يزيد بن أبى

زياد عن محمد بن كعب القرظى قال حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا قال

يوما وهو جالس في نادى قريش والنبى صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده

يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بضعها فنعطيه

أيها شاء ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثرون

ويزيدون فقالوا بلى يا أبا الوليد فقم اليه فكلمه فقام اليه عتبة حتى جلس إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخى إنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة

والمكان في النسب وانك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت

به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع منى

أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها قال فقال له رسول الله صلى

الله عليه وسلم قل يا أبا الوليد أسمع قال يا ابن أخى إن كنت إنما تريد بما جئت

به من هذا الامر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وان كنت

تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد ملكا

ملكناك علينا وان كان هذا الذى يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك

طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فانه ربما غلب التابع على الرجل

حتى يداوى منه أو كما قال له حتى اذا فرغ منه عتبة ورسول الله الله صلى الله عليه

وسلم يسمع منه قال أقد فرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فاسمع منى قال افعل قال

( بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا

عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون ) ثم مضى

رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرأها عليه فلما سمعها عتبة منه أنصت لها وألقى يديه خلف

ظهره معتمدا عليها يسمع منه ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد

ثم قال قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك فقام عتبة إلى أصحابه فقال

ـ140ـ

بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبوالوليد بغير الوجه الذى ذهب به فلما جلس

اليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائى أنى سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط

والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة يا معشر قريش أطيعونى واجعلوها بى

خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذى سمعت منه

نبأ فان تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وان يظهر على العرب فملكه ملككم

وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه قال هذا

رأيى فيه فاصنعوا ما بدالكم . وروينا عن الطبرانى ثنا القاسم بن عياش بن حماد

أبومحمد الجهنى الحذاء الموصلى ثنا محمد بن موسى الحرشى ثنا أبوخلف عبدالله بن

عيسى الخراز ثنا داود بن أبى هند عن عكرمة عن ابن عباس أن قريشا دعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من

النساء فقالوا هذا لك عندنا يا محمد وكف عن شتم آلهتنا ولا تذكرها بسوء فان لم

تفعل فانا نعرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صلاح قال ما هى قالوا تعبد آلهتنا

سنة اللات والعزى ( 1 ) ونعبد إلهك سنة قال حتى أنظر ما يأتينى من ربى فجاء الوحى

من عند الله عزوجل من اللوح المحفوظ ( قل يأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون )

السورة وأنزل الله عزوجل ( قل افغير الله تأمرونى أعبد أيها الجاهلون بل الله

فاعبد وكن من الشاكرين ) . وروينا من طريق الترمذى ثنا عبد بن حميد قال

أنا عبدالرزاق عن معمر عن عبدالكريم الجزرى عن ابن عباس ( سندع الزبانية )

قال قال أبوجهل لئن رأيت محمدا يصلى لاطمأن على عنقه فقال رسول الله صلى

الله عليه وسلم لو فعل لاخذته الملائكة عيانا . قال ثنا ابوسعد الاشج ثنا ابو

خالد عن داود بن ابى هند عن عكرمة عن ابن عباس قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى

فجاء ابوجهل فقال ألم انهك عن هذا ألم انهك عن هذا فانصرف النبى صلى الله عليه وسلم فزبره

فقال أبوجهل إنك لتعلم ما بها ناد أكثر منى فانزل الله تعالى ( فليدع ناديه

* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل : " بلغ " . ( * )

ـ141ـ

سندع الزبانية ) قال ابن عباس والله لو دعا ناديه لاخذته زبانية الله . وروينا عن

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 141 سطر 1 الى ص 149 سطر 19

سندع الزبانية ) قال ابن عباس والله لو دعا ناديه لاخذته زبانية الله . وروينا عن

ابن عباس من طريق محمد بن إسحق اجتماع قريش وعرضهم على النبى صلى الله عليه وسلم

ما عرضوا عليه من الاموال وغير ذلك وقوله عليه السلام ما جئت بما جئتكم به أطلب

أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثنى اليكم رسولا وأنزل على

كتابا وأمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم

فان تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وان تردوه على أصبر لامر

الله حتى يحكم الله بينى وبينكم أو كما قال صلى الله عليه وسلم فقالوا له فسل ربك

أن يسير عنا هذه الجبال التى قد ضيقت علينا وليبسط علينا بلادنا وليخرق فيها

أنهارا كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث

لنا منهم قصى بن كلاب فانه كان شيخ صدق فنسألهم عن ما تقول أحق هو أم باطل .

وفيه وقالوا له سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك

واسئله فليجعل لنا جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغى

فانك تقوم بالاسواق وتلتمس المعاش وذكر قولهم فأسقط السماء علينا كسفا كما

زعمت أن ربك إن شاء يفعل وقال قائلهم نحن نعبد الملائكة وهى بنات الله

وقال قائلهم لن نؤمن لك حتى تأتى بالله والملائكة قبيلا وقال انه قد بلغنا أنك

إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لن نؤمن بالرحمن أبدا فلما

قالوا له ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ومعه عبدالله بن أبى أمية المخزومى

وهو ابن عمته عاتكة بنت ع بدالمطلب فقال والله لا نؤمن بك أبدا حتى تتخذ إلى

السماء سلما ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها ثم تأتى معك بملك معه أربعة من

الملائكة يشهدون لك كما تقول وايم الله إن لو فعلت ذلك ما ظننت أنى أصدقك .

وقال أبوجهل يا معشر قريش إنى أعاهد الله لاجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله

أو كما قال فاذا سجد في صلاته فضخت ( 1 ) به رأسه فأسلمونى عند ذلك أو امنعونى

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : شدخت ( * )

ـ142ـ

فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدالهم قالوا والله لا نسلمك لشئ أبدا فامض

لما تريد فلما أصبح أبوجهل أخذ حجرا كماوصف ثم جلس لرسول الله صلى الله

عليه وسلم ينتظره وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو فلما

سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبوجهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى

إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره حتى قذف

الحجر من يده وقامت اليه رجال قريش فقالوا ما لك يا أبا الحكم قال قمت اليه لافعل

ما قلت لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لى دونه فحل من الابل لا والله ما رأيت

مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه بفحل قط فهم بى أن يأكلنى . قال ابن إسحق

فذكر لى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك جبريل لو دنا لاخذه ( 1 ) . وذكر

في الخبر بعث قريش النضر بن الحارث بن كلدة وبعثوا معه عقبة بن أبى معيط

إلى أحبار يهود وقالوا لهما سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله فانهم أهل

الكتاب الاول وعندهم علم ليس عندنا من علم الانبياء فخرجا حتى قدما المدينة

وسألا أحبار يهود فقالت لهما سلوه عن ثلاث فان أخبركم بهن فهو نبى مرسل وإن

لم يفعل فالرجل متقول سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الاول ما كان من أمرهم فانه

قد كان لهم حديث عجيب وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الارض ومغاربها

ما كان نبؤه وسلوه عن الروح ما هو وإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فانه نبى وان لم

يفعل فهو رجل متقول فأقبل النضر وعقبة فقالا قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين

محمد فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون فقال عليه السلام أخبركم

غدا ولم يستثن فانصرفوا ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون خمس

عشرة ليلة لا يحدث الله اليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة

وقالوا وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشئ مما

 

سألناه عنه حتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحى عنه وشق عليه ما يتكلم به

* ( هامش ) * ( 1 ) في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )

ـ143ـ

أهل مكة ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف ، قال ابن إسحق فذكر

لى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد إحتبست عنى يا جبريل فقال ( وما

نتنزل إلا بأمر ربك ) الآية وافتتح السورة بحمده وبذكر نبوة رسوله عليه السلام

وفيها ذكر الفتية الذين ذهبوا وهم أصحاب الكهف وذكر الرجل الطواف وهو

ذو القرنين وقال فيما سألوه عنه من الروح ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر

ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) الحديث بطوله وأنا اختصرته . قال وحدثت عن

ابن عباس أنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قالت أحبار

يهود يا محمد أرأيت قولك ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) إيانا تريد أم قومك قال

كلا قالوا فانك تتلو فيما جاءنا إنا قد أوتينا التوراة فيها بيان كل شئ فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم إنها في علم الله قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه

قال فأنزل الله عليه فيما سألوه عنه من ذلك ( ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام

والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ) أى إن

التوراة في هذا من علم الله قليل قال وأنزل الله فيما سأله قومه لانفسهم من تسيير

الجبال وتقطيع الارض وبعث من مضى من آبائهم من الموتى ( ولو أن قرآنا سيرت

به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا ) أى لا اصنع

من ذلك الامر إلا ما شئت وأنزل الله عليه فيما سألوه أن يأخذ لنفسه ( وقالوا ما لهذا

الرسول يأكل الطعام ويمشى في الاسواق لولا انزل اليك ملك فيكون معه نذيرا

أو يلقى اليه كنز ) إلى ( وكان ربك بصيرا ) وأنزل الله فيما قال عبدالله بن ابى أمية

( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا او تكون لك جنة من نخيل

وعنب ) إلى قوله ( قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا ) وأنزل عليه في

قولهم إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له الرحمن ( كذلك ارسلناك في أمة قد خلت

من قبلها أمم لتتلو عليهم الذى اوحينا اليك وهم يكفرون بالرحمن ) وأنزل

ـ144ـ

عليه فيما قال ابوجهل وما هم به ( أرأيت الذى ينهى عبدا إذا صلى ) حتى آخر السورة

وأنزل عليه فيما عرضوا من أموالهم ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى

إلا على الله وهو على كل شئ شهيد ) فلماجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

بما عرفوا من الحق حال الحسد بينهم وبين أتباعه فقال قائلهم لا تسمعوا لهذا

القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون أى جعلوه لغوا وباطلا واتخذوه هزوا لعلكم

تغلبونه بذلك فانكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه غلبكم . فقال أبوجهل يوما وهو

يهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق يا معشر قريش يزعم محمد

انما جنود الله الذين يعذبونكم في النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر وأنتم الناس

كثرة وعددا أفيعجز كل مائة رجل منكم عن رجل منهم فأنزل الله عزوجل في

ذلك من قوله ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة

للذين كفروا ) إلى آخر القصة فلما قال ذلك بعضهم لبعض جعلوا إذا جهر رسول

الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن وهو يصلى يتفرقون عنه ويأبون أن يستمعوا له

فكان الرجل منهم إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض

ما يتلو من القرآن وهو يصلى استرق السمع دونهم فرقا منهم فان رأى أنهم قد

عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشية أذاهم فلم يستمع وإن خفض رسول الله صلى

الله عليه وسلم صوته فظن الذى يسمع أنهم لا يسمعون شيئا من قراءته وسمع هو

شيئا دونهم أصاخ له يستمع منه . وروى عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن

عباس إنما نزلت هذه الآية ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) يعنى في ذلك قال

أبوعمر وكان المجاهرون بالظلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل من آمن به

من بنى هاشم عمه أبا لهب وابن عمه أبا سفيان بن الحرث ومن بنى عبد شمس

عتبة وشيبة ابنى ربيعة وعقبة بن أبى معيط وأبا سفيان بن حرب وابنه حنظلة

والحكم بن أبى العاص بن أمية ومعاوية بن المغيرة بن العاص بن أمية ومن بنى

ـ145ـ

عبد الدار النضر بن الحرث ومن بنى عبد شمس أسد بن عبدالعزى الاسود بن

ع بدالمطلب بن أسد بن عبدالعزى وابنه زمعة وأبا البخترى العاص بن هشام

ومن بنى زهرة الاسود بن عبد يغوث ومن بنى مخزوم أبا جهل بن هشام وأخاه

العاص بن هشام وعمهما الوليد بن المغيرة وابنه أبا قيس بن الوليد بن المغيرة

وابن عمه قيس بن الفاكه بن المغيرة وزهير بن أبى أمية بن المغيرة أخو

أم سلمة وأخاه عبدالله بن أبى أمية والاسود بن عبدالاسد أخا أبى سلمة

وصيفى بن السائب ومن بنى سهم العاص بن وائل وابنه عمرا وابن عمه الحارث بن

قيس بن عدى ونبيها ومنبها ابنى الحجاج ومن بنى جمح أمية وأبيا ابنى خلف بن

وهب بن حذافة بن جمح وأنيس بن معير أخا أبى محذورة والحرث بن الطلاطلة

الخزاعى وعدى بن الحمراء الثقفى فهؤلاء كانوا أشد على المؤمنين مثابرة بالاذى

ومعهم سائر قريش فمنهم من يعذبون ممن لا منعة له ولا جوار من قومه ومنهم من

يؤذون . ولقى المسلمون من كفار قريش وحلفائهم من الاذى والعذاب والبلاء عظيما

ورزقهم الله من الصبر على ذلك عظيما ليدخر لهم ذلك في الآخرة ويرفع به درجاتهم

في الجنة . والاسلام في كل ذلك يفشوا في ذلك ويظهر في الرجال والنساء . وأسلم

الوليد بن الوليد بن المغيرة وسلمة بن هشام أخو أبى جهل وأبوحذيفة بن عتبة بن

ربيعة وجماعة أراد الله هداهم . وأسرف بنو جمح على بلال بالاذى والعذاب

فاشتراه أبوبكر الصديق منهم واشترى أمه حمامة فأعتقهما وأعتق عامر بن فهيرة .

وروى أن أبا قحافة قال لابنه أبى بكر يا بنى أراك تعتق قوما ضعفاء فلو أعتقت قوما

جلداء يمنعوك فقال يا أبت إنى أريد ما أريد فقيل فيه نزلت ( وسيجنبها الاتقى

الذى يؤتى ماله يتزكى وما لاحد ) إلى آخر السورة .

وذكر الزهرى أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والاخنس بن شريق

خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى من الليل في

ـ146ـ

بيته فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون

له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض لا تعودوا

فلو رآكم بعض سفهائكم لاوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا حتى اذا كانت الليلة

الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى اذا طلع الفجر تفرقوا

فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا حتى إذا

كانت الليلة الثالثة أخد كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع

الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود

فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا فلما أصبح الاخنس بن شريق أخذ عصاه ثم ذهب

حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال أخبرنى يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد

فقال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء

ما عرفت معناها ولا ما يراد بها قال الاخنس وأنا والذى حلفت به ثم خرج من عنده

حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد

قال ماذا سمعت تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا

وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجازينا على الراكب وكنا كفرسى رهان قالوا منا نبى

يأتيه الوحى من السماء فمتى ندرك هذه والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه فقام

عنه الاخنس وتركه .

وذكر ابن إسحق حديث الاراشى الذى ابتاع منه أبوجهل الابل ومطله بأثمانها

ودلالة قريش إياه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينصفه من أبى جهل استهزاء

لما يعلمون من العداوة بينهما قال وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه

بابه فقال من هذا فقال محمد فخرج اليه وما في وجهه من رائحة قد انتفع لونه فقال

اعط هذا حقه قال نعم لا تبرح حتى أعطيه الذى له فدفعه اليه فذكر لهم الاراشى

ـ147ـ

ذلك فقالوا لابى جهل ويلك ما رأينا مثل ما صنعت قال ويحكم والله ما هو إلا ان

ضرب على بابى وسمعت صوته فملئت رعبا ثم خرجت اليه وان فوق رأسه لفحلا

من الابل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا انيابه لفحل قط والله لو أبيت لاكلنى .

وذكر الواقدى عن يزيد بن رومان قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد

معه رجال من اصحابه اقبل رجل من بنى زبيد يقول يا معشر قريش كيف تدخل

عليكم المادة او يجلب اليكم جلب او يحل تاجر بساحتكم وأنتم تظلمون من دخل

عليكم في حرمكم يقف على الحلق حلقة حلقة حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله

عليه وسلم في صحبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ظلمك فذكر أنه قدم

بثلاثة أجيال كانت خيرة ابله فسامه بها أبوجهل ثلث أثمانها ثم لم يسمه بها لاجله

سائم قال فأكسد على سلعتى وظلمنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأين أجمالك قال هى

هذه بالحزورة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم معه وقام أصحابه فنظر إلى الجمل فرأى جمالا

فرها فساوم الزبيدى حتى ألحقه برضاه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فباع جملين منها

بالثمن وأفضل بعيرا باعه وأعطى أرامل بنى ع بدالمطلب ثمنه ، وأبوجهل جالس

في ناحية من السوق لا يتكلم ثم أقبل اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو إياك أن

تعود لمثل ما صنعت بهذا الاعرابى فترى منى ما تكره فجعل يقول لا أعود يا محمد لا أعود

يا محمد فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عليه أمية بن خلف ومن حضر من القوم فقالوا

ذللت في يدى محمد فاما ان تكون تريد أن تتبعه وإما رعب دخلك منه قال لا أتبعه أبدا

إن الذى رأيتم منى لما رأيت معه لقد رأيت رجالا عن يمينه وشماله معهم رماح

يشرعونها إلى لو خالفته لكانت إياها أى لاتوا على نفسى . قال ابوعمر وكان

ا لمستهزئون الذين قال الله فيهم ( إنا كفيناك ا لمستهزئين ) عمه أبا لهب وعقبة بن

أبى معيط والحكم بن أبى العاصى والاسود بن المطلب بن أسد أبا زمعة والاسود

ابن عبد يغوث والعاص بن وائل والوليد بن المغيرة والحارث بن الغيطلة السهمى

ـ148ـ

فكان جبريل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بهما من ا لمستهزئين الوليد بن المغيرة

والاسود بن المطلب والاسود بن عبد يغوث والحارث بن الغيطلة والعاص بن وائل

واحدا بعد واحد فشكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل فقال كفيتكهم فهلكوا

بضروب من البلاء والعمى قبل الهجرة ، وفيما لقى بلال وعمار والمقداد وخباب وسعد

ابن أبى وقاص وغيرهم ممن لم تكن له منعة من قومه من البلاء والاذى ما يطول

ذكره : قرأت على أبى النور إسمعيل بن نور بن قمر الهيتى بالصالحية أخبركم أبو

نصر موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلى قراءة عليه قال أنا أبوالقاسم سعيد بن

احمد بن البناء قال أنا أبونصر الزينبى قال انا ابوبكر محمد بن عمر بن

على بن خلف قال انا ابوبكر بن أبى داود ثنا أبوموسى عيسى بن حماد زغبة عن

الليث بن سعد عن هشام عن أبيه أنه قال مر ورقة بن نوفل على بلال وهو يعذب

يلصق ظهره برمضاء البطحاء في الحر وهو يقول أحد أحد فقال يا بلال صبرا يا بلال

لم تعذبونه فوالذى نفسى بيده إن قلتموه لاتخذنه حنانا يقول لاتمسحن به .

ـ149ـ

( ذكر انشقاق القمر )

قال الله تعالى ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) . وروينا من طريق البخارى

ثنا مسدد ثنا يحيى عن شعبة وسفيان عن الاعمش عن ابراهيم عن أبى معمر عن

ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل

وفرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا . وذكر القاضى عياض

رحمه الله قال ورواه عنه مسروق انه كان بمكة ، وزاد فقال كفار قريش سحركم

ابن ابى كبشة فقال رجل منهم إن محمدا إن كان سحر القمر فانه لا يبلغ من سحره

ان يسحر الارض كلها فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا فسألوا فأخبروهم

انهم رأوا مثل ذلك . وحكى السمرقندى عن الضحاك نحوه وقال فقال ابوجهل

هذا سحر فابعثوا إلى اهل الآفاق حتى ينظروا ارأوا ذلك ام لا فأخبر أهل الآفاق

انهم رأوه منشقا فقالوا يعنى الكفار هذا سحر مستمر . وروينا من طريق الترمذى

ثنا عبد بن حميد قال انا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال سأل

أهل مكة النبى صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت ( اقتربت

الساعة وانشق القمر ) إلى قوله ( سحر مستمر ) يقول ذاهب . قال الترمذى ثنا

عبد بن حميد ثنا محمد بن كثير ثنا سليمان بن كثير عن حصين عن محمد بن جبير

ابن مطعم عن ابيه قال انشق القمر على عهد النبى صلى الله عليه وسلم حتى صار فرقتين على هذا

الجبل وعلى هذا الجبل فقالوا سحرنا محمد فقال بعضهم لئن كان سحرنا ما يستطيع

ان يسحر الناس كلهم . وروى عن ابن عباس وابن عمر وحذيفة وعلى رضى الله عنهم .

ـ151ـ

( ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 151 سطر 1 الى ص 160 سطر 23

( ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة )

وكانت الهجرة إلى أرض الحبشة مرتين فكان عدد المهاجرين في المرة الاولى

اثنى عشر رجلا واربع نسوة ثم رجعوا عندما بلغهم عن المشركين سجودهم مع

رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قراءة سورة ( والنجم ) وسيأتى ذكر ذلك فلقوا

من المشركين اشد مما عهدوا فهاجروا ثانية وكانوا ثلاثة وثمانين رجلا ان كان فيهم

عمار ففيه خلاف بين اهل النقل وثمانى عشرة امرأة احدى عشرة قرشيات وسبعا

غرباء وبعثت قريشا في شأنهم إلى النجاشى مرتين الاولى عند هجرتهم والثانية

عقيب وقعة بدر وكان عمرو بن العاص رسولا في المرتين ومعه في احداهما عمارة بن

الوليد وفى الاخرى عبدالله بن ابى ربيعة ا لمخزوميان . وروى عبدالرزاق عن

معمر عن الزهرى قال فلما كثر المسلمون وظهر الايمان اقبل كفار قريش على

من آمن من قبائلهم يعذبونهم ويؤذونهم ليردوهم عن دينهم قال فبلغنا ان رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال لمن آمن به تفرقوا في الارض فان الله تعالى سيجمعكم

قالوا إلى أين نذهب قال إلى هاهنا واشار بيده إلى ارض الحبشة فهاجر اليها

ناس ذوو عدد منهم من هاجر بأهله ومنهم من هاجر بنفسه حتى قدموا أرض الحبشة

فكان اول من خرج عثمان بن عفان معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه

وسلم . وقد قيل إن اول من هاجر إلى ارض الحبشة حاطب بن عمرو بن عبد شمس

ابن عبد ود أخو سهيل بن عمرو وقيل هو سليط بن عمرو وأبوحذيفة بن عتبة بن ربيعة

هاربا عن ابيه بدينه ومعه امرأته سهلة بنت سهيل مسلمة مراغمة لابيها فارة عنه

ـ152ـ

بدينها فولدت له بأرض الحبشة محمد بن ابى حذيفة ومصعب بن عمير و عبدالرحمن

ابن عوف وأبوسلمة بن عبدالاسد ومعه امرأته أم سلمة بنت أبى أمية وعثمان بن

مظعون وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب ومعه امرأته ليلى بنت ابى خيثمة بن

غانم العدوية وابوسبرة بن أبى رهم العامرى وامرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو

- ولم يذكرها ابن إسحق فهى خامسة لهن - وسهيل بن بيضاء وهو سهيل بن وهب

ابن ربيعة الفهرى و عبدالله بن مسعود الهذلى فخرجوا متسللين سرا حتى انتهوا إلى

الشعيبة منهم الراكب ومنهم الماشى فوفق الله لهم سفينتين للتجار حملوهم فيهما بنصف

دينار وكان مخرجهم في رجب من السنة الخامسة من النبوة فخرجت قريش في

آثارهم حتى جاءوا البحر من حيث ركبوا فلم يجدوا أحدا منهم ثم خرج جعفر بن

أبى طالب في المرة الثانية ومعه امرأته أسماء بنت عميس فولدت له هناك بنيه محمدا

و عبدالله وعونا وعمرو بن سعيد بن العاص بن أمية ومعه امرأته فاطمة بنت صفوان

ابن أمية بن محرث الكنانى وأخوه خالد بن سعيد معه امرأته أمينة بنت خلف

ابن أسيد بن عامر بن بياضة الخزاعية فولدت له هناك ابنه سعيدا وابنته أم خالد

واسمها أمة وعبيد الله بن جحش معه امرأته أم حبيبة بنت أبى سفيان فتنصر هناك

ثم توفى على النصرانية وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة كما سيأتى

إن شاء الله تعالى وأخوه عبدالله بن جحش وقيس بن عبدالله حليف لبنى أمية

ابن أمية بن عبد شمس معه امرأته بركة بنت يسار مولاة أبى سفيان بن حرب

ومعيقيب بن أبى فاطمة الدوسى حليف لبنى العاص بن أمية وعتبة بن غزوان بن

جابر المازنى حليف بنى نوفل ويزيد بن زمعة بن الاسود وعمرو بن أمية بن الحرث

ابن أسد والاسود بن نوفل بن خويلد بن أسد وكليب بن عمير بن وهب بن أبى

كثير بن عبد قصى وسويبط بن سعد بن حرملة ويقال حريملة بن مالك

العبدرى وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار

ـ153ـ

العبدرى معه امرأته أم حرملة بنت عبد الاسود بن جزيمة من خزاعة وابناه عمرو

ابن جهم وخزيمة بنت جهم وأبوالروم بن عمير أخو مصعب بن عمير وفراس بن

النضر بن الحارث بن كلدة وعامر بن أبى وقاص أخو سعد والمطلب بن أزهر بن

عبد عوف معه امرأته رملة بنت أبى عوف بن صبيرة السهمية ولدت له هناك

عبدالله بن المطلب و عبدالله بن مسعود الهذلى وأخوه عتبة بن مسعود والمقداد

ابن الاسود تبناه الاسود بن عبد يغوث الزهرى وهو حليف له فنسب اليه وهو

المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهرانى والحرث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب

ابن سعد بن تيم بن مرة ومعه امرأته ريطة بنت الحارث التيمية فولدت له هناك

موسى وزينب وعائشة وفاطمة وعمرو بن عثمان بن عمرو التيمى عم طلحة وشماس

ابن عثمان بن الشريد المخزومى واسمه عثمان بن عثمان وهبار بن سفيان بن عبد

الاسد بن هلال المخزومى وأخوه عبدالله بن سفيان وهشام بن أبى حذيفة بن

المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة المخزومى

ومعتب بن عوف بن عامر الخزاعى وبعض الناس يقول معتب حليف بنى مخزوم

والسائب بن عثمان بن مظعون وعماه قدامة و عبدالله ابنا مظعون وحاطب وحطاب

ابنا الحرث بن معمر الجمحى ومع حاطب زوجه فاطمة بنت المجلل العامرى وولدت

له هناك محمدا والحرث ابنى حاطب ومع حطاب زوجه فكيهة بنت يسار وسفيان

ابن معمر بن حبيب الجمحى ومعه ابناه جابر وجنادة وأمهما حسنة وأخوهما لامهما

شرحبيل بن حسنة وهو شرحبيل بن عبدالله بن المطاع الكندى وقيل إنه من

بنى الغوث بن مر أخى تميم بن مر وعثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة

ابن جمح وخنيس بن حذافة بن قيس بن عدى السهمى وسهم بن عمرو بن هصيص

وأخواه عبدالله وقيس ابنا حذافة ورجل من بنى تميم اسمه سعيد بن عمر وكان

أخا بشر بن الحرث بن قيس بن عدى لامه وهشام بن العاص أخو عمرو وعمير

ـ154ـ

ابن رئاب بن حذيفة السهمى وأبوقيس بن الحرث بن قيس بن عدى السهمى

واخوته الحارث ومعمر وسعيد والسائب وبشر وأخ لهم من أمهم من تميم يقال له

سعيد بن عمرو ومحمئة بن جزء الزبيدى حليف بنى سهم ومعمر بن عبدالله بن

نضلة ويقال ابن عبدالله بن نافع بن نضلة العدوى وعروة بن عبدالعزى بن حرثان

العدوى وعن مصعب الزبيرى عروة بن أبى أثاثة بن عبدالعزى أو عمرو بن أثاثة

وعدى بن نضلة بن عبدالعزى العدوى وابنه النعمان ومالك بن ربيعة بن قيس

العامرى وامرأته عمرة بنت أسعد ( 1 ) بن وقدان بن عبد شمس العامرية وسعد بن

خولة من أهل اليمن حليف لبنى عامر بن لؤى و عبدالله بن مخرمة بن عبدالعزى

و عبدالله بن سهيل بن عمرو وعماه سليط والسكران ابنا عمرو العامريون وامرأته

سودة بنت زمعة وأبوعبيدة بن الجراح وعمرو بن أبى سرح بن ربيعة وعياض بن

زهير بن أبى شداد وعثمان بن عبد غنم بن زهير بن أبى شداد وسعد بن عبد قيس

ابن لقيط بن عامر الفهريون وعمار بن ياسر وفيه خلاف بين أهل السير . وقال بعض

أهل السير إن أبا موسى الاشعرى كان فيمن هاجر إلى أرض الحبشة وليس كذلك

ولكنه خرج في طائفة من قومه من أرضهم باليمن يريد المدينة فركبوا البحر فرمتهم

الريح إلى أرض الحبشة فأقام هناك حتى قدم مع جعفر بن أبى طالب فلما نزل

هؤلاء بأرض الحبشة أمنوا على دينهم وأقاموا بخير دار عند خير جار وطلبتهم قريش

عنده فكان ذلك سبب إسلامه . قرأت على الامام الزاهد أبى إسحق إبراهيم بن

على الحنبلى بالصالحية اخبركم أبوالحسن على بن النفيس بن بورنداز ( 2 ) قال أنا أبوالقاسم

محمود بن عبدالكريم قال أنا أبوبكر بن ماجه قال انا ابوجعفر عن أبى جعفر

عن أبى جعفر احمد بن محمد بن المرزبان عن محمد بن ابراهيم بن يحيى بن الحكم

* ( هامش ) * ( 1 ) وعند ابن الجوزى والذهبى " بنت السعدى " .

( 2 ) بضم الباء وسكون الواو وفتح الراء وسكون النون وفتح الدال وآخره زاى . ( * )

ـ155ـ

الحزورى ( 1 ) عن محمد بن سليمان لوين ( 2 ) ثنا حديج ( 3 ) بن معاوية عن أبى إسحق عن

عبدالله بن عتبة عن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى

النجاشى ثمانين رجلا منهم عبدالله بن مسعود وجعفر و عبدالله بن عرفطة وعثمان

ابن مظعون رضى الله عنهم ، وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد

بهدية فقدما على النجاشى فدخلا عليه وسجدا له وابتداره فقعد واحد عن يمينه

والآخر عن شماله فقالا إن نفرا من بنى عمنا نزلوا أرضك فرغبوا عنا وعن ملتنا

قال وأين هم قالوا بأرضك فأرسل في طلبهم فقال جعفر رضى الله عنه أنا خطيبكم

اليوم فاتبعوه فدخل فسلم فقال ما لك لا تسجد للملك قال إنا لا نسجد إلا لله عز

وجل قالوا ولم ذاك قال إن الله تعالى أرسل فينا رسولا وأمرنا ان لا نسجد إلا لله

عزوجل وأمرنا بالصلاة والزكاة ، قال عمرو بن العاص فانهم يخالفونك في ابن مريم

وأمه قال فما تقولون في ابن مريم وأمه قال كما قال الله عزوجل روح الله وكلمته

ألقاها إلى مريم العذراء البتول التى لم يمسها بشر ولم يفرضها ( 4 ) ولد قال فرفع النجاشى

عودا من الارض فقال يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ما تزيدون على ما يقولون

اشهد أنه رسول الله وانه الذى بشر به عيسى في الانجيل والله لولا ما انا فيه من

الملك لاتيته فأكون أنا الذى أحمل نعليه وأوضئه وقال انزلوا حيث شئتم وأمر

بهدية الآخرين فردت عليهما قال وتعجل عبدالله بن مسعود فشهد بدرا وقال انه

لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موته استغفر له ولعمارة بن الوليد مع عمرو

ابن العاص في هذا الوجه خبر مشهور ذكره أبوالفرج على بن الحسين الاصبهانى

وغيره . وقال عمرو يخاطب عمارة :

* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الحاء المهملة وفتح الزاى والواو المشددة . ( 2 ) بضم اللام وفتح الواو

وسكون الياء . ( 3 ) بالتصغير . وفى الاصل بالخاء المعجمة .

( 4 ) بكسر الراء وسكون الضاد أى : لم يؤثر فيها . ( * )

ـ156ـ

إذا المرء لم يترك طعاما يحبه * ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما

قضى وطرا منه وغادر سبة * إذا ذكرت أمثالها تملا الفما

ولم يذكر ابن إسحق مع عمرو إلا عبدالله بن أبى ربيعة في رواية زياد . وفى

رواية ابن بكير لعمارة بن الوليد ذكر فأقام المهاجرون بأرض الحبشة عند النجاشى

في أحسن جوار فلما سمعوا بمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رجع

منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ومن النساء ثمانى نسوة فمات منهم رجلان بمكة وحبس

بمكة سبعة نفر ، وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا فلما كان شهر ربيع الاول

وقيل المحرم سنة سبع من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كتب

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشى كتابا يدعوه فيه إلى الاسلام وبعث

به مع عمرو بن أمية الضمرى فلما قرئ عليه الكتاب أسلم وقال لو قدرت أن آتيه

لاتيته وكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة بنت أبى

سفيان ففعل وأصدق عنه تسعمائة دينار وكان الذى تولى التزويج خالد بن سعيد

ابن العاص بن أمية وكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث اليه من

بقى عنده من أصحابه ويحملهم ففعل فجاءوا حتى قدموا المدينة فيجدون رسول الله

صلى الله عليه وسلم في خيبر فشخصوا اليه فوجدوه قد فتح خيبر فكلم رسول الله

صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يدخلوهم في سهمانهم ففعلوا . وكان سبب رجوع

الاولين الاثنى عشر رجلا ومن ذكر معهم من النساء فيما روى أن رسول الله صلى

الله عليه وسلم قرأ يوما على المشركين ( والنجم اذا هوى ) حتى بلغ ( أفرأيتم

اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى ) ألقى الشيطان كلمتين على لسانه " تلك الغرانيق

العلى وإن شفاعتهن لترجى " فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما ثم مضى

فقرأ السورة كلها فسجد وسجد القوم جميعا ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته

فسجد عليه وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود ويقال إن أبا احيحة سعيد بن

ـ157ـ

العاص أخذ ترابا فسجد عليه ويقال كلاهما فعل ذلك فرضوا بما تكلم به رسول

الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد عرفنا أن الله يحيى ويميت ويخلق ويرزق ولكن

آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فأما إذ جعلت لها نصيبا فنحن معك فكبر ذلك على

رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم حتى جلس في البيت فلما أمسى أتاه

جبريل فعرض عليه السورة فقال جبريل ما جئتك بهاتين الكلمتين فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم قلت على الله مالم يقل فأوحى الله اليه ( وإن كادوا ليفتنونك

عن الذى أوحينا اليك لتفترى علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ) إلى قوله

( ثم لا تجد لك علينا نصيرا ) قالوا ففشت تلك السجدة في الناس حتى بلغت

أرض الحبشة فقال القوم عشائرنا أحب الينا فخرجوا راجعين حتى إذا كانوا دون

مكة بساعة من نهار لقوا ركبانا من كنانة فسألوهم عن قريش فقال الركب ذكر

محمد آلهتهم بخير فتابعه الملا ثم ارتد عنها فعاد لشتم آلهتهم وعادوا له بالشر فتركناهم

على ذلك فائتمر القوم في الرجوع إلى أرض الحبشة ثم قالوا قد بلغنا مكة ( 1 ) فندخل

فننظر ما فيه قريش ويحدث عهدا من أراد بأهله ثم يرجع فدخلوا مكة ولم يدخل

أحد فيهم إلا بجوار إلا ابن مسعود فانه مكث يسيرا ثم رجع إلى أرض الحبشة .

قال الواقدى وكانوا خرجوا في رجب سنة خمس فأقاموا شعبان وشهر رمضان وكانت

السجدة في شهر رمضان فقدموا في شوال سنة خمس . قال السهيلى ذكر هذا الخبر

يعنى خبر هذه السجدة موسى بن عقبة وابن إسحق من غير طريق البكائى وأهل

الاصول يدفعون هذا الحديث بالحجة ومن صححه قال فيه أقوالا : منها أن الشيطان

قال ذلك وأشاعه والرسول لم ينطق به وهذا جيد لولا أن في حديثهم أن جبريل

قال لمحمد ما أتيتك بهذا ، ومنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قالها من قبل نفسه

* ( هامش ) * ( 1 ) " مكة " ساقطة من الاصل ، والتصحيح من النسخة الظاهرية التى يؤيدها السياق . ( * )

ـ158ـ

وعنى بها الملائكة أن شفاعتهم ترتجى ، ومنها ان النبى صلى الله عليه وسلم قالها حاكيا عن

الكفرة وأنهم يقولون ذلك فقالها متعجبا من كفرهم قال والحديث على ما خيلت

غير مقطوع بصحته . قلت بلغنى عن الحافظ عبدالعظيم المنذرى رحمه الله أنه

كان يرد هذا الحديث من جهة الرواة بالكلية وكان شيخنا الحافظ عبدالمؤمن

الدمياطى يخالفه في ذلك . والذى عندى في هذا الخبر أنه جار مجرى ما يذكر من

أخبار هذا الباب من المغازى والسير . والذى ذهب اليه كثير من أهل العلم الترخص

في الرقائق ومالا حكم فيه من أخبار المغازى وما يجرى مجرى ذلك وأنه يقبل فيها

من لا يقبل في الحلال والحرام لعدم تعلق الاحكام بها ، وأما هذا الخبر فينبغى بهذا

الاعتبار أن يرد إلى ما يتعلق به إلا أن يثبت بسند لا مطعن فيه بوجه ولا سبيل

إلى ذلك فيرجع إلى تأويله .

ـ159ـ

( ذكر اسلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه )

قرأت على عبدالرحيم بن يوسف المزى أخبركم أبوحفص بن طبرزد قال أنا

أبوبكر بن عبدالباقي قال أنا أبوعلى الحسن بن غالب الحربى ثنا أبو عبدالله

محمد بن احمد المالكى القاضى ثنا الحسين بن إسحق ثنا أبوعلقمة عبدالله بن

عيسى الفروى ثنا عبد المالك بن الماجشون عن الزنجى بن خالد عن هشام بن عروة

عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم أعز

 

الاسلام بعمر بن الخطاب . وقرأت على أبى الفداء إسمعيل بن عبدالرحمن بن

عمرو الفراء بسفح قاسيون أخبركم أبوالقاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن

صصرى ( 1 ) التغلبى فأقر به قال أنا الشيخان الشريف أبوطالب على بن حيدرة بن جعفر

الحسينى و أبوالقاسم الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الاسدى قالا أنا ابوالقاسم على بن

محمد بن أبى العلاء قال أنا أبومحمد عبدالرحمن بن عثمان بن أبى نصر التميمى قال

أنا أبوخيثمة بن سليمان ثنا محمد بن عوف ثنا سفيان الطائى قال قرأت على إسحق

ابن ابراهيم الحنينى قال ذكره أسامة بن زيد عن أبيه عن جده أسلم قال قال لنا

عمر بن الخطاب أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامى قلنا نعم قال كنت

من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا في يوم حار شديد الحر

بالهاجرة في بعض طرق مكة إذ لقينى رجل من بعض قريش فقال لى أين تذهب

يا ابن الخطاب أنت تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الامر في بيتك قال

قلت وما ذاك قال أختك قد صبت قال فرجعت مغضبا وقد كان رسول الله صلى

* ( هامش ) * ( 1 ) بصادين مهملتين الاولى مفتوحة والثانية ساكنة على وزن سكرى . ( * )

ـ160ـ

الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إذا أسلم عند الرجل به قوة فيكونان معه

ويصيبان من طعامه قال وقد ضم إلى زوج أختى رجلين قال فجئت حتى قرعت

الباب فقيل من هذا قلت ابن الخطاب قال وكان القوم جلوسا يقرءون صحيفة معهم

قال فلما سمعوا صوتى تبادروا واختفوا وتركوا أو نسوا الصحيفة من أيديهم قال

فقامت المرأة ففتحت لى قال فقلت لها يا عدوة نفسها قد بلغنى انك قد صبوت

قال فأرفع شيئا في يدى فأضربها به قال فسال الدم قال فلما رأت المرأة الدم بكت

ثم قالت يا ابن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل فقد أسلمت قال فدخلت وأنا مغضب

قال فجلست على السرير فنظرت فاذا بكتاب في ناحية البيت فقلت ما هذا

الكتاب اعطنيه فقالت لا أعطيكه لست من أهله أنت لا تغتسل من الجنابة ولا

تطهر وهذا لا يمسه إلا المطهرون قال فلم أزل بها حتى أعطتنيه فاذا فيه ( بسم الله

الرحمن الرحيم ) فلما مررت بالرحمن الرحيم ذعرت ورميت الصحيفة من يدى قال ثم

رجعت إلى نفسى فاذا فيها ( سبح لله ما في السموات والارض وهو العزيز الحكيم )

قال فكلما مررت بالاسم من أسماء الله عزوجل ذعرت ثم ترجع إلى نفسى حتى

بلغت ( آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) حتى بلغ إلى قوله

( إن كنتم مؤمنين ) قال فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فخرج

القوم يتبادرون بالتكبير إستبشارا بما سمعوا منى وحمدوا لله عزوجل ثم قالوا يا ابن

الخطاب أبشر فان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين فقال اللهم أعز الاسلام

بأحد الرجلين إما أبوجهل بن هشام وإما عمر بن الخطاب وإنا نرجو أن تكون

دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فأبشر قال فلما أن عرفوا منى الصدق قلت لهم أخبرونى

بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا هو في بيت في أسفل الصفا وصفوه قال

فخرجت حتى قرعت الباب قيل من هذا قلت ابن الخطاب قال وعرفوا شدتى

على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا إسلامى قال فما اجترأ أحد أن يفتح الباب قال

ـ161ـ

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افتحوا له فان يرد الله به خيرا يهده قال ففتحوا لى وأخذ

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 161 سطر 1 الى ص 169 سطر 18

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افتحوا له فان يرد الله به خيرا يهده قال ففتحوا لى وأخذ

رجلان بعضدى حتى دنوت من النبى صلى الله عليه وسلم فقال ارسلوه قال فأرسلونى فجلست

بين يديه قال فأخذ بمجمع قميصى فجبذنى اليه ثم قال أسلم يا ابن الخطاب اللهم

اهده قال قلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال فكبر المسلمون تكبيرة

سمعت بطرق مكة قال وقد كان الرجل إذا أسلم استخفى ثم خرجت فكنت لا أشاء

أن أرى رجلا إذا أسلم ضرب إلا رأيته قال فلما رأيت ذلك قلت لا أحب أن

لا يصيبنى ما يصيب المسلمين قال فذهبت إلى خالى وكان شريفا فيهم فقرعت

الباب عليه فقال من هذا قلت ابن الخطاب قال فخرج إلى فقلت له أشعرت أنى

قد صبوت قال نعم فقلت نعم قال لا تفعل قال قلت بلى قد فعلت قال لا تفعل

فأجاف الباب دونى وتركنى قال قلت ما هذا بشئ قال فخرجت حتى جئت رجلا

من عظماء قريش فقرعت عليه الباب قال من هذا قلت عمر بن الخطاب قال فخرج

إلى فقلت له هل شعرت أنى قد صبوت فقال أو فعلت قلت نعم قال فلا تفعل

قلت قد فعلت قال لا تفعل ثم قام فدخل فأجاف الباب دونى قال فلما رأيت ذلك

انصرفت فقال لى رجل تحب أن يعلم اسلامك قال قلت نعم قال فاذا جلس

الناس في الحجر واجتمعوا أتيت فلانا لرجل لم يكن يكتم السر فاصغ اليه فقل له

فيما بينك وبينه انى قد صبوت فانه سوف يظهر عليك ذلك ويصيح ويعلنه قال

فلما اجتمع الناس في الحجر جئت إلى الرجل فدنوت منه فأصغيت اليه فيما بينى

وبينه فقلت أعلمت أنى قد صبوت قال فقال أصبوت قلت نعم قال فرفع صوته

بأعلاه قال ألا إن ابن الخطاب قد صبأ قال فما زال الناس يضربونى وضربتهم

قال فقال خالى ما هذا قال فقيل ابن الخطاب قال فقام على في الحجر فاشار بكمه

فقال ألا انى قد أجرت ابن أختى قال فانكشف الناس عنى قال وكنت لا أشاء

أن أرى أحدا من المسلمين يضرب الا رأيته وأنا لا أضرب قال فقلت ما هذا

ـ162ـ

بشئ حتى يصيبنى مثل ما يصيب المسلمين قال فأمهلت حتى اذا جلس الناس

في الحجر وصلت إلى خالى فقلت اسمع فقال ما أسمع قال قلت جوارك عليك رد

قال فقال لا تفعل يا ابن أختى قال قلت بلى هو ذاك فقال ما شئت قال فما زلت

أضرب وأضرب حتى أعز الله الاسلام . وروينا هذا الخبر من طريق ابن إسحق

وفيه قال وكان إسلام عمر فيما بلغنى أن أخته فاطمة وكانت عند سعيد بن زيد كانت

قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد وهم مستخفون باسلامهم من عمر وكان نعيم النحام

رجل من قومه قد أسلم وفيه أن عمر خرج متوشحا سيفه يقصد رسول الله صلى الله

عليه وسلم ومن معه وهم قريب من أربعين بين رجال ونساء وأن الذى قال له ما قال

نعيم وأن خبابا كان في بيت اخته يقرئهم القرآن وأن الذى كان في الصحيفة سورة

( طه ) وأن الذى أذن في دخوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن ع بدالمطلب

والرجل الذى صرح باسلام عمر عند ما قاله جميل بن معمر الجمحى الذى يقال له

ذو القلبين وفيه نزلت ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) على أحد

الاقوال وفيه يقول الشاعر :

وكيف ثوائى بالمدينة بعد ما * قضى وطرا منها جميل بن معمر

ورويناه من طريق ابن عائذ قال أخبرنى الوليد بن مسلم قال حدثنى عمر بن

محمد قال حدثنى أبى محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر فذكر القصة وفيها فأتيته

بصحيفة فيها ( طه ) فقرأ فيها ما شاء الله قال عمر فلما بلغ ( فلا يصدنك عنها من

لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ) قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله

وفيها قالوا يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب يستفتح فقال رسول الله صلى الله عليه

وسلم ائذنوا له فان يرد الله به خيرا يهده وإلا كفيتموه ( 1 ) باذن الله قال محمد يعنى

ابن عائذ وهذا وهم وإنما الذى قال إن يرد الله به خيرا وإلا كفيتموه حمزة وفى

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " كفيتكموه " . ( * )

ـ163ـ

الخبر عن ابن عائذ قال عمر فحدثنى أبى محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر أن أباه

زيد بن عبدالله بن عمر حدثه عن عبيد الله بن عمر قال فبينا هو خائف على نفسه

إذ جاءه العاص بن وائل عليه حلة وقميص مكفف بالحرير فقال مالك يا ابن الخطاب

قال زعم قومك أنهم سيقتلوننى إذا أسلمت قال العاص لا سبيل اليك فما عدا أن

قالها العاص فأمنت عليه قال عبدالله بن عمر فخرج عمر والعاص فاذا الوادى

قد سال بالناس فقال لهم أين تريدون قالوا هذا الذى قد خالف دين قومه قال

لا سبيل اليه فارجعوا فرجعوا . وذكر محمد بن عبدالله بن سنجر الحافظ فيما رأيته

عنه باسناده إلى شريح بن عبيد قال قال عمر بن الخطاب خرجت أتعرض رسول

الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقنى إلى المسجد فقمت خلفه

فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن فقلت هذا والله شاعر

كما قالت قريش فقرأ ( انه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون )

قال قلت كاهن علم ما في نفسى فقرأ ( ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون ) إلى آخر

السورة قال فوقع الاسلام في قلبى كل موقع . وقد ذكر غير هذا في خبر إسلام

عمر رضى الله عنه أيضا فالله أعلم أى ذلك كان . أخبرنا الامام أبو عبدالله محمد

ابن ابراهيم المقدسى وأبوالعز عبد العزيز بن عبد المنعم الحرانى قراءة عليهما

وأنا حاضر في الرابعة قال الاول أنا أبواليمن الكندى قراءة عليه وأنا أسمع وقال

الثانى أنا أبوعلى بن الخريف قراءة عليه وأنا حاضر أسمع في الخامسة قالا أنا ابو

بكر محمد بن عبدالباقي الانصارى قال أنا أبوالحسين محمد بن احمد بن حسنون

قال أنا معافى بن ابراهيم بن زكريا بن طراز قال أنا عبدالله يعنى البغوى ثنا عبيد

الله بن عمر ثنا عبدالله بن خراش عن العوام بن حوشب عن مجاهد عن ابن

عباس قال لما أسلم عمر رضى الله عنه نزل جبريل عليه السلام على النبى صلى الله عليه وسلم

 

فقال يا محمد لقد إستبشر أهل السماء باسلام عمر رضى الله عنه .

ـ165ـ

( ذكر الخبر عن دخول بنى هاشم وبنى المطلب )

ابنى عبد مناف في الشعب وما لقوا من سائر قريش في ذلك

قال أبوعمر أنا عبدالله بن محمد ثنا محمد بن بكر ثنا أبوداود ثنا محمد بن سلمة

المرادى قال أنا ابن وهب قال أخبرنى ابن لهيعة عن محمد بن عبدالرحمن أبى

الاسود وأنا عبد الوارث بن سفيان ثنا قاسم بن أصبغ ثنا مطرف بن عبدالرحمن

ابن قيس ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب وانا عبدالله بن محمد ثنا محمد بن بكر

ثنا ابوداود ثنا محمد بن اسحق المسيبى قالا ثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة

عن ابن شهاب دخل حديث بعضهم في بعض قال ثم ان كفار قريش اجمعوا

امرهم واتفق رأيهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد افسد ابناءنا

ونساءنا فقالوا لقومه خذوا منادية مضاعفة ويقتله رجل من غير قريش وتريحوننا

وتريحون انفسكم فأبى قومه بنو هاشم من ذلك فظاهرهم بنو المطلب بن عبد مناف

فأجمع المشركون من قريش على منابذتهم واخراجهم من مكة إلى الشعب فلما دخلوا

إلى الشعب امر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة من المؤمنين ان

يخرجوا إلى ارض الحبشة وكان متجرا لقريش فكان يثنى على النجاشى بأنه لا يظلم

عنده احد فانطلق اليها عامة من آمن بالله ورسوله ودخل بنو هاشم وبنو المطلب

شعبهم مؤمنهم وكافرهم فالمؤمن دينا والكافر حمية فلما عرفت قريش ان رسول

الله صلى الله عليه وسلم قد منعه قومه اجمعوا على ان لا يبايعوهم ولا يدخلوا اليهم

شيئا من الرفق وقطعوا عنهم الاسواق ولم يتركوا طعاما ولا اداما ولا بيعا الا بادروا

اليه واشتروه دونهم ولا يناكحوهم ولا يقبلوا منهم صلحا ابدا ولا تأخذهم بهم رأفة

حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها

ـ166ـ

في الكعبة وتمادوا على العمل بما فيها من ذلك ثلاث سنين فاشتد البلاء على بنى

هاشم في شعبهم وعلى كل من معهم فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم قوم من قصى

ممن ولدتهم بنو هاشم ومن سواهم فأجمعوا امرهم على نقض ما تعاهدوا عليه من

الغدر والبراءة وبعث الله على صحيفتهم الارضة فأكلت ولحست ما في الصحيفة

من ميثاق وعهد وكان ابوطالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صلى

الله عليه وسلم فيأتى فراشه كل ليلة حتى يراه من اراد به شرا او غائلة فاذا نام

الناس امر احد بنيه او اخوته او بنى عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم

وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يأتى بعض فرشهم فيرقد عليها فلم يزالوا في الشعب على

ذلك إلى تمام ثلاث سنين ولم تترك الارضة في الصحيفة اسما لله عزوجل الا لحسته

وبقى ما كان فيها من شرك او ظلم او قطيعة رحم فأطلع الله رسوله على ذلك فذكر

 

ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لابى طالب فقال ابوطالب لا والثواقب

ما كذبتنى فانطلق في عصابة من بنى عبد المطلب حتى اتوا المسجد وهم خائفون

لقريش فلما رأتهم قريش في جماعة انكروا ذلك وظنوا انهم خرجوا من شدة البلاء

ليسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم برمته إلى قريش فتكلم ابوطالب فقال

قد جرت امور بيننا وبينكم نذكرها لكم فائتوا بصحيفتكم التى فيها مواثيقكم فلعله

ان يكون بيننا وبينكم صلح وانما قال ذلك ابوطالب خشية ان ينظروا في الصحيفة

قبل ان يأتوا بها فأتوا بصحيفتهم معجبين لا يشكون ان رسول الله صلى الله عليه

وسلم يدفع اليهم فوضعوها بينهم وقالوا لابى طالب قد آن لكم ان ترجعوا عما

احدثتم علينا وعلى انفسكم فقال ابوطالب انما اتيتكم في امر هو نصف بيننا

وبينكم ان ابن اخى اخبرنى ولم يكذبنى ان هذه الصحيفة التى في ايديكم قد بعث

الله عليها دابة فلم تترك فيها اسما له الا لحسته وتركت فيها غدركم وتظاهركم علينا

بالظلم فان كان الحديث كما بقول فأفيقوا فلا والله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا

ـ167ـ

وان كان الذى يقول باطلا دفعنا اليكم صاحبنا فقتلتم او استحييتم فقالوا قد رضينا

بالذى تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد

اخبر بخبرها قبل ان تفتح فلما رأت قريش صدق ما جاء به ابوطالب عن النبى

صلى الله عليه وسلم قالوا هذا سحر ابن اخيك وزادهم ذلك بغيا وعدوانا . وقال

ابن هشام وذكر بعض اهل العلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابى طالب يا عم ان

ربى قد سلط الارضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسما لله الا اثبتته ونفت

منها القطيعة والظلم والبهتان قال أربك اخبرك بهذا قال نعم قال فوالله ما يدخل

عليك احد ثم خرج إلى قريش فقال يا معشر قريش ان ابن اخى اخبرنى وساق الخبر

بمعنى ما ذكرناه . وقال ابن اسحق وابن عقبة وغيرهما : وندم منهم قوم فقالوا هذا

بغى منا على اخواننا وظلم لهم فكان اول من مشى في نقض الصحيفة هشام بن

عمرو بن الحارث العامرى وهو كان كاتب الصحيفة وا بوالبخترى العاص بن هشام

ابن الحارث بن اسد بن عبدالعزى والمطعم بن عدى . إلى هنا انتهى خبر ان

لهيعة عن ابى الاسود يتيم عروة وموسى بن عقبة عن ابن شهاب . وذكر ابن

اسحق فيهم زهير بن ابى امية بن المغيرة المخزومى وزمعة بن الاسود بن المطلب .

وذكر ابن اسحق في اول هذا الخبر قال وقد كان ابوجهل فيما يذكرون لقى حكيم

ابن حزام ومعه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة وهى مع رسول الله صلى الله

عليه وسلم في الشعب فتعلق به وقال اتذهب بالطعام إلى بنى هاشم فقال له ابو

البخترى طعام كان لعمته عنده افتمنعه ان يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فأبى

ابوجهل حتى نال احدهما من صاحبه فأخذ ا بوالبخترى لحى بعير فضربه به فشجه

ووطئه وطئا شديدا . وذكر ابو عبدالله محمد بن سعد هشام بن عمرو العامرى

المذكور وقال كان اوصل قريش لبنى هاشم حين حصروا في الشعب ادخل عليهم

في ليلة ثلاثة احمال طعاما فعلمت بذلك قريش فمشوا اليه حين اصبح فكلموه

ـ168ـ

في ذلك فقال انى غير عائد لشئ خالفكم فانصرفوا عنه ثم عاد الثانية فأدخل

عليهم ليلا حملا او حملين فغالظته قريش وهمت به فقال ابوسفيان بن حرب

دعوه رجل وصل اهل رحمه اما انى احلف بالله لو فعلنا مثل ما فعل كان احسن بنا .

وعن ابن سعد وكان الذى كتب الصحيفة بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف

ابن عبد الدار بن قصى فشلت يده وحصروا بنى هاشم في شعب ابى طالب ليلة

هلال المحرم سنة سبع من حين نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان خروجهم في السنة العاشرة

وقيل مكثوا في الشعب سنتين .

ـ169ـ

( ذكر خبر أهل نجران )

قال ابن إسحق ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون

رجلا أو قريب من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة فوجدوه في

المسجد فجلسوا اليه وكلموه وسألوه ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة فلما

فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا دعاهم رسول الله صلى

الله عليه وسلم ( 1 ) وتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فلما سمعوه

فاضت عينهم من الدمع ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوا وعرفوا منه ما كان

يوصف لهم في كتابهم من أمره فلما قاموا عنه اعترضهم أبوجهل بن هشام في نفر

من قريش فقال لهم خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون ( 2 )

لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما

قال ما نعلم راكبا أحمق منكم أو كما قالوا فقال لهم سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن

عليه ولكم ما أنتم عليه لم نأل من أنفسنا خيرا . ويقال إن النفر من النصارى

من أهل نجران ويقال فيهم نزلت ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون

وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به ) إلى قوله ( لا نبتغى الجاهلين ) وقال الزهرى

ما زلت أسمع من علمائنا انهن نزلن في النجاشى وأصحابه .

* ( هامش ) * ( 1 ) في الظاهرية زيادة " إلى الله " . ( 2 ) في نسخة " ترادون " وفى نسخة

أخرى " تردادون " . ( * )

ـ171ـ

( ذكر وفاة خديجة وأبى طالب )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 171 سطر 1 الى ص 179 سطر 24

( ذكر وفاة خديجة وأبى طالب )

روينا عن الدولابى ثنا ابوالاشعث أحمد بن المقدام العجلى ثنا زهير بن العلاء

ثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة قال توفيت خديجة بمكة قبل الهجرة بثلاث

سنين وهى أول من آمن بالنبى صلى الله عليه وسلم ، قال وثنا احمد بن عبدالجبار

قال حدثنى يونس بن بكير عن ابن إسحق قال ثم ان خديجة بنت خويلد وأبا

طالب ماتا في عام واحد فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبتان

هلاك خديجة وأبى طالب وكانت خديجة وزيرة صدق على الاسلام وكان رسول الله

صلى الله عليه وسلم يسكن اليها قال وقال زياد البكائى عن ابن إسحق إن خديجة

وأبا طالب هلكا في عام واحد وكان هلاكهما بعد عشر سنين مضين من مبعث

رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قبل مهاجره صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين .

وذكر ابن قتيبة أن خديجة توفيت بعد أبى طالب بثلاثة أيام . وذكر البيهقى

نحوه . وعن الواقدى توفيت خديجة قبل أبى طالب بخمس وثلاثين ليلة وقيل غير

ذلك فلما هلك أبوطالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من

الاذى مالم تكن تطمع فيه في حياة أبى طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش

فنثر على رأسه ترابا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه

فقامت اليه احدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهى تبكى ورسول الله صلى

الله عليه وسلم يقول لا تبكى يا بنية فان الله مانع أباك ويقول بين ذلك ما نالت منى

قريش شيئا أكرهه حتى مات أبوطالب . قال ولما اشتكى أبوطالب وبلغ قريشا

ـ172ـ

ثقله قال بعضهم لبعض إن حمزة وعمر قد أسلما وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش

كلها فانطلقوا بنا إلى أبى طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا فانا والله

ما نأمن أن ينتبزونا أمرنا فمشوا إلى أبى طالب وكلموه وهم أشراف قومه عتبة

وشيبة ابنا ربيعة وأبوجهل بن هشام وأمية بن خلف وأبوسفيان بن حرب في

رجال من أشرافهم فقالوا يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت وقد حضرك ما ترى

وتخوفنا عليك وقد علمت الذى بيننا وبين ابن أخيك فادعه وخذ له منا وخذ

لنا منه ليكف عنا ونكف عنه وليدعنا وديننا وندعه ودينه فبعث اليه أبوطالب

فجاءه فقال يا ابن أخى هؤلاء أشراف قومك وقد اجتمعوا لك ليعطوك وليأخذوا

منك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم كلمة واحدة تعطونيها وتملكون بها

وأبى ان يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والله لاستغفرن

لك مالم انه عنك فأنزل الله عزوجل ( ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا

للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) وأنزل

الله في أبى طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنك لا تهدى من أحببت

ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) ورواه مسلم من حديث أبى

هريرة أيضا وفيه لولا أن تعيرنى قريش يقولون إنما حمله على ذلك الخرع ( 1 ) لاقررت بها

عينك . وفى الصحيح من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه ان رسول الله

صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبوطالب فقال لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة

فيجعل في ضحضاح ( 2 ) من النار . وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أهون

* ( هامش ) * ( 1 ) اى الضعف . وفى الاصل " الخزع " وهو خطأ ، وفى نسخة " الجزع "

قال في النهاية : قال ثعلب إنما هو بالخاء والراء . وفى الاقتباس : واختاره جماعة

وصوبه القاضى عياض وغيره . ( 2 ) الضحضاح في الاصل مارق من الماء على وجه

الارض ما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار . وقيل الضحضاح هو ما قرب من القعر . ( * )

ـ173ـ

اهل النار في النار عذابا ابوطالب وهو منتعل بنعلين من نار يغلى منهما دماغه .

وأخبرنا عبدالرحيم ( 1 ) بقراءة والدى عليه اخبركم أبوعلى حنبل بن عبدالله بن الفرج

قال انا أبوالقاسم بن الحصين قال أنا أبوعلى بن المذهب قال انا أبوبكر القطيعى

قال انا عبدالله بن احمد ثنا أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبى إسحق قال

سمعت ناجية بن كعب يحدث عن على انه أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال إن أبا طالب

مات فقال له النبى صلى الله عليه وسلم اذهب فواره فقال انه مات مشركا قال

اذهب فواره فلما واريته رجعت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال لى اغتسل .

واخبرنا أبوالفضل بن الموصلى قال اخبرنا أبوعلى بن سعادة الرصافى قال انا هبة

الله بن محمد الشيبانى قال انا الحسن بن على التميمى أنا احمد بن جعفر بن حمدان

قال أنا عبدالله بن احمد ثنا أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء

عن وكيع بن عدس عن أبى رزين عمه قال قلت يا رسول الله أين أمى قال أمك

في النار قال قلت أين من مضى من اهلك قال أما ترضى ان تكون أمك مع أمى

قال عبدالله قال أبى الصواب حدس . وذكر بعض اهل العلم في الجمع بين هذه

الروايات ما حاصله ان النبى صلى الله عليه وسلم لم يزل راقيا في المقامات السنية صاعدا في

الدرجات العلية إلى ان قبض الله روحه الطاهرة اليه وأزلفه بما خصه به لديه من

الكرامة حين القدوم عليه فمن الجائز أن تكون هذه درجة حصلت له صلى الله

عليه وسلم بعد أن لم تكن وأن يكون الاحياء والايمان متأخرا عن تلك

الاحاديث فلا تعارض . وقال السهيلى شهادة العباس لابى طالب لو أداها

بعد ما أسلم كانت مقبولة لان العدل إذا قال سمعت وقال من هو أعدل منه لم

اسمع أخذ بقول من أثبت السماع ولكن العباس شهد بذلك قبل ان يسلم .

قلت قد أسلم العباس بعد ذلك وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم

* ( هامش ) * ( 1 ) في الظاهرية " عبدالرحيم المزى " . ( * )

ـ174ـ

عن حال أبى طالب فيما أخبرنا عبدالرحيم بن يوسف بقراءة أبى عليه وقرأت

على أبى الهيجاء غازى بن أبى الفضل قال أنا أبوحفص بن طبرزد قال انا ابن

الحسين قال انا أبوطالب بن غيلان قال انا أبوبكر الشافعى ثنا بشر بن موسى

ثنا الحميدى ثنا سفيان ثنا عبدالملك بن عمير قال سمعت عبدالله بن الحرث بن

نوفل قال سمعت العباس يقول قلت يا رسول الله إن أبا طالب كان يحفظك

وينصرك فهل نفعه ذاك قال نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح ( 1 ) .

صحيح الاسناد مشهور متفق عليه من حديث العباس في الصحيحين ولو كانت

هذه الشهادة عنده لاداها بعد إسلامه وعلم حال أبى طالب ولم يسأل ، والمعتبر

حالة الاداء دون التحمل . وفيما ذكره السهيلى ان الحرث بن عبدالعزى أبا رسول

الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم

مكة فأسلم وحسن اسلامه في خبر ذكره من طريق يونس بن بكير عن ابن

إسحق عن أبيه عن رجال من بنى سعد بن بكر .

* ( هامش ) * ( 1 ) الضحضاح مارق من الماء على وجه الارض ما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار . ( * )

ـ175ـ

( ذكر خروج النبى صلى الله عليه وسلم إلى الطائف )

وذلك في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة قال ابن إسحق ولما هلك

أبوطالب ونالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم مالم تكن تنال منه

في حياته خرج إلى الطائف وحده - وقال ابن سعد ومعه زيد بن حارثة - يلتمس

النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله

فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم

وهم اخوة ثلاثة عبد ياليل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة

ابن غيرة بن عوف بن ثقيف وعند أحدهم امرأة من قريش من بنى جمح فجلس

اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمهم ما جاءهم له من نصرته على الاسلام والقيام معه على

من خالف من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك

وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلمك أبدا

لئن كنت رسولا من الله كما تقول لانت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام

ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى ( 1 ) أن أكلمك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من

عندهم وقد يئس من خير ثقيف وقد قال لهم فيما ذكر لى إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا

على وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه فلم يفعلوا أغروا به سفهاءهم وعبيدهم

يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس . قال موسى بن عقبة قعدوا له صفين

على طريقه فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما

إلا رضخوهما ( 2 ) بالحجارة حتى أدموا رجليه . زاد سليمان التيمى انه صلى الله عليه وسلم كان إذا أذلقته

* ( هامش ) * ( 1 ) في الظاهرية " ما ينبغى لى ان اكلمك " . ( 2 ) الرضخ هو الدق والكسر ( * )

ـ176ـ

الحجارة ( 1 ) قعد إلى الارض فيأخذون بعضديه فيقيمونه فاذا مشى رجموه وهم يضحكون

وقال ابن سعد : وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج في رأسه شجاجا قال ابن عقبة

فخلص منهم ورجلاه تسيلان دما فعمد إلى حائط من حوائطهم فاستظل في ظل حبلة ( 2 )

يقولون بل أبو الهيثم بن التيهان ، وقد تقدم أنه البراء بن معرور . فلما انتهت

البيعة صرخ الشيطان من رأس العقبة يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم

والصباة معه قد أجمعوا على حربكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا

أزب العقبة ( 3 ) أتسمع أى عدو الله أما والله لافرغن لك فاستأذنه العباس

ابن عبادة في القتال فقال لم نؤمر بذلك وتطلب المشركون خبرهم فلم يعرفوه

ثم شعروا به حين انصرفوا فاقتفوا آثارهم فلم يدركوا إلا سعد بن عبادة

والمنذر بن عمرو فأما سعد فكان ممن عذب في الله وأما المنذر فأعجزهم

وأفلت . ونمى خبر سعد بن عبادة إلى جبير بن مطعم والحرث بن حرب

ابن أمية على يدى أبى البخترى بن هشام فأنفذه الله بهما . وقال ضرار

ابن الخطاب الفهرى :

تداركت سعدا عنوة فأخذته * وكان شفاء لو تداركت منذرا

ولو نلته طلت هناك جراحة * وكان حريا أن يهان ويهدرا

فأجابها حسان بأبيات ذكرها ابن إسحق . فلما قدموا المدينة أظهروا الاسلام

وكان عمرو بن الجموح ممن بقى على شركه وكان له صنم يعظمه فكان فتيان ممن

أسلم من بنى سلمة يدلجون بالليل على صنمه فيطرحونه في بعض حفر بنى سلمة منكسا

رأسه في عذر الناس فاذا أصبح عمرو قال ويحكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة

* ( هامش ) * ( 1 ) اى بلغت منه الجهد حتى قلق . ( 2 ) الحائط هاهنا البستان من النخيل اذا

كان عليه جدار ، والحبلة هى الاصل او القضيب من شجر الاعناب .

( 3 ) " الجباجب " مكان سيأتى الكلام عليه ، و " ازب العقبة " اسم شيطان ( * )

ـ177ـ

ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهره وطيبه فاذا أمسى عدوا عليه ففعلوا

به مثل ذلك إلى أن غسله مرة وطهره ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ثم قال له ما أعلم

من يصنع بك ما أرى فان كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك فلما أمسى

ونام عمرو غدوا عليه وأخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل

ثم ألقوه في بئر من آبار بنى سلمة فيها عذر ( 1 ) من عذر الناس وغدا عمرو بن الجموح

فلم يجده في مكانه فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب

ميت فلما رآه أبصر شأنه وكلمه من أسلم من قومه فأسلم رضى الله عنه وحسن إسلامه ( 2 )

( وهذه تسمية من شهد العقبة )

وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين ، هذا هو العدد المعروف وإن زاد في التفصيل

على ذلك فليس ذلك بزيادة في الجملة وإنما هو لمحل الخلاف فيمن شهد فبعض الرواة

يثبته وبعضهم يثبت غيره بدله وقد وقع ذلك في غير موضع في أهل بدر وشهداء

أحد وغير ذلك . وهم من الاوس ثم من بنى عبد الاشهل أسيد بن حضير أبوالهيثم

مالك بن التيهان سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الاشهل

وسعد بن زيد بن عامر بن عمرو بن جشم بن الحارث بن الخزرج وبنو جشم

عدادهم في بنى عبد الاشهل شهداء العقبة في قول الواقدى وحده وهو معدود في

البدريين عند غيره . وقد اختلف في نسبه وهو عند ابن اسحق سعد بن زيد

ابن مالك بن عبيد بن كعب بن عبد الاشهل . ومن بنى حارثة بن الحرث بن

* ( هامش ) * ( 1 ) اى غائط

( 2 ) هنا في هامش الاصل : بلغ مقابلة لله الحمد ( * )

ـ178ـ

الخزرج بن عمرو بن مالك بن الاوس ظهير بن رافع بن عدى بن زيد بن جشم

ابن حارثة أبوبردة هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم

ابن ذبيان بن هميم بن كاهل بن ذهل بن هنى بن بلى بن عمرو بن الحاف بن

قضاعة حليف لهم بهيز بن الهيثم بن نامى بن مجدعة بن حارثه بن الحرث بن

الخزرج - وبهيز بالباء الموحدة عند بعضهم وبالنون عند آخرين . ومن بنى عمرو

ابن عوف سعد بن خيثمة رفاعة بن عبدالمنذر عبدالله بن جبير بن النعمان بن

أمية بن البرك امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو معن بن عدى بن الجد بن

العجلان بن ضبيعة عويم بن ساعدة . ومن الخزرج ثم من بنى النجار أبوأيوب

خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار

ومعاذ بن عفراء وأخواه معوذ وعوف وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو

ابن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار أسعد بن زرارة النعيمان بن عمرو بن

رفاعة بن الحرث بن سواد بن غنم عند الواقدى وحده . ومن بنى مبذول عامر بن

منه وهو مكروب موجع وإذا في الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة فلما رآهما

كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله . قال فلما رآه ابنا ربيعة وما لقى

تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له خذ

قطفا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له

يأكل منه ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدى رسول الله صلى الله عليه

وسلم ثم قال له كل فما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال بسم الله ثم

أكل فنظر عداس في وجهه ثم قال والله إن هذا لكلام ما يقوله أهل هذه البلاد

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أى البلاد أنت يا عداس وما دينك

قال نصرانى وأنا من أهل نينوى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل

قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى

ـ179ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخى كان نبيا وأنا نبى فأكب عداس على رسول الله

صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه فلما جاءهما عداس قالا له ويلك

ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه قال يا سيدى ما في الارض شئ خير من

هذا لقد أعلمنى بأمر لا يعلمه إلا نبى قالا ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك

فان دينك خير من دينه . وروينا في الصحيح من حديث عائشة رضى الله عنها

أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد فقال

لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسى على

ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبنى إلى ما أردت فانطلقت على وجهى وأنا مهموم

فلم أستفق إلا وأنا بقرن التعالب فرفعت رأسى فاذا أنا بسحابة قد أظلتنى فنظرت

فاذا فيها جبريل فنادانى فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد

بعث اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فنادانى ملك الجبال فسلم على فقال

يا محمد ذلك لك فما شئت وان شئت أن أطبق عليهم الاخشبين فقال النبى صلى الله عليه وسلم

بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا . وذكر ابن

هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف ولم يجيبوه

لما دعاهم اليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء ثم بعث إلى الاخنس بن شريق

ليجيره فقال أنا حليف والحليف لا يجير فبعث إلى سهيل بن عمرو فقال إن بنى

عامر لا تجير على بنى كعب فبعث إلى المطعم بن عدى فأجابه إلى ذلك ثم تسلح

المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن

ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى عنده ثم انصرف

إلى منزله . ولاجل هذه السابقة التى سلفت للمطعم بن عدى قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدى حيا ثم كلمنى في

هؤلاء النتنى لتركتهم له ( 1 )

* ( هامش ) * ( 1 ) تقدم الاخشبان وهما جبلا مكة . ( * )

ـ181ـ

( ذكر اسلام الجن )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 181 سطر 1 الى ص 190 سطر 15

( ذكر اسلام الجن )

وفى انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف راجعا إلى مكة حين

يئس من خير ثقيف مر به النفر من الجن وهو بنخلة كما سيأتى إن شاء الله تعالى

وهم فيما ذكر ابن اسحق سبعة من جن نصيبين وكان رسول الله صلى الله عليه

 

وسلم قد قام من جوف الليل وهو يصلى . والخبر بذلك ثابت من طريق عبدالله

ابن مسعود رضى الله عنه : قرأت على أبى عبدالله بن أبى الفتح الصورى بمرج

دمشق أخبركم أبوالقاسم بن الحرستانى سماعا عليه فأقر به قال أنا أبومحمد طاهر

ابن سهل قال أنا أبوالحسين مكى قال أنا القاضى أبوالحسن الحلبى قال حدثنى

إسحق بن محمد بن يزيد ثنا أبوداود يعنى سليمان بن سيف ثنا أيوب بن خالد

ثنا الاوزاعى قال حدثنى ابراهيم بن طريف قال حدثنى يحيى بن سعيد الانصارى

قال حدثنى عبدالرحمن بن أبى ليلى قال حدثنى عبدالله بن مسعود قال كنت

مع النبى صلى الله عليه وسلم ليلة صرف الله النفر من الجن الحديث . ورويناه من حديث أبى

المعلى عن عبد الله بن مسعود قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة

إلى نواحى مكة فخط لى خطا وقال لاتحدثن شيئا حتى آتيك ثم قال لا يروعنك أو

لا يهولنك شئ تراه ثم جلس فاذا رجال سود كأنهم رجال الزط ( 1 ) قال وكانوا كما

قال الله ( كادوا يكونون عليه لبدا ) فأردت أن أقوم فأذب عنه بالغا ما بلغت ثم

ذكرت عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكثت ثم انهم تفرقوا عنه فسمعتهم يقولون

يا رسول الله ان شقتنا بعيدة ونحن منطلقون فزودنا الحديث . وفيه فلما ولوا قلت

* ( هامش ) * ( 1 ) الزط : جيل من الناس . ( * )

ـ182ـ

من هؤلاء قال هؤلاء جن نصيبين . وروينا من حديث أبى عبدالله الجدلى عن

عبدالله وفيه قال ثم شبك أصابعه في أصابعى وقال ابى وعدت ان تؤمن بى الجن

والانس فأما الانس فقد آمنت بى وأما الجن فقد رأيت . وروى أبوعمر من طريق

أبى داود ثنا محمد بن المثنى ثنا ابومعاوية عن الاعمش عن ابى ظبيان عن ابى

عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال لما كانت ليلة الجن أتت النبى صلى الله عليه وسلم سمرة

فآذنته بهم فخرج اليهم . قال أبوداود ثنا هارون بن معروف ثنا سفيان عن مسعر

عن عمرو بن مرة عن ابى عبيدة ان مسروقا قال قال له أبوك انا ان شجرة أنذرت النبى

صلى الله عليه وسلم بالجن . وروينا حديث ابى فزارة عن ابى زيد مولى عمرو بن

حريث ثنا عبدالله بن مسعود قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انى قد أمرت أن

أقرأ على اخوانكم من الجن فليقم معى رجل منكم ولا يقم رجل في قلبه مثقال حبة

خردل من كبر فقمت معه وأخذت اداوة فيها نبيذ فانطلقت معه فلما برز خط لى

خطا وقال لى لا تخرج منه فانك إن خرجت لم ترنى ولم أرك إلى يوم القيامة قال

ثم انطلق فتوارى عنى حتى لم أره فلما سطع الفجر أقبل فقال لى أراك قائما فقلت

ما قعدت فقال ما عليك لو فعلت قلت خشيت أن اخرج منه فقال أما انك لو

خرجت منه لم ترنى ولم أرك إلى يوم القيامة هل معك وضوء قلت لا فقال ما هذه

الاداوة قلت فيها نبيذ قال تمرة طيبة وماء طهور فتوضأ وأقام الصلاة فلما قضى

الصلاة قام اليه رجلان من الجن فسألاه المتاع فقال ألم آمر لكما ولقومكما بما يصلحكما

قالا بلى ولكن أحببنا أن يشهد بعضنا معك الصلاة فقال ممن أنتما قالا من أهل

نصيبين فقال أفلح هذان وأفلح قومهما وأمر لهما بالروث والعظم طعاما ولحما ونهى

النبى صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بعظم أو روثة . رويناه من حديث قيس

ابن الربيع وهذا لفظه . ومن حديث الثورى واسرائيل وشريك والجراح بن

مليح وأبى عميس كلهم عن أبى فزارة وغير طريق أبى فزارة عن أبى زيد لهذا

ـ183ـ

الحديث أقوى منها للجهالة الواقعة في أبى زيد ولكن أصل الحديث مشهور عن

ابن مسعود من طرق حسان متظافرة يشهد بعضها لبعض ويشد بعضها بعضا ولم

يتفرد طريق أبى زيد إلا بما فيها من التوضؤ بنبيذ التمر وليس ذلك مقصودنا

الآن ويكفى من أمر الجن ما في سورة الرحمن وسورة قل أوحى إلى وسورة الاحقاف

( وإذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) الآيات . وذكر ابن سعد

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشعر بالجن وهم يستمعون له يقرأ حتى نزلت

عليه ( وإذ صرفنا اليك نفرا من الجن ) الآية . وروينا عن ابن هشام قال حدثنى

خلاد بن قرة بن خالد السدوسى وغيره من مشائخ بكر بن وائل من أهل العلم

أن أعشى بنى قيس بن ثعلبة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد

الاسلام فقال يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم :

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا * وبت كما بات السليم مسهدا

ألا أيها ذا السائلى أين يممت * فان لها في أهل يثرب موعدا

وآليت لا آوى لها من كلالة * ولا من حفا حتى تلاقى محمدا

متى ما تناخى عند باب ابن هاشم ( 1 ) * تراخى وتلقى من فواضله ندى

نبيا يرى مالا يرون وذكره * أغار لعمرى في البلاد وأنجدا

له صدقات ما تغب ونائل * وليس عطاء اليوم مانعه غدا

أجدك لم تسمع وصاة محمد * نبى الاله حين أوصى وأشهدا

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى * ولاقيت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على أن لا تكون كمثله * فترصد للموت الذى كان أرصدا ( 2 )

فلما كان بمكة أو قريبا منها اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن

أمره فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم فقال له يا أبا بصير

* ( هامش ) * ( 1 ) " ما " ساقطة . ( 2 ) في نسخة " فترصد للمرء الذى كان أرصدا " وهو غلط ظاهر . ( * )

ـ184ـ

فانه يحرم الزنا فقال الاعشى والله إن ذلك لامر مالى فيه من أرب فقال يا أبا بصير

فانه يحرم الخمر قال الاعشى اما هذه فوالله ان في النفس لعلالات منها ولكنى

منصرف فأرتوى منها عامى هذا ثم آتيه فأسلم فانصرف فمات في عامه ذلك ولم

يعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله " لا آوى لها من كلالة " أى لا أرق . وفى

هذه الابيات عن غير ابن هشام بعد قوله * أغار لعمرى في البلاد وأنجدا ( 1 ) :

به أنقذ الله الانام من العمى * وما كان فيهم من يريع إلى هدى

وقوله فلما كان بمكة وهم ظاهر لان تحريم الخمر إنما كان بعد أحد وفى الابيات :

* فان لها في أهل يثرب موعدا * وهو أيضا مما يبين ذلك والله أعلم .

 

( خبر الطفيل بن عمرو الدوسى )

روينا عن محمد بن سعد قال انا محمد بن عمر قال حدثنى عبدالله بن جعفر عن

عبدالواحد بن أبى عون الدوسى وكان له حلف في قريش قال كان الطفيل شريفا

شاعرا نبيلا كثير الضيافة فقدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها فمشى

اليه رجال من قريش فقالوا يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذى بين

اظهرنا قد أعضل بنا وفرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين

الرجل وأبيه وبين الرجل وأخيه قال فوالله ما زالوا بى حتى أجمعت أن لا اسمع منه

شيئا ولا أكلمه فأبى الله إلا ان يسمعنى بعض قوله فمكثت حتى انصرف إلى

بيته فقلت يا محمد إن قومك قالوا لى كذا وكذا حتى سددت أذنى بكرسف ( 2 ) لئلا اسمع قولك فاعرض على أمرك فعرض عليه السلام وتلا عليه القرآن فقال لا

* ( هامش ) * ( 1 ) وفى معجم الشعراء " ص 401 " إختلاف ايضا . ( 2 ) الكرسف القطن . ( * )

ـ185ـ

والله ما سمعت قولا قط أحسن من هذا ولا أمرا أعدل منه فأسلمت فقلت يا نبى الله

انى امرؤ مطاع في قومى وأنا راجع اليهم فداعيهم إلى الاسلام فادع الله ان يكون

لى عونا عليهم قال اللهم اجعل له آية فخرجت حتى اذا كنت بثنية تطلعنى على

الحاضر وقع نور بين عينى مثل المصباح فقلت اللهم في غير وجهى فانى أخشى ان

يظنوا أنها مثلة فتحول في رأس سوطى فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور كالقنديل

المعلق قال فأتانى أبى فقلت له قال دينى دينك فأسلم ثم أتتنى صاحبتى فذكر مثل

ذلك فأسلمت ثم دعوت دوسا إلى الاسلام فابطئوا على ثم جئت رسول الله صلى

الله عليه وسلم بمكة فقلت يا رسول الله قد غلبتنى دوس فادع الله عليهم وقال

اللهم اهد دوسا فخرجت اليهم ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن

اسلم من قومى وهو بحيبر بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس فأسهم لنا مع المسلمين

وقلنا يا رسول الله اجعلنا ميمنتك واجعل شعارنا مبرور ففعل ثم قلت بعد فتح

مكة يا رسول الله ابعثنى إلى ذى الكفين صنم عمرو بن حممة ( 1 ) حتى احرقه

فبعثه . وجعل الطفيل يقول :

يا ذا الكفين لست من عبادكا * ميلادنا اكبر من ميلادكا

أنا حشوت النار في فؤادكا

 

قال فلما احرقته اسلموا جميعا ثم قتل الطفيل باليمامة شهيدا . والخبر عند

ابن سعد طويل وأنا اختصرته ( 2 )

* ( هامش ) * ( 1 ) في الاصل " حميمة " وعليها علامة " صح " ، وفى نسخة " حممة " قال

البرهان الحلبى والذى نحفظ حممة بغير ياء بين الميمين ، وقد ذكره المصنف فيما

بعد كذلك وكذلك هو في الاستيعاب . ( 2 ) هنا في هامش الاصل " بلغ المقابلة " ( * )

ـ187ـ

( ذكر الحديث عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم )

ومعراجه وفرض الصلاة

قرأت على أبى عبدالله بن أبى الفتح الصورى أخبركم الشيخان أبومسلم المؤيد

ابن عبدالرحيم بن احمد بن محمد بن الاخوة وأم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر

القرشية اجازة قالا أنا ابوالفرج سعيد بن أبى الرجاء الصيرفى قراءة عليه

ونحن نسمع بأصبهان قال أنا أبونصر ابراهيم بن محمد بن على الاصبهانى

الكسائى قال أنا أبوبكر محمد بن ابراهيم بن المقرئ قال أنا أبويعلى احمد بن

على بن المثنى ثنا محمد بن اسمعيل بن على الوساوسى ثنا ضمرة بن ربيعة عن يحيى

ابن أبى عمرو الشيبانى عن أبى صالح مولى أم هانئ قالت دخل على رسول الله

صلى الله عليه وسلم بغلس وأنا على فراشى فقال شعرت أنى نمت الليلة في المسجد

 

الحرام فأتانى جبريل عليه السلام فذهب بى إلى باب المسجد فاذا دابة أبيض

فوق الحمار ودون البغل مضطرب الاذنين فركبته فكان يضع حافره مد بصره

إذا أخذ في هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه وإذا أخذ في صعود طالت رجلاه

وقصرت يداه وجبريل عليه السلام لا يفوتنى حتى انتهينا إلى بيت المقدس فأوثقته

بالحلقة التى كانت الانبياء توثق بها فنشر لى رهط من الانبياء فيهم ابراهيم

وموسى وعيسى عليهم السلام فصليت بهم وكلمتهم وأتيت باناءين أحمر وأبيض

فشربت الابيض فقال لى جبريل عليه السلام شربت اللبن وتركت الخمر لو شربت

الخمر لارتدت أمتك ثم ركبته فأتيت المسجد الحرام فصليت به الغداة فتعلقت

بردائه وقلت أنشدك الله ابن عم أن تحدث بها ( 1 ) قريشا فيكذبك من صدقك

فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدى فارتفع عن بطنه فنظرت إلى عكنه ( 2 ) فوق

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " بهذا الخبر " . ( 2 ) اى : ماتننى من لحم البطن . ( * )

ـ188ـ

ردائه وكأنه طى القراطيس واذا نور ساطع عند فؤاده كاد يخطف بصرى فخررت

ساجدة فلما رفعت رأسى إذا هو قد خرج فقلت لجاريتى نبعة ويحك اتبعيه فانظرى

ماذا يقول وماذا يقال له فلما رجعت نبعة أخبرتنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

انتهى إلى نفر من قريش في الحطيم فيهم المطعم بن عدى بن نوفل وعمرو بن هشام

والوليد بن المغيرة فقال إنى صليت الليلة العشاء في هذا المسجد وصليت به الغداة

وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس فنشر لى رهط من الانبياء منهم ابراهيم وموسى

وعيسى عليهم السلام فصليت بهم وكلمتهم فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ صفهم

لى فقال أما عيسى ففوق الربعة ودون الطويل عريض الصدر ظاهر الدم جعد

الشعر يعلوه صهبة كأنه عروة بن مسعود الثقفى ، وأما موسى عليه السلام فضخم

آدم طويل كأنه من رجال شنوءة كثير الشعر غائر العينين متراكب الاسنان

مقلص الشفتين خارج اللثة عابس ، وأما ابراهيم عليه السلام فوالله لاشبه الناس

بى خلقا وخلقا فضجوا وأعظموا ذلك فقال المطعم بن عدى بن نوفل كل أمرك

قبل اليوم كان امما غير قولك اليوم أشهد أنك كاذب نحن نضرب أكباد الابل

إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا تزعم أنك أتيته في ليلة واللات

والعزى لا أصدقك وما كان هذا الذى تقول قط . وكان للمطعم بن عدى حوض

على زمزم أعطاه إياه ع بدالمطلب فهدمه فأقسم باللات والعزى لا يسقى منه قطرة

أبدا فقال أبوبكر رضى الله عنه يا مطعم بئس ما قلت لابن أخيك جبهته ( 1 ) وكذبته

أنا اشهد أنه صادق فقال يا محمد صف لنا بيت المقدس قال دخلته ليلا وخرجت

منه ليلا فاتاه جبريل عليه السلام فصوره في جناحه فجعل يقول باب منه كذا في

موضع كذا وأبوبكر رضى الله عنه يقول صدقت

صدقت قالت نبعة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ يا أبا بكر

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : استقبلته بالمكروه ( * )

ـ189ـ

إن الله عزوجل قد سماك الصديق قالوا يا مطعم دعنا نسئله عما هو أغنى لنا من

بيت المقدس يا محمد أخبرنا عن عيرنا فقال أتيت على عير بنى فلان بالروحاء قد

أضلوا ناقة لهم وانطلقوا في طلبها فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد وإذا قدح

ماء فشربت منه فسلوهم عن ذلك فقالوا هذه واللات والعزى آية ثم انتهيت إلى

عير بنى فلان فنفرت منى الابل وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق مخطط ببياض

لا أدرى أكسر البعير أم لا فسألوهم عن ذلك فقالوا هذه والاله آية ثم انتهيت إلى عير

بنى فلان بالابواء يقدمها جمل أورق ( 1 ) ها هى تطلع عليكم من الثنية فقال الوليد بن

المغيرة ساحر فانطلقوا فنظروا فوجدوا كما قال فرموه بالسحر وقالوا صدق الوليد

ابن المغيرة فيما قال وأنزل الله تبارك وتعالى ( وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا

فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ) قلت يا أم هانئ ما الشجرة الملعونة في

القرآن قالت الذين خوفوا فلم يزدهم التخويف إلا طغيانا كبيرا . وروينا من

طريق البخارى حدثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال

حدثنى أبوسلمة بن عبدالرحمن قال سمعت جابر بن عبد الله انه سمع النبى صلى الله عليه وسلم

يقول لما كذبتنى قريش قمت في الحجر فجلى الله لى بيت المقدس فطفقت أخبرهم

عن آياته وانا انظر اليه . وقرأت على أبى حفص عمر بن عبد المنعم بن القواس

بعربيل بغوطة دمشق أخبركم أبوالقاسم بن الحرستانى في الرابعة فأقر به قال انا

جمال الاسلام أبوالحسن على بن المسلم السلمى قال انا ابونصر الحسين بن محمد

ابن احمد بن طلاب الخطيب سماعا قال انا ابوالحسين محمد بن احمد بن جميع

ثنا محمد بن صالح بن زكريا بن يحيى بن داود بن زكريا العثمانى ثنا احمد بن

العلاء ثنا زيد بن أسامة عن سفيان عن مسعر عن قتادة عن أنس عن النبى

صلى الله عليه وسلم أتى بداية فوق الحمار ودون البغل خطوه مد البصر فلما دنا منه

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : اسمر ( * )

ـ190ـ

اشمأز فقال جبريل اسكن فما ركبك احد أكرم على الله من محمد . وعن عائشة

وأم سلمة وأم هانئ وابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم قالوا أسرى برسول الله

صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الاول قبل الهجرة بسنة من

شعب أبى طالب إلى بيت المقدس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حملت على

دابة بيضاء بين الحمار وبين البغل وفى فخذيها جناحان تحفز بهما رجليها فلما دنوت

لاركبها شمست ( 1 ) فوضع جبريل يده على معرفتها ( 2 ) ثم قال ألا تستحيين يا براق فما

تصنعين والله ما ركب عليك احد قبل محمد أكرم على الله منه فاستحيت حتى

ارفضت عرقا ثم قرت حتى ركبتها الحديث . وفى رواية يونس بن بكير عن ابن

إسحق في هذا الخبر أنه عليه السلام وعد قريشا بقدوم العير الذين أرشدهم إلى

البعير وشرب إناءهم أن يقدموا يوم الاربعاء فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى

كربت الشمس ان تغرب فدعا الله فحبس حتى قدموا كما وصف قال ولم تحبس

الشمس إلا له ذلك اليوم وليوشع بن نون .

* ( هامش ) * ( 1 ) اى منعت ظهرها .

( 2 ) أى : منبت عرفها من رقبتها ( * )

ـ191ـ

( حديث المعراج )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 191 سطر 1 الى ص 200 سطر 11

( حديث المعراج )

روينا من طريق مسلم حدثنا شيبان بن فروخ ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت

البنانى عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق

وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال

فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التى تربط بها الانبياء قال ثم

دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءنى جبريل عليه السلام باناء

من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل صلى الله عليه وسلم اخترت الفطرة ثم عرج

بنا إلى السماء فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن

معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا أنا بآدم

فرحب بى ودعا لى بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل قيل من

أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث اليه قال قد بعث اليه

قال ففتح لنا فاذا بابنى الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما

فرحبا بى ودعوا لى بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل

من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث اليه قال قد بعث اليه

ففتح لنا فاذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطى شطر الحسن قال فرحب بى

ودعا لى بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال

جبريل قيل ومن معك قال محمد قال وبعث اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا

أنا بادريس فرحب بى ودعا لى بخير قال الله عزوجل ( ورفعناه مكانا عليا )

ـ192ـ

ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل

ومن معك قال محمد قيل وقد بعث اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا أنا بهارون

صلى الله عليه وسلم فرحب بى ودعا لى بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة

فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث

اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم فرحب بى ودعا لى بخير

ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل

ومن معك قال محمد قيل وقد بعث اليه قال قد بعث اليه ففتح لنا فاذا أنا بابراهيم

صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون

ألف ملك لا يعودون اليه ثم ذهب بى إلى سدرة المنتهى فاذا ورقها كآذان الفيلة

واذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق

الله يستطيع ان ينعتها من حسنها فأوحى الله إلى ما أوحى ففرض على خمسين صلاة

في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين

صلاة قال ارجع إلى ربك فسله التخفيف فان أمتك لا تطيق ذلك فانى قد بلوت

بنى اسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربى فقلت يا رب خفف عن أمتى فحط

عنى خمسا فرجع إلى موسى فقلت حط عنى خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك

فارجع إلى ربك فسله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربى تبارك وتعالى وبين

موسى حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات في كل يوم وليلة لكل صلاة عشر

فذلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت

له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه شيئا فان عملها كتبت سيئة

واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فسله

التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربى حتى استحييت منه .

قال الشيخ أبواحمد ثنا أ بوالعباس الماسرجسى ثنا شيبان بن فروخ ثنا حماد بن

ـ193ـ

سلمة بهذا الحديث . وقد روينا من طريق ابن شهاب عن أنس بن مالك قال

كان أبوذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرج سقف بيتى وأنا بمكة فنزل

جبريل عليه السلام ففرج صدرى ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب

ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدرى ثم أطبقه ثم أخذ بيدى فعرج بى إلى السماء

الحديث . قال ابن شهاب وأخبرنى ابن حزم ان ابن عباس وأبا حبة الانصارى

يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عرج بى حتى ظهرت بمستوى أسمع

فيه صريف الاقلام وفيه ثم أدخلت الجنة فاذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك .

وفى حديث مالك بن صعصعة فلما جاوزته يعنى موسى بكى فنودى ما يبكيك قال

يا رب هذا غلام بعثته بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتى وفيه

ثم رفع لى البيت المعمور فقلت يا جبريل ما هذا قال هذا البيت المعمور يدخله كل

يوم سبعون الف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا اليه آخر ما زين عليهم . وفى

حديث أبى هريرة وقد رأيتنى في جماعة من الانبياء فحانت الصلاة فأممتهم فقال

قائل يا محمد هذا ملك خازن النار فسلم عليه والتفت فبدأنى بالسلام . وكلها في الصحيح

وحديث ثابت عن أنس أحسنها مساقا . وروينا من طريق الترمذى حدثنا

يعقوب بن ابراهيم الدورقى ثنا أبوتميلة عن الزبير بن جنادة عن ابى بريدة عن

أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل بأصبعه

فخرق بها الحجر وشد به البراق . وذكر ابن إسحق في حديث أبى سعيد الخدرى

عن النبى صلى الله عليه وسلم رؤيته آدم في سماء الدنيا تعرض عليه أرواح بنيه

فيسر بمؤمنيها ويعبس بوجهه عند رؤية كافريها ثم قال رأيت رجالا لهم مشافر ( 1 )

كمشافر الابل في أيديهم قطع من نار كالافهار ( 2 ) يقذفونها في أفواههم فتخرج من

أدبارهم قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلما قال ثم رأيت

* ( هامش ) * ( 1 ) المشافر جمع مشفر وهو شفة البعير . ( 2 ) جمع فهر وهو الحجر . ( * )

ـ194ـ

رجالا لهم بطون لم ار مثلها قط بسبيل ال فرعون يمرون عليهم كالابل المهيومة ( 1 )

حين يعرضون على النار بطونهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك قال

قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكلة الربا قال ثم رأيت رجالا بين أيديهم

لحم سمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن يأكلون من الغث المنتن ويتركون

السمين الطيب قال قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يتركون ما أحل

الله لهم من النساء ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن قال ثم رأيت نساء

معلقات بثديهن فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء اللاتى أدخلن على

الرجال ما ليس من أولادهم .

وقد اختلف العلماء في المعراج والاسراء هل كانا في ليلة واحدة أم لا وأيهما

كان قبل الآخر وهل كان ذلك كله في اليقظة أو في المنام او بعضه في اليقظة وبعضه

في المنام وهل كان المعراج مرة أو مرات واختلفوا في تاريخ ذلك : والذى روينا عن

ابن سعد في المعراج عن محمد بن عمر عن أبى بكر بن عبدالله بن أبى سبرة وغيره

من رجاله قالوا كان عليه السلام يسأل ربه أن يريه الجنة والنار فلما كانت ليلة

السبت لسبع عشرة خلت من شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ورسول

الله صلى الله عليه وسلم في بيته نائم ظهرا أتاه جبريل ومكائيل فقالا انطلق إلى

ما سألت الله فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم فأتى بالمعراج فاذا هو أحسن شئ

منظرا فعرجا به إلى السموات سماء سماء الحديث . وذكر السهيلى رحمه الله خلاف

السلف في الاسراء هل كان يقظة أو مناما وحكى القولين وما يحتج به لكل

قول منهما ثم قال وذهبت طائفة ثالثة منهم شيخنا أبوبكر بن العربى إلى تصديق

المقالتين وتصحيح المذهبين وأن الاسراء كان مرتين احداهما في نومه توطئة له

وتيسيرا عليه كما كان بدء بنوته الرؤيا الصالحة ليسهل عليه أمر النبوة فانه عظيم

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : التى أصابها الهيام وهو داء يكسبها العطش فتشرب فلا تروى . وقيل

الهائم المخالف للقصد في كل شئ . ( * )

ـ195ـ

تضعف عنه القوى البشرية وكذلك الاسراء سهلة عليه بالرؤيا لان هوله عظيم

فجاء في اليقظة على توطئة وتقدمة رفقا من الله بعبده وتسهيلا عليه . ورجح هذا

القول أيضا للجمع بين الاحاديث الواردة في ذلك فان في ألفاظها اختلافها وتعدد

الواقعة أقرب لوقوع جميعها . وحكى قولا رابعا قال كان الاسراء بجسده إلى بيت

المقدس في اليقظة ثم أسرى بروحه عليه السلام إلى فوق سبع سموات ولذلك شنع

الكفار قوله أتيت بين المقدس في ليلتى هذه ولم يشنعوا قوله فيما سوى ذلك .

قال وقد تكلم العلماء في رؤية النبى صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الاسراء فروى عن مسروق

عن عائشة أنها أنكرت أن يكون رآه قالت ومن زعم أن محمدا رأى به فقد

أعظم الفرية على الله ، واحتجت بقوله سبحانه ( لا تدركه الابصار وهو يدرك

الابصار ) . وروينا من طريق الترمذى حدثنا ابن أبى عمر ثنا سفيان عن مجالد

عن الشعبى قال لقى ابن عباس كعبا بعرفة فسأله عن شئ فكبر حتى جاوبته

الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم نقول إن محمدا رأى ربه فقال كعب إن الله

قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين . وروينا

من طريق مسلم عن أبى ذر قلت يا رسول الله هل رأيت ربك قال رأيت نورا .

وفى حديث آخر عند مسلم قال نورا انى أراه . وفى تفسير النقاش عن ابن

عباس أنه سئل هل رأى محمد ربه فقال رآه رآه حتى انقطع صوته . وفى تفسير

عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى وذكر إنكار عائشة أنه رآه فقال الزهرى

ليست عائشة أعلم عندنا من ابن عباس . وفى تفسير ابن سلام عن عروة أنه

كان إذا ذكر إنكار عائشة يشتد ذلك عليه . وقول أبى هريرة في هذه المسألة

كقول ابن عباس أنه رآه . قال أبوالقاسم والمتحصل من هذه الاقوال أنه رآه

لا على أكمل ما تكون الرؤية على نحو ما يراه في حظيرة القدس عند الكرامة العظمى

والنعيم الاكبر ولكن دون ذلك والى هذا يومئ قوله رأيت نورا . قلت وقوله

ـ196ـ

تعالى ( لا تدركه الابصار ) لا يعارض هذه لانه لا يلزم من الرؤية الادراك . وأما

فرض الصلوات الخمس فكان ليلة المعراج وقد ذكرنا عن الواقدى من طريق

ابن سعد أنه كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية

عشر شهرا من مكة إلى السماء . ومن يرى أن المعراج من بيت المقدس وأنه هو

والاسراء في تاريخ واحد فقد ذكرنا في الاسراء أنه ليلة سبع عشرة من ربيع

الاول قبل الهجرة بسنة وبعد المبعث بتسع أو اثنى عشر على حسب اختلافهم

في ذلك وهذا هو المشهور : قال أبوعمر وقد روى الوقاصى عن الزهرى أن الاسراء

وفرض الصلاة كان بعد المبعث بخمس سنين . وأبعد من ذلك ما حكاه أبوعمر

أيضا قال وقال أبوبكر محمد بن على بن القاسم في تاريخه ثم أسرى بالنبى صلى الله عليه وسلم

من مكة إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا قال

ولا أعلم أحدا من أهل السير قال ذلك ولا أسند قوله إلى أحد ممن يضاف اليه

هذا العلم . وفى صبيحة ليلة المعراج كان نزول جبريل وامامته بالنبى صلى الله

عليه وسلم ليريه أوقات الصلوات الخمس كما هو مروى من حديث ابن عباس

وأبى هريرة وبريدة وأبى موسى وأبى مسعود وأبى سعيد وجابر وعمرو بن حزم

والبراء وغيرهم وكان ذلك عند البيت وأم به مرتين مرة أول الوقت ومرة آخره

ليعلمه بذلك كله . وأما عدد ركعاتها حين فرضت فمن الناس من ذهب إلى أنها

فرضت أول ما فرضت ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر فأكملت أربعا وأقرت

صلاة السفر على ركعتين روى ذلك عن عائشة والشعبى وميمون بن مهران ومحمد

ابن اسحق وغيرهم . ومنهم من ذهب إلى أنها فرضت أول ما فرضت أربعا إلا

المغرب ففرضت ثلاثا والصبح ركعتين . كذلك قال الحسن البصرى ونافع بن جبير

ابن مطعم وابن جريج . ومنهم من ذهب إلى أنها فرضت في الحضر أربعا وفى السفر

ركعتين ويروى ذلك عن ابن عباس . وقال أبوإسحق الحربى أول ما فرضت

ـ197ـ

الصلاة بمكة فرضت ركعتين أول النهار وركعتين آخره وذكر في ذلك حديث

عائشة فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتين ركعتين ثم زاد فيها

في الحضر . هكذا حدث به الحربى عن احمد بن الحجاج عن ابن المبارك عن ابن

عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة حكى ذلك أبوعمر قال وليس

في حديث عائشة دليل على صحة ما ذهب اليه الحربى ولا يوجد هذا في أثر صحيح

بل فيه دليل على أن الصلاة التى فرضت ركعتين ركعتين هى الصلوات الخمس لان

الاشارة بالالف واللام في الصلاة اشارة إلى معهود . روينا عن الطبرانى ثنا الحسن

ابن على بن الاشعث المصرى ثنا محمد بن يحيى بن سلام الافريقى قال حدثنى أبى

قال حدثنى عثمان بن مقسم عن يحيى بن سعيد الانصارى عن سعيد بن يسار عن

عمر بن عبدالعزيز قال حدثنى عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله عنها قالت

فرضت الصلاة ركعتين فزيد في صلاة المقيم وأثبتت صلاة المسافر كما هى . وقد

روينا عن السائب بن يزيد مثل ذلك . روينا عن أبى العباس بن السراج ثنا

قتيبة ثنا عبدالعزيز عن سعيد بن سعيد عن السائب بن يزيد أنه قال فرضت

الصلاة ركعتين ثم زيد في صلاة المقيم وأقرت صلاة المسافر . قال أبوعمر قول

الشعبى في هذا أصله من حديث عائشة ويمكن أن يكون قد أخذه عن مسروق

أو الاسود عنها فأكثر ما عنده عن عائشة فهو عنهما . قلت قد وقع لنا ذلك من

حديثه عن مسروق كما ظن أبوعمر . روينا من طريق السراج ثنا احمد بن سعيد

الرباطى ثنا محبوب بن الحسن ثنا داود عن الشعبى عن مسروق عن عائشة قالت

فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين فلما أقام رسول الله صلى الله عليه

وسلم بالمدينة زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة

وصلاة المغرب لانها وتر النهار . وأما ابن إسحق فخبر عائشة عنده عن صالح بن

 

كيسان عن عروة عنها فيمكن أن يكون أخذه من مناك . وأما ميمون بن مهران

ـ198ـ

فروى ذلك عنه من طريق سالم مولى أبى المهاجر وسالم غير سالم من الجرح ، ومن

قال بهذا من اهل السير قال ان الصلاة اتمت بالمدينة بعد الهجرة بشهر وعشرة

ايام وقيل بشهر . واما من قال فرضت اربعا ثم خفف عن المسافر فأخبرنا الامام

الزاهد ابواسحق ابراهيم بن على بن احمد الواسطى قراءة عليه وانا اسمع بسفح

قاسيون اخبركم الشيخان اب والبركات داود بن احمد بن محمد بن ملاعب قراءة

عليه وانت تسمع بدمشق وابوعلى الحسن بن اسحق بن موهوب بن احمد بن محمد

ابن الخضر الجواليقى سماعا عليه ببغداد قال الاول انا ابو عبدالله محمد بن سلامة

ابن الرطبى قراءة عليه وانا اسمع وقال الثانى اخبرنا ابوبكر محمد بن عبيد الله بن

الزاغونى قالا انا ابوالقاسم على بن احمد بن محمد بن البسرى قال انا ابوطاهر محمد

ابن عبدالرحمن المخلص ثنا يحيى يعنى ابن محمد بن صاعد ثنا لوين بن محمد بن

سليمان ثنا حماد بن زيد عن ايوب عن ابى قلابة عن رجل من بنى عامر قال

والرجل حى فاسمعوه منه يقال له انس بن مالك قال ابن صاعد هو القشيرى ان

النبى صلى الله عليه وسلم بعث خيلا فغارت على ابل جار لى فانطلق في ذلك ابى

وعمى او قرابة لى قريبة قال فقدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطعم

فقال هلم إلى الغداء قال انى صائم قال صلى الله عليه وسلم هلم احدثك عن ذلك ان الله وضع

عن المسافر شطر الصلاة والصيام وعن الحبلى والمرضع الحديث . خالف ايوب يحيى

ابن ابى كثير فرواه عن ابى قلابة عن جعفر بن عمرو بن امية الضمرى عن ابيه

عن النبى صلى الله عليه وسلم . وقد رويناه من طريق السراج ثنا داود بن رشيد

ثنا الوليد بن مسلم عن الاوزاعى عنه . ومع صحة الاسنادين فتصويب الاول اولى

من جعلهما حديثين عند ابى قلابة لاشتهار هذا الخبر من طريق انس القشيرى

وبعد تعدد هذه الواقعة والله اعلم قالوا ووضع لا يكون الا من فرض ثابت وبما

روينا من طريق ابى العباس الثقفى ثنا اسحق بن ابراهيم قال ثنا عبدالله بن

ـ199ـ

ادريس ثنا ابن جريج عن ابن ابى عمار عن عبدالله بن بابيه عن يعلى بن امية

قال قلت لعمر بن الخطاب ليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم

فقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه

وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته . رواه مسلم عن

اسحق بن ابراهيم فوقع لنا موافقة عالية له قالوا ولم يقصر رسول الله صلى الله عليه

وسلم آمنا الا بعد نزول آية القصر في صلاة الخوف وكان نزولها بالمدينة وفرض

الصلاة بمكة . فظاهر هذا يقتضى ان القصر طارئ على الاتمام . واما قول ابن عباس

انها فرضت في الحضر اربعا وفى السفر ركعتين وفى الخوف ركعة فقرأت على ابى

العباس احمد بن هبة الله بن عساكر بجامع دمشق اخبرتكم زينب بنت عبد

الرحمن الشعرى اجازة قالت انا الشيخان ابومحمد اسمعيل بن القاسم بن ابى بكر

القارئ سماعا وابو عبدالله الفراوى اجازة قالا انا عبد الغافر الفارسى قال انا

بشر بن احمد الاسفرائنى قال ثنا ابوسليمان داود بن الحسين البيهقى ثنا يحيى بن

يحيى ثنا ابوعوانة عن بكير بن الاخنس عن مجاهد عن ابن عباس قال فرض

الله عزوجل الصلاة على لسان نبيكم في الحضر اربعا وفى السفر ركعتين وفى الخوف

ركعة . رواه مسلم عن يحيى فوافقناه بعلو . وقرأت على الشيخة الاصيلة مؤنسة خاتون

بنت الملك العادل سيف الدين ابى بكر بن ايوب اجازة اخبرتك ام هانئ عفيفة

بنت احمد بن عبد الله ا لفارقانية اجازة انا ابوطاهر عبدالواحد بن الصباغ قال

انا ابونعيم الحافظ قال انا ابن الصواف قال انا بشر بن موسى ثنا محمد بن سعيد

يعنى ابن الاصبهانى ثنا شريك وابووكيع عن زبيد عن عبدالرحمن بن ابى ليلى

عن عمر قال صلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان وصلاة العيد ركعتان تمام

غير قصر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابووكيع على لسان نبيكم صلى الله

عليه وسلم . وروينا عن الطبرانى ثنا محمد بن سهل الرباطى ثنا سهل بن عثمان

ـ200ـ

ثنا شريك عن قيس بن وهب عن ابى الكنود قال سألت ابن عمر عن صلاة

السفر فقال ركعتان نزلت من السماء فان شئتم فردوها . واما قول الحربى فبعيد

غير انه قد قيل ان الصلاة قبل فرضها كانت كذلك وسيأتى . قال ابوعمر وقد

اجمع المسلمون ان فرض الصلاة في الحضر اربعا الا المغرب والصبح لا يعرفون

غير ذلك عملا ونقلا مستفيضا ولا يضرهم الاختلاف فيما كان اصل فرضها اذ

لا خلاف بينهم فيما آل اليه امرها واستقر عليه حالها ، واما الصلاة طرفى النهار

فروينا عن ابن الصواف بالسند المذكور آنفا ثنا ابراهيم بن اسحق الضبى ثنا محمد

ابن ابان عن ابى اسحق عن عمارة بن رويبة الثقفى قال سمع اذناى ووعى قلبى من

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وجبت له الجنة

ومن ذلك قوله تعالى ( وسبح بحمد ربك بالعشى والابكار ) .=

ـ201ـ

( ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب )

 ................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 201 سطر 1 الى ص 209 سطر 17

( ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب )

اخبرنا محمد بن ابراهيم المقدسى الامام قراءة عليه وانا حاضر في الرابعة وعبد

الرحيم بن يوسف المزى قراءة عليه وانا اسمع بالجامع الازهر قال الاول اخبرنا

ابواليمن زيد بن الحسن الكندى بن زيد قراءة عليه وانا اسمع وقال الثانى

اخبرنى ابوحفص عمر بن محمد بن طبرزذ سماعا عليه في الخامسة قالا انا ابوبكر

محمد بن عبدالباقي بن محمد الانصارى قال انا ابوالحسن على بن ابراهيم بن عيسى

الباقلانى قال انا ابوبكر محمد بن اسمعيل الوراق ثنا ابواحمد اسمعيل بن موسى

ابن ابراهيم الحاسب ثنا ابوبكر بن ابى شيبة ثنا محمد بن عبدالله الاسدى ثنا

اسرائيل يعنى ابن يونس عن عثمان بن ابى المغيرة الثقفى عن سالم بن ابى الجعد

عن جابر بن عبدالله قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس في الموقف

ويقول ألا رجل يعرض على قومه فان قريشا قد منعونى ان ابلغ كلام ربى . واخبرنا

عبدالرحيم بن يوسف الموصلى بقراءة والدى عليه وغازى بن ابى الفضيل بن

ع بدالوهاب الدمشقى بقراءتى عليه قالا انا ابن طبرزذ قال انا ابن الحصين قال

انا ابن غيلان قال انا محمد بن عبدالله الشافعى ثنا اسحق بن الحسن بن ميمون

الحربى ثنا عبدالله بن رجاء ثنا سعيد بن سلمة بن ابى الحسام ثنا محمد بن

المنكدر انه سمع ربيعة بن عباد او عباد الدؤلى يقول رأيت رسول الله صلى الله

عليه وسلم يطوف على الناس في منازلهم قبل ان يهاجر إلى المدينة يقول يأيها الناس

ان الله يأمركم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا قال ووراءه رجل يقول يأيها الناس

ـ202ـ

إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم فسألت من هذا الرجل فقيل أبولهب .

وذكر ابن إسحق عرضه عليه السلام نفسه على كندة وعلى كلب وعلى بنى حنيفة

قال ولم يك أحد من العرب أقبح ردا عليه منهم وعلى بنى عامر بن صعصعة .

وذكر الواقدى دعاءه عليه السلام بنى عبس إلى الاسلام وانه أتى غسان في منازلهم

وبنى محارب كذلك . وذكر قاسم بن ثابت فيما رأيته عنه من حديث عبدالله

ابن عباس عن على بن أبى طالب في خروجهما هو وابوبكر مع رسول الله صلى

الله عليه وسلم لذلك قال على وكان أبوبكر في كل خير مقدما فقال ممن القوم فقالوا

من شيبان بن ثعلبة فالتفت أبوبكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبى

أنت وأمى هؤلاء غرر في قومهم وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ بن قبيصة ومثنى بن

حارثة والنعمان بن شريك وكان مفروق بن عمرو قد غلبهم جمالا ولسانا وكانت

له غديرتان وكان أدنى القوم مجلسا من أبى بكر رضى الله عنه فقال له أبوبكر رضى

الله عنه كيف العدد فيكم فقال مفروق إنا لنزيد على الالف ولن تغلب الالف

من قلة فقال أبوبكر كيف المنعة فيكم فقال مفروق علينا الجهد ولكل قوم جد

فقال أبوبكر فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم فقال مفروق إنا لاشد ما نكون

غضبا حين نلقى وإنا لاشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على

الاولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا أخرى ( 1 )

لعلك أخو قريش فقال أبوبكر أو قد بلغكم أنه رسول الله فها هو ذا فقال مفروق

قد بلغنا انه يذكر ذلك فالام تدعو يا أخا قريش فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال

أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنى رسول الله وأن تؤونى

وتنصرونى فان قريشا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسله واستغنت بالباطل

عن الحق والله هو الغنى الحميد فقال مفروق والى م تدعو أيضا يا أخا قريش فقال

* ( هامش ) * ( 1 ) " أخرى " ساقطة من الاصل والتصحيح من الظاهرية . ( * )

ـ203ـ

رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا

به شيئا و بالوالدين احسانا ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم وإياهم

ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق

ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) فقال مفروق وإلى م تدعو أيضا يا أخا قريش

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذى القربى

وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون ) فقال مفروق دعوت

والله يا أخا قريش إلى مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال ولقد أفك قوم كذبوك

وظاهروا عليك وكأنه أراد أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال هذا هانئ

ابن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا فقال هانئ قد سمعنا مقالتك يا اخا قريش وانى

أرى ان تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته الينا ليس له اول

ولا آخر زلة في الرأى وقلة نظر في العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا

قوم نكرة ان نعقد عليهم عقدا ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر وكأنه أحب أن

يشركه في الكلام المثنى بن حارثة فقال وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب

حربنا فقال المثنى قد سمعت مقالتك يا اخا قريش والجواب هو جواب هانئ بن

قبيصة في تركنا ديننا واتباعنا دينك لمجلس جلسته الينا ليس له اول ولا آخر

وانما إنما نزلنا بين صريى ( 1 ) اليمامة والسمامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ما هذان الصريان فقال أنهار كسرى ومياه العرب فأما ما كان من انهار كسرى

فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول وأما ما كان من مياه العرب فذنب

صاحبه مغفور وعذره مقبول وانا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى ان لا نحدث

حدثا ولا نؤوى محدثا وانى ارى ان هذا الامر الذى تدعونا اليه انت هو مما يكرهه

الملوك فان احببت ان نؤويك وننصرك مما يلى مياه العرب فعلنا فقال رسول الله

* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الصاد تثنية صرى وهو الماء الذى يطول استنقاعه . ( * )

ـ204ـ

صلى الله عليه وسلم ما اسأتم في الرد إذ فصحتم في الصدق وان دين الله لن ينصره

إلا من حاطه من جميع جوانبه ارأيتم ان لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله ارضهم

وديارهم واموالهم ويفرشكم نساءهم اتسبحون الله وتقدسونه فقال النعمان بن شريك

اللهم لك ذا فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يأيها النبى انا ارسلناك شاهدا ومبشرا

ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا ) ثم نهض رسول الله صلى الله عليه

وسلم فأخذ بيدى فقال يا أبا بكر يا أبا حسن أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها

يدفع الله بأس بعضهم عن بعض وبها يتجازون فيما بينهم قال ثم دفعنا إلى مجلس الاوس

والخزرج فما نهضنا حتى بايعوا النبى صلى الله عليه وسلم وكانوا صدقا صبرا ولم

يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كله يدعو إلى دين الله ويأمر به كل

من لقيه ورآه من العرب إلى ان قدم سويد بن الصامت أخو بنى عمرو بن عوف

من الاوس فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام فلم يبعد ولم يجب ثم

انصرف إلى يثرب فقتل في بعض حروبهم . قال ابن إسحق فان كان رجال من

قومه ليقولون إنا لنراه قد قتل وهو مسلم . وقدم مكة أبوالحيسر أنس بن رافع في

فتية من قومه بنى عبد الاشهل يطلبون الحلف فدعاهم رسول الله صلى الله عليه

وسلم إلى الاسلام فقال رجل منهم اسمه اياس بن معاذ وكان شابا يا قوم هذا والله

خير مما قدمنا له فضربه أبوالحيسر وانتهره فسكت ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا

إلى بلادهم ومات اياس بن معاذ فقيل انه مات مسلما .

ـ205ـ

( بدء اسلام الانصار وذكر العقبة الاولى )

والانصار بنو الاوس والخزرج ابنى حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو

مزيقياء بن عامر ماء السماء ابن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن

ثعلبة البهلول بن مازن بن الازد دراء ( 1 ) بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن

كهلان بن سبأ عامر بن يشجب بن يعرب بن يقطن قحطان . قال ابن اسحق

فلما أراد الله اظهار دينه واعزاز نبيه وانجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله

عليه وسلم في الموسم الذى لقى فيه النفر من الانصار فعرض نفسه على قبائل العرب

كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقى رهطا من الخزرج أراد الله

بهم خيرا فقال لهم من أنتم قالوا نفر من الخزرج قال أمن موالى يهود قالوا نعم

قال أفلا تجلسون أكلمكم قالوا بلى فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم

الاسلام وكان مما صنع الله بهم في الاسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا

أهل علم وكتاب وكانوا هم أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا قد غزوهم ببلادهم

فكانوا إذا كان بينهم شئ قالوا لهم إن نبيا مبعوثا الآن قد أظل زمانه نتبعه

نقتلكم معه قتل عاد وارم فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى

الله قال بعضهم لبعض تعلموا والله انه للنبى الذى توعدكم به يهود فلا يسبقنكم اليه

فأجابوه فيما دعاهم اليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام وقالوا له

إنا تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فان يجمعهم الله عليك

* ( هامش ) * ( 1 ) بكسر الدال المهملة وفتح الراء مهموز ممدود . ( * )

ـ206ـ

فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا . وهم فيما

ذكر لى ستة نفر من الخزرج ثم من بنى النجار وهم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن

الخزرج الاكبر اسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك

ابن النجار . وعوف بن الحرث بن رفاعة بن الحرث بن سواد بن غنم بن مالك

ابن النجار . وابن سعد يقول سواد بن مالك بن غنم بن مالك وهو ابن عفراء .

ومن بنى زريق رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق . ومن بنى

سواد بن غنم بن كعب بن سلمة قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد .

ومن بنى سلمة بن سعد بن على بن اسد بن شاردة بن تزيد بن جشم ثم من بنى

حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة عقبة بن عامر بن نابى بن زيد بن

حرام . ومن بنى عبيد بن عدى بن غنم بن كعب بن سلمة جابر بن عبدالله بن

رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد . قال أبوعمر ومن أهل العلم بالسير من يجعل

فيهم عبادة بن الصامت ويسقط جابر بن رئاب والله أعلم .

ـ207ـ

( ذكر العقبة الثانية )

حتى إذا كان العام المقبل قدم مكة من الانصار اثنا عشر رجلا منهم خمسة

من الستة الذين ذكرناهم أبوأمامة وعوف بن عفراء ورافع بن مالك وقطبة وعقبة ،

وبقيتهم معاذ بن الحرث بن رفاعة وهو ابن عفراء أخو عوف المذكور . وذكوان

ابن عبد قيس بن خلدة بن مخلد ( 1 ) بن عامر بن زريق الزرقى ، وذكروا انه رحل

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فسكنها فهو مهاجرى أنصارى قتل يوم أحد .

وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن

عمرو بن عوف بن الخزرج . ومن بنى سالم بن عوف بن عمر بن عوف بن الخزرج

العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم . ومن

حلفائهم يزيد بن ثعلبة بن خزمة - بسكون الزاى والطبرى يفتحها - بن أصرم بن عمرو

ابن عمارة - بفتح العين وتشديد الميم - بن مالك من بنى فزارة من بلى ومن الاوس بن حارثة

أخى الخزرج ثم من بنى جشم أخى عبد الاشهل بن جشم بن الحرت بن الخزرج من يعده

مولى لهم ابن عمرو بن مالك بن الاوس أبوالهيثم مالك بن التيهان - أهل الحجاز يخففون

الياء وغيرهم يشددها - بن مالك بن عمرو بن زيد بن جشم بن عمرو بن جشم ومن الناس

من يعده مولى لهم من بلى . ومن بنى أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن

عوف بن مالك بن الاوس عويم بن ساعدة بن عايش بن قيس بن النعمان بن

* ( هامش ) * ( 1 ) " خلدة " بفتح الخاء وسكون اللام وفتح الدال ، " مخلد " بضم الميم

وفتح الخاء وفتح اللام المشددة . ( * )

ـ208ـ

زيد بن أمية بن زيد بن أمية بن زيد فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء

عند العقبة على بيعة النساء ولم يكن أمر القتال بعد . أخبرنا احمد بن يوسف

السماوى بقراءة والدى عليه سنة ست وسبعين قال أنا أبوروح المطهر بن أبى بكر

البيهقى سماعا عليه قال أنا أبوبكر الطوسى قال أنا نصر الله بن أحمد الخشنامى

قال أنا أحمد بن الحسن ا لنيسابورى قال أنا محمد بن أحمد ثنا محمد بن يحيى الذهلى

ثنا عبدالرزاق قال أنا معمر عن الزهرى عن أبى إدريس الخولانى عن عبادة بن

الصامت قال بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا أنا منهم فتلا عليهم آية النساء لا تشركوا

بالله شيئا ثم قال ومن وفى فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا

فهو طهر له أو قال كفارة ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فأمره إن شاء

الله غفر له وإن شاء عذبه . رواه البخارى . حدثنى إسحق بن منصور قال أنا يعقوب

ابن ابراهيم ثنا ابن اخى ابن شهاب عن عمه فذكره بمعناه فلما انصرفوا بعث

رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ابن أم مكتوم ومصعب بن عمير يعلم ( 1 ) من أسلم

منهم القرآن ويدعو من لم يسلم إلى الاسلام فنزل مصعب بن عمير على أسعد بن

زرارة وكان مصعب بن عمير يدعى المقرئ والقارئ وكان يؤمهم وذلك أن الاوس

والخزرج كره بعضهم ان يؤمه بعض فجمع بهم أول جمعة جمعت في الاسلام . وعند

ابن إسحق أول من جمع بهم أبوأمامة أسعد بن زرارة . روينا عن أبى عروبة

ثنا هاشم بن القاسم ثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال بلغنا ان أول

ما جمعت الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع بالمسلمين مصعب

ابن عمير بن عبد مناف . وبه قال ثنا هاشم ثنا ابن وهب قال أخبرنى ابن جريج

عن سليمان بن موسى ان النبى صلى الله عليه وسلم كتب اليه يأمره بذلك . وروينا

من طريق أبى داود ثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحق عن

* ( هامش ) * ( 1 ) في الظاهرية " يعلمان " . ( * )

ـ209ـ

محمد بن أبى أمامة بن سهل عن أببه عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك - وكان

قائد أبيه بعد ما ذهب بصره - عن أبيه كعب بن مالك انه كان إذا سمع النداء يوم

الجمعة ترحم لاسعد بن زرارة فقلت له إذا سمعت النداء ترحمت لاسعد بن زرارة

فقال لانه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بنى بياضة في بقيع يقال له

بقيع الخضمات قلت كم أنتم يومئذ قال أربعون . بقيع الخضمات بالباء وقع في هذه الرواية

وقيده البكرى بالنون ( 1 ) ، وقال هزم النبيت جبل على بريد من المدينة . قال السهيلى

تجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة وتسميتهم إياها بهذا الاسم

هداية من الله لهم قبل أن يؤمروا بها ثم نزلت سورة الجمعة بعد أن هاجر رسول الله

صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فاستقر فرضها واستمر حكمها ولذلك قال عليه السلام

أضلته اليهود والنصارى وهداكم الله له . وذكر عبد بن حميد ثنا عبدالرزاق عن

معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال جمع أهل المدينة قبل أن يقدم رسول الله

صلى الله عليه وسلم المدينة وقبل ان تنزل الجمعة الحديث . وروى الدارقطنى عن

ابن عباس إذن النبى صلى الله عليه وسلم بها لهم قبل الهجرة . وقد روينا من

طريق أبى عروبة الاثر عن سليمان بن موسى بذلك ( 2 ) .

* ( هامش ) * ( 1 ) قال في النهاية : نقيع الخضمات هو موضع بنواحى المدينة .

( 2 ) هنا في هامش الاصل : بلغ مقابلة لله الحمد . ( * )

ـ211ـ

( ذكر اسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 211 سطر 1 الى ص 220 سطر 23

( ذكر اسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير )

على يدى معصب بن عمير

قال ابن اسحق : وحدثنى عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب و عبدالله بن

أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن

عمير يريد دار بنى الاشهل ودار بنى ظفر فدخل حائطا ( 1 ) من حوائط

بنى ظفر فجلسا فيه واجتمع اليهما رجال ممن أسلم وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير

يومئذ سيدا قومهما وكلاهما مشرك على دين قومه فلما سمعا به قال سعد بن معاذ

لاسيد بن حضير لا أبا لك انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها

ضعفاءنا فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا فانه لولا أن أسعد بن زرارة منى

حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتى ولا أجد عليه مقدما فأخذ أسيد

ابن حضير حربته ثم أقبل اليهما فلما رآه أسعد بن زرارة قال المصعب هذا سيد

قومه قد جاءك فاصدق الله فيه ثم قال مصعب إن يجلس هذا أكلمه قال فوقف

عليهما متشتما فقال ما جاء بكما الينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما

حاجة فقال له مصعب أو تجلس فتسمع فان رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كف عنك

ما تكره قال أنصفت ثم ركز حربته وجلس اليهما فكلمه مصعب بالاسلام وقرأ عليه

القرآن فقالا فيما يذكر عنهما والله لعرفنا في وجهه الاسلام قبل أن يتكلم ثم قال

ما أحسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين قالا له تغتسل

فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد

شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما ان ورائى رجلان ان اتبعكما لم يتخلف عنه أحد

من قومه وسأرسله اليكما الآن وهو سعد بن معاذ ثم أخذ حربته فانصرف إلى سعد

* ( هامش ) * ( 1 ) أى بستانا . ( * )

ـ212ـ

وقومه وهم جلوس في ناديهم فلما نظر اليه سعد بن معاذ مقبلا قال أحلف بالله لقد

جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذى ذهب به من عندكم فلما وقف على النادى

قال له سعد ما فعلت قال كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما باسا وقد نهيتهما فقالا

نفعل ما أحببت وقد حدثت أن بنى حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه

وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك فقام سعد مغضبا مبادرا تخوفا للذى

ذكر له من بنى حارثة فأخذ الحربة من يده وقال والله ما أراك أغنيت عنا شيئا

ثم خرج اليهما فلما رآهما سعد مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع

منهما فوقف عليهما متشتما ثم قال لاسعد بن زرارة يا أبا امامة أما والله لولا ما بينى

وبينك من القرابة ما رمت منى هذا أتغشانا في دارينا بما نكره ، وقد قال أسعد

ابن زرارة لمصعب بن عمير أى مصعب جاءك والله سيد من وراءه من قومه إن

يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان قال فقال له مصعب أو تقعد فتسمع فان

رضيت أمرا قبلته وان كرهته عزلنا عنك ما تكره قال سعد أنصفت ثم ركز

الحربة وجلس فعرض عليه الاسلام وقرأ عليه القرآن قالا فعرفنا والله في وجهه

الاسلام قبل أن يتكلم ثم قال لهما كيف تصنعون اذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا

الدين قالا تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تركع ركعتين قال

فقام فاغتسل وطهر ثوبيه ثم شهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل

عامدا إلى نادى قومه ومعهم أسيد بن حضير فلما رآه قومه مقبلا قالوا نحلف بالله

لقد رجع اليكم سعد بغير الوجه الذى ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قال

يا بنى عبد الاشهل كيف تعلمون أمرى فيكم قالوا سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة ( 1 )

قال فان كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله قال فوالله ما أمسى

* ( هامش ) * ( 1 ) قال ابوعبيد : يقال فلان ميمون النقيبة إذا كان مبارك النفس . وقال ابن

السكيت إذا كان ميمون الامر بنجح فيما يحاول ، وقال ثعلب إذا كان ميمون المشورة . ( * )

ـ213ـ

في دار بنى عبد الاشهل رجل ولا إمرأة إلا مسلما أو مسلمة . قال أبوعمر حاشى

الاصيرم وهو عمرو بن ثابت بن وقش فانه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم واستشهد

ولم يسجد لله سجدة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة .

رجع إلى ابن إسحق قال ورجع مصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو

الناس إلى الاسلام حتى لم يبق دار من دور الانصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون

إلا ما كان من دار بنى أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وتلك أوس الله وهم

من الاوس بن حارثة ، قال أبوعمر وكانوا سكانا في عوالى المدينة فأسلم منهم قوم وكان

سيدهم أبوقيس صيفى بن الاسلب فتأخر إسلامه وإسلام سائر قومه إلى أن

مضت بدر وأحد والخندق ثم أسلموا كلهم . ورأيت في التاريخ الاوسط للبخارى

أن أهل مكة سمعوا هاتفا يهتف قبل إسلام سعد بن معاذ :

فان يسلم السعدان يصبح محمد * بمكة لا يخشى خلاف المخالف

فحسبوا أنه يريد القبيلتين سعد هزيم من قضاعة وسعد بن زيد مناة بن

تميم حتى سمعوه يقول :

فيا سعد سعد الاوس كن أنت ناصرا * ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف

أجيبا إلى داعى الهدى وتمنيا * على الله في الفردوس منية عارف

في أبيات وقد روينا ذلك أطول من هذا .

ـ215ـ

( ذكر البراء بن معرور وصلاته إلى القبلة )

وذكر العقبة الثالثة

قال ابن اسحق ثم ان مصعب بن عمير رجع إلى مكة وخرج من خرج من

الانصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة

فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق فحدثنى

معبد بن كعب بن مالك ان أخاه عبدالله وكان من أعلم الانصار حدثه أن أباه

كعبا حدثه وكان ممن يشهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها قال خرجنا من حجاج

قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا ومعنا البراء بن معرور سيدنا وكبيرنا فلما

وجهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة قال البراء لنا يا هؤلاء إنى قد رأيت رأيا والله

ما أدرى أتوافقونى عليه أم لا قال قلنا وما ذاك قال رأيت أن لا أدع هذه البنية منى

بظهر يعنى الكعبة وأن أصلى اليها قال قلنا والله وما بلغنا أن نبينا يصلى إلا إلى الشام

وما نريد أن نخالفه قال فقال إنى لمصل اليها قال قلنا له لكنا ( 1 ) لا نفعل قال فكنا إذا

حضرت الصلاة صلينا إلى الشام وصلى إلى الكعبة حتى قدمنا مكة قال وقد كنا

عبنا عليه ما صنع وأبى إلا الاقامة على ذلك قال فلما قدمنا مكة قال لى يا ابن أخى

انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسأله عما صنعت في سفرى هذا فانه والله

لقد وقع في نفسى منه شئ لما رأيت من خلافكم إياى فيه قال فخرجنا نسأل عن

رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا لا نعرفه ولم نره قبل ذلك فلقينا رجلا من

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " والله " مكان " لكنا " . ( * )

ـ216ـ

أهل مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل تعرفانه قلنا : لا قال :

فهل تعرفان العباس بن ع بدالمطلب عمه قلنا : نعم قال : وكنا نعرف العباس كان

لا يزال يقدم علينا تاجرا قال فاذا دخلتما المسجد هو الرجل الجالس مع العباس

قال فدخلنا المسجد فاذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه فسلمنا

ثم جلسنا اليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس : هل تعرف هذين الرجلين

يا أبا الفضل قال : نعم هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك قال

فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاعر قال نعم قال فقال له البراء بن معرور

يا نبى الله إنى خرجت في سفرى هذا وقد هدانى الله للاسلام فرأيت أن لا أجعل

هذه البنية منى بظهر فصليت اليها وخالفنى أصحابى في ذلك حتى وقع في نفسى

من ذلك شئ فماذا ترى يا رسول الله قال لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها . فرجع

البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى إلى الشام وأهله يزعمون أنه

صلى إلى الكعبة حتى مات وليس كما قالوا نحن أعلم به منهم ثم خرجنا إلى الحج

وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من واسط أيام التشريق فلما فرغنا

من الحج وكانت الليلة التى واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ومعنا عبد

الله بن عمرو بن حرام أبوجابر سيد من ساداتنا أخذناه وكنا نكتم من معنا من

قومنا من المشركين أمرنا فكلمناه وقلنا له يا جابر إنك سيد من ساداتنا

وشريف من أشرافنا وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ثم

دعوناه إلى الاسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة قال

فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيبا فنمنا ( 1 ) تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى اذا مضى

ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسلل القطا مستخفين حتى

اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ومعنا إمرأتان من نسائنا

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " فمكثنا " مكان " فنمنا " . ( * )

ـ217ـ

نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بنى مازن بن النجار وأسماء بنت عمرو

ابن عدى بن نابى إحدى نساء بنى سلمة وهى أم منيع قال فاجتمعنا في الشعب

ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن ع بدالمطلب

وهو يومئذ على دين قومه الا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له فلما

جلس كان أول من تكلم فقال يا معشر الخزرج وكانت العرب إنما يسمون هذا

الحى من الانصار الخزرج خزرجها وأوسها إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه

من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه فهو في عز من قومه ومنعة في بلده وانه قد أبى

إلا الانحياز اليكم واللحوق بكم فان كنتم ترون انكم وافون له بما دعوتموه اليه

ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك وان كنتم ترون انكم مسلموه وخاذلوه

بعد الخروج به اليكم فمن الآن فدعوه فانه في عز ومنعة من قومه وبلده قال فقلنا

له قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت قال فتكلم

رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الاسلام

ثم قال أبايعكم على ان تمنعونى مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم قال فأخذ البراء

ابن معرور بيده ثم قال نعم والذى بعثك بالحق لمنعنك مما نمنع منه نساءنا

ازرنا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن والله أهل الحروب وأهل

الحلقة ( 1 ) ورثناها كابرا عن كابر قال فاعترض القول - والبراء يكلم رسول

الله صلى الله عليه وسلم - ابوالهيثم بن التيهان فقال يا رسول الله ان بيننا

وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها يعنى اليهود فهل عسيت ان نحن فعلنا ذلك

ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا قال فتبسم رسول الله صلى الله

عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم انا منكم وأنتم منى أحارب من

حاربتم وأسالم من سالمتم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلى منكم

* ( هامش ) * ( 1 ) اى الدروع . ( * )

ـ218ـ

اثنى عشر نقيبا يكونون على قومهم بما فيهم فأخرجوا تسعة من الخزرج

وثلاثة من الاوس فمن الخزرج ثم من بنى النجار أسعد بن زرارة بن عدس ومن

بنى مالك الاغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحرث بن الخزرج عبدالله بن

رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الاكبر بن مالك

الاغر . وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس بن

مالك الاغر . ومن بنى زريق رافع بن مالك بن العجلان . ومن بنى سلمة ثم بنى

حرام عبدالله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام . ومن بنى عبيد بن عدى

ابن غنم بن كعب بن سلمة البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن

عبيد . ومن بنى طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج سعد بن

عبادة بن دليم بن حارثة بن أبى خزيمة بن ثعلبة بن طريف . ومن بنى ثعلبة بن

الخزرج أخى طريف المنذر بن عمرو بن خنيس بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن

ثعلبة . ومن بنى غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج عبادة بن الصامت .

ومن الاوس ثم من بنى عبد الاشهل بن جشم بن الحرث بن الخزرج بن عمرو بن

مالك بن الاوس أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد

ابن عبد الاشهل . ومن بنى السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الاوس

سعد بن خيثمة بن الحرث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب

ابن حارثة بن غنم بن السلم . ومن بنى أمية بن زيد رفاعة بن عبدالمنذر بن

زنبر ( 1 ) بن زيد بن أمية . قال ابن هشام وأهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان بدل

رفاعة . وروينا عن أبى بكر البيهقى بسنده إلى مالك قال فحدثنى شيخ من الانصار

أن جبريل عليه السلام كان يشير له إلى من يجعله نقيبا . وقد قيل إن الذى تولى

الكلام مع الانصار وشد العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد ببن زرارة . وروينا من

* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الزاى وسكون النون وفتح الباء وآخره راء . ( * )

ـ219ـ

طريق العدنى ثنا يحيى بن سليم عن ابن خيثم عن أبى الزبير عن جابر فذكر

حديث العقبة وفيه فأخذه بيده يعنى النبى صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين

إلا أنا فقال رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب اليه أكباد المطى إلا ونحن نعلم

أنه رسول الله وان اخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وان تعضكم

السيوف فأما أنتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم بقتل خياركم ومفارقة العرب كافة

فخذوه وأجركم على الله وأما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم

عند الله فقالوا يا أسعد أمط عنا يدك فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها الحديث .

وقيل بل العباس بن عبادة بن نضلة . روينا عن ابن اسحق قال حدثنى عاصم

ابن عمر بن قتادة أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

العباس بن عبادة بن نضلة يا معشر الخزرج انكم تبايعونه على حرب الاحمر

والاسود من الناس فذكر نحو ما تقدم قال فأما عاصم فقال والله ما قال ذلك العباس

إلا ليشد العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما عبدالله بن أبى بكر فقال

ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبدالله بن

أبى بن سلول فيكون أقوى لامر القوم فالله أعلم أى ذلك كان . وكانت هذه

البيعة على حرب الاسود والاحمر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه واشترط

عليهم لربه وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة فأول المبايعين فيها مختلف فيه :

فرويناه عن ابن اسحق من طريق البكائى ومن طريق أبى عروبة عن سليمان

ابن سيف عن سعيد بن بزيع عنه قال بنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن

زرارة كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو عبد الاشهل

مالك بن النجار سهل بن عتيك بن النعمان بن زيد بن معاوية بن عمرو بن عتيك

ابن عمرو بن عامر . ومن بنى حديلة ( 1 ) أبى بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن

* ( هامش ) * ( 1 ) بضم الحاء المهملة وفتح الدال المهملة ( * )

ـ220ـ

معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار وحديلة أم معاوية بن عمرو وهى ابنة مالك

ابن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج

ولم يذكره ابن اسحق . ومن بنى مغالة وهم بنو عدى بن عمرو بن مالك بن النجار

أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدى أبوطلحة

زيد بن سهل بن الاسود بن حرام . ومن بنى مازن بن النجار قيس بن أبى صعصعة

عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن عمرو بن غزية بن

عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول وابن هشام يقول : هو غزية بن عمرو بن

عطية بن خنساء ، وغيرهما يثبتهما معا . ومن بنى الحرث بن الخزرج عبدالله بن

رواحة سعد بن الربيع خارجة بن يزيد بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس

ابن مالك الاغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس

- بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام للدارقطنى وبكسرها وتخفيف اللام عند غيره -

ابن زيد ( 1 ) بن مناة بن مالك الاغر خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة

ابن امرئ القيس بن مالك الاغر عبدالله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بن زيد

الحرث بن الخزرج . وبعضهم يقول في زيد زيد مناة وابن عمارة يسقط ثعلبة صاحب

الاذان . ومن بنى الابجر خدرة بن عوف بن الحرث بن الخزرج عبدالله بن ربيع

ابن قيس بن عامر بن عباس الابجر . ومن بنى أخيه خدارة بن عوف عقبة بن

عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحرث

أبومسعود وكان أحدثهم سنا ، وابن إسحق يسقط منه عطية ، وأسيرة عنده بالياء

يسيرة وذكرها الدارقطنى وأبوبكر الخطيب عن ابن اسحق نسيرة بالنون المضمومة

ووهم الامير وابن عبدالبر من قال ذلك ، وأما ابن عقبة فقال أسيرة بفتح الهمزة

وكذلك اختلفوا في تقييد عسيرة فمنهم من يفتح العين ويكسر السين ومنهم من

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " يزيد " ولعله خطأ . ( * )

ـ221ـ

يفتح السين وبضم العين ، وخدارة منهم من يقولها بالجيم ومنهم من يقولها بالخاء

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 221 سطر 1 الى ص 230 سطر 23

يفتح السين وبضم العين ، وخدارة منهم من يقولها بالجيم ومنهم من يقولها بالخاء

المعجمة والذين يقولونها بالجيم منهم من يضمها ومنهم من يكسرها . ومن بنى زريق

ابن عبد حارثة رافع بن مالك بن العجلان ذكوان بن عبد قيس عباد بن قيس

ابن عامر بن خالد بن عامر بن زريق بدل الحرث بن قيس بن خالد بن مخلد بن

عامر بن زريق وعند ابن الكلبى خلدة بدل خالد . ومن بنى بياضة بن عامر بن

زريق زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدى بن أمية بن بياضة فروة

ابن عمرو بن ودقة بن عبيد بن عامر بن بياضة خالد بن قيس بن مالك بن العجلان

ابن عامر بن بياضة . ومن بنى سلمة ثم من بنى عبيد البراء بن معرور وابنه بشر

سنان بن صيفى بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد الطفيل بن النعمان بن

خنساء بن سنان بن عبيد . قال ابن سعد لا أحسبه إلا وهما ومعقل ويزيد ابنا

المنذر بن سرح بن خناس بن سنان بن عبيد ومسعود بن يزيد بن سبيع بن

خنساء بن سنان بن عبيد والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد ويزيد بن

خدام - وبعضهم يقول حرام - بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد ، وجبار ( 1 ) بن

صخر بن امية بن خنساء بن سنان بن عبيد ويقال خناس والطفيل بن مالك بن

خنساء بن سنان بن عبيد . ومن بنى سلمة أيضا ثم من بنى سواد ثم من بنى كعب

ابن سواد كعب بن مالك بن أبى كعب بن القين ، وعند غيره كعب بن أبى

كعب بن عمرو بن القين بن كعب بن سواد رحل . ومن بنى غنم بن سواد قطبة

ابن عامر بن حديدة وأخوه يزيد بن عمرو بن حديدة أبواليسر كعب بن عمرو

ابن عباد بن عمرو بن غنم صيفى بن سواد بن عباد المذكور خمسة . ومن بنى نابى

ابن عمرو بن سواد ثعلبة بن غنمة بن عدى بن نابى أخوه عمر وعبس بن عامر

ابن عدى بن نابى خالد بن عمرو بن عدى بن نابى عبدالله بن أنيس بن أسعد

* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الجيم والباء الموحدة المشددة . ( * )

ـ222ـ

ابن حرام بن حبيب بن مالك بن غنم بن كعب بن تيم بن بهثة بن ناشزة بن

يربوع بن البرك وبرة والبرك دخل في جهينة حليف لهم . وعند أبى عمر تيم بن نفاثة ( 1 )

ابن اياس بن يربوع خمسة وعامر بن نابى أبوعقبة المذكور في العقبة الاولى

ذكره ابن الكلبى ، وعمير بن عامر بن نابى شهد المشاهد كلها قاله ابن الكلبى ،

قال الدمياطى ولم أر من تابعه على ذكر عمير في الصحابة . ومن بنى سلمة ثم من

بنى حرام عبدالله بن عمرو بن حرام ابنه جابر ثابت بن الجذع ( 2 ) ثعلبة بن زيد

ابن الحرث بن حرام عمير وقيل عمرو بن الحرث بن ثعلبة بن الحرث بن حرام ،

وابن هشام يقول لبدة بدل ثعلبة عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام ابنه معاذ .

ولم يذكر ابن إسحق عمر لخديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن كعب بن

القراقر بن الضحيان أبوشبات ( 3 ) حليف لهم من قضاعة سبعة . ومن بنى أدى بن

سعد أخى سلمة بن سعد معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدى بن

كعب بن عمرو بن أدى عداده في بنى سلمة لانه كان أخا سهل بن محمد بن الجند

ابن قيس بن صخر بن سنان بن عبيد لامه . ومن بنى غنم بن عوف أخى سالم

الحبلى عبادة بن الصامت العباس بن عبادة بن نضلة يزيد بن ثعلبة البلوى

حليفهم عمرو بن الحرث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة مالك بن الدخشم بن مالك

ابن الدخشم بن مرضخة بن غنم وأبومعشر ينكر شهوده العقبة خمسة وهم من

القواقل . ومن بنى الحبلى سالم رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن

مالك بن سالم وابنه مالك بن رفاعة ذكره الاموى ، وعقبة بن وهب بن كلدة بن

الجعد بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدى بن جشم بن عوف بن بهثة بن

* ( هامش ) * ( 1 ) بضم النون وثاء مثلثة .

( 2 ) بكسر الجيم وسكون الذال .

( 3 ) الضحيان بفتح الضاد وسكون الحاء ، ابن شباث بضم الشين وفتح الباء . ( * )

ـ223ـ

عبدالله بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان حليف لهم ثلاثة . ومن بنى ساعدة

سعد بن عبادة المنذر بن عمرو والمرأتان من بنى مازن بن النجار نسيبة بنت

كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن أم عمارة . ومن

بنى سلمة أم منيع أسماء بنت عمرو بن عدى بن نابى . قال أبوعمر وقد ذكر بعض

أهل السير فيهم أوس بن عباد بن عدى في بنى سلمة .

( ذكر فوائد تتعلق بخبر هذه العقبة )

قول البراء نمنعك مما نمنع منه أزرنا : العرب تكنى عن المرأة بالازار وتكنى

به أيضا عن النفس وتجعل الثوب عبارة عن لابسه ويحتمل هنا الوجهين . قاله

السهيلى . قال ومعرور معناه مقصود ورأيت بخط جدى أبى بكر محمد بن احمد رحمه

الله : البراء في اللغة ممدود : آخر ليلة من الشهر وبها سمى البراء بن معرور وكانت

العرب تسمى بما تسمعه حال ولادة المولود . قلت وابنه بشر بن البراء الذى

سوده رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنى سلمة كما ذكر ابن اسحق وكما أنبأنا

محمد بن أبى الفتح الصورى بقراءة الحافظ أبى الحجاج المزى عليه وأنا أسمع

أخبركم أبوالقاسم بن الحرستانى قراءة عليه وأنتم تسمعون فأقر به قال أنا أبو

الحسن بن قبيس قال أنا أبوالحسن بن أبى الحديد قال أنا جدى أبوبكر قال

أنا أبوبكر محمد بن جعفر الخرائطى ثنا أبوبكر احمد بن منصور الرمارى ثنا عبد

الرزاق قال أنا معمر عن الزهرى عن أبى بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى

الله عليه وسلم قال لبنى ساعدة من سيدكم قالوا جد بن قيس قال بم سودتموه

ـ224ـ

قالوا انه أكثرنا مالا وانا على ذلك لنزنه ( 1 ) بالبخل فقال النبى صلى الله عليه وسلم وأى داء

أدوا من البخل قالوا فمن قال سيدكم بشر بن البراء بن معرور وكان أول من استقبل

القبلة ( 2 ) حيا وميتا وكان يصلى إلى الكعبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى

إلى بيت المقدس فأطاع النبى صلى الله عليه وسلم فلما حضره الموت قال لاهله

استقبلوا بى الكعبة كذا روينا في هذا الخبر . وروينا عن عمرو بن دينار ومحمد

ابن المنكدر والشعبى من طريق ابن سعد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال بل

سيدكم الجعد الابيض عمرو بن الجموح . وذكره السهيلى عن الزهرى ، والذى وقع لنا

عن الزهرى كرواية ابن اسحق وأنشد أبوعمر ( 3 ) في ذلك لشاعر الانصار :

وقال رسول الله والحق قوله * لمن قال منا من تعدون سيدا

فقلنا له جد بن قيس على التى * نبخله فيها وما كان أسودا

فسود عمرو بن الجموح لجوده * وحق لعمرو بالندى أن يسودا

في أبيات ذكرها .

وقد بقى علينا في الخبر الذى أسندناه آنفا موضعان ينبغى التنبيه عليهما

أحدهما قوله لبنى ساعدة وليس بشئ ليس في نسب هؤلاء ساعدة هم بنو سلمة

ابن سعد بن على بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج . والثانى قوله

في بشر بن البراء وكان أول من استقبل الكعبة حيا وميتا وإنما ذلك أبوالبراء

غير شك . كذلك رويناه فيما سلف وكذلك رويناه عن أبى عروبة ثنا ابن

شبيب ثنا عبدالرزاق قال أنا معمر قال قال الزهرى : البراء بن معرور أول من

استقبل القبلة حيا وميتا . وذكر يزيد بن خزام هو عند ابن اسحق وعند موسى

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : نتهمه .

( 2 ) في نسخة " الكعبة " .

( 3 ) في الاصل " أبوعمرو " . ( * )

ـ225ـ

ابن عقبة يزيد بن خدارة وعند أبى عمر يزيد بن حرام ويزيد بن خزمة - بسكون

الزاى عند ابن اسحق وابن الكلبى وفتحها الطبرى - وهو يزيد بن ثعلبة

ابن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة - بفتح العين وتشديد الميم . وفروة بن

عمرو بن وذقة عند ابن اسحق بالذال المعجمة وقال ابن هشام بالدال المهملة ورجحه

السهيلى فسر الودقة بالروضة الناعمة . وقال وإنما جعل النبى صلى الله عليه وسلم

النقباء اثنى عشر اقتداء بقوله سبحانه في قوم موسى ( وبعثنا منهم اثنى عشر

نقيبا ) وقوله يا أهل الجباجب يعنى منازل منى . وأزب العقبة شيطان . وقوله بل

الدم الدم والهدم الهدم : قال ابن هشام الهدم بفتح الدال ، وقال ابن قتيبة

كانت العرب تقول عند عقد الحلف والجوار دمى دمك وهدمى هدمك أى

ما هدمت من الدماء هدمته أنا قال ويقال ايضا بل اللدم اللدم والهدم الهدم وأنشد :

* ثم الحقى بهدمى ولدمى * فاللدم جمع لادم وهم أهله الذين يلتدمون عليه إذا مات

وهو من لدمت صدره إذا ضربته . والهدم قال ابن هشام الحرمة وإنما كنى عن

حرمة الرجل وأهله بالهدم لانهم كانوا أهل نجعة وارتحال ولهم بيوت يستخفونها

يوم ظعنهم فكلما ظعنوا هدموها ، والهدم بمعنى المهدوم كالقبض ثم جعلوا

الهدم وهو البيت المهدوم عبارة عما حوى ثم قالوا هدمى هدمك أى رحلتى رحلتك .

ـ227ـ

( ذكر الهجرة إلى المدينة )

قال ابن اسحق فلما تمت بيعة هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة

العقبة وكانت سرا عن كفار قومهم وكفار قريش أمر رسول الله صلى الله عليه

وسلم من كان معه بالهجرة إلى المدينة فخرجوا أرسالا أولهم فيما قيل أبوسلمة

ابن عبدالاسد المخزومى وحبست عنه امرأته أم سلمة هند بنت أبى أمية بن

المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم بمكة نحو سنة ثم أذن لها بنو المغيرة الذين

حبسوها في اللحاق بزوجها فانطلقت وحدها مهاجرة حتى إذا كانت بالتنعيم لقيت

عثمان بن طلحة أخا بنى عبد الدار وكان يومئذ مشركا فشيعها حتى أوفى على قرية

بنى عمرو بن عوف بقباء قال لها هذا زوجك في هذه القرية ثم انصرف راجعا

إلى مكة فكانت تقول ما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن ابى طلحة .

وقد قيل إن أول المهاجرين مصعب بن عمير . روينا عن أبى عروبة ثنا ابن بشار

وابن المثنى قالا ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبى اسحق قال سمعت البراء

يقول كان أول من قدم المدينة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ثم عامر

ابن ربيعة حليف بنى عدى بن كعب معه امرأته ليلى بنت أبى حثمة بن غانم .

قال أبوعمر وهى أول ظعينة دخلت من ا لمهاجرات المدينة . وقال موسى بن عقبة

وأول امرأة دخلت المدينة أم سلمة ثم عبدالله بن جحش بن رئاب بأهله وأخيه

عبد بن جحش أبى أحمد وكان ضريرا وكان منزلهما ومنزل أبى سلمة وعامر على

مبشر بن عبدالمنذر بن زنبر بقباء في بنى عمرو بن عوف . قال أبوعمر وهاجر

ـ228ـ

جميع بنى جحش بنسائهم فعدا أبوسفيان على دارهم فتملكها وكانت الفارعة بنت

أبى سفيان بن حرب تحت أبى احمد بن جحش ، وزاد غير أبى عمر فباعها من عمرو

ابن علقمة أخى بنى عامر بن لؤى فذكر ذلك عبدالله بن جحش لما بلغه رسول

الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضى يا عبدالله

أن يعطيك الله بها دارا في الجنة خيرا منها قال بلى قال فذلك لك فلما افتتح

رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة كلمه أبواحمد في دارهم فأبطأ عليه رسول الله

صلى الله عليه وسلم فقال الناس لابى احمد يا أبا احمد إن رسول الله صلى الله

عليه وسلم يكره أن ترجعوا في شئ أصيب منكم في الله فأمسك عن كلام

رسول الله صلى الله عليه وسلم .

رجع إلى خبر ابن إسحق : وكان بنو غنم بن دودان أهل اسلام قد أوعبوا ( 1 ) إلى

المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونساءهم عكاشة بن محصن

ابن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة أبو

محصن حليف بنى أمية وأخوه عمرو بن محصن وشجاع وعقبة ابنا وهب بن ربيعة

ابن أسد بن صهيب بن مالك بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة

وأربد بن جميرة - وقال ابن هشام حميرة بالحاء وهو عند ابن سعد حمير - ومنقذ بن

نباتة بن عامر بن غنم بن دودان ( 2 ) وسعيد بن رقيش ومحرز بن نضلة بن عبدالله

ابن مرة بن كبير بن غنم وزيد بن رقيش وقيس بن جابر ومالك بن عمرو وصفوان

ابن عمرو وثقف بن عمرو حليف بنى عبد شمس وربيعة بن أكتم بن سخبرة

ابن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد والزبير بن عبيدة وتمام

ابن عبيدة وسخبرة بن عبيدة ومحمد بن عبدالله بن جحش . ومن نسائهم زينب

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : خرجوا جميعهم .

( 2 ) في نسخة زيادة " ابن اسد " . ( * )

ـ229ـ

بنت جحش وام حبيبة بنت جحش وجدامة بنت جندل وأم قيس بنت محصن

وأم حبيبة بنت ثمامة وآمنة بنت رقيش وسخبرة بنت تميم وحمنة بنت جحش .

وقال ابوعمر ثم خرج عمر بن الخطاب وعياش بن أبى ربيعة في عشرين راكبا

فقدموا المدينة فنزلوا في العوالى في بنى أمية بن زيد وكان يصلى بهم سالم مولى

أبى حذيفة وكان أكثرهم قرآنا وكان هشام بن العاص بن وائل قد أسلم وواعد

عمر بن الخطاب أن يهاجر معه وقال تجدنى أو أجدك عند إضاءة بنى غفار ففطن

لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة . ثم إن أبا جهل والحرث بن هشام - ومن الناس

من يذكر معهما أخاهما العاصى بن هشام - خرجا حتى قدما المدينة ورسول الله صلى

الله عليه وسلم بمكة فكلما عياش بن أبى ربيعة وكان أخاهما لامهما وابن عمهما

وأخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها ولا تستظل حتى تراه فرقت نفسه

وصدقهما وخرج راجعا معهما فكتفاه في الطريق وبلغا به مكة فحبساه بها إلى

أن خلصه الله تعالى بعد ذلك بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له في قنوت

الصلاة اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبى ربيعة . قال

ابن إسحق فحدثنى بعض آل عياش بن أبى ربيعة أنهما حين دخلا مكة دخلا

به نهارا موثقا ثم قالا يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا .

قال ابن هشام وحدثنى من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو

بالمدينة من لى بعياش بن أبى ربيعة وهشام بن العاص فقال الوليد بن الوليد بن

المغيرة أنا لك يا رسول الله بهما فخرج إلى مكة فقدمها مستخفيا فلقى امرأة تحمل

طعاما فقال لها أين تريدين يا أمة الله قالت أريد هذين المحبوسين تعنيهما فتبعها

حتى عرف موضعهما وكانا محبوسين في بيت لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما

ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ثم ضربهما بسيفه فقطعهما فكان يقال السيف

ذو المروة لذلك ثم حملهما على بعيره وساق بهما فعثر فدميت أصبعه فقال :

ـ230ـ

هل أنت إلا أصبع دميت * وفى سبيل الله مالقيت

ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . قال ابن اسحق ونزل عمر بن

الخطاب حين قدم المدينة ومن لحق به من أهله وقومه وأخوه زيد بن الخطاب

وعمرو و عبدالله ابنا سراقة ابنا المعتمر بن أنس بن اداة بن رياح بن عبدالله بن

قرط بن رزاح بن عدى بن كعب وخنيس بن حذافة السهمى وكان صهره على

ابنته حفصة بنت عمر بن الخطاب خلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم

بعده وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وواقد بن عبدالله التميمى حليف لهم

وخولى بن أبى خولى ومالك بن أبى خولى واسم أبى خولى عمرو بن زهير قيل

جعفى وقيل عجلى وقيل غير ذلك حليفان لهم وبنو البكير اربعتهم إياس وعاقل

وعامر وخالد حلفاؤهم من بنى سعد بن ليث على رفاعة بن عبدالمنذر بن زنبر في

بنى عمرو بن عوف بقباء وقد كان منزل عياش بن أبى ربيعة معه عليه حين قدما

المدينة ثم تتابع المهاجرون فنزل طلحة بن عبد الله وصهيب بن سنان على خبيب

ابن اساف ويقال بل نزل طلحة على سعد بن زرارة أخى بنى النجار كذا قال

ابن سعد وإنما هو أسعد . قال ابن هشام وقد ذكر لى عن أبى عثمان النهدى أنه

قال بلغنى أن صهيبا حين أراد الهجرة قال له كفار قريش أتيتنا صعلوكا حقيرا

فكثر مالك عندنا وبلغت الذى بلغت ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك لا والله

لا يكون ذلك فقال لهم صهيب أرأيتم ان جعلت لكم مالى أتخلون سبيلى قالوا نعم

فقال فانى قد جعلت لكم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ربح

صهيب ربح صهيب . قال ابن اسحق ونزل حمزة بن ع بدالمطلب وزيد بن حارثة

وأبومرثد كناز بن الحصين بن يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن

طريف بن جلان بن غنم بن غنى بن يعصر الغنوى كذا ذكره أبوعمر عن ابن اسحق .

وأما ابن الرشاطى فقال حصين بن عمرو بن يربوع بن طريف بن خرشة بن

ـ231ـ

عبيد بن سعد بن عوف بن كعب بن جبلان بن غنم بن غنى وابنه مرثد وأنسة

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 231 سطر 1 الى ص 240 سطر 20

عبيد بن سعد بن عوف بن كعب بن جبلان بن غنم بن غنى وابنه مرثد وأنسة

وأبوكبشة موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن هدم أخى بنى عمرو

ابن عوف بقباء ويقال بل نزلوا على سعد بن خيثمة ويقال بل نزل حمزة بن

ع بدالمطلب على أسعد بن زرارة ونزل عبيدة بن الحرث وأخواه الطفيل والحصين

ومسطح بن أثاثة واسمه عمرو بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن

قصى وسويبط بن سعد بن حرملة وطليب بن عمير وخباب مولى عتبة بن غزوان

على عبدالله بن سلمة أخى بنى العجلان بقباء ونزل عبدالرحمن بن عوف في

رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع ونزل الزبير بن العوام وأبوسبرة بن

أبى رهم على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح ونزل مصعب بن عمير

على سعد بن معاذ ونزل أبوحذيفة بن عتبة وسالم مولى أبى حذيفة وعتبة بن غزوان

على عباد بن بشر بن وقش ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت أخى حسان

ويقال بل نزل الاعزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة وذلك أنه كان عزبا

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن

يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه أحد من المهاجرين إلا من حبس أو افتتن

إلا على بن أبى طالب وأبوبكر ، وكان أبوبكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى

الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا فيطمع

أبوبكر أن يكون هو . ( 1 )

* ( هامش ) * ( 1 ) هنا في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )

ـ233ـ

( ذكر يوم الزحمة )

قال ابن اسحق : ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت

له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين اليهم

عرفوا أنهم قد نزلوا دارا وأصابوا منعة فحزروا خروج رسول الله صلى الله عليه

وسلم اليهم وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم فاجتمعوا له في دار الندوة وهى دار قصى

ابن كلاب التى كانت قريش لا تقضى أمرا إلا فيها يتشاورون فيها ما يصنعون في

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه : فحدثنى من لا أتهم من أصحابنا

عن عبدالله بن أبى نجيح عن مجاهد بن جبر أبى الحجاج وغيره ممن لا أتهم عن

عبدالله بن عباس قال لما اجتمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا دار الندوة ليتشاوروا

فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذى اتعدوا له وكان

ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم ابليس لعنه الله في هيئة شيخ جليل عليه

بت ( 1 ) له فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا من الشيخ قال شيخ من

أهل نجد سمع بالذى اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه

رأيا ونصحا قالوا أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش من بنى

عبد شمس عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبوسفيان بن حرب . ومن بنى نوفل

ابن عبد مناف طعيمة بن عدى وجبير بن مطعم والحرث بن عمرو بن نوفل .

* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الباء الموحدة هو الكساء الغليظ المربع ، وقيل الطيلسان من خز

ونحوه ، وقيل كساء من الصوف . ( * )

ـ234ـ

ومن بنى عبد الدار بن قصى النضر بن الحرث بن كلدة . ومن بنى أسد بن عبد

العزى أ بوالبخترى بن هشام وزمعة بن الاسود وحكيم بن حزام . ومن بنى مخزوم

أبوجهل بن هشام . ومن بنى سهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج . ومن بنى جمح أمية

ابن خلف أو من كان منهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش فقال بعضهم لبعض إن

هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم وإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن

قد اتبعه من غيرنا فاجمعوا فيه رأيا قال فتشاوروا ثم قال قائل منهم احبسوه في

الحديد واغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا

قبله زهير والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم قال الشيخ

النجدى لا والله ما هذا لكم برأى والله لو حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من

وراء الباب الذى أغلقتم دونه إلى أصحابه فلاوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه

من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأى فانظروا إلى

غيره فتشاوروا ثم قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا فاذا خرج

عنا فوالله ما نبالى أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا

وألفتنا كما كانت ، قال الشيخ النجدى والله ما هذا لكم برأى ألم تروا حسن

حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتى به والله لو فعلتم ذلك ما أمنت

أن يحل على حى من العرب فيغلب بذلك عليهم من قوله وحديثه حتى يبايعوه ثم

يسير بهم اليكم حتى يطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد أدبروا

فيه رأيا غير هذا قال فقال أبوجهل بن هشام والله إن لى فيه لرأيا ما أراكم وقعتم

عليه بعد قالوا وما هو يا أبا الحكم ؟ قال أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شابا

جلدا نسيبا وسيطا ثم نعطى كل فتى منهم سيفا صارما ثم يعمدوا اليه فيضربوه

بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فانهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل

جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا منا بالعقل فعقلناه

ـ235ـ

لهم قال يقول الشيخ النجدى القول ما قال هذا الرجل هذا الرأى ولا أرى غيره

فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذى كنت تبيت عليه قال فلما كانت عتمة

من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله

صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلى بن أبى طالب نم على فراشى وتسج ( 1 ) ببردى

هذا الحضرمى الاخضر فنم عليه فانه لن يخلص اليك شئ تكرهه منهم وكان

رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام . فحدثنى يزيد بن زياد

عن محمد بن كعب القرظى قال لما اجتمعوا وفيهم أبوجهل بن هشام فقال وهم على

بابه إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم

من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الاردن وان لم تفعلوا كان له فيكم ذبح

ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون فيها قال وخرج عليهم رسول

الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال نعم أنا اقول ذلك وأنت أحدهم

 

وأخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو

هذه الآيات ( يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم ) إلى

قوله ( فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من

هؤلاء الآيات ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ثم انصرف إلى حيث

أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال وما تنتظرون هاهنا قالوا محمدا

قال قد خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمد ثم ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على

رأسه ترابا وانطلق لحاجته أفما ترونها بكم قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه

فاذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول

الله صلى الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائما عليه برده فلم يزالوا كذلك حتى

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : تغط . ( * )

ـ236ـ

أصبحوا فقال على على الفراش فقالوا والله لقد صدقنا الذى كان حدثنا فكان مما

أنزل الله من القرآن في ذلك ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك

أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) وقول الله تعالى ( أم يقولون

شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فانى معكم من المتربصين ) .

ـ237ـ

( ذكر فوائد تتعلق بهذه الاخبار )

قوله بقباء ( 1 ) هو مسكن بنى عمرو بن عوف على فرسخ من المدينة ويمد ويقصر

ويؤنث ويذكر ويصرف ولا يصرف . وذكر في مهاجرى بنى دودان بن أسد بنات

جحش بن رئاب وهن زينب وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب

وهى التى كانت عند زيد بن حارثة ونزلت فيها ( فلما قضى زيد منها وطرا

زوجناكها ) وحمنة بنت جحش وهى التى كانت تحت عبدالرحمن بن عوف

وأم حبيبة ، وقال السهيلى أم حبيب ، وحكاه أبوعمر وقال هو قول أكثرهم ،

وكان شيخنا الحافظ أبومحمد عبدالمؤمن بن خلف الدمياطى رحمه الله يقول أم

حبيب حبيبة ، وأما الحافظ أبوالقاسم بن عساكر فعنده أم حبيبة واسمها حمنة

فهما اثنتان على هذا فقط ولم أجد في جمهرة ابن الكلبى وكتاب أبى محمد بن حزم

في النسب غير زينب وحمنة ، والسهيلى يقول كانت زينب عند زيد بن حارثة

وأم حبيب تحت عبدالرحمن بن عوف وحمنة تحت مصعب بن عمير . قال ووقع

في الموطأ وهم أن زينب كانت تحت عبدالرحمن بن عوف ولم يقله أحد والغلط

لا يسلم منه بشر غير أن شيخنا أبا عبدالله محمد بن نجاح أخبرنا أن أم حبيب

كان اسمها زينب فهما زينبان غلبت على إحداهما الكنية فعلى هذا لا يكون في

حديث الموطأ وهم . وذكر جدامة بنت جندل - وهى بالدال المهملة ومن أعجمها

* ( هامش ) * ( 1 ) بضم القاف . ( * )

ـ238ـ

فقد صحف - قال السهيلى وأحسبها جدامة بنت وهب . قلت جدامة بنت جندل

غير معروفة والذى ذكره أبوعمر جدامة بنت وهب أسلمت بمكة وهاجرت مع

قومها إلى المدينة لا يعرف غير ذلك . وذكر في المهاجرين محرر بن نضلة وابن

عقبة يقول فيه محرز بن وهب . وذكر في خبر يوم الزحمة تشاور قريش في أمره

عليه السلام ولم يسم المشيرين وكان الذى أشار بحبسه أ بوالبخترى بن هشام

والذى أشار باخراجه ونفيه هو أبوالاسود ربيعة بن عمير أخو بنى عامر بن لؤى

ذكره السهيلى عن ابن سلام .

ـ239ـ

( أحاديث الهجرة وتوديع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة )

قرأت على أبى حفص عمر بن عبد المنعم بعربيل من غوطة دمشق أخبركم

أبوالقاسم عبدالصمد بن محمد الانصارى حضورا في الرابعة قال انا أبوالحسن

السلمى قال انا ابونصر الحسين بن محمد بن احمد بن طلاب الخطيب قال انا ابن

جميع ثنا ابراهيم بن معاوية ثنا عبدالله بن سليمان ثنا نصر بن عاصم ثنا الوليد

ثنا طلحة عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله

إنى لاخرج منك وإنى لاعلم أنك احب بلاد الله إلى الله وأكرمها على الله تعالى

ولولا أن اهلك اخرجونى منك ما خرجت منك . وكان أبوبكر يستأذنه عليه السلام

في الهجرة فيثبطه ليكون معه من غير أن يصرح له بذلك كما اخبرنا الامام أبو

عبدالله محمد بن ابراهيم المقدسى بقراءة والدى عليه وأنا حاضر في الرابعة وأبو

عبدالله محمد بن عبدالمؤمن بقراءتى عليه بظاهر دمشق قالا أخبرنا أبوملاعب

قال أنا الارموى قال أنا يوسف بن محمد بن احمد قال أنا أبوعمر بن مهدى قال

أنا ابن مخلد ثنا ابن كرامة ثنا ابوأسامة عن هشام عن ابيه عن عائشة رضى الله

عنها قالت استأذن ابوبكر في الخروج من مكة حين اشتد عليه فقال له رسول

الله صلى الله عليه وسلم أقم فقال يا رسول الله اتطمع ان يؤذن لك فيقول إنى لارجو ذلك

فانتظره أبوبكر ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم آت يوم ظهرا فناداه فقال

اخرج من عندك فقال يا رسول الله إنما هنا ابنتاى قال شعرت أنه قد أذن لى في

الخروج فقال يا رسول الله الصحبة فقال الصحبة قال يا رسول الله عندى ناقتان قد

ـ240ـ

أعدتهما للخروج فأعطى النبى صلى الله عليه وسلم احداهما وهى الجدعاء فركبها

فانطلقا حتى أتيا الغار وهو بثور فتواريا فيه وكان عامر بن فهيرة غلاما لعبدة بن

الطفيل وهو أخو عائشة لامها وكانت لابى بكر منحة ( 1 ) فكان يروح بها ويغدو

عليها ويصبح فيدلج اليهم ثم يسرح ولا يفطن له أحد من الرعاء فلما خرجا خرج

معهما يعقبانه حتى قدم المدينة فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة .

( حديث الغار )

قرأت على أبى الفتح الشيبانى بدمشق أخبركم الحسن بن على بن الحسين بن

الحسن بن محمد بن البن الاسدى قراءة عليه وأنت تسمع قال انا جدى قال انا

أبوالقاسم بن أبى العلاء قال انا ابن أبى النصر قال انا خيثمة ثنا عبد

الله بن احمد الدورقى ثنا مسلم بن ابراهيم ثنا عوف بن عمرو القيسى أخو رياح

القيسى ثنا أبومصعب المكى قال أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة

ابن شعبة فسمعتهم يتحدثون أن النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله

شجرة فنبتت في وجه النبى صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله حمامتين وحشيتين

فوقفتا بفم الغار وأقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وهراويهم وسيوفهم حتى

إذا كانوا من النبى صلى الله عليه وسلم على أربعين ذراعا تعجل بعضهم ينظر في الغار فلم ير

إلا حمامتين وحشيتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا له مالك قد رأيت

حمامتين وحشيتين فعرفت انه ليس فيه أحد فسمع النبى صلى الله عليه وسلم ما قال

فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عزوجل قد درأ عنه .

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : غنم . ( * )

ـ241ـ

( حديث الهجرة ( 1 ) وخبر سراقة بن مالك بن جعشم )

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 241 سطر 1 الى ص 250 سطر 22

( حديث الهجرة ( 1 ) وخبر سراقة بن مالك بن جعشم )

روينا من طريق البخارى ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل قال ابن

هشام فأخبرنى عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت لم

أعقل أبوى إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى

الله عليه وسلم طرفى النهار بكرة وعشية فلما ابتلى المسلمون خرج أبوبكر مهاجرا

نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد الغارة فقال

أين تريد يا أبا بكر قال أبوبكر أخرجنى قومى فأريد أن أسيح في الارض فأعبد

ربى قال ابن الدغنة فان مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم

وتصل الرحم وتحمل الكل وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار

فارجع فاعبد ربك ببلدك فرجع وارتحل مع ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة عشية

في أشراف قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا

يكسب المعدوم ويصل الرحم ويتحمل الكل ويقرى الضيف ويعين على نوائب

الحق فلم يكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد

ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فانا نخشى

أن يفتن نساءنا وأبناءنا فقال ذلك ابن الدغنة لابى بكر فلبث أبوبكر بذلك

يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ثم بدا لابى بكر فابتنى

مسجدا بفناء داره فكان يصلى فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين

* ( هامش ) * ( 1 ) هكذا العنوان في نسخة ، وفى نسخة اخرى ( ذكر الهجرة إلى المدينة ) . ( * )

ـ242ـ

وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون اليه وكان ابوبكر رجلا بكاء لا يكاد يملك

عينيه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن

الدغنة فقدم عليهم فقالوا إنا كنا اجرنا أبا بكر بجوارك على ان يعبد ربه في داره

فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد

خشينا ان يفتن نساءنا وأبناءنا بهذا فان احب ان يقتصر على ان يعبد ربه في

داره فعل وإن أبى إلا ان يعلن بذلك فسله ان يرد اليك ذمتك فانا قد كرهنا أن

نخفرك ولسنا مقرين لابى بكر الاستعلان ، قالت عائشة فأتى ابن الدغنة إلى أبى

بكر فقال قد علمت الذى عاقدت لك عليه فاما ان تقتصر على ذلك وإما ان

ترجع إلى ذمتى فانى لا احب ان تسمع العرب انى اخفرت في رجل عقدت له فقال

له أبوبكر فانى أرد اليك جوارك وأرضى بجوار الله ، والنبى صلى الله عليه وسلم

يومئذ بمكة فقال النبى صلى الله عليه وسلم للمسلمين إنى رأيت دار هجرتكم ذات نخل بين

لابتين ، وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض

الحبشة إلى المدينة وتجهز أبوبكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم

على رسلك فانى أرجو أن يؤذن لى فقال أبوبكر هل ترجو ذلك بأبى أنت قال نعم

فحبس أبوبكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين

عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر . قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة

فبينا نحن جلوس يوما في بيت ابى بكر في نحر الظهيرة قال قائل لابى بكر هذا

رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبوبكر فدى له أبى وأمى

والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له

فدخل فقال النبى صلى الله عليه وسلم لابى بكر أخرج من عندك فقال أبوبكر إنما هم أهلك بأبى أنت

يا رسول الله قال فانه قد أذن لى في الخروج فقال أبوبكر الصحابة بأبى أنت

يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال أبوبكر فخذ بأبى أنت

ـ243ـ

يا رسول الله احدى راحلتى هاتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل بالثمن

قالت عائشة فجهزناهما أحت الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء

بنت أبى بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات

النطاقين قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر بغار في جبل ثور

فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبدالله بن أبى بكر وهو غلام شاب ثقف

لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا

يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما

عامر بن فهيرة مولى أبى بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب ساعة من

العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة

بغلس يفعل في كل ليلة من تلك الليالى الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه

وسلم وأبوبكر من بنى الديل وهو من بنى عبد بن عدى هاديا خريتا - والخريت

الماهر بالهداية - قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمى وهو على دين كفار

قريش فأمناه فدفعا اليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فأتاهما ب راحلتيهما

صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم على طريق

السواحل . قال ابن شهاب وأخبرنى عبدالرحمن بن مالك المدلجى وهو ابن أخى

سراقة بن مالك بن جعشم ان أباه اخبره أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول

جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر دية

كل واحد لمن قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومى بنى مدلج

أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إنى قد رأيت آنفا

أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت إنهم ليسوا

بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت في المجلس ساعة ثم

قمت فدخلت فأمرت جاريتى ان تخرج بفرسى وهى من وراء اكمة فتحبسها على

ـ244ـ

وأخذت رمحى فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه ( 1 ) وخفضت عاليه حتى

أتيت فرسى فركبتها فرفعتها تقرب بى حتى دنوت منهم فعثرت بى فرسى فخررت

عنها فقمت فأهويت بيدى إلى كنانتى فاستخرجت منها الازلام فاستقسمت

بها اضربهم ام لا فخرج الذى اكره فركبت فرسى وعصيت الازلام تقرب بى

حتى اذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وابوبكر يكثر

الالتفات ساخت يدا فرسى في الارض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها

فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة اذا لاثر يديها عثان ساطع في

السماء مثل الدخان فاستقسمت بالازلام فخرج الذى اكره فناديتهم بالامان

فوقفوا فركبت فرسى حتى جئتهم ووقع في نفسى حين لقيت ما لقيت من الحبس

عنهم ان سيظهر امر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له ان قومك جعلوا فيك

الدية واخبرتهم اخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآنى

ولم يسألانى الا ان قالا اخف عنا فسألته ان يكتب لى كتاب امن فأمر عامر

 

ابن فهيرة فكتب لى في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال ابن شهاب فأخبرنى عروة بن الزبير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لقى

الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول

الله صلى الله عليه وسلم وابا بكر ثياب بياض . وسمع المسلمون بالمدينة خروج

رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة

فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما بعد ما اطالوا انتظارهم فلما أووا

إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم ( 2 ) لامر ينظر اليه فبصر رسول

الله صلى الله عليه وسلم واصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودى

* ( هامش ) * ( 1 ) الزج الحديدة التى في اسفل الرمح .

( 2 ) الاطم هو ببناء مرتفع . ( * )

ـ245ـ

ان قال بأعلى صوته يا معاشر ( 1 ) العرب هذا جدكم الذى تنتظرون فثار المسلمون إلى

السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين

حتى نزل بهم في بنى عمرو بن عوف وذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الاول

فقام ابوبكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا فطفق من جاء

من الانصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيى ابا بكر حتى اصابت

الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل ابوبكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف

الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنى

عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذى أسس على التقوى وصلى فيه

رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ركب راحلته فسار يمشى معه الناس حتى بركت

عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلى فيه يومئذ رجال من

المسلمين وكان مربدا ( 2 ) للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته هذا ان شاء الله تعالى

المنزل ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه

مسجدا فقالا بل نهبه لك يا رسول الله . وقع في البخارى في رواية ابى ذر عن ابى

الهيثم الكشميهنى عن الفربرى ( 3 ) هنا زيادة فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقبله منهما

هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجدا فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل

معهم اللبن في بنائه ويقول وهو ينقل اللبن :

هذا الحمال لا حمال خيبر * هذا ابر ربنا واطهر

اللهم ان الاجر أجر الآخرة * فارحم الانصار والمهاجرة

* ( هامش ) * ( 1 ) في نسخة " يا معشر " .

( 2 ) المربد هو الموضع الذى يجعل فيه التمر لينشف كالبيدر للحنطة .

( 3 ) في الاصل " القوبرى " . ( * )

ـ246ـ

تمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لى . قال ابن شهاب ولم يبلغنا في الاحاديث

ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الابيات . كذا وقع في هذا

الخبر ان الذى كسا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابا بكر الزبير وذكر موسى

ابن عقبة انه طلحة بن عبيد الله في خبر ذكره . وروينا من طريق البخارى ان

ابا بكر كان يسأل عن النبى صلى الله عليه وسلم من هذا فيقول هذا الرجل يهدينى

الطريق قال فيحسب الحاسب انه يعنى الطريق وانما يعنى سبيل الخير .

وروينا من طريق ابن اسحق انه عليه السلام اعلم عليا بخروجه وأمره ان يتخلف

بعده حتى يؤدى عنه الودائع التى كانت عنده للناس وانا ابا بكر خرج بماله كله

وهو فيما قيل خمسة آلاف او ستة آلاف درهم . اخبرنا عبدالله بن احمد بن فارس

ويوسف بن يعقوب بن المجاور قراءه على الاول وانا اسمع بالقاهرة وبقراءتى على

الثانى بسفح قاسيون قالا ثنا ابواليمن الكندى قال اخبرنا هبة الله بن احمد

الحريرى قال انا ابوطالب العشارى قال انا ابوالحسين بن سمعون ثنا عمر بن

الحسن بن على بن مالك قال انا يحيى بن اسمعيل الجريرى ( 1 ) ثنا جعفر بن على ثنا

سيف عن بكر بن وائل عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم ما احد أمن على في صحبته وذات يده من ابى بكر وما نفعنى

مال ما نفعنى مال ابى بكر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا . وجهل

اهل مكة الخبر عنهم إلى ان سمعوا الهاتف يهتف بالشعر الذى فيه ذكر ام معبد

فعلموا انهم توجهوا نحو يثرب وانهم قد نجوا منهم .

* ( هامش ) * ( 1 ) بفتح الجيم وكسر الراء نسبة إلى جرير بن عبدالله . ( * )

ـ247ـ

( حديث ام معبد ( 1 ) )

اخبرنا الشيخان ابوالفضل عبد الرحيم بن يوسف المزى بقراءه والدى عليه

وا بوالهيجاء غازى بن ابى الفضل بقراءتى عليه قالا انا ابن طبرزذ قال انا ابن

الحصين قال انا ابن غيلان قال انا ابوبكر الشافعى ثنا محمد بن يونس القرشى

ثنا عبدالعزيز بن يحيى مولى العباس بن ع بدالمطلب ثنا محمد بن سليمان بن سليط

الانصارى قال حدثنى ابى عن ابيه عن جده ابى سليط وكان بدريا قال لما خرج

رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ومعه ابوبكر الصديق وعامر بن فهيرة

مولى ابى بكر وابن اريقط يدلهم على الطريق مروا بأم معبد الخزاعية وهى لا تعرفهم

فقال لها يا ام معبد هل عندك من لبن قالت لا والله وان الغنم لعازبة قال فما هذه

الشاة التى أرى لشاة رآها في كفاء البيت قالت شاة خلفها الجهد عن الغنم قال

اتأذنين في حلابها قالت لا والله ما ضربها من فحل قط فشأنك بها فدعا بها فمسح

* ( هامش ) * ( 1 ) ذكر المؤلف خبر سراقة بن مالك قبل قصة ام معبد ، وقد قال مغلطاى

في سيرته انه عليه السلام نزل بقديد على ام معبد . . . فذكر قصتها ثم قال فلما

راحوا من قديد تعرض لهما سراقة بن مالك المدلجى فذكر قصته . فالحاصل

ان الترتيب يقتضى ذكر قصة ام معبد قبل قصة سراقة كما شرطه المؤلف في

اول سيرته ولعله فعل ذلك لان خبر سراقة في الصحيح وحديث الهجرة لا ينفك

عنه . وحديث ام معبد ليس كذلك ولا هو في الصحيح . ( * )

ـ248ـ

ظهرها وضرعها ثم دعا باناء يربض ( 1 ) الرهط فحلب فيه فملاه فسقى اصحابه عللا

بعد نهل ثم حلب فيه آخر فغادره عندها وارتحل فلما جاء زوجها عند المساء قال

يا ام معبد ما هذا اللبن ولا حلوبة في البيت والغنم عازبة ( 2 ) قالت لا والله الا انه مر

بنا رجل ظاهر الوضاءة متبلج الوجه في اشفاره وطف ( 3 ) وفى عينيه دعج ( 4 ) وفى صوته

صحل ( 5 ) غصن بين الغصنين لا تشنأه من طول ولا تقتحمه من قصر لم تعبه ثجلة ( 6 ) ولم

تزره صعلة ( 7 ) كأن عنقه ابريق فضة اذا صمت فعليه البهاء واذا نطق فعليه وقار

له كلام كخرزات النظم ازين اصحابه منظرا واحسنهم وجها اصحابه يحفون به

اذا امر ابتدروا امره واذا نهى ايتفقوا عند نهايته قال هذه والله صفة صاحب

قريش ولو رأيته لاتبعته ولاجتهدن ان افعل . قال فلم يعلموا بمكة اين توجه رسول

الله صلى الله عليه وسلم وابوبكر حتى سمعوا هاتفا على رأس ابى قبيس وهو يقول :

جزى الله خيرا والجزاء بكفه * رفيقين قالا خيمتى ام معبد

هما رحلا بالحق وانتزلا به * فقد فاز من امسى رفيق محمد

فما حملت من ناقة فوق رحلها * ابر وأوفى ذمة من محمد

واكسى لبرد الحال قبل ابتذاله * واعطى برأس السابح المتجرد

ليهن بنى كعب مكان فتاتهم * ومقعدها للمؤمنين بمرصد

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : يرويهم حتى يناموا ويمتدوا على الارض من ربض اى اقام .

( 2 ) اى : في المرعى البعيد .

( 3 ) اى : في شعر اجفانه طول .

( 4 ) اى : شدة سواد .

( 5 ) اى : غير حاد .

( 6 ) اى : ضخم بطن .

( 7 ) اى : صغر رأس . ( * )

ـ249ـ

وبه قال ابوبكر الشافعى حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان ثنا احمد بن محمد بن

ايوب ثنا ابراهيم بن سعد عن محمد بن اسحق قال حدثت عن اسماء بنت ابى بكر

رضى الله عنهما انها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اتانا نفر من

قريش فيهم ابوجهل بن هشام فوقفوا على باب ابى بكر رضى الله عنه فخرجت

اليهم فقالوا اين ابوك يا بنت ابى بكر قالت قلت والله لا ادرى اين ابى قالت

فرفع ابوجهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطم خدى لطمة خرم منها قرطى قالت ثم

انصرفوا فمضى ثلاث ليال ما ندرى اين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ

اقبل رجل من الجن من اسفل مكة يغنى بأبيات غنى بها العرب وان الناس ليتبعونه

يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج بأعلى مكة :

جزى الله رب الناس خير جزائه * رفيقين قالا خيمتى ام معبد

هما نزلا بالهدى واغتدوا به * فأفلح من امسى رفيق محمد

ليهن بنى كعب مكان فتاتهم * ومقعدها للمؤمنين بمرصد

قالت فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث .

وقد روينا حديث اسماء هذا متصلا من حديث هشام بن عروة عن ابيه عن اسماء

اخبرناه عبدالله بن احمد بن فارس قراءة عليه وانا اسمع بالقاهرة وابوالفتح يوسف

ابن يعقوب الشيبانى بقراءتى عليه بسفح قاسيون قالا انا ابواليمن زيد بن الحسن

الكندى قال انا ابوالقاسم هبة الله بن احمد بن عمر الحريرى قال انا ابوطالب

محمد بن على بن الفتح قال انا ابوالحسين محمد بن احمد ثنا عمر بن الحسن بن على

ابن مالك الشيبانى قال انا يحيى بن اسمعيل ثنا جعفر بن على ثنا سيف عن هشام

ابن عروة عن ابيه عن اسماء ابنة ابى بكر رضى الله عنهما قالت ارتحل النبى صلى الله عليه وسلم

وابوبكر فلبثنا اياما ثلاثة او اربعة او خمس ليال لا ندرى اين توجه ولا يأتينا

ـ250ـ

عنه خبر حتى اقبل رجل من الجن الحديث بنحو ما تقدم . وروينا عن ابى بكر

الشافعى بالسند المتقدم ثنا بشر بن انس ابوالخبر ثنا ابوهشام محمد بن سليمان

ابن الحكم بن ايوب بن سليمان بن زيد بن ثابت بن يسار الكعبى الربعى الخزاعى

قال حدثنى عمى ايوب بن الحكم قال الشافعى وحدثنى احمد بن يوسف بن يوسف

ابن تميم البصرى ثنا ابوهشام محمد بن سليمان بقديد قال حدثنى عمى ايوب بن

الحكم عن حزام بن هشام عن ابيه هشام عن جده حبيش بن خالد صاحب رسول

الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة

فذكر نحو ما تقدم من خبر أبى سليط وذكر الابيات وزاد فيها :

فيالقصى ما زوى الله عنكم * به من فعال لا تجازى وسودد

سلوا أختكم عن شاتها وإناتها * فانكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حائل فتحلبت * عليه صريحا ضرة الشاة مزبد

فغادرها رهنا لديها بحالب * ترددها في مصدر ثم مورد

فلما سمع بذلك حسان بن ثابت قال يجاوب الهاتف :

لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم * وقدس من يسرى اليهم ويغتدى

ترحل عن قوم فضلت عقولهم * وحل على قوم بنور مجدد

هداهم به بعد الضلالة ربهم * وأرشدهم من يتبع الحق يرشد

وقد نزلت منه على أهل يثرب * ركاب هدى حلت عليهم بأسعد

نبى يرى مالا يرى الناس حوله * ويتلو كتاب الله في كل مسجد

وإن قال في يوم مقالة غائب * فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد

ليهن أبا بكر سعادة جده * بصحبته من يسعد الله يسعد ( 1 )

* ( هامش ) * ( 1 ) في " مجمع الزوائد " اختلافات وغلط يصحح مما جاء هنا . ( * )

ـ251ـ

واجتاز رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه ذلك بعبد يرعى غنما فكان

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 251 سطر 1 الى ص 260 سطر 18

واجتاز رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه ذلك بعبد يرعى غنما فكان

من شأنه ما رويناه من طريق البيهقى بسنده عن قيس بن النعمان قال لما انطلق

النبى صلى الله عليه وسلم وأبوبكر مستخفيين مرا بعبد يرعى غنما فاستسقياه اللبن فقال ما عندى

شاة تحلب غير أن هاهنا عناقا ( 1 ) حملت أول وقد أخدجت ( 2 ) وما بقى لها لبن فقال ادع

بها فدعا بها فاعتقلها النبى صلى الله عليه وسلم ومسح ضرعها ودعا حتى أنزلت وقال جاء أبو

بكر بمجن فحلب فسقى أبا بكر ثم حلب فسقى الراعى ثم حلب فشرب فقال الراعى

بالله من أنت فوالله ما رأيت مثلك قال أو تراك تكتم على حتى أخبرك قال نعم

قال فانى محمد رسول الله فقال أنت الذى تزعم قريش أنك صابئ قال انهم

ليقولون ذلك قال فأشهد أنك رسول الله وأن ما جئت به حق وأنه لا يفعل

ما فعلت إلا نبى وأنا متبعك قال إنك لن تستطيع ذلك يومك فاذا بلغك

أنى قد ظهرت فائتنا .

* ( هامش ) * ( 1 ) العناق هى الانثى من أولاد المعز مالم يتم له سنة .

( 2 ) أى ولدت قبل أوانها . ( * )

ـ252ـ

( ذكر فوائد تتعلق بهذه الاخبار )

العثان بضم العين المهملة والثاء المثلثة : شبه الدخان وهو مفسر في الخبر بذلك

وجمعه عواثن . الحمال جمع أو مصدر أى هذا الحمل أو المحمول من اللبن افضل من

حمال خيبر التمر والزبيت المحمول منها ، قيل رواه المستملى بالجيم فيهما وله وجه

والاول أظهر . وأم معبد عاتكة بنت خالد إحدى بنى كعب من خزاعة وهى

أخت حبيش بن خالد الذى روينا الخبر من طريقه وله صحبة وكان منزلها بقديد ( 1 ) .

وأبوسليط اسيرة بن عمرو أنصارى من بنى النجار شهد بدرا وما بعدها . ووقع

في الابيات التى رويناها في الخبر من طريقه * فما حملت من ناقة فوق رحلها *

البيت . والذى يليه في ذلك الشعر وليس ذلك بمعروف والمعروف في هذا الشعر

أنه لابى اناس الديلى رهط أبى الاسود صحابى ذكره أبوعمر وعمه سارية بن

زنيم الذى قال له عمر بن الخطاب يا سارية الجبل ، وكان أبواناس شاعرا وهو

القائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم :

تعلم رسول الله انك قادر * على كل حاف من تهام ومنجد

وهى طويلة منها :

وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد

وتضمن حديث أم معبد أشياء من صفة النبى صلى الله عليه وسلم يأتى شرحها

في الشمائل إن شاء الله تعالى . وكفاء البيت سترة في البيت من اعلاه إلى اسفله من

مؤخره ، وقيل الكفاء الشقة التى تكون في مؤخر الخباء وقيل هو كساء يلقى على

الخباء كالازار حتى يبلغ الارض وقد اكفى البيت . ذكره ابن سيده .

* ( هامش ) * ( 1 ) مصغر هو موضع بين مكة والمدينة . ( * )

ـ253ـ

( ذكر دخوله عليه السلام المدينة )

وكان اهل المدينة يتوكفون ( 1 ) قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغهم

 

توجهه اليهم فكانوا يخرجون كل يوم لذلك اول النهار ثم يرجعون حتى كان يوم

الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول خرجوا لذلك على عادتهم

فرجعوا ولم يقدم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قدم من يومه ذلك حين

اشتد الضحاء فنزل بقباء على بنى عمرو بن عوف على كلثوم بن هدم وكان يجلس

للناس في بيت سعد بن خيثمة . قال الواقدى ونزل على كلثوم ايضا جماعة من

الصحابة منهم ابوعبيدة بن الجراح والمقداد بن عمرو وخباب بن الارت وسهيل

وصفوان ابنا بيضاء وعياض بن زهير و عبدالله بن مخرمة ووهب بن سعد بن ابى

سرح ومعمر بن ابى سرح وعمرو بن ابى عمرو من بنى محارب بن فهر وعمير بن

عوف مولى سهيل بن عمرو وكل هؤلاء قد شهد بدرا ثم لم يلبث كلثوم ان مات

قبل بدر وكان رجلا صالحا غير مغموص عليه انتهى كلام الواقدى . وقيل نزل

ابوبكر على خبيب بن اساف وقيل على خارجة بن زيد بن ابى زهير وأقام على

بمكة ثلاث ليال حتى ادى الودائع التى كانت عند النبى صلى الله عليه وسلم للناس ثم جاء

فنزل على كلثوم فكان يقول كانت بقباء امرأة لا زوج لها مسلمة فرأيت انسانا

يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها فتخرج اليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه

قال فاستربت شأنه فقلت يا أمة الله من هذا الرجل الذى يضرب عليك بابك

كل ليلة فتخرجين اليه فيعطيك شيئا لا أدرى ما هو وأنت امرأة مسلمة لا زوج

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : ينتظرون ويتوقعون . ( * )

ـ254ـ

لك قالت هذا سهل بن حنيف قد عرف أنى امرأة لا أحد لى فاذا أمسى عدا على

أوثان قومه فكسرها ثم جاءنى بها فقال احتطى بهذا فكان على يأثر ذلك من

أمر سهل بن حنيف . وكان فيمن خرج لينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

قوم من اليهود فيهم عبدالله بن سلام . أخبرنا الشيخان أبوالفضل عبدالرحيم

ابن يوسف وأ بوالهيجاء غازى بن أبى الفضل قالا انا أبوحفص عمرو بن محمد بن

طبرزد قال انا أبوالقاسم بن الحصين قال انا أبوطالب بن غيلان قال انا أبو

بكر الشافعى ثنا معاذ ثنا مسدد ثنا يحيى عن عوف ثنا زرارة قال قال عبدالله

ابن سلام لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قيل قدم رسول الله صلى

الله عليه وسلم المدينة فانجفل الناس اليه فكنت فيمن انجفل فلما رأيت وجهه

صلى الله عليه وسلم عرفت ان وجهه ليس بوجه كذاب فأول ما سمعته يقول افشوا

السلام وأطعموا الطعام وصلوا الارحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة

بسلام . وأشرقت المدينة بقدومه صلى الله عليه وسلم وسرى السرور إلى القلوب بحلوله بها .

روينا من طريق ابن ماجه حدثنا بشر بن هلال الصواف ثنا جعفر بن سليمان

الضبعى ثنا ثابت عن أنس بن مالك قال لما كان اليوم الذى دخل فيه رسول الله

صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شئ فلما كان اليوم الذى مات فيه أظلم

منها كل شئ وما نفضنا عن النبى صلى الله عليه وسلم الايدى حتى أنكرنا قلوبنا .

وروى ابن أبى خيثمة عن أنس شهدت يوم دخول النبى صلى الله عليه وسلم المدينة

فلم أر يوما أحسن منه ولا أضوأ . وروى البخارى من حديث البراء بن عازب قال

فما رأيت اهل المدينة فرحوا بشئ فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث . قال

ابن اسحق وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين

ويوم الثلاثاء ويوم الاربعاء ويوم الخميس وأسس مسجدهم ثم أخرجه الله من بين

أظهرهم يوم الجمعة . وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك .

ـ255ـ

وقد روينا عن أنس من طريق البخارى إقامته فيهم أربع عشرة ليلة . والمشهور

عند أصحاب المغازى ما ذكره ابن اسحق فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم

الجمعة في بنى سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذى في بطن الوادى وادى رانونا

فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة فأتاه عتبان بن مالك وعباس بن عبادة بن

نضلة في رجال من بنى سالم بن عوف فقالوا يا رسول الله أقم عندنا في العدد والعدة

والمنعة قالوا خلوا سبيلها فانها مأمورة - لناقته - فخلوا سبيلها فانطلقت حتى وازت

دار بنى بياضة تلقاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بنى بياضة فقالوا

يا رسول الله هلم الينا إلى العدد والعدة والمنعة فقال خلوا سبيلها فانها مأمورة فانطلقت

حتى إذا مرت بدار بنى ساعدة اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال

من بنى ساعدة فقالوا يا رسول الله هلم الينا إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها

فانها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا وازت دار بنى الحرث بن الخزرج

اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد و عبدالله بن رواحة في رجال من بنى

بلحارث بن الخزرج فقالوا يا رسول الله هلم الينا إلى العدد والعدة والمنعة قالوا خلوا

سبيلها فانها مأمورة فخلوا سبيلها حتى إذا مرت بدار عدى بن النجار وهم أخواله

دنيا أم ع بدالمطلب سلمى بنت عمرو وإحدى نسائهم اعترضه سليط بن قيس

وأبوسليط أسيرة بن أبى خارجة في رجال من بنى عدى بن النجار فقالوا يا رسول

الله هلم إلى أخوالك إلى العدد والعدة والمنعة قالوا خلوا سبيلها فانها مأمورة فخلوا

سبيلها فانطلقت حتى إذا أتت دار بنى مالك بن النجار بركت على باب مسجده

صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بنى مالك بن النجار في

حجر معاذ بن عفراء سهل وسهيل ابنى عمرو فلما بركت ورسول الله صلى الله عليه وسلم

عليها لم ينزل وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به

ـ256ـ

ثم التفتت خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تلحلحت ( 1 ) وأرزمت ( 2 )

ووضعت جرانها ( 1 ) ونزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل أبوأيوب

خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم

* ( هامش ) * ( 1 ) أى أقامت ولزمت مكانها ، وفى الاصل " تحلحلت " والتصويب من النهاية .

( 2 ) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاى أى صوتت ، وفى رواية " رزمت "

بفتح الراء والزاى أى لم تقم من الاعياء .

( 3 ) جران البعير مقدم عنقه . ( * )

ـ257ـ

( بناء المسجد )

وسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المربد لمن هو ؟ فقال له معاذ بن

عفراء هو يا رسول الله لسهل وسهيل ابنى عمرو وهما يتيمان لى وسأرضيهما منه فاتخذه

مسجدا فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى ونزل رسول الله صلى الله

عليه وسلم على أبى أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه فعمل فيه رسول الله صلى

الله عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل فيه فعمل فيه المهاجرون والانصار ودأبوا

فيه فقال قائل من المسلمين :

لئن قعدنا والنبى يعمل * لذاك منا العمل المضلل

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الاول إلى صفر

من السنة الداخلة يبنى له فيها مسجده ومساكنه . وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم أبى

أن يأخذه إلا بثمن فالله أعلم . فبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده وجعل

عضادتيه الحجارة وسواريه جذوع النخل وسقفه جريدها بعد أن نبش قبور

المشركين وسواها وسوى الخرب وقطع النخل وعمل فيه المسلمون . ومات أبوأمامة

أسعد بن زرارة حينئذ فوجد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدا شديدا

وكان قد كواه من ذبحة ( 1 ) نزلت به وكان نقيب بنى النجار فلم يجعل عليهم رسول

الله صلى الله عليه وسلم نقيبا بعده وقال لهم أنا نقيبكم فكانت من مفاخرهم . وذكر أحمد بن

يحيى بن جابر البلاذرى قال فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبى أيوب

* ( هامش ) * ( 1 ) داء يكون في الحلق يخنق صاحبه . ( * )

ـ258ـ

وأراده قوم من الخزرج على النزول عليهم فقال المرء مع رحله فكان مقامه في

منزل أبى أيوب سبعة أشهر ونزل عليه تمام الصلاة بعد مقدمه بشهر ووهبت

الانصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل فضل كان في خططها ( 1 ) وقالوا يا نبى الله

إن شئت فخذ منازلنا فقال لهم خيرا قالوا وكان أبوأمامة أسعد بن زرارة يجمع

بمن يليه في مسجد له فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فيه ثم انه سأله أسعد أن

يبيعه أرضا متصلة بذلك المسجد كانت في يده ليتيمين في حجره يقال لهما سهل

وسهيل ابنا رافع بن عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم كذا نسبهما البلاذرى وهو

يخالف ما سبق عن ابن اسحق وغيره والاول أشهر ، قال فعرض عليه أن يأخذها

ويغرم عنه لليتيمين ثمنها فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وابتاعها منهما بعشرة دنانير

أداها من مال أبى بكر ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باتخاذ اللبن فاتخذ

وبنى به المسجد ورفع أساسه بالحجارة وسقف بالجريد وجعلت عمده جذوعا فلما

استخلف أبوبكر لم يحدث فيه شيئا واستخلف عمر فوسعه فكلم العباس بن

ع بدالمطلب في بيع داره ليزيدها يه فوهبها العباس لله والمسلمين فزادها عمر في

المسجد ثم ان عثمان بناه في خلافته بالحجارة والغصة وجعل عمدة حجارة وسقفه

بالسلاج وزاد فيه ونقل اليه الحصباء من العقيق . وكان أول من اتخذ فيه المقصورة

مروان بن الحكم بناها بحجارة منقوشة ثم لم يحدث فيه شئ إلى أن ولى الوليد بن

عبدالملك بن مروان بعد أبيه فكتب إلى عمر بن عبدالعزيز وهو عامله على المدينة

يأمره بهدم المسجد وبنائه وبعث اليه بمال وفسيفساء ورخام وبثمانين صانعا من

الروم والقبط من أهل الشام ومصر فبناه وزاد فيه وولى القيام بأمره والنفقة عليه

صالح بن كيسان وذلك في سنة سبع وثمانين ، ويقال في سنة ثمان وثمانين ثم لم

يحدث فيه أحد من الخلفاء شيئا حتى استخلف المهدى . قال الواقدى بعث

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : أراضيها . ( * )

ـ259ـ

المهدى عبدالملك بن شبيب الغسانى ورجلا من ولد عمر بن عبد العزيز إلى المدينة

لبناء مسجدها والزيادة فيه وعليها يومئذ جعفر بن سليمان بن على فمكثا في عمله

سنة وزادا في مؤخره مائة ذراع فصار طوله ثلاثمائة ذراع وعرضه مائتى ذراع .

وقال على بن محمد المدائنى ولى المهدى جعفر بن سليمان مكة والمدينة واليمامة فزاد

في مسجد مكة ومسجد المدينة فتم بناء مسجد المدينة في سنة اثنتين وستين ومائة ، وكان

المهدى أتى المدينة في سنة ستين قبل الهجرة فأمر بقلع المقصورة وتسويتها مع المسجد .

ـ260ـ

( ذكر الموادعة بين المسلمين واليهود )

قال ابن اسحق وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين

والانصار ووادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط

عليهم : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبى صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين

والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم انهم أمة واحدة

من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم

بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى

وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وذكر كذلك في بنى

ساعدة وبنى جشم وبنى النجار وبنى عمرو بن عوف وبنى النبيت وبنى الاوس

وأن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل ولا يحالف

مؤمن مولى مؤمن دونه وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ( 1 )

ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد

أحدهم ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافر على مؤمن وأن ذمة الله واحدة

يجبر عليهم أدناهم وأن المؤمنين بعضهم موالى بعض دون الناس وأن من تبعنا

من يهود فان له النصر والاسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم وأن سلم المؤمنين

واحدة لا يسالم مؤمن من دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء أو عدل

* ( هامش ) * ( 1 ) اى : طلب دفعا على سبيل الظلم ، ويجوز أن يراد بها العطية . ( * )

ـ261ـ

بينهم وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا وأن المؤمنين يبئ بعضهم

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 261 سطر 1 الى ص 270 سطر 23

بينهم وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا وأن المؤمنين يبئ بعضهم

عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله وأن المتقين على أحسن هدى وأقومه وأنه

لا يجبر مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن وأنه من اعتبط

مؤمنا قتلا عن بينة فانه قود يد إلا أن يرضى ولى المقتول وأن المؤمنين عليه كافة

ولا يحل لهم إلا قيام عليه وان لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله

واليوم الآخر أن ينصر محدثا ولا يؤويه وأن من نصره أو آواه فان عليه لعنة الله

وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل وانكم مهما اختلفتم فيه من شئ

فان مرده إلى الله والى محمد وان اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين

وأن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم بنى النجار مثل

مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فانه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته . وذكر مثل

ذلك ليهود بنى النجار وبنى الحارث وبنى ساعدة وبنى جشم وبنى الاوس وبنى

ثعلبة وبنى الشطبة وأن جفنة بطن من ثعلبة وأن بطانة يهود كأنفسهم وان البر

دون الاثم وان موالى ثعلبة كأنفسهم وانه لا يخرج منهم أحد إلا باذن محمد وانه

لا ينجحر عن ثأر جرح وانه من فتك فبنفسه إلا من ظلم وان الله على أبر هذا وان

على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وان بينهم النصر على من حارب أهل هذه

الصحيفة وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الاثم وانه لن يأثم أمرؤ بحليفه

وان النصر للمظلوم وان يثرب حرام جوفها لاهل هذه الصحيفة وان الجار كالنفس

غير مضار ولا آثم وانه لا تجار حرمة إلا باذن أهلها وانه ما كان بين أهل هذه

الصحيفة من حدث أو استجار يخاف فساده فان مرده إلى الله والى محمد صلى الله عليه وسلم

وان الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره وانه لاتجار قريش ولا من نصرها

وان بينهم النصر على من دهم يثرب وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه

فانهم يصالحونه ويلبسونه وانهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فانهم لهم على المؤمنين

ـ262ـ

إلا من حارب في الدين على كل انسان حصتهم من جانبهم الذى قبلهم وان

يهود الاوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لاهل الصحيفة مع البراء المحض من أهل

هذه الصحيفة وان البر دون الاثم لا يكتسب كاسب إلا على نفسه وان الله على

أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره وانه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم ولا آثم

وان من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم وان الله جار لمن بر

واتقى ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم . هكذا ذكره ابن اسحق ، وقد ذكره ابن أبى

خيثمة فأسنده : حدثنا احمد بن جناب أبوالوليد ثنا عيسى بن يونس ثنا كثير

ابن عبدالله بن عمرو المزنى عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

كتب كتابا بين المهاجرين والانصار فذكر بنحوه .

ـ263ـ

( شرح ما فيه من الغريب )

الربعة الحالة التى جاء الاسلام وهم عليها من كتاب المزنى قال الخشنى ربعة

وربعة ، وكذلك رباعة ورباعة . والمفرح رواه ابن جريج مفرجا . قال أبوعبيد

ومعناهما واحد وقال أبوعبيد سمعت محمد بن الحسن يقول هذا يروى بالحاء وبالجيم

قال أ بوالعباس ثعلب المفرح المثقل من الديون وبالجيم الذى لا عشيرة له . وقال

أبوعبيدة المفرج بالجيم أن يسلم الرجل فلا يوالى أحدا بقود فتكون جنايته على

بيت المال لانه لا عاقلة له فهو مفرج ، وقال بعضهم هو الذى لا ديوان له وقال أبو

عبيد القاسم بن سلام عن محمد بن الحسن هو القتيل يوجد بأرض فلاة لا يكون

عند قرية فانه يودى من بيت المال ولا يطل دمه . وقوله وان المؤمنين يبئ بعضهم

 

عن بعض يعنى أن دماءهم متكافئة يقال ما فلان ببواء لفلان أى بكفؤ له ويقال

باء الرجل بصاحبه يبوء بواء إذا قتل به كفؤا . ولم يفسره ابن قتيبة ومعناه يقتل

بعضهم قاتل بعض يقال أبأت لفلان قاتله أى قتلته . ويوتغ يفسد قاله ابن هشام .

نقلت هذه الفوائد من خط جدى رحمه الله من حواشى كتابه الذى تقدم ذكرها .

ـ264ـ

( ذكر المواخاة )

وكانت المواخاة مرتين الاولى بين المهاجرين بعضهم وبعض قبل الهجرة على

الحق والمواساة آخى بينهم النبى صلى الله عليه وسلم فآخى بين أبى بكر وعمر . وبين

حمزة وزيد بن حارثة . وبين عثمان و عبدالرحمن بن عوف . وبين الزبير وابن مسعود .

وبين عبيدة بن الحارث وبلال . وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبى وقاص . وبين

أبى عبيدة وسالم مولى أبى حذيفة . وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله . وبين

على ونفسه صلى الله عليه وسلم . قرأت على أبى الربيع سليمان بن احمد المرجانى بثغر الاسكندرية

وغيره عن محمد بن عماد قال انا ابن رفاعة قال انا الخلعى قال انا أ بوالعباس احمد

ابن الحسن بن جعفر العطار وثنا ابومحمد الحسن بن رشيق العسكرى ثنا ابوعبد

الله محمد بن رزيق ( 1 ) بن جامع المدينى ثنا ابوالحسين سفيان بن بشر الاسدى ثنا

على بن هاشم بن البريد عن كثير النواء عن جميع بن عمير عن عبدالله بن عمر

قال آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اصحابه فآخى بين أبى بكر وعمر

وفلان وفلان حتى بقى على عليه السلام وكان رجلا شجاعا ماضيا على أمره إذا أراد

شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن أكون أخاك قال بلى

يا رسول الله رضيت قال فأنت أخى في الدنيا والآخرة قال كثير فقلت لجميع بن عمير

أنت تشهد بهذا على عبدالله بن عمر قال نعم أشهد فلما نزل عليه السلام المدينة

آخى بين المهاجرين والانصار على المواساة والحق في دار أنس بن مالك فكانوا

* ( هامش ) * ( 1 ) هو محمد بن رزيق بن جامع - بتقديم الراء على الزاى . ( * )

ـ265ـ

يتوارثون بذلك دون القرابات حتى نزلت وقت وقعة بدر ( وأولوا الارحام بعضهم

أولى ببعض في كتاب الله ) فنسخت ذلك . وكانت المواخاة بعد بنائه عليه السلام

المسجد . وقد قيل كان ذلك والمسجد يبنى ، وقال ابوعمر بعد قدومه عليه السلام

المدينة لخمسة أشهر . قرئ على أبى عبدالله بن أبى الفتح المقدسى بمرج دمشق

وأنا أسمع أخبركم ابن الحرستانى سماعا قال أنا أبوالحسن على بن احمد بن منصور

ابن قبيس الغسانى قراءة عليه وأنا أسمع قال أنا أبوالحسن احمد بن عبدالواحد

ابن محمد بن أبى الحديد السلمى قال أنا جدى أبوبكر محمد بن احمد بن عثمان قال

أنا محمد بن جعفر بن محمد أبوبكر الخرائطى قراءة عليه ثنا سعدان ثنا يزيد بن هارون

قال أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال قال المهاجرون يا رسول الله ما رأينا

مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلا من كثير كفونا

المؤنة وأشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالاجر كله قال لا ما أثنيتم

عليهم ودعوتم لهم . وبه إلى الخرائطى ثنا سعدان بن نصر ثنا أبومعاوية ثنا

الاعمش عن نافع عن ابن عمر قال لقد رأيتنا وما الرجل المسلم بأحق بديناره

ودرهمه من أخيه المسلم . رواه مسلم عن أبى كريب والترمذى والنسائى عن هناد

كليهما عن أبى معاوية فوقع لنا بدلا عاليا لهم ( 1 ) . وقال ابن اسحق آخى رسول

الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والانصار فقال تواخوا في الله

أخوين أخوين ثم أخذ بيد على بن أبى طالب فقال هذا أخى فكان رسول الله

صلى الله عليه وسلم وعلى أخوين وحمزة وزيد بن حارثة أخوين واليه أوصى حمزة يوم أحد .

وذكر سنيد بن داود أن زيد بن حارثة واسيد بن الحضير اخوان وهو حسن إذ هما

انصارى ومهاجرى ، واما المواخاة بين حمزة وزيد فقد ذكرناها في المرة الاولى .

* ( هامش ) * ( 1 ) ليس هو في مسلم ولا الترمذى ولا النسائى . ( * )

ـ266ـ

رجع إلى ابن إسحق : وجعفر بن ابى طالب ومعاذ بن جبل اخوين وانكره

الواقدى لغيبة جعفر بالحبشة ، وعند سنيد أن المواخاة كانت بين ابن

مسعود ومعاذ بن جبل .

رجع : أبوبكر بن أبى قحافة وخارجة بن زيد بن أبى زهير أخوين وعمر بن

الخطاب وعتبان بن مالك أخوين وابوعبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ أخوين

و عبدالرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوين والزبير بن العوام وسلمة بن سلامة

ابن وقش اخوين ويقال بل الزبير وعبد الله بن مسعود . قلت هذا كان في المواخاة

الاولى قبل الهجرة وعثمان بن عفان وأوس بن ثابت بن المنذر أخوين وطلحة بن

عبيد الله وكعب بن مالك اخوين وسعيد بن زيد وأبى بن كعب اخوين ومصعب

ابن عمير وابوأيوب خالد بن زيد أخوين وابوحذيفة بن عتبة وعباد بن بشر

اخوين وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان اخوين ويقال بل ثابت بن قيس بن

الشماس وابوذر والمنذر بن عمرو أخوين ، وانكره الواقدى لغيبة ابى ذر عن

المدينة وقال لم يشهد بدرا ولا أحدا ولا الخندق وإنما قدم بعد ذلك وعنده طليب

ابن عمير والمنذر بن عمرو أخوين .

رجع إلى ابن إسحق : وحاطب بن أبى بلتعة وعويم بن ساعدة اخوين

وسلمان الفارسى وا بوالدرداء اخوين وبلال وابورويحة عبدالله بن عبدالرحمن

الخثعمى اخوين . وعند سنيد بن داود فيما حكاه أبوعمر المواخاة بين أبى مرثد

وعبادة بن الصامت وبين سعد وسعد بن معاذ وبين عبدالله بن جحش وعاصم

ابن ثابت بن أبى الافلح وبين عتبة بن غزوان وأبى دجانة وبين أبى سلمة بن

عبدالاسد وسعد بن خيثمة وبين عثمان بن مظعون وأبى الهيثم بن التيهان . وزاد

ـ267ـ

غيره وبين عبيدة بن الحرث وعمير بن الحمام وبين الطفيل بن الحرث أخى عبيدة

وسفيان بن نسر ( 1 ) بن زيد من بنى جشم بن الحرث بن الخزرج وبين الحصين أخيهما

و عبدالله بن جبير وبين عثمان بن مظعون والعباس بن عبادة بن نضلة وبين صفوان

ابن بيضاء ورافع بن المعلى وبين المقداد وابن رواحة وبين ذى الشمالين ويزيد

ابن الحرث من بنى حارثة وبين عمير بن أبى وقاص وخبيب بن عدى وبين عبد

الله بن مظعون وقطبة بن عامر بن حديدة وبين شماس بن عثمان وحنظلة بن

أبى عامر وبين الارقم بن أبى الارقم وطلحة بن زيد وبين زيد بن الخطاب

ومعن بن عدى وبين عمرو بن سراقة وسعد بن زيد من بنى عبد الاشهل وبين

عاقل بين البكير ومبشر بن عبدالمنذر وبين عبد الله بن مخرمة وفروة بن عمرو

البياضى وبين خنيس بن حذافة والمنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح

وبين سبرة بن أبى رهم وعبادة بن الخشخاش وبين مسطح بن أثاثة وزيد بن

المزين وبين عكاشة بن محصن والمجذر بن ذياد حليف الانصار وبين عامر بن

فهيرة والحرث بن الصمة وبين مهجع مولى عمر وسراقة بن عمرو بن عطية من بنى

غنم بن مالك بن النجار . كل هذا المزيد عن أبى عمر ، وقيل كان عددهم مائة

خمسين من المهاجرين وخمسين من الانصار . وزيد بن المزين كذا وجد بخط أبى عمر

بزاى مفتوحة وياء آخر الحروف مشددة مفتوحة . وفى أصل ابن مفوز : المزين مكسور

الميم ساكنة الزاى مفتوحة الياء . وعند ابن هشام ابن المزنى .

قال ابن اسحق فلما دون عمر الدواوين بالشام وكان بلال قد خرج إلى الشام فأقام

بها مجاهدا فقال عمر لبلال إلى من تجعل ديوانك قال مع أبى رويحة لا أفارقه

أبدا للاخوة التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد بينى وبينه فضمه اليه وضم ديوان

* ( هامش ) * ( 1 ) بالنون ذكره الامير ، وقال ابن اسحق " بن بشير " وقال ابومعشر " بن بشر " . ( * )

ـ268ـ

الحبشة إلى خثعم لمكان بلال منهم فهو في خثعم إلى هذا اليوم بالشام . أخبرنا

عبدالرحيم بن يوسف الموصلى وغازى بن أبى الفضل الدمشقى قالا أنا عمر بن

محمد بن معمر قال أنا هبة الله بن محمد قال أنا أبوطالب محمد بن محمد قال أنا أبو

بكر محمد بن عبدالله ثنا أبو عبدالله الحسين بن عمر الثقفى ثنا العلاء بن عمرو

الحنفى ثنا أيوب بن مدرك عن مكحول عن أبى أمامة قال لما آخى النبى صلى الله

عليه وسلم بين الناس آخى بينه وبين على . أخبرنا أبوعبد الله بن أبى الفتح

فيما قرأ عليه الحافظ أبوالحجاج المزى وانا اسمع قال له اخبرك القاضى أبوالقاسم

عبدالصمد بن محمد الانصارى قراءة عليه وأنت تسمع فأقر به قال أنا أبوالحسن

على بن احمد المالكى سماعا قال انا أبوالحسن احمد بن عبدالواحد السلمى قال

أنا جدى أبوبكر محمد بن احمد قال انا محمد بن جعفر الخرائطى ثنا سعدان بن

يزيد ثنا يزيد بن هارون قال انا حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد

الرحمن بن عوف هاجر إلى المدينة فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين

سعد بن الربيع فقال له سعد يا عبدالرحمن انى من أكثر الانصار مالا وانا

مقاسمك وعندى امرأتان فأنا مطلق احداهما فاذا انقضت عدتها فتزوجها فقال له

بارك الله لك في أهلك ومالك . رواه البخارى من حديث حميد عن أنس أطول من هذا .

ـ269ـ

( بدء الاذان )

وكان الناس إنما يجتمعون إلى الصلاة لتحين مواقيتها من غير دعوة فهم

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل بوقا كبوق اليهود الذين يدعون به لصلاتهم

ثم كرهه ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين في الصلاة فبينما هم على ذلك

رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء

روينا من طريق أبى داود ثنا عباد بن موسى الختلى وزياد بن أيوب وحديث

عباد أتم قالا حدثنا هشيم عن أبى بشر قال زياد أنا أبوبشر عن أبى عمير بن

أنس عن عمومة له من الانصار قال اهتم النبى صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف

يجمع الناس لها فقيل له أنصب راية عند حضور الصلاة فاذا رأوها آذن بعضهم

بعضا فلم يعجبه ذلك قال فذكر له القنع يعنى الشبور ( 1 ) وقال زياد شبور اليهود فلم يعجبه

ذلك وقال هو من أمر اليهود قال فذكر له الناقوس فقال هو من أمر النصارى

فانصرف عبدالله بن زيد وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرى الاذان

في منامه قال فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال يا رسول الله إنى لبين

نائم ويقظان إذ أتانى آت فأرانى الاذان قال وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه

قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما قال ثم اخبر النبى صلى الله عليه وسلم فقال له ما منعك

ان تخبرنى فقال سبقنى عبدالله بن زيد فاستحييت فقال رسول الله صلى الله

عليه وسلم يا بلال قم فانظر ماذا يأمرك به عبدالله بن زيد فافعله فأذن بلال .

* ( هامش ) * ( 1 ) القنع بضم القاف ، والشبور بفتح الشين المعجمة وضم الباء المشددة وهو البوق . ( * )

ـ270ـ

قال ابوبشر فاخبرنى أبوعمير ان الانصار تزعم أن عبدالله بن زيد لولا أنه

كان يومئذ مريضا لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا . وروينا عن ابن

إسحق من طريق زياد ومن طريق أبى داود ثنا محمد بن منصور الطوسى ثنا يعقوب

ثنا أبى عن محمد بن إسحق قال حدثنى محمد بن ابراهيم بن الحرث التيمى عن محمد

ابن عبدالله بن زيد بن عبد ربه قال حدثنى أبى عبدالله بن زيد قال لما أمر

رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس يجمع للصلاة

طاف بى وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبدالله أتبيع الناقوس قال

وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك

فقلت بلى فقال تقول : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد

أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حى على

الصلاة حى على الصلاة حى الفلاح حى الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله

إلا الله . قال ثم استأخر عنى غير بعيد ثم قال تقول إذا أقمت الصلاة :

الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حى على الصلاة

حى على الفلاح قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله . فلما أصبحت

أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال إنها لرؤيا حق إن

شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فانه أندى صوتا منك فقمت

مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في

بيته فخرج يجر رداءه يقول والذى بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد . اللفظ لابى داود . قال ابن هشام

وذكر ابن جريج قال قال لى عطاء سمعت عبيد بن عمير يقول ائتمر النبى صلى الله عليه وسلم

وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة فبينما عمر بن الخطاب يريد ان يشترى خشبتين

للناقوس إذ رأى في المنام ان لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة فذهب إلى النبى

ـ271ـ

صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذى رأى وقد جاء النبى صلى الله عليه وسلم الوحى

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 271 سطر 1 الى ص 280 سطر 23

صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذى رأى وقد جاء النبى صلى الله عليه وسلم الوحى

بذلك فما راع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اخبره

بذلك قد سبقك بذلك الوحى وكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلال

وابن أم مكتوم و أبومحذورة وسعد القرظ وهو ابن عائذ مولى عمار بن ياسر وكان

يلزم التجارة في القرظ فعرف بذلك وكان يؤذن لاهل قباء ، وابن أم مكتوم عمرو

ابن قيس العامرى . وقيل عبدالله و ابومحذورة سمره بن معير وقيل أوس . وروينا

عن الطبرانى حدثنا ابو عبدالرحمن النسائى ثنا إسحق بن ابراهيم بن راهويه ثنا

معاذ بن هشام ثنا أبى عن عامر الاحول عن مكحول عن عبدالله بن محيريز

عن ابى محذورة قال علمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : الله اكبر الله اكبر الله اكبر

اشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمدا رسول الله اشهد أن

محمدا رسول الله ثم يعود فيقول اشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن لا إله إلا الله

اشهد أن محمدا رسول الله اشهد أن محمدا رسول الله حى على الصلاة حى على الصلاة

حى على الفلاح حى على الفلاح الله أكبر الله اكبر لا إله إلا الله . رواه النسائى

في سننه كذلك . ورواه مسلم عن ابى راهويه فوقع لنا عاليا وهذا من أعز ا لموافقات .

قال ابن إسحق ونصبت عند ذلك احبار يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم

العداوة بغيا وحسدا وضغنا لما خص الله به العرب من أخذه رسوله منهم وانضاف

اليهم رجال من الاوس والخزرج ممن كان غسا على جاهليته فكانوا أهل نفاق

على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالمبعث إلا ان الاسلام قهرهم بظهوره واجتماع

قومهم عليه فظهروا بالاسلام واتخذوه جنة من القتل ونافقوا في السر فكان هواهم

مع يهود وكان احبار يهودهم الذين يسئلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعنتونه

ليلبسوا الحق بالباطل فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسئلون عنه إلا قليلا من

المسائل في الحلال والحرام كان المسلمون يسئلون عنها فمن اليهود الموصوفين بذلك

ـ272ـ

حيى بن اخطب واخواه ياسر وجدى وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع بن أبى

الحقيق وكعب بن الاشرف و عبدالله بن صوريا الاعور من بنى ثعلبة بن الفطيون ( 1 )

ولم يكن بالحجاز في زمانه أعلم بالتوراة وابن صلوبا ومخيريق وكان حبرهم .

وذكر ابن إسحق منهم جماعة منهم عبد الله بن سلام وكان خيرهم وأعلمهم

وكان اسمه الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله . ( 2 )

* ( هامش ) * ( 1 ) بكسر الفاء وسكون الطاء وفتح الياء .

( 2 ) في هامش الاصل " بلغ مقابلة لله الحمد " . ( * )

ـ273ـ

( إسلام عبدالله بن سلام رضى الله تعالى عنه )

وهو من بنى اسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب نبى الله وهو حليف للقواقلة

وهم بنو غنم وبنو سالم ابنى عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج . روينا عن ابن

سعد أخبرنا عبدالله بن عمر وأبومعمر المنقرى ثنا ع بدالوارث بن سعيد ثنا

عبدالعزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال أقبل نبى الله صلى الله عليه وسلم

إلى المدينة قالوا جاء نبى الله فاستشرفوا ينظرون إذ سمع به عبدالله بن سلام وهو

في نخل لاهله يخترف ( 1 ) لهم منه فعجل أن يضع التى يخترف لهم فيها فجاء وهى معه

فسمع من نبى الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله قال فلما خلى نبى الله صلى

الله عليه وسلم جاء عبدالله بن سلام فقال أشهد أنك رسول الله حقا وأنك

جئت بحق ولقد علمت اليهود أنى سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن اعلمهم فادعهم

فاسئلهم عنى قبل أن يعلموا أنى قد أسلمت فانهم ان يعلموا انى قد أسلمت قالوا

في ماليس في فأرسل نبى الله صلى الله عليه وسلم اليهم فدخلوا عليه فقال لهم نبى

الله صلى الله عليه وسلم يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذى لا إله إلا هو

إنكم لتعلمون أنى رسول الله حقا وانى جئتكم بحق اسلموا قالوا ما نعلمه فأعادها

عليهم ثلاثا وهم يجيبونه كذلك قال فأى رجل فيكم عبدالله بن سلام قالوا ذاك

سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن اعلمنا قال أفرأيتم ان أسلم قالوا حاشى لله

ما كان ليسلم فقال يا ابن سلام أخرج عليهم فخرج اليهم فقال يا معشر اليهود

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : يجتنى . ( * )

ـ274ـ

ويلكم اتقوا الله والله الذى لا إله إلا هو إنكم لتعلمون انه رسول الله حقا وانه

جاء بالحق فقالوا كذبت فأخرجهم النبى صلى الله عليه وسلم . رواه البخارى من

حديث عبدالعزيز بن صهيب . وروينا من طريق البخارى حدثنى حامد بن

عمر عن بشر بن المفضل ثنا حميد ثنا أنس أن عبدالله بن سلام بلغه مقدم النبى

صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه يسئله عن أشياء فقال انى سائلك عن ثلاث

لا يعلمهن إلا نبى ما أول اشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال

الولد ينزع إلى أبيه وإلى أمه قال أخبرنى بهن جبريل آنفا قال ابن سلام ذاك

عدو اليهود من الملائكة قال أما أول اشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق

إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت وأما الولد فاذا

سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد

قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت ( 1 )

فذكر نحو ما تقدم . وروينا عن ابن سعد أخبرنا يزيد بن هارون قال انا جويبر

عن الضحاك في قوله ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من

بنى اسرائيل على مثله ) قال جاء عبدالله بن سلام إلى رسول الله صلى الله عليه

وسلم فقال يا رسول الله إن اليهود أعظم قوم عضيهة ( 2 ) فسلهم عنى وخذ عليهم ميثاقا

أنى إن اتبعتك وآمنت بكتابك ان يؤمنوا بك وبكتابك الذى أنزل عليك

واخبئنى يا رسول الله قبل ان يدخلوا عليك فأرسل إلى اليهود فقال ما تعلمون

عبدالله بن سلام فيكم قالوا خيرنا واعلمنا بكتاب الله سيدنا وعالمنا وافضلنا

قال ارأيتم ان شهد أنى رسول الله وآمن بالكتاب الذى أنزل على تؤمنون بى

قالوا نعم قدعاه فخرج عليهم عبدالله بن سلام فقال يا عبدالله بن سلام أما تعلم

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : يواجهون بالباطل .

( 2 ) أى : كذبا وبهتانا ونميمة . ( * )

ـ275ـ

أنى رسول الله تجدونى مكتوبا عندكم في التوراة والانجيل أخد الله ميثاقكم ان

تؤمنوا بى وان يتبعنى من أدركنى منكم قال بلى قالوا ما نعلم انت رسول الله

وكفروا به وهم يعلمون انه رسول الله وان ما قال حق فأنزل الله ( قل ارأيتم إن

كان من عند الله - يعنى الكتاب - والرسول وكفرتم به وشهد شاهد من بنى إسرائيل

على مثله - يعنى عبدالله بن سلام - فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدى القوم الظالمين )

ففى ذلك نزلت هذه الآية .

ـ277ـ

( خبر مخيريق )

قال ابن اسحق : وكان حبرا عالما غنيا كثير الاموال من النخل وكان يعرف

رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته وما يجد في علمه وغلب عليه إلف دينه فلم

يزل على ذلك حتى كان يوم أحد يوم السبت قال والله يا معشر يهود إنكم لتعلمون

أن نصر محمد عليكم لحق قالوا إن اليوم يوم السبت قال لا سبت لكم ثم أخذ

سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأحد وعهد إلى

من وراءه من قومه ان قتلت هذا اليوم فأموالى إلى محمد يصنع فيها ما أراه الله

فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنى

يقول مخيريق خير يهود وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمواله فعامة صدقات رسول الله

صلى الله عليه وسلم بالمدينة منها . وقال الواقدى كان مخيريق أحد بنى النضير

حبرا عالما فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ماله له وهو سبعة حوائط ( 1 )

فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة وهى الميثب والضيافة والدلال وحسنى

وبرقة والاعواف ومشربة أم ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى مارية القبطية .

وذكر ابن اسحق عن عبدالله بن أبى بكر قال حدثت عن صفية ابنة حيى أنها

قالت كنت أحب ولد أبى اليه وإلى عمى أبى ياسر فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم

المدينة غدوا عليه ثم جاءا من العشى فسمعت عمى يقول لابى أهو هو قال نعم

والله قال أتعرفه وتثبته قال نعم قال فما نفسك منه قال عداوته والله ما بقيت .

وذكر ابن إسحق من المنافقين زوى بن الحرث والحرث بن سويد وجلاس

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : بساتين . ( * )

ـ278ـ

ابن سويد وكان ممن تخلف عن غزوة تبوك وقال لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن

شر من الحمر فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن سعد وكان في حجر جلاس

خلف على أمه فقال له عمير والله يا جلاس إنك لاحب الناس إلى وأحسنهم عندى

يدا ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عنك لافضحنك عنها ولئن صمت عنها ليهلكن

دينى ولاحداهما أيسر على من الاخرى ، ثم مشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له

ما قال جلاس فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كذب على

عمير وما قلت ما قال فأنزل الله تعالى ( يستحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة

الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) إلى قوله ( وما لهم في الارض من ولى ولا نصير )

فزعموا أنه تاب فحسنت توبته . وزاد ابن سعد في هذا الخبر : فقال يعنى جلاسا

قد قلته وقد عرض الله على التوبة فأنا أتوب فقبل ذلك منه ، وكان له قتيل في

الاسلام فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ديته فاستغنى بذلك . قال وكان قد هم أن

يلحق بالمشركين قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للغلام وفت أذنك .

وقال الواقدى ولم ينزع الجلاس عن خير كان يصنعه إلى عمير فكان ذلك مما

عرفت به توبته ، وأخوه الحارث هو الذى قتل المجذر بن ذياد البلوى يوم أحد

بأبيه سويد بن الصامت فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب بقتل الحارث

إن ظفر به ففاته فكان بمكة ثم بعث إلى أخيه الجلاس يطلب التوبة فأنزل

الله فيه فيما بلغنى عن ابن عباس ( كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم )

إلى آخر القصة . وقال الواقدى إن الحارث أتى مسلما بعد الفتح وكان قد ارتد

ولحق بالمشركين فقتله النبى صلى الله عليه وسلم بالمجذر ، ومن بنى ضبيعة بن زيد

بجاد بن عثمان ونبتل بن الحرث وهو الذى قال إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه

فأنزل الله فيه ( ومنهم الذين يؤذون النبى ويقولون هو أذن ) وأبوحبيبة بن الازعر

وكان ممن بنى مسجد الضرار وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وهما اللذان عاهدا

ـ279ـ

الله ( لن آتانا من فضله ) إلى آخر القصة ومعتب الذى قال يوم أحد ( لو كان لنا من

الامر شئ ما قتلنا هاهنا ) وهو الذى قال يوم الاحزاب كان محمد يعدنا أن نأكل

كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط فأنزل الله ( وإذ

يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) . وأنكر

ابن هشام دخول ثعلبة ومعتب في المنافقين وعباد بن حنيف أخو سهل وعثمان

وجارية بن عامر وابناه مجمع وزيد . وقيل لا يصح عن مجمع النفاق . وذكر

آخرين ومن بنى أمية بن زيد وديعة بن ثابت وهو الذى كان يقول ( إنما كنا

نخوض ونلعب ) ومن بنى عبد خدام بن خالد وهو الذى أخرج مسجد الضرار

من داره وبشر ورافع بن زيد . ومن بنى النبيت عمر بن مالك بن الاوس مربع

ابن قيظى وأخوه أوس وأوس الذى قال يوم الخندق إن بيوتنا عورة فأذن

لنا فلنرجع اليها فأنزل الله فيه ( يقولون إن بيوتنا عورة وما هى بعورة ) الآية .

ومن بنى ظفر حاطب بن أمية وبشير بن أبير والحرث بن عمرو بن حارثة .

وعند ابن إسحق بشير وهو أبوطعمة سارق الدرعين الذى أنزل الله فيه

( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) وقزمان حليف لهم وهو المقتول يوم أحد

بعد أن أبلى في المشركين قتل نفسه بعد أن أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل

النار . ولم يكن في بنى عبد الاشهل منافق ولا منافقة إلا أن الضحاك بن ثابت

اتهم بشئ من ذلك ولم يصح . ومن الخزرج من بنى النجار رافع بن وديعة وزيد

ابن عمرو وعمر بن قيس وقيس بن عمرو بن سهل . ومن بنى جشم بن الخزرج

الجد بن قيس وهو الذى يقول يا محمد إئذن لى ولا تفتنى . ومن بنى عوف بن الخزرج

عبدالله بن أبى بن سلول وكان رأس المنافقين وهو الذى قال ( لئن رجعنا إلى المدينة

ليخرجن الاعز منها الاذل ) في غزوة بنى المصطلق وفيه نزلت سورة المنافقين بأسرها .

ـ280ـ

قال أبوعمر : وزيد بن أرقم هو الذى رفع إلى رسول الله صلى الله عليه

وسلم عن عبدالله بن أبى قوله لئن رجعنا إلى المدينة فأكذبه عبدالله

ابن أبى وحلف فأنزل الله تصديق زيد بن أرقم فتبادر أبوبكر وعمرو إلى

زيد ليبشراه فسبق أبوبكر فأقسم عمرو أن لا يبادره بعدها إلى شئ وجاء النبى

صلى الله عليه وسلم فأخذ بأذن زيد وقال وفت أذنك يا غلام . ووديعة وسويد وداعس من

رهط ابن سلول وهم و عبدالله بن أبى الذين كانوا يدسون إلى بنى النضير حين

حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اثبتوا فوالله لئن أخرجتم لنخرجن معكم القصة . وكان

النفاق في الشيوخ ولم يكن في الشباب إلا في واحد وهو قيس بن عمرو بن سهل

رجع إلى ابن إسحق : فكان ممن تعوذ بالاسلام وأظهره وهو منافق من أحبار

يهود من بنى قينقاع سعد بن حنيف وزيد بن اللصيت ونعمان بن أوفى بن عمرو

وعثمان بن أوفى وزيد بن اللصيت هو الذى قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى

الله عليه وسلم يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدرى أين ناقته فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم وجاءه الخبر بما قال عدو الله إن قائلا قال يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء

ولا يدرى أين ناقته وإنى والله ما أعلم إلا ما علمنى ربى وقد دلنى الله عليها وهى

في هذا الشعب قد حبسها شجرة بزمامها فذهب رجال من المسلمين فوجدوها حيث

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصف . ورافع بن حريملة وهو الذى قال

له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات " قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين "

ورفاعة بن زيد بن التابوت وهو الذى اشتدت الريح يوم موته فقال رسول الله

صلى الله عليه وسلم وهو قافل من غزوة بنى المصطلق " إنها هبت لموت عظيم من

عظماء الكفار " وسلسلة بن برهام وكنانة بن صوريا وكان هؤلاء يحضرون المسجد

فيسخرون من المسلمين فأمر صلى الله عليه وسلم باخراجهم منه فأخرجوا ففيهم

نزل صدر سورة البقرة إلى المائة منها . قال ابن اسحق وكتب رسول الله صلى الله

ـ281ـ

عليه وسلم إلى يهود خيبر فيما حدثنى مولى لآل زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 281 سطر 1 الى ص 290 سطر 24

عليه وسلم إلى يهود خيبر فيما حدثنى مولى لآل زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد

ابن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول

الله صلى الله عليه وسلم صاحب موسى وأخيه والمصدق لما جاء به موسى ألا إن الله تعالى قد

قال لكم يا معشر يهود أهل التوراة وإنكم تجدون ذلك في كتابكم ( محمد رسول

الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا

من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم

في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع

ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )

وإنى أنشدكم بالله وأنشدكم بما أنزل عليكم وأنشدكم بالذى أطعم من كان قبلكم

من أسباطكم المن والسلوى وأنشدكم بالذى أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم

من فرعون وعمله إلا أخبرتمونا هل تجدون فيما أنزل عليكم أن تؤمنوا بمحمد وإن

كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كره عليكم قد تبين الرشد من الغى فأدعوكم

إلى الله والى نبيه . وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن يهود كانوا يستفتحون

على الاوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب كفروا

به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه . فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء يا معشر

يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك وتخبروننا

أنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته . فقال سلام بن مشكم أحد بنى النضير ما جاءنا

بشئ نعرفه ما هو بالذى كنا نذكره لكم فأنزل الله في ذلك من قولهم ( ولما جاءهم

كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا

فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين .

قال ابن إسحق : وقال مالك بن الضيف حين بعث رسول الله صلى الله عليه

ـ282ـ

وسلم وذكر لهم ما أخذ الله عليهم له من الميثاق وما عهد الله اليهم فيه والله ما عهد

الينا في محمد عهد وما أخذ له علينا ميثاق فأنزل الله فيه ( أو كلما عاهدوا عهدا

نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ) وقال ابن صلوبا القطيونى لرسول الله

صلى الله عليه وسلم يا محمد ما جئتنا بشئ نعرفه وما أنزل الله عليك من آية بينة

فنتبعك بها فأنزل الله في ذلك من قوله تعالى ( ولقد أنزلنا إليك آيات بينات

وما يكفر بها إلا الفاسقون ) وقال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله صلى

الله عليه وسلم يا محمد إئتنا بكتاب تنزله من السماء نقرؤه وفجر لنا أنهارا نتبعك

ونصدقك فأنزل الله في ذلك ( أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى

من قبل ومن يتبدل الكفر بالايمان فقد ضل سواء السبيل ) وكان حيى بن أخطب

وأبوياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسدا إذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه وسلم

فكانا جاهدين في رد الناس عن الاسلام بما استطاعا فأنزل الله فيهما ( ود كثير

من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم

من بعد ما تبين لهم الحق ) الآية . ولما قدم أهل نجران من النصارى على رسول

الله صلى الله عليه وسلم أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال

رافع بن حريملة ما أنتم على شئ وكفر بعيسى وبالانجيل فقال رجل من أهل نجران

من النصارى لليهود ما أنتم على شئ وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة فأنزل الله

تعالى ( وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على

شئ ) الآية . وقال رافع بن حريملة يا محمد إن كنت رسولا من الله كما تقول فقل لله

فليكلمنا فأنزل الله ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) وقال

عبد الله بن صوريا الاعور ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد . وقالت

النصارى مثل ذلك فأنزل الله تعالى ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا )

الآية . وسأل معاذ بن جبل وسعد بن معاذ وخارجة بن زيد نفرا من أحبار يهود

ـ283ـ

عن بعض ما في التوراة فكتموهم إياه فأنزل الله ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من

البينات والهدى ) الآية . ودعا عليه السلام اليهود إلى الاسلام فقال له رافع

ومالك بن عوف بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا فأنزل الله ( وإذا قيل لهم اتبعوا

ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ) ولما أصاب الله قريشا يوم بدر

جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود في سوق بنى قينقاع حين قدم المدينة فقال يا معشر

يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما أصاب به قريشا قالوا له يا محمد لا يغرنك

من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال إنك والله

لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وانك لم تلق مثلنا وأنزل الله ( قل للذين كفروا

ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ) الآية والتى بعدها . ودخل رسول

الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس على جماعتهم من يهود فدعاهم إلى الله فقال له

النعمان بن عمرو والحارث بن زيد وعلى أى دين أنت يا محمد قال على ملة ابراهيم

ودينه قالا فان ابراهيم كان يهوديا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلم إلى

التوراة فهى بيننا وبينكم فأبيا عليه فأنزل الله ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من

الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون )

الآية والتى تليها . وقال أحبار يهود ما كان ابراهيم إلا يهوديا وقالت نصارى

نجران ما كان إلا نصرانيا فأنزل الله ( يا أهل الكتاب لم تحاجون في ابراهيم )

الآيات إلى ( والله ولى المؤمنين ) . وقال عبدالله بن صيف وعدى بن زيد

والحرث بن عوف بعضهم لبعض تعالوا نؤمن بما أنزل الله على محمد غدوة ونكفر به

عشية حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعون عن دينهم

فأنزل الله ( يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم

تعلمون ) إلى قوله ( والله واسع عليم ) وقال أبونافع القرظى حين اجتمعت الاحبار

من يهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم

ـ284ـ

إلى الاسلام أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم

وقال رجل من نصارى نجران مثله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ الله

أن يعبد غير الله فأنزل الله تعالى ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم

والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله ) الآية . ثم ذكر ما أخذ

عليهم من الميثاق بتصديقه فقال ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيناكم من

كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ) إلى آخر

القصة . ومر شاس بن قيس وكان شيخا قد عسا ( 1 ) عظيم الكفر شديد الطعن على

المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاوس

والخزرج يتحدثون فغاظه ما رأى من إلفتهم وجماعتهم بعد ما كان بينهم من العداوة

فقال قد اجتمع ملا بنى قيلة بهذه البلاد لا والله مالنا معهم إذا اجتمعوا من قرار

فأمر فتى شابا من يهود كان معهم فقال اعمد اليهم فاجلس معهم ثم اذكر يوم بغاث

وما كان فيه وأنشدهم بعض ما كانوا يتقاولون فيه من الاشعار ففعل فتكلم القوم

عند ذلك وتنازعوا حتى تواثب رجلان على الركب أوس بن قيظى من الاوس

وجبار بن صخر من الخزرج فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه إن شئتم رددتها الآن

جذعة وغضب الفريقان جميعا وقالوا قد فعلنا موعدكم الظاهرة - والظاهرة الحرة -

السلاح السلاح فخرجوا وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج اليهم

فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال يا معشر المسلمين الله الله

أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله إلى الاسلام وأكرمكم به

وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم من الكفر وألف به بينكم فعرف القوم

أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فبكوا وعانق الرجال من الاوس الرجال

من الخزرج ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنز الله في شاس بن

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : كبر . ( * )

ـ285ـ

قيس ( قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا )

الآية . وفى أوس وجبار ( يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا

الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ) إلى قوله ( أولئك لهم عذاب عظيم ) وكان

رجال من المسلمين يواصلون رجالا من يهود لما كان بينهم من الجوار فأنزل الله

تعالى ( يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ) إلى ( عليم

بذات الصدور ) ودخل أبوبكر بيت المدراس فقال لفنحاص اتق الله وأسلم والله

إنك لتعلم أن محمدا لرسول الله فقال والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر وإنه الينا

لفقير فغضب أبوبكر وضرب وجه فنحاص ضربا شديدا وقال لولا العهد الذى

بيننا وبينك لضربت عنقك فشكاه فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له

أبوبكر ما كان منه فأنكر قوله ذلك فأنزل الله تعالى ( لقد سمع الله قول الذين

قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) الآية . وأنزل في أبى بكر ( ولتسمعن من الذين

أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ) الآية . وكان كردم

ابن قيس وأسامة بن حبيب في نفر من يهود يأتون رجالا من الانصار يتنصحون

لهم فيقولون لهم لا تنفقوا أموالكم فانا نخشى عليكم الفقر فأنزل الله فيهم ( الذين

يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله - أى التوراة

التى فيها تصديق ما جاء محمد - وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) وكان رفاعة

ابن زيد بن التابوت من عظماء يهود إذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى

لسانه وقال أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ثم طعن في الاسلام وعابه فأنزل الله

فيه ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن

تضلوا السبيل ) إلى ( ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) وكلم رسول الله

صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبدالله بن صوريا الاعور وكعب

ابن أسد فقال لهم يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذى

ـ286ـ

جئتكم به لحق قالوا ما نعرف ذلك فأنزل الله ( يأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا

بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم

كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا ) وقال سكين بن عدى بن زيد

يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شئ بعد موسى فأنزل الله تعالى ( إنا أوحينا

اليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) إلى قوله ( وكان الله عزيزا حكيما )

ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة منهم فقال لهم أما والله إنكم

لتعلمون أنى رسول الله قالوا ما نعلمه وما نشهد عليه فأنزل الله تعالى ( لكن الله

يشهد بما أنزل اليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ) وأتى

رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضا وبحرى بن عمرو وشاس بن عدى

فكلموه وكلمهم ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا ما تخوفنا يا محمد نحن أبناء الله

وأحباؤه كقول النصارى فأنزل الله تعالى فيهم ( وقالت اليهود والنصارى نحن

أب ناء الله وأحباؤه ) الآية . ودعاهم إلى الاسلام مرة وحذرهم عقوبة الله فأبوا

عليه فقال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب يا معشر يهود اتقوا

الله فوالله إنكم لتعلمون انه رسول الله ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه

بصفته ، فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهوذا ما قلنا لكم هذا وما أنزل الله من

كتاب بعد موسى وما أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده فأنزل الله وذلك في قولهما ( يا أهل

الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا

نذير فقد جاءكم بشير ونذير ) الآية . واجتمع أحبارهم في بيت المدراس فأتوا

برجل وامرأة زنيا بعد إحصانهما فقالوا حكموا فيهما محمدا فان حكم فيهما بحكمكم

من التجبية وهو الجلد بحبل من ليف يطلى بقار ثم نسود وجوههما ثم يحملان

على حمارين وجوهما من قبل أدبار الحمارين فانما هو ملك فان حكم فيهما بالرجم

فهو نبى فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه ففعلوا ، فمشى رسول الله صلى الله

ـ287ـ

عليه وسلم حتى أتى بيت المدراس فقال لهم أخرجوا إلى علماءكم فأخرجوا له عبدالله

ابن صوريا فخلا به يناشده هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في

التوراة قال اللهم نعم أما والله يا أبا القاسم انهم ليعرفون أنك نبى مرسل ولكنهم

يحسدونك قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهما فرجما عند باب مسجده

ثم جحد ابن صوريا بعد ذلك نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ( يأيها

الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن

قلوبهم ) الآية . وفى بعض طرق هذا الحديث أن حبرا منهم جلس يتلو التوراة

بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده على آية الرجم فضرب عبدالله بن سلام

يده وقال هذه آية الرجم أبى أن يتلوها عليك . الحديث . وقال كعب بن أسد

وابن صلوبا وابن صوريا وشاس بن قيس بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا

نفتنه عن دينه فانما هو بشر فأتوه فقالوا قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وأنا

إن اتبعناك اتبعك يهود ولم يخالفونا وان بيننا وبين بعض قومنا خصومة فنحاكمهم

اليك فتقضى لنا عليهم ونؤمن بك ونصدقك فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه

وسلم فأنزل الله ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) إلى قوله ( ومن

أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة

منهم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال ( نؤمن بالله وما أنزل الينا وما أنزل إلى

ابراهيم واسمعيل واسحق ويعقوب والاسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى

النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) فلما ذكر عيسى

جحدوا نبوته وقالوا لا نؤمن بعيسى ولا نؤمن بمن آمن به فأنزل الله ( يا أهل

الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل من قبل وان

أكثركم فاسقون ) وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن حارثة وسلام بن مشكم ومالك

ابن الصيف ورافع بن حريملة فقالوا يا محمد ألست تزعم أنك على ملة ابراهيم ودينه

ـ288ـ

وتؤمن بما عندنا من التوراة وتشهد أنها من الله حق قال بلى ولكنكم أحدثتم

وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق وكتمتم منها ما أمرتم ان تبينوه للناس

فبرئت من احداثكم قالوا فانا نأخذ بما في أيدينا فانا على الهدى والحق ولا نؤمن

بك ولا نتبعك فأنزل الله تعالى ( قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا

التوراة والانجيل وما أنزل اليكم من ربكم ) الآية . وكان رفاعة بن زيد بن التابوت

وسويد بن الحارث قد أظهرا الاسلام ونافقا فكان رجال من المسلمين يوادونهما

فأنزل الله تعالى ( يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزؤا ولعبا من

الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء ) إلى قوله ( والله أعلم بما كانوا

يكتمون ) . وقال جبل بن أبى قيشير وشمويل بن زيد يا محمد متى الساعة إن كنت

نبيا فأنزل الله ( يسئلونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربى )

الآية وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى ومحمود

ابن دحية في نفر منهم فقالوا له كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن

عزيرا ابن الله فأنزل الله ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح

ابن الله ذلك قولهم بأفواههم ) الآية . وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمود

ابن سيحان وعزير بن أبى عزير في جماعة منهم فقالوا إنا لا نرى ما جئت به متسقا

كما تتسق التوراة أما يعلمك هذا إنس ولا جن فقال لهم أما والله انكم لتعلمون أنه من

عند الله وأنى رسول الله تجدون ذلك مكتوبا عندكم في التوراة قالوا فان الله يصنع

لرسوله إذا بعثه ما يشاء فأنزل علينا كتابا من السماء نقرؤه ونعرفه وإلا جئناك

بمثل ما تأتى به فأنزل الله ( قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا

القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) وقال قوم منهم لعبد الله بن

سلام حين أسلم ما تكون النبوة في العرب ولكن صاحبك ملك منقول ثم جاءوا

فسألوه عن ذى القرنين فقص عليهم ما جاءه من الله فيه مما كان قص على قريش

ـ289ـ

وهم كانوا ممن أمر قريشا أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه حين بعثوا

اليهم النضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط وأتى رهط منهم رسول الله صلى الله

عليه وسلم فقالوا يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه فغضب حتى امتقع لونه ثم

ساورهم غضبا لربه فجاءه جبريل فسكنه وأنزل عليه ( قل هو الله أحد ) السورة

فلما تلاها عليهم قالوا فصف لنا كيف خلقه وكيف ذراعه وكيف عضده فغضب

أشد من غضبه الاول فأتاه جبريل من الله تعالى بقوله تعالى ( وما قدروا الله حق

قدره ) الآية . وكان الذين حزبوا الاحزاب من قريش غطفان وبنى قريظة حيى

ابن أخطب وسلام بن أبى الحقيق أبورافع والربيع بن الربيع بن أبى الحقيق

وأبوعمار ووحوح بن عامر وهوذة بن قيس فإما وحوح وأبوعمار وهوذة فمن بنى

وائلة وسائرهم من بنى النضير فلما قدموا على قريش قالوا هؤلاء أحبار يهود وأهل

العلم بالكتاب الاول فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد فسألوهم فقالوا بل دينكم

خير من دينه وأنتم أهدى منه ومن اتبعه فأنزل الله فيهم ( ألم تر إلى الذين

أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء

أهدى من الذين آمنوا سبيلا ) إلى قوله ( ملكا عظيما ) .

قال ابن إسحق : وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران

ستون راكبا فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم في الاربعة عشر منهم ثلاثة نفر

اليهم يؤل أمرهم العاقب أمير القوم وذو رأيهم واسمه عبد المسيح والسيد ثمالهم

وصاحب رجلهم واسمه الايهم وأبوحارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل أسقفهم

وخيرهم وحبرهم وامامهم فكان أبوحارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه

في دينهم فكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا

له الكنائس فبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم

ـ290ـ

فلما وجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران جلس أبوحارثة على بغلة

له موجها إلى جنبه أخ له يقال له كوز بن علقمة فعثرت بغلة أبى حارثة فقال

كوز ( 1 ) تعس الا بعد يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبوحارثة بل أنت تعست قال ولم

يا أخى قال بلى والله انه للنبى الذى كنا ننتظر فقال له كوز فما يمنعك منه وأنت تعلم هذا

قال ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا وأكرمونا وقد أبوا إلا خلافه فلو فعلت

نزعوا منا كل ما ترى فأضمر عليها منه أخوه كوز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك

فهو كان يحدث عنه هذا الحديث فيما بلغنى ودخلوا على النبى صلى الله عليه وسلم مسجده حين

صلى العصر عليهم ثياب الحبرات ( 2 ) جبب وأردية في جمال رجال بنى الحرث بن كعب

فقال يقول بعض من رآهم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يومئذ ما رأينا بعدهم

وفدا مثلهم وقد حانت صلاتهم فقالوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم

يصلون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فصلوا إلى المشرق وكان تسمية

الاربعة عشر السيد والعاقب وأبوحارثة وأوس والحرث وزيد وقيس ويزيد ونبيه

وخويلد وعمرو وخالد و عبدالله ويحنس فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم

أبوحارثة والعاقب والايهم وهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف في

امرهم يقولون هو الله ويقولون هو ولد الله ويقولون هو ثالث ثلاثة وكذلك قول

النصرانية فهم يحتجون في قولهم هو الله بأنه كان يحيى الموتى ويبرئ الاسقام

ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طائرا ، وذلك

كله بأمر الله

تبارك وتعالى وليجعله آية للناس ، ويحتجون في قولهم بأنه ثالث

ثلاثة بقول الله فعلنا وامرنا وخلقنا وقضينا فيقولون لو كان واحدا ما قال الا فعلت

* ( هامش ) * ( 1 ) بضم الكاف وآخره زاى . كذا قيده ابن ماكولا ، وهو كور بن علقمة .

واما كرز بن علقمة بالراء بدل الواو فهو صحابى غيره .

( 2 ) من ثياب اليمن ( * )

ـ291ـ

وامرت وقضيت وخلقت ولكنه هو عيسى ومريم ففى كل ذلك من قولهم نزل

............................................................................

- عيون الاثر مجلد: 1 من ص 291 سطر 1 الى ص 300 سطر 20

وامرت وقضيت وخلقت ولكنه هو عيسى ومريم ففى كل ذلك من قولهم نزل

القرآن فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم اسلما قالا قد اسلمنا

قال انكما لم تسلما فاسلما قالا بلى قد اسلمنا قبلك قال كذبتما يمنعكما من الاسلام

دعاؤكما لله ولدا وعبادتكما الصليب واكلكما الخنزير قالا فمن ابوه يا محمد فصمت

فلم يجبهما فأنزل الله صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية فلما أتى رسول

الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله عنه والفصل من القضاء بينه وبينهم وامر بما امر من

ملاعنتهم ان ردوا ذلك عليه دعاهم إلى ذلك فقالوا يا ابا القاسم دعنا ننظر في

امرنا ثم نأتك بما تريد ان تفعل فيما دعوتنا اليه فانصرفوا عنه ثم خلوا بالعاقب

وكان ذا رأيهم فقالوا يا عبد المسيح ما ترى فقال والله يا معشر النصارى لقد عرفتم

ان محمدا لنبى مرسل ولقد جاءكم من خبر صاحبكم ولقد علمتم ما لاعن قوم نبيا قط

فبقى كبيرهم ولا نبث صغيرهم وانه للاستئصال منكم ان فعلتم فان كنتم قد ابيتم

الا الف دينكم والاقامة على ما انتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل ثم

انصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا ابا القاسم قد رأينا ان لا نلاعنك

وان نتركك على دينك ونرجع على ديننا ولكن ابعث معنا رجلا من اصحابك

ترضاه لنا يحكم بيننا في اشياء اختلفنا فيها من اموالنا فانكم عندنا رضى فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتونى العشية ابعث معكم القوى الامين فكان

عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول ما احببت الامارة قط حبى اياها يومئذ رجاء

ان يكون صاحبها فرحت إلى الظهر مهجرا فلما صلى بنا رسول الله صلى عليه وسلم الظهر

سلم ثم نظر عن يمينه ويساره فجعلت اتطاول ليرانى فلم يزل يلتمس ببصره حتى

رأى ابا عبيدة بن الجراح فدعاه فقال اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا

فيه قال عمر فذهب بها ابوعبيدة رضى الله عنه .

ـ292ـ

( خبر عبدالله بن ابى سلول وابى عامر الفاسق )

وكان يقال له الراهب

قال ابن اسحق : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كما حدثنى عاصم

ابن عمر بن قتادة وسيد اهلها عبدالله بن ابى سلول لا يختلف عليه في شرفه

من قومه اثنان لم يجتمع الاوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل من احد الفريقين

حتى جاء الاسلام وغيره ومعه في الاوس رجل هو في قومه من الاوس شريف

مطاع ابوعامر عبد عمر بن صيفى بن النعمان احد بنى ضبيعة بن زيد وهو ابوحنظلة

الغسيل يوم احد وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح فكان يقال له الراهب

فشقيا بشرفهما ، اما ابن ابى فكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه

عليهم فجاءهم الله برسوله وهم على ذلك فلما انصرف قومه عنه إلى الاسلام ضغن

ورأى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سلبه ملكا عظيما فلما رأى قومه قد أبوا الا الاسلام

دخل فيه كارها مصرا على نفاق ، واما ابوعامر فأبى الا الكفر والفراق لقومه

حين اجتمعوا على الاسلام فخرج منهم إلى مكة ببضعة عشر رجلا مفارقا للاسلام

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا الراهب ولكن قولوا الفاسق وكان قد

قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان يخرج إلى مكة ما هذا الذى جئت به

قال جئت بالحنيفية دين ابراهيم عليه السلام قال فأنا عليها قال له رسول الله

صلى الله عليه وسلم انك لست عليها قال بلى انك ادخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس منها قال

ما فعلت ولكنى جئت بها بيضاء نقية قال الكاذب أماته الله طريدا غريبا

وحيدا فقال النبى صلى الله عليه وسلم أجل فكان هو ذلك خرج إلى مكة فلما

افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة خرج إلى الطائف فلما اسلم اهل الطائف

خرج إلى الشام فمات بها طريدا غريبا وحيدا .

ـ293ـ

( جماع ابواب مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعوثه وسراياه )

ولما أذن الله عزوجل لنبيه في القتال كانت اول آية نزلت في ذلك ( أذن

للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير ) كما روينا من طريق ابن

عروبة ثنا سلمة ثنا عبدالرزاق قال انا الثورى عن الاعمش عن مسلم البطين عن

سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان يقرأ ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا )

قال وهى اول آية نزلت في القتال . وروينا عن ابن عائذ قال اخبرنا الوليد بن

محمد عن محمد بن مسلم الزهرى قال وكان اول آية نزلت في القتال قوله عزوجل

( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من

ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت

صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من

ينصره ان الله لقوى عزيز ) قرئ على ابى محمد عبدالعزيز بن عبد المنعم الحرانى

وانا اسمع اخبركم ابوعلى بن ابى القاسم بن الخريف حضورا في الخامسة قال انا

ابوبكر محمد بن عبدالباقي بن محمد الانصارى قال انا ابوالحسن على بن ابراهيم

الباقلانى قال انا ابوبكر احمد بن جعفر القطعى قال انا ابومسلم اببراهيم بن عبد

الله البصرى قال حدثنا ابوعاصم الضحاك بن مخلد عن ابن عجلان عن المقبرى

عن ابيه عن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم امرت ان اقاتل

الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فاذا قالوها عصموا منى دماءهم واموالهم الا بحقها

وحسابهم على الله تعالى .

ـ294ـ

( ذكر الخبر عن عدد مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعوثه )

روينا عن ابن سعد قال انا محمد بن عمر بن واقد الاسلمى ثنا عمر بن عثمان

ابن عبدالرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومى وموسى بن محمد بن ابراهيم بن الحرث

التيمى ومحمد بن عبدالله بن مسلم ابن اخى الزهرى وموسى بن يعقوب بن عبدالله

ابن وهب بن زمعة بن الاسود و عبدالله بن جعفر بن عبدالرحمن بن المسور بن

مخرمة الزهرى ويحيى بن عبد الله بن ابى قتادة الانصارى وربيعة بن عثمان بن

عبدالله بن الهدير التيمى واسمعيل بن ابراهيم بن ابى حبيبة الاشهلى و عبدالحميد

ابن جعفر الحكمى وعبد الرحمن بن ابى الزناد ومحمد بن صالح التمار قال ابن سعد

وانا رويم بن يزيد المقرئ ثنا هارون بن ابى عيسى عن محمد بن اسحق قال وانا

حسين بن محمد عن ابى معشر قال وانا اسمعيل بن عبدالله بن ابى اويس المدنى

عن اسمعيل بن ابراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة دخل حديث بعضهم في

حديث بعض قالوا كان عدد مغازى رسول الله صلى الله عليه وسلم التى غزا بنفسه سبعا وعشرين

وكانت سراياه التى بعث فيها سبعا واربعين سرية وكان ما قاتل فيه من المغازى

تسع غزوات بدر القتال وأحد والمريسيع والخندق وقريظة وخيبر وفتح مكة

وحنين والطائف . فهذا ما اجتمع لنا عليه ، وفى بعض رواياتهم انه قاتل في بنى

النضير ولكن الله جعلها له نفلا خاصة وقاتل في غراة وادى القرى منصرفه من

خيبر وقتل بعض اصحابه وقاتل في الغابة .

فأول مغازيه صلى الله عليه وسلم بنفسه :

ـ295ـ

( غزوة ودان )

روينا عن ابى عروبة ثنا سليمان بن سيف ثنا سعيد بن بريع ثنا محمد بن

اسحق قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر غازيا على رأس اثنى عشر شهرا من

مقدمه المدينة لاثنتى عشرة ليلة مضت من شهر صفر حتى بلغ ودان وكان يريد

قريشا وبنى ضمرة وهى غزوة الابواء ثم رجع إلى المدينة وكان استعمل عليها سعد

ابن عبادة فيما ذكره ابن هشام . قال ابن اسحق فوادعته فيها بنو ضمرة وكان

الذى وادعه منهم عليهم مخشى بن عمرو الضمرى وكان سيدهم في زمانه ذلك ثم

رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيدا

ـ296ـ

( بعث حمزة وعبيدة بن الحرث )

روينا عن ابن اسحق قال فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بها بقية صفر

وصدرا من شهر ربيع الاول وبعث في مقدمه ذلك عبيدة بن الحرث بن المطلب

ابن عبد مناف في ستين او ثمانين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الانصار

احد فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة فلقى بها جمعا عظيما من قريش

فلم يكن بينهم قتال الا ان سعد بن ابى وقاص قد رمى يومئذ بسهم فكان اول

سهم رمى به في الاسلام ثم انصرف القوم عن القوم وللمسلمين حامية وفر من

المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان وكانا مسلمين ولكنهما

خرجا ليتوصلا بالكفار وكان على القوم عكرمة بن ابى جهل وقال ابن هشام مكرر

ابن حفص بن الاخيف . قال ابن اسحق فكانت راية عبيدة فيما بلغنا اول راية

عقدت في الاسلام وبعض العلماء يزعم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه

حين اقبل من غزوة الابواء قبل ان يصل إلى المدينة وبعث في مقامه ذلك حمزة

ابن ع بدالمطلب بن هاشم إلى سيف البحر من ناحية العيض في ثلاثين راكبا

من المهاجرين ليس فيهم من الانصار احد فلقى ابا جهل بن هشام في ذلك الساحل

في ثلاثمائة راكب فحجز بينهم مجدى بن عمرو الجهنى وكان موادعا للفريقين

جميعا فانصرف بعض القوم عن بعض ولم يكن بينهم قتال فقال وبعض الناس

يقول كانت راية حمزة اول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ان

ـ297ـ

بعثه وبعث عبيدة كانا معا فشبه ذلك على الناس . وروينا عن موسى بن عقبة

ان اول البعوث بعث حمزة في ثلاثين راكبا فلقوا ابا جهل في ثلاثين ومائة راكب

من المشركين ثم كانت الابواء على رأس اثنى عشر شهرا ثم بعث عبيدة فلقوا بعثا

عظيما من المشركين على ماء يدعى الاحياء من رابغ قال وهو اول يوم التقى فيه

المسلمون والمشركون في قتال . وروينا عن ابن عائذ عن الوليد عن ابن لهيعة عن

ابى الاسود عن عروة ان راية حمزة هى الاولى . وروينا عنه ايضا عن محمد بن

شعيب عن عثمان بن عطاء الخراسانى عن ابيه عن عكرمة عن ابن عباس ذكر

بعث عبيدة ثم بعث حمزة بنحو ما ذكر ابن اسحق وروينا عن ابن سعد ان

اول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن ع بدالمطلب في شهر رمضان

على رأس سبعة اشهر لواء ابيض وكان الذى حمله ابومرثد كناز بن الحصين

الغنوى في ثلاثين راكبا من المهاجرين . قال ولم يبعث رسول الله صلى الله عليه

وسلم احدا من الانصار مبعثا حتى غزا بهم بدرا ، وذلك انهم شرطوا له انهم

يمنعونه في دارهم وخرج حمزة يعرض لعير ( 1 ) قريش قد جاءت من الشام تريد مكة

وفيها ابوجهل بن هشام في ثلاثمائة رجل ثم سرية عبيدة في ستين من المهاجرين

إلى بطن رابغ في شوال على رأس ثمانية اشهر عقد له لواء ابيض حمله مسطح بن

اثاثة فلقى ابا سفيان بن حرب في مائتين من اصحابه على ماء يقال له احيا . وقال

ابوعمر ابنى من بطن رابغ على عشرة اميال من الجحفة وانت تريد قديدا عن

يسار الطريق وانما نكبوا عن الطريق ليرعوا ركابهم .

* ( هامش ) * ( 1 ) العير : القافلة وهى الابل والدواب تحمل الطعام وغيره من التجارات . ( * )

ـ298ـ

( سرية سعد بن ابى وقاص )

إلى الخراز في ذى القعدة على رأس تسعة اشهر . عقد له لواء ابيض حمله المقداد

خمسين ومائة ويقال في مائتين من قريش من المهاجرين ممن انتدب ولم يكره

أحدا على الخروج وخرجوا على ثلاثين بعيرا يعتقبونها وخرج يعترض لعير قريش

حين أبدأت إلى الشام فكان قد جاءه الخبر بقفولها من مكة فيها أموال قريش

فبلغ ذا العشيرة وهى لبنى مدلج بناحية الينبع وبين ينبع والمدينة تسعة برد فوجد

العير التى قد خرج اليها قد مضت قبل ذلك بأيام وهى العير التى خرج اليها حين

رجعت من الشام فكانت بسببها وقعة بدر الكبرى .

ـ299ـ

( غزوة بواط ( 1 ) )

قال ابن إسحق : ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الاول

يريد قريشا حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا

واستعمل على المدينة السائب بن مظعون فيما ذكر ابن هشام ، وحمل اللواء

وكان أبيض سعد بن معاذ فيما ذكر ابن سعد ، وقال وخرج في مائتين من

اصحابه يعرض لعير قريش فيها أمية بن خلف الجمحى ومائة رجل من قريش

وألفان وخمسمائة بعير .

* ( هامش ) * ( 1 ) كغراب : جبال جهينة على ابراد من المدينة . ( * )

ـ300ـ

( غزوة العشيرة )

قال ابن إسحق : في أثناء جمادى الاولى يعنى من السنة الثانية ثم غزا قريشا

حتى نزل العشيرة من بطن ينبع فأقام بها جمادى الاولى وليالى من جمادى الآخرة

ووادع فيها بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة وفيها كنى رسول الله صلى الله عليه

وسلم عليا أبا تراب حين وجده نائما هو وعمار بن ياسر وقد علق به تراب فأيقظه

عليه السلام برجله وقال له مالك أبا تراب لما يرى عليه من التراب ثم قال ألا

أحدثكما بأشقى الناس رجلين قلنا بلى يا رسول الله قال أحيمر ثمود الذى عقر الناقة

والذى يضربك يا على على هذه - ووضع يده على قرنه حتى يبل منها هذه وأخذ

بلحيته - واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبدالاسد فيما ذكر ابن هشام . وذكر

ابن سعد أنها كانت في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهرا وحمل لواء

رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها حمزة بن ع بدالمطلب وكان أبيض وخرج في

ذلك لاصحابه وقال قد نهانى أن أستكره أحدا منكم فمضوا لم يتخلف عليه منهم

أحد وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران أضل سعد

ابن أبى وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه ( 1 ) فتخلفا عليه في طلبه

ومضى عبدالله بن جحش وأصحابه حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش فيها

عمرو بن الحضرمى وعثمان بن عبدالله بن المغيرة وأخوه نوفل ا لمخزوميان والحكم

ابن كيسان مولى هشام بن المغيرة فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم

فأشرف عليهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه فلما رأوه أمنوا وقالوا عمار .

* ( هامش ) * ( 1 ) أى : يركبه أحدهما مرة والآخر أخرى . ( * )

ـ301ـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمة ابن الصلاح تقي الدين عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح

     مقدمة ابن الصلاح  تقي الدين عثمان بن عبدالرحمن المعروف بابن الصلاح  يعد هذا الكتاب أشهر كتاب في علم مصطلح الحديث على الإطلاق ذكر في...